القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الخامس وخمسون والسادس وخمسون بقلم دفنا عمر

 


رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الخامس وخمسون والسادس وخمسون بقلم دفنا عمر







رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الخامس وخمسون والسادس وخمسون بقلم دفنا عمر





رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم دفنا عمر


الفصل الخامس والخمسون


-------------------------


الليلة ضاوية وأبواب السماء مشرعة.. 


إن كنت عاشق فها هو موسم الحب قد بدأ ..


تمتم بقلبك دعوة تليق بقدر ساكنه.. 


وإن كنت عاصي فها هو باب التوبة ينتظر. .


كثف صبرك وإخلاصك لتنول مغفرة.. 


_______


أمصباح علاء الدين هو؟


يلبي أحلامها دون أن تلمس أناملها جداره! 


يفيض عليها بكل جميل ويملأ حياتها بشمسه


وهي مازالت گ القمر المظلم تحجب عنه مشاعرها


مكبلة بقيود لا تحصى


لما في تلك اللحظة لا تخرج عن المألوف


وتخالف العادات وتحطم أصفاد الخجل؟


تريد العزف علي أوتار البوح بمشاعرها لتطلقها


وحبيبها أكثر من مشتاق لسماع عزفها له وحده.. 



+




_ بسمة ساكتة ليه مش مقتنعة  بكلامي؟ طيب ناقشيني لو غلطان.. سمعيني كلامك مش سكاتك.. 



+




وهل يليق بمثلك مجرد كلمات؟


هي كلمة واحدة تختزل ابجدية العالم بكل لغاته


كلمة تفيض بها ثم تتوارى بعدها خلف جدار الجبن وتهرب..فلن تجد بعدها شجاعة لشيء. 



+




_ بسمة؟!!!



+




_ بحبك؟



+




خُيل له أنه يهذي فرفع عنه الهاتف ونظر في ذهول.. 


هل اعترفت له بمشاعرها؟


قالت  "أحبك"؟


أعاد الهاتف لأذنيه كي يحدثها ثانيا ويستدر منها المزيد.. علها تعيدها ويتأكد من سلامة عقله، فوجدها انهت المكالمة..حرمته بخجلها المعهود متعة سماع اعترافها العزيز مرة ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة.. 


ويدرك ان استجابتها لمكالمة أخري الآن وهو محض خيال..وعليه أن يرضى بما جادت به على قلبه



+




عدل جلسته على ظهر فراشه وابتسامة حالمة تحتل شفتيه ثم تحمس مرسلا لها عبر تطبيق "الواتس آب" ( كده برضو تقوليها وتقفلي.. طب كنتي خليكي وةاسمعيني وماتتكلميش..أنا كنت عايز اقولك كلام كتير اوي يابسمة..حلمت بيكي بتقوليها بميت تصور كان مشترك بينهم حاجة واحدة بس.. إنك تكوني قريبة مني وشايف لمعة عيونك الفضة اللي المسافة منعتني اشوف جمالها دلوقت..بس قريب اوي هسمعها تاني بعد ما تكوني خلاص حلالي..)



+




ضغط ذر الأرسال واصطبغت علامة رسالته بالأزرق.. هي تقرأ كلماته الآن.. مازالت تتواصل معه بشكلٍ ما شجعه على مواصلة الكتابة لها.. 



+




( بسمة أنا بحبك اوي ومعرفش ازاي حبيتك كده.. اتسربتي جوايا زي أنفاسي.. كنت بتهكم علي اللي بيحبوا ويسهروا ويتنهدوا على صوت أغنية ولا طيف ذكرى مروا بيها.. كنت بقول انا عاقل وحبي هيكون مختلف وأساسه العقل وبس.. شوية مواصفات لو اتحققت في اي بنت هرتبط بيها واكمل الشكل الاجتماعي وسنة الحياة وطبعا عشان اريح امي وابويا اللي بيحلموا اتجوز واستقر..لكن دلوقت انا طاير بالجنون اللي حاصل جوايا.. جنون لو طاوعته هاجيلك دلوقت حالا ومعرفش هقدر لحظتها اتحكم في طوفان مشاعري ولا لأ.. جنون لذيذ خلى لأيامي طعم ولون.. انتي غالية اوي عندي يابسمة.. أوعي تحملي هم في الدنيا تاني وانا موجود..اوعدك اني هكون كل حاجة ليكي.. وعارف انك مش هتكوني زوجة عادية.. لأن فيكي كل اللي ممكن أي راجل يحتاجها.. وبدعي ربنا يعدي الساعات الفاضلة عشان أطوقك بأسمي لأخر العمر.. خلاص ياحبيبتي هتكوني ليا زي ما هكون ليكي..خدي بالك على نفسك وبوسيلي قلبك وتصبحي على خير الدنيا كله يا بسمة أيامي الجاية )



+






                


حمقاء..عديمة العقل.. فقيرة الشجاعة! 


صارت تنعت نفسها لتسرعها بغلق الهاتف


تُرى!  كيف كان صوته وهو يُلقي على سمعها ما كتب؟


ليتها ظلت لتتذوق حلاوة تلك النبرة الساحرة بصوته..


لكن هل كانت تستطع الانتظار؟


تعترف بجبنها.. قدرتها على مجاراته الآن معدومة..


قبضة الخجل مازالت حولها محكمة،


لذا أغلقت لكن ظل خافقها عنده..


هو من قرأ كلماته وليست عينيها..


فاض بمشاعره الرائعة التي أبهرتها..


لوهلة خاطفة من الزمن حلقت روحها گ فراشة ملونة


جناحاها يعزفان على أنغام حروفه بإيقاع مبهج گ ألوانها 


هو أيضا لن يكون لها زوج عادي..


سيكون أبًا حين تفتقد أمان والدها


وصديقا يتلقى شكواها دون تأفف أو ملل


عاشقا يدلل أنوثتها حين تكشف له أسرارها


دون خجل او قيود..


سيكون كل شيء تحتاجه وحلمت به! 



+




_ بسمة انتي لسه سهرانة؟



+




أجفلها صوت حنين وانتشلها من بئر شرودها وقالت:  أيوة ياحبيبتي، ياسين كان بيكلمني من شوية.. 


جلست بالقرب وتأملتها بنظرة ثاقبة وغمغمت:  مالك يابسومة فيكي حاجة متغيرة. 


زوت حاجبيها: متغيرة ازاي؟


_ خدودك حمرة أوي..وشك منور وعيونك بتلمع كأنك مبسوطة.. ثم غمزة بشقاوة محببة:


هو سينو قالك كلام حلو؟



+




أنكرت وهي تعنفها: اتلمي ياحنين..كلامنا كان عادي


_ عادي؟ هو الكلام العادي بيحمر الخدود وينور الوش كده



+




لم تجيبها ورغما عنها غاصت بتلميح شقيقتها المغلف بالمزاح.. لكنها أدركته أعمق بكثير من مزحة.. السعادة والخجل انعكسا على وجهها برتوش جلية


لا عجب إذا لو انحفر الحزن بين ثنايا الوجوه..


‏وجوهنا مرايا لما تذخر به القلوب


‏ملامحنا الحقيقية ليست تلك الظاهر..


‏بل المخبأة عن المُقل


‏ولا يراها سوى عين محبة وروح نقية..



+




_ تعرفي يابسمة، كل اما افتكر ان خلاص انا وانتي هنكون رسمي زوجات ولينا أزواج اتلخبط واخاف..


بقيت اخاف من اللي مخبياه الأيام لينا بعد اللي حصلنا حياتنا بتتغير بسرعة غريبة، تفتكري هتتغير للأفضل؟


ولا لسه في فواجع مستخبية؟



+




جذبتها ووضعت رأسها على "حجرها" بحنان وهي تداعب شعرها كما كانت تفعل دائما وقالت: ربنا مايجيب فواجع تاني ياحنة.. بالعكس أنا مطمنة عليكي اوي مع راجل زي عبد الرحمن.. راجل اختبرنا معدنه في أسوأ ظروف مرينا بيها..وقف معانا وماسابناش لحظة هو وأهله..حاجو علينا ومحسناس بالوحدة..عبد الرحمن زي أمير الروايات اللي كنتي بتقريها..بس أمير حقيقي كل حاجة فيه بجد مش مجرد سطور في رواية..عشان كده مش عايزاكي تخافي يا حنين..أكيد الجاي أحلي..



+




مكثت مسترخية تستمتع بحركة أنامل شقيقتها على رأسها ثم قالت: طب وانتي..مرتاحة مع ياسين؟ بتتخيلي حياتك معاه هتكون ازاي؟ يعني خايفة ولا مطمنة؟


طالت تنهيدتها والكلمات لا تسعفها لتبوح بإجابة منصفة فاختزلت ماداخلها بتمتمتها الهامسة: 


_ ياسين ده دعوة أمي ليا ياحنين.. 


__________



+





        



          



                


عجبًا كأنك هنا..! 


صوتك قريب يداعب أذني..  


عطرك يفوح من وسط رمادي!  


ألم أحترق؟!


ألم أفنى من عالمك؟


كيف أتيت لعالمي؟


آراك كأنك تخبيء زهورا خلف ظهرك


أهي زهرة الصبار؟


ستضعها على قبري وتقول وداعا؟


أم أتوهم الموت وأنا مازلتُ حية؟



+




صوتك مازال يهمس لي ان الغيوم انقشعت


وشمس الحياة أشرقت بيننا بفرصة جديدة


هل أصدق؟!


بالله أخبرني..


هل أصدق؟!



+




_ أنتي بخير يا تيماء..رائد حبيبك معاكي ومش هيسمح بحاجة في الدنيا تأذيكي تاني بس ارجعيلي.. 



+




وكأنه سمع نداء عقلها فأجاب.. 


لم يتركها من بعد الحادث وهي علي حالتها دون تحسن يُذكر، غائبة عن الوعي بإرادتها لكن لا يهم.. هي حيه وتتنفس وهذا يكفيه.. تيماء لم تمت..ولم يفت آوان توبتهما بعد.. هي وهو قدما قربان وتقبله الله ونجاهما معا..رسالة جديد من رب العالمين أدركها جيدا.. 



+




مكث يطالعها بشخوص وذهنه يعيد عليه تفاصيل ما حدث..  النيران..صوت صراخه قبل اقتحامه غرفتها..عيناها الزائغة وجسدها يهوى بين ذراعيه..وحين تدفقت المياة حولهما فأغرقتهما سويًا.. العجيب لم يراها مجرد مياة ردعت تغول النيران..بل رآها قطرات طهرتهما..المكان الذي غمره الدنس من قبل هو ما شهد قربانها الأخير..هنا احترق ماضيهما الأسود للأبد وانبثقت لهما نبتة صالحة لحياة أخرى..حياة لن يكون فيها ما يغضب الله عليهما..بل استغفارا يليه استغفار.. لن يمل.. لن ييأس من رحمته وهي معه.. أناملهما متشابكة وبينهما الصغيرة..



+




دنى منها وأحتوى كفها الراقد جوارها ووضع رأسه على كتفها المعافى وأغمض عينيه وغمغم لها بخفوت: 


_ مش هسمحلك تستسلمي لغيابك اللي اخترتيه يا رودي أو يا تيماء، خلاص مش فارق عندي..مش هتكوني ضعيفة تاني لأن مش هسيب ايدك.. مبقاش ينفع نفترق..قدرنا واحد..زي ما ذنبنا وعلتنا واحدة..هقويكي وتقويني.. ورحمة بنتنا هي زرعتنا النضيفة اللي هنرويها بتوبتنا..



+




ثم ابتعد عنها وتلمس وجهها برفق هاتفا: 



+




فتحي عيونك عشان خاطري.. كلميني..


ارجعي وحبيني زي ماكنتي بتحبيني..


خديني في حضنك زي ما كنتي بتعملي..


محتاجلك اوي وانتي محتاجالي..لازم ترجعي للدنيا..  واوعدك اخليكي تتصالحي معاها وتحبي نفسك من تاني.. ارجعي عشان احبك من جديد..


مش هو ده اللي كنتي عايزاه؟؟؟



+




" يا استاذ.. معاد التغير على جرح المدام قرب..لو سمحت سيب الغرفة لأن الدكتور هيمر بعد شوية يشوفها ووجودك في غرفة العناية المركزة دلوقت هيحطني في مشكلة..



+




نظر للممرضة بوجه شاحب وعين ذابلة يحوطها هالات سوداء من قلة نومه، وتتوقع انه لم يأكل منذ فترة طويلة..  فأشفقت عليه بشدة.. مايفعله لا يسمى سوى انتحار بالبطيء..فقالت ناصحة: 



+




_ حضرتك ممكن تروح بيتك ترتاح شوية، لازم تنام عشان تقدر تصمد في اللي جاي..لسه علاج المدام هيطول..وانت كده بتأذي نفسي وقريب اوي جسمك وعقلك هينهاروا من قلة النوم والأكل.. 



+





        


          



                


نقل بصره عن الفتاة لوجه زوجته النائم وصوت أفكاره يستنكر ما تقوله الأولى.. 


ينام؟؟كيف؟ لو غفل عنها سيفقدها.. تيماء تسمعه.. تستأنس به وهو يعلم بهذا لذا لا يفارقها ولا يكف عن الثرثرة بأذنيها..حتما في لحظة ما ستفتح عيناها وتراه.. 


لا ..لن ينام ويتركها.. 



+




_ يا استاذ أرجوك انت مش شايف شكلك؟ هي كده كده مش حاسة بحاجة لأنها في غيبوبة.. روح ارتاح وكل لقمة في بيتك وارجع..وبسرعة بقي لأن الدكتور علي وصول وكده هتعرضني للأذى.. 



+




أطال النظر إليها ثم نهض بتثاقل مغمغما:  خلاص أنا هخرج برة ولما الدكتور يمشي هرجع تاني



+




_ بس… 



+




قاطعها: انا عارف اني بعرضك لمشكلة بس أرجوكي خليني معاها.. أنا بكلمها طول الوقت وهي سمعاني.. مراتي مش هترجع تاني غير لو اطمنت اني معاها..ساعديني افضل قريب منها ده علاجها الحقيقي مش المحلول اللي انتوا حاطينوا..لازم تحس بوجودي.. 



+




حدجته بأسف شديد..هي من الاساس خالفت قواعد عملها وتركته جوارها رغم عدم سماح الطبيب بذلك، لكن لم يطاوعها قلبها أن تخذل رجاء هذا الرجل.. دموعه المتحجرة تشى بمآساة ليست هينة..ربما تشعر به لأنها مثله مرت في حياتها بتجربة مماثلة.. تنهدت وقالت: 



+




لما الدكتور يغير لها علي الجرح ويمشي .. هدخلك تاني واسيبك معاها.. انما دلوقت اتفضل، وبكرر نصيحتي ليك يا استاذ.. روح بيتك صلي ركعتين وادعيلها وبعدين نام.. انت ولا بتاكل ولا بتنام ..لو فعلا بتحب مراتك حافظ علي نفسك عشان لما تفوق بامر الله تلاقيك.. 



+




عاد يملأ حدقتيه بوجهها الشاحب وعينيها المسبلة گ الموتى..ثم تذكر ابنته رحمة التي لم يتفقد حالها منذ ايام  هي والصغيرة ضي.. ووالدتها التي يجب أن يطمئنها بنفسه.. عزم بالفعل علي الذهاب إليهم..  وقبل أن يغادر دنى منها والتقط كفها بين راحتيه وهمس بأذنيها ( متخافيش راجعلك تاني.. هطمن على بنتنا وهاجي) 



+




غادر بعدها فترقرقت عين الممرضة وهي تتابعه وهمست( مافيش أصعب على القلوب من أذية حبايبهم.. ربنا يشفيهالك) ثم همست بنظرة شاخصة وهي تنظر لتيماء ( اللي عنده حد بيحبه كده ماينفعش يستسلم حتي للموت..أتمنى ترجعي للي بيحبوكي..لازم تقاومي)


____________



+




الآن أصبحت حرة طليقة تسبح في عالمها المثالي


لا خوف.. لا أحقاد.. لا ذنوب.. لا مكائد


تنظر للأفق فتجده صافي..انقشعت منه السحب السوداء وأضحى مشمس، زاهي..الكون بأسره صار  گ ثغرا يبتسم في وجهها.. ابتسامة تسع صفحة السماء بأكملها


تحيا بظلها وحدها..لا.. ليست وحدها..حبيبها معها


رائد جوارها..يمسك يدها..يطالعها بحنان.. 


يهمس بأذنيها أنه عاد إليها ولن يتركها..



+




_ كنت فاكرة اني ميتة وانت سبتني! 


(أنتي بخير يا تيماء..رائد حبيبك معاكي ومش هيسمح بحاجة في الدنيا تأذيكي تاني بس ارجعيلي.)


_ هتسيبني تاني؟


( مش هسيبك ولا هسمحلك تستسلمي لغيابك اللي اختارتيه) 


_ هنفترق ؟


(مبقاش ينفع نفترق..لأن قدرنا واحد...)


_ بس انا بقيت ضعيفة أوي


(هقويكي وتقويني..)


_  الدنيا بقيت وحشة وكرهت نفسي فيها..


(هعملك ازاي تتصالحي معاها وتحبي نفسك من تاني) 


_ لو رجعت هتحبني؟


( هحبك من جديد..) 


_ طب خد إيدي وساعدني..


ماتبعدش تاني..


رائد..!


روحت فين وسبتني..؟!


رائد؟؟؟ 


( متخافيش راجعلك تاني.. هطمن علي بنتنا وهاجي) 


عاد همسه من جديد يتردد بعقلها


يطمئنها انه مازال هنا


لم يتركها


وتظنه لن بفعل


____________ 



+





        


          



                


أغمض عيناه وتشمم رائحة طفلته "رحمة" بقوة كي يستمد من نقائها ما يعينه على مواصلة القادم، وصار يربت عليها بحنان طاغي..فسكنت الصغيرة وراحت تهمهم بصوت رفيع رقيق وحروف غير واضحة گ مواء القطة..كأنها تشكوه قسوة شوقها إليهم.. 


تأملها لها بأسف كبير..ما ذنب تلك الملاك لتكون ابنة لأب وأم مثلهما..كلًا مهما كان بود غير صاحبه.. لم يضعا مصير طفلتهما في الاعتبار..هذا الحبيبة تستحق حياة أفضل وأكثر استقرار وحنان ودفء.. 


اشتدت ضمته عليها وانتفضت روحه بعزيمة وصوت أفكاره يقسم داخله لتلك الصغيرة ويعدها أن ثلاثتهم سيجتمعان مهما كانت العقبات..إن كانت تيماء مستسلمة لغيبوبتها وخانعة للموت.. سيحاربها بإرادته وعناده ويفتت يأسها وينتشلها من أرض عالمها الكاذب ويزرعها بأرضه هو


فما بقيا في العمر لن يسمح أن يضيع هباء، ستعود زوجته له وللصغيرة في ئكأقرب وقت.. 



+




_ أبلة رودي عاملة ايه يا عمو..قربت تخف وترجع؟



+




قطع سيل أفكاره صوت " ضي" التي واصلت: 


_ماما تعبانة اوي ومش مصدقاني..قولتلها ان حضرتك أخدت أبلة رودي معاك عشان تتصالحوا وسبتوا معانا رحمة وانكم راجعين قريب.. بس مش مصدقة..كل اما ترن عليها عشان تكلمها بتلاقي تليفونها دايما مقفول وحضرتك كمان مش كلمتها.. أرجوك خدنا نشوف أختي في المستشفى..هي لو شافتنا احنا ورحمة هتخف.. 



+




تنهد وهو يستمع لضي.. ماذا يفعل.. يشفق أن يروا تيماء بحالتها المشوهة الشاحبة گ الموتى.. لن يتحملا وخاصتا والدتها المريضة.. لكن يبدو ان لا مفر من وضعهم بالصورة لكن بأقل خسائر نفسية ممكنة.. ربما وجودهما حول زوجته يفرق بحالتها ويعيدها.. 


_ حاضر ياضي هاخدك تشوفيها، ودلوقت هدخل لماما اطمنها.. وانتي خدي رحمة لسريرها عشان نامت.


__________



+




_ ازيك يا ست الكل عاملة ايه؟ 



+




ما أن رآته حتي اطلقت العنان للهفتها وقلقها: 


_ بنتي فين يا رائد؟ طمني وقولي بنتي مالها أنا هتجنن عشانها.. رودي مش بخير انا عارفة..قول الحقيقة مهما كانت صعبة.. لأنها مش هتكون أسوأ من خوفي اللي واكل روحي..


لم يتعجب إندفاع تساؤلاتها وتكذيبها لفكرة ابنتها بخير..قلب أمومتها لن يمرر كذبه مهما كان متقن..والحقيقة مهما كانت تظل افضل الحلول.. سيخبرها دون تفاصيل مؤلمة أو مخزية من ماضيهما..جلس جوارها وبدأ يروي لها انه اخذها من هنا ليتناقشا في مشاكلهما ويجدان حلا للعودة.. وفي الطريق حدث حادث نشب عنه حريق تآذت منه رودي دونه، وأنها الآن تتلقى العلاج في المشفي..وحالتها مازالت تحت الملاحظة الطبية. 



+




صاحت بنحيب يقطع القلب:  كنت حاسة..  والله كنت حاسة ان فيها حاجة..يا حبيبتي يابنتي..خدني ليها يا ابني ابوس ايدك لازم اكون معاها..


قال وهو يناولها كاسة ماء: طيب حضرتك اهدي الأول واشربي شوية مية واسمعيني وافهمي كلامي كويس.. 



+




أطاعته وارتشفت القليل وراقبته وهي تبكي، فقال: 


_ أنا معرفش ليه علاقتك ببنتك كان فيها فتور..ومش يخصني اعرف أسباب ده.. لكن اللي يهمني انك تفهمي حاجة..رودي محتاجالك أكتر من أي وقت فات.. محتاجة تقويها وتسنديها.. وعمرك ما هتعملي ده وانتي ضعيفة كده..يمكن لما تشوفيها يكون الموقف صعب عليكي.. بس اوعي ساعتها تستسلمي للصدمة وتنهاري وتنسيها..رودي مس هينفعها انهيارك، بنتك محتاجة دعمك ودعمنا كلنا لو كنتي عايزاها تتعافى ترجع وسطينا بخير..



+





        


          



                


ثم التقط يدها مستطردا:  وعهد عليا  اخلي علاقتك برودي هتكون افضل من الأول، اللي كان مفقود في علاقتكم زمان هيتعوض.. بس ساعديني بأنك تكوني قوية وتتحملي عشانها.. قلت ايه؟



+




أومأت ومازلت دموعها تتساقط:  حاضر يا ابني.. أوعدك اكون قوية زي ما لتقول بس خدني ليها.. 


_ ماشي بس اصبري كمان يومين تكون انتقلت لغرفة عادية عشان تشوفيها براحتك.. ومتخافيش انا معاها ومش بسيبها ابدا.. وكل اللي طالبه منك تاخدي بالك من رحمة لأن للأسف انا مش عارف اهتم بيها لوحدي.. 


_هتوصيني على حفيدتي؟ دي نور عيني..



+




ثم مدت كفيها متضرعة لله:  يارب احفظ بنتي ورجعها لبنتها ولينا كلنا بالسلامة..أنا مش هتحمل افقدها تاني


ربت على كتفها برفق: متخافيش مش هتفقديها..أوعدك رودي هتكون وسطينا قريب جدا..اقرب مما تتصوري


__________



+




أشار له بحذر:  اشش يا هوندا.. ماما نايمة.. تعالي نسيبها براحتها عشان تعبانة


تبعه الصغير فتوجه به للمطبخ ثم وضعه علي سطح الرخام وتسائل: 


_ ها يابطلي.. تاكل ايه؟ جبنة ولا مربة تين؟


_ همرر



+




زوى عابد محاولا فك طلاسم كلمته مغمغما:  همرر ده ايه مش فاهم؟ شكلي هستندل واصحي ماما تترجملي..طب قول تاني بس ركز.. عايز تاكل ايه؟


_ همرر.. 


هرش عابد مؤخرة رأسه بحيرة: وبعدين في الأزمة دي بقى..ازاي لسه ما اخترعوش قاموس يساعد الأب في فك طلاسم كلام ابنه لما تكون امه نايمة؟!


ثم صاح بغتة بعد تفكير أعمق وهو فخورا بنفسه لأنه فهم أخير : قصدك همبورجر يا معلم صح؟



+




أومأ الصغير وهو يكرر بحماس:  همرر 


قهقهه ولثم خده المكتنز الشهي وقال: يا أخي تعبتني،  والله انت واد بتفهم.. جبنة ايه ومربة ايه اللي هناكلها..احنا رجالة ولازم ناكل لحمة مش جبنة.. خلاص يا بطلي هطلع " الكايزر" من الفريزر واسخنه في المايكروويف على ما احضرلك أحلى همرر..



+




راح يُعد له الطعام والصغير يتابعه فحدثه: 


يلا زي الشاطر سمعلي كلمات الله الحسني اللي علمتهالك..قول الرحمن بعدها ايه؟


_ حيم


_ لأ قول الرحيم 


_ حيم


_ طب ماشي كمل بعد الرحيم ايه؟



+




تلعثم الصغير وهو يحاول أن يتذكر فقال: 


_ دوس


_ لا مش القدوس يا مهند.. المَلِكُ وبعدين القُدوس.. بص انت شكلك نسيتهم ..خلاص في الأجازة هحفظك تاني.. طب قول معايا سورة الفاتحة..وراح يلقنه والصغير يكمل معه حتى انتهيا فكافأه بقبلة على رأسه: برافو عليك..يلا بقي نروح الليفنج ناكل واشغلك فيلم كارتون.. 



+




أختار له شيء مناسب وراحا يتبعانه بعين محدقة وهما يلتهمان شطائر الهمبورجر..ثم لاحظ ان الصغير لم يكمل حصته فقال:  لا يا مهند كمله عشان تشبع.. ماما نايمة ومش هتصحى دلوقت عشان تأكلك


وواصل وهو يدس جزء من الخبز في فمه:


هنعمل ايه لازم انا وانت نخدم نفسنا.. ماما طول الوقت تعبانة عشان البيبي


_ بيبي


_ أيوة اخوك اللي في بطن ماما


_بيبي بطن ماما


_ أيوة يا واد مسكر انت على رآي تتة إيما.. عارف بقى لما يجي اخوك بالسلامة..انت هتحبه اوي


_ خويا حبه؟



+





        


          



                


قالها وهو يشير لصدره.. فقبله عابد مجيبا: طبعا يا حبيبي هتحبه لأنه هيلعب معاك وهتتسلى معاه.. وانا كل يوم هجيبلكم حاجات حلوة..وهنلعب في المرجيحة بتاعتك وهاخدكم معايا النادي والمزرعة و…… 



+




وصار يثرثر معه كأنه يقص له حكاية مسلية حتى أرخى الصغير أهدابه وغط بالنوم على صدر عابد الذي لم يمكث كثيرا وغفى هو الأخر على الأريكة.. 



+




شعرت بامتلاء مسانتها فنهضت من نومها لتقضي حاجتها.. ثم لاحظت هدوء المنزل.. أين عابد والصغير؟ هل هبطا للعمة كريمة؟ توجهت لغرفة " اللفينج" لتجده يحتضن طفلها النائم بعمق على صدره وصوت "شخير" مزعج يصدر منهما.. فابتسمت بحنان واقتربت بحذر وحاولت انتزاع الصغير منه ففتح عيناه وأبصرها وهمهم بصوت ناعس:  انتي صحيتي يا زمزم


_ أيوة ياحبيبي.. معلش انا أسفة والله ما عارفة ازاي النوم غلبني وماحسيتش بنفسي..أكيد هتموت من الجوع.. 



+




اعتدل جالسا ومازال مهند غافي بين ذراعيه: لا ماتقلقيش.. اتصرفت وعملت سندوتشين همبورجر انا وهوندا وشبع قبل ما ينام.. كنت هشربه لبن بس حسيت اني كده هعك..



+




غمرته بنظرة حانية وهمت بتقبيله فهاجمها شعور الغثيان من جديد وكممت فمها فصاح بجزع: ايه ياحبيبتي مالك؟



+




_ الغثيان ده هيموتني ياعابد..انا مش باكل وبرضو معدتي تعباني اوي..حملي شكله مش هيعدي لطيف وابن ناس وهيتعبني.. 



+




ابتسم ولثم رأسها ثم نهض ليُرقد الصغير بفراشه ثم عاد إليها واحتواها بذراعيه وقال وهو يعبث بشعرها:  معلش يا قلبي.. أكيد ابني مش هايجي كده بهدوء.. مايبقاش ابن عابد، بس ولا يهمك.. هو بس ينزلي وانا هربيه وأحرمه يتعبك تاني..  



+




ضحكت متناسية شعور الغثيان: ده لسه بيسخن ومؤدب.. في فترة هيعمل حاجات افظع.. أنا فاكرة في مهند كنت….



+




بترت حديثها بغتة خوفا من ضيقه لو ذكرت شيء يخص حياتها السابقة وحالتها النفسية حين رحل زوجها.. نعم هو يحب طفلها لكن ليس من الصواب تذكيزه دائما ببصمة من قبله عليها.. وما كانت ستقوله ربما ضايقه بقدر ما.. 



+




_ ممكن اعرف سكتي ليه؟


_ لا عادي ما تاخدش في بالك



+




أدار وجهها أليه وحاصرها بنظرة قوية وهو يقول:  زمزم.. اي حاجة عايزة تقوليها قوليها متخافيش.. 


دست رأسها بعنقه وهمست:  في حاجات مش حلو ليك ولا ليا اني افتكرها.. أنا حامدة ربنا علي اللي انا فيه.. ربنا عوضني وكرمني بتجربة أمومة تانية عشان اعيش فيها اللي ماكنتش دارية به قبل كده..بعيش فرحتي اني هكون ام لأول طفل لينا


_ قصدك تاني طفل..ولا حتة السكر اللي جوة ده مش مالي عينك يا هانم؟



+




رفعت رأسها لتفيض عليه بنظرة حب وانبهار حقيقي قائلة:  انت ازاي كده ياعابد؟ أنا ساعات بحس إنك هربان من الجنة ونزلت تعيش معانا في الأرض؟



+





        


          



                


قهقه بإنطلاق لتشبيهها الغريب وضمها بقوة أكبر قائلا من بين ضحكاته:  حلوة دي يا زوما..انا ملاك؟ مسكينة يا بنت عمي ماتعرفيش جناني والماضي الأسود بتاعي..ولا البلاوي اللي كنت بعملها في اصحابي واخواتي وماما وبابا وعطر وفدوى..ولا ياسين..أنا متخيل لما يسمع منك الجملة دي هينفجر ويقولك اللي ربنا يقدره عليه.. أصله بيحبني اوي ونفسه يخدمني ويرد بعض جمايلي معاه.. 



+




ضحكت بانطلاق مثله ودللته هاتفة: مهما قالي عنك نظرتي ليك مش هتتغير ابد يا بودي.. 


_ يعني مصممة إني ملاك


قالت برقة: أيون ملاك ومافيش زيك اتنين في العالم كله


_ زي القدير " إكس" كده في فيلم فؤاد المهندس؟


ضحكت ثانيا:  لا أحلى يا بودي


_ طب ماتيجي نتنقاش باستفاضة في الموضوع الخطير ده في أوضتنا


عبست بطفولة متدللة:  ينفعش يابودي.. الدكتورة قالت ينفعش في الفترة دي.. 


_ ينفعش؟؟؟ طب انتي بتعذبيني أكتر يعني ولا ايه؟


ضحكت ثم احاوطت وجهه براحتيها وقبلت وجنتيه هامسة:  طب خد تصبيرة


_ لا ماتنفعش..خلي عندك ضمير وهاتي تصبيرة حلوة


هتفت بمكر:  طب قولي عايز ايه؟ 


نهض وحملها بين ذراعيه مغمغما: هقولك في أوضتنا.. 


رمقته بتحذير:  عابد بلاش تهور خلينا مستورين.. الدكتورة قالت إن…… 



+




لم تكمل عبارتها..


وفرض هو هيمنته بما يناسب شغفه وشوقه لها! 


_________________



+




حان يوم عقد قران الشقيقتان..


مكثت معهم لتساعدهم سلوى شقيقة عبد الرحمن، وبعد وقت اكتملت طلتهما البسيطة للغاية ورغم بساطتها كان لهما سحر خاص جعل الأخيرة تهتف بإعجاب:  ما شاء الله يابنات.. والله العظيم طالعين قمرات وتجننوا بعد ما جهزتوا.. ثم غمزت لهما:  عرسانكم هيتهبلوا عليكم



+




ابتسمت لها بسمة بينما هتفت حنين: تسلمي يا سلوى تعبناكي معانا والله


عاتبتها:  عيب تقولي كده احنا اهل وانتو اخواتي، ثم دارات حول نفسها بمشاكسة:  بس انا همسحكم انتوا الاتنين، منا ظبطت نفسي برضو عشان الواد خطيبي اللي هيشوفني انهاردة ولازم ازغلل عينه واجننه.. 



+




بسمة:  هتزغللي عينه بس؟ ده عقله هيطير لما يشوفك يا سوسو..


سلوى: وده المطلوب يا اوختي.. أحنا هنعمل ايه بعقلهم؟ والله ولا له اي تلاتين لازمة.. 


لما يستطيعا كتم ضحكتهما لدعابتها اللطيفة حقا، ثم توجهت بسمة لشقيقها هاتفة بحنان: بس تعرفي من احلى مننا كلنا انهاردة؟ ياسو اخويا.. 


جثت سلوى علي ركبتيها وقالت وهي تقبله: ده هو نجم الحفلة والراجل اللي هيحمينا ويوصلنا لقاعة المسجد.. 



+




تساءلت: صحيح يا بنات.. مين هايجي ياخدنا؟ ماهو مش معقول بأناقتنا الفتاكة دي نروح للفاعة بتوكتوك.. اقسم بالله برستيجنا يدمر ونتفضح وسط البشر..



+




حنين:  لا ماتقلقيش، باشمهندس عابد جاي هو وزمزم مراته يوصلونا، زمزم اتصلت عليها وقتلتلها كده.. 


_ أيوة كده طمنتيني..طب هروح اعمل تليفون سريع وارجعلكم.. 


____________



+





        


          



                


في بناية عبد الرحمن صدحت زغروطة عالية من فم تلك الجارة الطيبة وهي تقول بعفوية حين بصرته يهبط السلم مع أسرته:  صلاة النبي والله أكبر عليك يا عبده.. ايه الحلاوة دي كلها..الله أكبر ويحميك من العين، الحمد لله إن عشت لحد ما شوفتك عريس يا ضنايا.. ثم دمعت عيناها بتأثر تلقائي: ده انا لسه فاكراك وانت عيل بتجري وتخطف السفندي من حجري وتلعب حوالينا أنا وامك.. 



+




مال عليه شقيقه الأصغر ساخرا:  خالتي ام سحر مش هتنسى الموضوع ده ابدا يا معلم


عبد الرحمن هامسا: المشكلة إني مش فاكر اني كنت بخطف حاجة وربنا.. 


واصل شقيقه مازحا:  أثبت بقي ياكبير انك بريء من خطف سفندي جارتنا..معاك ربنا



+




_وطي يا واد ياعبده اما ابوسك. 



+




قاطعتهما السيدة وهي تدعوه بقامتها القصيرة المكتنزة لتقبله وتعانقه وتبارك له بحنية حقيقية لا تدعيها، فقالت والدته شكرا لحفاوتها: تسلمي يا ام سحر، ما هو ابنك ياحبيبتي وليكي فيه زي ما لينا، وعقبال ماتفرحي بولادك..وواصلت تؤكد عليها: بقولك ايه اوعي ماتجيش و تجيبي العيال والله ازعل منك.. 


_ ما اجيش ازاي ده ابني يا ام عبد الرحمن..روحوا انتم وانا هغديهم واجي مع الحج.. 


والده: منتظرينكم يا ست الكل انتي والحج بإذن الله.. 


_________________



+




_ يعني مش هتقدو تيحضر كتب كتاب ياسين يا عاصم؟


_ والله يا أدهم ما فاضي..وبعدين اللي فهمته ان الموضوع على الضيق عشان ظروف البنتين والخداد اللي كانو فيه..في الفرح الكبير إن شاء الله هكون أول الموجودين.. والبركة فيك انت ومحمد تكونوا مع ناجي.. عارف انكم مش هتقصروا.. وانا علي كل حال كلمته وباركتله ماتقلقش..وواصل بتأكيد: بس اوعي تنسى اللي قولتلك عليه يا أدهم..


_ طول عمرك صاحب واجب يا اخويا..هديتك هتوصل لبسمة وحنين متخافش.. 


_ ربنا يتمم بخير.. عقبال ما نفرح بدخلة يزيد وجوري


_ في حياتك يارب.. 


__________



+




داخل تلك القاعة البسيطة الملحقة بالمسجد، حضر المآذون وجلس وحوله ياسين ناجي ومحمد وأدهم.. ومن الاتجاه المقابل عبد الرحمن وجواره والده وعمه الأكبر وشقيقه ورجل وقور من رفاقه له مكانته وتقديره في العائلة..كما حضر رجلين من جيران والد بسمة القدامي فما أن علموا حتى جائوا يردوا بعضا من أفضال والدها كما تتطلب أصول العشرة المعهودة بين أبناء تلك الطبقة.. وعلى صف المقاعد الجانبي جلست بقية عائلة ياسين وعبد الرحمن وأخرين يلتقطون الصور بفرحة ويتابعون مراسم عقد القران التي بدأت بالعروس الأكبر وتساؤل المآذون: 


_ مين وكيل العروس؟


_أنا.. 



+




نظر جميعهم لأدهم، فدمعت عين بسمة شكرا للفتته التي لها صداها في نفسها ولمعت عين ياسين بامتنان جارف لقيمة مبادرته بالنسبة لعروسه..وتم عقد قرانهما لينتقل المآذون بعقد عبد الرحمن وحنين.. وبتكرار سؤاله عن وكيلها، جاء دور ناجي قبل الجميع ليصيح:


_ أنا وكيل حنين ان شاء الله..


ربت علي كتفه والد العريس ومنحه عبد الرحمن نظرة تقدير جمة لموقفه الطيب وأثره في نفس عروسه هو الأخر..ولأول مرة يختلط بمجتمع يُعد ثريًا لكن لا يفتقد عاداته وطيب أصله دون تكبر..عائلة ياسين تستحق كل احترامه واعجابه.. 





          



                


وأخيرًا أُعلن العرسان أزواجا علي سنة الله ورسوله..




بتلقائية ودون ترتيب جاء رد فعل عاطفي ومباغت من بسمة تجاه شقيقتها وهي تستدير متلقفة إياها بعناق جارف وهي تهمس لها باكية:  مبروك ياحنة..ماما وبابا كانوا هيفرحوا بيكي اوي في يوم زي ده.. المفعوصة بنتهم الصغيرة كبرت وبقيت عروسة جميلة..مبروك.. 



+




ثارت دموع الأخرى وهي تهمس ببكاء مماثل وهي تعانقها بشدة: وانتي كمان مبروك يابسمة..ماما وبابا كانوا بيحلفوا انهم هيرقصوا في فرحك لحد الصبح..ولولا الظروف كنت عملتها أنا بدالهم..أنا فرحتي بيكي انهاردة اكتر من فرحتي بنفسي..



+




تكثفت الدموع في أحداق الحاضرين وهما يتابعون بتأثر التحام الشقيقتان وهمساتهما التي وصلت لأذانهم فازدادو تأثرا وزرفا للدموع لأجلهما، ثم تبادل ياسين وعبد الرحمن إيماءت وإشارات بصرية ما..أعقبها كلا منهما بانتشال عروسه من أحضان الأخرى..ليحظى كل عريس مع زوجته بأول عناق على مرآى الحضور جميعًا، لقد غدوا لهما منذ اللحظة جدار الأمان وحصنهما المنيع..ليكتمل بكاء بسمة وحنين كل واحدة على صدر زوجها، فالتهبت بتفاعل كفوف الحاضرين بالتصفيق الصاخب والأفواه بالزغاريط وعيونهم مازالت تزرف العبرات تأثرا بما يشاهدون.. وبعد وقت ابتعد عبد الرحمن عن زوجته ثم لثم جبهتها، وكذلك فعل ياسين.. لتتقاذقهم ايادي البقية أخذين دورهم بعناق وتهنئة حارة من القلب لهم.. 



+




وقفت بعيدا تتابع ما يحدث ودموعها لا تتوقف..تشفق على الأختين من شعور انهما وحدهما وكلا منهما تؤازر الأخرى بعاطفة قوية أثارت أعجابها في الوقت ذاته.. كأن كلا منها أصبحت أما لشقيقتها.. ثم تأثرت بعناق ياسين لبسمة وعبد الرحمن لزوجته حنين.. وحادت ببصرها لزاوية أخرى ورآت عطر جوار يزيد وأناملهما متعانقة بحب وكذلك زمزم وعابد الذي يحمل مهند وباليد الأخرى يحاوط خصر زوجته بتملك حاني.. تنهدت وأغمضت عينيها وتمنت لو كان معها عامر الآن..عاطفتها عطشى لدفئه تلك اللحظة بشكل غريب.. فكرت قبلا أن تدعوه ثم تراجعت.. فمنذ انا تحدثا بأخر مكالمة ليليلة بعد عمله وغفى وهو يحدثها وسمعت صوت انتظام أنفاسه وأدركت سقوطه في النوم رغما عنه..وهي تعاهدت ألا تُثقل عليه ثانيا بلوم على قلة أحاديثه وزياراته..هو يشقى لأجلها ويجب ان تتحمل معه وتقدر هذا بنضج كافي.. 



+




انتفضت بشدة وهي تشعر بذراع تجذب جانب خصرها بتملك..فتحت عينيها لتُصدم بمن كان يحتل خيالها في التو


يقف بالقرب منها ينظر لها بترقب مبتسما.. وهي گ البلهاء تفتح فمها بذهول وعينيها متسعة ولا تصدق انه غادر حيز أفكارها وتجسد لها في الواقع بشحمه ولحمه.. لا ..ربما تهذي وتتخيله بسبب تخيلاتها؟..بهذا الظن مدت يدها بحرص تلمس وجهه ليقشعر "بدنها" بعد أن تيقنت من حقيقته.. عامر هنا حقًا ولا تهذي.. أي تواصل هذا بينهما ليلبي حبيبها نداء تردد بين جدران عقلها في الخفاء؟ كيف علم انها كانت تحتاجه الآن؟ 



+





        


          



                


أما هو فكان يحمد الله بضميره انه أعد لها هذه المفاجأة بعد أن علم من يزيد بقدومه لحفل ياسين..وتردد في ذهنه جملتها وهي تقول له ذات مرة " نفسي احس اني مخطوبة زي البنات وتزورني دايما واحس بوجودك حواليا"..هذا غير خجله حين غفي وهو يحدثها أخر مرة،  فشعر تجاهها بتقصير كبير، هي فتاة ومن حقها تتدلل من حبيبها وتجمع معه ذكرايات بفترة هامة من حياتهما سويا گ تلك الفترة.. لذا أبلغ شقيقها انه سيأتي يوم الاحتفال ويغادر في الليل وألا يخبر جوري لتكون مفاجأة لها.. لكن يزيد كان له رآي أخر بأن يبيت معهم ويغادروا جميعهم للقاهرة في الصباح.. وتكون فرصة ليخطف معها سهرة ممتعة في بيت والديها..ولأنه أصبح معتادا عليهم عكس السابق فلم يمانع اقتراح يزيد.. وأبلغ والديه بسفره المنصورة والمبيت عند أهل خطيبته لليوم التالي! 



+




_ عامر.. 



+




تحدثت أخيرا ومازالت تحت سطوة الذهول لحضوره فغمغم لها بصوت دافيء غامرها بنظرة محبة:  قلب عامر.. ايه رأيك في المفاجأة دي؟



+




لم تستطع الرد ونكست رأسها دامعه بفرحة والمفاجأة تلجم لسانها..كيف تصف فرحتها بوجوده الآن؟!



+




واصل: كنت متفق مع يزيد وقولتله ما يعرفكيش اني جاي.. وخدي التقيلة بقي.. أنا كنت هرجع القاهرة بالليل بس اخوكي صمم اني ابات معاكم على أساس انه الصبح هيرجع بيكي انتي وعطر القاهرة عشان تبدؤا تجهيز عش الزوجية..يعني انا هاخد كل السهرة معاكي انهاردة، إيه رأيك؟ مبسوطة؟؟



+




ضحكت بدموع وهي تهتف: مبسوطة بس؟ ده أنا خايفة اكون بحلم..  ربنا يخليك ليا ياعامر.. ماتتصورش كنت محتاجالك قد ايه وفكرت فيك واتمنيت تكون هنا..بجد أنا مش هنسى المفاجأة دي ابدا ولا هنسى اليوم ده.. 



+




قبل كفها هامسا:  وانا أي لحظة معاكي مش بنساها.. بتتخزن في عقلي وقلبي وتصبرني على بعدك.. 



+




" نلم نفسنا بقي ونهدى شوية بدال ما ارجعك القاهرة تاني"



+




رفعت عيناها سريعا ليزيد الذي وقف يشاكسهما فاقتربت وتعلقت به وهي تقول بامتنان:  حبيبي يا آبيه ربنا مايحرمني منك يا أحسن اخ في العالم كله.. 



+




ربت على ظهرها بحنان:  ولا منك يا روح اخوكي.. أنا كلبشته ومش هخليه يرجع القاهرة غير الصبح..عشان ننبسط ونسهر كلنا سهرة حلوة..



+




_ طب وسع بس عشان الدنيا حر.. 



+




قالها عامر وهو يجذبها من بين ذراعي شقيقها، فضحكت وانضمت لهما عطر قائلة:  استعدوا ياجماعة عشان راجعين فيلتنا هنكمل الاحتفال هناك.. 


واستطردت متداركة أمرها انها لم ترحب بعامر:  سوري يا عامر ما سلمتش عليك.. نورتنا انهاردة وكدة لمتنا كملت، عشان القصيرة دي تفرح.. 


جوري: احترمي نفسك، قصيرة في عينك.. 


عامر: ده نورك يا باشمهندسة.. بس خطيبتي مش قصيرة لو سمحتي دي عصفورة وكيوت.. 



+





        


          



                


أشارت لها جوري بلسانها لتكيدها..فقالت عطر:  ماشي ماشي.. ربنا يهنيك بالعصفورة يا سيدي، يلا بقى ياجوحو نروح لبسمة وحنين عشان نكون حواليهم..أحسن يعيطوا تاني دول قطعوا قلبي.. 


_ والله وانا بكيت عشانهم.. بس انا ههيصهم اما نروح الفيلا..هيفرحوا يعني هيفرحوا.. وكمان عابد اخويا عاملهم مفاجأة تجنن. 


عطر بفضول:  ايه هي؟


_ مش هقولك طبعا


____________



+




أشار له أن ينضم معه جانبا ليحدثه بأمر، ثم قال: 


_ بقولك ايه يا ياسين، انا عازمك انهاردة انت وبسمة على سهرة حلوة في باخرة نيلية، حجزت ترابيزتين لينا عشان نحتفل مع البنات هناك لوحدنا..جاهز؟



+




_ واللهرك ياعبده أنا معنديش أي مانع بس في مشكلة. 


_ ايه هي؟


_ ماما وخالتوا كريمة اصلا محضرين احتفال متواضع لينا في فيلتنا عشان يفرحوا بينا..حتي بابا واقف هناك بيبلغ والدك بالعزومة.. مش هيسمح حد في عيلتك يمشي.. الاحتفال لينا كلنا.. 



+




_ طب والحجز اللي حجزته يا ياسين؟ كده هيررح عليا وكمان الافضل كنا نبقي لوحدنا.. انا عملت ده مفاجأة للبنات نفسهم عشان ابسطهم وقلت انت مش هتمانع..



+




وضع ياسين يده في خاصرته يفكر في حل لهذا المأزق..لا يريد ان يغضب أحدا.. والدته وخالته وعابد أعدوا لهم احتفال خاص.. وعبد الرحمن من حقه أن يهاديه بتلك السهرة حتى لا يشعر بفرق بينهما.. ماذا يفعل.. 



+




_ مالكم يا شباب واقفين تتوشوشو في ايه من الصبح.. المفروض نمشي دلوقت عشان نلحق نحتفل بيكم..



+




التفت ياسين لوالده وقال:  بصراحة في مشكلة يا بابا


_ مشكلة ايه خير؟؟؟


_ عبده عازمنا انا وبسمة معاه هو وحنين في سهرة نيلية وحجز خلاص.. وفي نفس الوقت ماما وخالتو حضروا احتفال لينا احنا الاربعة ولو مشينا هيزعلوا وتعبهم هيروح على الفاضي.. وانا مش عارف احلها ازاي.. 



+




صمت ناجي وقت قصير يفكر ثم قال: ولا يهمكم يا شباب، انا عندي الحل المناسب لكل الأطراف.. 


عبد الرحمن:  ايه هو يا عمي؟


_ من حسن الحظ احنا لسه داخلين على المغرب يعني الليل كله معانا..وعشان ام ياسين برضو تفرح بيكم ومايروحش تعب تحضيرها للاحتفال هدر وتزعل فعلا.. انت يا عبده هتيجي مع مراتك واهلك تقعدوا معانا ساعتين نحتفل ونفرح بيكم.. وبعدها تمشوا انتم الاربعة مع بعض وتبدؤا سهرتكم التانية اللي انت جهزتها.. ايه رأيكم في اقتراحي؟



+




نظر ياسين للأخر بترقب، وبعد برهة تفكير أومأ له عبد الرحمن قائلا بتوقير: مقدرش ارفضلك أمر يا عمي.. خلاص موافق.. وهعمل بس تليفون أأكد علي الحجز بعد ساعتين.. 



+




تنفس ياسين الصعداء لحصد اتفاق مناسب أرضى عبد الرحمن، بينما ربت ناجي علي كتف الأخير:  ربنا يريح قلبك يا ابني ويسعدكم مع عرايسكم.. خلاص يلا بينا عشان ما نضيعش الوقت.. 


__________________



+




تقديرا لظروف بسمة وحنين ووفاة أبويهما القريبة لم يتخلل حفل استقبالهم أغاني عاطفية صاخبة گ المعتاد..بل أعد لهما "عابد" مسبقا فيديو بصور متنوعة تشمل الشقيقتان مع عرسانهما على أغنية بايقاع هاديء نوعا ما تناسب هذا الحدث.. وبمجرد عبور ثنائي العروسين من بوابة الفيلا صدحت الأغنية من شاشة العرض الكبيرة قرب البوابة والكلمات تشرح ببراعه مدهشة شعورهما تلك اللحظة..دمعت عين بسمة وحنين وتمسكت كلا منهما بكف الصغير ياسين بينهما والكلمات تعزف لحنها البسيط الساحر على دقات القلب.. 



+





        


          



                


هى حبت هو داب


بس خبط يومها باب



+




قال ساعتها انا مش هسيبك


الا لما اكتب كتاب



+




قال يا رب اجمعني بيها


ربي انت معاك قلوبنا


وانت عالم باللي فيها



+




زي ما اهديت خديجة للنبي


اهديني ليها



+




كم سنة والحمل زاد


هو كمل وبعناد



+




مش هسيبك مش هسيبك


حتى لو لفيت بلاد



+




هى قالت صعب تقدر


قال دا ربي اكيد معايا



+




خايفة جدا لو تسيبني


كنت سيبتك من البداية



+




غمضي ارجوكي لحظة


غمضت والقلب داب



+




كل دقه منه خايفه


تنتهي القصة بغياب



+




فتحي عنيكي الجميلة


فتحت شافت ايديها


لابسه دبله وحاجه فيها كان جواب



+




الخميس اللي جاي جايلك


اجهزي كتب الكتاب. 



+




مع كل جملة كان ياسين يداعب أناملها الراقدة بكفه بحنان..قلبه يشدو لها بحب مع نظرته إليها


وعين بسمته تبكي واستشعرت صدى شدوه في قلبها


تبكي فرحتها..


تبكي حمدا لله..


تبكي شوقا لوالديها


تبكي فرحتها بشقيقتها حنين..


تبكي فرحا بالقلوب التي التفت حولهما


تشارك فرحة اليتيمتان.. 


تبكي كثير من المشاعر التي تأججت داخلها..


فجفف لها دموعها وهمس في أذنها ببعض كلمات الأغنية بلحن  لمس روحها: 



+




" مش هسيبك مش هسيبك


حتى لو لفيت بلاد..! "



+




لتبتسم له ومقلتيها تفيض عليه بحب وتقدير بما في القلب..فلم يعد من حقها كتم مشاعرها عن هذا الأمير الذي أقتحم حياتها وطلاها بكل ألوان الربيع فامتلأت حديقة الروح منه بكل جميل ونادر..


……… ..



+




انتهت الأغنية وبدأت التهاني وعابد يعانق ابن خالته بود: 


_ ألف مبروك يا سينو.. ربنا يسعدك ياحبيبي.. ثم واصل تهنئته للأخرى: مبروك يابسمة.. بقيتي من عيلتنا رسمي فهمي نظمي..وعلي فكرة انا من اللحظة دي اخوكي الكبير.. لو الكائن ده داسلك على طرف عرفيني وهظبطه.. 



+




ابتسمت لمزحته، فصاح ياسين: ياعم روح ظبط نفسك الأول..حتي لو زعلتها هتشتكيلي انا نفسي انت مالكش فيه .


عابد: تشتكيلك انت؟ ليه طالع في الفيلم بمنظرين؟



+




ضحكت جوري التي تتابع مزاحهما قائلة:  ياسين استنساخ استايل


_ حتى القصيرين كمان بقى ليهم لسان؟ 


عامر متدخلا:  لا كده هتزعلني منك يا عم ياسين وهعمل معاك الجلاش قدام مراتك..خطيبتي مش قصيرة دي كيوت وعجباني كده


جوري: أصيل ياعموري.. هتديك حتة جاتوة زيادة 



+




تدخلت فدوى بين مزاحهم قائلة: طب وسعوا بقي خلو العرايس تقعد مكانها وبعدين كملوا هزار.. 



+




وقادتهم هي وكريمة للمقاعد الأنيقة في وسط الحديقة ليجلسان.. وبعد أن استقروا وهدأت المباركات.. أشار ياسين لعابد إشارة ما.. صاح الأخير علي عُقبها: 


_ ياجماعة..دلوقت جه معاد تقديم هدية كل عريس لعروسته.. سمعوني تصقيفة جامدة وشجعوهم بضميرة.. 



+





        


          



                


صدح تصفيق الجميع بصوت مرتفع وسط دهشة بسمة وحنين.. وخاصتا الثانية التي جلب لها عبد الرحمن شبكة ذهبية مسبقا..توترت أن "يُحرج" زوجها من شيء.. لكنها ذُهلت وهي تراه يكشف عن علبة قطيفة حمراء.. فنقلت بصرها بينه وبين العلبة وشهقت وهي تراه يلتقط أسوارة ذهبية شديدة الرقة.. من أين ابتاعها وهي تعرف الحال وكيف يلصم نفسه ليكمل أساسيات توضيب  شقتهما؟



+




أحاط معصمها بأسوارته وهو يهمس:  مبروك ياحنة.. عجبك ذوقي يا حبيبتي؟



+




هتفت بتلقائية: انت ليه كلفت نفسك ياعبد الرحمن؟.. منا عارفة البير وغطاه وانت أصلا جبتلي شبكة قبل كده.. 


ابتسم لها بحنان: ورغم كده حبيت افرحك ياحنين.. ماتقلقيش دي قرشها جه لوحده كده من عند ربنا.. ماتحمليش هم كله هيتيسر.. المهم دلوقت انك فرحانة وعجبتك.. 



+




ابتسمت له والفرحة تنضح من عينيها ثم بعفوية حادت بجسدها لبسمة وهي ترفع يدها وتشير قائلة:  شوفتي عبده جابلي ايه يا بسمة؟


شاركتها الفرحة بإعجاب:  الله شكلها تحفة علي ايدك..مبروك عليكي ياحبيبتي.. 


صدحت صافرات الشباب اعجابا بهدية عبد الرحمن الذي راح يتلقى عناق والديه وشقيقته وشقيقه، وجاء دور ياسين ليبرز هديته.. لتتسمر حدقتي بسمة وهي تراه يفتح علبة صغيرة تحوي هاتم ودبلة ألماظ.. نظرت له لتجده يترقب رد فعلها بهدوء مبتسما، فهتفت بخفوت مبهورة:  ألماظ؟ ده كتير اوي يا ياسين.. 


_ مافيش حاجة تكتر عليكي


ثم بدأ بوضع هديته في أناملها والجميع يصفق لهما لكبحماس ثم اقتربت والدته لتضمه وهي تهنئه بحراره وتبكي وكذلك كريمة لينال بسمة وشقيقتها نفس العناق الحاني وكلمات المباركة الصادقة.. 



+




انقضى وقت الاحتفال في فيلا ناجي وحان وقت مغادرتهم ليبدأ أربعتهم سهرة عبد الرحمن.. 


_ سيبي ياسين معانا يابسمة، هلاعبه مع مهند.. 


قالتها بعد أن رأتها تقبض على يد الصغير ليذهب معهم، فقالت:  لا يا زمزم مافيش داعي انا هاخده معانا عادي.. 


تدخلت عبير:  ياحبيبتي سيبيه معانا ومتخافيش واتبسطي انتي واختك مع عرسانكم.. ولما تخلصوا سهرتكم.. ياسين هيعدي ياخدوا.. 


فدوى:  اسمعي الكلام يا بسمة كلنا قاعدين اهو وهناخد بالنا منه متخافيش.. ويلا بقي ماتضيعوش الوقت عشان تتبسطوا..  



+




لم يتدخل ياسين في الحديث خوفا ان تظنه لا يريد صحبة الصغير معهم وترك الأمر لوالدته.. وبعد تردد وافقت بسمة وغادر أربعتهم لأحتفالهم النيلي المميز كما أعده عبد الرحمن.. 


__________



+




تتنقل حوله گ الفراشة الرقيقة..عينيها تلمع گ النجوم سعادة لمكوثه الليلة معها ومشاركته سهرة عائلتها..أكتشف بها جوانب أخرى وهي تتعامل مع عائلتها.. كيف تمزح مع شقيقها عابد.. وكيف تشاكس والدتها التي تتظاهر بالغيرة منها.. ثم تدلل على أبيها وترقد بحرص علي قدمه..كما يلاطفها يزيد وتستفزها عطر لتقذفها جوري برد عفوي مضحك.. أما هو فلم تنسى ان تهتم له..وضعت امامه الكثير من الطعام اثناء وجبة العشاء.. وحذرته بغضبها عليه إن لم يأكل..منحته قطعة جاتوة لم يكن يشتهيها ولكي لا يخذل عطيتها ذاق منها القليل..وبعد وقت طلب منها أن يتمشى معها قليلا لهضم كل ما تناوله وهو غير جائع على الإطلاق..لكن فرحتها به يهون لأجلها وجع معدته التي تضخمت من الطعام.. 



+





        


          



                


_ مبسوطة اني فضلت معاكي


صاحت بتعبير طفولي محبب في وجهها: ده انا هتطير من الفرحة، لسه مش مصدقة المفاجأة اللي عملتهالي، اصلا فكرت كتير اطلب منك تيجي بس حسيت اني هضغط عليك وانت مشغول فسكت.. بس من جوايا اتمنيت تيجي.. 



+




ضغط أكثر على كفها الصغير بين راحته وقال:  معلش ياجوري انا عارف اني مقصر معاكي ومش بخرجك كتير ولا بنتقابل.. بس زي ما قولتي فعلا مشغول.. والحمد لله اني قدرت اعوضك بمفاجأة انهاردة وانبسطتي.. 



+




واستطرد بنبرة اكثر رقة:  وهانت يا ملاكي.. انتي وعطر هتنزلوا القاهرة معانا وتبدؤا في تجهيز عش الزوجية بتاعنا..واطمني انا مظبط الماديات مع يزيد..يعني اللي نفسك تعمليه في شقتنا اعمليه ولا يهمك.. 


_ شكرا ياحبيبي.. ربنا ما يحرمني منك ابدا..


_ ولا منك.. المهم تخلصوا بسرعة


_ ماتقلقش.. اساسا يزيد مكهرب عطر، لو اتأخرت بيهددها هيعمل الفرح والشقة ناقصة.. وبما اننا هنتجوز في يوم واحد فأكيد شقتنا هتخلص مع شقة اخويا.. 



+




واستأنفت بابتسامة رضا:  أنا فرحانة اوي يا عامر اني هسكن مع اخويا في نفس العمارة..ده مهون عليا زعلي اني هبعد عن ماما وبابا والمنصورة كلها


_ ومين قال هتبعدي؟ هنزورهم دايما وبشكل منتظم ماتقلقيش ياحبيبتي.. 



+




_ ان شاء الله.. بس عجبني اوي الاحتفال بتاع ياسين وبسمة..والله فرحتلهم اوي ياعامر.. مبسوطة ان قدرنا تفرح البنتين دول في غياب اهلهم


_ واضح انهم طيبين ويستحقوا ناس زيكم يا جوري..ربنا يسعدهم.. بس حسب ما فهمت ياسين هيتجوز قريب؟


_ ايوة لأن اختها حنين هتتجوز بسرعة وطبعا بسمة ماينفعش تعيش معاهم بعد كده..فلازم ياسين يتجوز في نفس التوقيت.. بصراحة ده افضل عشان البنات تستقر نفسيا وينسوا حزنهم أسرع.. 


_ فعلا عندك حق


_ طيب تيجي نرجع بقي؟ عشان تلحق تنام شوية وتكون مرتاح بكرة واحنا مسافرين 


_ خلاص ماشي يلا بينا.. 


________________



+




طرقت باب غرفتها قبل أن تدلف قائلة:  السلام عليكم يا طنط، إيلي قالت ان حضرتك عايزاني في حاجة قبل ما تنامي.. 


_ أيوة يا حبيبتي تعالي جمبي.. طمنيني عاملة ايه دلوقت؟ كنت شايفاكي تعبانة شوية اليومين اللي فاتوا.. 



+




تنحنحت قبل قولها: الحمد لله بخير يا طنط اطمني.. 


_ دايما بخير يا حبيبتي.. طيب قبل ما اتكلم عايزة اعرف انتي بتعتبريني زي مامتك ولا مجرد حماتك اللي دمها تقيل؟


شهقت باستنكار:  ياخبر ياطنط.. ازاي تقولي كده.. حضرتك زي ماما والله ومش بعتبرك حماتي وربنا يعلم بحبك قد ايه.. 



+




ابتسمت باطمئنان: خلاص يبقي اقدر انصحك براحتي من غير ما يكون في حساسية بنا..اسمعي يابتتي.. اتعودي دايما متقارنيش نفسك بحد..لأن كل واحد له ظروفه..واللي يحصل معاكي بسرعة ممكن مع غيرك يكون مختلف..كل واحد رزقه بيجي بمعاد.. لكن كل اللي عليكي انك تتعشمي خير في ربنا مهما اللي اتمنتيه اتأخر لأنك ماتعرفيش سبب التأخير ايه..اكيد الوقت اللي ربنا هيعطيكي فيه هيكون الافضل..وساعات بنتمنى حاجات بتكون شر لينا ومش عارفين.. يبقي الأفضل ايه؟ نرضى بكل اللي يجود به ربنا علينا ونكون واثقين انه هيجبر خاطرنا



+





        


          



                


أدركت بلقيس ما ترمي إليه وصمتت تستمع لها باهتمام: 


_ طبعا انتي فهمتي انا قصدي ايه.. طبيعي اي واحدة بتتجوز بتختزل كل أمانيها انها تكون أم..وانتي لسه بقالك شهور متجوزة.. ومش شرط تخلفي على طول زي غيرك وده مش معناه حاجة غير ان لسه ربك ما أمرش.. عايزاكي تهدي يابلقيس وماتفكريش في حاجة وتعيشي حياتك مع جوزك لأن بعد ما يكون عندك ولاد في حاجات كتير مش هتقدري تعمليها لأنك هتكوني مسؤلة وأم بإذن الله..  وصدقيني فجأة ربنا هيكرمك انتي بس صلي وادعي وتفائلي.. مش مطلوب منك اكتر من كده..فهمتيني يا بلي؟ 



+




أمسكت بلقيس كفها ولثمته باحترام ثم عانقتها قائلة:  فهمت يا طنط.. وربنا يخليكي ليا وتنصحيني دايما.. انا فعلا كنت مزوداها الفترة اللي فاتت.. بس اوعدك مش هضخم الموضوع كده تاني وهتعشم في الله خير انه يجبرني عشان افرحك انتي وظافر وأهلي كلهم.. 



+




ربتت على شعرها وصاحت: إن شاء الله ياحبيبتي..


واستطردت: طب انا شكلي فوقت ومش هنام..



+




صاخت بحماس: يبقي تنزلي تسهري معايا أنا وإيلي ياطنط.. زمزم لسه بعتالي فيديوهات حفلة كتب كتاب ياسين كلها وكنت لسه هشوفها انا وايلاف..هنظبط حبة فشار محترمين ونتفرج سوا.. 


_ هو كان انهاردة؟


_ أيوة


_ طب ليه ماروحتيش.. 


_ بصراحة محبتش اتقل على ظافر لأنه مشغول، وأصلا ياسين هيتجوز هنا قريب وكتب الكتاب ده احتفال على الضيق، تتعوض لما يعمل فدحه هنا..حتي بابا وماما قالوا كده.. 


_ وجهة نظر.. وربنا يتملله على خير.. 


وهبطت معها هدى بعد ان أفرغت نصائحها لزوجة أبنها، ودعت الله أن يسخر لابنتها من يدعمها حين تبتعد عنها وتتزوج.. 


______________



+




تابعها بترقب في مرآته الجانبية و سيارته مصطافة جوار سيارة يزيد أمامها، فوجدها تمر بينهما دون لحظة تردد أو تفكير واتجهت إليه محتلة المقعد جواره، لكن لما العجب؟.. ألم تصبح بكاملها تنتمي إليه هو؟! زهرة الجوري التي نبتت في قلبه وتشعبت حتى صارت تغزو كيانه وروحه..مكث ينظر لها بتأمل شارد جعلها تتسائل بدهشة:  ايه ياعامر واقف ليه؟ يلا اتحرك بالعربية. 



+




همس ومازال بتمعن بها: كنت فاكرك هتركبي مع يزيد في عربيته.


ابتسمت بجاذبية:  واسيبك؟؟ ثم شاكسته كعادتها:  ده بعدك ياعموري.. انت اتكلبشت فيا خلاص يا مسكين.. 


_ بحبك.. 


ابتسمت بسعادة لاعترافه المحبب ثم همست بفيض من مشاعرها لم تعد تخجل منه:  انا اللي بحبك اوي ياعامر.. ومش هنسى ابدا انك فرحتني بحضورك امبارح.. مش هنسي إن لحظة لما اشتاقتلك نديت عليك في قلبي.. لقيتك بتحاوطني بإيدك وحسيت بيا من غير ما اتكلم..



+




_ اوعدك يا جوري كل ماتحتاجيني هتلاقيني من غير ماتتكلمي، وصال قلوبنا مش هينقطع ابدا يا ملاكي..


ربتت على كفه:  ربنا مايحرمني منك ابدا.. يلا بقى اتحرك يزيد سبقنا هو وعطر.. 


أدار محرك سيارته بالفعل لتبدأ رحلة العودة للقاهرة..



+




تحدثت وهي تضع هاتفها في الحقيبة: اخوك خلاص فرحه الاسبوع الجاي؟


_ أيوة.. بالظبط بعد عشر أيام..وكده مش فاضل غيري عازب في البيت


_ هانت، يزيد قال ان شققنا متشطبة وفاضل بس الديكورات اللي عطر هتنفذها.. وبعدين نختار الغرف والمطبخ والحاجات دي.. انا اختارت موديلات حلوة اوي هوريهالك وتقولي رأيك.. 


_ انا مش فارق معايا المهم تعجبك انتي..(واستطرد) على فكرة انا عزمت في فرح اخويا يزيد وخطيبته واحمد وأمونة وطبعا ظافر وبلقيس.. 


_ تجمع ممتاز للكل.. ربنا يتممله بخير، بس تعرف انا تقريبا مش واخدة علي حد من عيلتك، هي بس اختك اللي بكلمها في التليفون.. لكن والدك ووالدتك واخوك حاسة بغربة في علاقتنا..ثم سألته بغتة:  هي مامتك بتحبني؟


ابتسم ولثم كفها:  ومين مايحبكيش يا جوجو


_ لا بجد ياعامر.. يعني هي بتقولك عني ايه؟


_ ماما شايفاكي مناسبة ليا وبنت ناس، وعارف ان علاقتكم فعلا لسه مش قوية لكن ده بسبب انك كنتي في محافظة تانية.. انما دلوقت هتتقابلوا كتير والدنيا هتتغير، ومتأكد انك هتاخدي قلبها زي ما اخدتي قلبي.. 


_ يسلملي قلبك ياعموري..خلاص هاخطف يوم انا وعطر نشتري حاجة نحضر بيها فرخ اخوك إن شاء الله .. 


_ لا انا اللي هشتريلك..في طقم شوفته وعجبني اوي هنشتريه سوا.. وهيليق علي اكسسوارات انا عملتهالك.. 


_ ماشي ياحبيبي..وعلي فكرة عايزاك لما نتجوز تعلمني الهاند ميد اللي بتعمله ده، انا حاباه جدا


_ من عيوني هعلمك كل حاجة..



+





        


          



                


جهزت له علبة عصير ووضعت بها " الشاليموه" وقدمتها له: طب يلا اشرب عصير معايا وشغل حاجة حلوة نسمعها.. 


_ ماشي يا برنسيسة. 


_____________



+




_ مبسوطة اوي، عشان اخويا ياسين.. فرحته امبارح وهو مع عروسته تساوي الدنيا كلها.. كنت فرحانة بيه اوي يايزيد اوي.. 


_ دايما يارب فرحانة يا فواحة.. بصراحة بسمة بنت حلال واختها وخطيبها شكلهم بيحبو بعض هما كمان.. الأجواء امبارح كانت جميلة فعلا..كل الناس كانت مبسوطة كأننا في موسم الحب. 



+




_ حلوة موسم الحب دي.. يمكن ده اقرب عنوان فعلا لحفلة امبارح..والفيديو اللي عمله عابد ليهم روووعة وانه يحط صور والدة ووالد بسمة وحنين في المقدمة دي لفتة في مكانها الصح.. ولا الاغنية يا يزيد تجنن.( واستأنفت بحماس) انت تعرف حكاية "المغيني"..هو وزوجته " نور" وكليباتهم؟



+




_ لا أنا اول مرة اسمعه في الكليب.. مالهم دول؟


شرعت تسرد ما لديها باستمتاع: 


هما أتنين حبو بعض واتجوزوا وماشاء الله خلفوا كمان.. المغيني من كتر ما حب مراته وراضي باللي ربنا قسمهوله.. قرر يوثق اللحظات الحلوة في حياتهم بكليبات بيغني كلماته بصوته وبدون موسيقي.. ولقطات الكليب بتكون من حياتهم فعلا.. صور فرحه وسط أصحابه ولما شافها بفستان الفرح.. بعد جوازهم وهزارهم علي البحر ورومانسيتهم وانبساطهم..ويوم ما عرف انها حامل.. ولحظات ولادتها في المشفى.. كل اللقطات دي عرضها وعمل عليها أغاني.. شباب كتير بتتابعهم وبتعتبرهم قدوة لأنهم بيشاركوا مواقف حقيقة في حياتهم، أنا بموت فيهم يا يزيد وبفضل اتخيل حياتنا زيهم كده..حياة هادية وسعيدة.. 



+




ثم نظرت إليه وهمست:  تفتكر هنكون كده بعد جوازنا أنا وانت؟ هتفضل تحبني ومبسوط معايا؟



+




لم يجيبها على الفور.. صف سيارته جانب الطريق ثم استدار بجسده إليها والتمعت عينه بألق عشق، بريقه نافس ضوء الشمس حولهما مغمغما لها بصوت حاني: 



+




أنا معرفش اللي اتكلمتي عنهم عايشين ازاي، وديزفعلا حياتهم طول الوقت أو لأ.. لكن بالنسبة ليا عارف كويس أنا بحبك قد ايه وناوي بكل طاقتي أسعدك، انتي بالنسبالي مش مجرد بنت هتجوزها.. لأ.. أنا كنت في فترة كبيرة من حياتي تايه وماشي سكة مش سكتي..وانتي كنتي قنديلي اللي حارب العتمة جوايا.. انتي فرحتي الحقيقية والنسمة اللي فاح عطرها في قلبي وملكت عقلي..انتي اللي عشت في حبها كل اتمنيته..حنيتك لهفتك غيرتك تملكك..أنا في وقت كنت فاقد الثقة اني ممكن اتحب من حد كده.. مش شايف فيا ميزة تخلي حد يحبني بشكل مختلف.. جيتي انتي وغيرتي نظرتي لنفسي لما شوفتيني بطريقتك خلتيني احب صورتي في عيونك ..انتي حبيبتي ومراتي اللي هحافظ عليها وهتفضلي ماستي الغالية.. أنا بحبك ياعطر وهبذل كل جهدي عشان تعيشي الحياة اللي تسعدك وترضيكي..



+




ثم مد أنامله ليجفف دموعها التي انهمرت متأثرة بمشاعره وطبع قبلة رقيقة على وجنتها وهي تنظر له غير مصدقة لما فاض به عليها..دائما ما كانت تظن انها تحبه أكثر.. ربما لأن عمر حبها كان بطول طفولتها وشبابها الذي تفتح عليه.. بطول عذابها وهو غارق بحب سواها وهي تراه وتتآلم.. بطول صبرها وأملها أن تحدث معجزة وتناله يوما.. ليجيء هو بلحظة گ تلك يصف لها مشاعره العظيمة ببساطة أذابتها وزلزلتها..الآن وجب عليها  إعادة حسابات القلب لتنصفه.. هي تعشقه.. 


لكنه صار يعشقها أكثر.. 


_________________



+





        


          



                


قدميها ثقيلة بثقل فاجعتها وهي تبصر ابنتها راقدة على فراش أبيض، تحوطها أنابيب رفيعة تمدها بالغذاء..والحروق التي شوهت جلد ذراعها وكتفها جلية بشكل مفزع لعين محبة مثلها، كادت تسقط بالفعل لولا ذراع رائد القوية تلقفتها وهو يهمس ضاخًا بكلماته في نفسها سيلا من القوة:  افتكري اللي قولته أرجوكي.. رودي المرة دي محتاجاكي بجد.. هتخزليها تاني وتسبيها لوحدها؟



+




اشتدت أناملها الضعيفة المجعدة متعلقة "بساعده" مستمدة منه قوة وعزم وهي تصلب عودها بقدر استطاعتها، مفتتة سحابة دموعها..تقر له بنظرة صامدة نبعت من داخلها: مش هسيبها تاني.. مش هخذلها.. بنتي هتصحى تلاقيني معاها..اللي جمعني بيها تاني هيقويني اتحمل اشوفها كده من غير ما انهار.. 



+




ربت على ظهرها بدعم حاني ثم تركها تتقدم تجاه فراش تيماء بمفردها وغادر مفسحا المجال للقاء سيكون  له ما بعده.. هكذا ينبئه حدسه..زوجته ليست غائبة عن الوعي كما تبدو.. هي تشعر بهم.. تراهم في حدود عالمها الوهمي..ويعرف كيف سيحطم أسواره لينتفض جسدها بالحياة من جديد وتعود بينهم وتواجهه الدنيا بشجاعة وتقبل لكل شيء.. 


………… ..



+




_ ينفع أنا كمان اشوف اختي ياعمو؟


رمقها بشفقة.. كيف يترك صغيرة مثلها تراها بهذا الشكل..لما يعرضها لموقف عصيب على طفولتها..؟


_ أوعدك ياضي لما تفوق هتشوفيها.. هي دلوقت في لسه في العناية للأسف والزيارة فيها محدودة.. وماما معاها دلوقت.. انتي خليكي بعدين.. 



+




وكأن فطرتها شعرت بخبايا نفسه فقالت:  متخافش عليا ياعمو انا مش صغيرة.. أنا هقدر اتحمل اشوفها من غير ما اعيط.. بس نفسي اقولها كلام مهم..عايزة اقولها اني بحبها اوي ونفسي ترجع بسرعة، معرفش هتسمعني ولا لأ.. بس حاسة انها هتسمعني..أرجوك ياعمو اديني فرصة اشوف اختي واكلمها.. 



+




نظر لها ولأول مرة ينتبه لخاطر ما..لما يفترض ان تأثير والدتها هو الأهم..لما لا تكن تلك الصغيرة مفتاح شفرة جديدة في نفس زوجته؟ ربما هي وسيلة فعالة أجثر مما يجب ويستهين بها ولا يدركها حق قدرها..فليدع لها مجالا هي الأخري.. تيماء تحتاج كل يدٍ حانية تربت على روحها وتعيد لها ثقتها بهذا العالم.. 



+




_ حاضر يا ضي..


……………


_ حقك عليا يا نور عيني.. سامحيني يابنتي.. سامحيني لأني فعلا فكرت في نفسي وبس زي ما ابوكي عمل ونسيناكي وسطينا.. جبناكي للدنيا وسبناكي لوحدتك وجوعك لحبنا حواليكي.. شوفتك بتبعدي ووقفت اتفرج وريحت ضميري وقلت انتي عايزة كدة خليكي براحتك.. قلت في نفسي اخواتك الصغيرين أولي برعايتي منك.. قلت عندك كل حاجة وبتدلعي..قلت مش ناقصك حاجة.. ماقدرتش افهم ان كان ناقصك اهم حاجة في الدنيا..كان ناقصك حضني الحنين وأمان ابوكي.. 



+




وازدادت وتيرة بكائها وهي تواصل جلد ذاتها بكلمات مرتجفة: 



+




_ ماكنتش اعرف ان الراجل اللي اتجوزته آذاكي وهو السبب اللي خلاكي تبعدي عني وانا غبية مافهمتش ولا حسيت بيكي.. سامحيني ياضنايا وارجعي لحضني.. ارجعي خليني اعوضك في اللي باقيلي من عمري.. ارجعي عشان اقولك ازاي كنت بحبك رغم تقصيري وبعدي.. ارجعي عشان احكيلك حكاية حلوة زي ما كنت بعمل وانتي صغيرة..( ثم جففت دموعها لترى محياها الشاحب وتحزن ثم واصلت بمرارة وهي تبتسم ابتسامة خارج نطاق العقل تلك اللحظة) فاكرة يا روح ماما الحواديت اللي كنت بحكيهالك زمان؟..


تحبي احكيلك حدوتة منهم؟


خلاص هحكيلك..أنا عارفة انك سامعاني.. 


وبدأت حكايتها وحروفها تتكسر بوجع وتقطر ندم: 


گ..كان.. يا مكان.. يا سعد.. يا.. إگ ..كرام.. ولا يحلى الكلام.. إلا بذكر النبي عليه.. الصلاة والسلام! 



+




وانفجرت في البكاء..!


ماذا تقص لها؟ 


حدوتة أمنا الغولة؟


هل تقص لها كيف استعادة الأم صغارها من سجن الغولة؟ 


أم حدوتة الدجاجة وصغارها والذئب؟


وكيف استعادت الأم أبنائها من عرينه! 


ما ستقصه لها سيدينها أكثر


هي لم تكن بشجاعة الأولى هذه ولا بذكاء الثانية


هي تركت ابنتها لذئاب الوحدة والحرمان يفترسانها


لم تحميها من الغول الذي أراد نيلها صغيرة


لم تحميها من شيء بل لامتها


أي أم هي؟


أي أم؟



+




"على" صوت نواحها المكتوم


وانكفأ رأسها جوار رأس تيماء الساكن..


ووجه الأخيرة مازال شاحب گ الموتى


لكن ماذا عن تلك الدمعة الزاحفة جانب عينيها؟


ماذا عن حركة أناملهم القصيرة گ طرفة عين؟


الموتى لا يبكون..ولا تتحرك أناملهم


فقط الأحياء تفعل.. 


وتيماء فعلتها.. 


ولم تدري تلك الباكية بشيء! 


_______________



+




السادس والخمسون من هنا


الأقسامروايات شيقة


مقالات قد تهمك


عرض المزيد


روايات شيقة


منذ بضع ساعات


رواية جحيم الديب كامله ( جميع الفصول ) بقلم مينو


روايات شيقة


منذ بضع ساعات


رواية جحيم الديب كامله وحصريه بقلم مينو


روايات شيقة


منذ بضع ساعات


رواية جحيم الديب الفصل الثاني 2 بقلم مينو


روايات شيقة


منذ بضع ساعات


رواية جحيم الديب الفصل الثالث 3 بقلم مينو


روايات شيقة


منذ بضع ساعات


رواية ظلمات آل نعمان الفصل الثالث 3 بقلم لادو غنيم...


روايات شيقة


منذ بضع ساعات


رواية اغتصب روحي الفصل السابع عشر17 بقلم منال كريم


تعليقات


إرسال تعليق


ads


 جميع الحقوق محفوظة ©مدونة مكتبة حـــواء




مدونة مكتبة حـــواء


اخر الروايات


رواية العشق فتنه هارون وفتنه كامله ( جميع الفصول )...


رواية العشق فتنه هارون وفتنه كامله وحصريه بقلم زهرة الربيع...


رواية العشق فتنه هارون وفتنه الفصل الثاني 2 بقلم زهرة...


رواية العشق فتنه هارون وفتنه الفصل الثالث 3 بقلم زهرة...


رواية العشق فتنه هارون وفتنه الفصل الرابع 4 بقلم زهرة...


رواية العشق فتنه هارون وفتنه الفصل الخامس 5 والاخير بقلم...


رواية جحيم الديب كامله ( جميع الفصول ) بقلم مينو


رواية جحيم الديب كامله وحصريه بقلم مينو


رواية جحيم الديب الفصل الثاني 2 بقلم مينو


رواية جحيم الديب الفصل الثالث 3 بقلم مينو


روايات شيقة


0


رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السادس والخمسون 56 بقلم دفنا عمر


kayla


اخر تحديث : منذ بضع ايام 


44 دقائق للقراءة


رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السادس والخمسون 56 بقلم دفنا عمر




                                    


الفصل السادس والخمسون


-----------------------


لا تهتمي لحديث المرايا حبيبتي.. 


بدلي وجوهها المكسورة بعيني.. 


فيهما ستَرينَ كم أنتي جميلة.. 


لا تصدقي أفواهها القبيحة.. 


هي كاذبة وتحتال عليكي.. 


------------


منذ أن سجلت الأجهزة المتصلة بجسدها استجابتها الملحوظة يوم زيارة والدتها وشقيقتها الصغرى مع طفلتها رحمة.. ومؤشر احتمالية الإفاقة المرتقبة بين لحظة وأخرى يعلو.. وكم كان رهان زوجها رابح..فاستجابة تيماء الحقيقية أتت بعد زيارتهم مع صغيرتهما..استشعارها وجود الجميع حولها كفيل بجعلها تقاوم أصفاد عالمها لتتحرر من عزوفها عن الحياة بعد أن وجدت لروحها البائسة مآوى أخر..حبيبها هنا معها، تسمع صوته وتشعر بأنفاسه، والدتها الباكية النادمة وهي تهمس لها بما تمنت أن تسمعه طيلة السنوات الماضية.." ضي" شقيقتها البريئة التي تمنت يوما أن تحظى بمثل  نقائها.. وأخيرا والأهم طفلتها التي لقنها رائد كيف تكرر كلمة ماما لتُطرب أذانها..كيف لها أن تقاوم تلك الإغراءات كي تعود؟


ألم تعاني الوحدة من قبل؟


ألم تشتكي فقر الدفء وسط عائلة تحبها؟


ها هم ماكثين حولها ولا يتركوها.. 



+




وبخضم خواطرها التي تدور في ذهنها كان هو بالقرب  يحتوي كفها ويحدثها بصوت هاديء گ عادته


غزا همسه خلاياها بتأثير فاق العقار الذي يتدفق بوريدها.. 


صدرت حركة طفيفة من أهدابها ..ثم سكنت..وعادت ثانيا،


أهدابها تحاول الانفصال لتراه.. تقاوم باستماتة..شعاع نور ساطع هاجمها ما أن شرعت نافذة عينيها.. فأسبلتهما ثم عادت تحاول..وهو يراقبها بذهول..زوجته قررت إنهاء عزلتها.. عقلها وروحها أخيرا استجابوا لنداءه.. 


صاح ليدعمها: 



+




_ فتحي عيونك ياحبيبتي.. حبيبك رائد اهو معاكي.. خلاص مش هسيبك تاني ابدا.. فتحي عيونك النور مش هيآذيكي، الضلمة هي اللي هتتعبك وتسرق عمرك..لكن النور هيرجعك للحياة.. فتحي عيونك عشان تشوفي بنتنا رحمة.. عشان تشوفيني وتتأكدي اني معاكي..أنا ماسك ايدك.. حاسة بيا؟ عارف انك حاسة ومشتاقة ليا.. 



+




المعافرة مع كلماته المحفزة لعقلها أثمرت


بدا لها وجهه غائما.. مهتزا..


لكن كلما حاولت التأقلم على الضوء اتضحت ملامحه..


رائد حبيبها هنا


يحدثها


يلثم سائر وجهها ويبكي


يرفع رأسها ويقربه له


تستقبل عيناها أخيرا محياه الحبيب بوضوح


وهمستها الأولى رغم وهنها كانت أكثر من كافية


لتعيد لقلبه الخفقان.. 


كافية لترسم ابتسامة على شفتيه


سرعان ماتحولت لبكاء من الفرحة


تيماء تبصره الآن بمقلتيها السوداء


تهمس بأسمه


زوجته عادت للحياة


عادت ليكتمل بها نقصه.. 


لينتهي ضياعه وتعود روحه لجسده


عادت لتحبو على أرض قلبه من جديد


لتفرض وجودها بين جدران الروح


وتتربع على عرشه


عادت الغائبة! 


_____________



+




وقف يستمع للطبيب وهو يملي عليه نصائحه قبل أن يغادر بها: عايزك تفهم وتقدر كويس ان المدام بتاعتك ممكن تمر بحالة اكتئاب طويلة بسبب الحروق اللي في جسمها.. توقع انها تتعصب بشكل مبالغ فيه او تبكي فجأة او تنطوي على نفسها وتعتزل الناس.. لازم تكون مستعد گ زوج إنك تحتوي تقلبات حالتها النفسية لأن مش بإرادتها.. وطبعا متابعتها مع طبيب نفسي متخصص ده شيء مفروغ منه.. 



+





             


تلقي تعليماته بهدوء وداخله يعلم ماذا يفعل..زوجته لن تعاني اكتئاب كما يظن طبيبها..هو لن يترك لها فرصة لتسقط في هوة أخري تسحب البقية من العمر


الذي وهبها الله لها من جديد لتصلح ما أفسدته، وتستعد حقا للقائه وهي تائبة مكفرة عما اقترفته يداها.. وهو معاها.. كما شاطرها الذنب ، سيشاركها التكفير عنه.. ويثق ثقة تامة في ربه انه سيعينه.. 


-------------------



+




انقلبت حياتها رأسا علي عقب منذ عادت لمنزلها التي تركته يومًا محطمة الروح، الجميع يغدق عليها باهتمام وحنان ما تذوقته قبلا بهذا الكم.. والدتها التي مكثت معها وتعاملها گ طفلة صغيرة..تحتضنها ليلا وتقص لها قصصا قديما.. كأن بحكاياها تريد ان تعيد الزمن لعهد طفولتها، تخبرها مرارا انها تحبها.. كم ساحرة تلك الكلمة.. مجرد كلمة أذابت سدود الجفاء داخلها ورممت جدران روحها المشقوقة وزرعت ألف نبتة أمل في قلبها المعلول..



+




أما ابنتها لم تخفت ضحكتها وهمهمتها المحببة وهي تتلعثم في الكلمات المنقوصة وتنادي عليها ماما..وأقصى ما تستطيعه الآن ابتسامة، فمازالت مبعثرة.. خائفة.. لا تصدق انها حقا نجت.. وانها بينهم حية.. وزوجها الذي ظنته يبغضها يغرقها بحنانه واحتوائه كما لم يفعل..


يقبلها بنكهة شكر كل صباح.. يخبرها أنها جميلة


ويالا عجبها من تلك الكلمة الآن


كيف يراها جميلة؟ 


كيف وقد تشوه جمالها وصارت تخاف النظر في المرآة.. تخاف أن يرى من جسدها المحترق شيء فيشمئز منها ويزهدها.. 



+




_ صباح الخير يا تيمو.. 



+




قاطع بدخوله صوت تخاطر ذهنها الخفي، وتبعته حدقتيها وهو يدنو منها ثم عانقها مقبلا إياها.. 


لم يقبل شفتيها أو رأسها او حتى عيناها كما توقعت


قبلته نُقشت برفق شديد على جانب عنقها المشوة


فانتفضت مشمئزة له سلفا.. كيف يلثم هذا الجلد؟


ألا يستاء قبحها وهو كان صائد الجميلات؟


ألا ينفر منها؟ 


أم لم يبقي بينهما سوي الشفقة؟


لن تستعيد حبه أذا ولن تنال إلا شفقته


أغرورقت عيناها بتأثير خواطرها


لكن لم يخفي عليه طبيعة أفكارها


يعلم علتها ويعرف أين يكمن الترياق .. 



+




_تعالي معايا يا تيماء! 



+




نهضت معه بوهن ورأس مطرق وعين دامعة، فأوقفها أمام المرآة ومكث يطالعها برهة ثم غمغم بأذنيها: 


عارفة مين دول في صورتهم في المراية؟


دول مش رائد وتيماء اللي كانوا غرقانين في الوحل..


‏لأ.. دول اتنين تانين لسه هيبتدوا حياتهم سوا مع بنتهم .. دول اللي ربنا منحهم فرصة تاني.واتقبل توبتهم ومد لهم العون.. 



+




عاد يقبل كتفها المحترق فانتفضت ثانيا، ليعود ويهمس: التشوه الحقيقي والأصعب هو اللي كان في أرواحنا ياتيماء..اللي في جسمك ده في نظري هو جمالك الحقيقي.. ده دليلي انك ندمتي وحاولتي تتغيري..صحيح كانت خطوتك غلط بس ربنا نجاكي عشان لسه بيحبك.. 



+




_ بيحبني؟؟



+




ابتسم وهو يدير جسدها إليه قائلا: 


طبعا، ربنا بيحبنا اوي بس احنا اللي مش فاهمين ولا حاسين.. أنا وانتي كنا ممكن نفضل على ضلالنا وما نتغيرش.. لكن العكس حصلنا.. دي الرسالة اللي لازم تستوعبيها كويس.. ومن انهاردة.. من اللحظة دي مافيش يأس وحزن تاني.. في أمل.. في عزيمة نعوض بيها اللي فات.. فرصة اتولدت لينا عشان نملى صحيفتنا باللي يشفعلنا يوم القيامة.. وغير كل ده في عيلتنا الجديدة اللي كبرت ولسه هتكبر..العزوة اللي حلمتي بيها مش طول عمرك وانتي بتقاسي وحدتك؟ دلوقت خلاص.. أنا موجود مش هسيبك.. والدتك واختك ضي وبنتنا..حتى اخواتك التانين هساعدك تصلحي علاقتك بيهم.. صدقيني الجاي يستاهل انك تقفي على رجلك تاني وترمي اللي فات ورى ضهرك. 



+





        



          



                


غمس رأسها بصدره فبكت فرحا


الدنيا تفتح ذراعيها من جديد وتعانقها


تعيد لها كل ما سلبته منها قبلا


تعيد لها عمرا ظنته انقضى وفات قطاره


لكنه لم يفت بعد


مازالت هنا معهم تتلقي عطاياهم


وكل خلية بها تهمس شكر لله..


شكر تستشعره بكل ذرة فيها.. تتلذذ به..


يغمرها سلام نفسي بمداق عجيب وجديد على امرأة بتاريخها.. 



+




_ انهاردة هتفطري مع الكل.. هتلعبي مع رحمة..هتتكلمي مع أمك وضي.. اتفقنا يا تيمو؟



+




شملته بنظرة مغموسة بالعشق الذي يجتاحها نحوه ثم أومأت له بطاعة.. إن كان يمد لها طوقًا ينتشلها من الغرق.. فلن تُضيع محاولته هباءً منثورًا.. 



+




_ وبلقيس! 



+




احتل وجه الأخيرة صفحة عقلها بغتة فسألته تترجى منه إجابة تُريحها، مواصلة بحزن: تفتكر في أمل تسامحنا لو حاولنا اننا نعتذر لها… .



+




_ لأ


حدجته بإحباط، ليواصل:  


معتقدش تسامحنا ابدا علي غلطتنا البشع في حقها..أحنا لو ظهرنا تاني في حياتها هنأذيها أكتر ونزود ذنبها في رقبتنا.. هي دلوقت غير مؤهلنا تتقبل مننا أسف..ده غير أنها استقرت وربنا حماها من شرنا وعوضها بحياة تانية.. مافيش اي معني اننا بخطوة مش محسوبة نروح لعندها ونقولها سامحينا ونتوقع بسذاجة شديدة انها تقولنا سامحتكم..أحنا دمرناها ياتيماء دمرناها وكنا هنضيعها ونقتل فيها كل حاجة..بلقيس مش هتنسى بالساهل.. مستحيل.. 



+




انعكست سحابة حزن وخزي بعيناها، فاستطرد وهو يربت على وجنتها:  لكن ده مش معناه اننا نيأس..  هنفضل نستغفر وندعي ربنا هو اللي يصنع جسر بنا وبينها في يوم من الايام..يمكن في وقت تاني تقدر تسامح.. المهم اننا ندمنا وأخلصنا في التوبة.. 


والباقي بعد كده سيبيه لربنا يدبره لينا وماتفكريش فيه.. فكري بس ازاي نبني حياتنا ونربي بنتنا صح مع اللي بيحبونا.. اتفقنا؟



+




ابتسمت وهي تتشرب ملامحه براحة وشوق:


اتفقنا.. المهم انت ماتسبنيش تاني يا رائد.. مهما حصل أوعي تبعد..


_ مستحيل.. أوعدك مش هتخلى عنك ابدا


_____________



+




_ نموسيتك كحلي.. كل ده نوم؟


تثائبت وقالت وهي تتمطى:  صباح تقل الدم..مش كنا سهرانين كلنا امبارح في فرح اخو عامر يابنتي! 


_ بس رجعنا "اتناشر" بالليل ومتفقة معاكي نتقابل في عمارتنا الساعة "عشرة" عشان نشوف اللي ورانا ونختار قماش وألوان الستاير وحاجات تانية؟



+




تثائبت ثانيا مع قولها:  خلاص بطلي ندب احنا لسه الضهر.. هقوم اخد حمام وافوق واجيلك.. ساعة زمن وابقي عندك.. 


_ماشي اما اشوف اخرتها مع مواعيدك دي ..



+




وأغلقت معها وقبل أن تغادر فراشها، صدح رنين أخر لترد سريعا:  صباح الخير يا عامر


_ صباح العسل يا جوجو.. لقيتك مش صبحتي زي عوايدك قلت اتصل اطمن عليكي.. 


_ معلش لسه صاحية علي مكالمة عطر واخدت دش تهزييء محترم منها عشان كنا المفروض نتقابل في شقتنا قبل الضهر بساعتين.. 


ابتسم وقال: معلش، ماهو اليوم بيعدي بسرعة ومحتاجين ننجز شوية عشان نحدد انا والغلبان اخوكي فرحنا ونتجوز.. 


_ ماهو اخويا مكهربها عشان تخلص بسرعة.. تقوم مدورة عليا أنا ومكهرباني.. للأسف ماليش شخصية خالص مع البت دي يا عموري.. 


قهقهة وقال:  لا ياروحي ما تقوليش كده علي نفسك انتي جميلة وطيوبة.. المهم طمنيني انبسطي في الفرح امبارح؟ كنت شايفك مندمجة مع اهلي وقربتي منهم اكتر


_ اه والله كانت فرصة اتعرف عليهم.. في ناس اول مرة اشوفها وتشوفني..وعلي فكرة مرات اخوك كانت زي القمر وكيوت اوي وفستاتها يهبل



+





        


          



                


_ عقبالنا يا روح قلبي اما نكون في الكوشة قولي امين


_ امين امين.. 


واستطردت: تعرف ياعامر ساعات بشطح باحلامي كده واتخيل نفسي في عصر تاني.. لما كانت العروسة تركب هودج ملكي وفخم كده فوق جمل ماشي بيها لحد ما توصل لعريسها.. 



+




_ هودج؟؟ انتي بتحلمي أحلام غريبة


_ بقولك بتخيل..هو انا قولتلك هاتلي جمل وزفني عليه؟


ثم شهقت بغتة وهي تقطع استرسالها معه: عامر الساعة عدت "اتناشر ونص" وانا وعدت المجنونة عطر نتقابل على الساعة "واحدة".. لو اتأخرت عليها تاني وربنا هي اللي هتنفخني.. انت ماتعرفهاش دي جبارة .



+




ضحك من قلبه وهو يتصور هيئتها المرتبكة وقال:  طب خلاص الحقي نفسك، وابقي طمنيني عليكي اول ماتفضي.. سلام ياقلبي


_ ماشي سلام ياعمور


____________



+




_ هعملك محشي! 


صاح بحماس:  واااو.. ده اول اختبار حقيقي لزوجتي المصون في المطبخ..مشتاق ادوقه من ايدك.. 



+




ابتسمت بطيف خجل لم تتحرر منه بعد:  بس يارب انستر قدامك ويعجبك.. بصراحة يعني انا ماليش في المطبخ، كنا بنسيب موضوع الاكل ده لماما الله يرحمها، بس لما حنين اتخطبت ابتدت ماما تضغط عليها تتعلم عشان تدوق خطيبها أكلها اما يزورها.. لكن انا فضلت مركونة على جنب في القصة دي.. 



+




غمرته الراحة لسلاستها معه في الحديث وهي تقص له بأرياحية مقتطفات من حياتها بين حين وأخر.. ليست مقتضبة معه گ السابق، خاصتًا بعد اعترافها الخاطف الرائع في الهاتف أنها تحبه ثم حفل عقد قرانهما وسهرتهما المميزة في الباخرة النيلية..لم تعد تخفي بريق فضيتيها عنه حين يلتقيا، أصبحت سخية نوعا ما في إظهار مشاعرها نحوه بقدر يروي القليل من ظمأ عاطفته التي تستفحل نحوها مع كل يوم جديد..بسمتها لم تعد شحيحة علي شفتيها..رسائلها الرقيقة صباحا الممتزجة بدعوات صادقة صار إدمانه وهي تختم رسالتها بكلمة " حبيبي"..إنجاز حصده معها في تلك المدة القصيرة من عمر قصتهما التي لم تبدأ بعد..هو يخبيء لها الكثير من الحب والسعادة..بسمته تستحق ما يدخره لها!



+




_ ياسين..انت معايا؟ بقولك عبد الرحمن كلمك؟


أفاق من شروده على صوتها:  معاكي اهو.. أيوة كلمني.. تقصدي يعني بخصوص عزومتهم لينا الأسبوع الجاي؟


_أيوة.. والده ووالدته عاملين عزومة لينا ولأهلك كمان معانا.. وهو قال هيتصل يعرفك..ثم تسائلت بتردد: هتيجوا؟ 


قال بحسم: وليه لأ؟! انتي عندك شك اننا نقبل عزومة عبد الرحمن؟


_ مش قصدي بس… 


_ بس ايه؟ أنا عرفت بابا وماما ورحبوا جدا.. بس عطر طبعا مش هتقدر تيجي، انتي عارفة هي وجوري نزلوا القاهرة بيحضروا الشقق بتاعتهم عشان فرحهم قرب


_ ربنا يتمملهم علي خير يارب.. 


واستطردت وهي تشرأب بعنقها تتفقد أحدهم: طيب معلش هسيبك دلوقت وهروح لياسين مختفي من قدامي بقالوا شوية عايزة اطمن عليه.. 


_ ماشي ياحبيبتي.. بوسيه على ما اجي بكرة، انا عامله مفاجأة هيحبها اوي.. 


_ مفاجئة ايه؟ 


ابتسم ضاحكا: الفضول صفة مشتركة فيكم يا معشر البنات الجميلات


ابتسمت وهي تتراجع عن فضولها العفوي:  خلاص بلاش نستني لبكره وهعرف ايه المفاجأة.. 


_ طيب مش عايزة تقوليلي حاجة قبل ما اقفل؟ 


_ عايزة اقولك ان كل يوم بدعيلك في صلاتي ان يحفظك ليا ويقدرني اسعدك


تنهد بصوت وصل إليها ثم تمتم برقة: أنا متأكد من كده.. بس انتي خبيثة ما قولتيش اللي كنت عايز اسمعه.. 


صمتت برهة تجمع شتاتها ولا تعرف لما يتجدد خجلها اللعين كلما أرادت قولها.. لكنها حسمت أمرها وهي تهمس: 


_ بحبك.. 


أغمض عيناه يرتشف اعترافها الذي لا يمله بروحه ثم فاض عليها بمثله:  وانا بحبك وبموت فيكي..


________________



+





        


          



                


_ حنين أنا خايفة الأكل يطلع وحش


_ يابنتي ايه هيطلعه وحش بس؟ اقسم بالله الريحة تهبل.. ماما الله يرحمها كانت دايما تقول الطبخة اللي ريحتها حلوة بيبقي طعمها كمان حلو.. المهم روحي بقي اجهزي جوزك علي وصول.. 


_ على أساس ان جوزك انتي كمان مش جاي معاه؟


_ انا مخطوبة من زمان ومريت بمواقف من دي كتير لسه انتي مش مريتي بيها.. يعني عبده داق أكلي وعزمناه كتير.. لكن بالنسبالك انتي أول مرة تعزمي ياسين وتدوقيه أكلك.. عشان كده أنتي وعريسك نجوم اليوم وانا عبده الكومبارس اللي هنخدم عليكم يا اختي ياحبيبتي.. 



+




_ ما شاء الله!  ايه العقل والحكمة والعمق ده كله ياحنة.. 


_ هعمل ايه لازم ابقي عاقلة انهاردة لأني بعتبر نفسي مكان ماما اللي… ..



+




أوقفتها غصة حزن ظهر مثلها على وجه بسمة، لكنها لفظتها قائلة:  حنين.. بلاش نفتح في العياط دلوقت.. الرجالة على وصول.. بدال مايجوا يلاقوا وشنا كئيب ونفسهم تتسد عن المحشي اللي انا تعبت فيه.. 



+




ضحكت وهي تمسح دمعة خائنة وهتفت: لا ماتقلقيش، يلا ظبطي نفسك وانا هشوف اخوكي واجهزه قبل ما حد منهم يجي.. 


……… .


وصل الضيفان ورحبت بهما بسمة وحنين ثم


تفاجؤا بتابلت أحضره ياسين لشقيقهم الذي تفاعل مع هديته المميزة بفرحة واضحة والأول يستعرض له الألعاب التي تناسب من في عمره.. وظل ثلاثتهم يتشاركون اللعب..بينما الفتاتان يقومان بتجهيز مائدة الطعام.. 



+




بعد وقت قصير التف جميعهم حول طاولة طعام صغيرة ابتاعتها بسمة.. فصاح عبد الرحمن مشاكسا: 


بما إن دي أول مرة عروستنا تطبخ فأنا هقول رأيي بصراحة وبدون زعل؟


حنين:  هتنبهر ياعبده


_ المهم ياسين اللي ينبهر.. لأن المسكين اللي هيدبس لو أكل أختك طلع وحش.. 


رفعت بسمة حاجبيها كأنها تتوعده:  بقي كده؟؟ ماشي اتريق عليا عشان اول مرة اطبخ.. 



+




ياسين مدافعا:  أنا متأكد ان الأكل حلو.. ريحته باينة.. 


صاحت تشكره بمسحة مزاح:  الله يجبر خاطرك يا أصيل.. 


بدأ الجميع تناول الطعام بعد أن تأكدت بسمة أن الأصناف كافية ومكتملة أمام كل فرد..ولم تتذوق شيء مترقبة رد فعلا ياسين الذي راح يلوك أصبع محشي ساخن بتعبير حيرها..فأطرقت رأسها تنظر لطبقها وهي تستعد نفسيا لقوله ان طعامها لم يروقه..فصاح زوج شقيقتها:  ياسين.. هتقول الحقيقة ولا هتجامل مراتك؟.. انا عن نفسي ماعنديش استعداد اكدب.. 


حنين وهي تجز على أسنانها وتنظر له بتوعد مبطن بينما الأخرى غرقت ملامحها بإحباط حقيقي مستنبضة رأيه، فصاح عبد الرحمن لحنين ردا لنظرتها الزاجرة: 


_ لا مش بتهدد على فكرة.. الأكل بتاع أختك



+




_ تحفة! 


"أنصفها" ياسين بمدحه مقاطعا الأخر مواصلا تحت أنظارها التي تترصده بلهفة: 


بجد أكلك تحفة.. محشي مشطشط زي ما بحبوا.. والفراخ المشوية طعمها يجنن والرقاق مقرمش زي ما بفضله بالظبط..



+




ثم نهض من مقعد ليتم ثنائه ويكافأها أما الجميع بقبلة رقيقة في جبهتها وهو يقول:  تسلم ايدك ياحبيبتي! 



+





        


          



                


نيران من الخجل أُضرمت بها واشتعلت وجنتيها حمرة ناكسة رأسها لا تدري ماذا تقول بعد فعلته أمام شقيقتها وزوجها، ليطلق الأخير صفير مشجع ومشاغب وحنين تصفق معه صائحة:  يعيش ياسين يعيش جوز اختي.. ثم نكزت كتف عبد الرحمن بخفة قائلة: فضلت تغيظها وياسين اهو نصفها والأكل عجبه بالعند فيك.. 


قال بمزاح: طب وهو المسكين يقدر يقول غير كده ولا يعترض؟ لازم يتعلم يجامل مراته عشان سلامته.. 


_ لا يا ذكي انا فعلا عجبني أكل مراتي، اطلع انت منها.. 


عبده: بس أنا معجبنيش ومعترض ان حنين مش طبخت انهاردة.. 



+




عادت تنكز كتفه:  بطل تغلس على اختي بقي.. مش شايفها مكسوفة ازاي يا رخم؟


_ يعني أكدب واروح النار عشان تتبسطي يا حنين هانم؟ 


_ طب بذمتك الأكل مش عجبك؟؟



+




صمت ونظر لبسمة قاصد اللعب بأعصابها ثم قال: 


طب أقسم بالله الأكل تحفة.. وأحلى من أكل اختك.. 


شهقت حنين من تبدل موقفه ونقدها هي..وضحكت بسمة هاتفة:  مافيش فايدة ياعبد الرحمن. ولازم توقع نفسك مع واحدة فينا..



+




أما حنين وبخته قائلة:  يخربيت العك.. يعني اكلي وحش دلوقت يا استاذ؟ طب ماشي.. ماتلومنيش بقى على اللي هعمله فيك! 


_ أوعي تتهوري وتحطي شطة في القهوة وتاخدي بنصيحة اختي الهبلة.. عليا النعمة هتحول معاكي.. 


_ طب ابقي وريني هتعمل ايه لما تتحول يا عنتر..



+




تابع ياسين وبسمة جدالهم الممتع ومازالت الأولى يعتريها الخجل من أثر قبلته فوق الحبين، فربت على كفها وهو يغمزها بعينيه، فضحكت بخفوت، فقال عبد الرحمن:  اتفضلي ياستي.. انا وانتي بنتخانق والبيه عمال يهزر ما اختك ولا كأننا موجودين.. 


حنين بنفاذ صبر:  بقولك ايه ياعبده.. انت شبعت ولا لسه؟


_ لأ لسه.. ليه؟



+




جذبته من ذراعه بعد أن أعدت له طبق يحوي كل الأصناف وقالت: طب تعالى ياعمري كمل أكلك في البلكونة خلي اختي وخطيبها يعرفوا ياكلوا اللقمة براحتهم.. 



+




وتبعها مستسلما وهو يبرطم بكلمات مازحة، فهتف ياسين:  ماكنتش اعرف انهم مجانين كده.. 


_ انت لسه شوفت حاجة.. اختي كانت مجنناه اساسا ومش بيبطلوا نقار.. وكل اسبوع كان لازم عبده يصالحها بخروجة ترجع منها ماسكة وردة في ايدها وهي بتقول فيه شعر.. ويومين بالعدد وتبتدي موجة جنان وخصام جديدة بينهم.. 



+




_ ربنا يسعدهم.. ورى كل نقارهم ده حب كبير واضح جدا جدا.. 


_ اللهم امين.. فعلا حبهم مميز..


واستطردت وهي تشير بعينيها:  يلا كمل أكلك بقى



+




شرع بتمزيق قطعة من لحم الدجاج ثم وجهها لفمها هي، فتناولتها على استحياء وهو يواصل: يبقي تاكلي معايا.. أنا مراقبك. وتقريبا ما دوقتيش حاجة خالص من الأكل



+




قالت بعد مضغ الطعام وابتلاعه:  بصراحة كنت قلقانة ومستنية اعرف رأيك في الأكل..هو بجد عجبك يا ياسين ولا بتجاملني؟ 


حاول توجيه قطعة لحم أخرى لفمها، فأسرعت هي تدسها في فمه قائلة:  انت هتفضل تأكلني ومش هتاكل؟ أنا هاكل معاك اهو.. 



+





        


          



                


لم تنتبه أن يدها مازالت قابضة على كفه الممسك بالشوكة الفضية، فلثمها لتسحبها هي سريعا هامسة:  ياسين..خد بالك حد يشوفنا هتكسف والله.. 


_متخافيش، أختك وخطيبها قصدوا يسيبونا لوحدنا



+




نظرت تجاه الشرفة لتطمئن ان لا أحدا يراهما ثم فاجأته وهي تلتقط إصبع محشي وتدسه في فمه مثلما فعل معها لترد له لفتته الحانية ..فليته يعلم أن فعلته البسيطة تلك تركت في نفسها أثرا عظيم الأثر..حلق سعيدا لتجاوبها معه وقال:  قريب أوي هنكون في بيتنا لوحدينا ومش هتخافي حد يشوفك.. وبخصوص اني بجاملك والله ما بكدب.. الأكل جميل وشهي جدا.. تسلم ايدك يا بسمتي.. 


ابتسمت برضا:  بألف هنا علّ قلبك..


……………… 



+




عادت حنين للشرفة بعد أن تفقدت أخيها بغرفته! 


_ يعني مافيش غير البلكونة نقعد فيها؟ كل ده عشان تسيبي اختك وخطيبها براحتهم واتحرق أنا ومعرفش امسك حتى ايدك زي الناس..



+




ضحكت بدلال:  معلش بقى ياعبده..أنا وانت أخدنا فرص كتير نعبر فيها لبعض عن مشاعرنا.. انما بسمة وياسين كل حاجة تمت معاهم بسرعة.. من حقهم نبديهم علينا انهاردة عشان ياخدوا على بعض أكتر.. 



+




ابتسم وهو يتأملها بحب ثم ضغط على يدها وغمغم: بس أنا مش بشبع من إعلان مشاعري ابدا.. عايز طول الوقت اقولك اني بحبك ياحنين.. مش مصدق اننا خلاص كتبنا الكتاب وبقيتي حلالي..فاكرة لما كنت عايز ده يحصل اول خطوبتنا وانتي رفضتي.. 



+




بررت قائلة: كنت خايفة يا عبده اتسرع في الخطوة دي واندم بعدها.. قلت لازم اعرفك اكتر ومش كفاية انك زميلي في الجامعة.. خوفت انخدع فيك وتكون عكس ما انت ظاهر..


_ ودلوقت؟



+




قالها هامسا لتغمغم: دلوقت انا عمالة افتش عن الحلو اللي عملته في حياتي عشان يرزقني بيك يا عبد الرحمن.. وبندم على كل مرة خاصمتك ونيمتك فيها زعلان مني عشان أسباب تافهة.. دلوقتي عرفت انك كنز شاله ليا الزمن وظهرلي في وقت العوزة لما انكسر ضهري بموت ماما وبابا..لولا دراعك سندني بعد ربنا انا واخواتي كنا بقينا ضايعين.. ضللت عليا وطمنتيني حسستني اني مش لوحدي في الدنيا..ربنا يخليك ليا ويقدرني اسعدك.. 



+




أحمق لو لم يرد على فيضها بما يليق به.. 


فتراجع للوراء قليلا حيث تنسدل ستارة الشرفة ليجذبها سريعا ويكتسحها بعناق تأرجح بمزيج عجيب من قوته وحنانه وهو يهمس لها:  بحبك ياحنة..بحبك أوي.. 


_______________



+




_ طنط هو ظافر قالك كلنا نستناه برة ليه؟


_ والله يا بنتي ما فاهمة حاجة، هو اتصل بيا من ساعة وقالي يا ماما اجهزوا للخروج بعد ساعة واني الغي الغدا.. وهيرن تاني نطلعله برة فورا.. 


إيلاف: يجوز عازمنا على الغدا مثلا؟ وما قالش عشان ماما مش بترضى تخرج؟!



+




مطت بلقيس شفتيها:  يجوز..


_طب ليه مش سألتيه اما كلمك وخلاكي ترجعي من الشركة؟


_سألته ما ريحنيش في الكلام خالص.. 



+





        


          



                


قاطعتهم والدته: ابني جه اهو، تعالو نركب معاه ونشوف في ايه.. يجوز مجرد عزومة غدى زي ما إيلي قالت.. 


…… ..… 



+




_ يا ابني ما تقول واخدنا على فين


_ خاطفكم يا ماما عندك مانع؟


إيلاف:  أنا شخصيا معنديش مانع اتخطف عادي يا آبيه.. بينما قالت بلقيس والفضول يلتهمها:  يا ظافر بالله عليك تقولي رايحين فين.. 


_ أصبري وهتعرفي.. 


صمتت مرغمة بعد قوله المقتضب، فلمحت بعد برهة غمزة إيلاف له في المرآة الأمامية بإشارة خفية تشي بتواطؤ مريب بينهما، لتصيح عليهما بغيظ:  لا بقولكم ايه أنا شامة ريحة اتفاقات من ورايا.. بتغمزيله ليه يا ست أيلاف؟ أوعي تنكري أنا شوفتك.. 



+




ثم تحدثت لوالدتها:  شايفة ياطنط ولادك بيتفقوا علينا ومش راضين يعرفونا رايحين فين.. 


ضحكت لها: اعملي نفسك مش واخدة بالك زي حماتك! 


_ لا ياطنط انا لازم اعرف.. ثم نظرت للأخرى تستعطفها:  كده يا إيلي بتخبي عني؟ مش احنا أصحاب وكلهم بيناموا ويسيبوكي وانا بلي حبيبتك اللي بتسهر معاكي رغم اني بصحي لشغلي بدري؟ يعني مالكيش غيري..يلا ياروحي قولي احنا رايحين فين؟. 



+




نظرت لشقيقها تطلب منه العون فابتسم والتزم الصمت متابعا هو ووالدته ما يحدث بتسلية. واستمتاع، لتقر أخيرا: بصي انا كل اللي اعرفه إن آبيه جه أوضتي الفجر عشان يصحيني للصلاة معاكم، وقالي احضر لكل واحدة فيكم من وراها شنطة هدوم تكفي تلات أيام.. لكن هنروح فين؟  أقسم بالله ما قالي حاجة، واهو قدامكم اسألوه.. 



+




عادت بلقيس ترمقه بكَمَد وعيناها تضيق بشكل مضحك، فقال بجدية مقاوم قهقهته:  انسي اقولك كلمة. 


_ يابنتي ريحي نفسك مستحيل تعرفي منه حاجة مش عايز يقولها..ده ابني وعارفاه..خلينا نستني مفاجأته في وقتها وخلاص.. 



+




زفرت بحنق واستكانت جواره لحظات على ظهر مقعدها عابسة زامة الشفتين ثم قالت لتستفزه:  طب انا عايزة اشرب عصير او اكل حتة شيكولاتة عشان اعدل مزاجي.. وماتقوليش مش هعرف اقف بالعربية هنا اتصرف ماليش دعوة.. 



+




رماها بنظرة جانبية ثم أشار بعينه لدرج السيارة الأمامي ، شرعته لتتفاجأ بمغلفات من الشيكولاتة والشيبس.. فصاحت تحدث والدته وهي تلتقطهم:  والله ابنك ده ابن حلال ياطنط.. لحق نفسه بالشيكولاتة قبل ما اشيط جمبه من الغيظ.. 



+




مازحتها وهي تقول:  أصلي دايما ادعي لابني إن ربنا ينجيه من المهالك يابنتي.. 


ضحكت إيلاف وبلقيس لمزحتها، واكتفى ظافر بابتسامة منتشية بالألفة التي تجمع قاروراته الثلاث والأغلى على قلبه ثم قال:  ادي ماما الشيكولاته الدارك يابلقيس.. 


_ حاضر من غير ماتقول عارفة ان طنط بتحبها


_ بلاش يابنتي أحسن اتعب منها


_ كلي حتة بسيطة ياطنط مش هيحصل حاجة.. 


وقبل أن تأكل بلقيس من مغلفها قضمت قطعة ودستها في فم ظافر، فابتسم لها بحنان وقال بعد أن ذابت في فمه:  تسلم ايدك يا بلي..  



+





        


          



                


حدجتهما والدته بنظرة رضا بينما هتفت إيلاف: بلي انتي نسيتيني؟ هاتي كيس شيبس من عندك عشان اكله قبل الشيكولاتة


_ مافيش.. عشان تحرمي تتفقي مع اخوكي وتخبي عني تاني.. 


_ خلاص مش هخبي تاني.. خلي قلبك كبير بقي وهاتي الشيبس..قوليلها يا ماما.. 



+




نظرت لها هدى وكأنها تقول ( هتكسري كلامي؟)


لتصيح بلقيس وهي تلتقطه وتعطيه لها: دخلتي الغالية بنا ومقدرش اتكلم.. بس إياكي تداري عني حاجة تاني. مفهوم؟


_ مفهوم.. هاتي بقي يا ساتر عليكي.. بعد كده هركب انا قدام مع اخويا عشان اتحكم انا في درح المفاجأت اللي عندك ده.. 


شاكسها ظافر:  المرة الجاية هخبيلك سرنجات


_ بقي كده برضو؟ أنا تجيبلي سرنجات ومراتك شيكولاتة؟ ماشي خليك فاكر يا كبير. 


_ بطلي رغي بقي بحب اتفرج على الطريق بهدوء، شغل حاجة لام كلثوم ياحبيبي


_ ام كلثوم ايه بس يا ماما.. شوف اغنية لشرين يا آبيه.. 


_ عندك تليفونك وسماعتك اسمعي فيه اللي يعجبك..لأن هشغل اللي ماما طلبته.. 


_ ماشي ماشي..اضطهدوني كلكم براحتكم..مخصماكم.. 



+




ضحكت والدتها وضمتها بحنان وقبلت رأسها الذي استكان بدلال على صدرها وراحت تأكل بتلذذ وهي في عالمها تسمع أغنية ما..وساد صمتهم ثم راحت إيلاف تتفقد هاتفها متعجبة عدم رد محمود على رسالتها إلى الآن، فما ان غادرها ظافر واخبرها فجرا بما قال، حتي بعثت له رساله بالامر وانها ستخبره بمكانها فور علمها.. لكنه مازال أوفلاين..ولم تجد فرصة لتتصل عليه بمكالمة عادية.. حسنًا حين تصل وتعلم وجهتها ستهاتفه! 


…………


بعد وقت بدأ يظهر معالم الطريق.. انهم يتوجهون لمنتجع سياحي في العين السخنة.. تلك المنطقة الساحلية المعروفة والقريبة نوعا ما من القاهرة أكثر من غيرها..



+




شهقت إيلاف:  الله يا آبيه..المكان يجنن بقالي فترة مش جيت هنا.. انتي جيتي السخنة قبل كده يا بلي؟ 


قالت وهي تتابع الطريق بسعادة وترقب:  لأ.. دي اول مرة.. ومنحت زوجها نظرة شكر صامتة.. هي تعلم انه نظم تلك الرحلة لأجل حالتها النفسية في الايام الأخيرة.. 


……… .


وصلو للفندق الذي أتم به الحجز سابقا.. وأوصل والدته وإيلاف لغرفتهما ثم توجه بزوجته لغرفتهما الخاصة.. وما أن اختلى بها حتى جذب خصرها إليه هاتفا:  ايه رأيك في المفاجأة دي؟


دنت لتقبل وجنته ثم عانقته بقوة:  احلي مفاجأة، كنت محتاجاها فعلا ياحبيبي..والجميل ان مامتك وإيلي معانا.. بس… .


_ بس ايه يابلي؟



+




ودت لو والديها معها لتكتمل فرحتها، لكنها  لم تبوح بذلك من أفكارها كيلا يظن زوجها أن مفاجأته ناقصة، فقالت:  مافيش ياحبيبي.. هننزل امتي بقى؟


نظر لساعته وغمغم: لسه فاضل وقت خلينا ناخد شاور ونريح شوية وبعدين هننزل كلنا.. 


_ ماشي ياحبيبي عشان كمان ترتاح من السواقة


وابتعدت لتُفرغ حقيبتها.. فجذبها محكما ذراعيه حولها هامسا بنبرة تعلم مغزاها وخطورتها: مش عشان ارتاح من السواقة.. ثم نظر لشفتيها وتمتم:  عشان حاجة تانية خالص يا ملكة..ولا مش هتكافئ حبيبك؟



+





        


          



                


برقت شمسيها بعاطفة ثم دنت تلاطفه: لا ياشيف.. الحق حق.. بعد المفاجأة الحلوة دي تستحق إني.. 


_ إنك ايه؟



+




تساءل وهو يعانقها، فجاء ردها بأكثر مما يتوقع وهي تذوب معه وتقف الحروف على أعتاب الشفاه..لتفسح لهما المجال لحديث أخر أكثر حميمية، واستقبل جود عشقها بالمثل ليحظى معها بأول ذكرى مميزة في هذا المكان.. 


---------------------


لم تنتهي مفاجأت ظافر بعد..عُقب نيل الجميع قسط قصير من النوم، استعدوا للهبوط كما أخبرهم وتوجه بهم للشاطيء المقسم لطاولات من الخوص يفصلها من كل جوانب مثل التعريشة تمتد لتُظلل عليهم من الأعلى فتقيهم لفحة أشعة الشمس.. وبمجرد أن اقتربت بلقيس حتي وقفت تشهق محدقة في والديها اللذان يجلسان حول إحدى الطاولات..هرولت إليهم تعانقهم مهللة گ الطفلة:  ماما وبابا..أنا مش مصدقة انكم هنا معايا..بجد هو ده اللي كان ناقصني واتكسفت احسس ظافر ان مفاجأته مش كاملة فسكت.. 


_ بس جوزك حبيبك عرف يكمل فرحتك من غير ما تقولي.


هدى مرحبة بحفاوة: والله يا جماعة لمتنا عمرها ما كانت هتكمل غير بيكم..دي أحلى مفاجأة عملها ظافر انه جمعنا كلنا هنا.. 


دره:  تسلمي يا ست الكل .. والله أنا عاصم جابني من غير ما افهم في ايه.. لقيته الصبح بيقولي حضري شنطة عشان هنروح مكان نغير جو.. ومخلانيش حتى اتصل ببنتي اعرفها .


عاصم:  طبعا ماكانش ينفع واحدة فيكم تكلم التانية وإلا المفاجأة كانت اتكشفت.. 


لثمت بلقيس خده بدلال وصاحت: حبيبي ياعصومي.. 


ضحك واحتضنها بحنان ثم نظر لإيلاف وقال:  بقولك ايه يا لولو.. مامتك هتبقي مع دره.. وبلقيس مع جوزها..ومش هيفضل غيرنا، موافقة تصاحبي عمك العجوز ده؟



+




ضحكت له وداخلها تدري انه يحاول منحها قبسا من حنانه الأبوي كما يفعل مع ابنته.. كم تحب هذا الرجل وتُوقره گ أبيها.. 


_ موافقة ياعمو بس في مشكلة صغيرة


_ ايه هي؟


_ البنات هتعاكسك وانت ماشي معايا وهتخانق كتير.. ولا ايه ياطنط؟


دره وهي تشمر عن ساعديها بمزاح : ساعتها ابقي ناديلي وانا هتصرف معاهم يا روح طنط.. 


قهقهوا وقالت بلقيس بفخر:  تعرفي يا إيلي ان مامتي الكيوت العسل دي بتعرف تلعب "جودو " وهي اللي معلماني؟


قد يعجبك ايضا


منذ بضع شهور


رواية تحت اقبية الظلام الفصل الرابع 4 بقلم ام سامان...


منذ بضع شهور


رواية تحت اقبية الظلام الفصل الخامس 5 بقلم ام سامان...


منذ بضع شهور


رواية تحت اقبية الظلام الفصل السادس 6 بقلم ام سامان...


إيلاف بانبهار حقيقي: بجد ياطنط؟ وكمان علمتي بلي؟ دي معلومات جديدة عليا


ظافر مازحا: أيوة يا إيلاف.. امال اخوكي بينفذلها كل طلباتها ومش بيزعلها ليه؟ ماهو عشان المعلومة الخطيرة دي..هو أنا مستغني عن عمري!! 


قهقهة عاصم وجاراه في مزاحه: عاقل وعارف مصلحتك زي عمك تمام..أنا مشيت مع دره بمبدأ "أقصر الشر وغنيله" 



+




صاح ضيفهم الجديد بمزاح والذي أتاهم لتوه: 


عين العقل يا عصومي.. 



+




لتكن المفاجأة تلك المرة من نصيب إيلاف وهي تستدير سريعا وتري محمود ينضم إليهم..منحها نظرة دافئة وهو يشاهد فرحتها لمجيئه، فقالت: يعني اتعمدت مش ترد عليا صح؟ (أومأ لها)  أيوة.. حبيت اعملك مفاجأة.. 


ابتسمت مكتفية بنظرة مفعمة بسعادتها لحضوره، ثم


رحب به الكل ليكتمل تجمعهم المميز ويُشرعون بالاستمتاع به كما نظمه لهم ظافر.. 


وبقيت مفاجأته الأخيرة! 


……………… .


في المساء! 


بلقيس: إيلاف خدي البسي التاج الصغنون ده فوق حجابك، هيبقي تحفة عليكي. 


_ تسلمي يا بلي بس مش شايفة انه مش مناسب لسهرتنا العادية، ده بيتلبس في مناسبة بس.. 


_ بالعكس احنا هنتعشي في مطعم الفندق، وانتي شايفاه ازاي فخم وشيك ومش غريبة تلبسيه وانتي نازلة هناك.. يلا بقي انا اشتريته عشانك وحابة اشوفه عليكي.. 


لم. تريد إحراجها رغم عدم اقتناعها انه يناسب جلسة عشاء عائلية وقالت بإزعان:  خلاص ياحبيبتي مش هزعلك..هعتبره احتفال بمناسبة ان محمود جه معانا


_ للدرجة دي فرحانة انه جه


_ جدا يابلقيس..حاسة ان كل الناس اللي بحبهم حواليا، وأكيد لو محمود غاب عن التجمع ده كنت هضايق.. 



+





        


          



                


ثبتت لها التاج الفضي الصغير فوق حجابها وقبلت خدها وقالت:  ربنا يسعدك ياحبيبتي ومايحرمكيش منه.. 


وواصلت بمرح:  ولا يحرمني من اخوكي.. 


قهقهت وهي تقول:  أمين.. ولا يحرمنا كلنا منه



+




……………… .


صاحبتها بلقيس لمطعم الفندق، وما أن عبرت بها حتى صدحت موسيقى عيد الميلاد المعروفة، فصاحت إيلاف: شكل في حد بيحتفل بعيد ميلاده يا بلي


_ شوفتي اهو التاج طلع مش علي الفاضي.. تعالي نشوف كده التورتة ومين صاحب العيد ميلاد.. 



+




دنت بفضول متناسية التساؤل عن موضع جلوس العائلة، لتحتل وجهها دهشة حقيقية وهي تري شقيقها ووالدتها ومحمود والعم عاصم وزوجته يحوطون طاولة عليها قالب تورته مميزة..وخلفهما بوستر كبير بصورتها وتهنئة بيوم مولدها.. شهقت وهي تنظر للجميع.. إذا الاحتفال بها هي.. نظرت لبقيس وأدركت سبب إصرارها ارتداء التاج.. الحبيبة زوجة أخيها كانت تعدها للحفل دون ان تعلم..


…….. 


شاركهم الاحتفال رواد المطعم حين دعاهم ظافر للمشاركة معهم، وقدم لها الجميع هداياه، وبعد أن انتهوا من ضخب احتفالهم ذهبوا ليكملوا سهرتهم على الشاطيء، وبينما الجميع يثرثر نهضت ودنت من شقيقها وعانقته بشدة وهي تهتف وعيناها تلمع:  بجد يا آبيه هتطير من الفرحة..والله كنت ناسياه خالص.. 


قرص وجنتها برفق: بس مش ممكن انسي عيد ميلاد اختي حبيبتي.. 


_ ربنا يخليك ليا يارب..(ثم غمغمت بجملة بدت غريبة عليه)  شكرا يا آبيه انك ماتغيرتش! 


عقد حاجبيه:  وايه هيغيرني يا إيلي؟


_ لا مش قصدي يا آبيه بس… 


_ بس ايه اتكلمي براحتك.. 



+




تردد قليلا وهي تنظر حولها ثم تشجعت وقالت: 


ليا أصحاب كانوا بيشتكوا دايما ان الأخ اما بيتجوز بيهتم بمراته وبس، وبيتغير مع أهله..وأقلمت نفسي انك هتنساه وقلت لنفسي مش هزعل.. بس لأني محظوظة.. اخويا حبيبي لسه بيحبني وبيهتم بيا..حتى بلقيس كمان بتحبني.. حاولت تخليني اظهر بشكل مناسب لأنها فرحانة عشاني ويهمها مظهري.. أنا بحبكم أوي يا آبيه.. 


قالت جملتها الأخيرة ثم تعلقت في عنقه تحتصنه.. 


فترقرقت عين والدتهما ودره وعاصم وبلقيس بشدة، بينما "ود" محمود لو احتضن حبيبته الرقيقة بتلك اللحظة وبثها حبه واحتوائه.. 



+




أما ظافر حدثها بعتاب ومازال يغمسها بصدره: أياكي يا إيلاف اسمع منك الهبل ده تاني.. مافيش حاجة ولا حد في الدنيا ينافس معزتك انتي او ماما في قلبي ولا يغيرني عليكم..حتى اما تتجوزي وتجيبي ولاد.. هتفضلي اختي الصغيرة وبنتي اللي هدلعها طول منا عايش.. 



+




دمعت حدقتي بلقيس للموقف بأكمله..وتمنت في نفسها أن تحظي بعلاقة أخوية گ التي بين ظافر وشقيقته..تذكرت شقيقاها الذي توفاهما الله غرقا.. ماذا لو كُتب لهما النجاة وساندوها في الحياة وذاقت طعم احتوائهم وخوفهم عليها..سبحان الله.. لا يحظي احد بكل شيء..وماعاذ الله أن تكون ساخطة.. فقط خاطر جال بعقلها تأثرا بما شاهدته.. تنهدت وجددت حمدها لله على ما نالته من كرمه وجوده..



+





        


          



                


وگ عهده صاح محمود بمرح ليبدد دراما الموقف:  طب وانا هفضل مستني دوري كتير ولا ايه.. يعني انا موقعي ايه في الليلة البيضا دي؟



+




مازحه عاصم:  أنت تتفرج وانت ساكت.. 


قهقهوا ثم واصلوا سهرتهم، وبعد وقت تسائلت دره: 


علي فكرة التورتة كانت حلوة اوي ياظافر..انت اللي قلت لمطعم الفندق يزينها بحروف محمود وايلي ودبلة وخاتم؟



+




_ لا ياطنط.. أنا اللي عملت التورتة لأختي بنفسي.. 



+




تعجبت بلقيس وهي تبادر بقولها:  امتي عملتها؟ انت ماسبتنيش طول الوقت! 



+




ابتسم وهو يوضح:  مش انا روحت مطعمي الصبح؟ عملتها في الفترث دي وشحنتها على هنا باتفاق مسبق بيني وببن إدارة الفندق عسان تستلمها.. ورجعت أخدتكم علي الضهر وسافرنا..


والدته:  يعني كنت مظبط الرحلة دي عشان عيد ميلاد لولو


_ والله يا ماما أنا نظمتها لكذا سبب وكلهم بنفس درجة الأهمية عندي..حضرتك بقالك فترة طويلة مش بتغيري جو تقريبا من وقت جوازي.. وعيد ميلاد إيلي كان قرب وحبيت يبقي مختلف لأنها المرة دي مخطوبة، عشان كده زينت القالب بدبلة وخاتم.. ثم شاكس محمود وواصل:  نعمل ايه.. عريسك كروتنا في الفاتحة ولبسك الدبل وما لحقناش نعملك حاجة.. 


رمقه محمود بتعبير في وجهه أثار ضحك الجميع.. ثم واصل وهو ينظر لزوجته قائلا بحب جاهر به دون تردد:  والسبب الأخير إن أميرتي الحلوة كان مزاجها مش حلو الفترة اللي فاتت.. واكتر حاجة تعدل مزاجها ان هي ومامتها وباباها يكونوا سوا.. وده اللي عملته..رغم انشغالي الشديد فضيت نفسي يومين وجمعتكم هنا..



+




لمعت حدقتي بلقيس بعشق وهي تربت علي كفه هاتفة: 


ربنا مايحرمني منك ياحبيبي ودايما تراعينا وتفرحنا.. 


بينما فاضت والدته عليه بحنان طاغي ودعت له: ربنا يبارك فيك ويريح قلبك وتفضل سندي انا واختك ومراتك بعد ربنا.. وبالمثل أثنى عليه عاصم ودره..



+




ثم قال محمود: والله يا شيخ انت شمعة تحترق من أجل الأخرين.. 


رد ظافر بمثل مزاحه:  بكرة تبقى شمعة انت كمان يا اخويا وتحترق برضو.. 


_ منا عارف والله.. أساسًا احنا اللي بنشيل المرار الطافح كله في الأخر.. 


گ عادته أثار ضحكهم الشديد.. وامتدت أمسيتهم لوقت أطول متجاذبين أحاديث شتي.. ثم استئذن محمود وأخذ خطيبته ليحظى بفرصة تقديم هديته بخصوصية.. 


‏__________



+




صاحت بإعجاب: الله على جماله.. بجد حلق رقيق ويجنن.. تسلملي يامحمود.. 


_ ويسلم قلبك يا إيلي.. الحمد لله انه عجبك..


_ عجبني جدا جدا.. يعني انت كنت عارف كل حاجة من الأول.. 


_ طبعا، ظافر كلمني وعرفني الموضوع كله واتفقنا اني هحصلكم لوحدي، وامبارح روحت اشتريت الحلق ده عشانك.. ثم قال بتلميح اخجلها:  ولو اني كان نفسي اشوفه عليكي وانتي فاردة شعرك اللي نفسي اشوفه.. 



+




تخضبت وجنتيها وهمست:  بعد كتب الكتاب.. 


تنهد بما يحيش بصدره من شوق: عارف وربنا يصبرني..هانت وتتخرجي وانا هكون بدأت شغلي وربنا ييسر والدنيا تمشي معايا.. 


_ ربنا يوفقك يا حودة.. 


_ عيون حودة.. بموت فيكي اما تقولي كده


_ بعد الشر عليك.. ماتقولش كلمة موت دي مابحبهاش. 


_ تزعلي لو فقدتيني.. 



+





        


          



                


انقبض قلبها بشكل تلقائي، وتعكر مزاجها بالخوف والضيق منه فقالت:  لو اعرف انك هتتكلم كده كنت فضلت معاهم على الأقل كان كلامهم جميل.. مش اللي انت بتقوله ده.. 



+




لعن غباء حديثه وقال سريعا:  خلاص حقك عليا مش قصدي والله


_ أمال قصدك يا محمود؟ ده كلام تقوله معايا؟ أنا قولتلك بخاف من الكلمة دي.. عارفة انه حق علينا لكن قلبي بينقبض، تقوم حضرتك تزودها بسؤالك؟  


_ أنا قصدت اخليكي تقولي كلام حلو انك بتخافي عليا.. بس عملتها بغباء سامحيني يا لولو.. 



+




لانت ملامحها:  خلاص.. بس بعد كده خد بالك.. 


اكتفي بابتسامته الجذابة وهو يتأملها.. فاستطردت بنبرة حانية: ولو عايز تعرف أهميتك عندي يامحمود، هقولك إن فرحتي انهاردة عمرها ما كانت هتكمل من غيرك..حضورك كمل النقص اللي كان جوايا..



+




كل ما جال بخاطره ليفعله ردًا على سخاءها العاطفي الرائع هذا لم يناسب خطبتهما.. ليتها حلاله الآن.. 


تنهد وفاض عليها بنظرة أشبعتها من كل أبدجية العالم من كثرة ما غمرتها بحنان وعشق واضح.. ثم همس لها:  أنا بحبك أوي يا أيلاف.. ربنا يجمعني بيكي عن قريب.. 


_______



+




صباح يوم جديد.!



+




رايحة فين يا دره؟ 


_ هقول لبلقيس ماتنزلش البحر ياعاصم.. بنتي مابتعرفش تعوم.. 


_ دره..تفتكري جوزها مش عارف؟ سيبيهم براحتهم اكيد هو قادر ياخد باله منها كويس..بلاش ندخل فيهم.. 


_ بس يا عاصم


قاطعها:  مافيش بس..ماتخليش الراجل يضايق ويحس انك بتشككي في قدرته انه يحافظ على مراته..خليهم يتبسطوا بعيد عن خوفك.. امال لو ما كنتش محذرك؟!



+




صمتت مقتنعة بوجهة نظره واستكانت في مقعدها لكن وعيناها لا تحيد عن ابنتها وطيف غرق تؤامها الأول لا يغادر دهاليز عقلها قط، خاصتا وان بلقيس تعرضت هي الأخرى لحادث مشابهة لولا عناية الله انقذتها وسخرت لها السائق راغب حينها.. 



+




وعلي ذكره في خاطرها تسائلت:  هو أخبار راغب ايه ياعاصم؟ حالته اتحسنت عن الأول؟


_ للأسف زي ما هو قعيد كرسيه المتحرك.. بس ماتقلقيش انا وأدهم مش مقصرين معاه.. مش ناقصه حاجة ولا هينقصه طول محنا عايش.. انتي عارفة غلاوته عندي..ده لولاه بعد الله ماكنتش عرفت بنتي فين.. 



+




_ ربنا يبارك فيك انت وأدهم، ويكافئكم بالخير كله..ثم أشارت مع قولها:  إيلاف ومامتها جايين اهو..انا سبتهم يصحوا براحتهم..بصراحة ماكنتش اقدر افوت منظر الشروق علي البحر معاك.. 



+




ربت على كتفها وقال:  والله انا طلعت الرحلة دي عشان عيونك قبل عيون بلقيس.. 


انتعشت روحها بدلاله الذي يغدقه عليها دائما، فقالت بمحبة: تسلم عيونك وقلبك يا عاصم..( وواصلت) منكرش اني كنت محتاجاها..قلقي على بنتي الفترة اللي فاتت ضغط عليا..نفسي اطمن عليها لما ربنا يكرمها وبالحمل.. 



+




_ بلقيس بخير وربنا هيراضيها بأذن الله..كله بآوانه يا دره، وبعدين انتي مش شايفة جوزها بيحبها ازاي وطاير بيها؟ ده عمل الرحلة دي مخصوص عشان يبسطها.. ويبسط اخته وامه كمان.. 


_ وده اللي عاجبني في ظافر ومطمني لو ربنا اخد أمانته انها هتكون بخير معاه..البار باهله يستحق الثقة.. 



+





        


          



                


_ صباح الخير يا ياجماعة..ليه مش صحتونا كنا نزلنا معاكم من بدري.. 


بعد أن رد عاصم وزوجته تحيتها قالت الأخيرة:  والله خوفت اقلقك انتي وايلي.. وانا كنت حابة احضر الشروق هنا.. ونزلت لقيت العصافير ولادنا سابقين وقاعدين علي الشط.. 



+




قالت وهي ترمق ابنها وزوجته بحنان: 


_ خير ماعملوا خليهم يتبسطوا.. وبالعكس انا كمان احب اشوفه معاكم.. 


_ خلاص بكرة هرن عليكي وننزل كلنا سوا.. ثم نظرت جوارها وقالت: صباح الرقة يا لولو.. عاملة ايه؟


قالت بعد أن تتثائبت:  صباح الجمال يا طنط انتي وعمو



+




لكزت هدى رأسها بخفه مؤنبة:  بطلي تتاوبي هتنيمينا، عشان تسمعي الكلام، قولتلك كفاية سهر وكلام تليفونات انتي وخطيبك ونامي شوية.. مافيش فايدة



+




اعترضت بطفولة:  وربنا ظالماني ماكانش جايلي نوم اساسا.. 


ابتسم عاصم وقال: مهما قلنا مش بيسمعوا النصيحة..بس دلوقت اخوها ياخدها يرميها في المية زي السمكة.. 


دره:  انتي بتعرفي تعومي يا لولو؟


هدي بالنيابة عنها: ولادي الاتنين سباحين ممتازين.. بالذات ظافر.. كان واخد ميدالية بونزية في السباحة في بطولة تبع النادي الأجتماعي أيام الدراسة.. 


______


_ بتعرفي تعومي؟


رمقت صفحة المياة بشخوص وقالت: لأ.. 


_ يبقي هعلمك.. 


قالها وهو يتملك خصرها وقدميها تعبث بمياة الشاطيء، وهمهمت ومازالت تنظر للبحر بلمحة حزن: بس أنا زعلانة من البحر.. ليا معاه ذكرايات وحشة.. 



+




_ هغيرها.. 



+




تمتم كلمته بحسم فحدجته بحب:  أنا متأكدة ان اي حاجة كرهتها في يوم.. معاك هحبها من تاني، عارف ليه؟


احتواها بنظرة دافئة دون قول شيء فاستطردت:  لأني هشوفها بعيونك.. أنت بتحلي كل حاجة في حياتي بسحر غريب يا ظافر..


_ ياريتني سألتك السؤال ده في أوضتنا.. 


ابتسمت لمقصده، فواصل:  بس ما قولتليش.. ليه زعلانة من البحر؟


_أولًا لأنه سرق مني اخواتي.. كتير بتخيل لو كانو عايشين كنا هنبقي ازاي..تعرف ان ماما جواها حزن مابيروحش ابدا.. صورتها وهما صغيرين مش بتفارقها.. كل يوم لازم تقرأ قرآن على روحهم.. هي مش بتجيب سيرتهم قدامنا عشان مانزعلش.. بس انا بحس بيها.. 


_ الله يرحمهم.. ده كان رزقهم في الدنيا..


قبل رأسها بحنان وقال: ايه مزعلك تاني من البحر؟



+




هنا تعرج علي صفحة عقلها ذكري يوم احتالت عليها تيماء بعيد ميلادها المزعوم..أصعب محنة مرت عليها بدأت بخرير البحر ورائحته..تذكرت فرحتها الوهمية وهي تعتقد انها حصدت فرصة ثمينة لتجربة خاصة بها بعيدا عن قيود خوف والديها.. تنهدت ثم قررت ألا تنجرف لتيار ذكراها السوداء..ستسخقها ببن دهاليز العقل.. لن تلوث سعادتها الآن.. 


_ الملكة سرحانة في ايه؟



+




قاطعها صوته فنظر إليه وقالت:  انسي.. مش حاجة مهمة..ودلوقت وريني ازاي هتصالحني على البحر.. 



+




اشتد ذراعه حوله خصرها ثم جذبها برفق ليغوص جسديهما في طيات الأنواج المتلاحقة.. لتبدأ مواجهتها الأولي مع شيء كانت في الماض القريب تبغضه..


والآن هي متلحفة بأمانه، قابعة في حصن قلبه المنيع.. حصنه الذي تدعوه ليل نهار ألا يغيب عنها ابدا.. 


_________



+





        


          



                


_ كده ياعامر.. من تاني يوم فرح اخوك وانت ولا عبرتني باتصال يتيم.. طب حتى تعالي شقتنا تابع اللي بعمله فيها وقول رأيك وشاركني ماهي شقتك انت كمان، حسسني انك مهتم يا أخي.. وانا اللي كنت فاكرة هشوفك كل يوم لما انزل القاهرة.. 



+




جاء صوته فاتر وحديثه مقتضب: مش فاضي.. 



+




لم يرضيها اقتضابه الغريب وفتوره.. كما لم يعدها بمجيئه ليعوضها غيابه، فهتفت بتسرع لا يخلو من تهكم:  الله يعينك، بس حتى اتصال دقيقة تطمن عليا ماكانش هيعطلك عن شغلك ولا…… 



+




_ وبعدين معاكي قولت مش فاضي ولا رايق لدلعك وزنك ده على الصبح! 



+




صدمها بطريقته وقسوة صياحه الغاضب.. فابتلعت غصتها وقالت بتماسك زائف: ماشي..لما تكون فاضي كلمني، سلام! 


_ استني! 



+




صاح سريعا قبل أن تغلق معه المكالمة، فهتفت بجمود:  نعم.. 


وصلها زفرة قوية قبل ان يهمس:  أسف.. 



+




لم يريحها أسفه.. فقط أرادت أن تبكي وحدها لتفرغ طاقة الحزن التي سيطرت عليها، فقالت لتنهي الامر سريعا:  حصل خير.. معلش لازم اقفل، الصنابعية هيبدؤا شغلهم وانا وعطر خارجين نجيب حاجات مهمة! 



+




_ ماما في المستشفى. 



+




فاجأها بتصريحه الغير متوقع، فصاحت بجزع وملامحها اكتست بالصدمة:  أنت بتقول ايه؟ أنا سمعتك صح؟! مامتك في المستشفى يا عامر؟ 


_ أيوة


_ ليه؟ ومن امتى؟


_من يومين.. لاحظت قبلها انها بتشتكي من صداع شديد وألم في رقبتها ودوخة وعدم اتزان.. قولتلها اخدك للدكتور قالت لأ ده بس من إجهاد فرح اخويا وقلة نومها ولما ترتاح هتكون افضل.. سكت وانا ناوي لو مش اتحسنت هاخدها غصب عنها اكشف عليها.. لكن اتفاجئت بيها بتنزف دم من أنفها، جريت بيها على مستشفى (… ) اللي قريبة من بيتي..عرفت بعدها ان ضغطها كان عالي جدا وهو السبب في حالتها..



+




ثم تنهد بإرهاق واضح: المهم الحمد لله وقفوا النزيف وظبطوا مستوي الضغط وعملوا اللازم واهي تحت الملاحظة..


_ في حد معاك؟


_حد مين ياجوري، بابا في البيت وصحته زي ما انتي عارفة وبالعافية هديته وطمنته انها بخير واني معاها لكن المشكلة إن بابا نفسه محتاج رعاية وادوية بتتاخد في معاد. واخويا في شهر العسل حرام اقلقه و انكد عليه لأنه أكيد هايجي بعروسته لو عرف.. واختي للحظ هي كمان بتحضر فرح لأهل جوزها في محافظة تانية وهتتبهدل لو جت بعيالها.. 



+




( استاذ عامر دكتور "… ." عايزك) 



+




وصل لسمعها صوت ممرضة على الأغلب تحدثه، ثم وجدته يقول:  معلش ياجوري هسيبك عشان الدكتور عايزني ولما افضي هكلمك.. ثم همس لها بحنان رغم ما يمر به:  وماتزعليش مني اني اتعصبت عليكي..


_______________



+




_ شوفتي وشك نور ازاي يا ماما؟ الدكاترة بيعاكسوكي ولو بابا عرف هيرتكب جريمة.. 



+




ابتسمت لدعابته وقالت:  ربنا يرضى عليك ياحبيبي، تعبتك معايا اوي.. وغلاوتي عندك ترجع البيت عشان ابوك.. واهو تنام وتريح جسمك شوية وتاكل حاجة.. انت وشك بقي مطفي من السهر جمبي يا عامر.. 



+





        


          



                


_ اسيبك عشان الدكاترة يستفردوا بيكي ويفضلوا يعاكسوكي وانا مش موجود..( ثم لثم كفها المجعد ثم قال) ماتحمليش همي انا كويس طول ما انتي بخير.. وبابا انا بروحله.. وجارتنا كتر خيرها بتدخل هي وبنتها تعطيه الدوا في معاده ماتقلقيش.. 



+




" السلام عليكم"


التفت ليجد يزيد وجوري يقفان على عتبة الباب الموارب لغرفة والدته، فنهض سريعا مرحبا بهم:  يا أهلا يا يزيد انت وجوري اتفضلوا.. 


يزيد بعتاب:  انا ماليش كلام معاك على فكرة.. انا جاي للست الطيبة دي.. وحسابي معاك بعدين! 



+




تفهم عامر عتابه وقدره لأنه لم يخبره ثم نظر لجوري فقرأ بعيناها مزيج عجيب ما بين عتاب وقلق وحزن وحنان وشفقة عليه.. استشعر كل تلك المشاعر بنظرتها.. لكن غلب على صوتها العتاب وهي تقول:  ألف سلامة علي والدتك ياعامر. 


_ الله يسلمك ياجوري.. تعبتي نفسك انتي ويزيد


منحته نظرة محبطة.. وبعد أن مضي وقت وهما يتحدثان مع والدته التي رحبت بهم.. استأذن يزيد تاركا جوري معه..


…………… ..


صممت أن تطعمها هي وبعد ان أخذت جرعة علاج جديدة غطت والدته في نوم عميق..كانت تجلس بالقرب منها وهو يقابلها في الطرف الأخر.. لاحظ انها تتجنب النظر إليه.. فبادر بقوله:  انتي لسه زعلانة عشان اتعصبت عليكي في التليفون؟



+




رفعت حاجبيها بدهشة حقيقية..


هل هذا ما يظن بها؟


مجرد طفلة تغضب لسبب تافهة دون عقل بالمقارنة بما حدث معه


ألم يفهم هذا الأحمق أين خطئه؟


لقد عزلها تماما عن أزمته وكأنها غريبة


لم يلجأ لها وهي أولى من غيرها لتتحمل معه عبء موقف گ هذا..كأنه حقا يراها طفله وغير اهل لذلك،


نعم هي تتدلل عليه وتمزح. ولكنها ليست عديمة المسؤلية والتصرف..يجب ان يفهم انها الأقرب له خاصتا في الأزمات.. 



+




تغاضت عن الرد عليه وقالت: تقدر ترجع البيت ترتاح وتشوف والدك.. وانا موجودة وهبات معاها.. عرفت يزيد بكده قبل ما يمشي.. 



+




جاء دوره الآن ليتعجب من تصرفها الذي فاجأه رغم منطقيته.. لم يضع في حسبانه ان تتصرف هكذا.. هل حقا  بخسها قدرها ولهذا غاضبة وتعاتبه بعينيها؟


ياله من غبي.. بالطبع غاضبة لذلك


حتى يزيد عاتبه انه لم يتصل ويخبره ليكون جواره


وأنهم صاروا أهلا وليسوا أغراب.. 



+




هدأت ملامحه بعد أن وضع يده على سبب ضيقها وقال بهدوء:  طيب تعالي معايا برة شوية.. عايز اكلمك في حاجة مهمة. 


_ بعدين ياعامر.. روح لوالدك دلوقت طمنه وخد بالك منه ونام وتعالي الصبح..



+




نهض من جوار والدته واتجه إليها وقبض على كفها بتملك وجذبها إليه هامسا: ما كنتش عايز اقلقك.. أو يجوز مافكرتش صح..خوفي على ماما وقف عقلي.. 


نزعت يدها من كفه بهدوء قائلة:  لا يا عامر انت استقليت بيا.. انت فاكرني بنت تافهة ماليش في المسؤلية والمواقف الصعبة.. بس احب اقولك غلطان.. هزاري حاجة.. والأصول اللي اتربيت عليها دي حاجة تاني..



+





        


          



                


ثم علت وتيرة صوتها بغضب  دون ان تشعر: 


والأصول بتقول ياعامر ان اما تحصل حاجة زي كده مع مامتك كنت لازم تعرفني.. مش تجنبني عن مشاكلك كأني غريبة..خليتني جاهلة بمشكلتك الحقيقية.. احب افكرك اني في حكم مراتك.. وده حق والدتك عليا.. ومش هينفع تعاملني اني طفلة او غبية او… 



_ أشششش..


قالها وهو يضع كفه على ثغرها هاتفا بتحذير: وطي صوتك العالي ده ماما هتصحى.. تعالي نتكلم برة..


_____________



+




ذهب بها لكافيه قريب وجلس منتظرا أن يضع النادل مشروب النسكافيه والشاي كما طلب.. 



+




_ معاكي حق انتي ويزيد تزعلوا بس مخي كان وقف والله يا جوري..ثم التقط أناملها بين راحتيه: خلاص ياجوجو بقى ماتزعليش، أنا فهمت ايه زعلك..يلا اشربي النسكافيه بتاعك عشان اوصلك وارجع قبل ما ماما تصحى..


_توصلني فين؟! انت اللي زي الشاطر وبدون نقاش هترجع البيت تطمن على عمو وتاخد شاور محترم وتنام كام ساعة وتيجي الصبح.. وانا هفضل مع طنط وهبات معاها.. 



+




رفع حاجبيه باستنكار:  نعم؟؟ ازاي يعني؟


_ زي ما قولت كده.. وبص بقى انت جبت اخرك معايا ولسه مفروسة منك..لم الموضوع وخليك كيوت واسمع الكلام احسلك.. مفهوم؟؟؟



+




اعتدل على ظهر مقعده ونظر لها مليا ثم بدأت ابتسامة إعجاب تتسرب لشفتيه وهو يطالعها وعيناه تلتهمها.. عصفورته الرقيقة كل يوم تفاجئه بشخصيتها الآسرة..ورغم اشتعالها خجلا من نظرته، أخفت توترها مسدلة قناع الجدية علي ملامحها وهي تقول: يلا خلص الشاي عشان كل واحد يروح يشوف اللي وراه.. 


_ طب لسه زعلانة؟


_ أيوة ومش طايقة اكلمك



+




تلفت حوله بيأس قائلا: لو صالحتك دلوقت هنتمسك أداب..للأسف مش هينفع هنا.. 


كتمت ضحكتها بأعجوبة وهي تقطب جبهتها: ولا هينفع هناك.. يلا اتفضل وصلني


_ طب ابتسمي


_ لأ


_ طب قوليلي كلمة حلوة


_ لأ


_ بحبك


تلجمت ونكست رأسها ولم تعد تستطع مقاومة ابتسامتها ولتلك الكلمة هيبة وتأثير لا يضيع مهما تعددت المواقف.. 


عادت تنظر إليه فوجدته يستجدي عفوها.. فلان قلبها وقالت بدلال محبب:  هتخبي عليا حاجة تاني؟ 


_ لأ


_خلاص مش زعلانة.. 


_ طب بجد هتقدري تكوني لوحدك مع ماما.. هترتاحي وتعرفي تنامي؟


_ هو انا في فندق ياعامر؟ ده ظرف طاريء وهعرف اتصرف متخافش.. المهم انت لازم ترجع البيت وترتاح.. أنا اول مرة اشوف وشك شاحب كده


تنهد وقال:  اعمل ايه.. خوفت عليها اوي ياجوري لما نزفت دم من أنفها.. اتخضيت.. 


ربتت على كفه بتعاطف: معلش أزمة وعدت خلاص.. ربنا يحفظهالك


_ ويخليكي ليا يا جوجو ومايحرمنيش منك


_ ولا منك ياعموري.. يلا بقى نمشي قبل ما طنط تصحي


_ ماشي ياقلبي


_____________



+




تقارب صنعته الظروف بين جوري ووالدة زوجها، كانت ترهبها بعض الشيء لكن بالثرثرة معها وجدتها شديدة الطيبة.. قصت لها أشياء كثيرة عن طفولة عامر.. ضحكت في بعضها. وذُهلت في مواقف أخري وكأنها تتحدث عن شخص لا تعرفه، هل حقًا حين يجمعها بزوجها منزل وحياة واحدة ستراه بشكل أخر؟ ربما.. 



+





        


          



                


ظلت جوري تتبادل الاحاديث مع والدته حتى غفت الأخيرة.. نظرت حولها للمكان..لم تجرب ابدا النوم على أحد أسرة المشفى..ربما ستعاني كثير ليعانق أهدابها النوم.. لكن لايهم يهون كل شيء وتسلم والدة حبيبها.. ذاك الأحمق الذي أخفى عنها الأمر أيام.. ابتسمت وهي تتذكر كيف حاول أن يراضيها مغدقا عليها بحبه.. كم تعشق التدلل عليه ليسكب عليها من فيض حنانه الذي لا ترتوي منه ابدا.. 



+




" لسه صاحية؟"


ليتها ذكرت بخاطرها عشرة جنيهات


ضحكت بخفوت وصوت أفكارها يتهكم عند رؤية رسالته بنفس لحظة تفكيرها به.. 



+




"أيوة صاحية.. مامتك نامت من شوية"


"أكيد مش عارفة تنامي.. قولتلك بلاش ماسمعتيش كلامي"


" يابني والله عادي انا مش جايلي نوم، المهم ايه مصحيك؟ انت تعبان ومحتاج ترتاح"


" كنت قاعد مع بابا بسليه شوية وبعدها نمت ساعتين وصحيت اطمن عليكي"


" اطمن يا حبيبي انا بخير.. تعرف ياعامر انا مبسوطة اوي بالفرصة اللي جمعتني بمامتك.. حاسة اني قربت منها اوي.. وحكيت حاجات كتير عنك..( ثم مازحته) كل سيدهاتك بقيت عندي يا باشا "



+




أرسل لها بخبث: 


" أدي اللي كنت عامل حسابه..يعني حكيتلك كمان على البنات اللي كنت اعرفها؟ 



+




كتبت له سريعا


"ليلتك مش فايتة ياعامر.. بتقول بنات؟ 


أرسل إيموشن ضاحك، ثم رن عليها ولم تجيبه، فأعاد اتصاله حتى ردت بحنق بعد أن تنحت للشرفة:  عايز ايه يا بتاع البنات! 


_ حبيبتي كنت بهزر معاكي


_ هزارك بارد


_ الله يسامحك.. قوليلي أكلتي حاجة؟


_ لأ..ماكنتش جعانة، شربت عصير


_ طيب بجد مش مضايقة؟


_ على فكرة كده هتزعلني تاني والله


تنهد وصمت قليلا لم تسمع سوي صوت أنفاسه ثم همس بعد برهة:  موقفك ده كبرك في نظري اوي يا جوري.. أنا فخور ان قلبي عرف يختار.. ربنا يقدرني واسعدك يابنت الأصول.. 



+




وكأنه قال لها ألف كلمة أحبك وهو يمدحها بتلك الطريقة.. ألا يعرف كم تحبه.. وما يؤلمه يشق قلبها مثله؟.. سلامة والدته غايتها.. وفرصة شيدت بينهما جسرا من الود والألفة كانت تخاف ألا تجده.. أجابته بعد صمتها القصير:  عامر انت جوزي ووالدتك بقيت في مقام امي، واللي بعمله معاها ده مش منة ولا واجب تقيل.. لأ.. أنا ماما علمتني ان كل حاجة بتترد بنفس صداها.. لما بنعمل خير أو صح بيعود علينا.. وانا يهمني اكسب مامتك لأنها أهم شخص عندك.. وأكيد عندي انا كمان..  



+




_ بحبك.. مش لاقي كلمة تانية ارد عليكي بيها


_ ودي تكفيني وبتسعدني فوق ماتتصور، أوعى ياعامر تبطل تقولهالي..حبني دايما.. ماتجيش في يوم تهملني وكأني مش موجودة في حياتك..


_ هسيب الأيام الجاية ترد عليكي.. بس انتي انجزي اللي فاضل في شقتنا.. محتاج نتجمع في اقرب وقت


_ ربنا يقرب البعيد..ممكن بقى تروح تنام عشان تيجي الصبح بدري


_ طب وانتي هتنامي؟


_ أيوة هنام ماتقلقش


_ ماشي.. تصبحي على قلبي.. 


_ وانت من أهل الخير ياحبيبي.. 


……… 


أشرقت الشمس وذهبت جوري للمرحاض، بينما صدح رنين هاتف والدة عامر، فأجابت:  صباح الخير يا حاج


_ صباح الخير يا حاجة.. طمنيني عليكي عاملة ايه البيت مالوش حس من غيرك والله


_ خلاص هانت وهخرج انهاردة.. أزمة وعدت


_ ويارب مايعيدها تاني


_ يارب.. بس تعرف يا حاج.. خطيبة عامر دي طلعت بنت أصول اوي وشخصيتها جميلة ودمها خفيف.. والأهم من كل ده عاقلة جدا.. ( وواصلت) بالليل وانا بتقلب سمعتها بالصدفة بتكلم ابني وبتقوله كلام عني ريح قلبي من ناحيتها..أنا متهيئلي ما كانش هينفع ابننا غيرها.. بتعرف ازاي تتعامل معاه صح..


_ ده من دعانا له هو واخواته.. عامر بالذات كنت بقول مين هتتحمل طباعه بالذات اما يتعصب بيبقي مجنون.. 



+




_ صدقت يا حاج..وشكله بيحبها اوي.. وهي كمان بتحبه وبتحترمه وتخاف عليه وده اللي عجبني فيها..ربنا يهنيهم


_ اللهم امين.. المهم انك هتنوري البيت انهاردة.. ربنا مايحرمني منك يا غالية


_ ولا يحرمني من حسك في الدنيا.. 


_______________



+




_ كان نفسي اوصل طنط معاك ياعامر واشوف والدك زي ما طلب مني في التليفون.. بس والله عطر أكدت عليا اني لازم اروح اشتري معاها حاجات لشقتنا ولازم اختارها بنفسي..


_ ياحبيبتي عارف ولا يهمك، كفاية وجودك مع ماما 


طول الليل واهتمامك بيها.. ولما تفضي هاخدك عندنا تقضي يوم مع باب وماما.. المهم يا جوري تنجزي شقتنا.. عايز نحدد فرحنا لأن بجد صبري نفذ محتاج استقر.. 


_ هانت باحبيبي والله،  يمكن الأسبوع الجاي نظبط معاد الفرح انا وعطر ماتقلقش.. 


_ يامسهل.. يلا عشان اوصلك وارجع اخد ماما. و


______________



+




الفكرة تضوي في عقله منذ أيام..لا يعرف هل سيكتمل الأمر كما يريد أم لا.. لكنه سيحاول.. فرحة وسعادة فواحته تساوي الكثير.. ويعرف كم ستروقها المفاجأة التي يعدها لحفل زفافهما..لقد وعدها أن ليلتهما لن تُنسى..



+




التقط هاتف مكتبه وحدث سكرتيرته وقال: 


سيرين عايزك تجيبي رقم "… ." ضروري..منتظرك. 



+




أغلق الهاتف منتظرا أن يتواصل مع هذا الشخص، فلن يدع له مجالا للرفض، وهو كفيل بكل ما يطلبه، المهم تنفيذ رغبته.. 


دقائق وصدح الرنين فأجاب سريعا:  ها يا سيرين عملتي ايه؟


_ جبت رقمه يا باشمهندس وهوصل حضرتك به حالا



+




وأخيرا وصل صوته لمسامع يزيد فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا أسف جدا للإزعاج بس محتاج منك خدمة واتمنى ما ترفضش طلبي


_ اتفضل تحت أمرك


_ الأمر لله وحده.. أنا عايز منك.!


وراح يسرد عليه طلبه والأخر يستمع دون مقاطعة.. وبعد انتهاء يزيد من حديثه قال الشخص الأخر..!!! 


فلندع معرفة رد الشخص وماهيته للحلقة القادمة! 


_____________

تكملة الرواية من هناااااااا 



تعليقات

التنقل السريع