القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادي والستون والثاني والستون بقلم دفنا عمر

 



رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادي  والستون والثاني والستون بقلم دفنا عمر







رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادي  والستون والثاني والستون بقلم دفنا عمر





رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الحادي والستون 61 بقلم دفنا عمر



الفصل الواحد وستون.


-----------------


هيا أقبلي ياطيور الفرحة وارتدي أثوابكِ البيضاء.


هنا تنتظرك عروس أكتمل البدر في محياها.


--------


تسمرت قدمه فور رؤيتها رامقا إياها بدهشة تفوق ما تنضح من عين السيدة ذاتُها وعين رائد تتنقل بينهما في ريبة ولا يفهم ما يحدث.. 


بينما الشخص الأول يتسائل داخله.. 



+




مال أمه وهذا المكان؟


ما شأنها بمن يقبعون هنا؟


ترجم حيرته بنداء متعجب: 



+




_ماما؟!


ليكتمل اندهاشه مع قوله: 


ايه جاب حضرتك هنا؟ 


من امتى وانتي في القاهرة وليه معرفتنيش؟



+




نظرت لزوج ابنتها الذي يتابعهم باهتمام وفضوله يطفوا بمقلتيه لتهمس: أنا جيت عشان أختك.. 


لتواصل بحذر مترقبة رد فعله: أختك رودي.. اللي هي نفسها تيماء.. 



+




لبرهة تجمدت نظرته وهو يستعيد بسرعة خاطفة في عقله وجه مريضته المتواوي خلف القناع.. عيناها المسبلة، أسمها الذي لم يعرفه..رودي هي ذاتها الفتاة التي شارك في تجميل جُرحها؟ 


ما معني هذا المصادفة؟


كأن هاتف داخله يسخر منه ويقول له رغم أنفك ونفورك ستلقى شقيقتك وتمد لها يد المساعدة ولو لم تعلم أنك تفعلها..!


_ لحظة عشان أنا مش فاهم حاجة؟ 


يعني الدكتور حازم هو نفسه أخو مراتي؟


أجابت هي بينما ظل الأخر منكس الرأس يستوعب الأمر: أيو يا رائد.. حازم يبقي اخو تيماء.. 


حازم؟


حازم استني يا ابني رايح فين!! 


صاحت تنادي عليه دون أن يلبي ندائها، فغمغم رائد بعد أن أدرك أبعاد الأمر: 


_ سيبيه ياطنط يستوعب وبعدين هيكون في كلام تاني.. 



+




أطرقت بحزن وجففت دمعتها ثم تساءلت بعدها: 


تفتكر تيماء عرفته؟ 


_ معرفش، لو قبل البنج أكيد لو شافته كانت هتعرفه..لكن لو حازم دخل غرفة العمليات بعدها يبقى ما شافتوش..وانا برجح أخر احتمال لأن ببساطة لو شافته يمكن كانت رفضت يساعدها.. 


غامت عيناها: عندك حق.. سبحان الله..رغم المسافات وسنين الجفا اللي فرقت بينهم.. اتقابلوا بدون معاد عشان ربنا يجعل شفاء بنتي على إيد أخوها.. 



+




ثم نظرت له مغرورقة: ربنا استجاب دعوتي وبيساعدني اجمع ولادي تاني قبل ما اموت يا رائد..


ربت على كتفها: بعد الشر علي حضرتك، ربنا كريم مهما افترقوا هيفضلوا اخوات.. تعالي دلوقت نشوف دكتور عز و نطمن منه أكتر على رودي ونشوفها فاقت ولا لأ..وسيبي موضوع حازم هيتحل بعدين.. 


____________



+




"أختك رودي هتيجي تقضي معانا يومين أخر الأسبوع"


يسمعها بصوت والدته حين كانوا صغارا


لتعود الذكرى وتنساب في عقله. 


"رودي مابتحبش الأكلة دي.. هعملها غيرها!"


"رودي مش قصدها تأذيكم ياحازم!'


"رودي تعبانة هفضل معاها كام يوم وانت خد بالك من اختك غدير! 



+




سيل ذكريات الطفولة يتدفق دون توقف


أسمها يتردد بحجرات عقله بإلحاح 


من تيماء إذا؟


كيف لا يعرف أن لشقيقته هذا الأسم؟


وما معني أن يراها بتلك الطريقة؟


تساؤلاته تتضخم في رأسه وتكاد تفجرها


ليرحم هذا الصراع الدائر داخله رنين الهاتف: 


_ ألو


_ حازم.. عملت ايه في العملية طمني؟


استقبل صوت زوجته بغمغمة مقتضبة: الحمد لله. 


_ يعني دكتور عز اتبسط منك؟ أنت قلت ان العملية دي هتفرق معاك جدا وأول تدريب حقيقي هتختبر فيه قدراتك.. 



+






                


تنهد مع قوله: فعلا.. كانت اختبار غريب.. 


انتبهت لنبرة صوته البائسة فقالت: 


مالك ياحبيبي صوتك مش فرحان ليه؟


حصل غلط في شيء وانت بتعملها.. 


_ مافيش يا تالا.. 


_ لأ في.. صوتك قلقني.. 


_ ده إرهاق بس لأني كنت مشدود من الصبح، وبعدين لسه مخلص العملية ومش مركز.. 


_ طيب ياحبيبي فوق كده وكلمني..أنا حبيت اطمن عليك.. 


_ ماشي، سلام. 


_ دكتور حازم"


التفت للمرضة التي عبرت إليه مستطردة: 


دكتور عز عايزك في مكتبه


أومأ لها بإرهاق واضح دون كلمة.. ثم ذهب ليلطم وجهه بحفنة ماء عله يفيق ويعود له توازنه قليلا بعد تلك البعثرة.. 


___________



+




_في حاجة مش فاهمها..أزاي حازم دكتور وفي نفس الوقت أصغر من تيماء؟


أجابت توضح له : هما بينهم تلات سنين في العمر، تيماء اتعرقلت زمان في دراستها حوالي سنتين في الابتدائي اللي كان لسه بنظام " خامسة وسادسة " بيتاخدوا في عامين، لكن حازم أخدهم في سنة واحدة، وكمان دخل المدرسة بدري سنة لأنه كان شاطر مارسبش ولا مرة عشان كده هو اتقدم في دراسته عن تيماء رغم انه أصغر منها.. 



+




أومأ بتفهم: كده استوعبت.. طب حضرتك كنتي عارفة انه في القاهرة؟ 


_ أيوة عارفه انه نزل القاهرة عشان يدرب مع دكتور كبير وانه كان فرحان وبيعتبرها فرصة ممتازة هتفيده في الدكتوراه اللي بيعملها..وطلب مني ادعيله، طبعا عشان الحساسيه اللي بينهم ما اهتمتش اعرفه اني هكون مع اخته ولا توقعت ابدا الصدفة دي.. 



+




غمغم بشرود طفيف: حكمة ربنا.. جمعهم بدون معاد. 


_ ورغم كدا اديك شوفت رد فعله.. ربنا يستر من تيماء هي كمان هتتعصب لما تعرف


_ سيبي كله لوقته يا أمي.. أوعدك ان الأمور بينهم هتتحل..ده وعدي ليكي.. 



+




رمقته بأمل ولهفة: بتتكلم بجد؟ هتقدر تصلحهم؟


_ بإذن الله


_ ياريت يا رائد ياريت.. عشان اموت مطمنة وروحي مرتاحة.. 


_ بعد الشر عليكي ماتقوليش كده.. ربنا يصلح الحال وهتفرحي بيهم حواليكي.. أوعدك بكده.. 



+




ربتت علي كتفه بتقدير: ربنا يريح قلبك يا رائد.. مجرد الوعد طمن قلبي.. أنا حاسة انك ابني اللي مسنودة عليه بعد ربنا مش بس جوز بنتي.. ربنا يشرح قلبك ويحفظلك بنتك ومراتك. 



+




ابتسم براحة: يشرفني اكون في مقام ابنك، أنا كمان بشوف فيكي امي.. ثم همس بحزن: أمي اللي غابت قبل ما اشبع منها وكان نفسي تكون موجودة.. 


_ الله يرحمها.. كله نصيب يا ابني..المهم انها ماتت راضية عنك.. 


غمغم في شك: اتمنى.. 


وواصل: أنا هكلم الدكتور عز وافهم منه.. وياريت حضرتك تكلمي ضي تطمني عليها هي ورحمة علي ما ارجع.. 


_ حاضر


--------------


_ طمني يا دكتور، العملية نجحت فعلا؟ وبنسبة قد ايه؟


عدل عويناته مستفيضا بالشرح: بشكل مبدئي نجحت بنسبة كبيرة الحمد لله. وطبعا العملية بتكون أول خطوة لازم يجي بعدها مرحلة كريمات التجميل اللي هتستخدمها لفترة محددة ومع الوقت الجلد هيكتسب شكل أقرب مايكون للطبيعي.. بس بطمنك النتيجة هتكون مرضية جدا ان شاء الله.. وطبعا بعد شهر هنستأنف العلاج مع عملية تانية عشان نعالج تشوهات الضهر أو جزء منه لأن المساحة كبيرة وشاملة أغلبه..وبإذن الله خير أدينا متابعين سوا واحدة واحدة.. المهم يكون في صبر.. 



+





        



          



                


_ ربنا يطمنك يادكتور عز، شكرا لمتابعتك ودعمك النفسي لزوجتي قبل العملية، انت عارف موضوع التشوة بالنسبة لست زيها كارثة حقيقية بتفقدها ثقتها في نفسها بالكامل..



+




_ أكيد طبعا بس الحمد لله في تقدم مذهل في عالم الطب التجميلي والترميمي ولسه متوقع تطورات اكتر بكتير في المجال ده المرحلة الجاية.. 


_ إن شاء الله، طيب أمتى مراتى ممكن تخرج من المستشفى؟ 


_ خليها لبكرة عشان نلاحظها شوية ونعرفها الروتين اللي هتمشي عليه والإرشادات اللي لازم تطبق، وياريت اعرف مين اللي هيراعيها عشان يفهم مني بالظبط هيتعامل ازاي.. 


_ أنا اللي براعيها.. 


منحه الطبيب ابتسامة مغمغما: واضح إنك بتحب زوجتك قوى.. ربنا يخليهالك.. 


_ اللهم امين ، شكرا يادكتور.. 


_ تمام هشرحلك قبل خروجها بالظبط هتعمل ايه..


__________



+




_ غمضي عيونك يافواحة. 


بصوت يزيد سمعتها وهما يقتربان من بوابة البناية.. أطاعته فقاد خطواتها جواره بحذر حتى أشرعت عيناها بعد سماحه بذلك، للوهلة الأولي لم تدرك شيء، لكن سريعا ما شهقت وهي تصرخ: مش ممكن! العربية اللي كان نفسي فيها؟! 


اكتفى بابتسامة حانية وهو يتابع دورانها حول السيارة بسعادة ثم صاحت: وبنفس اللون اللي كنت عايزاه. 


_ النبيدي. 


قالها وهو يقترب منها مستطردا: هدية أول يوم ليكي في الشركة بعد جوارنا يافواحة.. وكمان انتي اللي هتوصلينا. 


رمقته بحب: بجد يا يزيد مش عارفة اقولك ايه أنا هطير من الفرحة..ربنا مايحرمني منك


_ ولا منك. حبيبتي، يلا عشان اختبر بنفسي هتسوقي بدون مشاكل ولا لأ.. 


احتلت بحماس مقعدها خلف المقود وبدأت تسير بها والفرحة لا تفارق محياها وهو يرصد قيادتها باهتمام ليشعر بالراحة بعد أن وجدها تقود بسلاسة طمأنته، فغمغم: برافو عليكي كده هسيبك تتعاملي بعربيتك وانا مطمن.. 


_ طبعا ياحبيبي هو استاذي اي حد؟ ده زيزو حبيب قلبي. 


ضحك لها: ماشي يا بكاشة..يلا أخيرا حد هيريحني من السواقة انهاردة.. 


غمزته بشقاوة: أي خدمة يا زيزو..بس ممكن طلب؟


_ ايه هو؟


_ خلينا نسافر المنصورة الاسبوع الجاي انا جوجو لوحدنا بالعربية عشان الحنة والسبوع، مش لازم توصلنا انت زي ما كنت ناوي.. عايزة افاجيئهم وانا داخلة البلد بعربيتي.. 



+




ابتسم وقال: بعد ماشوفت سواقتك واطمنت معنديش مانع تتحركي بالعربية براحتك.. 


_ حبيبي بقى..


_ طب يلا يافواحة ركزي ووصلينا عشان عندي شغل كتير


_ من عيوني يا باشمهندس. 


بعد وقت وصلا للشركة وقبل أن تتوجه لمكتبها دعاها لتتبعه حتى أشار لها: اتفضلى ده مكتبك الجديد يا باشمهندسة عطر.


تعجبت من تغير موقع غرفتها، ودلفت لتتفاجأ بغرفة مكتب في غاية الأناقة.. وسطح مكتبها يعلوه يافطة منقوشة بأسمها وبرواز صغير يضم صورتها معه، كما لاحظت مقعد كبير هزار..فحادت إليه ليبتسم مع قوله الماكر: أهو الكرسي ده بالذات عشاني أنا.. 


_يا سلام؟ اشمعنى؟



+




_ عشان لما اتعب اجي هنا اقعد عليه واخدك في حضني واجدد نشاطي وبعدين ارجع مكتبي تاني.. 


قالها بعد أن جذبها بالفعل ليحتل المقعد وهي تعلو قدمه وبين ذراعيه، فتملصت منه ونهضت تضحك بدلال: بتدلع نفسك عندي..لا يا استاذ ده مكان للشغل وبس.. الدلع في البيت يا باشمهندس.. 


ثم طافت بين أرجاء الغرفة هاتفة: بجد المكتب يجنن يا يزيد.. انت فرحتني اوي انهادرة. 


_ تستاهلي اكتر.. المهم بقى تظبطي شغلك أنا منتظر منك ابداع. 


_ ماتقلقش هرفع راسك.. 


_ تمام هسيبك بقى واروح مكتبي واشوفك في البريك


_ماشي ياحبيبي.. 


ذهب وراحت تتأمل ديكور مكتبها الجديد والسعادة تغمرها والحماس يملأها لتُظهر أفضل ما عندها وتثبت كم هي جديرة بثقته بها.. 


_____________



+





        


          



                


أنهي صلاته وهو يسلم يمين يسار ثم طوي سجادته واقترب ليرقد جوارها علي فراشهما، لاحظ شرودها الحزين فقال: ملكة حبيبها زعلانة ليه؟


انتبهت له مبتسمة: 


_ ابدا يا حبيبي مش زعلانة. 


رمقها بنظرة ثاقبة وقال: 


_ لأ زعلانة يابلقيس وعارف ليه.. 


حدجته بترقب فواصل: 


عشان اعتذرتي لبنات عمك عن حضور حنة ياسين وسبوع التؤام بتوع عابد.. صح؟


أطرقت رأسها دون رد، فاستأنف بمسحة حنان: 


صحيح انا خايف عليكي تتعبي بس مايهونش عليا احرمك من حضور المناسبات اللي بتجمعك بأهلك.. 


وقبل رأسها مواصلا: بابا وماما رايحين المنصورة امتي؟


قالت سريعا بلهفة: بكره الضهر.. 



+




_خلاص ياستي بلغيهم انك هتروحي معاهم وخدي إيلاف وماما معاكم عشان بالمرة تزور خالي وتحضروا كلكم المناسبتين وترجعوا سوا.. 


هللت غير مصدقة: بتتكلم جد.. يعني كلنا هنسافر ومش هتزعل؟


_ لا طبعا بالعكس هرتاح انكم مبسوطين. 


_ وأنت ياحبيبي؟؟


_رغم اني مشغول والله بس استاذ ناجي عزمني مخصوص ومقدرش اكسفه، عشان كده هاجي يوم الحنة الصبح احضر معاكي وكمان ابارك لعابد ومراته وانقطهم وامشي بالليل.. 


_ يعني ماينفعش تفضل لحد ماتحضر سبوع التؤام بعد الحنة بيوم؟؟


_ لا يابلقيس انا مش فاضي ماتنسيش عقد قران إيلي ومحمود قريب جدااا وفي تغيرات بسيطة طالبها تتعمل في القاعة لأن هيكون فرح مزدوج.. زفاف ياسين وبسمة.. وكتب كتاب محمود واختي.. 


أومأت بتفهم: عندك حق.. خلاص اللي يريحك. 


_ طيب هي ايلاف اختارت فستانها ولوازمها كلها؟ 


_ لا أطمن قبل ما عطر وجوري يسافروا المنصورة روحنا كلنا ومعانا أمونة واشترينا كل لوازم ايلي ومش ناقص حاجة.. قولنا عشان مش هنلاقي وقت بعد كده.. 



+




_ ممتاز يعني تقريبا مش هتتعطلوا بزيارة المنصورة.. تمام يبقي اجهزوا وسافروا مع والدك وزي ما قلت هشوفكم يوم الحنة.. 



+




واستطرد بحب: كده الملكة مبسوطة؟ 


دست نفسها بصدره بتنهيده: مبسوطة اوي ربنا يخليك ليا يا ظافر.. انا بحبك اوي لأنك حنين وبتحب تفرحني.. 



+




لثم قمة رأسها الساكن أسفل عنقه وغمغم: انتي لسه متعرفيش بحبك قد ايه.. بس طبعا مش هوصيكي يابلقيس تاخدي بالك من نفسك كويس من اي مجهود.. 



+




_ متخافش يا حبيبي.. هحافظ علي نفسي عشان ماتزعلش مني تاني وتخاصمني.. 


رفع ذقنها ليطالعها هامسا: 


_ يهمك ايه اكتر، خصامي ولا سلامة البيبي؟ 


عصفت عيناها بعاطفة واضحة وهي تغمغم: ظافر انت بالنسبالي مش مجرد زوج بحبه.. انت روحي نفسها.. لما بتبعد بحس اني زي الشجرة اللي جذورها معطوبة.. زي أرض مالهاش سما تضلل عليها.. بتخنق وبتوه وببقي زي الجنين اللي لقي نفسه فجأة في عالم غريب.. بخاف تخاصمني اكتر من سلامة البيبي نفسه اللي ربنا عالم ازاي بتمناه عشان يربطني بيك اكتر.. 



+




تعجب أن تفوق غلاوته لديها غلاوة طفلهما المنتظر.. فغمسها بعناق شديد كاد يؤلمها ثم قبلها مطولا وقال: سامحيني لو ساعات بقسي عليكي وانا عارف انك متعلقة بيا كده بس ده من خوفي والله.. وان كنتي انتي بتحبيني أنا دايب فيكي ومبقدرش اسيبك زعلانة.. 


_ عارفة ياحبيبي ومسمحاك.. 


صمت برهة وأنامله تتحسس وجنتها باستمتاع ثم شاكسها: علي فكرة ابتديتي تكلبظي يابلي.. 


ضحكت قائلا: من تزغيط طنط وماما.. أنا مابقيتش اعمل حاجة في حياتي غير اني أكل.. 


_ ايوة ماهو لازم تغذي عشان البيبي يطلع جامد.. 


_ تفتكر هنجيب ايه يا ظاظا؟ 


_ اللهم اعلم.. ادينا بعد فرح ايلاف وحوده هنروح للدكتور وهنعرف.. المهم عندي سلامتكم سوا.. ولو ربنا كرم بولد هسميه علي اسم بابا.. ولما يكبر شويه هعلمه حاجات كتير أولها حفظ قرآن.. أما لو بنت هتبقي أميرتي الحلوة واللي اختارت اسمها خلاص بس وقتها هحمل هم اني احميها من العيون لأنها اكيد هتطلع ايقونة جمال لأمها الحلوة.. صح يا بلي؟ بلى ؟



+





        


          



                


نظر لها فوجدها غطت بالنوم فابتسم وقبلها بحرص مع غمغمة( الحمل بقي يخليكي تنامي بسرعة أوي) 


ثم ارقدها بشكل مناسب ودثرها بالغطاء ويده تعيد تهذيب خصلات شعرها وتعبث به، ظل يتأملها وهي نائمة وكم بدت جميلة ووديعة وملامحها الفاتنة تغري أنامله ليتحسس كل إنش بها لكنه خاف أن يوقظها.. فتنهد وظل علي حاله حتي غفي هو الأخر وصورتها أخر ما طبع في عقله.. 


________


بين أرجاء مطبخهما تصيح حنين بسعادة غامرة: 


بسمة انا هطير من الفرحة.. هنعمل حنتنا في نفس الليلة وعند نسايبك في الفيلا.. بجد عايزة ارقص وازغرد.. 


قالتها وهي تلف حول نفسها لتوقفها الأخري بتحذير: 


اعقلي ووطي صوتك الرجالة لسه برة بيتكلموا يامجنونة.. 


_ من فرحتي يابسومة..كمان بعد ما عبده كان متنشن عشان الأنتريه الهدية اللي جوزك حابه، قدر يقنعوا انها حاجة بسيطة هتترد بعد كده..الحمد لله كل مشكلة ياسين واهله بيحلوها.. ثم شردت قليلا: وكل موقف جدعنة من حمايا وعمو ناجي بحس انهم بيعوضونا مكان بابا وماما يابسمة..وكمان متأكدة ان توحيد حنتنا ده اقتراح جوزك لوالده عشان يفرحك.. صح؟



+




همست بحب: مش بعيد ياحنين، ياسين دايما بيتفنن ازاي يسعدني وبيعمل اللي بتمناه من غير ما اتكلم.. 


_ تستاهلي يا حبيبتى.. هو بيحبك أوي يابسمة.. 


_ أنا بموت فيه. 


قالتها وهي شاردة تبتسم بهيام لتعلق الأخري بمكر: فين سينو يسمع اعترافك ده.. 



+




رمقتها بلوم: وبعدين في جنانك ده.. اعملي الشاي اتأخرنا عليهم.. 


_ خلاص المية غليت واعتبريه اتعمل..تعالي نقدمه مع البسكوت اللي عبده جابه معاه.. 


......... 


انتهت جلسة الرجال وغادر العم ناجي ووالد عبد الرحمن وقبل أن يتبعهما ياسين نادته قبل أن يصل لباب الشقة: 


ياسين ..لحظة بس عايزاك في كلمة. 



+




انزوي معها بركن ما بعيد عن الأنظار وحني رأسه قليلا بعفوية لتصل لمستوي قامته وتحدثه، ليُباغت بقبلة خاطفة منها علي جانب ذقنه.. رفع حاجبيه وعاد ينظر لها ما بين ذهول وحب، ليشتعل وجهها احمرار مع همسها التالي: حبيت اشكرك على كل حاجة عملتها عشان تخليني مبسوطة انا واختي اللي كانت مكسوفة تعمل حنتها في بيت حماها لأن بيتنا ماينفعش..واقتراح والدك فرحها اوي.. عشان كده كان لازم اشكرك. 



+




_ طب اشكريني تاني. 


قالها وهو يحني رأسه لها ثانيا مصدرا جانب وجهه الأخر، فضحكت وهي تبعده قائلة: لا كفاية كده احسن تزهق من الشكر بتاعي.. 


_ لا كده كروتة.. اللي يشكر حد.. 


اكمل وهو يرمق شفتيها بنظرة ذات مغزى:


يشكره بضمير يا سمسمة.. 



+




شقهت مما أدركته ودفعته عنها مع قولها: لا ده انت طماع أوي.. اتفضل شوف اللي وراك عشان أنا وحنين عندنا مشاوير هنعملها بس منتظرين جوجو وعطر وسلوى يعدوا علينا زي ما اتفقنا.. 


تنهد وهو يرمقها بحب: ماشي ياقلبي.. 


ثم التقط من حافظة نقوده بضعة أوراق نقدية ودسها بين راحتها: خلي دول معاكي وانتي بتتسوقي.. 


_ معايا والله. 


حدجها بعتاب: وبعدين؟..يلا أما تخلصي كلميني. 


_ من عنية


_ تسلم عيونك.. ثم شاكسها: مش عايزة تشكريني تاني قبل ما امشي؟ أنا فاضي والله.. 


قهقهت وهي تتركه مهمهمة بكلمات مازحه.. لينظر بأثرها بهيام والشوق يقتله لوصالها..ثم غادر. 


.........


_ سلوي جاية أمتى ياعبده؟


_ فاضلها نص ساعة وتكون في البيت هتستعد وتجيلك فورا عشان تأجر فستان معاكم.. ثم وضع بكفها نقودا وهو يقول: خدي القرشين دول خليهم معاكي. 


_ معايا ياعبده والله، بسمة هتجيب لينا سوا.. 


_ برضو خليهم معاكي.. ثم مال عليها هامسا بحب: ربنا يصبرني لحد ما يتقفل علينا باب واحد ياحنة.. 


أطرقت بخجل تهمس: هانت.. 


_ ومع كده هتجنن.. حاسس اليوم بيمر سنة. 


ضحكت بخجل: ربنا يقرب البعيد يا عبده.. 


_ يارب ياحنون..همشي بقي عايزة حاجة؟


_ عايزة سلامتك. 


__________



+





        


          



                


بإحدي المولات صاحت جوري بانبهار: الله على الفستانين دول.. والله كأنهم معمولين لحنين وبسمة.. شايفين بابنات.. 


صاحت عطر: بصراحة ذوقهم رقيق جدا ويناسب نحافتكم يابنات..محتاحين بس اتنين بادي.. 


بينما هتفت سلوي: أنا معاكم انهم شيك جدا وينفعوا للحنة.. 



+




نظرت حنين لشقيقتها: ايه رأيك؟ انا عجبني اوي. 


أومأت اخيرا مع قولها: خلاص علي بركة الله.. 


عطر: طب الحمد لله اختارنا للحنة، نشوف بقي فستان الزفاف وفساتين لينا مع باقي لوازمنا.. 


ثم هتفت جوري تؤكد: وبعد ما نخلص هنرجع كلنا بيتنا عشان نشوف تؤام أخويا عابد وزمزم..


بسمة: ما شاء الله ربنا يبارك فيهم، طيب ساعدوني نجيب هدية حلوة للتؤام.. 


عطر: تعالو نروح قسم الأطفال ونختار.. 


سلوي: بس أنا مش هروح معاكم، هرجع علي بيتنا. 


جوري بعناد: مافيش الكلام ده، هتيجي معانا طبعا ولا مش عايزة تشوفي ولاد اخويا؟ 


_ معلش يا جوري مرة تانية وخليكم انتم براحتكم. 


عطر: على فكرة يا سلوي مافيش داعي للإحراج.. أحنا كلنا تقريبا نعرف بعض ومن نفس البلد واحنا حبناكي والله ودمك خفيف وعشرية.. تعالي معانا وماتقلقيش هنوصلك انتي وبسمة وحنين بعد كده.. فرصة كلنا نتجمع ونهيص لزوما وعابد شوية. 


جوري: وبلقيس كمان هتلاقيها وصلت يعني قعدة بنات ماتتفوتش.. ها قلت ايه؟ 



+




تبادلت سلوي النظرات مع بسمة وحنين المشجعة من تلاهما ثم قالت: خلاص موافقة، بس هتصل اعرفهم في البيت. 


وذهبوا لينتقوا هدية مناسبة للتؤام ثم اكتمل تسوقهم وابتاعوا أحتياجاتهم وتوجهوا للمنزل حيث تنتظرهم زمزم وبلقيس والبقية.. 


________



+




كأن غرفتهما أصبحت مزارا وجميع العائلة تتوافد علي رؤية التؤام بلهفة وسعادة غمرت قلوبهم..فأضحوا كبار العائلة صغار وهم يلاطفونهما.. لا تترك كريمة اي فرصة دون ان تطعم زمزم شيء مغدقة اياها باهتمام شديد..أما فرحة ابويها وشقيقها محمود قصة أخري وأعينهم تفيض بالفرحة.. ليختم اليوم بتجمع هائل لبنات العائلة وزوجة ياسين وحنين وسلوي التي انضمت لجلستهم الشيقة.. 



+




_ أخيرا خلصنا من أخر فوج. 



+




قالها عابد وهو يغلق الباب خلف أخر زائر ثم دني من صغاره تحت إنظارها الحانية وهي تسمع قوله الهامس لهما: أنا لو هاخد فلوس من اللي بيجوا يشوفوا ولادي هعمل ثروة..



+




ضحكت برقة وهي تتابع همسه لهما: وحشتوني ياحبايبي.. أكيد انزعجتم من عمتكم المجنونة جوري وبنت خالتي عطر.. بس تيتة وجدو بتوع ماما وبابا كانوا عاقلين ومحدش فيهم ضايقكم خالص..



+




قهقت زمزم: جوري كانت بتقيس مناخير ديبان وتقولي مناخيره كبيرة أوي.. 


غمغم بحنق: منا ماسكتش، خليت بابا خدها معاه وهو رايح يوصل مرات ياسين واللي معاها..أهو نرتاح منها شوية. 


_ لا بس بصراحة جوجو فرحانة بالتؤام وجابتلهم حاجات كتير جدا وهي جاية.. وتخيل كانت جايبة من تركيا سالبوتات للاتنين حلوة اوي وهي ماتعرفش لسه هنجيب ايه..وطلبت مني يلبسوهم في السبوع.. 


_ خلاص لبسيهم السالبوتات دي مادام جوجو طلبت كده، دي اختي حبيبتي برضو وعمتهم.. 



+





        


          



                


_منا قررت كده زيك..


واستطردت: وشوفت بسمة وحنين وسلوي جابو ايه كمان؟ حتي مهند مش نسيوا..ده غير بقي مجايب بلقيس لوحدها موال تاني.. تقريبا يابودي مش هنحتاج كسوة للولاد لمدة سنة علي الأقل.. 


قال بغرور: بيردوا جمايلي عليهم واللي بيعملوا مايجيش نقطة في بحر خيري.. 



+




ضحكت وهي تمسك جُرحها: عابد انت كارثة والله.. 


غمغم ومازال يتأملهم: بس شوفتي الواد ديبان وهو نايم مكشر تحسيه عمدة في نفسه.. انما اخته رقيقة كده ومنكمشة في روحها .. 



+




ابتسمت لهما: حبايب قلبي الولد طالع ليك والبنت ليا


_ وكده قسمة العدل يا زوما. 


لثم صغاره بحذر ثم توجه لها وضمها اليه هامسا: المهم انتي عاملة ايه دلوقت لسه الجرح شادد عليكي؟


_ اه والله ياعابد، مجرد ما يروح مفعول المسكن بتعب.. بس طنط كريمة وماما كل شوية يأكلوني ويقولوا كل اما اتغذي كويس الجرح هيخف بسرعة.. 


_ ياريت والله..ثم رمقها والعبث يلمع بمقلتيه: احسن خلاص مش قادر، وحشتيني اوي يا زوما.. 


ربتت علي وجنته بحنان: معلش يا بودي اتحمل شوية لحد ما اخف ياحبيبي وهدلعك والله.. 


_ طب خديني في حضنك. 



+




احتضنت راسه وراحت تداعب شعره باناملها وهي تهتف: كنت تتوقع تجيب تؤام؟


_ بصراحة لأ.. كان كل همي تقومي بالسلامة لان كنت خايف عليكي..والحمد لله ربنا رضاني بولادي.. يارب يقدرني اربيهم كويس هما واخوهم.. 


لثمت رأسه وغمغمت: بإذن الله هيتربوا أحسن تربية وربنا مايحرمنا من حسك في الدنيا. 


ظلت أناملها تعبث بخصلاته حتي غفى علي صدرها، فعدلت وضع رأسه ونهضت بحرص تطمئن علي الصغار ثم عادت جواره تحاول النوم. 


______


في اليوم التالي.. 


غادرت المرحاض الملحق بجناحها ثم توجهت تطمئن على الصغار وما أن دلفت إليهم حتي صرخت بفزع: مهند.. بتعمل ايه في اخواتك يامجنون! 


و هرولت تنزع منه الوسادة وتقذفها بعيدا ليجف الهواء برئتيها وهي تبصر زُرقة وجوه صغارها اختناقا فراحت تبكي وهي تحاول إنعاشهما ببعض الهواء بحركة كفها.. لتتلقف أنفاسها الهاربة أخيرا بانتظام أنفاس تؤامها وعودة وجهيهما لطبيعته.. 



+




كان يقف مرعوبا مختبئا بإحدي الزاويا يراقب ماتفعله أمه مع الصغار ولا يفهم ما يحدث لكنه استشعر كارثة كادت تحدث..بدأ ينتفض من الخوف حين التفتت إليه والدته وتحت تأثير ما كاد يحدث للصغار منحته نظرة ساخطة ودون أن تشعر صفعت وجهه عقابا لما فعله.. غائب عن ذهنها صعوبة إدراك صغير مثله ما فعل أو أن ينسحب بغتة البساط من تحت تقدمه ويفقد اهتمام الجميع به گ السابق.. ويحصده التؤام وحدهما دونه.. 



+




_ زمزم؟


جاءها صوت عابد هادرا عليها بغضب بعد أن ولج ورآي صفعتها القاسية تلطم وجه الصغير المنزوي بخوف شديد..ذهب وحمله سريعا فاختبأ به الصغير وهو يرتجف.. هدهده بحنان: أهدي ياحبيبي ماما مش قصدها تضربك. 



+




لكن الصغير ازداد بكاءه وألم حزنه فاق داخله وجع صفعة والدته.. فرمقها عابد بنظرة ساخطة ثم ابتعد علي الفور مغادرا الغرفة ليهدئه ثم يعود ويحاسبها علي حماقتها.. 


بينما ظلت هي تنظر لكفها الذي صفع صغيرها بذهول لا تصدق أنها صفعت فلذة كبدها بتلك القسوة.. انهارت تبكي كأن إدراكها بجرمها بحقه ما عاد إلا الآن..رمقت الباب الذي غادره زوجها غاضبا فتصاعدت وتيرة بكائها وندمها منتطرة عودته لتصلح ما أفسدته.. 


__________



+





        


          



                


"خلاص ياحبيبي بطل عياط.. مش قولنا الراجل مش بيعيط كده وبيبقي قوي؟"


الصغير شاهقًا من البكاء وكلماته تتكسر بين شفتيه: 


ما.. ماما.. ضربتني.. زمزم. مث بت.. بتحبني. 


ضمه عابد بلوعة وكلماته تشق قلبه وهتف بحنان: 


مين قالك كده ياحبيبي.. ماما بتحبك قوى وماتقدرش تستغني عنك.. وكلنا بنحبك.. 


_ لا.. مث بتحبوني.. بتحبوا "ديبو".. و "تيلا ".. جدو وتيتة كيما مث بيلعبوا معايا..



+




انفطر قلبه لما يشعر به مهند من فقد لاهتمام من حوله وعانقه بقوة وهو يحمل ذاته شطرًا من هذا الذنب واشتعل غضبه من زمزم أكثر.. 



+




_ انت غلطان كلنا بنحب هوندا.. وبعدين مش أنا بحبك وباخدك معايا النادي والمزرعة وجدوا محمد وأدهم بيلعبوا معاك هناك؟ . 


_ لأ.. مث بيلاعبوني.. 


_ طب خلاص ماتزعلش أنا هلاعبك واجيبلك كورة جديدة زي بتاعة الكبار.. وهشتريلك كمان تيشرت محمد صلاح اللي بتحبه..وهنروح النادي انا وانت دلوقت وهنفضل هناك طول اليوم..بس بشرط؟ 



+




نظر له الصغير بعين متسعة وقد بدأ يجذبه عرض عابد السخي متناسي بكاءه: لو غلبتك في الماتش ماتعيطش.. تخليك راجل وتقبل الخسارة.. 


هز الصغير رأسه بحماس.. فجفف عابد دموعه وقبل رأسه ثم سأله أخيرا: نفسك في حاجة تاني انهاردة؟


هز رأسه: أيوة.. اتنين.. 


_ طلبين مرة واحدة؟ ايه هما؟


_ اثوق العربية معاك وانام بالليل في حضن ماما لوحدي. 


ارتجفت حدقتي عابد بطلبه حيال والدته، واحتضن رأسه بقوة وغمغم: حاضر هخليك تسوق العربية شوية بس اما نروح مكان فاضي.. وكمان يا سيدي هتنام في حضن ماما ومحدش هيشاركك فيها ..أوعدك يا صاحبي.. ودلوقت نروح المول نشتري اللي يعجبك ونرجع نلعب في النادي.. وأكلك بيتزا بالجبنة اللي بتحبها كمان.. مبسوط ياعم.. 



+




عانقة الصغير بعفوية ليعبر عن شكره وهو يقول: مبثوط. 


ليستقبله عابد بضمة حانية مقبلا رأسه ثم قاد سيارته ليبدأ يومه المميز بصحبة الصغير وحده.. 


___________



+




الليل أقبل وعقلها يكاد يجن من غيابهما..وكلما حاولت مهاتفته رفض الرد عليها..لا تدري كيف طاوعها قلبها وصفعته هكذا.. وعابد ماذا سيفعل بها؟ نظرة غضبه ترهبها ليس منه بقدر ما تحزن لغضبه ذاته... 



+




"ماما"


باغتها دخول مهند مهرولا عليها بحب وذاكرته التقية لم تحتفظ بصغعتها أكثر من بضعة ساعات، لتتلقفه بلهفة وندم وضآلة غزتها أمام غفران الصغير الذي عانقها بصدق هاتفا بحماس وهو يشير لكنزته: بابا جابلي محمد ثلاح وكوره زي الكبار وغلبته و... 



+




كان يقص لها كلماته سريعا بلهاث من فرط حماسه وهو يستعرض غنائمه طيلة اليوم بصحبة عابد.. لتقبل كل إنش بوجهه مغمغمة ببكاء: يعني انبسطت مع بابا؟


_ أيوة.. وهنام في حضنك لوحدي.. ثح يا بابا؟


ابتسم له الأخير بدفء: صح ياحبيبي.. بس وريني الشطارة و اغسل أسنانك الأول بعد الشيكولاتة اللي أكلتها انهاردة.. 


هرول سريعا تجاه المرحاض وهو يصيح: ماثي.. 


أقتربت منه ونظرت إليه برجاء وهمت لقول شيء، فأوقفها بإشارة من يده: خدي مهند في حضنك وعوضيه اللي حصل، الولد مفتقدك من وقت ولادة التؤام.. وبعدين هيكون لينا كلام تاني..


ولم يعطيها فرصة للرد وهو يبتعد ليأخذ حمامه ويستعد للنوم فوق أحدي الأرائك قرب صغاره.. 


............ 


لثمت وجنة الصغير الراقد جوارها وقالت: 


_ لسه زعلان من ماما يا هوندا؟ 


_ لأ.. 


_يعني بتحبني؟


_ أيوة.. بحبك أوي


قبلته ثانيا بقوة وعادت تلاطفه: طب بتحبني قد ايه؟


_ قد البحر


_ بس؟


_ والدنيا..


_ أنا بحبك اكتر


_ لا أنا بحبك كتير كتير.. 


قالها وهو يفرد ذراعيه حوله لأخر مدى، فدمعت عيناها وعادت تغمسه بصدره هي تعتذر له: حقك عليا يانور عيني اني ضربتك..بس انت كنت هتموت اخواتك..مش حرام يامهند تخنقهم بالمخدة وهما لسه صغيرين؟


_ كانوا بيعيطوا كتير ياماما.. ومث عايزين يثكتوا..حطيت عليهم المخدة عثان مث يعيطوا تاني.. 


تأملت براءته وهو يتحدث واحتضنته قائلة: خلاص ياحبيبي عارفة ان مش قصدك.. بس بعد كده خد بالك لأن اخواتك لسه صغيرين اوي.. اي حاجة ممكن تأذيهم.. 


واستأنفت لتغرز به قيمة الصغار: عارف يامهند.. ديبان اخوك لما يكبر شوية هيلعب معاك بالكورة.. واختك روتيلا كمان هتلعب معاكم وهتحبها أوي..


_ بث هما بيعيطوا كتير يا ماما ودماغي بتثدع منهم.. 



+





        


          



                


_ بتصدع؟


لم تتمالك زمزم نفسها وهي تضحك وعفويا نظرت تجاه عابد الذي يتابعهم بصمت، لتجده يبتسم هو الأخر رغما عنه، وعادت زمزم تحدث صغيرها وتلاطفه حتي غفى گ الملائكة بين ذراعيها.. فدثرته جيدا بالغطاء ونهضت حريصة ألا تؤذي جُرحها ودنت من زوجها المتيقظ وبهدوء أمسكت كفه بيدها وجذبته لينهض مجبرا خلفها مغادرين غرفة الصغار.. 


......... .


لم تقول شيء.. فقط عانقته بصمت مكتفية بذراعيه حولها ثم همست بعد برهة: عارفة اني غلطت وانك زعلان مني.. بس والله غصب عني يا عابد.. 


ثم رفعت رأسها إليه: أنا دخلت الحمام وخرجت لقيت مهند كاتم نفس اخواته بمخدة.. جريت الحقهم لقيت وشهم أزرق من كتر ما نفسهم اتكتم.. حاولت انعشهم بأي طريقة لحد ما رجعوا ياخدوا نفسهم تاني.. وبعدها ماحسيتش بنفسي إلا وانا بضربه بالقلم.. والله ما قصدت اعمل كده.. بس رعبي علي اخواته خلاني فقدت عقلي.. عشان خاطري اعذرني لأنك لو مكاني كنت اتجننت من المنظر.. 



+




لا ينكر داخله أن مجرد تخيل ما سردته أرعبه وأوجع قلبه على صغاره .. برفق رابت عليها: خلاص يازمزم.. بس برضو لازم تراعي ان مهند طفل لسه خمس سنين مش فاهم حاجة.. وبعدين اهتمي به شوية الولد مفتقدك جدا.. حاسس ان محدش بيحبه من وقت ما اخواته اتولدوا.. وطبعا الكل غصب عنه فرحان بالتؤام ومحدش واخد باله ان مهند بيرصد تصرفات الكل وبيكتم الحزن جواه.. بعد ما كان الأهتمام والدلع له لوحده بقي له شريك.. اعذريه لو كان اتصرف بعنف مع اخواته لأنه عيل مش واعي لمعني تصرفاته.. وبالراحة نفهمه ونحببه فيهم..صح ولا لأ؟


_ عندك حق ياعابد انا غلطانة.. 


_ خلاص أهو موقف وعدي وتنبيه اننا نراعي نفسيته.. المهم توعديني إنك تتحكمي في أعصابك مهما حصل.. ماشي؟ 


هزت رأسها براحة: أوعدك ياحبيبي.. 


ابتسم ملثما وجنتها: طب يلا ارجعي نامي وارتاحي عشان الجرح.. وانا كمان هنام أحسن مهند طلع عيني لعب وجري وراه في النادي كله طول النهار.. 


ضحكت ضحكة قصيرة: ماهو فعلا راجع مبسوط اوي.


ثم استطردت بعد أن منحته نظرة تقدير: لو فضلت طول عمري اشكر ربنا عليك عشان اللي بتعمله مع ابني مش هوفي حقك ياعابد..


_ ابنك؟ شكلنا هنتخانق تاني.. ده ابني ولا نسيتي؟


ابتسمت ممتنة: طبعا ابنك وليك فيه أكتر ما ليا..ربنا يخليك لينا يا بودي.. 


_ ومايحرمنيش منك يا زوما.. يلا بقي النهار قرب يطلع وماما گالعادة هتلاقيها الصبح طالعة للعيال.. خلاص مابقيتش تقدر تستغني عنهم. 


_ ربنا ببارك فيها هي وعموا وبابا وماما وكل حبايبنا اللي فرحانين بولادنا.. 


_ اللهم امين حبيبتي. 


_________



+




يوم الحنة.. 


منذ شروق الشمس والوسط بدا گ خلية نحل، الجميع يهيء حديقة فيلا ناجي لاحتفال ليلة الحناء بينما في الداخل تشرف كريمة وفدوى على الولائم التي ستقدم للضيوف..وبصوب أخر يستعد شباب العائلة لفقرات الحفل التي سيشاركون بها.. 



+




_ ماما في حاجة ناقصاكم؟ 


هتفت وهي تطالعه بسعادة: لا ياحبيبي كله تمام وجاهز. 


_ طب انا هروح اجيب بسمة وحنين واخوهم عشان يدوب يستعدوا لبليل.. مش هوصيكي عليهم يا أمي.. 


_ ده بيتهم وهيكونوا في عيون الكل متخافش..


......... ..


أتي الليل وتزينت العروستان ليبدوا للناظرين بأبهي طلة والحاضرين يكبرون لجمالهما الرقيق، فتصيح جوري وهي تصفق كي ينتبه الكل لها:



+





        


          



                


يا قوم ركزوا معايا.. بما اني مسؤلة الفرفشة في العيلة فأنا منظمة كل حاجة.. هنبدأ الأول برقصة خاصة بكل عروسة عشان تتصور لوحدها وتبقي ذكري ليها وبعدها هننطلق كلنا وأنا أولكم.. 


هتفت عبير: أوعي تنسيني وانتوا بتنطلقوا ياجوجو. 


_ ازاي ياطنط هي تحلي من غيرك..حضرتك وماما وخالتو وطنط دره ليكم فقرة لوحديكم.. 


قهقهت فدوى: اتلهي فقرة ايه أنا قادرة اقف من خشونة رجلي.. 


عطر: لايا ماما ده فرح ابنك ضيناكي ولازم تشاركي الكل.. 


كريمة: أنا هقومهالكم ترقص معايا بس ابدؤا بقى وخلصونا.. 



+




عادت جوري تصيح: بما إن حنين فرحها بكرة هنبدأ برقصتها لوحدها علي أغنية حلوة.. 


صدح صفير حماسي وتشجيعي من الفتايات وموسيقي الاغنية تصدح لتتمايل حنين على النغمات بمرونة عالية وتعبيرات وجهها عكست روحها المرحة فلفتت نظر الجميع خاصتا عبير التي مالت تحدث دره: حنين بترقص حلو اوي.. فكرتني بشبابي.. 


ضحكت الأولى: علي أساس عجزتي؟ امال مين اللي بتحجز فقرتها مع جوري من شوية.. 


_ ده حب للحياة يا دره يا اختي مش أكتر..انتي مش غريبة انا القولون مبهدلني طول الليل بس صامدة.. 


_ ألف سلامة عليكي، عندي علاج ممتاز هيريحك.. والفرفشة بتاعة البنات هتنسيكي التعب. 


_ إن شاء الله.. 



+




انتهت رقصة حنين بتصفيق حافل من الحاضرين، ليأتي الدور على شقيقتها التي خجلت في باديء الأمر وجوري تدفعها بدعم وتشجيع ثم همست بأذنيها همسة كان لها مفعول السحر وهي تخبرها أن ياسين سيري رقصتها هذه فيما بعد.. لتنطلق روحها قبل جسدها مع النغمات كأنها تهدي زوجها ياسين كل لفة خصر ورنة قدم ونظرة عين..تتلوي ذراعاها كأنها تعزف على قلبه.. راحت ترقص وتتمايل بانهماك وبعين خيالها تراه أمامها يبتسم بحب ويدعوها للمزيد..لتفوق بأداء رقصتها رقصة حنين، حتى مالت كريمة تهمس لفدوى: بسمة كمان طلعت بترقص حلو أوي وهتدلع الواد ياسين حبيب خالتو.. 


_ ومالوا.. انا عايزاها تدلع ابني وتروقه علي الأخر عشان احبها أكتر.. 



+




انتهت رقصة بسمة وجلست تلهث بعد أن عادت لواقعها ولا تدري كيف كان رقصها وقد اعتراها الخجل ثانيا وجوري وعطر يصفقان بفخر صادحين باسمها.. لتستأنف الأولى إدارتها للحفل بقولها: وكده انتهينا من أول فقرتين للعرايس.. ندخل بقي على باقي المشاركات، ثم نظرت نحو ابنة عمها الأكبر وقالت: طبعا انتي مش هترقصي عشان الزيتونة اللي لسه في بطنك دي.. 



+




ضحكت بلقيس: طبعا، رقص ايه ياقلبي أنا حضرت الفرح بالعافية أساسا..لو اتحركت من مكاني الشيف يقطع رقبتي.. 


قد يعجبك ايضا


منذ بضع اعوام


رواية الخبيئة الفصل الثاني 2 بقلم ميمي عوالي


منذ بضع اعوام


رواية الخبيئة كاملة بقلم ميمي عوالي


منذ بضع اعوام


رواية طفلة عدوي الفصل الثاني عشر 12 بقلم رنا سليمان


_ أدي اللي بناخده من الرجالة خنقة وتحكمات فارغة. 


قهقه الجميع لتعليق جوري الأخير لتستطرد موجهه حديثها لزمزم: وانتي يا زوما طبعا والدة وجرحك لسه طازة.. 


_ شطورة يا جوجو أديكي قولتيها، جرحي طازة.. يعني انا كمان هركن جمب بلقيس واخرنا هنصقف ليكم.. 


مطت شفتيها: والله حتى لو مش معذورين كنتوا هتقعدوا علي جمب برضو.. 


لتسارع بقولها: بس إيلي مرات اخويا مقدما هتنوب عني انا وبلقيس وترقص.. صح يا لولو؟ 


خجلت قائلة: لا هتكسف يا زوما


جوري: تتكسفي من ايه وبعدين ده مش بمزاجك الرقص الليلة إجباري.. يلا اختاري حاجة ترقصي عليها.. 


_ هي بتحب موسيقي "شيك شوك"


قالتها والدتها لتمازحها عبير: الله عليكي الأم الفرفوشة رزق والله ..


ضحكت هدي وقالت: والله ده لما بشوفكم بس.. ربنا يديم افراحكم وجمعتنا الحلوة.. 


دره: اللهم أمين، يلا يا ايلي ارقصي بقي وانطلقي ماما بنفسها اختارت الموسيقي.. 



+





        


          



                


إيلاف بمزاح: لأ مادام ست الكل أمرت.. يبقي نهيص بقي ياجماعة واخرج فيفي عبده اللي جوايا.. 


عطر: أنطلقي واتركي لخصرك العنان


قهقهوا لمزاح الفتايات ثم بدأت النغمات الراقصة لينساب خصر إيلاف معها برقة وتحكم أبهر والدتها ذاتها وحازت علي إعجاب الجميع خاصتا عبير.. 



+




تصفيق حاد حصدته بعد انتهاء رقصتها لتصيح زمزم: لأ رفعتي راسي يا إيلي وطمنتيني على اخويا.. 


ضحكت فدوي: والله مستوي الجيل ده في الرقص يدعوا للفخر وكل رجالتكم هتبعتلنا جوابات شكر.. وأول جواب هيبقي لأختي كريمة علي جوري ملكة الفرفشة.. 


_ بتقولي فيها ياخالتو.. لعلمك الرقص اللي فات ده كوم واللي هتشوفوه دلوقت كوم.. 


واستطردت بصياح: و دلوقت جه معاد الفقرة العالمية الساحقة الماحقة من الأختين جوري وعطر وهما بيرقصوا سوا علي واحدة ونص رقص محترفين..عايزين تصفيق حاد احنا اتدربنا وتعبنا عشان فقرات الحنة تطلع بشكل يرضي الجمهور.. 



+




بعد الضحكات والتصفيق بدأت موسيقى رقص شرقية ومعروفة بصوت "الطبلة" لتتألق جوري وعطر وهما يتنافسان وخصريهما تلتوي مع النغمات مستحوذان علي إعجاب كل الحضور كأنهما تؤام في كل شيء..حتي ثوبهما بذات اللون والتصميم وتصفيفة الشعر المسدلة فوق ظهورهما.. لتكبر كريمة وفدوى بسرهما لجمال رقصهما معا.. ثم اعترى كريمة الخوف بغتة وهي تجذب جوري: كفاية كده رقص لتكوني حامل يامجنونة وتتأذي.



+




نزعت يدها من والدتها وهي تقول: متخافيش يا ماما حتي لو حامل أكيد مش هستفرغ في وش المعازيم دلوقت.. 


كريمة ممتعضة: الله يقرفك.. طب براحة برضو. 


تركتها وهي تضحك لتواصل الرقص أمام عطر بحماس أشتعل من جديد.. 


__________



+




_ ايه يا محمود عايز ايه سبني اتفرج علي الحنة..


_ ياستي هنرجع تاني بس عايز اعرف حاجة.. انتي صح رقصتي فوق مع البنات؟.. 



+




جحظت عيناها بذهول: عرفت منين؟ أوعي تكون شوفتني؟ 


_ هشوفك أزاي يا إيلاف؟ هستخبي جوة الطبلة مثلا؟ 


دي ماما اللي قالتلي عروستك رقصها عسل..


شهقت بخجل: يا خراشي ياطنط عبير.. ازاي تقولك.. 


_ أمي حبيبتي وعايزة تبسط ابنها حبيبها وتطمنه علي مستقبله.. 


_ طب واطمنت؟ سبني ارجع للبنات بقي. 


_ اقفي عندك.. عايز اشوف الفيديو بتاع رقصك لو سمحت.. 


قالت بتهكم: لو سمحت؟ انت أخلاق ياحودة.. 


_ تربية أوكرانيا.. 


_ طب بص يا بابا.. 


_ بابا؟؟


قالها محمود بذهول لتواصل: 


_ أيوة بلاش مقاطعة وسبني أكمل.. عارف المشمش؟


صمت برهة ثم تغابي وقال: لأ معرفوش. 


_ طب أول ما تعرفه ابقي قولي.. آل تشوف الفيديو آل.. فاكراني عبيطة؟ 


قال باستعطاف: كده يا أيلي؟ ده احنا كتب كتابنا بعد أيام. 


_ يبقي لما نكتب.. ولا أقولك مضمنكش.. خليها بعد الجواز


قال ساخرا: وجاية علي نفسك ليه ياروحي؟ خليها بعد أول عيل.. 


_ فكرة برضو ياحمودي.. سلام. 


وتركته يزفر خلفها بضجر ثم ابتسم هامسا: بسكوتة شقية وربنا. 



+




بلقيس وهي تغمغم لزمزم: البت جوجو دي عليها حبة رقص.. يعدلو المزاج اقسم بالله.. انا وست زيها مبهورة.. امال جوزها المسكين بيعمل اي؟


ضحكت الأخرى معلقة: طنط كريمة بتقولي ان وهي طفلة اتعلمت ترقص قبل ما تتعلم تمشي.. 


_ ماهو الأتقان ده مايجيش بين يوم وليلة.. دي ترعرعت علي هز الوسط.. 



+





        


          



                


زمزم بثناء وهي ترصد حركات الأخري: وعطر رقصها رايق ورقيق أوي، يليق بشخصيتها هي ويزيد الرايق زيها.. 


_ أه والله عندك حق.. ثم قالت باهتمام مباغت: تعرفي يا زمزم انا عمري ما رقصت لظافر.. تفتكري ممكن يبص لبره عشان كده؟ 


_ يا سلام؟! ازاي يعني؟


_ ماهو ماما قالتلي الراجل لو ناقصه حاجة في بيته بيدور عليها بره.. 


شردت زمزم بقلق وهي تهمس: يا سنة بيضا.. أنا كمان ولا مرة رقصت لبودي.. 


تهكمت بلقيس: أهو انا دلوقت عرفت انا وانتي بنميل لبعض ليه. 


_ ليه؟


_ عشان مواكيس زي بعض. 


............... 


انتهت الرقصة واشتعل تصفيق الجميع بأداء جوري وعطر، لتبتعد الأخيرة عن الأنظار بعد ألم مفاجيء هاجم أسفل مثانتها، لمحتها بلقيس فنهضت تلحق بها. 


_ مالك ياعطر؟ 


همهمت بوجه مجعد من الألم: معرفش يابلقيس فجأة بطني وجعتني اوي وحسيت بدوخة وكنت هقع لولا مسكت نفسي.. 


_ ألف سلامة عليكي، طب تعالي ارتاحي شوية.. وماترقصيش تاني ولا تتحركي.. 


_ ازاي ده انا وجوري مدربين علي كام رقصة والمفروض لسه هنرقصهم سوا.. 


_ لأ إياكي ترقصي تاني ولا حتى جوري لأن احتمال تبقي حامل.. حتى المجنونة اللي جوة دي كمان..



+




ذهلت عطر ولم يخطر ببالها شيء كهذا وهي مازالت عروس حديثة وهتفت: معقولة ممكن يحصل بسرعة كده؟


_ أه طبعا، كل اللي قولتيه ده احتمال يبقى علامة حمل..عشان كده اهدي وبلاش حركات عنيفة.. 


أورثها هذا الأحتمال ابتسامة حالمة دون أن تدري وهي تتخيل ردة فعل يزيد كيف ستكون.. 


_ الدوخة راحت ولا لسه؟


نفضت شرودها قائلة: اه أفضل دلوقت الحمد لله، ثم منحتها نظرة امتنان: شكرا يابلقيس انك خوفتي عليا.. 


_ عيب يا بنتي احنا اخوات. ولادك انتي ويزيد يعني اخوات ولادي.. يلا بقي نرجع وأنا هنبه المروشة اللي نازلة رقص جوة دي تكن وتهدى من الحركة.. 


............ 


تبادلت جوري وبسمة نظرة ذات مغزي ثم صاحت الأولى : يلا باجماعة كل واحدة تستر نفسها بإشارب وخلونا نخرج نتفرج علي فقرة الشباب بره ونصورهم..وبعدين نرجع هنا تاني نكمل احتفالنا


............ .


التفت جميع النسوة حول سياج قصير في وسط الحديقة يحوي بدائرته شباب وكبار العائلة وابرزهم ياسين وعابد ومحمود اللذين تبادلوا الرقصات على ظهر الأحصنة، ليبدأ إنبعاث موسيقي صاخبة لأغنية" الصعايدة جم" ويتوافد معها عدد هائل من رفاق عبد الرحمن وشقيقه الذين أتوا ليشعلون الأجواء بدخول منظم وحناجر تغني بقوة سرقت انتباه الجميع..وبذات الوقت تحققت أمنية حنين بأن تري زوجها يرقص أمامها هكذا.. 



+




_ بسمة.. أنا مش مصدقة نفسي.. عبده جه وبيرقص زي ما اتمنيت اشوفه المرة اللي فاتت. 


احتوت فرحتها عناق حاني وهي تقول: دي بقي مفاجأتي انا وياسين ليكي.. أنا قولتله امنيتك وهو مكدبش خبر.. ظبط مع عبده واخوه ودعى اصحابهم كمان عشان يكموا ليلة الحنة هنا وتتبسط وتفرح ياجميل.. 



+




نظرت له وهي مغرورقة انفعالا بالمفاجأة وراحت تتشبع برؤية زوجها يراقص أمام شقيقه الذي باغته بحمل جسده على كتفيه ليشتعل التصفيق والصفير ويتبعه عابد بحمل ياسين بذات الطريقة.. ثم يزيد بحمل العم ناجي والرقص يتناوب بينهم وسط دائرة عجت بعشرات الشباب وهم يقفزون عاليا قفزات مدروسة مع صخب حناجرهم مع الكلمات لتتأجج الفرحة في قلوب من يتابع هذا المشهد لعائلة انصهرت بأخرى برؤوس ساوتها الفرحة دون أي فوارق اجتماعية..


......... ..


بلقيس: ماشاء الله الرقص يجنن وحضور عريس حنين واخوه مع أصحابهم ولعوا الدنيا اكتر.. 


زمزم: فعلا بصراحة ليلة حنة ماتتنسيش.. 


_ ألحقي بسمة واختها بيعيطوا، شكلهم افتكروا باباهم ومامتهم ياعيني.. 


هتفت بتعاطف: أكيد لازم يفتكروهم دلوقت، تعالي نروح نهديهم.. 


_ يلا. 


بعد خطوتان وقفت زمزم بغتة تنظر للأخرى هاتفة: بلقيس انتي ماشية زي البطريق كده ليه يا ماما؟


_ بحافظ على نفسي وبمشي بالراحة زي ما جوزي نبه عليا.. 


_ بس مش للدرجادي.. 


_ لأ للدرجادي.. بدال مايحصلي حاجة ويخاصمني تاني. 


_ هو خاصمك أولاني؟ 


_ يووه ده تقريبا طردني من البيت، هو انا مش حكيتلك؟


شهقت بدهشة: لأ معرفش.. ازاي حصل كده؟


_ تعالي بس نروح للي بيعيطوا دول وبعدين احكيلك، انا قاعدة معاكي لحد السبوع.. 


............ .


أقبل عليه محمود وهو يلهث من فرط رقصه وسط الشباب: ايه يا ابو نسب واقف بعيد ليه؟ مش ناوي تشيل ايدك الكريمة دي من جيوبك وتركن برستيجك ده علي جنب شوية وتنضم لعامة الشعب؟



+





        


          



                


حدجه بتحذير: ابعد عني يامحمود وروح انت اتنطط مع نفسك..أنا ماليش في الرقص. 


_ والله عيب في حقك.. لعلمك زمان بنت عمي بتقول في نفسها ياميلة بختي..جوزي مابيعرفش يهيص زي الشباب. 


أمسك أذنه بشدة موبخا: ماتتكلمش علي لسان بلقيس يا حوده وخليك في حالك. 


توجع محمود قائلا: طب خلاص الحق عليا اني بنورك.. 


_ لا ياخويا متنورنيش انا بحب الضلمة.. 


_ ياريت ماتبقاش أختك إيلاف عاقلة كده أنا عايزها مجنونة يا إما هجننهالكم انا بعد الجواز.. 



+




قالها وهو يبتعد سريعا عن مرمى ضربة ظافر..لينضم إليه بعد برهة يزيد قائلا: ايه ياشيف محمود بينكشك ليه


_ عايزني ارقص وانا ماليش في التنطيط والله 


_ ولا أنا.. لولا عابد زقني في الزحمة اما جم أصحاب عبده.. 


ابتسم وغمغم وهو ينظر لرقصات الشباب: 


بس فعلا شعللوا الدنيا برقصهم الجماعي ودخلتهم كلهم..وشكل جوز اخت بسمة محترم جدا. 


_ ياسين واستاذ ناجي بيشكروا فيه اوي.. ربنا يتمملهم بخير.. 


_ اللهم امين. 


_ صحيح هو انت هتحضر معانا سبوع التؤام؟


_ لا والله يا يزيد صعب، ده انا ماشي بعد شوية.. انت عارف كتب كتاب اختي ومحمود بعد ايام وفي استعدادات بعملها مع اوردارات المطعم نفسه.. انا فعلا جيت بالعافية 


_ الله يعينك يا شيف.. 


_ طب انا عايز اكلم عابد والمدام بتاعته اباركلهم قبل ما امشي..ينفع في الزحمة دي؟ 


_ اه طبعا هروح اسحبه من الزحمة هو وزمزم انا كنت شايفها مع مراتك. 


_ فعلا بس اختفت معاها معرفش راحوا فين


_ أكيد عند تجمع البنات الناحية التانية..


_ طيب انا هروحلها واباركلها وهي مع بلقيس وانت بس اسحبلي عابد من الهيصة اباركله قبل ما امشي .


_ خلاص تمام.


............ .


بعد وقت ليس بقصير هدأت الأجواء وجاء وقت انسحاب فوج رفاق عبد الرحمن وشقيقه.. فعاق ذهابهم عاصم وناجي وأدهم بقسم ألا يغادروا قبل تناول الجميع وجبة العشاء أولا.. 


___________



+




باحتفال بسيط وحضور العائلة والأقرباء تم زفاف عبد الرحمن وحنين.. وودعوا الجميع متوجهين لمنزلهما ما بين لهفة الأول للخلوة بعروسه والأخيرة بشحوب الخوف مما ينتظرها وتجهل كل طقوسه.. 


............ .


في اليوم التالي ذهبت بسمة وشقيقها وزوجها ياسين للمباركة وما أن اختلت بشقيقتها حتي لفهما الصمت برهة.. يلجمها التوتر وهي تنظر لحنين مترددة فيما تود قوله..كم تفتقد وجود والدتهما الآن.. الكثير من المواقف لو كانت معهم لما حملت هي هما لها..



+




أخيرا استجمعت شجاعتها وقالت:


حنين.. طمنيني.. حصل ولأ؟ 


أطرقت خجلا غير معتادة ان تناقش مواضيع گ تلك مع شقيقتها، فأشعل صمتها هواجس الأخري لتصيح بخوف: حنيني ساكتة ليه طمنيني عشان خاطري.. أنا مش عارفة اقول ايه بس... 



+




_ أطمني. 


رحمتها حنين بتلك الكلمة فتنفست بسمة الصعداء ثم ضمتها بقوة وصاحت: مبروك ياحنين مبروك ياحبيبة اختك.. 


ثم تساالت علي استحياء: يعني عبده عاملك كويس؟ قصدي كان... 


_ هتصدقيني لو قولتلك يابسمة ان من كتر ما عبد الرحمن كان مراعيني وحنين عليا أنا معرفش الموضوع تم ازاي؟


من أول لحظة اختلي بيا وهو بيطمني ويهديني كأنه بيقولي انا جوزك وحبيبك وامك وابوكي وكل ماليكي.. ماقالهاش بكلام.. قالها بحنانه ومعاملته اللي مش هنساها ابدا.. مش هنسي اني كنت طايره بين ايديه بدون خوف ولا قلق.. كنت فاكرة المشاعر دي مبالغة في الأفلام والروايات وعمر ما أمنت بوجودها في الواقع.. انما دلوقت اتأكدت لما ربنا كرمني براجل يستحق اشكر ربي عليه كل ساعة لحد ما اموت.. 



+





        


          



                


لم تشعر بسمة بدموعها المنهمرة بغزارة وهي تنصت لمشاعر شقيقتها التي انسابت كأنها صارت بعالم أخر.. وجهها الوضاء وهي تسرد معاملة زوجها لها كأنها تستحضر حلاوة الذكري القريبة.. الآن فقط اطمئن قلبها تجاه حنين.. تلقفتها بين ذراعيها وربتت علي شعرها بحنان أمومي: الحمد لله يا حبيبتي ان ربنا رزقك زوج صالح.. ربنا يسعدكم ياحنين ويرزقكم الذرية الصالحة.. 



+




ثم ابتعدت قليلا وقالت: اسمعي ياحبيبتي.. صحيح ماما مش موحودة بس لازم تعرفي اني مش بس أختك.. أنا امك كمان.. اوعي تخبي عني حاجة ولا تقعي في مشكلة وتتكسفي مني، خصوصا اني هشتغل ومساعدتي هتكون من قرشي مش من جوزي..يعني اوعي تتردي تطلبي مني ياحنين اوعي..



+




بكت وعادت تعانقها مغمغمة: ربنا يخليكي ليا ياختي، انتي فعلا مكان ماما وحنانك معوضني وزيادة.. 



+




_ ويحفظك ياحنة.. 


ثم فتحت حقيبتها والتقطت صندوق قطيفي وقالت: دي نقطة جوازك ياحبيبتي..مبروك عليكي. 


فتحت الصندوق بفضول لتتفاجأ بزوج من الغوايش الذهبية الثقيلة، لتعود وتنظر لشقيقتها بدهشة: ايه دول يا سمة؟ 


_ منا قلت نقطة جوازك


_ بتنقطيني بغوشتين تقال بالشكل ده؟ ازاي ومنين؟


_ باللي اتبقي من فلوس بيتنا القديم.. دول حقك.. أركنيهم للزمن عشان تبقي مسنودة علي قرش يخصك.. وبرضوا انا موجودة وقت ماتحتاجيني.. 


_ بس ده كتير عليا بابسمة، تقريبا انا اللي استفدت من كل حاجة وانتي لأ.. وكمان ياسين اخويا محتاج..



+




_ لأنك الأهم دلوقت.. انا مش محتاجة وهشتغل في الشركة مع جوزي وابن خالته.. اما اخويا فأنا اللي هتكفل به مش هخليه يحتاج حاجة متخافيش.. المهم اني اطمن عليكي واطمنك بقرش يسترك مع جوزك.. 


لبثت حنين تطالعها ولا تجد ما تقوله سوي دموع لا تكف عن الانهمار لتحتضن بسمة وجهها براحتيها هامسة: أنا اختك الكبيرة ومسؤلة عنكم.. وتصرفي طبيعي مش مثالي.. بعدين أنا ربنا عوضني بجوزي اللي مش هيخليني احتاج حاجة.. انما انتي وعبده محتاجين.. 



+




ظلت علي حالها تطالعها وتبكي فجففت لها عبراتها وهي تقول: وبعدين يابنت كفاية عياط.. جوزك هيفتكرني ضربتك.. يلا اغسلي وشك وحطي حبة ميك آب كده خلينا نخرج ليهم برة.. 


_ حاضر.. وربنا يفرح قلبك ويراضيكي ويجبرك خاطرك زي ما جبرتي خاطري ومليتي فراغ امي وابويا يابسمة.. كان ممكن واحدة غيرك تفكر في نفسها بس انتي عمرك ماكنتي كده.. 



+




_ واحنا لينا غير بعض؟ وبكره اخونا يكبر ويسندنا أكتر قصاد اجوازنا ويقوينا.. 


_ يارب.. والله هيوحشني اما يعيش معاكي. 


_ ماتقلقيش، ياسين بيجي هنا يشوف اهله كل اسبوعين، ساعتها هاجيلك انا وياسو.. يعني مش هنفترق..


واستطردت: يلا بقي نخرج ليهم عشان نمشي ونسيب العرايس احسن جوزك يطردنا لو طولنا وحرمناه من الغزالة عروسته. 


ضحكت بخجل واستعدت لتتفقد زوجها وزوج شقيقتها بالردهة.. 


____________



+




_ مش هوصيك علي حنين ياعبد الرحمن.. انا دلوقت بعتبر نفسي اخوها هي وياسين، يعني بعد الشر لو لأي سبب حصل بينكم مشكلة وجيت عليها مش هسمحلك بكده وهتلاقيني ساعتها قصادك.. 



+





        


          



                


ابتسم الثاني وغمغم: ونفس الكلام بقوله ليك.. بسمة اختي..وقت الجد هتلاقيني بجيب حقها.. 


وعاد يستأنف: بس انا متأكد ان ده مش هيحصل لأنك ابن اصول يا ياسين، انت غيرت وجهة نظري تماما عن الاثرياء، بجد بسمة محظوظة بيك انت وأهلك.. 


_ تسلم يا عُبد وانتم نفس الحكاية والله.. المهم اوعي حلاوة الجواز تنسيك فرحي؟ لازم تحضر ، هيكون فات اسبوع علي جوازك. 


_ لا اطمن قبلها بيوم هاخد حنين القاهرة عشان. تبقي مع اختها.. 



+




_ العصير ياحماعة


رد ياسين مازخا: لا عصير ايه يا عروستنا احنا هنمشي قبل ما جوزك يطردنا برة.. 


ضحكت بسمة: والله لسه قايلة الكلمتين دول ليها جوة. 


عبد الرحمن معترضا: لا والله عيب ده انتم علي راسنا من فوق، وهنتعشي سوا كمان.. 


_ لا عشا ايه يا راجل احنا اعتبرنا مشينا خلاص. 


ثم نظر لزوجته وشقيقها: يلا يا بسمة انتي وياسو.. 



+




حنين وهي تعانق أخيها: هتوحش حنة أوي يا سينو.. 


الصغير: وانتي كمان هتوحشيني.. بس أبلة بسمة قالت هنزورك كتير.. 


_ إن شاء الله، طب خد ياقلبي دي شيكولاتات وحاجات حلوة من اللي بتحبها..ثم راحت تقبله بحنان وبالمثل شقيقتها.. وبعد قليل غادروا ليبقي على وجهها أثر الحزن الشارد بعد رحيلهما.. 


_ حبيبتي.. 



+




فاقت من شرودها القصير على صوته فابتسمت ملبية: عيون حبيبتك.. 



+




جذبها من خصرها وهمس وهو يتشرب محياها بحب: تعرفي جوز اختك ده بيفهم.. انتي فعلا وحشتيني الشوية دول.. خلاص مابقيتش بقدر ابعد عنك ياحنين.. 


ابتسمت بخجل واستكانت بصدره تستنشق رائحته بوله: ولا انا ياعبده.. لو تعرف قلت ايه لأختي عليك؟ 


_ قولتي ايه؟


همس بها وهو يوجهها لغرفة نومهما فقالت: 


انك كنت حنين اوي معايا وطيب ومخوفتنيش منك وراعيت قلة خبرتي و... 


_ وايه كمان؟ 



+




قالها وهو ينثر قبلاته علي ما يطاله منها لتتلعثم وهي تجيب بخفوت: واني بحبك اوي ياعبده..


_ وانا بموت فيكي ياحنة.



+




وختم همسه الحاني وهو يأخذها ويذيبها من جديد بأمواج عاطفة هائجة لا تهدأ إلا بها، وكلما التحما كلما ازداد عطشه رغم غرقه في بحر قُربها ومع هذا لا يرتوي.. 


______


هي بلقيس فين يا دره؟


_ جالها تليفون الصبح من عطر بعدها نزلت معاها ومش قالت رايحين فين


هز رأسه: يمكن رايحين عند زمزم وجوري


_ يمكن


_ طب فطرت؟


_ مارضيتش بس غصبت عليها بكوباية لبن. 


_ ربنا يحفظها، هو جوزها هايجي يحضر السبوع؟ 


_ لأ بلي بتقول انه مشغول واكتفي انه بارك لعابد ومراته ليلة الحنة ونقط الولاد ومشي.. 


_ الله يعينه.. وكده كده هنمشي كلنا بعد السبوع.. 


_أيوة ماهي الأفراح جاية وري بعض ما شاء الله..زفاف ياسين وعقد قران محمود وأيلي.. 


_ ربنا يزيدها يا دره ويحفطهم ويبلغنا شوفة ولادهم.. 


_ يارب ياغالي ويديك طولة العمر.. 


____________



+




في إحدي المختبرات القريبة تجلس عطر وبلقيس بتوتر احتل وجه الأولي لتهدئها الأخرى قائلة: ماتقلقيش خير والله انا متفائلة.. بس برضو لو ربنا مش أراد بلاش أحباط.. 


_ ماشي بس ساعتها هقلق لأن اللي حاصل معايا غريب.. الدوخة ووجع بطني مش معتادة عليهم. 



+





        


          



                


_ بصي ياعطر في تغيرات وأعراض أصلا بتحصل للبنت بعد الجواز ممكن تكون هي السبب.. فأحنا بنطمن طلع حمل يبقي استعدي ازاي هتعرفيهم الخبر.. ماطلعش يبقي خدي الأمر عادي وربك يعوضك خير.. 



+




أومأت لها ولكن ظل القلق يحاصرها حتى صاحت الفتاة بأسم عطر لتتسلم التقرير الخاص بها، متمتمة بابتسامة: ألف مبروك.. التحليل طلع إجابي والمدام حامل.. 



+




لوهلة أعتراهما الذهول ومن ثَم استوعبت عطر الأمر وگ رد فعل تلقائي قفزت من الفرحة تهلل.. لتُثنيها بلقيس سريعا: بتعملي ايه يا مجنونة وانتي حامل براحة علي نفسك.. شكل عشرتك مع جوري أثرت عليكي جامد.. 



+




ثم شكرت الفتاة وأنقدتها بعض النقود وأخذت الأخري للجلوس فسكنت ثم دمعت عيناها بغتة بسحابة غزيرة انهمرت على خديها لتحتضنها بلقيس بحنان محتوية فرحتها: ألف مبروك يابشمهندسة.. هتجيبلنا أنتي وابن عمي مسطرة حرف تي.



+




ضحكت من بين دموعها: هتألشي على ابني من دلوقت.. واستأنفت وحدقتاها تلمع: أنا مش مصدقة اني حامل وهجيب بيبي ليزيد.. عايزة اطير واتنطط واصرخ من فرحتي.. 



+




_ لا وفري الطاقة دي كلها لبعدين وفكري ازاي هنعرف جوزك والباقيين.. لازم فكرة مميزة ماتتنسيش.. 


_ عندك حق..ممكن جوري تساعدني في فكرة مجنونة زيها.. 


_ ممكن المهم خدي بالك علي نفسك وخليكي حريصة واول ما يزيد يعرف روحي لدكتور عشان تاخدي علاج وفيتامينات.. 


غمغمت وهي تملس على بطنها بشرود: إن شاء الله



+




_ طب يلا نرجع البيت.. 


ونهضوا مترجلين خارج حدود المختبر لترمقها عطر بنظرة خاصة. قائلة: بلقيس.. أنا مش عارفة اشكرك ازاي علي اهتمامك ومساعدتك ليا.. أنا خوفت اقول لماما وخالتوا واحبطهم لو اتعشموا بالحمل، وجوري كانت تعبت في تحضير التبيتة بتاعة السبوع ( الليلة التي تسبقه يوم).. وطبعا يزيد ماينفعش يعرف دلوقت عشان أفاجئوا.. 


_ انتي كده هتزعليني منك اوي.. هو انا مش اختك الكبيرة؟ أنا موجودة في اي وقت لو احتاجتي حاجة، وعلي فكرة الدكتور بتاعي شاطر أوي لو تحبي تتابعي معاه في القاهرة ونبقي كمان نروح نتابع سوا معنديش مانع.. 


_ مافيش مشكلة، هبقي اقول ليزيد.. 


_ إن شاء الله.. ومبروك مرة تاني


_ الله يبارك فيكي، ويارب يابلقيس جوري كمان تبقى حامل عشان نولد سوا وولادنا يكونوا في عمر بعض. 


_ ربنا يطمنا عليها هي كمان.. عشان طنط كريمة تفرح بيكم.. طول عمرها تقول نفسي اشوف ولاد يزيد.. واهو هتشوفكم كلكم ربنا يبارك.. 


_ يارب.. صحيح انتي عرفتي هتجيبي ايه ؟ 


_ لأ.. بعد فرح إيلاف هنروح للدكتور وهنعرف.. 


_ ونفسكم في ايه؟


_ اللي ربنا يرزقنا بيه مش فارقة


_ ربنا يقومك بالسلامة


وواصلت متعجبة: تصوري وصلنا البيت ومش داريين.. 


_ عشان المختبر قريب مننا وادينا اتسلينا.. 


_ طيب هسيبك بقي وشكرا مرة تانية، وجودك فرق معايا اوي 


ربتت علي خدها: أنا دايما موجودة. 


وتركتها عطر وهي تتصور مئات التخيلات لرد فعل يزيد حين يعلم بحملها.. 


________



+





        


          



                


_ أسمعوا كلام تيتة كريمة وجدو أدهم


_ واسمعوا كلام تيتة عبير وجدو محمد


_ لا سيبكم منهم واسمعوا كلام تيتة دره وجدو عاصم



+




_ لا ياحبايب عمتو اسمعوا كلام جوجو بس وابوكم لأ



+




مع دقات "الهون" النحاسي وصخبه راحوا يتبادلون الأوامر المازحة للتؤام شديدي الصغر گ راحة الأيدي وهما يضم كلا منهما غربال شفاف يحتلوا وجه منضدة كبيرة مزينة بالورود وعدد ضخم من أكياس الحلوي المخلوطة بزهور الفشار والمكسرات الفاخرة.. 



+




_ايه ياماما ده عيالي هتصدع كده من الدق ده



+




_ أسكت انت اش فهمك في طقوس السبوع..لازم ندق الهون ونرش الملح ونقيد الشموع كمان.. 


_ ماشي ياكيما براحتك بس وصي العيال عليا أنا ابوهم برضو.. 


بلقيس: لا ياطنط خليهم يسمعوا كلام زوما العاقلة عشان عابد مجنون.. 


_ بقى كده يا ام زتونة انتي.. ماشي في سبوع البرص او البرصاية اللي هتجبيهم هردهالك.. 


_ ظاظا مش هيسكتلك. 


_ طب هتشوفي.. 



+




_ بطلوا نقار خلونا نكمل الطقوس..


قالتها جوري لتفصل بين شقيقها وبلقيس ليصيح عامر: أسمعوا كلام العاقلة اللي فيكم.. 



+




ضحكت لقوله ثم وزعت الشموع عليهم قالت: 


هشغل اغنية السبوع بتاعة فيلم الحفيد وكلكم تلفوا معاها وتغنوا عشان كل ده هيتصور.. 


عاصم: لا أنا مش همسك شمعة والف زي الولاد. 


بلقيس: عشان خاطري يابابا كلكم لازم تشاركوا


جوري: سوري ياعمو مش هقبل اعتراض.. لازم كلنا نلف ونغني.. يلا



+




وراحت تنظمهم حول التؤام بجموع تدور ما بين صغير وكبير يحملون شموعا مشتعلة ينعكس ضوئها علي الوجوه السعيدة بقدوم الصغار.. ويصاحب خطواتهم المرتبة أغنية السبوع المقرونة بطقوسنا المصرية وهي تصدح بعزف مبهج.. 



+




حلقاته برجلاته إن شاء لله يعيش إن شاء لله يعيش


يكبر يبقى فى وسط اخواته جن مصور زيه مفيش



+




بريلا بريلا ضحكة امة وفرحة ابوه


اصغر واحد فى العيلة رشوا الملح عليه وارؤوه



+




يا رب يا ربنا تكبر وتبقى ادنا


تلعب وتجري زينا وتبقى اشطر مننا



+




حلقاته برجلاته يوم ورا يوم يبقى بشنبات


يتجوز على اد حالاته ويخلف صبيان وبنات



+




انتهت الأغنية وتوقف معها الجميع يغدق بالتهاني علي عابد وزمزم وأن يجعل ذريتهما مباركة.. ليصيح الأول: ودلوقت جه معاد أهم طقوس السبوع.. الهدايا.. وتحذير شديد اللهجة، مش هقبل انا ومراتي العاقلة دي هدايا دهب اقل من خمسة جرام ومسموح بالنقدي بس لا يقل عن ورقتين من فئة ال 200 جنيه.. 


أظن أنا كده مراعي ظروف الكل.. 



+




_ طب واللي ممعهوش فكة ياعُبد؟ مايمشيش معاك باكت بامبرز حجم وسط؟ 


_ لأ عفانة مش عايز يا ياسين انا بقولك اهو!..ماتقولي حاجة يابسمة؟ 


ابتسمت برقة: أنا مع ياسين.. 


صاح الأخير وسط ضحج البقية: يانصفاني وكاسفة الأعادي.. 



+





        


          



                


قهقهت فدوة وقالت: لعلمك انت أكتر حاجة هتستهلكها البامبرز اللي جابه ياسين.. 


عابد معترضا: خالتو البامبرز ده مالوش علاقة ده بالهدية ده بند إجباري من الكل عيب نتكلم فيه أساسا.. 


زمزم وهو تلومه: ياعابد مايصحش.. 


_ أسكتي انتي انا بلم الجمايل بتاعتي منهم.. 



+




جوري: طب واللي مالحقش يشتري دهب؟


_ يحسب سعر جرام الدهب ويضربه في خمسة ويحط فلوسه جنب العيال.. 



+




عاصم وهو يحدجه بجدية مقاوما ابتسامته: أخر كلام يا عابد؟ 


ترك عابد موقعه وذهب يقبل رأس العم وهو يقول: لأ أنت تاخد مني فلوس ياكبير.. كفاية انك وسطينا أصلا..انت وبابا وعمو محمد وعمو ناجي براءة.. أنا مركز على الجيل التاني ياجماعة..



+




قهقهوا لتهتف بلقيس مازحه وهي تدفعه بشيء ما: لحقت نفسك مع عصومي قبل ما يتعصب عليك.. 


_ طب وسعادتك فين هديتك وهدية الشيف جوزك؟


ضحكت قائلة: مع زوما من يوم ماجيت حتي أسألها.. 


_ لا دي براءة ياعابد، دفعت ليا هي وجوزها خلاص عديها



+




أما يزيد فوضع مغلفان في غربال الصغار قائلا بوقار: دي نقطتي انا وعطر يا ابو الشباب. 



+




عابد بريبة: أهو انا مش بخاف غير من الأظرف المقفولة دي.. خايف افتحهم ألاقي خمسين جنيه فكة في كل ظرف



+




قهقهت كريمة: أحمد ربنا انت هتنهب


_ لا يا كيما انا داخل علي مصاريف وحضانة ومدارس.. 


يزيد وهو ينكز رأسه: أنت هتشحت علي العيال يالا. 


_ لا أنا بس بوضح الصورة يا زيزو أحسن تكونوا مش واخدين بالكم


عطر: أطمن المبلغ هيكسي العيال ويفيض.. 


_ اللهي يسترك دنيا وأخرة يابنت خالتي. 



+




عامر: أنا بالنسبالي كفاية اني سبتلكم جوري بذات نفسها تنظم اليوم كله لما يا حبيبتي خست النص.. 


قالت بدلال: قولهم خليهم يعرفوا قيمتي ياعموري.. 



+




عابد بجدية مريبة: تصدق بالله ياعامر؟ .. انا ما حد خانقني في حياتي غير مراتك.. كفاية بتقول علي ابني "دِيبان" البريء ده مناخيره كبيرة.. 


_ أيوة مناخيره كبيرة وشبهك المسكين..بس روتيلا حبيبة عمتو طالعة كيوت ليا.. 


_ طبعا ياروحي. 



+




عابد: لا بقولك ايه ياجوز اختي السهوكة دي لما تروحوا بيتكم الله يكرمك.. هات نقطة العيال ياعم الشيف.. 



+




أدهم بلوم: يا ابني اعقل أحسن جوز اختك يزعل.. 


_ لا ياعمي أنا خلاص أخدت علي كده.. والفضل لجوري مراتي.. عينة أصلي للجنان..


نكزته بخاصرته ليضحك ثم وضع مبلغا مناسبا للصغار قائلا بمحبة: ربنا يبارك فيهم ويجعلهم ذرية صالحة.


_ تسلم ياعمور وعقبالك انت واختي الهبلة دي 


عامر بتحذير: والله أخد النقطة تاني؟؟ 


أشار بكفه بتراجع: لأ خلاص أختي جوري حلوة.. 



+




ناجي وهو يصفق بكفيه: ياولد اعقل شوية انت بقيت خلاص أب لتؤام. 


_ لتلاتة ياعمي.. مهند وديبان وروتيلا.. 



+




ابتسامة تقدير نالها من أحداق الجميع وعبير تهتف: يتربوا في عزك ودلالك ياحبيبي.. ثم دنت تقدم خاتم ذهبي للصغير وسلسال للصغيرة، ليصيح عابد: الله عليكي ياطنط..


محمد متدخلا: دي هديتي انا وعبير سوا.. 


_تعيش ياغالي.. 


وواصل وهو يلوح بيده: ايه يا محمود انت وإيلاف مداريين ورى ليه فاكريني مش هشوفكم.. تعالو هنا.. 



+




_ عيب عليك يا بودي ده انا خال الولاد.. والخال والد.. طبعا عملت الواجب أنا وإيلاف مع زوما.. 


نظر عابد لزوجته: حصل الكلام ده؟


زمزم مازحة: حصل يا باشا


_ خلاص يبقي حودة وخطيبته يتشالوا من الكشف هما كمان.. كده فاضل مين مين؟



+




كريمة: فاضل انت يافالح.. كلنا دفعنا.. 


_ جري ايه يا كيما؟ أنا ابوهم..يعني كده كده هطحن مصاريف.. أمال انا بلم منكم ليه؟


_ ولو.. أدفع برضوا


_ لأ في حد أهم ناقص..عارفين مين؟



+




تسائل الجميع ليجدوا مهند يصعد المنضدة محمولا من عابد الذي قال: فاضل اخوهم الكبير اللي بيحبهم.. صح ياهوندا؟


الصغير بخجل من تحديق الجميع به: ثح؟ 


_ طب يلا وريهم الجدعنة.. 



+




وكما لقنه عابد مسبقا التقط الصغير من تجويف كنزته الصغيرة بضعة نقود ووضعها لشقيقيه تباعا وعلي وجهه فرحة حقيقية لاعتباره كبيرا مثلهم.. ليصدح صفير حماسي مشجع من عابد وجوري وتمتمة حانية من زمزم وعبير وصفق له البقية وهم يتسابقون لتقبيله ومدحه.. 



+




جوري بصوت واضح: بما إن فقرة النقطة خلصت عايزين نختم السبوع بمفاجأة هتبسط الكل.. 



+




تساؤلوا بفضول لتتقدم تجاه عطر وتجذبها هي ويزيد لوسط دائرة العائلة وتصيح بصوت قوي وصاخب: 


_المفاجأة اللي هنختم بيها أحلي تجمع هي أن 


عطر حامل..


توجهت العيون المتسعة نحوها بفرحة غامرة


لكن لم يعنيها من وسط الجميع سواه.. 


‏ صوبت نظرها له وحده.. 


يزيد.. 


‏______



                                    


الفصل الثاني والستون.


_________________


عيناه "حبيبتاها" هي فقط ما طاردت فرحتهما بلهفة بين الوجوه عند إعلان جوري خبر حملها، يا ويلها، جسدها يُرفع بين ذراعيه وقدماها گجناجان يطيران في الهواء وهو يدور بها مغمورا بفرحته غير عابيء بمن حولهما كأنه ما عاد يرى سوها



+




( مبروك يافواحة)


همسها قرب أذنيها لتبتسم باكية مع خجلها من صفير عابد وياسين ومحمود لتحسه أن يتركها فيفعل وتنهال عليهما مباركات الجميع..( مبروك يا حبيبة اخوكي) بصوت شقيقها ياسين سمعتها مقرونة بعناق حاني ( مبروك ياقردة) وهذه بصوت عابد الذي تآوه من لكزة يزيد القوية علي رأسه. بينما احتوتها ذراعي والدتها ووالدها تباعا وكلا منهما يمطرها بقبلاته الباكية ليحين دور خالتها كريمة لتعانقها بقوة ثم تطلق سيل زغاريد صاخبة..( من دلوقت ابنك او بنتك محجوزين لولادي يا باشمهندسة) صاحت بها زمزم مهنئة بمرح لتتوالى مباركات البقية. 


........... 


_خلاص يا ناجي هنشوف ولاد يزيد وعطر وهتبقى جد رسمي. 


ضحك له: الله يبارك فيك يا أدهم، شوفت النصيب، أنا وانت جدود لحفيد مشترك. 


محمد: ودي أحلى حاجة، لما الصداقة والعشرة الطيبة تتكلل بنسب وأحفاد واحدة.. ربنا يقومها بالسلامة. 


_اللهم أمين


_ عقبال ما نحضر سبوع بلقيس ياعاصم


_ في حياتك يا أدهم، والله مستني اشيل حفيدي بفارغ الصبر


ناجي: هانت، مافيش أسرع من الأيام.. ربنا يباركلنا في ولادنا وأحفادنا.. 


......... ..


_ فرحان عشان اختي اوي يابسمة، مشتاق من دلوقت اشيل ولادها.. 


منحته ابتسامة دافئة: ربنا يقومها بالسلامة. 


_ عقبالنا يابسمتي، هانت ونحصلهم


احمرت خجلا فضحك وقال: خلاص يا فراولة ماتتكسفيش، وواصل: وعقبال حنين وعبده عشان انتي كمان تبقى أجمل خالتو في الدنيا. 


غمغمت بحنان: يارب يا ياسين، ساعتها الفرحة مش هتساعني. 


_ بأذن الله ياحبيبتي، أمال اخوكي فين؟


_ هناك بيلاعب مهند، بقي يحبه اوي. 


_ كويس انه مبسوط ورجع لطبيعته. 


_ اه والله الحمد لله كنا فين، وكمان اليومين اللي قعدناهم مع طنط فدوى بعد فرخ اختي، اتعلق بيها جدا، بصراحة هي اهتمت به لدرجة أثرت في ياسين. 


ثم لمعت عيناه ممتنة: انا مش عارفة من غيركم كنت هعمل ايه بعد جواز حنين ووحدتي. 


ربت على كفها هامسا: وحدتك؟ وانا فين من حساباتك؟ 


ملأت مقلتاها بوجهه قبل أن تهمس: أنت الدنيا ومافيها يا ياسين..


تنهد قائلا: بعد ما نتجوز سمعيني الكلام ده كتير. 


_ ربنا يقدرني واسمعك كل طيب وتعيش مبسوط معايا..( متأكد يابسمتي) قالها بحنان ثم أخذها وذهبا يتفقدا الجميع. 


......... ..


_ سبحان الله صدق اللي قال الأفراح بتجر بعضها. 


قالتها هدى لتجيبها دره: فعلا، كلنا متجمعين عشان تؤام عابد وأيام وهنحضر زفاف ياسين وكتب كتاب محمود، وادي عطر ويزيد بيفرحونا باجمل ختام لاحتفال انهاردا


كريمة: طب ادعوا معايا افرح بجوري كمان عشان. اطمن على ولادي التلاتة. 


ربتت فدوى على كفها: انا متأكدة انها هتحصل عطر قريب. ما انتي عارفاهم توائم في كل حاجة. 


دره: انا كما متفائلة إن جوجو هتقولنا خبر حلو قريب جدا.. ( يارب) قالتها كريمة واستطردت: عقبال ما نطمن علي بلقيس هي كمان، ماتعرفيش هتجيب ايه؟ 


دره: معادها مع الدكتور عشان تعرف نوع الجنين بعد فرح ياسين إن شاء الله.


هدى: أنا بالنسبالي مش فارق نوعه المهم يكون خلقة تامة. 


عبير: فعلا ده اهم شيء..


فدوى: ربنا يقر عيونا بيهم كلهم ويملوا الدنيا حوالينا


الجميع بصوت واحد: اللهم أمين. 


_____



+





"لسه مانمتيش؟"


ارتبكت من حضوره المفاجيء وعدلت وضع وشاحها: لأ، مش جايلي نوم قلت انزل اقعد هنا شوية. بس خلاص انا كنت راجعة.


_ خليكي معايا شوية. 


ما بين رجاء وعاطفة همس لها ثم غاب دقائق وعاد حاملا شطائر محشوة جبن وكاستان لبن ( ايه ده يا ياسين) تساءلت وهو يضع الصينية أرضا ودعاها لتجاوره فوق الحشائش، فعلت لتجده بقرب لفمها شطيرة مصوبا عيناه علي شفتيها، فتوترت وقالت: أنا مش جعانة يا... .


دس قطعة خبز جعلتها تبتلع باقي اعتراضها بنكهة حنانه الغامر، تحول اعتراضها للذة وهي تنهل من هذا الحنان والحب لمن صار زوجها وبعد أيام سيلتحمان في كل شيء، سيكون صدره وسادتها، أنفاسه هواء رئتيها، ذراعيه حصنها وأمانها..كم تطوق لتقول له أشياء كثيرة وهي تقبع برأسها جوار خافقه، تصبح وتمسي بين يديه حتي ترتوي. 


_ شبعتي؟ 


نظرت للصحن الفارغ وأصابها الذهول، كيف تناولت الشطيرتان دون أن تدري؟ 


_ هو انا أكلت لوحدي؟


هز رأسه بإقرار حاني، فغمغمت: ازاي؟ أنا ماحسيتش بحاجة.. ابتسم وهمس برفق: لأنك كنتي جعانة، ماما قالتلي إنك مش أكلتي عند زمزم ولا لما جينا الفيلا عندنا. 


تذكرت بالفعل عزوفها عن الطعام واكتفائها بكوب عصير، ربما قلق ما قبل الزفاف گعهد كل عذراء تخاف حتي لو كانت تحبه وتشتاقه، ربما هو تضاد منطقي لمن مثلها. 


_ كلميني عنك يا بسمة. 


قالها وهو يوجه لها كوب اللبن، فوضعت كفها حول كفه ووجهت له الكوب وقالت: أشرب انت بقي اللبن. 


ارتشف بعضه وهو يرمق فضيتها بعين هائمة ليتفاجأ أنه ارتشف كوبه كامل دون أن يشعر. 


_ بالهنا والشفا. 


قالت وهي تضع الكوب الفارغ في موضعه قائلة: عايز تعرف ايه عني؟ أنا تقريبا حكيتلك كل حاجة. 


_ عمرك حبيتي قبل كده؟ 


_ عمري ( قالتها بحسم لتواصل) كتير أيام الجامعة حاولوا يقربولي بس كنت برفض المبدأ العلاقات العابرة اللي ممكن تكون مجرد تقضية وقت والسلام وماناخدش منها غير ذنوب. 


_ يعني انا أول حب في حياتك؟


_ وأخر حب! 


قالتها بحرارة نفذت لقلبه وجعلته يبتسم لها بدفء، ليحين دورها: وأنت؟ حبيت قبلي؟ 


صمت ينظر لها مليًا فتوجست وهي تعيد سؤالها: حبيت قبلي؟ ( هز رأسه أخيرا مع تمتمة) لأ، لكن انجذبت لكذا واحدة وكنت هتقدملها بس ماحصلش نصيب. 


_ ليه؟ 


_ كانوا بيتخطبوا، أخرهم بنت اسمها رحيق كنت خلاص رايح اكلمها لقيتها بتقدملي دعوة خطوبتها.



+




لن تحب كل رحيق بعد الأن.. 


قالتها لنفسها بصوت العقل كأنها تقطع وعدا، وعصفت فضيتها بغيرة بصرها وراح يتأملها باستمتاع وقال: امتي يوم فرحنا يجي؟!


نظرت له وقد عادت لعيناها لمعة الحب وهمست: هانت. ربنا يحمعنا علي خير ويقدرني اكون ليك زوجة صالحة تستاهلك يا ياسين.


رعدة برد أصابتها فاحتضنت جسدها بذراعيه لتبث بعض الدفء بجسدها، لاحظها وتمنى لو ضمها إليه، لكنه لا يأمن إندفاع عاطفته الآن، فليصبر قليلا _ يلا يابسمة ارجعي اوضتك الدنيا بقت برد، ويا دوب تنامي كام ساعة قبل نزولنا القاهرة. 


قالها وهو ينهض ويمد كفه لتتعلق بها فيحتويها بقوة حانية ثم قربها لشفتيه وطبع قبلته علي أناملها وقال:


ربنا يهون الكام يوم اللي فاضلين يابسمتي. 


تصبحي على خير. 


________



+





        



          



                


_ جوجو، جوجو فينك؟ 


صاح عامر وهو يتفقدها فور دخوله شقتهما عائدا من عمله ليجدها تستند بمرفقيها على سياج الشرفة شاردة عن ما حولها، تنهد ولبث ينظر لها بحنان ثم دني وذراعه يحاصر خصرها النحيل لترتعد للمسته بغتة. 


_ اهدي يامجنونة هو مين غيري يعني هيمسكك كده في شقتنا؟


_ أفرض حرامي؟ 


_ حرامي هيدخل يتنحنح ويقف جنبك كده؟


قالها ساخرا فابتسمت لحماقة قولها وحاولت المزاح: عندك حق ياعموري ده يبقي حرامي مش محترم وبيسيء للمهنة، الحرامي يسرق ويمشي من غير ما يزعج أصحاب البيت. 



+




لم يبتسم وهو ينظر لها مليا ثم قال: مالك يا ملاكي؟ من وقت رجوعنا من المنصورة امبارح وانتي هادية علي غير طبيعتك. 


_ عادي أرهاق، انت عارف كانت كذا مناسبة وهلكت هناك سهر ورقص و...... 


_ نعم؟ رقصتي فين؟


_ أيوة عند خالتو فدوى يوم حنة بسمة وحنين. 


لكز رأسها بقوة لا تؤلم : مش قولتلك ماترقصيش؟ 


ابتسمت ولم تجيبه وعادت تنظر أمامها، فجذبها خلفه ليصل بهما المقام فوق أريكة قريبة وأجلسها فوق قدميه بتمتمة: طب قوليلي بس مين زعلك؟ 


نظرت له مطولا ثم دست رأسها علي صدره هامسة: كان نفسي افرحك بحملي زي اخويا يزيد ما فرح بعطر..وكمان كان نفسي زي ما عملنا كل حاجة في حياتنا سوا.. نحمل كمان سوا وولادنا يبقوا زينا..ثم رفعت وجهها له مبررة: أنا فرحانة اوي عشان عطر والله بس... 


قاطعها بلثمة رقيقة على شفتيها مستطردا عنها: أنا فاهم قصدك بس ده كله رزق ومحدش زي التاني.. 


ثم شاكسها وهو يلاطف أنفها الصغير بأنفه: وبعدين انتي عايزة تضحكي عليا؟ عايزة تحملي وتهربي من وعدك ليا؟


قالت غافلة عن مقصده: وعد ايه ياحبيبي؟


نهض بها وأخذها لغرفة نومهما ثم أشرع خزانة ملابسها وأحضر شيئا بسطه فوق فراشهما مع قوله العابث: أمال انا جايب دي لمين؟ 



+




تنقلت بصرها بين ثوب الرقص ونظرته العابثة وضحكت بشدة ليواصل بعتاب: من يوم جوازنا وراعيت انك هتتكسفي ترقصي قصادي، بس اظن عيب ترقصي لكل أهلك وأنا لأ.. ولا عايزاني أشوف حد تاني يرقصلي بره؟ 


أطلقت عيناها شررا وهي تدنوا منه وتمسك بقميصه بشراسة يعشقها: ده لو لقيت في وشك عيون سليمة تبص بيها علي غيري ياعموري. 


قهقهة بانطلاق ثم عاد إليه خبثه وهو يلاعب حاجبيه بعبث قائلا: خلاص وريني قدارتك. 


_ دلوقت؟ 


_ أيوة دلوقت. 


_ طب بعد الغدا. 


_ دلوقت. 


_ طيب بالليل شوية تكون الأجواء أنسب. 


_ دلوقت. 



+




ابتسمت وتلونت نظرتها بشقاوة محببة وعادت روحها المرحة وهي تدفع صدره برفق لخارح الغرفة: 


طب استنى بره لحد ما استعد. 


اقترب ثانيا: طب ماتستعدي قدامي. 


عادت تدفعه بدلال: ماينفعش ياعموري. 


تنهد ثم قبلها سريعا وغادر سعيدا لاحتواء حزنها واستعادة روحها المرحة ثانيا، لا ينكر انه مثلها حين رآى فرحة يزيد بحمل زوجته تمناها في نفسه، ربما قرأتها جوري في عيناه فساهم هو دون قصد بترسيخ حالتها تلك



"عموري"



+




صدح ندائها الحبيب، فتقدم ليعبر غرفته بشوق لتتسمر عينه عليها بعد ارتدائها الثوب الأخضر الذي أحضره ومفاتنها التي تجلت منه مع استرسال شعرها الطويل وذاك الطوق الذي صنعه لها بيديه بذات الخضار يزين قمة رأسها والخلخال الذى إلتف حول أنكل إحدى قدميها فجمعت ما بين إغراء أنثى كاملة الأنوثة وبراءة طفلة يعشقها حد الثمالة، مزيج لم يراه مع سواها..استسلم گ المسحور لكفها وهي تجلسه فوق فراشهما ثم ابنعث من هاتفها موسيقى أغنية أخبرها يوما انه يود أن ترقص له عليها. 



+





        


          



                


ده عينه مني .. وده عينه مني .. وانا عيني منك انت. 


ده نفسه فيا ...وده نفسه فيا .. وانا نفسي فيك انت. 


ما ببصش لغيرك لا لا..دانت رجل وسيد الرجالة. 


دانت معشش جوة قلبي حتى تعالي بص تعالي.



+




تمايلها وهي تغني الكلمات وتنظر له بشقاوتها حركاتها العفوية أشعل فيه روحه المرحة فقام يراقصها وهو ينثر عليها نقود ورقية بسخاء لتضحك بشدة وتواصل رقصتها حتى انتهت منها ليضمها بقوة راضيا بعرضها له فقالت وهي تلهث: ده انت طلعت زوج لقطة، لو كل مرة ارقص هترميني بالفلوس دي هظبطك. 


غمزها مع قوله: لا ماتقلقيش جوزك جيبه عمران ظبطيني بضمير اظبطك. 


تهكمت: والله اللي يسمع كلامنا يفتكرنا اتعرفنا على بعض في "خمارة" ياغالي. 



+




قهقة بقوة لدعابتها ثم عبس وجهها بغتة متسائلة بريبة: أوعي تكون كنت بتعمل كده مع حد قبلي؟ أدبحك. 


قربها إليه هامسا: تدبحيني أكتر من كده ايه؟ 


ابتسمت بحب: يعني عجبك رقصي؟ 


جاء صوته محملا بعاطفته: كل حاجة فيكي بتعجبني يا جوجو.. شكلك، خفة دمك.. انوثتك وبراءتك، متهيئلي محدش بيحب مراته أدي. 


تنهدت بسحر قربه وكلماته التي بددت مزاجها السيء: انت روحي ياعامر، كل حاجة تحبها مني هعملها. 


ثم ابتعدت وهي تصيح بغتة: يانهاري انا نسيت انك جيت من شغلك ومش أكلت زمانك هتموت من الجوع، ثواني و... .



+




التقطها ثانيا قبل أن تبتعد: أنتي عبيطة؟ 


أشارت لصدرها بعتاب بريء: أنا يا عموري؟ 


_ يعني بعد الرقص والدلع ده كله والفلوس اللي رميتها عليكي تسيبيني وتروحي المطبخ 


_ يعني اسيبك جعان؟ 


كست نبرته الأغراء: لأ.. عشان كده لازم تفضلي معايا


ثم رفعها بغتة بين ذراعيه وأرقدها بحرص گ الماسة وهو يهمس: اللي انا عايزه مالوش علاقة بالمطبخ ياغشيمة. 


_______



+




_ جوجو انا ماشي على شغلي عايزة حاجة؟ 


_ شكرا يا حبيبي. 



+




كاد أن يغلق الباب خلفه قبل أن يصله صوت غريب، عاد للداخل وتفقدها متتبعا الصوت الذي بدأ يتضح انه صوت "قيء" أتي من المرحاض، وجدها تخرج متعرقة الوجه يكسوه الشحوب. فاقترب بجزع: 


مالك ياحبيبتي حصل ايه؟


_ معرفش ياعامر، جيت اقوم وراك لقيتني دوخت فجأة وفي نفس الوقت داهمني شعور القيء بشكل غريب مع اني لسه مافطرتش. 


_ طب تعالي ارتاحي، انتي فعلا شكلك تعبان.. معقول من رقص امبارح؟ 


_ لأ طبعا انا عمري ماتعبت من الرقص. 


وقف ينظر لها بحيرة، ثم أمسك هاتفه وبعث رسالة لظافر انه سيتأخر اليوم وقال لها: طب قومي البسي ياجوري.( ليه؟) أجابها: هنروح للدكتور طبعا لازم اطمن عليكي. 


_ مفيش داعي يجوز إرهاق عادي متراكم من اسبوع الحنة والسبوع. 


_ برضو لازم اطمن، لو روحت شغلي كده مش هركز فيه.. يلا اجهزي.


_ بس هنلاقي عيادة فاتحة الصبح بدري كده؟


_ لأ بس في مستشفى قريب هاخدك هناك. 


............ 


يقف مكفهر الوجه منتظرا انتهاء فحص الطبيب لزوجته، لينتهي الأخير وهو يقترب هاتفا: مبروك. المدام حامل. 


اذبهل وجهه كما تسمرت عين جوري على الطبيب غير مصدقة ما تسمعه، ليصيح عامر: بتتكلم جد يا دكتور؟ مراتي حامل. 


_ أمال بهزر يا استاذ، بس محتاجة راحة كبيرة لأن حملها محتاج يثبت.. ودي فيتامينات ومثبتات تاخدها بانتطام..


كادت تقفز من الفرحة بعد استيعاب الأمر ليرمقها عامر بنظرة زاجرة أوقفتها بخنوع وان كان كل مافيها يرقص ويصرخ من الفرحة. 


............ 


عادوا لمنزلهما ثم وقفت أمامه مغرورقة لتندفع بغتة متعلقة بعنقه فيحتويها گ الطفلة بين ذراعاه وينعم معها أخيرا بالفرحة التي لجمها في عيادة الطبيب حتي وصلا لمسكنهما.. 


_ أنا مش مصدقة نفسي يا عامر، أنا حامل.. أنا وعطر ولادنا هيكونوا قد بعض.. ثم أحاطت وجهه براحتيها وقبلت بين عيناه مطولا هامسة بحنان طاغي: هتبقى أحلي واحن أب ياعموري، مبسوط؟ 


جاء صوته شديد الدفء: مبسوط لفرحتك أكتر من فرحتي نفسها ياجوري. 


ثم تبدلت نبرته للمشاكسة: 


بس شوفتي.. قلب المؤمن دليله ازاي؟ خليتك رقصتي ودلعتيني قبل ما الواد ده يجي يقل مزاح ابوه. 


تركته ونظرت لموضع حنينها: شايف بابي بيقول عليك ايه ياحبيب ماما؟ 


_ لا بقولك ايه ابني ومش هيزعل مني وهيبقي صاحبي ويحبني عنك. 


صمتا يتبادلان النظرات ثم تعانقا ثانيا بقوة ويستعدان لإخبار العائلتين بخبرهما السعيد. 


وأولهم يزيد وعطر جيرانهما. 


_________



+





        


          



                


ملتحمان بعناق باكي وكلا منهما تبث مشاعر فرحتها للأخرى: مبروك ياجوجو مبروك، أهو انا كدة فرحتي كملت بحملي، وهنتابع سوا مع دكتور بلقيس هنا. 


ردت الأخري باكية: وولادنا هيكونوا زينا نفس السن وأخوات.. 



+




_ ونفس الجنان. 



+




قالها يزيد وهو ينزع شقيقته من عطر ويضمها بحنان قائلا: مبروك ياحبيبتي هتجيبي زئردة صغيرة. 


_ ويمكن زئرد يا باشمهندس. 


ضحكوا ليجيبه يزيد: مش هتفرق المهم ان الاتنين هيجيبوا قرود صغيرة. 


حدجته عطر برفعة حاجب فقهقه مع قوله: سوري جت علي الجرح. 


ضحك عامر: لا خد بالك العمر مش بعزقة. 


عطر بحماس: طب يلا نتصل بالكل نفرحهم. 


عامر: لالا استني.. 


ثم دني من زوجته وضم كتفيها قائلا: خبر حمل حوجو لازم يتقال بطريقة مميزة. 


__________



+




"هتجيبوا بنوتة زي القمر" 


قالها الطبيب بعد فحص بلقيس ليهتف أبويها ووالدة ظافر بالدعاء والمباركة، ثم ترقبت دره زوج ابنتها لتري رد فعله خائفة ان تكون الفتاة لا تناسب أمنية إنجابه الأول لتجده يبتسم مع قوله: الحمد لله زي ما اتمنيت، متابعا قوله وهو ينظر لأبيها بفخر: أنا كمان هيكون عندي "ملكة أبيها" يا عاصم بيه. 


ضحكت بلقيس بفرحة وانفرج وجه دره وجددت مباركتها بقوة بينما صاحت هدى: انا من دلوقت هستعد لقدوم حفيدتي وهعملها حاجات بإيدي.


_ وأنا كمان.. 


قالتها دره ليهتف بهم ظافر: طب يلا نرجع بيتنا احسن احنا نسينا نفسنا وعطلنا الدكتور. 


الأخير بود: بالعكس انا فرحان لرد فعلكم، ربنا يقومها بالسلامة ويقر عيونكم بحفيدتكم. 


...... ..


" مبروك يابلي انتي وآبيه مبروك"



+




هللت بها إيلاف ليعانقها ظافر: عقبالك ياروح قلبي.


_ لسه بدري عليا مش قبل سنتين. 


هدى: وهو محمود هيستناكي؟ ده هيتجنن. 


ضحكت بخجل لتدعم بلقيس والدة زوجها: أه والله ياطنط محمود هيتجنن ويتجوز. 


ظافر: كله بآوانه


واستطرد لزوجته: بلقيس اطلعي ارتاحي بقي. 


هدى: وانا هروح اعملها بنفسي شوربة تغذيها. 



+




اما هو فاختلي بشقيقته في غرفة مكتبه بعد أن دعاها إليه ( خير يا آبيه قلت عايزني في حاجة مهمة) 


_ خير يا حبيبتي.. ثم حدجها بحنان: بنتي الحلوة كبرت وخلاص هتتجوز ويكون ليها حياتها وعندها ولاد، عشان كده آن الآوان تعرفي اللي ليكي عندي، بس قبل ده كله لازم تاخدي هديتك.. 



+




وأخرج من درج مكتبه مفتاح فضي وقال: دي هديتي بعد تخرجك يا إيلي زي ما وعدتك اول مادخلتي كلية الطب، فاكرة؟ 



+




نظرت للمفتاح مآخوذة وصوت أخيها يأتي من داخلها بذكري بعيدة في يومها الأول في الكلية ( وعد عليا يوم ماتتخرجي من كلية الطب هتكون هديتي ليكي عيادة في أفخم مكان) 



+




دمعت عيناها وهي تلتقط المفتاح هامسة: العيادة؟ 


هز رأسه: في أفخم مكان يليق بالدكتورة إيلاف الشباسي، انتي مش بس حققتي حلمك، لأ.. حققتي رغبة بابا الله يرحمه لما قالك نفسي تطلعي دكتورة. 


ابتسمت وهي تبكي، فاقترب وضمها إليه: مبروك ياحبيبتي.. ودلوقت نتكلم في الأهم.. من يوم وفاة بابا وانا بدير كل حاجة وبتصرف فيها براحتي بس عمري مانسيت نصيبك وحقك ابدا لأن الفلوس اللي ابتديت بيها كل حاجة كانت ورثنا من بابا وكمان أرض ماما.. ثم أطلعها علي عقد يدعم قانونيا حقها الشرعي في كل شيء، لتهتف بتأثر: أنا مش عايزة حاجة يا آبيه، كفاية انك عوضتني بابا وماحرمتنيش من حاجة ابدا، وبعدين هعمل بيهم ايه؟ كفاية اوي العيادة. 


_ العيادة دي هديتي من مالي الخاص، انما الباقي ده حقك وحق ولادك..محدش ضامن عمره يا إيلاف كان لازم احدد كل حاجة عشان اكون مطمن.. 


احتضتت خصره بقوة وفزع: بعد الشر عليك يا حبيبي اوعي تقول كده تاني ابدا. 


ربت علي ظهرها برفق: في كل الأحوال ده كان وقت الخطوة دي، وكده انا ارتاحت..


نظرت إليه بتقدير: أنا فخورة بيك، انت ميراثي الحقيقي في الدنيا مش شوية فلوس. 


ابتسم مقبلا قمة رأسها: قطتي بتجيب الكلام الحلو ده منين.. 


_ من حلاوتك انت يا ظاظا


حجطت عيناه بدهشة: إيلاف! 


ضحكت قائلة: خلاص أحسن مرات اخويا تزعل. 


وتركته ليهز رأسه مبتسما مع قوله: مجنونة. 


________


" عين العقل يا ظاظا"


قالتها وهي تُثمن تصرفه مع شقيقته بشأن الميراث ليحذرها: ياريت بلاش موضوع ظاظا ده قدام حد بعد كده! 


عبس وجهها: يعني بلاش ادلعك تاني؟ 


لان صوته شفقة بعبوسها: لأ دلعيني براحتك بس بيني وبينك، إيلاف المجنونة لقيتها بتقولي ظاظا. 


كتمت ضحكتها: طب وفيها ايه يا... 


رمقته بمشاكسة وصمتت فقال: لأني اخوها الكبير ومربيها فلازم يبقالي هيبتي معاها.


_ بس مش غلط يعني لو ادلعت عليك. 



+





        


          



                


أطرق رأسه يلفه الصمت برهة ثم اقترب وحاصرها بنظرة دافئة: في حاجات مابحبش اسمعها غير منك انتي وبس، منك بيكون ليها معاني تانية عندي ورد فعلي معاكي مختلف، لكن أختي لأ.. مع جوزها تعمل اللي نفسها فيه وهو هيتقبله..فهمتيني؟ 



+




أومأت مبتسمة وعيناه تشع حبًا: فهمتك يا حبيبي. 


حاوط خصرها بروح عاشق يهيم بها: طب دلعيني. 


طالعته بعاطفة تليق بمثله ثم قبلت وجنتيه وعانقته بشدة هامسة: طيب انت فرحان ان هنجيب بنوتة. 


_ جدا. 


ثم ابتعد عنها مستأنف: ملهوف اشوفها من دلوقت، ويارب تطلع شبهك انتي. 


_ هتحبها أكتر مني؟


_ أنتي حاجة وهي حاجة


_وهتضفر شعرها زيي؟ 


_ أيوة


_ يبقى هغير.



+




أدارها وأجلسها على طرف الفراش ثم شرع بتمشيط شعرها بأنامله وهو يقسمه ويصنع لها جديلة، شعور يدغدغ أنوثتها ويدلل بها الطفلة.. أغمضت عيناها مستمتعة بلمساته حتي انتهى وأدارها إليه وهو يهمس: عرفتي لما تغيري هعمل ايه؟


ابتسمت وارتمت على صدره تقول: بحبك يا ظاظا. 


_________



+




للمرة الأولى منذ الحادث تتصالح مع ملامحها في المرآة، شعورها أنها استعادت بعض جمالها له تأثير ساحر في روحها، لم تعد ترتعب إن تراجع وشاحها عن عنقها گالسابق، صارت أكثر هدوء وأقل عزلة، لا يؤرقها حتى معرفتها أن شبيه منصور شارك قدرًا مع الفريق الطبي الذي قام لها بالعملية، ربما هي بعضًا من عدالة السماء أن يُجمل ندوبها، لكن ها هنا على جدار طفولتها مازالت ندوب أبيه الغائرة تؤلمها، لن يقدر أن يبددها..على أية حال ستتغاضى عن الأمر تهتم لما أصبحت عليه. 


_ بقيتي جميلة أوي أبلة رودي. 



+




قالتها " ضي" عابرة غرفتها، لتجيب مبتسمة: بجد يا ضي؟ يعني الأول كنت وحشة؟


_ لأ، بس كنتي حزينة مش بتضحكي، دلوقت بقيتي تضحكي، عشان كده بقولك بقيتي جميلة أوي يا أبلة.



+




كيف بكلمات عفوية شديدة البساطة تؤثر بها هذه الطفلة؟ لما هي بالذات ما تنسي أنها من نسل اللعين منصور؟ لا أحد كان له هذه المكانة في نفسها بعد رائد سوى تلك الضي. 


دعتها مشرعة ذراعيها لتضمها بمشاعر أمومية خالصة نادرا ما منحتها لأحد بهذا السخاء غير رحمة. 


_ تعرفي ياضي اني بحبك أوي؟ 


هزت الصغيرة رأسها: أيوة عارفة، وأنا بحبك أكتر، وبحب آبيه حازم وأبلة غدير. 



+




اكفهر وجهها لذكرهما وقالت: طيب تعالي نشوف رحمة وتيتة وعمو رائد. 


_____________



+




بدا شارد غائم العين غافلا عن حضورها إليه وهو يقف مراقبا الجدة تلاعب رحمة لتنضم إليهما ضي بينما تحركت إليه تيماء تنادي: 


_ رائد، واقف بعيد ليه؟ 


فاق علي صوتها فابتسم وشملها سريعا بنظرة رصدت فتنتها التي تشع من روحها ومقلتيها ليهمس: وبعدين معاكي، كل يوم تحلوي أكتر. 



+




ضوى وجهها لإطراءه وغمغمت: بجد يا رائد رجعت بعد العملية حلوة في نظرك؟ 


_ طبعا حلوة بس اللي حلاكي ثقتك في نفسك وروحك اللي رجعت وانعكست جوة عيونك يا تيماء. 


تنهدت وعانقت أنامله: عمري ما هنسى وقفتك جمبي


اكتفي بابتسامة حانية وقال: مستعدة للعملية الجاية؟


قالت بحماس: جدا..امتي هننزل القاهرة؟ 


_ بكره، الدكتور طلب تتواجدي قبلها بيومين، عشان كده مامتك معانا..قالت مش هتسيبك زي المرة اللي فاتت. 


حادت عيناها تنظر لوالدتها مع الصغار مغمغمة: وجود ماما في حياتي دلوقت فرق كتير اوي يا رائد، ياريتها كانت معايا من زمان ومابعدتش عني. 


_ كله نصيب، المهم انها لما رجعت مسكتي في ديلها ماسبتيهاش، مديتي ايدك ليها وقربتي المسافات.


أومأت له: عندك حق.



+





        


          



                


لفهما الصمت دقائق وهما يتابعان الصغار، ليبادر قائلا: رودي لو شوفتي حازم تاني هتسلمي عليه وتشكريه؟


_ لأ. 


لم تأخد لحظة تفكير وهة تجيبه ليرمقها بغموض وعاد الصمت يفرض هيمنته عليهما شاردان الذهن معًا. 


__________



+




"دكتور عز عايزك في القاهرة بكره؟! ليه" 


رد مقتضبا: معرفش بس اكيد عملية تانية. 


_ ممتاز واضح انك كسبت ثقته في العملية اللي فاتت. 


_ احتمال مقدرش اشارك. معاه تاني لو... .


_ لو ايه؟ وليه ماتقدرش دي فرصة ليك ياحازم. 


تنهد مع قوله: هشوف يا تالا. أنا حاولت في التليفون افهم منه بس قفل بسرعة وقال انه جاله مكالمة مهمة وانه منتظرني. 


_ أكيد خير أنا متأكدة.. 


أومأ ولا يعرف إن كان كذلك ام لا، لكنه لن يشارك بشيء يخصها ثانيا هذا قرار ليس به رجوع. 


_________


في اليوم التالي. 



+




طرق الباب قبل أن يدخل ملقيا التحيه: 


السلام عليكم يا دكتور عز


_وعليكم السلام ورحمة الله اتفضل يا حازم، تشرب ايه؟


_ شكرا لحضرتك لسه شارب قهوة. 


_ تمام.. شوف ياسيدي طبعا انت شاركت معايا المرة اللي فاتت في عملية المريضة " تيماء الصاوي"


اخفي حازم توتره وهو يجيب: أيوة. 


_ هي هتعمل نفس العملية عشان تعالج ظهرها اللي متأثر بشكل كبير جدا، وبما إنك اترشحت ليا بتوصية خاصة من دكتور "... " أنا برشحك أنت اللي تتولي العملية التانية مكاني مع نفس الفريق..وده لأني لازم ارجع ألمانيا ضروري. عشان كده فكرت فيك انت. 



+




اتسعت عينه بذهول ليس فقط اعتراضا ان يقدم مساعدة لتلك التي يبغضها، لكن فزعا أن يتحمل وحده مسؤلية عملية كبيرة گ هذه. 


_أزاي يا دكتور؟ أنا لسه بعمل الدكتوراه وخبرتي مش زي حضرتك ابدا.. ازاي احل محلك في عملية صعبة زي دي لوحدي.. أنا مش مستعد لكده. 



+




نظر له استاذه متفحصا قبل أن يقول: 


دكتور حازم، تفتكر لو أنا شايفك غير مؤهل لخطوة زي دي كنت ارشحك ليها؟ أنت حضرت معايا عملية مماثلة لنفس المريضة، يعني تفاصيلها كلها عندك. وأنا شوفتك كنت الأكفأ، يبقى ليه ترفض فرصة يتمناها أي شاب مكانك؟ الثقة في النفس مهمة جدا وإلا هتفضل خايف ومش هتتقدم في مهنتك. 



+




_ دكتور عز انا .. 


مزج صوته بين الصرامة والدعم: أنت هتتولى العملية يا حازم، وهتنجح وهتثبتلي قبل ماتثبت لنفسك إن ثقتي فيك كانت في محلها. 



+




دعم طبيب كبير مثله ومدحه بتلك الطريقة تُعد وحدها مكسب له، لما يرفض؟ لأنها شقيقته التي يُبغضها؟ وإذا؟ هو هنا طبيب وهي مجرد مريضة يمد يد العون لها، زفر بقوة وهو. ينفض عنه غلالة التردد وقال بحسم: خلاص يا دكتور.. أنا اللي هتولي العملية بنفسي ري ما حضرتك أمرت.



+




ابتسم الطبيب بوقار وقال: تمام ياحازم.. تقدر تتابع مريضتك من دلوقت وتشوف نتيجة العملية السابقة وصلت لايه، هي جت انهاردة وفي نفس غرفتها.. بالتوفيق. 


ثم صافحه بتمتمة مشجعة: أنا واثق ياحازم ومتأكد إنك هتبهرني بالنتيجة.. أنت هتكون طبيب ماهر وذو شأن في المستقبل.


ثناء الطبيب عليه أنساه مؤقتا توتره وضيقه من فكرة أن يواصل هو حالة شقيقته.. وعلي مضض وبأسلوب عملي بحت، توجه لغرفتها.


____________



+





        


          



                


_ أسمعي بقى ياتيماء العملية دي أخر فرصة هديهالك عشان ترجعي ست جميلة وتملي عيني زي ماكنتي لأني زهقت، مافيش حاجة تجبرني اعيش مع واحدة مشوهة، كنت فاكر النتيجة هتكون مرضية عن كده وعمال اصبر نفسي واجبر خاطرك وبقول هتتعالج لكن للأسف، لا والدكتور عز ده فرحان بنفسه ومحسسني انه عمل اللي ما يتعملش.



+




صدمة قاسية جعلت حدقتاها تحدجه بذهول وهي تهمس بإنكسار: انت بتقول يا رائد؟ 


_ اللي سمعتيه يا هانم..التشوه لسه له أثر، مش شايف غير تغير بسيط.. قوليلي هنعيش مع بعض ازاي.. هبص لجسمك ازاي من غير ما احس بالقرف..ولا فاكراني هفضل امثل عليكي ان مش هاممني.. لا خلاص خلصنا.. زي ما قلت هديكي فرصة أخيرة يا تيماء وهستني العملية التانية، ولو لقيت النتيجة ماترضنيش، يبقي كل واحد فينا من طريق يا بنت الناس.



+




صاعقة عبرت ولطمت وجهه فأردته ليرتطم بالجدار خلفه وحازم يهدر عليه بغضب: أنت حيوان؟ ازاي تكلمها كده يا بني آدم انت؟ هو بمزاجها؟ 



+




اقترب منه رائد وعينه مشتعلة: وانت ازاي تدخل ببني وبين مراتي.. ها؟ أنت مين عشان... .


صاح صارخا دون وعي: أنا اخوها ياغبي.. 


قالها وصمت يلهث منفعلا وصدره يعلو ويهبط وخلفه الأخيرة تطالعه بذهول شديد لا تصدق ما قاله


هل قال انه شقيقها؟ دافع عنها؟ حاول الثأر لكرامتها؟ 


تآوهت داخلها بآهة طويلة شوقا لهذا الشعور أن لها حصنًا من دمها يحميها ويرد عنها بتلك القوة


حصن انتظرته كثيرا بطول عمرها الفائت.. 


يتأجج بها رغبة دخيلة على طبيعتها القاسية حرضتها على عناق أخيها، حتى لو لفظته بعدها وعادت تتخفى خلف جفائها، يكفي أن تتذوق مثل هذا العناق الأخوي.. 



+




_ طب ما دام انت عاملي فيها راجل خد اختك عالجها ورجعهالي حلوة زي ما كانت لأني مابقيتش قادر اتحمل اشوف التشوه ده و... 



+




لطمة جديدة نزلت على وجهه باترة حديثه القاسي. 


فطرة الطبيعة أشعلت رباط الدم بينهما وذكرته فقط ان التي تُهان كرامتها الآن شقيقته..


رغم القطيعة، رغم انه لم يصفح، رغم كل الأسباب التي تمنعه أن يدافع عنها، قد فعل.


دافع عنها وصنع من جسده أمامها صدا منيعا أمام زوجها القاسي.. لتبصر ظهرا بدهشه..بحنين.. بألم.. بشوق، دموعها تختلط بمشاعرها فتنهمر علي وجنتاها.. حلاوة مذاق دفاع أخيها عنها أنساها مرارتها من قسوة رائد التي لم تستوعبها بعد. 



+




حازم: أنا راجل غصب عنك..واتفضل اخرج بره..المريضة لازم ترتاح.. 


_ محدش يقدر يخرجني من أوضة مراتي حتي الجن الأزرق.. 


_ مفيش داعي للجن والعفاريت.. 


ثم فاجأه حازم بدفعه عنوة خارج حدود الغرفة متبعا إياه بتحدي: أنا لوحدي اقدر امنعك.. 


ناطحه رائد بنظرة قوية مليئة بتحدي مماثل وهو بقول: طب هتقدر تحميها مني لما ترجع البيت معايا؟ هتقدر تمنعني أعمل اي حاجة أنا عايزها؟؟؟



+




هنا فاق عقله لما يحدث وما فعله دون وعي.. 


لو أخبره أحدا انه سيقف مثل هذا الموقف يوما مدافعا عن شقيقة يبغضها لاتهمه بالخرف.. 


عجز عن الرد منكسا رأسه بشرود جعل رائد يقترب منه مغمغما بنبرة خلت منها الفظاظة وحل محلها هدوء غامض: تعالي معايا ياحازم..في كلام مهم لازم تسمعه. 


________________



+





        


          



                


دقائق مرت والصمت يخيم عليهم، مازال حازم لا يصدق أنه دافع بتلك الشرسة عن رودي، أما رائد فكان يرصده بعين صقرية تحاول استنباض دواخله، وما أدركه كان إشارة أكثر من كافية ليبدأ ترميم الشرخ بينهما.. 



+




_ عمرك سألت نفسك عن سبب عدوانية رودي معاكم زمان وحتى بعد ما كبرت؟ تفتكر في مشاعر "كره" بتتزرع جوه قلب بدون سبب يدعمه ويبرره؟ 



+




ظل حازم علي صمته مطرق الرأس ليستطرد الأخر: 


آن الآوان تعرف عن ابوك اللي عمرك ماعرفته. 


هنا رفع حازم عيناه إليه بتساؤل مرتاب ليستأنف رائد: لو عايز تلوم حد وتكره يبقي الحد ده هو والدك اللي دنس براءة أختك وهي صغيرة وكان بيتحرش بيها.. 


"أخرس"


بصقها حازم في وجه ثم رفع يده عازمًا علي صفعه للمرة الثالثة فعاق رائد تسديدها واستعرت جذوة الغضب في عينه مغمغما بقوة: انسى..انا سبتك تمد ايدك لهدف كنت عايز أوصله، لكن أكيد مش هسمحلك تتجاوز معايا تاني! واسمعني لأنها فرصة ليك تعرف الحقيقة اللي بسببها أختك اتظلمت وسطيكم، وعشان تكون فاهم انا مش فارق معايا تتصالحوا او تفضلوا متقاطعين، أنا اللي يهمني اني اجيب حق مراتي من ابوك، وبما انه مات انت اللي هتسد دينه بنفسك وإلا هيفضل يتعذب في قبره بذنب مراتي وغيرها..لأني سألت وعرفت عن والدك اللي محدش فيكم عارفه حتى والدتك..



+




اتقدت عين حازم وصارت گ جمرتان مشتعلتان وهو يسمع ويفهم ما يخاف تصديقه، ليوصل رائد الطرق على حائط تخبطه: 



+




_كانت طفلة صغيرة مش فاهمة اللي ابوك بيعمله، ولما ابتدت تفهم بقيت تكرهه وتكرهكم لأنكم ولاده أولا ولأنكم بتفكيرها گطفلة أخدتوا منها والدتها.. رودي كانت محتاجة اللي يحميها ويحتويها ويفهمها بس للأسف ما حصلش، كبرت وجواها بركان بغض وغضب وحقد كله اتوجه ليكم حتى أمها كرهتها وبعدت عنها وحملتها ذنب اللي حصلها لأنها اتجوزت..اختك مسكينة ومظلومة من الكل وأولهم أنا، أكتر واحد ظلمتها واستغليت ضعفها وحرمانها من حد يحبها ويخاف عليها، اختك مش مذنبة عشان تعاقبها وتحاسبها بالعكس أنت لو شوفت كانت بتبصلك ازاي من شوية وانت واقف تدافع عنها؟ لو شوفت نظرة عيونها كنت هتلاقي طفلة مذعورة بتقولك أحميني..رودي جواها طفلة، طيبة وحنينة بدليل حبها لأختك ضي.. 


عارف ليه ياحازم هي حبيتها؟ لأن ضي أديتها الحب الخالص والحنان الحقيقي، الطفلة الصغيرة دي طبطبت علي قلب رودي بمنتهى البراءة. ماقالتش دي مش بتسأل علينا وهكرها، لأ، اترمت في حضنها.. قالتها بحبك بعفوية.. قالتلها انتي جميلة لما بتضحكي..خافت عليها بجد..لكن أنت واختك استسهلتوا البعد والجفا من غير ما تحاولوا مرة واحدة تعرفوا سببه وتصلحوه. 



+




كأنه يحيا كابوسا شديد البشاعة، أهذا تاريخ والده وإرثه؟ أمعقول ما سمعه الآن عنه صحيح؟! والده تعرض بالسوء لشقيقته حقًا؟ وبدون ترتيب تدفق من سرداب عقله موقف رآه وهو طفلا وأبيه يفعل شيء مع الخادمة، لم يفهمه حينها وكان صغيرا.. صغيرا لدرجة أن الموقف بأكملة تاه في ذاكرته وطمس بغبار الأعوام التي نضج بها..هذا يدعم حديث رائد وأنه لا يكذب..وشقيقته طُلمت ولم ينصفها أحد. 



+





        


          



                


_ دلوقت الأمر يرجعلك ياحازم، لو عايز تكفر عن ذنب ابوك وترمم التشوه اللي جوه روح اختك بسببه، قرب منها وحسسها ان ليها أهل وعزوة وأخ يخاف عليها ويحبها، حبها لأنها محتاجة حبكم..إصلح بينها وبين أختك التانية وخليكم ايد واحدة ماتتفرقوش، دي فرصة مش هتتعوض وأنا خلاص عملت اللي عليا ومش هكلمك تاني، انا في كل الأحوال في ضهر مراتي مش هخليها تحتاح مخلوق طول منا عايش..



+




ونهض وهو يلقي كلماته الأخيرة: وأظن مش محتاج اقولك إن كل اللي سمعته مني في المستشفى كان كدب، رودي ماليا عيني وقلبي وتشوهها مش فارق معايا وان كنت بعالجها فده عشانها هي، عشان ترجع تحب نفسها في المراية من تاني. 


_____________



+




" يمكن مايقصدش ياحبيبتي، رائد بيحبك"



+




صوت والدتها ينساب ليواسيها لكنها لا تصدق ما قاله رائد لها، مستحيل، هل حقا يكذب انه يتقبلها؟ سيتخلى عنها لو ظلت مشوهة؟ هل وهل.. العشرات تتشعب داخلها، وفي الوقت ذاته يجرفها تيار أخر نحو شعور لذيذ بموقف أخيها ودفاعه عنها، مازالت تسمع صوته يزأر بحمية لأجلها.. كم جميل هذا الشعور كم جميل. 



+




_ ممكن حضرتك تسيبيني مع مراتي شوية؟



+




قالها رائد والجًا لتوه فتنحت والدتها بعد أن منحته نظرة ذات مغزى لتترك لهما مساحة خاصة، حدجته تيماء بعتب ووجع سكن مقلتاها الدامعة، ليتلقفها بنظرة حانية قبل ذراعاه الذي ضمت رأسها لصدره وهو يهمس لها: تصدقي برضو اني ممكن اجرحك؟


_ اللي قلته دبحني مش جرحني يا رائد. 


لثم قمة رأسها وقال: أحيانا بنضطر نجرح نفسنا عن طيب خاطر عشان نطرد من جسمنا دم فاسد بيألمنا أو نستأصل جزء خبيث فينا، الجرح بعدها بيطيب وبيضيع معاه كل الألم..ورفع وجهها إليه مواصلا: كان لازم أخرج من جوه حازم مشاعره الحقيقية، الفطرة اللي محدش يقدر يقتلها، لما حس اني بظلمك وبجرحك نسي كل حاجة ومافتكرش غير شيء واحد بس.. انك أخته.. لحمه ودمه..نصرك في عز ضعفك و دافع عنك وكان ممكن يقتلني عشانك.. تفتكري ده أخ يستاهل تكرهيه وتحمليه ذنب أبوه؟ ولا يستحق ترمي ورى ضهرك اللي فات وتفتحي معاه صفحة جديدة؟



+




لم تمنحه سوى البكاء مختبئة بصدره ليهدهدها برفق مع قوله: أهدي وانسي اللي زعلك مني، أفتكري بس شكل حازم أخوكي وهو بيحميكي، كفكف بيديه دموعها وأرقدها وراح لشخص ما يستحق منه الشكر.


__________



+




_ شكرا يا دكتور عز، حضرتك قدمتلي مساعدة كبيرة.



+




رفع الرجل عويناته وغمغم بوقار: بس انا معملتش حاجة، أنا. فعلا مسافر ألمانيا ومش هقدر اكمل عملية مراتك..


_ بس كنت هكلف بيها زميل تاني غير حازم للعملية. 


_ فعلا، بس كنت هرشح حازم لمريض تاني في عملية مشابهة لأنه كان نفس الكفاءة، كل الحكاية اني بدلتهم مش أكتر لما وضحتلي ان ده هيحل أزمة كبيرة حتي لو كنت معرفش ايه هي الأزمة دي، المهم اني ماكنتش هوافق ابدا أدعم حازم گ طبيب لو شايفه غير كفء. 


_ فاهم يا دكتور ومع كده بشكرك لأنك كنت متفهم لرغبتي ان حازم هو اللي يتابع عملية مراتي..ونهض مع قوله: استأذن حضرتك مش هعطلك أكتر من كده. 


_ أتفضل وربنا يطمنك عليها، أنا برضو هتابع مع حازم من ألمانيا واطمن.. 


_________



+





        


          



                


" بسم الله ما شاء الله عليكم يابنات، انتم الاتنين أجمل من بعض" 



+




باحت بها هدى وهي تتأمل بسمة وإيلاف والألق يضوي بطلتهما، بسمة بثوب عرسها الأبيض وحجابها ذو الوشاح الشفاف وتاج الرأس ينفاس بلمعانه الفضي "فضية" عيناها فبدت بحق " ساحرة"..أما إيلاف طغى علي مظهر ثوبها نعومة ورقة تليق بها، وحجابها متوحد مع لون ثوبها وتاج يزينها لتبدو گ أميرة صغيرة وشهية. 



+




بلقيس: فعلا الاتنين الله أكبر عليهم. 


عبير: سينو وحودة اما يشفوكم هيتهبلوا. 


أمونة: ماهو جوري وعطر مانعينهم بره زي الأسود


ضحكت فدوى: أيوة لأزم نشوقهم، ربنا يهنيهم ويسعدهم يارب. 


كريمة: يارب ويفرحنا بولادهم. 



+




"خلصتم ياجماعة؟ ياسين ومحمود عايزين يدخلوا وانا وعطر مانعينهم عشان... ." 



+




بترت جوري جملتها وهي تتأمل بانبهار العروستان مغمغمة: ماشاء الله يا بنات، ايه الحلويات دي..يابختك يا ابن خالتي انت وابن عمي، واخدين بسكوتين بالكريما وربنا.


فدوى: طب يلا يابنات اطلعوا بره عشان تمشوا مع عرسانكم واحنا وراكم.. تحركت إيلاف بينما قالت حنين: طيب معلش هكلم بسمة دقيقة وهنحصلكم. 



+




دنت من شقيقتها بعد أن خلا المكان حولهما، حاولت قول شيء فغلبتها العبرات وهي تنظر لفتنة بسمة التي اغرورقت بدورها لتصيح حنين: لا ياحبيبتي اوعي تعيطي عشان خاطري، انا دمعت من فرحتي بيكي..ورغم اني صغر منك بس في اللحظة دي حاسة اني أمك اللي أخيرا هتطمن عليكي مع راجل يصونك ويحفظك وتعملي معاه عيلة جميلة زيك..



+




ثم ابتعدت خطوة للوراء تطالعها بحنان مع قولها: عارفة لو ماما كانت معانا دلوقت كانت هتعمل ايه لما تشوف جمالك؟ كانت هترقيكي، لمعت عين بسمة أكثر لتقترب حنين وتضع كفها اليمين على رأسها وتغمض عيناها وترتل بعض الأيات لتنتهي بقولها: خلاص "رقيتك" ومافيش عين هتقدر تحسدك. 


ثم عانقتها بقوة وجففت دمعاتها بحذر كي لا تفسد زينتها. 



+




" ممكن اشوف مراتي؟" 


جاءهما صوت ياسين وهو يطرق الباب لتضحك حنين وهي تسدل على وجهها الوشاح الشفاف قائلة: جوزك هيقتلني لو منعته يدخل..هسيبك واروح لعبده وياسين اخويا وهنمشي وراكم بالعربية بتاعة صاحبه. 



+




ولج إليها ورفع عينه صوبها لتتجمد فور رؤيتها، وهي مطرقة الرأس بخجل، أهدابها تُخفي بريق عيناها الفضي، دني نحوها مآخوذًا بسحر جمالها ورفع عنها طبقة الوشاح الأبيض هامسا: هو انتي حورية من الجنة..ضحكت بخفوت بنكهة بكائها منذ قليل ليواصل همسه: بصيلي يابسمة. 


اهتزت أهدابها قليلا ثم رفعت إليه عيناها ليذهل بلمعانها وسحابة دموع غشتها، فاقترب مغمغما: ما شاء الله، أنتي جميلة لدرجة خايف حد يشوفك. 


ابتسمت بجاذبية ورقة هامسة: أختي رقيتني.. قالت لو ماما كانت موجودة كانت هتعمل كده. 



+




تنهد قبل أن يقول: ليها حق..العيون كلها لما تشوفك هتحسدك.. قبل حبينها مطولا وغمغم: 


يارب الفرح يخلص بسرعة واخدك لبيتنا.



+





        


          



                


"يلا يا عرايس اتأخرنا علي القاعة"


قالتها فدوى لتتعجل حضورهما، فكتم ياسين لهفته واستعان بصبره حتي ينتهي الحفل وينال وصال زوجته الذي يطوق شوقا إليه. 


________



+




" بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير" 


بصوت المآذون سمعها الجميع ليعلق محمود بحرارة: اللهم أمين.. يعني خلاص كده إيلاف بقيت مراتي؟ 


ابتسم عاصم وأدهم وناجي متفهمين فرحته بينما لكز أبيه رأسه قائلا: أمال احنا كنا بنعمل ايه دلوقت يا ذكي.. بنحضر أرواح؟


محمود: ده انا اللي روحي طلعت علي ما وصلت للحظة دي. 


ظافر: واديك وصلتلها، شد حيلك وخلص شقتك وخد عروستك علي بيتك. 


_ لا لحظة بس سيبوني اعمل حاجة في نفسي وبعدها نتناقش.. والتف حول طاولة عقد القران متخطيا الجميع ليصل إليها ملتقطا كفها لتنهض وبلهفة من نفذ صبره وفقد عقله اكتسحها في عناق.. ليصدح صفير الشباب الصاخب المشاكس حولهما من أحمد وعابد وهو يتجاهلهما كأنه بعالم أخر متمسك بعناقها وهي ترتجف رجفتها الأولي بصدره، رجفة هو فقط من استشعرها والخجل يملأها أمام الجميع، وصلت لأذنيها هي فقط همسته شديدة الخفوت


" مبروك يا أيلي أخيرا بقيتي ليا " ليهتز خافقها لهمسته وعناقه. 



+




_ كفاية كده البنت هتفطس، خليني اباركلها. 



+




قالها ظافر بمزاح باطنه غيرة على شقيقته التي لم يعتاد أن يلمسها أحد أمامه، ضمها برفق وقال: مبروك يا إيلي.. مبروك ياحبيبة أخوكي. 


أجابته ودموعها تنهمر: الله يبارك فيك يا آبيه


_ سيبولي بنتي شوية بقى. 


تلقفتها والدتها بقوة وهي تبكي فرحا بابنتها التي أصبحت زوجة وقريبا ستكون سيدة منزل أخر وعائلة.. 


............ 


بدأت فقرات الحفل والعروسان يخطفون الأنظار..لتأتي لحظة إحضار الكعكة ليلتقط ظافر المايك قائلا: طبعا المعتاد إن قالب التورتة يبقي تقليدي ومزين بالورود بس الحقيقة انا حبيت اخلف القاعدة دي ولأن احنا الرجالة حقنا مهضوم، ففكرت اعمل قالب التورت بحروف أسامي العرسان بتوعنا.. ياسين ومحمود (Y..M)حد عنده اعتراض من عرايسنا بسمة وإيلاف؟ 


أومأوا له مبتسمين مرحبين بالفكرة لينال من جانب أخر تأيد الشباب بصفيرات حماسية، وتم تقطيع القوالب وكل عريس يطعم عروسه متبادلين.



+




اقترب الحفل من نهايته، فظهر عامر في وسط الساحة وتحدث عبر مكبر الصوت: 


ياجماعة ركزوا معايا دقايق..أولا ألف مليون مبروك لعرايسنا وربنا يسعدهم ويتمملهم على خير.. أما ثانيا بقى فأنا عندي للجميع خبر أظنه هيخلي فرحتنا الليلة مميزة..ونظر لزوجته لتأتيه وما أن وقفت جواره حتى أمسك كفها وصاح:


جوري مراتي وحبيبتي حامل.



+




شهقات الأفواه ملأت القاعة ما بين ذهول وفرحة ودموع لكن أكثرهم تأثر والدتها التي بكت بقوة لتحتضنها فدوى مهدئة: مبروك ياكريمة ربنا استجاب دعواتك لجوري وهتفرحي بأحفاد ولادك كلهم..مبروك ياغالية.. 


هرولت عليها جوري لتعانق والديها بقوة من فرط فرحتها.. الجميع بلا استثناء أسعده الخبر وغمرها بمباركات حارة صادقة.. لينتهي حفل العروسان گ أجمل ما يكون، وياسين يغادر بزوجته التي أوصت فدوى على الصغير أخيها لحين عودتها، بينما انطلق محمود مع إيلافه لينفرد بها ويبثها مشاعره الجارفة. 


_______




تكملة الرواية من هناااااااا 







تعليقات

التنقل السريع