القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الفصل السابع وعشرون والثامن وعشرون بقلم دفنا عمر

 رواية حصنك الغائب الفصل السابع وعشرون والثامن وعشرون بقلم دفنا عمر       




رواية حصنك الغائب الفصل السابع وعشرون والثامن وعشرون بقلم دفنا عمر                  



الفصل السابع والعشرون


______________



+




رأسها يتقلب على وسادتها يمين يسار وقطرات عرقها تسيل علي جبهتها حتى ابتلت خصلاتها الثائرة.. ملامحها تتقلص وكأنها ترى تفاصيل مزعجة..وتسمع أصوات آتية من قبو ذاتها المظلم..!



+




"أوعدك إنك هتعيشي يوم مش هتنسي تفاصيله لفترة طويلة!..هيعلم جواكي فوق ماتتصوري!"



+




"الحفلة هتكون على شرف الملكة بلقيس نفسها..!"



+




من أين يأتى صوت تيماء؟ تسمع أمواج البحر تثور بأذنيها.. هواء بارد يلفحها..يرجفها فتشعر بالبرد..!



+




"قلت برة لحد مايجي دوركم معاها.. سيبوني اخد مزاجي من غير وجع دماغ!"



+




"مقاومتك مهما كانت هتتكسر قصادي.. وأديكي اختبرتي قوتي بنفسك.. مش هتقدري تتخطيني أبدا مهما حاولتي.."



+




صدى الكلمات يعلو داخلها ..الرجفة تزداد بجسدها عروقها تنفر..! أصوات تدفق في دهاليز عقلها والصور تتضح رويدا..!



+




تيماء! 


كاسة العصير..!


تحضيرات عيد الميلاد..!


خمسة رجال يطالعوها بنظرات بذيئة..!


صفعة وغد تدمي شفتيها ..!


ركلات من كل صوب..بكاء..  صراخ..خوف..!


حقيبة سيارة.. أسلاك تتمزق ..


غلاف كشاف ملون يتساقط..!


ودوار ثم دوار..يليها همهمة حانية!



+




( متخافيش واطمني.. انتي في أمان.. محدش هيأذيكي ابدا..! )



+




وعبق يغزو رئتيها ومعطف يحتضن جسدها و…



+




صوت والدتها يقتحم الكابوس الذي تحياه.. 


أين هي؟..تحتاجها بشدة! 


وتشتاق أبيها وأمانه..!



+




_ بلقيس.. فوقي يابنتي..انتي سمعاني؟ بلقيس ردي عليا..!



+




ألحقني ياعاصم..بلقيس بتتخنق! 


________________________



+




_ أهدى ياسيد عاصم.. أنا عرفتك ان هيكون في رد فعل نفسي لبقيس وهي بتسجلب أسوء ذكرايات كانت مدفونة في عقلها الباطن..! هي دلوقتي مجبرة تواجهه نفسها..هي لازم تساعد روحها وتحررها من قيد التجربة دي.صحيح بتتألم بس ده شيء ضروري في طريق شفائها تماما..عمر بلقيس ما هتعرف تبتدي حياتها من جديد غير لما تخرج كل اللي جواها..وهي عملت ده معايا فعلا..واحنا دلوقتي في مرحلة التعافي..زي المريض اللي عمل عملية وخيط جرحه وفاق من البنج بيتألم رغم نجاح علاجه..انت فاهمني؟ 



+




تجرع ريقه بخوف:  فاهمك بس انا خوفت عليها اوي يادكتور.. كانت غرقانة في عرقها ووشها أزرق كأن حد بيخنقها ودموعها بتنزل رغم انها نايمة.. بكلمها ومش سامعاني انا ووالدتها واحنا بنصحيها.. انا خوفت يجرالها حاجة.. وروحي راحت مني، بس ربنا لطف بينا لما فتحت عنيها تاني وهي بتلهث كأنها كانت بتجري مسافة طويلة!



+




_ ده لأنها كانت بتتصارع مع عقلها الباطن اللي نبشت فيه لأول مرة من وقت الحادث.. هي اتكلمت عن حاجات كتير مش مرتبة بس انا قدرت افهما.. واللي هي فيه ده لأنها بتقاوم المخاوف والذكرايات السيئة اللي بتحاول تقيدها تاني.. بس ده مش هيحصل.. بلقيس بقى عندها حافز قوي يخليها تقاتل عشان تقف على رجليها..في رغبة حقيقية انها ترجع..ومن دلوقت بطمنك وبهنيك لأنها بعد زيارتها لعيادتي مش هتكون ابدا زي ماكانت قبلها، وقريب اوي هتكون اتعافت وهتقدر تمارس حياتها طبيعي.. هحتاح معاها كام جلسة مع بعص الأرشادات لظافر لأن دوره لسه مستمر.. انت بس اهدي وبلاش قلق.. صدقني الصعب عدى، والجاي هو السهل بأمر الله! 



+






                


_طيب ممكن تقولي هي قالتلك ايه؟



+




_ مستحيل..مافيش حرف بلقيس قالته ليا حد هيعرفه..حتى انت يا سيد عاصم.. لأن دي منطقة الثقة اللي بيني وبين مريضتي..هي لما تتعافي لو حبت تحكي حاجة هي حره ده هيكون قرارها..!


_ خلاص يا دكتور زي ما حضرتك شايف..المهم بنتي تكون بخير..وماتكونش ضعيفة تاني ومافيش مخلوق يأذيها..!



+




_ اطمن هي وسطيكم ومافيش شيء هيئأذيها..وانا سبق وقلت ان البنت دي قوية جدا وذكيه ومش هيتخاف عليها بعد كده..!


_________________



+




رفض الإفصاح عن ما ذكرته بلقيس حين تسائل..ولا يلومه هو بالنهاية طبيب يحافظ على اسرار مرضاه..لكنه كان يتمنى ان يعلم كل خباياها..هل ستقصها له يوما؟ وكيف يتكون علاقتهما..هل بدأ منحنى الفراق المحتوم بينهما؟..بعد أن تحررت كما قال الطبيب ولم تعد تحتاجه كالسابق؟ لا يعلم..لكنه حقا سعيد لعودتها للحياة..فآن آوان فطامها منه..حتما ستصبح اقوى..أصلب..خطواتها ستدب على الأرض بقوة..لن تترنح خوفا بعد الآن..لن تستجدي أمانه..!



+




نغمة هاتفة اقتحمت أفكاره..نظر لهاتفه بلهفة علها تكون هي..لكن الخيبة كانت نصيبه..مجرد رسالة من شركة الاتصالات..مؤكد هي نائمة الآن..!



+




نغمة اخرى صدحت..لم يكترث..لم ينظر لهاتفه..لا يريد خيبة أمل أخرى..لكن الصوت تكرر فاعتدل بوهن نبع من داخله لتتسع عيناه وهو يرى حروفها تتراقص فوق شاشة الهاتف..!



+




_ ألو..انتي صاحية..عاملة أيه طمنيني عليكي يا بلقيس!



+




لم يصله من الطرف الأخر سوى صوت أنفاسها مع صمتها..



+




_بلقيس انتي سمعاني؟



+




صمت جديد كان جوابها..هل مدركة لما تفعل؟


ام هاتفته وهي بوعي غائب!



+




_حلمت بكابوس وخايفة انام تاني!



+




همست له وصوتها واهن خائف، فطمئنها بصوت شديد الدفء: متخافيش ده مجرد كابوس..اقرأي أواخر سورة البقرة وخوفك هيروح وهتعرفي تنامي!



+




_مش قادرة اركز..اقراها انت!



+




استنجادها به الذي استشعره بصوتها استنفر حميته وأثار عطفه..فأطاع وهو يرتل بأذنيها آيات القرآن..حتى سمع انتظام أنفاسها..ناداها لم تجيب فتأكد من غفوتها..! أغلق الهاتف وعاد مستلقيا على ظهره وعقله يعج بالأفكار..ماذا سيحدث بعد ذلك..هل ستذهب للطبيب مرة أخرى.. يتمنى أن يعلم كل ما حدث معها وأن ما عاد خطرا يهدد سلامتها..!


________________________



+




عبرت خارج بوابة منرلها، مودعة والديها على أعتابها..بعد أن استطاعت بالأخير تنفيذ رغبتها والسفر دون مرافق، فلم تعد صغيرتهم وقد أصبحت أمًا ترعى لطفلا، ويجب عليها خوض كل أمورها بمفردها بعد الآن.. خاصتا أن أهل زياد لم يروا مهند سوى مرة واحدة حين زاروها في منزل العم أدهم عند حضورها من السفر ..! ولم ينقطع تواصلها معهم يوما بإرسال الصور والفيديوهات للصغير..!



+





        



          



                


بخضم شرودها، لاحظت سيارة تقترب منها بشكل مريب.. أسرعت بقيادتها، فازدادت سرعة السيارة التي تتبعها، حتى أنها تجاوزتها وعاقت طريقها وأجبرتها على الوقوف! رجفة خوف تخللت أوصالها من احتمالية أن يكون قاطنها أرعن يحاول مضايقتها، لكن سرعان ما تبدلت مشاعرها لدهشة حقيقية وهي تتابع صاحبها مترجلًا من سيارته متوجهًا إليها بقامته الفارعة ونظرته الهادئة! 



+




_ عابد!!! 



+




همست مذهولة وهي تراه مُقبلًا عليها متمتما: أكيد.. ومين غيري! 



+




قطبت حاجبيها بضيق وهي تغادر السيارة، وعقدت ذراعيها هادرة: ممكن افهم في ايه بالظبط.. وجيت ورايا ليه؟ وبعدين دي طريقة توقفني بيها؟ أنت رعبتني!



+




تمتم بتهكم:  أمال اوقف حضرتك ازاي؟


ثم تمتم ليستفزها:عموما أنا جاي معاكي! 



+




رفعت حاجبيها باستنكار:  نعم؟ جاي معايا؟؟ ومين هيسمحلك بكدة؟! 



+




لم يجيبها واتجه للصغير وأعاده للمقعد الخلفي محكما عليه حزام الأمان، ثم صعد وأخذ مكانه خلف مقود القيادة تحت أنظارها الذاهلة، وتمتم غير عابيء بدهشتها: يلا اركبي يا زمزم.. مش هنفضل واقفين كده .الطريق لسه طويل! 



+




هدرت بحنق:  أنت ايه اللي عملته ده؟! مين سمحلك ترجع ابني ورى وتركب مكاني وبتؤمرني كمان اركب جمب سيادتك.. انت في حاجة في دماغك ياعابد؟"



+




هتف بصرامة: اسمعي يازمزم.. إنك تروحي لوحدك ده اللي مش مسموح.. وعلى فكرة عمي محمد عارف اني رايح معاكي.. ودلوقت ياريت تركبي وتبطلي اعتراض.. خلينا نقضي مشوارنا على خير ونرجع بالسلامة زي ما وعدت عمي..!



+




أضيقت حدقتاها بشدة:  يعني بابا اتفق معاك على كده؟!!! وأنا عمالة اقول لنفسي وافق بسهولة ليه على طلبي بعد ما كان مش راضي! 



+




وواصلت بغيظ وهي تدب بقدميها أرضًا: أنا مش عيلة صغيرة قصادكم عشان تعاملوني كده.. اتفضل ياعابد ارجع عربيتك وسبني امش لوحدي مع ابني! 



+




حدجها بنزرة مريبة وغمغم:  يعني مش هتسمعي الكلام وتركبي؟!



+




أجابت بعناد:  لأ.. وأنزل من العربية لو سمحت! 



+




هز رأسه ببساطة: خلاص براحتك..أنا هرجع انا ومهند بعربيتك..ومفتاح عربيتي معايا.. كملي طريقك لوحدك! وابقي قابليني لو عربية واحدة عدت من هنا أصلًا.!



+




واستدار بالسيارة منحرفًا بزاوية تتيح له بدالعودة خلفًا، ثم انطلق تحت أنظارها الذاهلة وفمها المنفرج ببلاهة غير مصدقة انه يعود تاركا إياها في الطريق..! 



+




سريعا انتشلت نفسها من سيطرة دهشتها، وركضت خلفه تهرول ملوحة بذراعها گ الضائعة بصحراء منادية عليه بصياح يمتزج بحنقها.. فأوقف السيارة منتظرًا أن تأتيه ركضا فوصلت إليه تلهث، متمتمة بغضب شديد:  لعلمك.. مش ..هسامحك على ..تدخلك ده! 



+





        


          



                


أردف بابتسامة سمجة لاستفزازها:  طب خدي نفسك الأول.. واركبي خلينا نمشي.. ونبقي نشوف موضوع مسامحتك ده بعدين! 



+




رمقته بنظرة نارية وجلست جواره..فأنحرف بالسيارة مرة أخرى ليسلك طريقها الأول.. متجاهلًا عن عمد زفراتها الغاضبة ونظراتها الساخطة عليه! 


___________________



+




هتفت عبير براحة:  بتتكلم بجد؟! يعني عابد راح وراها وهيرجع معاها؟!


محمد بثقة:  طبعا.. امال هسيب بنتك المجنونة تروح اسكندرية لوحدها.. أنا طلبت منه  بالليل انه يحصلها في الطريق ويروح معاها ويسبلي مفتاح عربيته التاني عشان اروح اخدها مكان ما حصلها..!



+




_ وانت عارف سابها فين؟


_ ايوة هو بعتلي رسالة عرفني مكانها وهروح اجيبها واجي..وهعدي على ادهم في طريقي!



+




ابتسمت بعد أن زال توترها: ماشي يامحمد والحمد لله انك عملت كده.. مادام عابد ابن عمها معاها هكون مطمنة..هروح انا اشوف محمود لو عايز حاجة! 



+




_ماشي وانا مش هتأخر عليكم..عشان اجي امشي محمود في الجنينة شوية زي ما نصح الدكتور..! 



+




تمتمت بدعاء:ربنا يشفيه قريب يامحمد ويرجع يتحرك براحته..الولد ياحبيبي مخنوق من القاعدة ومش متعود على كده!


_معلش هانت..وقدر ولطف ياعبير..المهم انه بخير..ومسألة وقت وهيرجع احسن من الأول..ده كلام الدكاترة.. انا ماشي بقى عايزة حاجة؟


_شكرا يامحمد في رعاية الله!



+




___________________



+




كانت تظن انها ستبذل مجهودا لمجاراة دعابات زميلها حسام كما نصحتها جوري..لكنها لم تقدر على كبت ضحكها على مزحته فقهقهت دون أن تلاحظ نظرات يزيد النارية صوبها..فأرسل بطلبها فور صعوده لمكتبه وهو يتوعدها بذاته لتجاهلها تحذيراته بألا تتباسط مع حسام هكذا، واليوم ضربت بحديثه عرض الحائط وهي تتشارك معه الضحكات حين انضم لطاولتهم أثناء وجبة الغداء!.



+




طرقتها نبهته من شروده وجعلته يتحفز وهو يدعوها للدخول، وما ان فعلت حتى هتف بتهكم:  اهلا بالباشمهندسة العاقلة اللي بتراعي تصرفاتها كويس!



+




همست ببرود تعمدته: ايه لازمة التريقة دي يا باشمهندس!



+




اقترب منها هادرا بعد ان سقط قناع بروده: لازمتها انك عايزة تتظبطي ياعطر.. تقدري تقوليلي ايه لازمة ضحكك مع حسام بالشكل الفج ده؟ هو أي حد تهزري معاه وتضحكي زي الهبلة؟



+




استاءت من اتهامه المبطن أنها فتاة غير مهذبة..فمنحته نظرة ثلجية وهتفت: شكرا لذوقك يا باشمهندس.. بس انا مش هبلة وحدودي عارفاها كويس وضحكي مبرر وله سبب..ده زميل وعادي لما اضحك على حاجة قالها..ثم أشعلت أكثر بقولها: وبعدين محدش له عندي حاجة ولا من حقه ينتقدني حتى انت! 


وهمت بتركه غير عابئة بسهام عيناه الغاضبة وهي تقول:  وعن إذنك عشان عندي شغل كتير حضرتك كلفتني بيه! 


ابتعدت خطوتين فتعثرت برباط حذائها الرياضي وكادت أن تقع فقبض على ذراعها بقوة وهمس وهو يجز على أسنانه حنقا:



+





        


          



                


_هتفضلي طول عمرك غبية في تصرفاتك.. كام مرة قولتلك بلاش تلبسي الهباب ده اللي بيوقعك كل شوية زي الأطفال.. أغلطي مرة والبسي جزمة عادية زي البنات! 



+




دائما يتفوه بأكثر ما يغضبها حين يلوح بطفولتها، فيطلق مارد جنونها من عقاله وهي التي تحاول تحجيمه قدر استطاعتها لتبدو أمامه تلك الأنثى الناضجة، لكن هيهات أن تحتفظ بقشرة برودها..هدرت به غير واعية لما تقوله:



+




أنا مش غبية ولا طفلة يا يزيد..أنا ست البنات كلهم غصب عن أي حد..ولو سمحت ما تسخرش مني مرة تانية.. أنا البس اللي يعجبني ومايهمنيش رأيك ولا رأي غيرك! 



+




وتحركت من أمامه گ العاصفة ونست أن رباطها مازال محلولا.. فتعثرت مرة أخرى فتلقفتها ثانيا وما أن توازنت بوقفتها حتى برقت حدقتاه بنظرة مشتعلة وهتف بنبرة شديدة الصرامة: خليكي واقفة ماتتحركيش! 


وجثى على ركبتيه وشرع بعقد رباط حذائها عدة "عقد" قوية.. ثم انتصب على قدميه ثانيا امام مقلتيها المتسعة ذهولا من فعله..!



+




ومال عليها وعيناه ترسل شررا مع تحذيرا رادع رافعًا سبابته بوجهها مردفا الكلمات بقوة: أول وأخر مرة ياعطر تتكلمي معايا بالطريقة دي وتعلي صوتك عليا.. مفهوم؟؟؟؟



+




تجرعت ريقها خوفًا منه وهزت رأسها دون أن تتفوه بحرف..فواصل بنفس النبرة القوية القاسية: وماتهزريش مع حسام تاني..مفهوم ده كمان ولا لأ؟؟؟


أومأت مرة أخرى وعيناها تخاف أن ترمش فتغضبه.. متعلق بصرها بمحياه الصارم..فابتعد مشيرا لها أن تغادر.. فهرولت تتنفس الصعداء بعد أن أطلق صراحها..! 


______________________



+




"انت ناوي تغير نشاط وهتفتح محل اكسسوارات ياعامر؟"



+




_لا ياستي..ده تدبيسة كدة وقعت فيها..وقلت مافيش غير اختي سماح حبيبتي اللي هتساعدني هي والارانب بتوعها


_ماتقولش على ولادي أرانب.



+




_خلاص حقك عليا..انجزي بقي انتي ماخلصتيش ولا عقد..واوعي تلخبطي في الالون..اشتغلي بضمير


_ماشي يا سيدي..بس هاخد واحد منهم!


_لأ دول محجوزين..بس اوعدك الاسبوع الجاي هعملك انا واحد احلي منهم بس ساعديني في دول



+




ثم التفت لوالدته مشجعا وهي تلضم حبات الخرز:


حبيبي الرايق اللي شغال ع الساكت ومركز.



+




والدته بحنق:اسكت بقي انا عيوني اتحولت ومش عارفة اكمل!


_معلش يا ماما كملي بس اللي في ايدك ويبقي كتر خيرك يا أصيلة!



+




"يا حاجة..فين قهوة العصاري انتي نسيتيني ولا ايه؟"



+




نفضت حبات الخرز من حجرها ونهضت امام عامر المذهول وهي تلبي طلب زوجها: عيني يا حاج..اعمل ايه في موال ابنك اللي طلع في المقدر جديد، معرفش هيعمل ايه بالسلاسل دي كلها..!



+




عامر باستنكار: ايه ده يا ماما؟! انتي رميتي الخرز وقومتي كده مجرد ما ابويا ندهلك؟هو مافيش شخصية؟؟؟ مش في ايدك شغل واتفقت معاكي اتفاق ولازم يتنفذ؟؟؟؟



+





        


          



                


نكزه أبيه في مؤخرة رأسه: احترم نفسك وعيب عليك تشغل امك دي نظرها ضعيف من غير حاجة..كفاية مشغل اختك بعيالها من ساعة ما جم عندنا..!



+




_كده يا بابا..بدال ما تساعد معانا..هتاخد الحاجة وتقلل عدد العمالة عندي؟



+




سماح مقهقهة: حلوة عدد العمالة دي..طب بقولك ايه الواد ابني شكله جاع..خد البيبرونة دي رضعه على ما اخلص!



+




_نعم يا اختي؟! عايزاني ارضع ابنك؟


_وماله انت مش خاله؟ وشمه بالمرة يمكن عايز يغير البامبرز



+




مسح عامر على وجهه بنفاذ صبر ثم غمغم: بقولك ايه يابت انتي..قومي مش عايز منك حاجة انا هعملهم لوحدي وامري لله!



+




ضحكت ثم صاحت بمزاح: ماتزعلش ياعموري بهزر معاك..هو انا عبيطة اسيبلك الواد ابني تأكله؟!..ده انت ممكن ترضعه في مناخيره بدال بقه..بص انا هقوه أرضعه وارجع اكمل ماتحملش هم!



+




_حبيبة قلبي ياموحه..والله ماطلعت من العيلة دي غير بيكي وعشان كده هاتي البيبرونة انا اللي هأكل حبيب خالو وانيمه كمان..!


____________________



+




يانهارك ابيض؟! شغلت والدتك واختك وولادها وخليتهم يعملوا الاكسسوارات اللي طلبتها جوري؟



+




_طب وبالنسبة للبامبرز اللي غيرته لابن اختي؟التفصيلة دي مالفتتش نظرك؟



+




_تستاهل عشان تبطل كدب..قولتلك قول الحقيقة بدال ما الأمور تخرج من ايدك!


_ يابني والله كل مرة مالقيش الوقت ولا المكان مناسب اعمل ايه طيب


_ماشي ماهو كده هتفضل البنت تعاملك على انك غلبان..وهتحاول تساعدك باستمرار..والمرة الجاية هتطلب منك عدد اكبر وهي فاكرة انها بتعمل خير!



+




لانت ملامح عامر بابتسامة حالمة:


_ماهو ده اللي عاجبني فيها يا ظافر ..قلبها الطيب والحنين ورقتها جاذبني بشكل مش قادر اقاومه، عمري ما صادفت بنت زيها..وبتلكك عشان اشوفها تاني..



+




_ امممم..هو الموضوع هيتطور معاك ولا ايه يا صاحبي!


تنهد بحرارة: هو اتطور خلاص..وبصراحة البنت دي عاجباني!


_يعني تقصد انك؟



+




_حبيتها ياظافر..!



+




غمغم الأخير بغير تصديق: حبيتها؟ بجد ياعامر؟



+




قال بثقة: أه والله..وناوي اخطبها كمان..!


وواصل بقلق: بس هي تسامحنى على كدبي الأول!



+




_ هتسامحك أكيد حتى لو بصعوبة.. بس حاول تختار الطريقة الصح وهتنول سماحها ..المهم فعلا تنهي اللعبة السخيفة دي وتعرفها بنفسك صح ياعامر!



+




_حاضر والله ناوي على كده وربنا يستر..!


_____________________



+




يتجاهل زفراتها الغاضبة ويقود بهدوء مداعبا الصغير من حين لأخر في المرآة، فنظرت له بطرف عيناها: ممكن حضرتك تشوف اقرب استراحة عشان اغير لمهند واشطفه وادهنله كريم؟ جلده حساس مش بيتحمل حاجة!



+





        


          



                


_ عشر دقايق وهنوصل لاستراحة!


...............


في إحدة الاستراحات!



+




_خلصي مهند وهروح اشتري حاجة نشربها على ماتيجي..عايزة حاجة معينة؟


_ ياريت نسكافيه يظبط دماغي شوية!


_ماشي..هستناكي برة!


...............


أقدمت عليه بعد أن حممت الصغير فوجدته يداعب طفلة صغيرة ويهديها مغلف من الحلوى التي ابتاعها..ابتسمت لجمال الطفلة وقبلتها وجلست أمامه مغمغمة: ماشاء الله بنوتة جملية اوي ربنا يحميها


عابد بمزاح: دي اما تكبر هتقلب الدنيا


ضحكت هاتفة: بصراحة عندك حق بنت عسولة..ثم نظرت له مغمغمة: على فكرة ياعابد..أنت هتكون اب حنين اوي!



+




طالعها بنظرة مطولة ثم همس بغموض: هطالبك بالكلمة دي في يوم من الأيام..اوعي تنسيها..!



+




زوت مابين حاجبيها: يا سلام؟ ليه يعني؟ عموما عادي وانا هخاف!دي شهادة حقك يا ابن العم!


وواصلت متذكرة شيء: صحيح مش انت يوم فاتحة بلقيس قولتلي في واحدة ناوي تخطبها؟ بأمارة ما طلبت مني اكلمها عنك!



+




تنهد وهو يقرب إليها مشروب النسكافيه: حاسس الوقت لسه مش مناسب..ثم رمقها بنظرة أكثر غموضا: أنا عارف انها ليه مش مستعدة للخطوة دي! 



+




ارتشفت بعضا من مشروبها ثم قالت: ربنا يكتبلك الخير وينولك اللي بالك!


_دي أحلى دعوة محتاجها..اني انول اللي في بالي!



+




_ألحق ياعابد البنت اللي كان هنا من شوية عمالة تعاكس مهند!


ضحك بعد ان استدار يشاهد ماتفعله الفتاة وقال: ابننا بردو مش قليل وثابت نفسه!


_طب يلا بقى نكمل طريقنا عشان نوصل بدري وحماني تشبع من مهند!


نهض بعد أخر رشفة من مشروبه: يلا هحاسب بس ونمشي على طول!


.............


غفى مهند وأرخت هي الأخرى رأسها على حافة المقعد وغلبها النوم جواره، فابتسم وطالعها بحنان ثم هدأ من صوت الراديو وأبطأ من سرعته حتى لا تنزعج وشعر بسعادة طاغية وهو يتخيل انهم كأسرة صغيرة..ولن يتوانى عن تحقيق هذا الحلم..لكنه يحتاج الصبر الذي لا ينقصه ولن يمله!


__________________



+




يتابع بتفهم تلك المشاعر الجياشة والعناق الحار المتبادل بين زمزم والحماه والدة زوجها الراحل.. والتي تركتها  لتحتضن حفيدها مهند وتبكي وهي تتفحصه متمتمة كم يشبه ملامح أبيه..ورغم تفهمه لكل مايحدث انتابه الضيق كلما تبادلوا تفاصيل وأحاديث ووصايا زياد وتستعر بقلبه نار الغيرة خاصتا حين لمح صورة تجمع زمزم وزوجها بيوم الزفاف..السيدة تحتفظ بها تذكارا وعلقتها على الجدار المطلي كامله باللون الأبيض..وهاهي تتجه أنظارها إليه بعد أن لاحظته أخيرا من خلف زجاج نظارتها السميكة!



+




_لا مؤاخذة يا ابني نسيت اسلم عليك سامحني!


_ولا يهمك أكيد كنتي مشتاقة لحفيدك!



+




عادت تطالع الصغير هامسة بمحبة: مشتاقة بس؟ ده انا روحي اتردتلي لما شوفته..كأنى شايفة ابوه..نفس ملامحه وهو في عمره!



+




وواصلت وهي تعود النظر إليه: أنت عماد ابن عم زمزم؟


ابتسم وقال: قصدك عابد ..ابن عمها زي ما قالتلك!


_يا اهلا وألف مرحب يا ابني اتفضل..ياسر ابني زمانه جاي، كان منتظركم بس اضطر يروح مشوار مهم!



+





        


          



                


زمزم: عادي يا طنت يجي براحته!..



+




هتفت السيدة بعد أن قبلت الصغير: أنا جبتلك حاجات حلوة من العمرة تعالى نجيبها سوا..ثم نظرت لزمزم وواصلت:



+




_اتفضلوا ارتاحوا على ما اجيب الهدايا بتاعتك انتى ومهند!



+




_طب هاجي معاكي اساعدك في اي حاجة!



+




_لا يا حبيبتي خليكي مع ابن عمك دقايق وجاية!


........


همس عابد بعد ذهابها: شكلها طيب اوي وفرحانة بمهند!


_طبعا ياعابد مش حفيدها..!



+




ولمحت للمرة الأولى صورتها المعلقة مع زوجها، فاقتربت وبصرها مأسور بها وغمغمت بصوت متهدج: زياد بعتهالها تاني يوم جوازنا..!


رغم انها تعطيه ظهرها لكنه ايقن أنها عيناها تدمع مع نبرة صوتها وهي تواصل: تفتكر هو حاسس بينا دلوقت ومبسوط انى زورت مامته؟ اكيد روحه فرحانة..زياد كان بيحب مامته جدا وكان بيخطط ازاي هنقسم وقتنا بينها وبين بيتنا..! 



+




"أكيد روح اخويا مرتاحة وفرحانة بزيارتكم لينا"



+




التفتت هي وعابد فور سماع صوت أحدهم في الخلف..فعرف الأخير عن نفسه: أسف أنى اقتحمت عليكم المكان كده بدون انذار..! أهلا بيكي يا مرات اخويا..ومد كفه بتلقائية تجاه زمزم رغبة بالسلام.. فقاطع طريق يده كف عابد التي التقطت كفه مغمغما بجدية: اهلا بيك يا استاذ ياسر..معلش بنت عمى مش بتسلم على راجل غريب! أنا باشمهندس عابد ابن عمها..!



+




حمحم الأول بحرج وقال: أه..تشرفنا يا باشمهندس..وأسف مأخدتش بالي مديت ايدي بعفوية!


أومأ عابد بابتسامة مجاملة، وتمتمت زمزم لتخفف عنه الحرج: محصلش حاجة يا أستاذ ياسر..على فكرة زياد كلمني كتير عنك كان بيعزك جدا..!



+




_الله يرحمه زياد كان أحن أخ..ربنا يحسن مثواه..وواصل وهو يتلفت حوله: امال فين مهند ده وحشني اوي!



+




وقبل أن تجيبه أتت الجدة تحمل الصغير ومعها بعض الأغراض..فتلقفه وراح يغدق عليه بالحلوى التي احضرها مسبقا لأجله


أما السيدة فاستعرضت كم هائل من الملابس لحفيدها..ثم التقطت سلسال ذهبي وأعطته لزمزم قائلة: ودي هديتك يا حبيبتي يارب تعجبك!



+




راقها كثيرا السلسال الذهبي وأسم صغيرها يتدلى بمنتصفه فهتفت بإعجاب حقيقي: الله ياطنت شكلها تحفه..تسلم ايدك وذوقك!


ابتسمت السيده وقالت: مبروك عليكي حبيبتي..توعديني تفضل تلبسيها دايما؟


_أوعدك طبعا مت هتتشال من رقبتي ابدا..!


................


انقضى اليوم سريعا في بيت والدة زوجها وحان وقت رحيلها..ففاجأتها الحماة بطلبها هاتفة:



+




_ماتخليكم معايا كام يوم يا زمزم انا لسه ماشبعتش من مهند..!



+




بوغتت بطلبها ولم تعرف ماذا تجيب..فنظرت لعابد تستنجد به فشعرت بعدم رضاه عن الفكرة لكنه صمت فالقرار ليس بيده..!..واصلت السيدة لأقناعها: وماتقلقيش من ناحية  ياسر لأنه هيبات في الشقة اللي تحت وابن عمك هينورنا ويكون معاه..يعني هنبقى أنا وانتي براحتنا..! 



+





        


          



                


ثقل لسانها ثانيا لا تعرف ماذا تقول، فقال عابد:


للأسف انا مش هقدر استنى..لو زمزم هتفضل براحتها..لكن انا همشي وهاجي تاني اخدها وقت ما تحب ترجع!


ياسر: انا اتمنى تفضل معانا يا باشمهندس..بس لو مصمم تمشي..ماتحملش هم مرات اخويا وقت ماتحب ترجع المنصورة أنا هوصلها لحد بيتها..!



+




اقتامت حدقتي عابد وقطب جبينه بشدة وسعرت زمزم أنه سينفجر من اقتراح ياسر التى داخلها لم يروقها نظراته لها خاصتا حين لمحت والدته انها تتمنى تزويجه بوقت قريب وراحت تعدد في مزايا بشكل مبالغ فيه..!



+




حسمت أمرها هاتفة:


معلش ياطنط خليها مرة تانية هتكون ماما معايا وأكون أنا عاملة حسابي في احتياجات مهند..أوعدك قريب هاجي وافضل معاكي كام يوم..ده غير حضرتك لازم تزورينا وتقضي معانا فترة..احنا خلاص اتنقلنا بيتنا واستقرينا ومنتظرينك في أي وقت..!


............


تعرف أنها أحبطت أمنية والدة زوجها الراحل..لكن ماذا تفعل وهي لا تعتاد الأماكن الغريبة بسهولة ولم تكن مستعدة نفسيا للمبيت معها..ولا تنكر ضيقها الخفي أن يغادر عابد ويتركها..شعرت بقبضة غريبة بقلبها..لا تقدر على تفسيرها..لكن كل ما تدركه انها لم تريده أن يغادر دونها..!


................


في السيارة!


تسائل وعيناه مصوبة للطريق: 


_ليه مارضتيش تقضي مع حماتك يومين زي ما طلبت منك؟


_لأنك كنت هتمشي وتسيبني!



+




رمقها بنظرة ثاقبة بمرآة السيارة، فتداركت قولها سريعا: قصدي يعني انت كنت هتمشي وانا مش واخدة على المكان هناك..بصراحة مجرد التخيل حسسني بالغربة.. ماكنتش هنام ولا هاخد راحتي!


صمت برهة وقال: أنا ماكنتش اقدر اعترض لأن معنديش السلطة اللي تمنعك..بس كنت هكون مضايق لو وافقتي تفضلي هناك..خصوصا بوجود الأخ  ياسر..!


_ليه ماله ياسر؟


_معرفش ماكنتش مرتاح له


_عشان كده اضايقت اما قال انه هيوصلني؟


هتف بحدة: طبعا..وأكيد ماكنتش هسيبك تتحركي معاه خطوة واحدة!



+




صمتت تطالعه برهة متعجبة حدته، ثم تغاضت عن الأمر هاتفة ببساطة: اطمن..اصلا ماكنتش هخلي حد يوصلنى..انا مش صغيرة وأن كنت انت وبابا خلتوني قدام أمر واقع لما جيت ورايا..مش دايما هرضى بكده


غمغم بتهكم: ده على أساس انه بمزاجك؟


استفزها سخريته فقالت بحنق: امال مزاح مين؟


لعلمك انا مش هفوت الحركة دي مع بابا ..ليا معاه عتاب كبير لما اروح!



+




هز رأسه مبتسما باستفزاز، فهتفت بضيق: ماتضحكش ياعابد..والله ما هسكت!


ضحك رغما عنه فجزت على أسنانها بغيظ:


ماشي..هتشوف هنفذ كلامي ولا لأ..!


وشاحت بوجهها العابس تطالع الطريق، فرمقها بطرف عينه وابتسم لعبوسها وعاد بصره مصوبا على الطريق وداخله منتشي بقضاء هذا اليوم معها..مؤكد سيرى بنومه أحلام سعيدة تلك الليلة!


________________



+




انتظرها كما وعدت ولم تأتي، ترى لما أخلفت وعدها؟ يتمنى ألا يكون حدث معها أي مكروه..يشعر بتوتر وهو يراقب مدخل المطعم والرواد يتوافدون بين لحظة وأخرى متوقعا دلوفها..يرتب بعقله كيف سيدعوها لمكتبه ويشرح لها كيف تحولت مزحته لكذبة لم يقصد منها سخرية..ويتوقع منها ثورة وغضب لكنه سيستميت بنيل مسامحتها خاصتا انه صار متقن من مشاعره تجاهها وينوي عرض رغبته عليها..لكن بعد ان يتأكد انها غفرت له كذبه اولا..!


__________________



+





        


          



                


_عطر هتروحي معايا عشان استلم الاكسسوارات قبل ما يخلص البريك ولا ايه؟


_انتي مش قولتي هتروحي امبارح؟ افتكرتك استلمتيهم!


_كنت هروح فعلا بس طنت دره اتصلت بيا وكانت عايزاني روحتلها وقلت بكرة اروح انا  انتي..ها؟ هتيجي؟


_ماشي بس تغديني هناك على حسابك!


_موافقة ياستي..يلا بينا..!


............


عطر: تعرفي الاجازة الجاية هتعلم السواقة..واجيب عربية محندقة كده اروح بيها مشاويري!


_وانا كمان هتعلم معاكي..ممكن عابد يعلمنا وانتي!


_ممكن ايه لأ..أدينا وصلنا المطعم!


وأنقدت جوري السائق أجرته وترجلا متجهين لمقصدهما، وقبل الولوج داخل المطعم صدح صوت ياسين مناديا:


_يا بنات..!


التفتا ليجدوه مقتربا، فارتبكت جوري وهمست لعطر: هنقوله جايين ليه؟


_لا بلاش، سيبيني أنا ارد!


_راحة فين انتي وهي؟ المفروض تكونوا في الشركة!


عطر: ايوة ماهو ده وقت البريك وجوري شكرت في المطعم ده فقلنا نيجي نتغدا هنا ونرجع!


_ طب كنتم عرفوني وكنت جبتكم انا..عموما تعالوا انا اصلا كنت معدي اشوف صاحب المطعم واوصيه على حاجة..ثم مازحهم: بس انتوا اللي هتدفعوا..!


..........



+




بينما هم يقتربون من الساحة الخارجية متوجهين للداخل..كان عامر يندفع بطريقهم دون أن يلمحهم متوجها لسيارته ووجهه عابس بعد تلقيه اتصال من والدته وإخباره بوعكة أبيه المفاجأة وضرورة حضوره مع طبيب!


وقبل أن يفتح باب سيارته سمع نداء ياسين فالتفت


ليصطدم بوجه لم يكن يود رؤيته على الإطلاق!


تسمرت قدميه حين رآها..!


أتت بوقت خاطيء بالنسبة له..وبات كشف كذبته على المحك..نقل بصره بينها وبين ياسين الذي يعرفه جيدا.. سيتعرى أمامها بأسوء طريقة ولا مفر من الصدام!



+




_ ابن حلال كنت داخلك..!



+




تبادلت عطر وجوري النظرات متعجبان من معرفته ياسين به..فواصل الأخير: اعرفك باختي عطر وجوري بنت خالتي!


ثم تجمدت نظرات الأخيرة فور سماعها ياسين مستأنفا التعارف: وده عامر يا بنات صاحب المطعم..وشريك ظافر خطيب بلقيس بنت عمك ياجوري!



+




اضيقت حدقتي عطر وهي تغمغم بدهشة: صاحب المطعم؟


وحادت بنظرها لجوري فوجدتها تطالعه بجمود مطبقة شفتيها فعادت بنظرها للاخير لتجده يرمقها بأسف وكأنه يعتذر..! 



+




_ أنا أسف ياسين مضطر امشي حالا وظافر موجود بلغه كل طلباتك!



+




استقل سيارته ومر جوارها يطالعها، وقبل أن يختفي منحته نظرة قاسية اعلمته كم صارت تمقته بعد خداعه لها..فقدت عيناها الطيبة التي كانت تجذبه إليها..وكم تأذى من هذا الشعور وتلك النظرة..ليته أخذ فرصة ليخبرها بنفسه وتكون نقطة بصالحه لتغفر له..لكن حبال الكذب قصيرة وهشة..تمزقت..وذبخ بنظرتها الكارهة..كيف له أن يعيد لها طيبتها معه وثقتها به؟! 


هذا تحديه الصعب وعليه أن يربحه!


فلا مجال لخسارة جديدة!


______________________



+




في سويسرا..!



+




أيهم: ألف مبروك شقتك الجديدة يا رائد


_الله يبارك فيك..مش عارف اشكرك ازاي انت وميرا على تعبكم معانا في فرش الشقة!


_مافيش تعب بين الاخوات..والله انا زعلان انكم مش هتكونوا معانا بعد ما اتعودنا عليكم!


ميرا: أه والله انا اتعودت على رودى..بس مقدرش انكر حقها في الخصوصية..عموما هنروح من بعض فين..اكيد هنتقابل دايما..!


رودي: اكيد طبعا..بس اولد وافوق وهتلاقيني عندك كل يوم!


_ربنا يقومك بالسلامة يارب!


..............



+





        


          



                


بعد مغادرة شقيقه وزوجته لاحظ عبوسها على غير العادة، فدنى منها وتسائل: مالك يا رودي مكشرة ليه، مش فرحانة اننا اخيرا استقرينا في بيتنا زي ما كنتي عايزة؟


_فرحانة طبعا بس.....


ترددت فأعاد سؤالها: بس ايه ياحبيبتي؟


اطلقت ما يضايقها دفعة واحدة وقالت:



+




في انك طول الوقت عمال تهزر مع ميرا وتكلمها برقة وتشكر فيها ومش واخد بالك من نفسك!


رفع حاجبيه بدهشة: نعم؟ هو ده اللي مزعلك؟ زعلانة عشان بشكر مرات اخويا على تعبها في فرش الشقة بدالك عشان ظروفك مع الحمل؟ انتي مجنونة يا رودي؟


_انا أصلا ماكنتش عايزاها تتعب معانا وقلت هنجيب خدامة تظبط الشقة معايا


هتف بحدة: وهما من ذوقهم مارضيوش يسيبونا غير والشقة متظبطة وجاهزة..واقل حاجة كنت اشكر الناس..ده يزعلك في ايه؟؟



+




رمقته بعين مغرورقة وصمتت..فمسح بكفيه على وجهه بإرهاق ثم اقترب مغمغما ببعض الهدوء: انتي ساعات بتعبي على حاجات تافهة ومش مفهومة يا رودي وبتفقديني اعصابي!



+




اطرقت رأسها وهمست: خلاص يا رائد انا أسفة..يمكن من تعب الحمل بتصرف بغرابة..!


اشفق عليها فمد أنامله ورفع وجهها إليه وهمس بمشاكسة: يعني مافيش سبب تاني لتصرفاتك؟


كذبت هاتفة: مافيش!


همت بالابتعاد فحاوطها بذراعيه وظهرها يلتصق بصدره مستأنفا مشاكسته: لأ في..اعترفي انك غيرتي عليا..صح!


لم تجيب فأدارها إليه: بتغيري عليا من مرات اخويا؟



+




_واغير من النسمة.. من الهوا..من اي حاجة واي حد..غصب عني مش بمزاجي..انا بحبك اكتر من نفسي يا رائد!


ابتسم ومنحها اكثر نظراته حنان وحب وضمها أكثر وانفاسه تلفح عنقها وغمغم بصوت دافيء: وانا بموت فيكي وعارف انك بتحبيني وبتغيري..بس بلاش غيرتك تزيد عن الحد وتفسد حياتنا..مش معنى اني اشكر حد أو اجامله انك تغيري..انتي حاجة تانية مكانتك مالهاش مثيل مع حد..انتي وبنتنا اللي جاية اغلى اتنين على قلبي!



+




انتعشت بعد أن لمست بكلماته عشقه وحنانه هاتفة بدلال: طب اتفضل بقى شيلني لحد سريري عشان تعبانة وعايزة انام!


استنكر وهو يشير لبطنها المنتفخ: اشيلك ببطنك دي؟ انتي عارفة وزنك بقى كام يا رودي؟


ضحكت ومازحته: لاحظ ان كلامك جارح!خلاص هروح انا لوحدي لأن فعلا ضهري تاعبني وعايزة افرده وانام شوية!



+




وقبل أن تتحرك خطوة أخرى رفعها بذراعيه بغتة فشهقت مع قولها: ايه ده انا كنت بهزر معاك..نزلني انا عارفة اني تقيلة عليك دلوقت يا رائد!


برقت عيناه بخبث: عيب عليكي ولو وزنك قد كده مرتين هشيلك ثم همس بنبرة أكثر خطورة أذابتها: وبعدين مش لازم نبارك الشقة الجديدة..وأوضة نومنا الجديدة..وسريرنا الجديد..!



+




ومع كل كلمة يطبع قبلاته على وجهها وكل ما يطاله منها وخطواته تتهادى لغرفتهما ثم عبر بها واغلقه بقدمه ليكمل معها مراسم احتفالهما الأول بمنزلهما الجديد..!



+




______________________



+




_شارد في مين يا ترى؟


التفت لوالدته مبتسما: عادي يا ماما مش شارد ولا حاجة


_هتخبي عليا؟.. مافيش حد خاطب ومش بيسرح في خطيبته!



+





        


          



                


بالفعل كان يشغله حال بلقيس كيف سيكون، حين تحدث مع طبيبها أخبره انها تمر بمرحلة نفسية هامة.وكأنه يلوح لشيء يجب أن تتخطاه بمفرده.. يشعر ان الطبيب صار غامضا أكثر من زي قبل يخبيء شيء..ولا يمتلك هو سوى الانتظار مترقبا القادم معها بقلق..هل ستخرج من تحت عباءته..لن تحتاج لعطره او معطفه ليشعرها بالأمان بعد الآن؟..حقا كان يريد لها هذا الاستقلال النفسي..لكن شيء بقلبه يكره هذا البعد..يكره تخليها عن أنامله وهي تتشبث به كالطفلة..شيء داخله كان يتلذذ بهذا الضعف فيها..لكن لن يكون أناني..ولن يدخر جهدا لتصل لأخر المطاف وتتحرر من كل قيد..حتى لو كان هو ذاته قيدا سيلعلمها كيف تتخلص منه! سيفي بوعده حتى لو كان الثمن بعدها عنه إلى الأبد..!



+




_مش بقولك سرحان؟..وادي الدليل قاعدة جمبك وانت في عالم تاني خالص!



+




التقط كفها ولثمه مبتسما: معلش يا ماما في حاجة شغلاني فعلا..بس انا معاكي اهو عايزة تكلميني في ايه؟


_عايزاك في كل خير ياحبيبي..!


واستطردت: فاكر لما حكيتلي عن بلقيس وقولتلك اني مش مرتاحة وهحطها تحت الاختبار وهعرفك رأيى النهائي بعدين؟



+




عقد حاجبيه بتوجس: أيوة! 



+




اتسعت ابتسامتها وواصلت: دلوقتي ببلغك رأيى بعد ماشوفتها هي وأهلها كام مرة..البنت كويسة جدا حتى قلة كلامها  احيانا حسيتها ميزة..يعني بنت عاقلة تليق برصانتك ياحبيبي..ده غير لقيت فيها اكتر ميزة تطمني من ناحيتها..!


_ايه هي الميزة دي يا ماما؟



+




_بتحبك يا ظافر! 



+




عيونها بتلمع وهي بتبص عليك..لمعة الحب دي مش ممكن اغلط في تفسيرها..ومافيش حاجة تطمني اكتر من كدة..اللي تحب واحد تصونه وتطيعه وتسعده..عشان كده انا بكلمك عشان ابلغك قرار او اقتراح انك تعجل جوازك وتفرحني بيك يا ابني..الحمد لله كل امورنا متيسرة..الفيلا اهي واسعة واي تغير فيها هتختاره بلقيس هنعمله..الجناح اللي فوق كله هجهزه ليكم وهيكون في مدخل تاني عشان الخصوصية ليك انت ومراتك..!



+




لم يجيبها فتسائلت بقلق: ولا انت مش ناوي اما تتجوز تعيش معايا؟


_لا طبعا يا ماما أكيد هسكن معاكي ومش هسيبك بس..


_بس ايه؟


_لسه شوية على موضوع الجواز يا امي..ولا انا ولا بلقيس جاهزين للخطوة دي..في أمور لازم تتحل الأول!


_أمور ايه يا ابني انت مش بتحبها وهي بتحبك؟ والماديات من ناحيتنا وناحية اهلها متيسرة؟ في ايه تاني يمنع؟!



+




_اسمعيني يا ماما.. انا مبسوط اوي برأيك اللي قولتيه في حق بلقيس وانك وافقتي..بس سيبيلي الحرية في قرار معاد زواجي ده بدون حساسية عشان خاطري..أنا أدرى بالمناسب ليا..اتفقنا؟!



+




تنهدت وهي تطالعه بصمت..كانت ترجو ان تتحق رغبتها بزواجه..فكم تطوق لحمل أحفادها لكن لا بأس..ستنتظر واهم شيء حصلت عليه انه لن يتركها حين يتزوج وسيقيم معها..!


ربتت على كتفه بحنان: خلاص يا حبيبي اللي يريحك اديني بلغتك رأيى وربنا يصلح حالك انت واختك يا نور عيني!


لثم أناملها وقال: وما يحرمناش منك يا أمي..صحيح فين ايلي؟ وحشاني بقالي فترة باجي بتكون نايمة!



+





        


          



                


_ماهي بتصحى قرب الفجر تجهز للصلاة وتذاكر شوية وتستعد بعدها للخروج..اصلها كمان بتدرب الشهرين دول في مستشفى دكتور عبد القادر ابن خالتي..!


_طب ممتاز ربنا يوفقها وتبقى اشطر دكتورة في الدنيا..يعني هي كويسة ومش محتاجة حاجة؟



+




_لا يا حبيبي اطمن..بس هي جت في يوم الأسبوع اللي فات كانت متعصبة اوي ومش طايقة نفسها..!


_ليه كده؟


_آل ايه يا سيدي..نسيت تلبس "اللنسيز" بتاعها..وان واحد شافها وباصلها باستغراب..واختك طبعا فسرتها انه اشمئز منها



+




_ البت دي دي عبيطة..عندها ميزة كبيرة ومعقدة نفسها بدون داعي..والله ياماما عيونها رغم انها لونين لكن جميلة.كفاية انها شبه جدتي الله يرحمها..!



+




_الله يرحمها..فعلا ايلي اخدة لونين عيونها..وانت واخدت منها شغفك بعالم الوصفات هي اللي حببتك في شغلك ده!


_اه والله يا امي..انا مش بنساها ابدا..ربنا يرحمها..وعملت ديكور المطعم دمشقي عشان احس بريحتها في المكان!


وواصل: المهم ايلي هتيجي امتى؟



+




_على وصول..بس مش انت المفروض خارج؟


_لا هستناها اقعد معاها شوية وبعدين اخرج


_خلاص هقوم اعمل بنفسي فنجانين قهوة نشربه سوا


_ماشي ست الحبابب..وانا هعمل تليفون مع عامر على ماتيجي


_طب ابقى سلم علية..الوحش مابيسألش!


_منا ههزأ عشان كده


ضحكت:انت ماصدقت تهزأه..يلا شوية وجاية!


____________________



+




يجرح النفس كثيرا ويأذيها ان تشعر أنها كانت مجرد لعبة وسذاجتها قصة السهرة واضحوكة الرفاق..ربما تحدث عنها مع أحدهم وتبادلوا عليها المزحات..لما كذب وقصد خداعها؟ أين أشقائه الخمسة عشر مع أبويه؟ 



+




لم يدري ياسين وهو يثرثر عنه معلومات عابرة في طريق العودة انه اشعل حزنها اكثر..وأصاب حدس ابنة خالتها حين شككت به واتهمتها بالطيبة الزائدة والتباسط والثقة في الغرباء..حقا أخطأت..وتعلمت درس ألا تتعاطف مع غريب او تصدق ادعائه!



+




_ بس ليه رفضتوا تتغدوا يا بنات؟ مش قولتم انكم كنت راحين تتغدوا أصلا؟


تولت عطر الرد هاتفة: يمكن عشان شربنا عصير واحنا في الشركة حسينا اننا شبعانين..تتعوض مرة تانية يا ياسين وعلى حسابك بردو..!



+




هز رأسه بتفهم ثم لمح في مرآة السيارة أمامه جوري شاردة تنظر عبر النافذة جانبها، فشاكسها:



+




_ايه ياجوجو ساكتة ليه مش عوايدك؟ فين الضوضاء اللي بتعمليها ولسانك اللي مش بيفصل من الكلام؟ قاعدة غلبانة كده ليه؟



+




همست له بهدوء غير معهود بها: مافيش بس عندي صداع تاعبني شوية!


_ألف سلامة يا زئردة..معايا مسكن قوي خدي واحدة بس كلي اي حاجة الاول حتى لو بسيطة!



+




عطر: خلاص لما نوصل الشركة اخليها تاكل حاجة وتاخد المسكن!


____________________



+




_خلاص بقى روقي يا جوري وماتزعليش نفسك!


وواصلت بغضب مكتوم: وديني لاروحله بكرة ابعتر كرامته وأهزئه واشتكيه لخطيب بنت عمك!



+





        


          



                


همست بصوت حزين: تشتكي لمين وظافر كمان شاركه في الكدبة.. كان بيسخر مني وعامله قدامي انه موظف عنده!


_ معقولة؟ طب ليه؟ 


_معرفش..ومش عايزة اعرف..وماتروحيش لحد ياعطر خلاص مايستاهلش اصلا انا الغلطانة لما ماسمعتش نصيحتك واخدت شكك على محمل الجد..!..ماكانش لازم اثق في حد كده واتعامل بالطيبة دي!


ثم ابتسمت بتهكم: وبعدين واحد لقى بنت هبلة يضحك عليها ويسلي وقته يبقي غلطان لو مالعبش اللعبة للأخر..ده مش بعيد يكون رهان وابقي زي فاتن حمامة مع احمد رمزي! خلاص لقى انسي وانا شوية وهفك ماتقلقيش!



+




ربتت على كفها بحنان وهمست: أيوة كده فكي يا جوجو وماتضايقيش نفسك محدش يستاهل..وعشان عيونك هزوغ من الشركة بقيت اليوم واخدك ونروح اي مكان ننتبسط فيه!


_بس يزيد طلب منك شغل كتير حسب كلامك..خلي خروجنا يوم تاني وقولتلك ماتقلقيش عليا هبقي كويسة والله!


_ ياستي لو على يزيد هو كده كده بيزعقلي كل شوية مش هتفرق..تعالي نروح اي مكان ونتمشى لحد ما تهدي وتنسى خالص الموقف ده..ومش هسيبك غير لما اطمن عليكي!



+




رمقتها بامتنان: شكرا عطر..ربنا مايحرمني منك!


_ولا منك يا جوجو..يلا بينا..!


___________________________



+




_كده يا بابا تخوفنا عليك؟ ألف سلامة يا غالي..!



+




_متخافش ياعامر لسه في العمر بقية..دي كلها شوية دوخة وامك كبرت الموضوع وجريت تتصل بيك انت واخوك مع ان قولتلها ماتتصلش وتعطلكم عن اشغالكم وتصبر اما اخد العلاج واتحسن لوحدي!



+




_لا طبعا يا بابا لازم اي حاجة تحصل ماما تتصل بينا..ومهما كنا مشغولين مافيش حاجة هتكون اهم منك..المهم ارتاح انت دلوقت وانا هرد على ظافر عشان بيرن عليا وهرجعلك!


..................    


_ألف سلامة على الحج ياعامر..طمني عامل ايه دلوقت؟


_الحمد لله ياظافر بخير..السكر كان عالي شوية..انت عارف لخبطة الحج في الأكل..عموما هو بخير!


_أكيد؟ يعني مش محتاج اجيلك؟


_لا والله بخير..هو لو محتاج حاجة كنت هسكت! 



+




ظافر بشك:


_ليه حاسس ان في شيء تاني مضايقك يا عامر! صوتك متغير



+




تذكر نظرتها الكارهة المصدومة بحقيقته ثم رأسها المطرق فزفر زفرة ضيق وصلت لظافر فتسائل: ده في حاجة بجد بقى؟ طب اسمع انا هاجيلك البيت اطمن ع الحج وبعدها نقعد سوا واحكيلي حصل ايه!


_ماشي يا ظافر، مستنيك!


________________________



+




بعد سلامات وترحيب لمجيء ظافر..اختلى به عامر بغرفة جانبية ليتحدثا ببعض الخصوصية!



+




_ ايه بقى مضايقك؟ واثق في حاجة غير تعب والدك مضايقاك!


صمت برهة وهو يقف متطلعا من النافذة عاقدا ذراعيه ثم همس: حصل اللي حذرتني منه؟


_اللي هو ايه؟


_حظي السيء خلى كدبي ينكشف بأسوء طريقة..وانا خارج اجري بعد اتصال ماما ان بابا تعبان..قابلت في طريقي ياسين واخته و....وجوري!



+




هز ظافر رأسه بأسف وقد أدرك ما حدث، وغمغم: فهمت..ياسين عارفك وطبعا عرفك بيهم..!


_وجعتني نظرتها ليا اوي يا ظافر..صدمتها بحقيقتي وحزنها اما اعتقدت اني كنت بلعب بيها قطع قلبي..وما كانش في أي فرصة للتوضيح..جريت عشان اشوف بابا واجيب دكتور..بس نظرتها مش عايزة تروح من بالي..حسيت انها احتقرتني!



+





        


          



                


_طبعي هتفتكرك كنت بتسخر منها وبتتسلى! بس معلش ملحوقة..اعتذرلها واتحمل رفضها وتوبيخها للاخر..!


_ومنين الاقي الفرصة دي بقى؟


_هنفكر وهنلاقي طريقة..ومتنساش انا كمان محطوط في النص وواجب عليا انا كمان الاعتذار ليها عن الهزار في الأول..هحاول افهمها اللي حصل وانك مالقيتش وقت مناسب تفهمها..ماتقلقش هصلح الموقف!



+




أومأ عامر وهمس بصوت حزين:ربنا كريم!


___________________



+




تكررت زيارتها للطبيب مرتان..كل مرة تبوح له بشيء..لتضح كل التفاصيل الغائبة عنه وتساعده كطبيب في اكمال تأهيلها نفسيا..أصبحت معه أكثر ارياحية لم تعد نظراتها خائفة..لكنها اكتسبت شيء من القسوة..هو يعلم الافكار التي تغذي عقلها الآن..وتلك المرحلة الأصعب والأكثر خطورة بطريق علاجها..هي الآن كقنبلة موقوتة تنتظر نزع فتيلها وعندما تصل لهدفها المقصود..والهدف غير غائب عنه بعد ما سردته من خبايا..! وعليه أن يجعلها تجتاز تلك الأزمة الجديدة..وإلا ستسقط في بئر انتقام لن ينتهى ولن يسلم أحد من عواقبه..وهي أول الخاسرين..!



+




_ ياترى انا نجحت في كسب ثقتك كطبيب؟



+




رمقته برهة ثم أومأت له بإيجاب، فتسائل: ليه؟


همست: لأنك حافظت على كل كلمة قولتهالك!


_ده شرف مهمتي..اى كلام بيني وبين مرضاى مستحيل حد يعرفه!


هزت رأسها بصمت وعيناها شاخصة لا تخلو منها القسوة ذاتها فهمس لها: عارف بتفكرى في ايه!


التفتت إليه بعين متشككة بصواب حدسه، فباغتها بدقة ما يشغلها وهو يقول: عايزة تنتقمي!



+




ازدادت عيناها قتامة دون رد فواصل:


تعرفي ليه ماعرفتش باباكي حاجة عن اللي ذكرتيه بخصوص صاحبتك ورائد اللي استدرجك للفخ ده؟


تركها تنتظر بترقب بضع ثوان ثم استأنف: لأن أنا لو مكان والدك يابلقيس وعرفت مين اللي أذى بنتي ماكنتش هسكت ولا ارتاح غير لما الاقيهم واقتلهم بإيدي واخد حقها..!



+




اقتامت عيناها أكثر فواصل: بس انا أشفقت عليه وعلى والدتك كمان من النهاية المأساوية دي..كل دقيقة وانتي مريضة عدت عليهم وهما بيتعذبوا عشانك..وبعد ما الحمد لله بقيتي افضل وفرحوا بيكي ومنتظرين يشوفوكي عايشة حياتك بشكل طبيعي وتعوضي اللي فاتك..رايحة بكل أنانية وتهور تفكرى تدمري اللي باقى فيهم..بتفكري ازاي تنتقمي لنفسك؟ طب وهما؟ مافكرتيش فيهم؟ مافكرتيش هيحصل ايه لما ببساطة تدوري على اللي أذوكي وتموتيهم وتتسجني وباقي عمرك يضيع ورى قضبان وسمعة والدك اللي هتكون في الأرض لأنك في عرف مجتمعنا هتكوني قاتلة مش ضحية! مش ده اللي انتي بتسعي له؟ دي هديتك لوالدك ووالدتك على صبرهم وتحملهم طول محنتك؟ تحقيق انتقامك يابلقيس معناه دمار احب الناس ليكي..وخسارة مستقبلك اللي بيحلموا بيه ليكي..هتقدري تعملي كده وتكوني بالقسوة دي؟ 



+




أنهار تماسكها وهدرت بصراخ تبرر انتقامها:



+




مش ممكن اسيب اللي أذوني عايشين من غير ما اخد حقي منهم وادمرهم زي ما دمروني!


_ ومين قال ان حقك هيروح..ربنا انتقملك من تلاتة منهم في لحظتها وماتوا


_بس تيماء ورائد عايشين!


_عرفتي منين؟؟ حسب كلامك رائد كان غرقان في دمه وممكن جدا يكون مات هو كمان..!


_ لأ..حاسه انه موجود..هعرف طريقه وطريقها و.......


قاطعها بحدة: ايه؟ هتقتليهم؟ بعد كل اللي قولته؟لا برافو يابلقيس طلعتي بتحبي اهلك فعلا..!



+





        


          



                


صرخت عليه بثورة: أنت مش حاسس بالنار اللي جوايا..انا مش عارفة انام.. كل اما افتكر اللي مريت بيه بسببهم احس اني لازم اخنقهم بإيدي واخد حقي!



+




_وحقك مش هيروح!


_مين هيجيبه!


_ربنا..!



+




نفذت طاقة جدالها عند قوله فجلست بإعياء مطرقة الرأس تبكي فاستدار حول مكتبه وجلس قبالتها وقال بهدوء لا يخلو من شفقة أبوية لفتاة ضاع من أيامها الكثير ولا يريد لها خسارة البقية:


أسمعيني يا بلقيس..اسمعي من راجل كبير شاف كتير واخد من الحالات اللي عالجها عبر لا تعد ولا تحصى..كلها كان مفادها ان الظالم عمره ما بيعيش مرتاح ابدا..فاتورة جرمه لازم تتسدد دنيا وأخرة إلا إذا لحق نفسه وندم وصلح أخطاءه..اللي ظلموكي هيعاقبهم ربنا بقدرته..عشان تاخدي حقك وتبرد نارك ناجيه واطلبي منه القصاص..زي ما طلبتي منه العون وانتي محبوسة في شنطة عربية لا حول ليكي ولا قوة واستجابلك ونجاكي..بنفس القدرة بردو هيشفي غليلك ويبرد نارك وينتقملك..سيبها عليه وحسبني فيهم ووكلي امرك لله..ومكان ما يكونوا اللي ظلموكي مش هيرتاحوا..!



+




جسدها ساكن تزرف أمامه العبرات بصمت وكلماته تخمد ثورتها كأنها سحرا شديد التأثير..ومر بعقلها لحظة دعائها بظلمة السيارة وكيف ألهمها خلاصها ونجاها نن براثن خاطفيها..!



+




وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [



+




"صدق الله العظيم"



+




ختم حديثه بتلك الآية وواصل: معنديش كلام افضل من كلام ربنا انهي بيه كلامي..بس فاضل شيء أخير عايزك تحطيه في الحسبان وتفكري فيه كويس!



+




ظافر..!



+




مستعدة تخسريه لو عرف هو كمان عن رائد مثلا؟


تفتكري هيسكت؟ الإجابة لأ..خصوصا انه حاول فعلا يعرف مني..ومش تطفل منه..لكن اهتمام بيكي ..انتي عارفة انه لو عرف هينتقملك. واثق انه ده هيكون تفكيره! شوفتي سكة انتقامك هتخسرك مين يا بلقيس؟



+




مع إن لو سلمتي امرك لله وسبتي عليه القصاص هتحتفظي بكل دول وقبلهم هتحافظي على اللي باقي في شبابك اللي آن الآوان انك تعيشيه..اشتغلى مع  الدك وابني كيانك الخاص..فرحيه بيكي..اتمتعي بحب أهلك اللي منتظرين يحسوا انك رجعتي لحضنهم تاني!


ثم صمت يلتقط أنفاسه وواصل بنبرة هادئة:


الأمر دلوقت في ايدك يا بلقيس..والقرار قرارك في النهاية!..أختاري عايزة مستقبلك يكون ازاي!


___________________



1




غادرته شاردة دموعها تسيل بصمت والذكريات تتدفق بضراوة لعقلها..كل شيء يعاد تجسيده داخلسها..سذاجتها وخبث تيماء..صدق مشاعرها مع رائد وخداعه..كذبها على والديها ثم محنتها تلك الليلة..التفاصيل تتدافع برأسها ولا ترحمها..كيف تهدأ..كيف تحيا وتترك ثأرها منهم..!


الطبيب يحذرها من عواقب خسارتها بعد انتقامها..نعم ستخسر..لكن ستخمد لهيبها المستعر بجوفها..!



+





        


          



                


ظلت تصارع الأفكار بعقلها حتى شعرت بالدوار..فجلست على إحدى الأرصف..تريد أن توقف الحرب الناشبة داخلها..مع من تتحدث؟ ظافر؟


لا..سيشعر بها ويكشف حيرتها وضيقها..لا تريد افزاعه.. وبدون تفكير وجدت أناملها تضغط رقم شخص ما..!


...............



+




همس بدهشة:بلقيس؟! 



+




_ايه مالك هو انا عفريت عشان تستغرب كده من صوتي!


_لأ بس..وتردد ثم واصل:


مش متعود تكلميني..حاسس ان بقالك كتير اوي غايبة! طمنيني عليكي يابلقيس..انتي بخير؟



+




ابتسمت لحنانه المعهود: بخير يا يزيد..طول ما حواليا اهلي اللي بيحبوني هكون بخير..


وساد بينهما الصمت ثواني قطعته قائلة: 


جوري قالتلي انها شغالة معاك..مبسوطة اوي انك حققت حلمك بشركة الانشاءات يا يزيد..فاكر لما كنت بتحكيلي عنها؟


_طبعا فاكر..مافيش حاجة اتقالت بنا نسيتها..والحمد لله لحد دلوقت الدنيا ماشية بس لسه ما وصلتش للمستوى اللي بحلم بيه!


_هتوصل يا يزيد..انت تستاهل كل خير!



+




صمت مرة أخرى وازداد شعوره انها ليست بخير، صوتها يكشف له حزنها، فتسائل:


بلقيس..مش هتقوليلي مالك؟ واوعي تكدبي وتقولي بخير..صوتك مش بيقول كده..!



+




تجرعت ريقها ورمشت عيناها فانفلت دمعة عالقة بأطرافها وهمست: انا بحاول ارتب افكاري واعيد حساباتي تاني..محتاجة اخد قرار مهم هيترتب بعده شكل حياتي هيكون ازاي يا يزيد..بس ماتقلقش..اللي بتكلمك مش بلقيس الضعيفة..لأ..انا بقيت مستوعبة كل حاجة..وانا كلمتك عشان بس احس اني لسه محتفظة بود ابن عمي واخويا..مش ده كان كلامنا سوا أخر مرة قبل سفرك القاهرة؟ شوفت ازاي انا فاكرة!



+




هز رأسه مغمغما: أيوة..واكيد انتي فاكرة بردو وعدي ومش محتاج اكرره


_عارفة اني لما احتاجك هلاقيك..!



+




ثم انتصبت على ساقيها وواصلت: انا راجعة البيت دلوقت..ابقى كلمني دايما..!


_راجعة منين؟ انتي فين اصلا..!



+




_يعني كنت في مشوار مهم وهاخد تاكس وارجع!


نهض على الفور: لأ عرفيني انتي فين وانا هاجيلك حالا..!



+




_لأ يا يزيد مش هينفع..ده اول اختبار لازم اخوضه رغم بساطته..همشي وسط الناس مش هخاف من حد..هوصل لبيتي بأمان لأني اقدر احمي نفسي..مش قولتلك اللي بتكلمك مش بلقيس الضعيفة؟ اطمن ولما اوصل بيتي هبعتلك رسالة!



+




أعلقت معه رغم إلحاحه أن يأتيها..وصارت بين المارة دون خوف تطالعهم بنظرة قوية واثقة..هامتها مرفوعة بعزة..هي ابنة ابيها..هي من خرجت من بين براثن ذئاب دون ان ينالها احدا..هي بلقيس القوية كما علمتها والدتها..! وكما اخبرها ظافر..قوتها يجب ان تنبع من خالقها أولا ثم من ذاتها..وقد جاء وقت تطبيق كل ما تعلمته!


________________________



+




أنهي مكالمته معها وعاد لعمله بذهن مازال شارد بعد حديثهما! ولا يدري شيء عن تلك التي تلصصت قدرًا على حديثه وانشق قلبها المتعلق به نصفين! 



+





        


          



                


وغادرت الفواحة ناكسة رأسها بحزن!





الفصل الثامن والعشرون


_________



+




أنهار تماسكها ومارد غضبها انفلت من عقاله


وهدرت بطبيبها صارخة تبرر انتقامها:



+




مش ممكن اسيب اللي أذوني عايشين من غير ما اخد حقي منهم وادمرهم زي ما دمروني!


_ ومين قال ان حقك هيروح..ربنا انتقملك من تلاتة منهم في لحظتها وماتوا


_بس تيماء ورائد عايشين!


_عرفتي منين؟؟ حسب كلامك رائد كان غرقان في دمه وممكن جدا يكون مات هو كمان..!


_ لأ..حاسه انه موجود..هعرف طريقه وطريقها و.......


قاطعها بحدة: ايه؟ هتقتليهم؟ بعد كل اللي قولته؟لا برافو يابلقيس طلعتي بتحبي اهلك فعلا..!



+




صرخت عليه بثورة: أنت مش حاسس بالنار اللي جوايا..انا مش عارفة انام.. كل اما افتكر اللي مريت بيه بسببهم احس اني لازم اخنقهم بإيدي واخد حقي!



+




_وحقك مش هيروح!


_مين هيجيبه!


_ربنا..!



+




نفذت طاقة جدالها عند قوله فجلست بإعياء مطرقة الرأس تبكي فاستدار حول مكتبه وجلس قبالتها وقال بهدوء لا يخلو من شفقة أبوية لفتاة ضاع من أيامها الكثير ولا يريد لها خسارة البقية:


أسمعيني يا بلقيس..اسمعي من راجل كبير شاف كتير واخد من الحالات اللي عالجها عبر لا تعد ولا تحصى..كلها كان مفادها ان الظالم عمره ما بيعيش مرتاح ابدا..فاتورة جرمه لازم تتسدد دنيا وأخرة إلا إذا لحق نفسه وندم وصلح أخطاءه..اللي ظلموكي هيعاقبهم ربنا بقدرته..عشان تاخدي حقك وتبرد نارك ناجيه واطلبي منه القصاص..زي ما طلبتي منه العون وانتي محبوسة في شنطة عربية لا حول ليكي ولا قوة واستجابلك ونجاكي..بنفس القدرة بردو هيشفي غليلك ويبرد نارك وينتقملك..سيبها عليه وحسبني فيهم ووكلي امرك لله..ومكان ما يكونوا اللي ظلموكي مش هيرتاحوا..!



+




جسدها ساكن تزرف أمامه العبرات بصمت وكلماته تخمد ثورتها كأنها سحرا شديد التأثير..ومر بعقلها لحظة دعائها بظلمة السيارة وكيف ألهمها خلاصها ونجاها نن براثن خاطفيها..!



+




وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [



+




"صدق الله العظيم"



+




ختم حديثه بتلك الآية وواصل: معنديش كلام افضل من كلام ربنا انهي بيه كلامي..بس فاضل شيء أخير عايزك تحطيه في الحسبان وتفكري فيه كويس!



+




ظافر..!



+




مستعدة تخسريه لو عرف هو كمان عن رائد مثلا؟


تفتكري هيسكت؟ الإجابة لأ..خصوصا انه حاول فعلا يعرف مني..ومش تطفل منه..لكن اهتمام بيكي ..انتي عارفة انه لو عرف هينتقملك. واثق انه ده هيكون تفكيره! شوفتي سكة انتقامك هتخسرك مين يا بلقيس؟



+




مع إن لو سلمتي امرك لله وسبتي عليه القصاص هتحتفظي بكل دول وقبلهم هتحافظي على اللي باقي في شبابك اللي آن الآوان انك تعيشيه..اشتغلى مع  الدك وابني كيانك الخاص..فرحيه بيكي..اتمتعي بحب أهلك اللي منتظرين يحسوا انك رجعتي لحضنهم تاني!


ثم صمت يلتقط أنفاسه وواصل بنبرة هادئة:


الأمر دلوقت في ايدك يا بلقيس..والقرار قرارك في النهاية!..أختاري عايزة مستقبلك يكون ازاي!


___________________



+






                


غادرته شاردة دموعها تسيل بصمت والذكريات تتدفق بضراوة لعقلها..كل شيء يعاد تجسيده داخلسها..سذاجتها وخبث تيماء..صدق مشاعرها مع رائد وخداعه..كذبها على والديها ثم محنتها تلك الليلة..التفاصيل تتدافع برأسها ولا ترحمها..كيف تهدأ..كيف تحيا وتترك ثأرها منهم..!


الطبيب يحذرها من عواقب خسارتها بعد انتقامها..نعم ستخسر..لكن ستخمد لهيبها المستعر بجوفها..!



+




ظلت تصارع الأفكار بعقلها حتى شعرت بالدوار..فجلست على إحدى الأرصف..تريد أن توقف الحرب الناشبة داخلها..مع من تتحدث؟ ظافر؟


لا..سيشعر بها ويكشف حيرتها وضيقها..لا تريد افزاعه.. وبدون تفكير وجدت أناملها تضغط رقم شخص ما..!


...............



+




همس بدهشة:بلقيس؟! 



+




_ايه مالك هو انا عفريت عشان تستغرب كده من صوتي!


_لأ بس..وتردد ثم واصل:


مش متعود تكلميني..حاسس ان بقالك كتير اوي غايبة! طمنيني عليكي يابلقيس..انتي بخير؟



+




ابتسمت لحنانه المعهود: بخير يا يزيد..طول ما حواليا اهلي اللي بيحبوني هكون بخير..


وساد بينهما الصمت ثواني قطعته قائلة: 


جوري قالتلي انها شغالة معاك..مبسوطة اوي انك حققت حلمك بشركة الانشاءات يا يزيد..فاكر لما كنت بتحكيلي عنها؟


_طبعا فاكر..مافيش حاجة اتقالت بنا نسيتها..والحمد لله لحد دلوقت الدنيا ماشية بس لسه ما وصلتش للمستوى اللي بحلم بيه!


_هتوصل يا يزيد..انت تستاهل كل خير!



+




صمت مرة أخرى وازداد شعوره انها ليست بخير، صوتها يكشف له حزنها، فتسائل:


بلقيس..مش هتقوليلي مالك؟ واوعي تكدبي وتقولي بخير..صوتك مش بيقول كده..!



+




تجرعت ريقها ورمشت عيناها فانفلت دمعة عالقة بأطرافها وهمست: انا بحاول ارتب افكاري واعيد حساباتي تاني..محتاجة اخد قرار مهم هيترتب بعده شكل حياتي هيكون ازاي يا يزيد..بس ماتقلقش..اللي بتكلمك مش بلقيس الضعيفة..لأ..انا بقيت مستوعبة كل حاجة..وانا كلمتك عشان بس احس اني لسه محتفظة بود ابن عمي واخويا..مش ده كان كلامنا سوا أخر مرة قبل سفرك القاهرة؟ شوفت ازاي انا فاكرة!



+




هز رأسه مغمغما: أيوة..واكيد انتي فاكرة بردو وعدي ومش محتاج اكرره


_عارفة اني لما احتاجك هلاقيك..!



+




ثم انتصبت على ساقيها وواصلت: انا راجعة البيت دلوقت..ابقى كلمني دايما..!


_راجعة منين؟ انتي فين اصلا..!



+




_يعني كنت في مشوار مهم وهاخد تاكس وارجع!


نهض على الفور: لأ عرفيني انتي فين وانا هاجيلك حالا..!



+




_لأ يا يزيد مش هينفع..ده اول اختبار لازم اخوضه رغم بساطته..همشي وسط الناس مش هخاف من حد..هوصل لبيتي بأمان لأني اقدر احمي نفسي..مش قولتلك اللي بتكلمك مش بلقيس الضعيفة؟ اطمن ولما اوصل بيتي هبعتلك رسالة!



+




أعلقت معه رغم إلحاحه أن يأتيها..وصارت بين المارة دون خوف تطالعهم بنظرة قوية واثقة..هامتها مرفوعة بعزة..هي ابنة ابيها..هي من خرجت من بين براثن ذئاب دون ان ينالها احدا..هي بلقيس القوية كما علمتها والدتها..! وكما اخبرها ظافر..قوتها يجب ان تنبع من خالقها أولا ثم من ذاتها..وقد جاء وقت تطبيق كل ما تعلمته!


________________________



+





        



          



                


أنهي مكالمته معها وعاد لعمله بذهن مازال شارد بعد حديثهما!



+




لم يدري عن تلك التي أوشكت أن تطرق بابه لسؤاله عن شيئا يخص عمل كلفها به، لتلتقط أذنيها صوته وهو يلفظ أسمها بحنين وشوق نغز قلبها..فوقفت تتلصص دون إرادة لتسمع قدرا ما أدمى روحها الهائمة به وهو لا يعرف..أنبأتها نبرة صوته الحانية معها أنها مازالت لها مكانة بقلبه وربما ينتظرها ليكمل حلمه القديم بها.. بلقيس لم تبرح قلب يزيد..!


............



+




تراجعت عن الدخول وصعدت للسطح الأخير بالشركة تختلي بذاتها بعيد عن الجميع..تحتاج تلك الخلوة القصيرة..تحتاج البكاء دون أن يراها احدا..من حقها ان تفرغ ما داخلها حتى تهدأ..وفعلت..بكت بصمت مطرقة الرأس وعلى محياها تزحف العبرات، فتصادف صعود حسام لنفس السطح ليصطدم بحالتها الباكية فهتف بقلق حقيقي: 



+




_ باشمهندسة عطر؟ انتي بتبكي؟.. حصل ايه؟!



+




بظهر كفها جففت الدموع سريعا وتماسكت هاتفة بصوت متحشرج:


مافيش حاجة يا باشمهندس..عيونى بتدمع لوحدها من الصبح لأن عندي حساسية والجو مترب انهاردة!



+




لم يصدقها لكن جاراها ليستجلب معها حديث:


عندك حق الجو نفسه مترب..طيب في علاج معين يهدي عيونك؟ دي حمرة جدا من كتر الدموع!



+




طالعت الأفق وهمست بصوت بدا عميق:


للأسف مافيش علاج..!



+




دنى منها قليلا وغمغم وهو يطالع بدوره السماء:


يمكن فيه بس انتي مش عارفة!


عقدت حاجبيها دون أن تلتفت تحاول فهم مقصده، فواصل:


أحيانا بيكون في حلول كتير لعلاتنا او مشاكلنا بس احنا مش بندور عليها..!


ظلت على صمتها..فاستطرد وعيناه تحيد إليها:


عارف ان في حاجة مضايقاكي وطبعا مش من حقي اسأل ومش متوقع تحكيلي..بس نصيحة..مافيش في الدنيا مشكلة مالهاش حل!



+




همست بنفس النبرة البعيدة:عندك حق ياباشمهندس..وأوعدك هدور على حل لمشكلتي..عن اذنك!



+




وذهبت وهو يطالع أثرها وكم تمنى أن يخبرها بإعجابه لكن لم يجد الفرصة تناسب حديثه..ربما يحصل على فرصة أخرى ليخبرها أنها أضحت تحتل بأفكاره مساحة لا يقدر على تجاهلها..!


_____________________



+




عاصم: ليه بنتي رجعت تسكت وتتوه تاني يادكتور؟


_متخافش يا سيد عاصم..المرة دي بلقيس سكوتها مش توهان، بالعكس هي دلوقت في أعلى حالات الإدارك والاستيعاب بعد كلامنا في زيارتها الأخيرة ليا والمواجهة لرغاباتها والنتايج اللي هترتب على قراراتها، وطبيعي تكون مشتتة.. الأفكار السيئة هتشدها وتحاول تسيطر عليها..بس كلامي هيحط قصاد عقلها كل المخاطر المحتملة والخسارات المتوقعة.. خلوتها اعادة حسابات وترتيب أواويات لحياتها بعد كدة..!



+




شعر بالغموض بحديثه فتسائل:


افكار سيئة ازاي وايه المخاطر المحتملة دي واعادة حسابات لايه بالظبط..كلامك مش واضح ويقلق!



+





        


          



                


عدل عويناته فوق أنفه وقال بنبرة هادئة:


أنت بتثق فيا وفي قدرتي كطبيب ولا لأ يا سيد عاصم؟..أقر بصدق (طبعا بثق فيك يا دكتور)


_ يبقي تجاوز عن النقاط الغامضة في كلامي..المهم دلوقت ان بلقيس في مرحلة التعافي الأخيرة..!



+




_ يعني رأيك مافيش حاجة تخوف يادكتور؟



+




_إطلاقا، وواثق ان بلقيس هتاخد القرار الصح وإنها مش هتضحي براحتكم ابدا..!



+




رغم القلق التي ينغز قلبه لكنه يثق به ويعلم مدى قدرته ك طبيب محنك..وقبل كل شيء يسلم أمره لله هو حسبه ووكيله ولن يضره في ابنته التي لم تنجو إلا بحفظه!


_______________________



+




" _نفسي اعيش لليوم اللي بنتنا فيه تكون عايشة حياتها زي مابتمنى يادره!


_اللي بتتمناه ياعاصم؟


سرح خياله وتعمقت نظرته للأفق وهمس:


نفسي تشتغل معايا في الشركة وتعوضني غيابها..عايز اتباهى بيها وهي واقفة على رجليها وبتبهر الناس بشخصيتها..عايز احس انها بقيت قوية ومش بتخاف من حد!


والتفت لزوجته وعيناه يقتام لونها أكثر ونبراته تكتسب الحزن: احنا اللي خلناها تخاف يا دره..حسسناها ان العالم بره حدودنا كله وحوش لما كنا بنعد عليها خطواتها وأنفاسها..متأكد لو ربناها بشكل مختلف كانت مش هتقع في الفخ أو تعيش التجربة دي!



+




أحاطت كتفيه بذراعيها وهتفت بثقة وقوة:


احنا خوفنا عليها وكتفناها عشان كنا بنحبها وخايفين بعد الشر نخسرها زي اخواتها..لكن رغم كده بنتنا فعلا قوية وقدرت تحمي نفسها ياعاصم..بنتك مخالبها علمت على وشوش اللي حاول يأذيها..أوعي تنسي ان لولا قوتها كانت ضاعت..ماتندمش على اللي فات لأن التجربة دي مكتوب تعيشها..واهي عدت بكل ما فيها..وصدقني بلقيس هترجع وهتحقق حلمك زي ما بتتمنى وهيكون كتفها بكتفك وبكرة افكرك!



+




تنهد وضمها إليه هامسا:كالعادة كلامك زي السحر على قلبي.. ربنا يخليكم ليا يا دره..انتم عزوتي وقوتي الحقيقية!"


.....................



+




توارت بغرفتها بعد سماعها حديث والديها دون أن يشعرا..وكم أضعفها حديثهما وشتتها وأشعل بها صراعات تأكل روحها..هم ينتظروها أن تعود وتملأ الدنيا حولهم وتعوضهم ما فات..وهي لا يشغل عقلها سوى رغبة الانتقام مما تسببوا بأذيتها..ثم يقتحم تخيلاتها القاسية حديث الطبيب عن مجازفتها بخسارة أغلى الناس لديها والقضاء على أملهم بها بعد عودتها..وكلما نظرت لوالديها شعرت بالخوف عليهم..هل سيتحمل قلبهما خسارتها الأبدية تلك المرة؟ هي تعلم أن شظايا انتقامها ستطالهم..!



+




وتزداد خوفا حين تتذكر ظافر وهي تتوقع رد فعله!


كيف تخسره أو تعرضه لخطر إن علم بنيتها وحتما سيثأر لها..هي أكيدة من ذلك ولن تسمح بتعريضه لشيء يؤذيه..هو أغلى شخص لديها بعد والديها.. وتخاف حقا خسارته!



+




طرقة هادئة على باب غرفتها انتشلتها من شرودها..والتفت حين دلفت والدتها الغرفة بابتسامة حنون مغمغمة: صباح الخير ياحبيبتي..نمتي كويس؟


ابتسمت مجيبة: الحمد لله يا ماما


اقتربت ومسحت برقة على وجنتها وهتفت: هتفطري معانا؟ بابا مستنيكي تحت!


احتضنت بكفها كف والدتها الذي يحيط وجنتها وهتفت بخفوت وهي تطالعها بحب: تعرفي يا ماما انك وحشتيني اوي..حاسة اني بقالي كتير بعيدة عنك..وحشني حضنك وانا بدلع عليكي واقولك العبيي في شعري..وحشني كلامنا سوا بالليل واحنا بنستنى بابا يرجع من برة عشان نتعشى سوا ..وحشنى سهرنا على فيلم اجنبي واحنا بناكل اللب الأبيض وانتي تزعقى عشان بهدلنا الأرض بالقشر..وحشنى نقار بابا معاكي لما بتتفرجي على فيلم هندي وهو يفضل يتريق وانا اضحك على جدالكم..!



+





        


          



                


صمتت تلتقط أنفاسها ووجه والدتها غارق بالعبرات تأثرا بما تقول وواصلت بلقيس بنبرة المتشبعة بحنينها لوالديها: أنا عمري ما كدبت عليكي يا ماما..دايما كنتي سري..بس المرة الوحيدة اللي كدبت فيها كنت هضيع..عارفة ايه نجاني يا امي؟ ( لم تعد "دره" قادرة على السيطرة على بكائها وبلقيس تستأنف) في عز الضيق اللي كنت فيه افتكرت ربنا ودعاكي اللي كنتي دايما تردديه..فضلت اقوله في سري وانا ببكي لحد ما ربنا ألهمني بالخلاص..أنا وثقة ان ربنا ساعدني عشان انتي داعيتيلي يا ماما..!



+




أنهار تماسك "دره" التي انفجرت ببكائها وضمتها بشدة وكأنها تتيقن من وجودها سالمة..ابنتها عادت تثرثر مما كانت وعيناها تبرق فيها الحياة بكل صفائها وجمالها..لم تعد تلك الصامتة الغائب ادراكها..تعافت وردت بوالديها الروح بعودتها..!



+




بعد أن فرغت بعض مشاعرها بالبكاء والعناق هتفت دره وهي تحيط وجهها براحتيها:


_انسي كل اللي فات يانور عيني..كانت تجربة قاسية عليكي وعلينا واختبار عدينا منه وآن الآوان تعوضي اللي فات من عمرك..ابني نفسك من جديد يا بلقيس أنا عارفة انك هترجعي اصلب من الأول..اختلطي بالناس ووريهم ازاي هتكوني ناجحة ومميزة مش بس في جمالك..لأ، في إرادتك القوية وعزيمتك..فرحي ابوكي بيكي يا بلقيس وحققي حلمه انك تشتغلي معاه ابني كيانك وخلى كل الناس تلتفت لنجاحك قبل جمالك..!


ثم استطردت حديثها برجاء موجع لضمير بلقيس الذي يبحث عن الانتقام : أوعديني انك مش هتعملي حاجة تبعدك عننا تاني او توجع قلبنا عليكي يا بنتي..أما وابوكي مش هنتحمل حاجة تحصلك تاني ..عاهديني انى هكون سرك وعمرك ماهتخبي عنى شيء، أوعديني انك هتبتدي حياتك ومش هتضيعي لحظة واحدة بعد كدة..توعديني؟



+




لبثت تطالعها وحدقتاها جامدة..هل هي قادرة على إطلاق هذا الوعد؟ هل ستفي به؟


_سكتي ليه يابنتي؟


تساؤل دره القلق جعلها تعتزم قرار رغم صعوبته لكنه الأفضل لأحبائها..الطبيب كان صائب..ستكون أنانية أن فكرت برغباتها متناسية تبعات قرارها على الأخرين..سترمي أنتقام وراء ظهرها..يتوكل خالقها بهم هو حسبها وناصرها وعليه القصاص!



+




_أوعدك ياماما..مش هسمح لحاجة توجع قلوبكم عليا تاني ابدا..وعد!


___________________



+




" يوتوبيا؟!"



+




تسائلت وحدقتاها تطوف على الغلاف بسعادة غير مصدقة أنها اقتنت كتاب كاتبها المفضل، وستقضي سهرتها بين سطوره، راحت تفر صفحاته سريعا بينما هو يتأملها بحنان ورضا انه أهداها شيئًا أسعدها لهذا الحد..! 



+




_ شكرا يا عابد..انا كنت ناوية اشتريه في أقرب وقت، ماتتصورش ازاي بحب الكاتب ده..!



+




_ الله يرحمه الحقيقة "أحمد خالد توفيق" كان علامة مميزة في الوسط الأدبي.. السهل الممتنع زي ما بيقولوا وكتاباته كانت خير صديق لجيلنا اللي اتربى عليها..! 



+




_ عندك حق.. أنت قرأت يوتوبيا؟ 


_ أيوة.. وبدون حرق أحداث، الكاتب عرض تصور مستقبلي متشائم شوية لحال مصر بعد كده وللأسف معاه حق.. لأن استنتاجاته انبثقت من معطايات واقعنا الحالي..!



+





        


          



                


تمتمت وعيناها مسلطة على الكتاب:  كلامك حمسنى اتابعه، عموما هسهر عليه ونبقى نتناقش فيه لما اخلصه!


_وانا منتظر.. واستطرد: هو محمود عامل ايه دلوقت؟


_الحمد لله رجله بقيت احسن كتير..وهو وماما بيتمشوا ومعاهم مهند!


أومأ لها ثم غمغم بدفء: كل سنة وانت طيبة..رمضان قرب وحاسس انه السنادي هيكون مختلف بوجودك!


وتدارك أمره سريعا وأعاد صياغة كلمته العفوية: قصدي بيكم كلكم..انتي ومهند ومحمود وعمي وطنط عبير..رمضان دايما بتحليه اللمة الحلوة!


استنار وجهها وقالت: وأنا فرحانة اوي ياعابد اني اخيرا هنحضر رمضان في مصر..تعرف واحنا في "أوكرانيا" كانت ماما تعملنا زينا بإيدها من الورق عشان تحسسنا بيه..وانا ومحمود كنا بنتنافس مين الزينة بتاعته احلى..وبابا كان بيشاركنا ويعلقها بنفسه.. منظر زينة رمضان اكتر حاجة بتفرحني!


همس بحنان: تحبي تعملي زينة رمضان معانا؟


صاحت بلهفة: انتوا بتعملوا زينة بإيديكم؟


_يوووة ده احنا بنخربها انا وجوري وياسين وعطر..وبيبقي تنافس شرس يابنتي..بس بصراحة وماتقوليش لحد على السر ده..الزئردة وعطر كانت زينتهم أحلى مني انا وياسين!


ضحكت بمرح: هقولهم على سرك


رفع حاحبيه بتوعد: طب اياكي وإلا....!


كتفت ساعديها بتحدي:وإلا ايه؟


_هخطف ابنك!


ضحكت فاهتزت أوتار قلبه لصوت ضحكتها الذي أرجفه..وقالت: اخطفه هو اساسا معاك طول اليوم!


صحيح ايه اخبار الشجرة بتاعته..ابتديت تنبت؟


_ايوة طلعت براعم صغيرة..بس ابنك اخر مرة غرقها مية..متهيئلي الزرعة لو فيها روح وبتنطق كانت فضلت تكح وتقوله حرام عليك هتموتني!


ضحكت مرة أخرى مغمغمة: معلش اتحمل بقي الواد لحد مايتعلم!



+




تمتم وكلماته بدت أعمق من ظاهرها: 


أوعدك عمري ما هتعب وأنا بربيه..قصدي وانا بعلمه..!



+




___________________



+




يحتار بأمرها منذ أيام..لا تحدثه ك السابق..نظراتها له تحوي عتاب لا يفهمه كما يستشعر بها حزن عميق..ماذا أصاب الفواحة وأحزنها بهذا الشكل؟ لقد اشتاق مشاكستها وتذمرها الطفولي على أشياء لا تروقها وجدالها الدائم معه والذي صار يستلذ به أكثر من زي قبل .. ويعترف انه بعد حديث أحمد وملاحظته المتكررة عن غيرتها عليه..افتعل برغبة أكثر من موقف لمس بالفعل غيرتها عليه حين يمزح مع زميلته أمونة أو يلاطف أي زميلة أخرى أمامها..يحمر وجهها ويشعر أنها ك القنبلة التي توشك على الانفجار..!



+




أما الآن فتبدل حالها وأصبحت أكثر رصانة..لا تهتم إن حادث احدا..تتجنبه بشكل واضح..لن يهدأ باله إلا إن علم سبب فتورها الذي يضايقه يزعجه!



+




صدح رنين هاتفه قاطعا أفكاره فالتقطه مجيبًا: 


_ أيوة يا ياسين.. هتتأخر قد إيه؟... يعني عرفتها تستناني؟ طيب تمام أنا هوصلها ماتقلقش.. سلام! 



+




أغلق هاتفه بعد أن وعد ياسين باصطحابه لعطر لمنزل الجد بدلا منه لأنه لن يعود للشركة مرة أخرى.. حسنًا يا قردتى الغاضبة ستضطرين لمصاحبتي رغم أنفك! 



+





        


          



                


التقط مفتاح سيارته واتجه لمكتبها، فوجده فارغ ومظلم.. هل يعقل أن تكون غادرت مبكرا؟


بحث عنها في الأرجاء فلم يجدها.. فقرر الأتصال بها لكن عاندت بطارية هاتفه إتمام الأمر وانطفأ جهازه. فزفر بضيق.. وترجل للخارج عله يجدها مازالت هناك..


..................


هاتفها ياسين واعلمها بتأخيره وانها ستعود مع يزيد ولأنها تتجنبه أسرعت بترك مكتبها لتستقل سيارة أجرة وتعود بمفردها، وأثناء وقوفها على رصيف الطريق..جائها صوت حسام جانبها مستقلا بسيارته:



+




ازيك يا باشمهندسة!


التفت له وهتفت: الله يسلمك!


_أول مرة الاقيكي واقفة هنا..خير محتاجة حاجة؟


_لا ابدا بس مستنية تاكس!


_هو مش استاذ ياسين بيوصلك؟


_ماهو عنده شغل برة ومش راجع على الشركة، فقلت اروح لوحدي!



+




غادر سيارته متجها اليها وهمس بحذر: طيب ممكن تسمحيلي اوصلك؟ صحيح عربيني صغيرة وبتمشي ببركة ربنا بس بنت حلال وبتوصلني لبيتي!


ابتسمت بمجاملة: شكرا يا باشمهندس أنا هاخد تاكس!


هتف بإلحاح: صدقيني هتفوتي تجربة محصلتش.. عربيتي دي من التراث زي ما انتي شايفة!



+




ضحكت ضحكة قصيرة وقالت: 


معلش مرة تانية..واتفضل انت ماتعطلش نفسك انا هركب اي تاكس جاي!


_ طب ع الأقل تفضل معاكي لحد ما تركبي مايصحش تقفي لوحدك!



+




" ماقلقش ياباشمهندس، بنت خالتي هتركب معايا ومش هتقف لوحدها"



+




التفتت عطر بمباغتة: يزيد؟!



+




رمقها بنظرة مشتعلة..فلم تدري أنه لمحها تضحك مع زميلها أمام أعين المارة، ثم أشار لها أن تستقل سيارته..فلم ينتظر ودون إهدار لحظة أخرى اتجه إليهما وعيناه ترسلل شررا..!



+




تنحنح حسام وقال: انا لقيت الباشمهندسة واقفة لوحدها وعرضت اوصلها بس.....


فاطعه يزيد: منا واخد بالي يا باشمهندس..عموما اتفضل انت ماتعطلش نفسك..( ثم ركز بنطق كلماته التالية) ابن خالتها أولى بتوصيلها ولا ايه؟؟



+




أومأ له باجاب وداخله محبط..كان يتمنى أن يحظى بفرصة توصيلها والتقرب منها قليلا..لكن دائما يظهر يزيد بينهما من العدم ويرمقه بنظرات غير مريحة..شعور قوي بذاته انه يبغضة بطريقة ما ولا يدري لذلك سببا.!



+




تركهما مغادرا بسيارته..بينما أشار لها يزيد مغمغما بجمود:


_اتفضلي عشان تركبي معايا واوصلك!


_ شكرا أنا هاخد تاكس!



+




نظر لها بهدوء لا يطمئن ثم قال:


تاكس ايه اللي هتاخديه؟ هو انا مش مالي عينك مثلا؟؟؟


وواصل بسخرية لاذعة: ولا سعادتك كنتي عايزة تركبي مع حسام وانا ضيعت الفرصة!



+




تجسد بملامحه الاستنكار والغضب لملميجه المهين فالتفتت هاتفة بحدة :



+




نعم؟ اركب مع مين وفرصة ايه اللي ضاعت؟ كلامك فيه تلميح مش هقبله يا يزيد ومااسمحلكش تكلمني كده..


ازاي اصلا فاكر اني كنت هركب معاه؟ هو عرض بمجاملة وانا رفضت بذوق وماغلطش في حاجة عشان تعاملني بالحدة دي كل شوية..ولا هو القسوة والعصبية ليا انا ..والرقة والحنان لحبيبتك اللي ماصدقت سمعت صوتها..!



+





        


          



                


قولها ادهشه وصدمه ولجمه وجعله يتأملها وعقله يطرح تساؤولاته..ماذا معني قولها؟ هل سمعت مكالمته مع بلقيس؟ لهذا كانت تعامله بتحفظ وملامحها بائسة؟..بدأ عقله يربط الأشياء ببعضها وعدة مواقف لها تتابع في مخيلته لتتضح الصورة بشكل أكثر دقة..عطر تغار عليه..وتتألم!. وهو خير من يعرف ذاك الألم!



+




لاحظت انه يتأملها بطريقة أربكتها وجعلتها تنعت نفسها بضميرها وراحت تلوم حماقتها..لما تسرعت وتفوهت بما لا يجب أن يقال وكشفت عن وجعها له..ماذا سيظن الآن؟! شعرت انها تريد البكاء بعد ان طفت غيرتها للعلن دون سيطرة..ولكي تخفي أثر ما قالت همست دون أن تنظر إليه: أنا هرجع المنصورة اخر الأسبوع يا يزيد!



+




لم تسمع منه ردا.. فأستدارت لتجده يطالعها بنظرة غريبة عليها لم تراها من قبل..لا تدري كيف تصفها..فعادت تهتف بعد أن أشاحت بوجهها ثانيا: يعني خلاص هترتاح مني!



+




ظل ساكنا فقط يطالعها..فطلبت منه أن يوصل القيادة اتصل لبيت الجد..فواصل ومازال محتفظا بذات الصمت حتى وقف أنام البناية!



+




_انتي سمعتي مكالمتي مع بلقيس من كام يوم؟



+




غمفم بقوله قبل أن تغادر السيارة، فسكنت لحظات وقالت وهي تدير وجهها عنه: كنت جايالك عشان حاجة في الشغل وسمعتك غصب عني!


منحها نظرة غامضة وتمتم: وليه مادخلتش وعرفتيني انك كنت موجودة؟



+




لأنها كانت تتمزق على عتبته وتنهار لصوته الذي بدا كعاشق..لم تراه حينها سوى عاشق يدور في محراب أميرته..هل تخبره بذلك وتهدر كرامتها؟ تمالكت أمرها وقالت:


عادي مشيت وقلت انك مش فاضي وبعدين اكلمك!



+




_بس انتي ما اتكلمتيش بعدها ولاحظتك متجنباني تماما..حتى لما ياسين اتصل وقالك اني هوصله اتعمدتي تمشي لوحدك..!



+




شعرت بحصاره يضيق عليها وصوته الغريب به شيء يضعفها فهتفت لتنهي ذاك الحصار: لأني مش لازم حد يوصلني انا مش صغيرة..واسمحلي امشي لأني اتأخرت..سلام!



+




غادرت دون تباطؤ وظل هو على نظرته الغامضة يراقب خطوتها المبتعدة المتعثرة وكأنها تهرب من شيء..!


شيء صار يدركه جيدا..!


______________________



+




_الباشمهندسة الصغيرة خلاص رجعت المنصورة؟


هتف يزيد بعبوس واضح: أيوة هي وجوري!



+




تفحصه احمد بتمعن وقال: انت زعلان انها مشيت؟


_ يعني اتعودت على وجودها عي وجوري!


_بس كده؟



+




صمت يزيد ووقف ليطالع نافذته فاستأنف أحمد:


اعترف انك افتقدت عطر..وان في حاجة جواك اتحركت..وانك اتأكدت من كل كلمة قولتها قبل كدة!


ظل يزيد ساكنا يطالع الأفق، فارتفعت وتيرة احمد غضب:


ماهو لو بعد ده كله مافهمتش وماحسيتش تبقى....


وصكت ثم واصل: مش عايز اقولك وصف هيضايقك!



+




وصله تنهيدة واضحة وسمعه يهمس ومازالت حدقتاه تتابع أفق السماء: أنا فاهم كل حاجة يا احمد!


غمغم الأخير بريبة: فاهم؟ بجد فهمت ولا ؟



+





        


          



                


التفت يزيد ووجهه يعج بالحيرة وقال: انا مش عبي يا احمد


تمام الأخير: بصراحة كنت هقول عليك كده


وواصل: طيب وبعد ما فهمت رأيك ايه؟


_في ايه؟


_انت عايز تجنني؟ مش بتقول فهمت؟ يعني عرفت ان البنت بتحبك فعلا مش مشاعر م اهقة مؤقتة..!



+




_ومش يمكن بردو مؤقتة يا احمد؟


_لو ده رأيك يبقي بجد مافيش منك أمل وتستاهل فرصة زي دي تضيع منك!



+




سادت صمت قصير قطعه يزيد بقوله:


اما خايف يا احمد انحرف للفرضة دي وانا ..    


_وانت ايه؟ 


_وانا لسه مش متأكد من نفسي..عطر ماتستاهلش تكون مجرد بديل يملى فراغ قلبي اللي سابته بلقيس..عطر تستاهل تتحب!



+




_ طب ممكن تجاوبني بصراحة على اسئلتي؟


أشار له بالمواصلة، فقال الأول: ليه بتضايق لما حد بيقرب من عطر خصوصا حسام؟ رغم انها بتتعامل مع ناس تانية!


لم يتلقى منه ردا فواصل: انا اقولك ليه..لأن حسام بالذات اهتمامه الشخصي بيها  واضح..وانت من جواك رافض اي احتمال ان حد يملكها..عارف ليه؟


رمقه يزيد بتساؤل فاستطرد: لأن روحك عارفة انها تؤامها يا يزيد..تملكك الفطري ناحيتها بيتحكم فيك من غير ما تدرك..قلبك حاسس بيها وعايزاها بس انت بتقاوم عشان اوهام وافتراضات غلط..يابني انت لسه ماجربتش حب..الحب عطاء متبادل وعطر بتديك احاسيس جديدة عليك..ومشاعر هترويك وهايجي وقت هتقول لنفسك انك اصلا ماحبتش قبلها..بلقيس دي وهم طفولة مش أكتر..بدليل انك خلاص اتقبلت ارتباطها بظافر..مابقيتش تتوجع..لأنها كانت في قلبك بذرة ضعيفة مالهاش ثمار..لكن عطر هي الأصل..هي الشجرة اللي هتكبر جواك وهتضخ فيك الحياة ..شيل من دماغك الأفكار دي، الظلم هيكون ليك انت لو ضيعت البنت دي!..



+




انهي حديثه بربتة على كتفه:


والأيام هتأكدلك كلامي بعدين..وفترة بعدها عنك هتخليك تختبر حاجات كتير  ناحيتها..!



+




وتركه لصراعات أفكاره المتضاربة..تارة يرفض حديث صديقه وتاره يميل اليه..لكن وسط كل هذا الصراع طف  شوقه اليها وافتقادها القاسي..!


____________________



+




عزفت عن الذهاب للشركة مع أخيها الذي يلاحظ هدوئها المريب وسألها مرار وهي تكذب بألا يوجد شيء..مازالت تحت تأثير صدمتها بذاك الشاب الذي ظننه فقيرا..كلما تذكرت شعرت كم كانت ساذجة..جعلها تندم على طيب ماصنعت معه..ربما لن تقدم على مساعدة أحد بعد ذلك!



+




طرقات على باب المنزل انتشلتها من شرودها فعمغمت لنفسها (مين اللي بيخبط ده؟..يزيد لسه بدري على رجوعه؟!) حسمت أمرها وذهبت تتفقد القادم فوجدت طفل صغير القامة يطالعها ببراءة وبيديه شيء فتساءلت: عايز مين ياحبيبي؟


الطفل: حضرتك طنط جوري؟


همست بدهشة: أيوة أنا..أنت تعرفني منين؟ وأسمك أيه؟


_أسمي علاء..ثم قدم لها ما يحمل فالتقطته بتلقائية وهي تقول: علاء مين وايه ده؟ وبعدين انت تعرفني ياحبيبي؟


همس الطفل قبل أن يختفي من أمامها تماما:


عمو باعتلك دي!



+





        


          



                


راقبت هرولته بتوجس وقلق..من هذا الطفل؟ ومن عمو هذا الذي أرسله!.. وحادت عيناها لما تحمل واستدارت لتغلق الباب خلفها ثم شرعت بفتح الشيء المغلف فوجدت بضعة سلاسل ملونة تشبه الذي أهداها لها عامر بكذبة انها من صنع شقيقته..وتذكرت أنها انقدتها من تلك الأطقم اليدوية..!..لاحظت كارت ظرف صغير يحوي ورقة خط عليها..((مهما قولت أسف عارف إنك مش هتسامحيني لأن غلطتي كبيرة اوي في حقك بس والله ماكنت أقصد ابدا العب بيكي زي مافهمتي ولا سخرت من طيبتك بالعكس..أنا كنت مفتون بالطيبة دي ومشدود ليكي بشكل غريب..غلطت ان اتمديت في كدبتي بس كان هدفي اني اشوفك بأي حجة..ارجوكي تكوني أحسن وأكرم مني وتسامحيني يا "ملاك".. ودي السلاسل اللي طلبتيها لأصحابك..وهتلاقي معاهم عقد مختلف عملته ليكي هدية اتمنى تقبليه..وعلى فكرة الطفل اللي جالك ده يبقى ابن اختي سماح..وبكره هبعتهولك في نفس المعاد ده واتمنى تبعتيلي ردك معاه انك قبلتي هديتي وسامحتيني..سلام يا "ملاكي"..! ))


__________________



+




في اليوم التالي!



+




ظافر: وعرفت منين انها كانت في البيت لوحدها؟


عامر: انا عارف من احمد انها ساكنة مع يزيد اخوها لوحدهم..وروحت الشركة الصبح عشان اشوفها بأي طريقة عرفت انها ماجتش..فخمنت انها في البيت..قمت روحت بسرعة جبت الواد ابن اختي ..والباقي انت عرفته!


همس بتفهم: ايوة عرفت..عموما ماتزعلش طبيعي البنت مش ترضى من اول محاولة..كدبتك بردو كانت تقيلة ياعامر..حاول تاني وتالت لحد ما تسامحك!


_وتفتكر في أمل تسامح؟ دي طلعت دماغها ناشفة اوي


_في أمل ومع الوقت هتفهم انك ندمان وهتلين في الأخر..واهو درس ليك بعد كده عشان تحرم تكدب!



+




_ والله توبت ومش هكدب تاني!


وواصل: بس انا مش غايظني منها غير انها اخدت حاجات اصحابها ورفضت العقد اللي عملته ليها..! 



+




ابتسم ظافر: بنت ذكية وناصحة، خدت حقها اللي دفعت تمنه..ورفضت هديتك!


_بت ناصحة بس والله ما هسيبها الا ما اصالحها..لو هي عنيدة..أنا دماغي جزمة قديمة


ضحك لنعته لنفسه: والله انت مجنون ياعامر! وجنانك ده هيوديك في داهية!


_لأ وأنت الصادق جناني هيوصلني لهدفي!


_هدفك ده اللي هو ايه؟



+




همس بثقة: جوري..!


__________________



+




اشتاقته كثيرا وكأنه غاب عنها ظهرا من الزمن وليست بضعة أيام حاولت بها استجماع ذاتها وهي تأخذ قرارا حاسما بعودتها كما يحلم لها الجميع والديها وأحبائها المتلهفين لعودتها..!



+




أما حصنها الدافيء..وسعادة أيامها القادمة..هو شيء أخر..هو أكثر ما حفزها على ترك انتقامها وتوكيل خالقها بمن أذوها..مجرد أحتمال أن يشتبك معها في انتقامها ويناله أذى جعلها تخاف..تخاف خسارته وفقدان وجوده..هي تعلم انه كما لم يدخر لمساعدتها شيء..أيضا لن يتردد بالانتقام لها..وهي لن تدعه يسدد دين لا يخصه!


وكم كان قرار صعب واحتاج الكثير من قوتها عقلها وحكمتها..لكنها اتخذته في الأخير..واختارت أن تحياة من جديد وتعوض كل مضى!


.....................



+





        


          



                


_صباح الخير..!



+




رفع وجهه سريعا فور سماع تحيتها..وجدها تقف على عتبة غرفته حاملة شيئا مغلف..فابتسم ببشاشة وتمتم: صباح الورد يا بلقيس!


دنت منه ووقفت هاتفة برقة: ممكن اخد من وقتك دقايق عشان نفطر سوا؟


نهض واقترب ليجلس قبالتها بعد أن دعاها للجلوس:


_ممكن طبعا..! 


جلست وهتفت له بصراحة مش دقايق بس.. أنا هقضي اليوم كله..ناوية اشتغل معاك



+




رفع حاجبيه بدهشة: تشتغلي معايا؟ 


واستدار حول مكتبه وغمغم: هتشتغلي ايه بقي بابرنسيسة


رفعت أكتافها ببساطة: اممم أي حاجة تختار اعملها



+




ابتسم وقال: لا ياستي مستغنين عن خدماتك..انتي هتفكري وهوصلك البيت


تذمرت معترضة: لا ياظافر بجد انت واحشنى وعايزة


تقضي اليوم كله معاك..والله ما هعطلك وهساعدك!



+




غمرت الابتسامة الجميلة وجهه وهو يسمع منها تعبيرها العفوي عن اشتياقها له..مازالت محتفظة بعفويتها التي تجذبه..لم يدري أن نظرته إليها طالت إلا حين لمح حركة أصابعها كلما توترت او ....... أو شعرت بالخجل!



+




لجم مشاعره وهمس بجدية: انتي عارفة اني مش هعرف اركز في شغلي وانتي موجودة!


_ليه؟


تساءلت برغبة خبيثة ربما يفصح عن شيء تود سماع، فتنحنح وقال: صدقيني هتزهقي..تعالي افطري وبعدها اوصلك..في ضغط كتير انهاردة وكذا أوردر لازم اشرف على تسليمه!


شعرت بخيبة وهي تنصاع له بإيماءة صامتة..فقال ليراضيها: بس بكرة هتفق مع عامر يكون موجود بدالي وهنقضي اليوم كله سوا


تحمست صائحة: بجد؟


انشرح قلبه لفرحتها ولامعة شمسيها واجاب: أه والله ..وهاخدك كمان مشوار مهم معايا مادام هنكون سوا


_مشوار ايه؟


_بكرة هتعرفي!


....................



+




تناول إفطاره معها وشرع بارتشاف قوتهما وتساءل:


الدكتور قالي انك أخر مرة روحتي عنده لوحدك!


_قالك حاجة عني؟


تنهد برهة وهمس: قالي انك محتاجة تفضلي مع نفسك شوية!


_ عشان كده مااتصلتش بيا اليومين اللي فاتوا؟


_ أيوة..لأني عارف انك ماكنتيش محتاجاني..كنتي محتاجة نفسك أكتر..!



+




ساد بعض الصمت ورصد عيناها الشاخصة وكأنها تفكر بشيء فتسائل: سرحتي في ايه؟ 


رمقته بتمعن وهمست:


ظافر..ممكن اسألك سؤال وتحاوبني بصراحة؟


_أكيد..!


حسمت أمرها بعد تردد: لو افترضنا ان في حد من اللي آذوني لسه موجود..هتعمل ايه؟


جاءت إجابته سريعة تلقائية وحاسمة:



+




__هنتقملك منه واخدلك حقك مهما كان حجم اللي أذاكي انا كفيل بيه..! وواصل وعيناه تحاصرها بقوة: صارحيني يا بلقيس لو في حد منهم موجود!



+




أرتجفت لرده الذي لمست فيه صدق حميته وتحدي المخاطر لأجلها وهذا ما تخافه، كان الطبيب محق حين حذرها أنه لن يتوانى عن الانتقام والثأر لها..والآن أدركت كم أصابت بقرارها..هي لن تسمح له بأي أذى.. ستجنبه هذا المصير حتى لو داخلها يحترق..لكنها تعول على خالقها أن يكفىء تلك النيران بروحها..وتطلب منه أن يريها ذات يوم "آية" بمن آذاها ..!



+





        


          



                


_اتكلمي يا بلقيس قلقتيني..في حد تعرفيه من اللي.......



+




قاطعته وهي تطمس ببراعة كل أثر لتوجسه:


متخافش مافيش حد..ده كان محرد سؤال حييت اعرفه..كنت نفسي اعرف هتفضل تدافع عني للنهاية ولا ؟


_ولا ايه؟


_مافيش ولا..وانسى اللي قلته ومتخافش عليا انا بقيت بخير وهسبتلك ده الأيام الجاية!


لبث ينظر لها بشك فابتسمت وهمست برقة شديدة: ايه بقى مش هتوصلني؟ ولا افضل معاك هنا واعطلك؟ انا عن نفسي حابة افضل ومش خسرانة حاجة..بس لو لقيتني بلف وراك في المطعم كله ماتزعلش!



+




لانت ملامحه قليلا وهمس برقة لا تخلو من حنانه المعهود: انا عمري ما ازعل انك حواليا..بس هتزهقي..وانا زي ماوعدتك هعدي عليكي بكرة ونخرج..ودلوقت يلا بينا عشان اوصلك!


______________________



+




_ خلاص مسافرة المنصورة ياجوجو؟ هتوحشيني!


_وحضرتك والله يا طنت..بس هانت اكيد هنتقابل في رمضان..لازم ترجعوا تقضوا معانا


دره: اكيد ياحبيبتي رمضان من غيركم


_طب فين بلقيس؟


_راحت لخطيبها واتصلت وقالت انها علي وصول!


_ياريت تلحقني اصل لسه ورايا حاجات حابة اشتريها وبعدين هروح لعطر عشان ياسين هيوصلنا


_زمانها جاية علي مانشرب نسكافيه سوا..!


............


لم تمضي لحظات وإلا وأتت بلقيس بصحبة ظافر الذي اعتبر رؤيته لجوري فرصة لتصليح سوء التفاهم السابق!



+




اما هي فرمقته بنظرة عاتبة وردت تحيته بفتور واستأذنت بالمغادرة لتنجز ما لديها..!



+




بلقيس: طب خليكي شوية يا جوري وبابا اما يجي هيوصلك


_ مش هينفع يابلقيس والله عايزة اشتري حاجات ماما طلبتها مني!


واستطردت وهي تحضر شيء من حقيبتها: يانهاري..كنت هنسى اديكي حاجة جبتهالك! واخرجت "العقد" الذي ابتاعته من عامر ظننا أن شقيقته من تنتجه بمجهود يدوي..!



+




شهقت بلقيس وهي تراه هاتفة: الله ده عقد يجنن ياجوري..تسلم ايدك تعبتي نفسك ليه!



+




ابتسمت بمحبة وقالت تحت أنظار ظافر لهما ونيله منها نظرات ذات مغزي: واحدة غلبانة وبتشقي على اخواتها الخمستاشر بتشتغلهم بنفسها ولما عجبوني قلت اجيب للكل وانتي منهم!



+




منحتها بلقيس نظرة ودودة ممتنة: حقيقي لافتة حلوة اني اكون من ضمن اللي هدتيهم..شكرا ياجوجو


_مافيش داعي للشكر يا حبيبتي..واسمحيلي بقى يدوب امشي


_بردو مصممة؟  استني بابا يجي يوصلك! 



+




" أنا هوصلها"



+




وجدها فرصة لتوضيح الأمور لها نيابة عن عامر، فرفضت بملامح جامدة: لا شكرا  يا استاذ ظافر مش مستهلة خالص..وبعد أذنكم انا اتأخرت جدا..!


وقارنت قولها بخطوتها التي ابتعدت بالفعل؛ فلحقها ظافر مبررا لبلقيس المتعجبة: دقايق وراجعلك تاني!



+




وراقبته بدهشة سرعان ماتحولت لأمر اخر وهي تتابعهما ويبدو على ظافر الاهتمام بها..!



+




_هي جوري مشيت؟



+





        


          



                


همست لوالدتها وعيناها لا تحيد عنه: أيوة ياماما استأذنت تمشي بس ظافر لحقها وشكله بيكلمها في حاجة مهمة!



+




.بنظرة سريعة فاحصة بين بلقيس المراقبة لظافر فهمت شعور ابنتها..فقالت : بنوتي الجميلة غيرانة؟



+




هتفت بانكار ونظرتها المشتعلة تكذبها: لا طبعا يا ماما..!



+




._انتي مش شايفة نفسك بتبصي عليهم ازاي؟



+




_ انا ببص عليهم لأني مستغربة من كلامهم..كنت فاكرة ظافر مايعرفش جوري غير معرفة بسيطة ماتسمحش بكلام جانبي كأن في سر..!


_ مش يمكن في بينهم سر فعلا؟؟



+




عبست ملامحها والتزمت الصمت ومازالت عيناها مصوبة عليهم..ظلت ملامحها عابسة ك الأطفال وهي تطالعهما..فتأملتها دره بحنان وسعادة جمة غير مصدقة وصولها لتلك المرحلة وهي تتصرف كأي فتاة طبيعية..ابنتها الجميلة تغار.. وتعشق..! داخلها يريد الدوران بها والرقص والصراخ بفرحة أم عادت ابنتها للحياة!



+




لمحت بلقيس نظرة والدتها فهمست: مالك ياماما بتبصيلي كده ليه؟ انتي بتبكي؟



+




لم تشعر دره بدموعها الزاحفة فوق بشرتها فجففتها وقالت: لا ياحبيبتي مش ببكي..انا فرحانة اني اخيرا شوفتك بتعيشي حياتك وقلبك بيدق لصاحبه!



+




همست بلقيس وعيناها معلقة به: عمري ماحسيت اللي جوايا ده مع حد يا ماما..قلبي بينتفض مجرد مابشوفه..اي حاجة احس انها هتسعده ببقى عايزة اعملها بدون تفكير..لما صدى كلامه بيتردد في عقلي وهو مش معايا بحسه بيقويني وبيديني الأمان..عايزاه دايما حواليا.. ظافر بالنسبالي حاجة مش هقدر حتى اوصفها..!



+




ضمتها بقوة وغمغمت: من غير ماتوصفي انا فاهمة  يا نور عيني..!


صمتت برهة ومازالت تتابعه وهمست: تعرفي ياماما..ساعات بحس بخوف ان ظافر يكون مش بيحبني..!


_ليه بتقولي كده يابنتي


_خايفة يكون وجوده معايا شفقة وأداء واجب..!


_بالعكس أنا متأكدة انه مش كده


_بجد يا ماما ده رأيك واللي انتي شايفاه؟


_اه والله..لس ده مايمنعش انكم محتاجين تعرفو بعض بشكل تاني..الفنرة اللي عدت كانت حالتك النفسية مش مظبوطة..دلوقت انتي الحمد لله بقيت كويسة..خليه يشوف بلقيس اللي مايعرفهاش..خليه يشوفك من جديد..فاهماني ياحبيبتي؟


تنهدت وهي توميء برأسها:فاهماكي..وده اللي هعمله!


ثم استدارت إليه وعيناها تلمع: مش بس ظافر ياماما اللي هيشوف بلقيس الجديدة..انتي وبابا كمان هعوضكم زعلكم وحزنكم عليا الفترة اللي فاتت..أوعدك افضل دايما رافعة راسكم ومحققة أملكم فيا..!



+




ترقرقت عين دره وحاوطت وجهها براحتيها: انا كل أملي تبقي بخير وناجحة وعايشة حياتك..ده كل همي انا وابوكي!



+




_ أسف أتأخرت عليكي يابلقبس!



+




قاطعهم مجيئ ظافر ثم نظر لدره وقال بتهذيب: ازي حضرتك ياطنت عاملة ايه!


_.الحمد لله ياحبيبي بخير..


وواصلت: ومادام جيت انهاردة اعمل حسابك هتتغدى معانا ماشي؟


_ﻻ ﻻ ياطنط صعب جدا والله انا جيت اوصل بلقيس وراجع تاني لشغلي..تتعوض مرة تانية!


هتفت بتفهم: خلاص ياحبيبي ولا يهمك مقدرش اعترض مادام مشغول..ثم حدثت ابنتها: وصلي خطيبك يابلقيس!


.................


لاحظ عبوسها وهي تخطوا جواره فتسائل:


مالك يابلقيس ساكتة ومكشرة كده ليه؟؟


رمقته بغموض وهمست باقتضاب: مافيش!


بس ممكن تقولي كنت بتكلم جوري في ايه وبتضحك؟ 



+





        


          



                


وقف قبالتها وطالعها بنظرة ثاقبة وهمس: ده اللي مضايقك؟



+




شتت عيناها بعيدا عنه وهتفت: لا عادي لو مش حابب تقول براحتك!



+




_انا فعلا ماينفعش اقولك..اعتبريه سر مش مسموحلي اتكلم فيه مع حد!



+




احنت رأسها بضيق دون ان تتحدث، فتسائل: عايزة حاجة قبل ما امشي؟ هزت رأسها بالنفي..فعاد ليتسائل: طب مش هتبصيلي؟ وبعدين همشي وانتي مكشرة كده؟


ظلت على حالتها لا تنظر له..فناداها برقة ودفء جعلها ترفع عيناها إليه كالمسحورة، وغمغم: زعلانة عشان كلمت جوري؟


لم تجيب ومازالت مأسورة بعيناه فواصل بابتسامة زادت وسامته بنظرها: أنا مايهونش عليا زعل البرنسيسة!


اتسعت ابتسامتها حتة أضاءت وجهها، فتأملها هامسا: أيوة كده خلي الشمس تطلع!


وواصل: ولو اني ماكنتش حابب اتكلم في حاجة بس هحكيلك عشان ماتزعليش..واهي قريبتك في النهاية!


وراح يقص عليها موقف جوري وعامر من بدايته حتى انتهي بقوله: بس ياستي..وانا روحت وراها عشان اوضحلها اني معرفش ان كدبة عامر هتطول وتتطور كده..وان هزاري كان برييء واعتذرت عنه..وبخصوص كنت سبب ضحكي وانا واقف معاها..عشان هي واضح دمها خفيف اما بتتعصب، قالت كلمة عن عامر ضحكتني اوي..!..بس ياستي أدي كل الحكاية..خلاص كده رضيتي ومش زعلانة؟


ابتسمت هامسة: لأ مش زعلانة


واستطردت: وصاحبك بجد ناوي يخطب جوري..؟


_اه والله وهيطلبها من يزيد..بس تعرفي، شكل بنت عمك دي هتطلع البلا الازرق على جتته وهو يستاهل بصراحة!



+




ضحكت لقوله فتأمل ملامحها الضاحكة التي تدفقت بها الحياة..كم هي جميلة حين تضحك..وكيف لم يتحمل عبوسها وزعلها المكتوم منذ لحظات ولولا هذا ما سرد لها شيء..مازالت بلقيس تؤثر عليه بشكل لم يجربه من قبل!


________________________



+




_بتقول قابلت جوري امبارح وكلمتها؟


_اه والله 


_ طب وحصل ايه وقولتلها ايه وقالتلك ايه..سامحتني ولا لسه زعلانة مني اوي؟


_ايه يا ابني كل دي اسئلة براحة وانا هقول كل حاجة


_طب قول ياظافر بالله عليك


_انا شوفتها وانا بوصل بلقيس لبيتها وانتهزت الفرصة وهي ماشية وروحت شرحتلها الموقف ازاي كان هزار بريء مننا.وانك ماقصدتش تكدب لنية سيئة وان الظروف كل مرة كانت بتخليك مش عارف تصارحها بحقيقتك!


_وقالتلك ايه؟



+




صمت وملامحه تفضح ردها، فهمس عامر بإطراقة رأس وغمغم باحباط: طبعا زعلانة ومش طايقة سيرتي!


ربت ظافر على كتفه: معلش طبيعي تفضل واخدة موقف وانا واثق انك هالاقي طريقة تصلح الموضوع!



+




التزم عامر بصمته فاستطرد الأول: على فكرة، امبارح لقيتها بتهدي بلقيس عقد من اللي انت عملته..وابتسم وواصل: وقامت ملقحة عليك وقالت انها اشتريته من واحد غلبان عنده خمستاشر اخ..! وفي حاجة كما عرفتها..!


عامر: ايه هي؟


_هي رجعت المنصورة انهاردة!


تفاجأ مع قوله : رجعت؟ يعني خلاص؟ فرصتي ضاعت اني اكلمها واشوفها تاني؟!


_ماضاعتش ولا حاجة..هنشوف حل تاني متخافش!



+





        


          



                


شخصت عينه وغمغم: معنديش غير حل واحد ياظافر


_اللي هو ايه؟


_هقولك


___________________



+




في مكتب يزيد!



+




دلفت فتاة الاستقبال بعد طرقتين وهتفت: 


استاذ عامر طالب يقابلك ياباسمهندس


_خليه يتفضل!


.......  



+




يزيد: اهلا يا استاذ عامر


_اهلا بيك باباسمهندس عامل ايه؟


_ الحمد لله تمام..معلش هعطلك شوية بس انا جاي عشان حاجة مهمة


_ ماتقولش كده انا فاضي وقولي الأول اشرب ايه؟


_ لا شكرا انا هدخل في الموضوع على طول


يزيد: موضوع ايه خير؟


_ ان شاء الله خير..بس اسمعني للأخر بدون مقاطعة!



+




مظهر عامر المتوتر أوحى له أن الأمر هام، فأسترخي على ظهر مقعده وأشار له أن يتحدث، فتنحنح الأول وبدأ في استرساله عن كل شيء من بدايته مع جوري حتى وصل بسرده إلى سوء التفاهم الذي حدث معها..!



+




ظلت تعبيرات يزيد مبهمة وهو يستمع إليه حتي أنهي عامر سرده هاتفا: أنا عارف اني علطت اما كدبت بس انا فهمتك ان كدبي والله ماكان متعمد ولا بغرض سيء لا سمح الله!



+




يزيد بجمود: والمطلوب ايه دلوقتي مش فاهم؟


_ المطلوب أولا انك كنت تعرف وثانيا....


وصمت بضع ثواني يستجمع نفسه وواصل: وثانيا انا بطلب منك ايد الأنسة جوري!



+




رفع يزيد حاحبيه بدهشة: نعم؟ 



+




_مستغرب ليه؟ انا بجد يشرفني اطلب ايدها واتمنى توافق وتساعدني اصلح الموقف معاها..!



+




_يعني انت عايز مني اوصل طلبك ليها ولبابا؟


_ اكيد ده هيحصل بس قبل كل ده عايز اعرف رأيك فيا الأول..!



+




رمقه بنظرة ثاقبة وظلت ملامحه جامدة لا توحي بشيء ثم اتسعت ابتسامة بالتدريج قائلا: مقدرش انكر انك شاب محترم وابن ناس و كلام احمد عنك دايما في صالحك يا عامر..باستثتاء موقفك السخيف مع جوري بس مجيتك لحد عندي وتوضيح نواياك بصدق وشجاعة  شفعلك وأظهر معدنك الطيب!



+




صاح عامر بحماس: يعني انت موافق يا يزيد


_ من ناحيتي معنديش مانع..بس طبعا أكيد رأي بابا وجوري أهم..!



+




_أكيد طبعا انا فاهم بس انا عايز منك خدمة


_ايه هي؟


_ بلاش تجيب سيرة طلبي ده لجوري دلوقت..لأن لو ما صلحتش معاها سوء التفاهم اللي حصل الأول اختك هترفضني وش! 


ضحك يزيد: اعتقد ده فعلا اللي هيحصل..طب الحل ايه يا استاذ؟


تنحنح اولا ثم قال وهو يرمقه بحذر: رتبلي معاها اي مقابلة عشان اعتذرلها


_ انت بتستهبل؟ أخليك تقابل اختي كده عادي!


_ ما انت خلاص يا يزيد عرفت نيني..انا بس عايز اخد فرصة واخليها تنسي الموقف السخيف اللي حصل بنا وبعدين هقابل والدك واطلبها فورا والله!



+




ظل يزيد على عبوسه صامتا، فواصل عامر الحاحه:


طب هسهالهالك..اعزمني عندكم ك ضيف..وهناك اكيد هلاقي فرصة اكلمها تحت عنيك!


تمتم بعد تفكير: طب سبلي الحكاية دي و انا هشوف هتصرف ازاي!



+





        


          



                


شكره عامر بامتنان: مش عارف اشكرك ازاي يا يزيد..انا ارتحت جدا لما كلمتك..!


_مافيش داعي للشكر وربنا يصلح الحال للافضل!


_______________________



+




آلام شديدة تتصاعد وهي تحاول الكتمان لكن الآلم أصبح لا يحتمل حتى أنها صرخت منادية زوجها:


_الحقني يا رائد..بطني هتموتني شكلي بولد!


نهضا مفزوعا من صراخها عير مستعد لتلك التجربة الأولى..هل رودي تلك المرة تعاني آلام المخاض؟ كيف ومازال بحملها شهران؟


_ بقولك الحقني يا رائد مش قادرة..اتصل بميرا تساعدني!



+




انتفض بالفعل متلقطا هاتفة وما ان وصل صوت أخيه حتي صرخ عليه: الحقني يا أيهم رودي تعبانة اوي ومش عارف اتصرف ممكن تكون ولادة!



+




بكلمة مقتضبة سريعه من "أيهم" اغلق معه وأيقظ زوجته وتأهبا للذهاب فورا  لرائد ومعهما الطبيب المسؤل عنها!


وبعد وصولهما بالطبيب أعلن حالتها المتعثرة التي تبشر بولادة مبكرة بشهرها السابع!


_____________________



+




لا يصدق انه يحمل الآن قطعة من روحه بيديه..عيناها مازالت مسدلة لكن موائها الذي يشبه القطة يطرب قلبه وكأنها تناجيه..طفلته التي أتت على دنياه لتمنحه شعور يعجز عن وصفه..زحفت دموعه بصمت وهو يلاحق بعيناه حركة أصابعها الصغيرة وقدمها التي تعافر لتتحرر من غطائها الملون!



+




_ ألف مبروك يا اخويا ..تتربى في عزك ويجعلها ذرية صالحة ليك انت ورودي.. ناوي تسميها ايه؟


همس دون ان يرفع عيناه عن صغيرته: "رحمة!"


اعاد "أيهم" الأسم: رحمة؟ اسم جميل ومعناه اجمل..


وشاكسه: خلاص من هنا ورايح هناديك بأبو رحمة..مافيش رائد تاني!



+




_عندك حق..مافيش رائد..في ابو رحمة اللي عارف انه اتولد في اللحظة دي..انما رائد هيفضل بأسراره وخباياه لحد ما ربنا يريد!


_ونعم بالله ..اطمنت على رودي؟


_ايوة اصلا ماسبتهاش لحظة غير لما نامت..بس انا خايف عليها اوي..الدكتور قال ولادتها كانت صعبة عشان كده ولدت قيصري قبل معادها!


_معلش شوية راحة وهتبقي زي الفل..الولادة مش سهلة يا رائد..انت خليك جمبها وماتشلش هم..واي حاجة تانية انا هعملها..!



+




رمقه بامتنان: مش ازاي اشكرك انت ومرات على وقفتكم معانا


_انت عبيط؟ ده انت اخويا الصغير..كفاية انك جيت هنا وماليت الدنيا علينا في الغربة وبقينا عيلة كبيرة..والحمد لله ان مراتك ولدت قبل رمضان..دي أيام مباركة وربنا يباركلك فيهم..يلا هسيبك شوية وراجع..!


_____________________



+




عبر الهاتف!


_ كل عام وانت بخير ياكبير..رمضان خلاص ع الأبواب وعايزين نشوفك


يزيد: وانت بالصحة والسلامة ياحبيبي..ان شاء الله هظبط اموري ولو مش جيت اول يوم هاجي تاني يوم اكيد



+




_انت عايز كيما تعملنا مناحة؟ لازم تيجي اول يوم..وبعدين هنكون لمة كبيرة..!


_يعني الفطار اول يوم عندنا؟


_ايوة وده بعد خناقة بين ابوك وعمامك..كل واحد عايز ياخد اول يوم..بس ابوك مسيطر واتشقلب لحد ما مشى رأيه! وعمك عاصم هيفضي اول عشر أيام من رمضان معانا و هيعزمنا تاني يوم وعمي محمد تالت يوم..واستاذ ناجي رابع يوم..!


_ طب كويس ربنا يديم جمعتكم ويبارك في رمضان الجاي.. 


وواصل: المهم انت هتشتري الفوانيس امتي


_بكرة هاخد البنات وزمزم ومحمود الحمد لله رجله اتحسنت وهايجي عشان يجيب فانوس لمهند ولاخته..وطبعا ماما وطنط عبير وخالتو فدوة جايين وهنتسوق ونسهر سهراية كده قبل الشهر الكريم..وعلى فكرة ياسين جاي بكرة وهيكون معانا..!


_ايوة منا عارف هو اجازة بكرة! 


طب انا كنت عايز منك خدمة


_خير؟



+





        


          



                


قاطعه دخول أحمد!


_ فاضي يا يزيد؟


_اه بس هخلص مع عابد الأول!


_طب افتح الاسبيكر اسلم عليه!


ازيك يا واد يا اسمك ايه انت


_خدامك عابد


ضحك وقال: ازيك ياعبودي واحشني والله..كل سنة وانت طيب ورمضان كريم


_الله أكرم يا ابو حميد..مش هنشوفك في رمضان؟ تعالى مع يزيد اول يوم!


_لأ صعب..امي مش هتاكل لقمة لو مش فطرت معاهم..بس ويزيد راجع تبعت معاه صينية المعمر وعلى وشها بطة محمرة وإلا هعمل الدنيئة ومش هدخل اخوك الشركة!


_ لا على ايه أحلى معمر وبط يتعملك!


_اصيل ياعبودي..يلا هسيبكم بقي واما تخلص يا يزيد تعالالي عايزك في حاجة..سلام


................



+




استأنف عابد حديثه: خدمة ايه اللي كنت عايزها يا يزيد؟


_ عايزك تجيبلي فانوس حلو لعطر من غير ماتعرف طبعا وتشيله لما اجي اقدمه ليها!


_ ياعم دي اخرها علبة صفيح وشوية سوداني


_اتلم ياعابد العلبة الصفيح دي هي دماغك..مابهزرش عايز فانوس حلو..انا مش هكون فاضي اشتري وماليش اصلا في الهدايا ده تخصصك!


_ماشي طب انا عامل واحد مخصوص بأسم مهند..تحب اعمله بأسمها؟ ولا أقولك نحط عليه صوباع موز ورمز القرد عشان تفرح وتتنطط كده


يزيد وهو يجز أسنانه: ده انا اللي هاجي انططك..اقفل يالا مش عايز منك حاجة.. آل قرد آل..انا عايز اصالحها تقوم تجيب اللي يعصبهالي؟


_انت مزعلها ولا ايه؟


_حاجة زي كده!


_خلاص ماتشلش هم هظبطك والله..وهجيب لجوري وماما كأنه منك وهبعتلك الصور تشوفهم!


_ماشي.. يلا هقفل معاك واشوف احمد عايز ايه


_تمام..بس كنت عايز منك حاجة وانت جاي


_عايز ايه


_في نضارة عجبتني واحمد عارفها..هاتهالي وانت جاي


بس اوعي تخليه يحاسب لا يفتكرها تمن البطة ويفضحنا



+




_انت عبيط.. يحاسب ازاي..انا هروح معاه وهدفع تمنها..عايز اي حاجة تاني اجيبهالك من هنا؟


_لا ياكبير عايز سلامتك..!


_______________________



تكملة الرواية من هناااااااا 




تعليقات

التنقل السريع