القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل التاسع والاربعون والخمسون بقلم دفنا عمر

 



رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل التاسع والاربعون والخمسون  بقلم دفنا عمر







رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل التاسع والاربعون والخمسون  بقلم دفنا عمر



  الفصل التاسع والأربعون


_________________



+




كان حاسس قلب الصبية.. 


إن اللي جاي مش جميل.. 


وصدقت واديها بتبكي..


والدمعة هتفضل تسيل.. 


وآهة في القلب توجع..


وترعد سماها في ليلها الطويل.. 


___________



+




گ عرافة تبذر أحجار "الودع" أرضًا تتباهي بما تعرف ولو كذبًا..صدق قلب بسمة وتنبأت بمُصابها الآليم.. خوفها المبهم أصبح يدعمه اليقين وهي ترى حريق نشب في بنايتها ألسنته التهمت كل ما طالته بنهم.. گ غول جائع "حُلت" عقاله وكشر عن أنيابه ووجهه القبيح.. 



+




لا تدري سبب ما حدث ومما اشتعلت النيران.. فلن يفرق معرفة السبب كثيرًا، النتيجة واحدة..الكارثة حدثت وماعادت للأسباب أية أهمية.. صراخ المنكوبين على انهيار مآواهم الوحيد امتزج بصوت أبواق سيارات الأسعاف والمطافيء التي فرضت هيمنتها سريعًا بإطلاق خراطيم المياة الضخمة للسيطرة على الحريق الذي بدا هائلًا..مخيفًا..


شقيقتها تصرخ بلوعة حتى نفرت عروق العنق..


ياسين الصغير يبكي ويمسك بطرف كنزة حنين ..


بينما هي جامدة الملامح ذاهلة..


كأن مايحدث لا يخصها..


كأن عقلها يرفض تسجيل تلك اللحظة القاسية..


ويرفض تصديقها..


بنايتهم القديمة لم تحترق..


منزلهم مازال بخير..


والديها..!


والديها؟


أين هم؟


لقد تركتهما غافين لحين عودتها هي وأخواتها..


هل تآذو؟ 


بدا السؤال شديد السذاجة


وهنا بدأ إدراكها يعود 


هرولت تصرخ منادية: 


بابا.. ماما..! 


فجذبتها يدٍ قوية وكبلتها عنوة.. 


الحريق ينبيء بفداحة الخسائر المتوقعة ووالديها لن يكونا استثناء في هذا المشهد المأساوي! 


هكذا حدث ياسين نفسه وهو يقيدها، فصرخت عليه: 


_ سبني.. ماما وبابا لسه فوق.. سبني انقذهم



+




ظلت تصرخ وكادت تفلت من بين يديه، ليوقفها بغتة صراخ حنين تنادي: 


_ بابا.. ماما..! 



+




التفت بعنف ليهالها رؤيتهما وجسد كلا مهما يرقد فوق نقالة، أعينهما مسدلة..أجزاء منهما بلغها الحريق..وتبعها جسد الجار عادل أيضًا راقد على نقالة..  ماذا يحدث، عادت تنظر لوالديها بذهول.. هل فقدتهما؟ لا.. ربما إغماءة.. نعم هي مجرد إغماءة ويفيقان.. كل شيء يمكن أن يعوض إلا خسارة أبويها.. هرولت لتصعد جوارهما بسيارة الإسعاف ومعها حنين..



+




أما ياسين فأخذ الصغير المصدوم ولحقهما بسيارته! 


ليكون من نصيبه أن يشهد على انهياره وهو يهتف باكيًا ببراءة:  عمو.. بابا وماما هيموتوا؟  انا مقدرش استغنى عنهم.. خليهم يفضلوا معايا وانا مش هتشاقى تاني.. ماما قالتلي هتموتني انا وابوك بسبب شقاوتك..خلاص مش هتشاقى تاني.. والله ما هزعلهم تاني ياعمو بس خليهم يعيشوا.. صاحبي اللي في الشارع وبلعب معاه أمه ماتت ومبقاش بيضحك ولا يلعب..أنا عايز ماما..عايز بابا.. ومش عايز العب..



+




لم يتحمل ياسين حديث الصغير الذي يُفطر أقسى القلوب فضمه لصدره بقوة وانهمرت دموعه الصامتة حتى تشوشت لديه الرؤية، فتماسك سريعا حتى يقود سيارته بأمان.. هامسًا بصوت حزين حاني:  متخافيش يا ياسين ماما وبابا هيكونوا بخير.. أدعي ربنا انهم يخفوا بسرعة..وبإذن الله هيرجعوا تاني.. وعلى فكرة هما مش زعلانين منك يا حبيبي.. بالعكس اكيد بيحبوك.. 



+





همعم الصغير ببكاء متقطع وكأن ما سمعه من والدته صار لعنته التي ضخمها ورسخها عقله الصغير:



+




ماما قالتلي هتموتني انا وابوك بسبب شقاوتك..!


_____________



+




هرول يبحث عن خطيبته ليؤازرها في تلك النكبة بعد أن هاتفته وهي تصرخ أن ينجدها، وفي إحدى ممرات المشفى بجدرانها البيضاء وجدها تجلس أرضًا تبكي بكاء شطر قلبه



+




_ حنين حبيبتي انا جيت اهو متخافيش.. اطمني بإذن الله عمي وطنط هيكونوا بخير بس اهدي. 



+




طالعته باستجداء:  عبد الرحمن.. بابا وماما حالتهم صعبة اوي.. أنا خايفة.. أنا مش هقدر اتحمل يجرالهم حاجة.. خايفة أوي.. 


_ مش هيجرالهم حاجة متخافيش، بس اجمدي وخليكي قوية..وأنا معاكي مش هسيبك! 



+




رمقت شقيقتها الكبرى بلوعة:


خايفة أوي على بسمة يا عبد الرحمن.. من وقت اللي حصل وهي ساكتة كده.. كأنها مش مصدقة.. 


_ معلش ده طبيعي، بس بسمة قوية وهتتماسك ماتقلقيش. 


_ لأ..ده مش طبيعي.. ده رفض للي حصل..كتمانها ده مايطمنش.. خايفة عليها ( ثم نظرت لموضع أخر حيث شقيقها الأصغر) أستاذ ياسين ماسابناش لحظة واحدة وهو اللي مهتم باخونا.. معرفش لو مش معانا كنا عملنا ايه..



+




_ مين استاذ ياسين ده؟


_ ده قريب صاحب المزرعة اللي بتشتغل فيها بسمة، واللي كان فرح قريبه الليلة، كنا معزومين وهو عرض يوصلنا..له نصيب يحضر معانا الكارثة من الاول. 



+




_ كتر خيره، أنا هقوم اشكره واقوله لو عايز يمشي واطمنه اني موجود معاكم.. أكيد محرج يسيبكم وفاكركم لوحدكم.. دقيقة وجايلك ياحبيبتي! 


………… 


_ السلام عليكم.. أنا عبد الرحمن خطيب حنين


_ أهلا بيك، وانا ياسين


_ اتشرفت بحضرتك، حنين كلمتني عن وقفتك الجدعة معاهم.. وانا بشكرك على تعبك جدا وتقدر تتفضل دلوقت كفاية عطلناك لحد كده..وانا موجود معاهم مش هسيبهم لحظة واحدة.. 



+




ضاقت عين ياسين وهو يقيمه بنظرة سريعة قبل أن يهتف بثبات: أنا مش همشي غير لما اطمن على والد ووالدة بسمة..!



+




تعجب إصراره.. ما الذي يجبر شاب مثله لا تربطه بهم صلة حقيقية ليمكث معهم ويضحي بوقته؟ حاول إثناءه ثانيا:  بس مافيش حاجة تجبرك على كدة استاذ ياسين.. قلت لحضرتك أنا موجود.. وممكن تسيب رقمك وهطمنك أول ما يحصل حاجة.. 



+




هم بقول شيء ما، فقاطعه خروح الطبيب الذي استشف من وجهه الخبر الآليم حتى قبل أن يتفوه به! 



+




" البقاء لله ياجماعة"


________________



+




مدينة الغردقة.! 


تلك المدينة الساحلية التي طلبت من زوجها عابد أن يقضيان بها شهر عسلهما، فهي من ضمن الأماكن التي طمحت بزيارتها وهي في أوكرانيا.. ولن تكون أخر القائمة.. ستتذوق كل معالم وطنها وهي بكنفه، وأناملهما متعانقان..وصلوا لشاليه حديث الطراز مستأجر سابقًا گ ترتيب تولاه يزيد بنفسه لأجلهما، الجمال يكاد ينطق وهما يشاهدان المكان، كما يسيطر الهدوء على محيطه من الجانبين، يناسب تماما خصوصيتما معًا گ عروسين.. دلفت "الشاليه"محمولة بين ذراعيه.. متواريان خلف أول باب أغلق عليهما، تعقد ذراعيها حول عنقه بينما بدأ هو يعانق شفتيها بشفتيه ليرتوي بحبها الحلال غير قادر على المقاومة.. لتبعده عنه هامسة بدلال ( بودي.. في حاجة نفسي أعملها انا وانت هنا) غمغم ومقلتيه تطوف عليها بشوق ( ايه هي يا قلب بودي؟) ابتسمت بجاذبية لا يتحملها عاشق جائع مثله، وقالت وهي تتحرر منه وترسو قدميها أرضًا ( دلوقت هتعرف) .. اتجهت لغرفة نومها تحمل شيئا معها هاتفة ( دقايق وهنادي عليك ياحبيبي)..


……… .. 



+





        



          



                


بعد وقت قصير.. صاحت تنادي عليه ليأتيها.. ومع أول ولوجه غرفتهما صدحت موسيقى اغنية يعرفها جيدا وضوء خافت ومتراقص أكسب الأجواء دفء تسرب لنفسه وهو يقترب وعيناه مبهورة بها بعد أن تحررت من حجابها والبادي الرقيق من تحت صدر فستانها.. لتظهر ذراعيها العارية وكتفيها وصدرها بوضوح.. يعلو رأسها طوق من الورود جعلها گ أميرة أسطورية وشعرها الطويل منساب بنعومة  تنافس نعومة بشرتها.. مقتربة منه هي الأخرى وشفتيها تشدو بكلمات الأغنية التي اختارتها له بتناغم مبهر.. متعلقة بعنقه ليضم بتلقائية خصرها النحيل الذي راح يتمايل بدلال مع النغمات بين يديه.. وأطراف شعرها تلمس أنامله خلف ظهرها وعيناها الكحيلة اللامعة تطالعه بحب لم يرى مثله من أحد.. وشفتيها الشهية مستمرة بالشدو: 



+




"انا.. أنا كلي ملكك


انا كل حاجه حبيبي فيه بتناديك


انا.. انا مش بحبك


الحب كلمه قليله بالنسبه ليك"



+




لتفصل شدوها بقبلتين فوق عيناه


لتعود وتشدو من جديد: 



+




"انت فرحه جت لعندي بعد عمر من التعب


في السعاده الي بعاشها ياحبيبي انت السبب


ضحكتك عقلك جنونك 


والحنان الي ف عيونك


هوصف ايه واحكيلك ايه


انا أنا كلي ملكك


انا كل حاجه حبيبي فيه بتناديك


انا انا مش بحبك


الحب كلمه قليله بالنسبه ليك"



+




أكتفى بصبره عليها ومؤشر عاطفته يعلو ويعلو منذًرا بالخطر وهو يأخذها بموجة جارفة من عاطفته كادت تنسيهما طقوسهما المباركة لأول ليلة لهما..فابتعدا على مضض ليستعدا سويًا لأول صلاة وهو "إمامها".. وكم لهذا من حلاوة تذيب القلب وتهديء الروع وتخمد المخاوف.. عابد زوجها.. حبيبها.. فرحتها التي أدخرتها لها الأيام..والنعمة التي تقسم أن تصونها ما حييت.! 


_____________



+




وبتضاد تمتليء به أقدار العباد..ما بين لحظة تمر على أحدهم بسعادة..وبمثلها في ذات الوقت هناك من يبكي وجعا.. صرخة صغير يولد للحياة.. تعقبها صرخة فقيد غادرها ليُفسح للوليد مجالًا في هذا العالم ومودعا كل أحبابه..ولا تبقى سوى كلمات.. كلمات لن تمحي أثر فاجعة بسمة وحنين والصغير.. ولأن قدرا صار ياسين وعبد الرحمن كتفًا بكتف بتلك الليلة الحالكة.. تعاونا في نقلهم شقة الزوجية التي استأجرها الأخير قبل فترة.. بعد رفضه اقتراح ياسين بأخذهم لاستراحة فيلتهم هاتفًا بعزة: 



+




_حنين واخوتها مش هيروحوا عند حد غريب.. شقتنا موجودة، صحيح هي فاضية، بس انا هتصرف واجيب شوية لوازم على ما نشوف هنعمل ايه..



+




لا ينكر ياسين اعجابه بنخوته ولو كان في موضعه لفعل مثله.. وبنظرة شاملة حوله للمنزل  وجده فارغ تماما لا يحوي غير مقعدين خشبيين متهالكين، وسُلم خشبي ملطخ بدهانات جافة يعتقد انه يخص إحدى عمال النقاشة، وسخان كهربي لصنع الشاي يعلو طاولة صغيرة جدا وبعض الأقداح الزجاجية المقلوبة على فوهتها .. فأشار لعبد الرحمن ليحدثه بعيدا عن الفتاتين اللذان لا يشعران بما يحدث خولهما ولا كيف أتو إلى هنا من الأساس.!


……… .


_ أسمعني يا عبد الرحمن، من حقك ترفض يجوا فيلتنا، بس البيت فاضي خالص، مافيش حاجة البنات واخوهم يناموا عليها.. فاسمحلي أنا… 



+





        


          



                


قاطعه الأخر:  أنا هتصرف يا استاذ ياسين.. هفك سريري وانقله بلوازمه هنا في عربية "نص نقل" شغال عليها واحد صاحبي هتصل به دلوقت و… 



+




جاء دور الأخر ليقاطعه: مش مستاهلة.. وبعدين في الظروف الصعبة دي لازم تتقبل المساعدة بدون حساسية، خصوصا ان اللي هعمله بسيط.. انت وفرت أهم حاجة وهي المآوى.. سبني انا أعمره بلوازم بسيطة.. بص انت تتصل فعلا بصاحبك يجيب العربية وتحصلوني على العنوان اللي هقولك عليه.. هكون حضرت شوية حاجات كده كده موجودة عندنا ومش بنستخدمها هتوفي الغرض هنا لحد ما ربنا يسهلها..(حاول عبد الرحمن الاعتراض مرة أخرى مستنكرا مساعدته، لكنه لبث يفكر بعقلانية.. حالته المادية لن تمنحه الفرصة ليفعل الكثير لخطيبته واخواتها الآن.. فتقبل مرغمًا المساعدة مؤقتا حتي يمر الموقف بسلام.. خاصتًا  أن الشاب يُبدي ودًا غريب ومشجع.. ويشعر بحدسه أنه يُكن مشاعر ما لبسمة.. لكن هذا ليس وقته الآن.. فلتهدأ توابع الفاجعة.. ولكل حديث مقال فيما بعد..! 


___________



+




استقبلت عائلة عبد الرحمن خبر وفاة والدي حنين بحزن شديد..واستعدوا ليذهبا معه ليشدو من عضد الفتاتين والصغير.. وقبل أن يغادر معهم غمغم بتردد لشقيقته: 



+




_ أنا أسف ياسلوي في الطلب اللي هطلبه.. بس الظروف حكمت زي ما انتي شايفة..وكل جهاز حنين وبسمة اتدمر.. حتى هدومهم.. والشقة بتاعتي هناك مافيش فيها تلاجة.. فلو توافقي اخد تلاجتك انقلها في عربية صاحبي بالمرة.. وأوعدك هجيبلك مكانها والله.. بس اعدي الازمة دي على خير! 



+




والده بشهامة: مايجراش حاجة يا ابني، خدها وأنا هجيب لاختك غيرها ماتشلش هم


_ لا يا بابا كفاية اللي وراك واللي بتصرفه..أنا هجيبها..وسلوي قدامها لسه سنة على ماتتجوز.. هكون جبتها بإذن الله.. 



+




والدته متدخلة: مش وقته كلام دلوقت .. شيل التلاجة انت واخوك وصاحبك لتحت واسبقونا، وانا وابوك واختك هنلحق البنات اللي زمانهم متشحتفين ياعيني.. 



+




سلوى بتطوع:  وأنا هبات معاهم ياعبد الرحمن ماتقلقش.. وهجيب هدوم ليهم كمان لحد ما يدبروا نفسهم.. 


رمقها بامتنان شديد.. ولم يضيع لحظة واحدة، نقل مع أخيه الثلاجة لسيارة صديقه، منطلقا بعدها ليلحق  بياسين الذي تفاجأ بما احضره..دولاب ملابس صغير وسريران خشبيان، ولحافان فايبر.. وصندوق كبير مغلق توقع ما داخله من كاسات شاي وأطباق للطعام.. تلجم لسانه وهو يشاهد كل ما احضره ذاك الشاب الشهم..وساوره نفس الهاجس الفضولي رغم صعوبة الموقف..(  هذا الوسيم قلبه معلق بشقيقة خطيبته)



+




لتأتي الإجابه طوعًا فيما بعد..حين تسائل أبيه بعد أن تم نقل كل شيء وأوشك ياسين على المغادرة وهم يقفون جميعا أسفل البناية: 


_ كتر خيرك يا ابني على الحاجات اللي جبتها.. أحنا كنا هنتصرف ومش هنسيبهم لأننا أهل.. حنين واخواتها بقوا في رقبتي أنا شخصيًا..



+




_ دي حاجة بسيطة يا عمي وكانت موجودة عندنا مش بنستخدمها وجه وقتها مش أكتر.. هستأذنكم والبقاء لله مرة تانية.. وبإذن الله هكون موجود الصبح في الجنازة. 



+





        


          



                


أوقغه الرجل سريعا متسائل بحذر: 


_طيب  متأخدتيش يا ابني في السؤال..هو حضرتك مين؟



+




صمت ياسين وهو يرمق بطرف عينه  نافذة غرفة بسمة التي لا تعلو أكثر من طابقان..ثم عاد ببصره للرجل الذي ينتظر إجابته وأردف بثقة: 



+




_ أنا خطيب بسمة! 


__________________



+




فاجعتها تركت في قلبه أثرا شديد القسوة، وجهها الحزين المذهول وسط وشاحها الطائر وهما يغادران المشفى انطبع گ ندبة غائرة بروحه..أهكذا صارت في نفسه؟ ظن أن للعقل نصيبه الأكبر فيما يخصها..لم يكن يدري أنها في القلب أصبح لها تلك المكانة العظيمة .. قوية التأثير.. بسمته غدت حزينة، وحيدة.. كيف يساعدها دون أن يخدش كبريائها وكرامتها؟ 



+




" قلبي معك"



+




أرسلها عبر حسابها رغم علمه أنها لن تتفقده لفترة  طويلة.. لكنه أراد أن يشاطرها تلك اللحظة العصيبة.. الكلمة ليست مجازية بل قصد كل حرف بها.. قلبه معها.. ينعيها.. يبكي حزنها كما تبكي هي..ينزف لوعة مثلها.. ليت كان بإمكانه ضمها إليه.. ليتها تعلم أنها ليست وحيدة.. لن يتركها وقراراه ليس وليد اللحظة.. بل قبل ذلك بكثير ويومًا ما ستعلم أنها أغفلته گ الفراشة وتسللت بجناحيها لقلعة روحه الحصينة.. حلقت في سمائه.. احتلته وأعلنت اختراقه ونفذ الأمر.. عشقه لها قدرًا لا سبيل فيه لاختيار.. هي بسمة ناقصة لن تكتمل إلا به.. وضحكة ضلت طريق ثغرها وكفيل هو بإعادتها ..لهذا ما عاد للصبر مجالا داخله.. لابد أن تكون تحت كنفه هي والصغير.. وبذكر الأخير تألمت ملامح ياسين أكثر وهو يتذكر حديثه الموجع ومناشدته لوالديه أن يعودا.. واعتقاده الخاطيء انهما رحلا بسبب شقاوته..ولا يتعجب صمته منذ علم بوفاتهما.. الطفل يعاقب نفسه ويجزم بخبرته انه سيحتاح تدخل نفسي مع أحد الأطباء النفسيين.. ويعرف ماذا سيفعل.. كما يعلم ان حديثه مع والديه بشأنها صار لزامًا عليه.. ويتمنى من الله أن يدعموا قراره ورغبته وألا يقفوا في طريقه.. لا يريد مجابهتما لأمر گ هذا.. يريد المباركة فقط..تنهد واعتدل في فراشه وحاول أن ينام لكن باغت عقله عابد.. كان يجب ان يتبعه هو وعروسه بسيارته للمطار كما وعده.. مؤكد أنه غاضب الآن ولن يتركه حين يعود.. ابتسم ابتسامة باهتة وغمغم والنوم بدأ يداعبه( معلش ياعابد.. حظك كده معايا.. بس ربنا يسعدك أنت وعروستك وعقبالي أنا وبسمة)


________________



+




" أنا مافهمتش حاجة يا عبد الرحمن.. يعني الجدع ده خطبها من ابوها وأمها قبل ما يتوفوا ولا لأ؟"



+




أجابه وهو يجلس على أريكة منزلهم أخيرا وحيدا مع أبيه.. بعد أن قررت والدته وشقيقته سلوى المبيت مع حنين وبسمة: والله يابابا أنا زيي زيك ماكنتش اعرف حاجة وأول مرة اشوفه انهاردة.. بس اللي فهمته لما كلمنا تحت العمارة أنه خطبها من نفسها الأول وانتظر رأيها النهائي وكان ناوي يزور أهلها، بس اللي حصل طبعا غير كل حاجة.. وواضح انه متمسك ببسمة وعايزها عشان كده حب يعرفنا بنفسه كده انه خطيبها.. وزي ما قالك هينتظر وقت مناسب ويكلم بسمة تاني.. بعدها هيجيب والده ووالدته ويجي يخطبها مننا.. 



+





        


          



                


_ ادينا منتظرين وربنا يصبر خطيبتك واخواتها علي مصيبتهم ويعينهم



+




قال بحزن: صعبانين عليا أوي يا بابا، ربنا يقدرني واقدر اخفف عن حنين.. وعهد عليا اخواتها هيكونوا اخواتي.. بسمة وياسين هيفضلوا في شقتي معززين مكرمين لحد ما ربنا يصلح الحال



+




ربت أبيه على ظهره بفخر:  أصيل ياعبد الرحمن.. وانا يابني بعتبر نفسي مسؤل زيك..ولو الجدع ده صدق في كلامه.. هكون أنا في مقام ابوها وهيستلمها مني



+




أومأ له بصمت ممتن، ثم تسائل والده: أمال فين أخوك؟


_ استأذن مني اما لاقاني مش محتاج حاجة وسبقنا وجه نام.. شكله كان تعبان شوية


نهض الرجل:  طيب هروح اطمن عليه وبعدين اغفل ساعتين انا كمان.. ماتنساش لازم نكون  في المستشفى من بدري عشان نستلم الجثامين وندفنهم عند صلاة الظهر ونصلي صلاة الجنازة..وطبعا فيه ناس كتير هتيجي تعزيهم وتعمل الواجب


_ عندك حق يا بابا.. وانا كمان هخطف ساعتين نوم واروحلهم واجيب شوية طلبات مهمة.. 


_ طب استني هنا دقيقة.. 


غاب ثم عاد يدس بكف ابنه مبلغا من المال، فاعترض عبد الرحمن:  ايه ده يا بابا انا مش عايز حاجة.. والطلبات اللي هجيبها بسيطة وقد اللي معايا ماتقلقش.. 



+




رمقه بحزم:  الظروف ماتسمحش انك ترفض، وبعدين دول مش ليك.. لخطيبتك واخواتها.. اديها المبلغ ده عشان لو احتاجوا حاجة لأنها مستحيل تاخد مني هي أو بسمة.. اما اللوازم والمصاريف التانية ربنا يقدرني عليها، دي محنة لازم نكون فيها ايد واحدة يا ابني.. عملنا الصالح هو  اللي هناخده من الدنيا..وكله بعد كده مش مهم.. وسبحان الله أمك لسه مقبضاني جمعية على أساس نجيب حاجات في جهاز سلوى.. أهي جت في وقتها.. ربك بيساعدنا نستر الغلابة دول في الشدة..وماينفعش نقصر.. 



+




تجرع عبد الرحمن ريقه بتأثر ثم عانق والده بشده وقال:  طول عمرك كبير يا بابا.. ربنا مايحرمنا منك


_ ولا منكم ياحبيبي.. يلا روح نام وظبط المنبه عشان ما تروحش علينا نومة.. 


_ حاضر.. 


_______________



+




غفى الجميع واخيرا وجدت المجال لتجلس جوار النافذة وتبكي فراق والديها.. تريد الصراخ.. تريد أبويها يعودان..لكن لا يعود من غادرته الروح.. كيف ستواجه الحياة هي واخوتها دونهما؟ ماذا تخبيء لهم الأيام؟ تنهدت ودموعها تتسابق على خديها وذهبت تتوضأ وتصلي وتدعوا الله أن يرزقها الصبر والتحمل وأن يسترهم ولا يحوجهم لسواه..



+




لم تشعر بالوقت وهي ساجدة تدعوا وتبكي ثم ختمت صلاتها لتتفاجأ بالصغير يجلس خلفها بصمت كأنه افتقدها.. نظرته الحزينة ذبحتها فتلقفته بصدرها لتبثه الحنان والدفء، وحاولت ان تحدثه عله يستجيب:  ليه ماكملتش نوم ياحبيبي.. جعان؟ خايف؟


لم يجيبها ودس نفسه بين ذراعيها فشددت ضمته وراحت تقبله وتبكي مع قولها:  تعرف يا ياسين إن دلوقت ماما وبابا في الجنة مبسوطين اوي..هما مش معانا عشان ربنا عايزهم يكونوا عنده..واحنا في يوم من الأيام هنكون معاهم.. 



+





        


          



                


ابتعد الصغير يطالعها فواصلت:  أيوة يا ياسين كل البشر بتروح عند ربنا وقت مابيحدد.. وانت لازم تتحمل وتكون قوي عشان هما يتبسطوا منك..ماما وبابا هيعرفوا كل حاجة بنعملها.. لما نصلي وندعيلهم هيفرحوا.. ولما نقرأ قرآن برضو هيفرحوا.. ثم جففت دموع الصغير وهي تقول:  دموعنا دي بتوجعهم.. عايز توجعهم؟



+




هز رأسه بقوة، فاستطردت وهي تتماسك بأعجوبة: 


طب يلا ادعيلهم بصوتك ياحبيبي..اتكلم عشان خاطري. 



+




غامت عيناه بسحابة حزن جديدة ودس جسده الصغير بصدرها ثانيا عازفا عن الكلام… سيستمر عقابه كما رسخ له عقله أنه السبب في موتهما.. هكذا قالت والدته كثيرا " هتموتني انا وابوك بسبب شقاوتك."..الجملة لا تنمحي من روحه.. صار مؤمنا بها.. حتمًا هو السبب..!



+




لم تضغط عليه أكثر مقدرة أثر الصدمة على طفل مثله واكتفت بالربت الحاني على ظهره ومداعبة شعره حتى غفى بين ذراعيها، فاحتضنته وتوجهت للفراش ورقدت به واغمضت عينيها وشفتيها تردد الدعاء والذكر لملاذها الأوحد.. 


_______________



+




عيناه طافت تفاصيل غرفتها باستمتاع مضجعًا على فراشها بنصف جلسة منتظرها لتفرغ من حمامها قبل النوم.. فأخيرا بعد سهرتهما مع والديها عاصم ودره، صعدا للنوم..لمح صورتها فوق الكومود.. نفس الصورة التي رآها أول مرة أتى إلى هنا.. يوم علم صدفة حقيقة من تكون..مرر إصبعه على وجهها كأنه ينحت تقاسيمها بجدار قلبه..كم يعشقها.. كم يخاف عليها..أثر حادث اختطافها في سويسرا مازال حيًا داخله.. لو غابت عنه تظل مخالب الخوف تنهشه وتعبث بعقله أفكار كارثية.. تذكر حديث يزيد عن فترة خطبتهما.. نعم أكد له انه لم يعد يعشق سوى ابنة خالته، وحبه لبلقيس كان. هما.. لكن ستبقي تلك المساحة من الغيرة داخله، انه يوما ما كان يتمناها له.. ويتخيلها زوجته.. 



+




كان شاردًا ولم يلحظ اقترابها.. فوقفت بدورها تتأمله وهو يجلس على فراشها.. ظافر حبيبها التي ماكانت تنام إلا بعد ارتداء معطفه ونثر عطره حولها.. حبيبها الذي انتظرته كثيرا.. سرها الذي لم يعرفه أحد.. هاهو يشاطرها غرفتها وحياتها وروحها وحتى أنفاسها أصبحت له.. انتبه لها فرصد بحدقتيه قميصها الأسود اللامع المهلك على "قدها" الرشيق، وشعرها المبتل المرسل بعشوائية على كتفيها كما يحبه.. وابتسامتها وهي تطالعه، فنهض وضمها له هامسا:


_ايه الجمال ده كله..


_ عجبك القميص ده بجد؟


_ يجنن.. انتي جبتيه معاكي؟


_ لأ.. ده ماما جابت ليا حاجات هنا عشان لو أنا وانت جينا في أي وقت نكون براحتنا ومش ناقصنا حاجة


قال وعيناه تدور ببطء علي ما يظهر منها:  حماتي دي ست محترمة وبتفهم وحبيتها أوي. 



+




قالت بدلال:  طب وبنتها؟


_ بنتها دي العسل اللي مش برتوي منه ابدا


وعانقها برقة وملمس قميصها الحريري ورائحتها وشعرها المبتل يبعثرون ثباته ويذهبون عقله.. 


_ تعالى هوريك حاجة


قالتها وهي تجذبه ليجلس على طرف الفراش، راقبها وهي تحضر صندوق ما وفتحته ملتقطة من داخله شيء صغير رقد بين راحتها المبسوطة.. 


_ ايه ده يا بلي؟


ابتسمت وهي تنظر لما تحمل:  فاكر أول مرة شوفتك في المطعم؟ 


أومأ ملتقط بقية الذكرى:  لما جريتي عليا واستخبيتي ورايا وهمستي بصوت واطي وقولتي "انقذني"



+





        


          



                


سطع بريق شمسيها وهي توميء مع قولها: أخدوني منك بالعافية وانا فضلت ماسكة في ايدك بشدها ومش عايزة اسيبك..


قال وهو يستعيد معها كل التفاصيل الصغيرة: 


ساعتها خرجت وراكي وانا مستغرب اللي حصل، ورفعت دراعي لقيت ضوافرك علمت في ايدي.. وذرار من قميصي اختفى..


تكثفت سحابة دموعها:  احتفظت بيه واعتبرته كنزي مع الجاكت بتاعك اللي كنت بنام وانا لابساه ومش بسمح حد ياخده مني.. وعلب البرفان بتاعك اللي كل اما يخلص بابا يجيبلي منه لما يلاقيني حزينة عشان خلصته..محدش كان فاهم ولا عارف سر ارتباطي بالحاجات دي..ولحد دلوقتي غاليين عندي وبعتبرهم أهم ذكراياتي معاك.. دول اللي لو زعلتني في يوم هشتكيك ليهم.. دول اللي هيطبطبوا على قلبي لو قسيت عليا لأي سبب، دول اللي… .



+




لم تكمل وهو يلتقط بقية الكلمات ويذيبها بأنفاسه..لن يترك شيئا مهما كانت قيمته لديها أن يكون بديلا عنه.. حتى لو أغضبها.. صدره سيكون الأولى بشكواها.. وقلبه دائمًا عادل معها..ويعرف كيف ينصفها..! 


________________



+




لم يزوره النوم سوى متأخرا لعدم اعتياده على المكان، وبمجرد أن انعكس ضوء الشمس على ستائر غرفته، نهض يستعد للصلاة، عابرا عُقبها للشرفة متأملا الطبيعة حوله..مظهر الحديقة في الصباح يبهر الناظرين.. لكن الأكثر إبهارا له تلك اللحظة، هي ملاكه التي لمحها تتهادى أمامه تقطف ثمار طماطم، عاقصة شعرها برابطة ملونة تاركة إياه يتدلى على شكل" ذيل حصان"..مرتدية كنزة خضراء وبنطال جينز يوضح نحافتها ورقة بنيتها..غادر غرفته وهبط سريعا إليها قبل أن يفقد فرصة صباحها.. 



+




" صباح الجمال والرقة"



+




أجفلها صوته فاستدارت له:  عامر؟ صباح الورد، ايه مصحيك بدري كده؟ في حاجة ضايقتك؟ 


أجاب وعيناه تجول على وجهها:  عشان من حظي الحلو اشوفك واتصبح بوشك الملاك


ثم ملس على وجنتها متحسسا بشرتها:  ماكنتش اعرف انك بتكوني جميلة اوي كده الصبح. 



+




ابتعدت بارتباك ان يراهما احدا.. فواصل مبتسما:  حلو شعرك كده، مخلي مظهرك طفولي.. 


_ ويعجبك ان مظهري يكون طفولي؟ 


_ طبعا يعجبني.. ثم رمق ما تحمله متسائل:  هتعملي ايه بالطماطم دي؟


_ هعملك وصفة بيض اتعلمتها.. معظم الفطار هعملهولك بإيدي.. بس اوعي تتريق عليا انا مش شاطرة اوي.. بس أنا فرحانة انك هنا وعايزة اعملك كل حاجة من ايدية.. 



+




حدجها بإعجاب حاني دون أن يقول كلمة، فخجلت وتخضب خديها بالحمرة وقالت:  طيب هروح اجهز الفطار بسرعة زمانك جعان


ابتسم لخجلها. وأوقفها وقال: 


_ طب استني، انا عايزك تعمليلي حاجة متعود عليها اول ما بصحى


_ ايه هي؟


_ شاي


_ نعم؟! شاي من قبل ما تفطر؟!


_ أنا متعود على كده، بحب اشرب الشاي الأول


_ انسى.. دي عادة غلط جدا على معدتك ومش هسمحلك بيها


قال بجدية:  جوري بجد انا لازم اشرب شاي أول ما اصحى.. دي عوايدي ومش هيغيرها فجأة كده



+




تدللت عليه:  طب لو قولتلك علشان خاطري بلاش تشربه انهاردة قبل ما تفطر.. هتزعلني؟



+




زفر قليلا: مش هزعلك بس هكون مضايق! 



+





        


          



                


تفقدت حولها بحرص ثم طبعت علي خده قبلة سريعة وقالت:  اعتبر دي بدال الشاي وماتزعلش.. 


وهرولت وهي تضحك وشعرها يتأرجح يمين يسار.. فشيعها بنظرة هائمة متنهدا بعشق يملأ قلبه هامسا:  كده هتدفعي كتير يا ملاكي. 


……………… 



+




اكتملت طاول الإفطار بالكثير من الطعام..وجاوره أدهم مرحبا به فرحا بمكوثه معهم وقال:  عقبال ما نفرح بيكم وساعتها هتلاقي مكان خاص بيكم هنا.. أنا عامل لكل واحد من ولادي جناح كامل في الدور التاني لعابد ويزيد.. وبتاع جوري هظبطه بعد ما تتجوز


عامر بتهذيب:  ربنا يخليك ليهم ياعمي


_ ويحفظك يا ابني، ما انت بقيت من غلاوة ولادي. 



+




مازحته كريمة وهي تستقر معهم حول المائدة:  بقولك ايه ياعامر.. نصيحة مني عشان تعرف غلاوتك عندي..انت هتكون تحت المجهر من خطيبتك..يعني أي حاجة تدوقها انبهر حتى لو وحشة عشان تنشكح وتتبسط.. دي هتنتظر رأيك حتى في شرايح الخيار. 



+






ابتسم وهو يرمقها بحنان، بينما تذمرت جوري:  بقى كده ياماما  بتتريقي عليا قدام خطيبي؟


أدهم ضاحكا وهو يدللها:  هو حد يقدر يتريق على حبيبة ابوها.. انا عن نفسي هقولك تسلم ايدك من قبل ما ادوق حاجة


_ حبيبي يا دومي.. مافيش منك اتنين والله 





راقب عامر مشاكستها معهم باستمتاع، كم بدت له مرحة جميلة رقيقة..تخيل لوهلة الحياة معها وشعر بالسعادة وتمنى أن يجمعهما بيت واحد قريبًا..ثم شرع  بتناول الطعام معهم مبديا اعجابه الذي أسعدها، ومن ثَم عرض والدها أن تصطحبه لمشاهدة المزرعة والتجول بها.. بعد أن أكد عليهما اللقاء في النادي لتناول الغداء مع عاصم ودره..وبعدها سيلحق بهم ظافر وزوجته ليكملان معهم السهرة..قبل أن يغادر عامر وظافر وبلقيس للقاهرة. 


…………



+




_ ماشاء الله المزرعة جميلة جدا جدا


_ اخويا هو اللي متولي مسؤليتها هو وزمزم دلوقت مع بابا وعمو محمد


_ ربنا يباركلهم فيها


ترددت قليلا قبل أن تتسائل: عامر هو ممكن اعرف حدود ظروفك المادية ايه؟ 


_ ليه؟


_ قولي بس.. يعني انت وظافر نفس المستوى؟


_ لأ


_ ازاي؟


_ أنا وظافر مش متساويين ماديا.. هو عايش مرفهة أكتر من قبل المشروع وده لأن عنده ورث من والده ووالدته.. ولما بدأنا مشروعنا هو امتلك النسبة الأكبر لأن عامل حساب أخته ايلاف..وبعدها لما احتاجنا نتوسع من فترة باع حتة أرض من ورث والدته وانا طبعا ماساهمتش  برأس مال زيادة..بس طبعا ده مش معناه اللي بيطلعلي من الأرباح االسنوية قليل بالعكس احنا بنكسب كويس اوي وكل مادا بنزيد خصوصا بعد فوزه باللقب في مسابقة التوب شيف.. بس انا وهو ماشيين على نظام معروف.. بناخد مرتب شهري زينا زي باقي العمال.. والأرباح بنقسمها وبنخلي جزء محدش فينا بيجي جمبه عشان نمشي الشغل والطلبيات.. لازم تتوفر سيولة طول الوقت تحت ايدينا..وانا الحمد لله معايا فلوسي الخاصة وبصرف فقط مرتبي.. امال ازاي جبت عربية وشقة؟ من أرباحي اللي ادخرتها



+





        


          



                


ابتسمت باستيعاب وقالت: ربنا يوفقك ياحبيبي ويزيدك أكتر وأكتر..


_ بدعواتك ياحبيبتي..قوليلي بقى ليه سألتي على ظروفي المادية؟  


_ لا عادي مجرد دردشة.. 



+




تأملها بنظرة ثاقبة وقال: جوري.. كنتي عايزة تقولي حاجة واتراجعتي عنها.. اتفضلي قولي. 


_ ابدا.. انا عرفت اللي كنت عايزة اعرفه خلاص.. تعالى هوديك مكان هتحبه اوي



+




أوقفها:  جوري.. لأخر مرة بقولك كنتي عايزة ايه؟


زفرت قائلة: ياعامر قولتلك خلاص مافيش حاجة


_ كدابة.. عيونك بتكدبك


هتفت باستسلام:  ماشي.. كنت هقول حاجة واكتشفت انها مش مهمة واتراجعت.. ارتاحت؟


ابتسم وامسك كفها وداعب ظهره بإبهامه وقال بحنان:  قولي ياحبيبتي وسيبيني احدد مهمة ولا لأ


صمتت برهة فحسها على الحديث بنظرة مشجعة، فقالت: طيب توعدني لو مش تقدر عليها تقولي


_ أوعدك


_ انت عارف ان عطر اللي هتصمم لينا ديكورات شقتنا.. وانا اختارت معاها حاجات معينة عايزة اعملها.. وهي قالتلي على التكلفة المادية بشكل مبدئي وحسيتها رقم مش هين.. وبصراحة معرفش انت تقدر عليه ولا لأ.. وده كان سبب سؤالي


_ طلبت كام؟


ترددت ثانيا ثم أخبرته ومكثت تطالعه وتستشف رد فعله، فلم تستطع..فقط ينظر لها بشكل يحيرها..حتى بدأت ابتسامة تولد على شفتيه وهو يرفع كفها ويلثمه مع همسه: ولا يهمك..هظبط الموضوع ده مع يزيد واعملي كل اللي اختارتيه مع عطر



+




كانت تراقبه بتوتر ثم بدأت تستوعب أنه وافق.. فقفزت من الفرحة:  بجد ياعموري.. يعني المبلغ مش كتير عليك بجد؟


_ لا ياحبيبتي الحمد لله مستورة ماتقلقيش..


_شكرا ياحبيب قلبي


رفع حاجبيه:  كده ببلاش يا نصابة؟


ضحكت بمشاغبة:  أيوة.. اعتبر نفسك عملت حاجة لله في واحدة غلبانة


جاراها في المشاغبة: لا انسي..مافيش حاجة ببلاش عندي..وعارف هدفعك دينك ازاي



+




صدحت ضحكتها ثانيا وهي تسير معه وجاهد ألا يعانقها وينال مكافأته..لكن لا مجال لفعلها علي مرآى الأشهاد حولهما..ولا مفر من الصبر على وصال الجميلة.. 


_____________



+




تململت فوق فراشها بكسل شاعرة بثقل ذراعه على خصرها، فتحت عيناها لترى وجهه النائم بعمق وسلام..خصلات شعره مبعثرة ويميل بعضها الناعم على جبينه.. فمدت أناملها ترفعها بحنان ثم دنت تقبل أنفه برقة شديدة وراحت تتأمله بوله وومضات من ليلتهما الأولى تداعبها وتثير خيالها.. فتنهدت ودست نفسها في صدره.. ليشدد ذراعيه حولها بتلقائية رابتًا على ظهرها ومازال وعيه غائب.. ثم بدأ يشعر بدفء أنفاسها أعلى صدره فتحرك ونظر لها بحب ومازالت عينه يحتلها أثر النوم: 


_ صباح الخير ياحبيبتي


_ صباح الورد يا بودي



+




لثم خدها وقال: صاحية بدري ليه؟


_ أنا لسه معرفش الساعة كام.. ولسه فايقة من دقايق


ثم داعبت خده بيدها:  كنت بتفرج عليك وانت نايم


ابتسم ومازحها:  طبعا اتفاجأتي بالحقيقة المرة.. مرعب وانا لسه صاحي مش كده؟


هزت رأسها وعيناها تحتضن ملامحه:  لأ مش كده.. بالعكس.. حبيتك أكتر.. حسيتك زي ابني.. هو كمان بيكون كده زيك بالظبط، شعره منعكش وخدوده حمرة من النوم.. بس الفرق.. هو باخده في حضني عشان اطمنه..لكن انت..أنا اللي استخبيت في حضنك وحسيت بمتعة وأمان.. إحساس إن في مكان بقي يخصني  لوحدي جمب قلبك حسسني براحة مقدرش اوصفها.. ثم همست له (انت فرحه جت لعندي بعد عمر من التعب)



+





        


          



                


لا يحتاج الكلمات ليعبر عن مشاعره، الفعل أقوى ردًا على مثلها، سحبها بعاصفة جديدة يعيد بها مذاق ليتهما الأولي..عالمهما الذي صار الولوج إليه مباح كلما اشتهت أنفسهما.. بعد وقت هدأت وصالهما وهمس وهو يضمها.. تعالي نفطر ونستعد للخروج وبعدين نتصل بمهند يكون صحي من نومه! 



+




نظرت له ممتنة..تحاول بأعجوبة كبت شوقها للصغير.. وتخاف أن يشعر عابد.. تريد أن تمنحه الأهمية التامة ليتدلل في حنانها وحده كما أوصتها والدتها.. لكنه يبهرها گ عادته بجوده وهو يقترح الاتصال ليطمئن على صغيرها قبل التنزه.. 



+




أدرك أفكارها فقال:  انتي فاكرة ان مهند وحشك انتي وبس؟ 


واسترسل:  تعرفي يا زمزم زي ما كنت بتخيلك في حضني كنت كمان بتخيل مهند وانا بصحى على وشه الجميل وضحكته الحلوة وانا بلاعبه وافطره بإيدي وهو قاعد علي رجلي وواخده معايا المزرعة وفي كل حتة اروحها.. مهند خلاص مش هيفارقني تاني.. بقي بتاعي ويخصني زيك بالظبط وأكتر كمان.. 



+




دمعت عيناها وهي تطالعه ثم فاجأته بنثر قبلاتها على سائر وجهه هاتفة:  كل اما هتقول مهند هبوسك


فضحك ومازحها:  بجد؟ طب مهند! 


قبلته.. فعاد يهمس " مهند" لتعود وتقبله ليضحك أخيرا من قلبه ويضمها ثانيا هاتفا:  حلوة اللعبة دي.. هنلعبها كل يوم علي فكرة.. 



+




ثم استعدا بالفعل ليتناولا أفطارهما ويحدثا الصغير الذي ظل يهلل لرؤيتهما عبر الهاتف متناولا طعامه هو الأخر مع مزاح عابد وزمزم معه.. وبدون حديث أدركت عبير أن ابنتها لا تحتاج سؤالا عن حالها.. لمعة العين والوجه الذي زاد بهاءه أخبرتها أن ابنتها تعيش في جنة بصحبة زوجها.. دعت لهما بالسعادة.. لتتبع تلك المكالمة أخرى مع ووالديه ويزيد وجوري، وحصدا من الجميع دعوات لهما بالسعادة والذرية الصالحة..


…………… 



+




قالت متأبطة ذراعه وهي تسير جواره مبهورة :  المكان ده تحفة يا بودي.. احنا فين بالظبط؟



+




اجابها: احنا يا حبيبتي في حي اسمه  "حي الكوثر" معروف گ ممشى سياحي جميل زي ما انتي شايفة، والحي ده ميزته انه مليان بازارت بتبيع التماثيل الفرعونية اللي بتتجاب گ هدايا تذكارية من هنا، وكمان فيه مركز تسوق معروف اسمه "أسبلاندا مول" وده عالم لوحده، ده غير المحلات التجارية، وحمامات السباحة والفيلل والشاليهات اللي كلها معمولة بأحدث طراز.. عشان كده يزيد اخويا وهو اللي حجزلي هنا وظبط كل حاجة، وطبعا ده كله على حسابه..مرضيش يحاسبني وقال دي هديته لينا عشان جوازنا.. 



+




_ ربنا يخليكم لبعض ياحبيبي.. وعقبال مانفرح به هو وعطر


_ اللهم امين.. ماتتصوريش يزيد ده بالنسبالي ايه يا زمزم.. انا بحسه ابويا مش اخويا وبس..حنيته تكفي البشرية كلها.. ومبسوط اوي انه اخيرا لقي سعادته مع القردة عطر



+




ضحكت قائلة:  اخوك لو سمعك هيعلقك


ضحك مثلها:  منا عارف.. ومش هسكت.. هفضل اقولها كده.. ولما تجيب عيال هذلهم واقولهم امكم قردة.. المهم بقى أنا عاملك حتة برنامج رهيب.. هنزور كل الأماكن الحلوة هنا..


تحمست قائلة:  بجد يا بودي؟ يعني هنروح فين؟


_ شوفي ياستي بما أن انهاردة الجمعة هنروح الأول نصلي في أجمل مسجد في الغردقة، اسمه مسجد " الدهار" مبني من سبعنيات القرن الماضي، اما تشوفي الزخارف اللي عليه هتنبهري


_ الله يا عابد.. بجد افضل مكان نبدأ به نزهتنا هنا..طب وهنروح فين تاني


_ اماكن كتير مشهورة بيها الغردقة.. جزيرة " جفتون" ودي مركز لتجمع أكثر من نص طيور النورس في العالم كله.. وهنروح كمان متحف الغردقة المائي..وده من اهم المتاحف في الشرق الأوسط وقارة أفريقيا.. فيه أكتر من 20 حوض شفاف عشان تستمتعي من خلاله بالحياة البحرية.. وفيه كمان ممر مائي طوله تقريبا 24 متر.. تقدري من خلاله تتجولي تحت المية وتشوفي الأسماك بحجمها الحقيقي والشعب المرجانية وألوانها وروعتها..


شهقت بحماس:  يانهار ابيض.. ده انا كان حلمي اروح رحلة تحت المية واتفرج على الشعب المرجانية والأسماك الملونة.. خلينا نروح دي انهاردة يابودي


_ حاضر ياحبيبتي.. بعد صلاة الجمعة ننطلق


_ ماشي.. بس هو في أماكن تاني هنروحها غير الجفتون والمتحف المائي؟


_ أيوة.. في مكان انا هروحه معاكي لأول مرة.. اسمه متحف الرمال.. ده من أوائل الأماكن اللي بيزورها السياح هنا.. تخيلي اما شخصيات تتنحت من الرمل.. مابين شخصيات عالمية ومصرية؟ وهناك متوفر مطاعم واستراحات وأماكن للأطفال.. يعني مش هينقصنا حاجة هناك.. لأني ناوي بإذن الله نيجي بمهند رحلة تاني للغردقة عشان يزور ويتصور في كل مكان زورناه من غيروا



+





        


          



                


صمتت برهة ثم باغتته بقبلة علي خده وقالت: قولتلك كل اما تقول مهند هبوسك حتى لو كنا في الشارع.. 



+




ضحك وقال: تصوري نسيت اللعبة دي اكمننا في الشارع فعلا..ثم قال بنبرة عابثة: بس خلينا نلعب لما نرجع الشاليه عشان احب العب بضمير وماليش في الكروتة دي.. 



+




ضحكت بانطلاق توجهت معه لمسجد " الدهار" ليكون خير بداية لأيام شهر عسلهما الذي لن ينضب ابدًا.. 


_______________


  


_ صباح الخير يا كسلانة، أخيرا رديتي؟ 


تمطت وهي تغمغم:  صباح الخير يا زيزو.. معلش سهرت مع عمتو وجدو وتيتة وولاد عمتو، نمنا بعد الفجر والله. 


_ ياعيني عليا سهرت لوحدي ومحدش عبرني


_ منا قولتلك خليك معايا لما وصلتني وجدو مسك فيك وانت مش رضيت


_ بصراحة كنت عايز انام ياعطر.. انا من قبل فرح عابد وانا مجهد.. سفري الغردقة عشان اختار بنفسي مكان كويس يليق بيهم.. وترتيباتي بعدها.. حسيت امبارح اني فصلت وعايز انام يومين متواصلين.. وفعلا انا نمت كتير اوي


_ نوم الهنا والعافية ياحبيبي


_ نوم الهنا مش هيكون غير في حضنك يا فواحة


ابتسمت وتخضب وجهها فمازحها:  أراهنك إن وشك أحمر دلوقت؟


عاندته:  لا خالص وشي عادي. 


_ طب اتصوري وخليني اشوف واتأكد


شقهت وقالت بتلقائية:  مستحيل تشوفني كده.. ممكن تقول عليا وحشة


_ لا ياحبيبتي.. انتي جميلة في عيوني مهما كنتي


ابتسمت برضا وهتفت:  بحبك يا زيدو


_ وانا أكتر.. المهم فوقي بقى عشان ساعة بالكتير وهعدي عليكي.. لسه هنشتري هدية عشان أمونة اللي هنزورها لأول مرة في بيتها ونباركلها علي الجواز والحمل.. 


_ حاضر ماتقلقش.. هقوم اخد شاور واتوضى واصلي واجهز على ماتيجي. 


_ ماشي ياقلبي.. سلام مؤقت.. وعلى فكرة نسيت اقولك ان عابد وزمزم كلموني الصبح.. والحمد لله شكلهم مبسوط اوي


_ ربنا يسعدهم يارب.. انا هخلص صلاة واتصل اباركلهم مادام صاحيين..


_ ماشي.. المهم علي ما اجي تبقي جاهزة


_ وقبل ماتيجي كمان..


………… .


في إحدي المولات.. 


_ يزيد تعالى نروح قسم الأطفال، انا فكرت في هديتين حلوين اوي لأمونة واحمد


_ طب ياريت.. انا محتار اجيبلهم ايه


_ تعالى وهيعجبك اللي اختارته! 


………… 


بعد مغادرة المول. 


_ والله برافو عليكي ياعطر.. احنا اشترينا افضل حاجة ليهم اعتقد امونة واحمد هيفرحوا بيهم اوي


_ ان شاء الله ياحبيبي.. ربنا يقومها بالسلامة


قالتها وهي تستقل السيارة جالسة جواره، ووجدته يضحك بغتة فتعجبت متسائلة:  انت بتضحك علي ايه؟ ضحكنا معاك يا باشمهندس


_ أصل افتكرتك لما قابلنا أمونة صدفة اول مرة ومعانا جوري وياسين.. كنتي مش طايقاها وبتقوليها كمونة.. ومغرقاها مقالب.. 


ضحكت مثله:  بصراحة.. انا ساعات كنت ببقى عايزة اخنقها وهي بتكلمك..كنت هتجنن وهموت من الغيرة



+




جذب كفها ولثم باطنه هامسا: بعد الشر عليكي ياحبيبتي.. دلوقتي خلاص مافيش غيرة صح؟


_ لأ مش صح يا روحي.. بغير برضو..صحيح اقل من الأول لكن بغير.. انا مش عايزاك تبص لواحدة غيري ابدا ابدا.. انت حبيبي انا وبس. 



+





        


          



                


ابتسم بحب: الغيرة مطلوبة.. المهم ماتبقاش مقرونة بشك.. ده اللي مش هحبه


_ متخافش يا يزيد أنا أعقل من الأول.. وخلاص اطمنت انك بتحبني بجد.. 


_ بموت فيكي مش بحبك بس.. 


……………… 



+




أحمد بحفاوة:  يا أهلا وسهلا بالحبايب.. اتفضلوا والله نورتونا ..


يزيد:  ده نورك يا ابو حميد.. معلش الزيارة متأخرة..ثم نظر لأمونة التي تجاوره بعد أن رحبت بعطر:  ألف مبروك يا أمونة.. ومبروك كمان على الحمل.. هتخليني عمو بسرعة


_ الله يبارك فيك يا يزيد.. عقبالك.. ثم جذبت عطر وقالت بترحيب : تعالي ياعطر ادخلي مكسوفة ولا ايه


_ لا ابدا مش مكسوفة.. 


ودلفوا جميعهم واستقبلتهم والدة أحمد بترحيب لائق.. ثم قالت عطر وهي تقدم هداياها:  انا ويزيد اختارنا دول علشانكم.. يارب يعجبوكي يا أمونة. 



+




منحتها الأخيرة بعض كلمات الشكر وهي تستكشف الهدايا لتشهق برؤية أولهم:  الله ياعطر.. ده سرير للبيبي شكله يجنن.. ومتنقل ومريح جدا.. والله فكرت فيه لما شوفته على النت وقلت هنبقي نجيبه.. بس انتي سبقتينا ياحبيبتي تسلميلي.. 


احمد مازحا:  ده الواد ابني ده مُرزق.. هينام ويتكيف في السرير ده ولا سلطان زمانه.. 


امونة لحماتها:  شوفتي ياطنط الجمال


شكرتها السيدة:  بصراحة ذوقه تحفة وعملي فعلا.. تسلم ايدك يا باشمهندسة.. عقبالك


_ تسلمي ياطنط.. وواصلت لأمونة: دي بقى هدية يزيد


تفقدتها لتشهق ثانيا:  لا ده كتير والله.. حمالة للبيبي كمان.. ثم نظرت ليزيد:  بجد شكرا.. عقبال ما اشتري لأول بيبي ليك انت وعطر


أمنوا جميعهم ثم تسائلت والدة احمد:  هو انتوا هتتجوزوا قريب؟


يزيد: بإذن الله.. عطر خلاص هتتخرج قريب وفي نفس الوقت هي اللي بتشطب ديكورات شقتنا بنفسها..ثم قال بمرح:  قوليلها بقي ياطنط تخلص بسرعة عشان تيجوا تزورونا في بيتنا احنا كمان.. 



+




ضحكوا بعد قوله بينما خجلت هي للهفته أمام الجميع، .وبالوقت ذاته روحها تحلق في عنان السماء كلما أظهر حبه لها.. وكم تحبه أضعاف ما يُكته لها.. 


______________


" عبير.. تعالي شوفي حل مع ابنك المجنون ده.. دماغي صدعت منه!"



+




مازحته:  طب بذمتك طالع لمين؟؟؟


رفع حاجبيه بتحذير: عبير؟؟


محمود بعناد:  يابابا انا مش فاهم معترض ليه.. انا كلمت زمزم وعابد ومعندهمش مشكلة اول ما ينزلوا القاهرة، هوصلهم عند عمو عاصم.. هيرتاحوا شوية من السفر ونجهز كلنا ونروح عند ظافر نخطب إيلاف ونقرا الفاتحة.. ساعتين بالكتير وخلاص كل واحد يروح يشوف حاله، ودوركم هيبقي انتهى وألف شكر على كده.. وانا اقعد مع عروستي بقى.. 



+




محمد بامتعاض:  طول عمرك واطي


عبير:  الولد هياخد مصلحته مننا وهيرمينا بعد كده. 


محمود وهو يقبلها بمراح:  وأنا اقدر يا بيرو.. بس خلاص مش قادر اصبر.. البنت ممكن تطير مني.. اخطبها وهسكت والله مش هزن عليكم في حاجة تاني.. اصلا هنشغل في مكتبي ومشروعي بعدها.. بس بالي هيكون مرتاح انها بقيت خطيبتي.. 



+





        


          



                


محمد:  طيب هكلم عمك عاصم وظافر وربنا يسهل. 



+




امسك محمود هاتفه واتصل على عمه وقال:  ألو.. أزيك ياعمو وحشتيني اوي.. الحمد لله بخير.. بابا عايزك في حاجة مهمة جدا.. مش قادر يصبر وانا مضطر ياعمو اوافقه عشان انا ابن مطيع وبسمع الكلمة.. اهو مع حضرتك اتفضل.. 



+




رمقه والده باذبهلال ثم حدث زوجته التي تكمم فمها لتكتم ضحكتها بأعجوبة: شايفة ابنك المتخلف عمل ايه؟


_ خلاص بقى يامحمد ماتزعلش الولد.. فرحه واجبر خاطره واخطبله البنت اللي نفسه فيها..والله انا عندي استعداد اجوزه في أسبوع



+




قفز محمود يعانقها ويمطرها بقبلاته قائلا: خاطفة قلبي وربنا.. يا أحلي ماما في الكوكب كله



+




امسك محمد الهاتف وهو يرمقه بضجر وقال:  ازيك ياعاصم.. معلش قلقناك يا اخويا.. اعمل ايه ربنا رزقني بأبن معتوه..البيه عايز يستقبل اخته بكره من المطار يوديها عندك هي وجوزها يرتاحوا ساعتين وبعدين ياخدنا كلنا كده علي بعص عند ظافر عشان نخطب اخته الصغيرة.. شوفت الهطل بتاع محمود؟..


صمت برهة ثم قال باستنكار:  أنت بتضحك ياعاصم؟ يعني عاجبك الجنان ده.. البنت هي وجوزها مش هيلحقوا ياخدوا نفسهم من السفر وده عايز يمشورهم هنا وهناك.. 



+




اختطف محمود الهاتف وتكلم بدلا من والده:  ياعمو زمزم وعابد جاين بكره الضهر.. يعني قدامهم كام ساعة يريحوا فيها علي ما نروح لظافر.. 


صمت لحظة يسمع عاصم ثم صاح:  حبيب قلبي ياعمو.. خد بابا بقى اقنعه عشان خاطري.. 



+




عبير بعد أنتهاء محمد من  المكالمة: عاصم قالك ايه؟


_ هيقول ايه؟ ده فضل يضحك ومنشكح ومتحمس اوي وقالي هيكلم ظافر ويظبط معاه زي ما محمود عايز..؟


قالت وهي تقرص خد محمود بدلال:  معقولة حبيبي الصغير كبر وهيخطب ويبقى عريس



+




مازحها:  بقولك ايه يا ماما.. اوعي تعملي الحركة دي قدام إيلاف.. الدلع ده بيني وبينك.. انما قدامها عايزك تغرقيني بالوقار والتبجيل.. 


محمد بتهكم:  تبجيل؟؟؟ طب قوم وسيبني مع أمك شوية عايز اكلمها في حاجة.. ولا سيادتك ليك طلبات تانية؟؟



+




محمود وهو يتراجع مشيرا بيده:  لا حقك ياكبير تقعد مع مزتك براحتك..


قذفه محمد بشيء ما جواره وهو يصيح عليه قبل أن يختفي الأخر من أمامه:  مزة في عينك ياقليل الأدب.



+




صدحت ضحكة عبير:  والله الواد محمود ده عسل.. ربنا يسعده هو واخته.. وانت يامحمد بلاش تحبكها كده وخليك مرن مع الولد..الدنيا متيسرة اهو والحمد لله.. 


قال بجدية:  عبير انا معترض بس علي الاستعجال، كنا ننتظر بس اسبوع بعد رجوع زمزم.. وظافر يعمل حسابه واخته بردو تستعد لو هتشتري حاجة.. انما كده  بكرة هنطب عليهم.. ودي برضو مناسبة مش هينة.. 


_ والله لو ظافر وافق خلاص هيدبروا نفسهم.. لعلمك مافيش احلى من الحاجة العفوية.. واحنا مبقيناش غرب عن بعض..خلي الأمور تمشي وادعي لابنك بالتوفيق بس



+





        


          



                


_ ربنا يوفقه وانا اكره ياعبير افرح بمحمود زي اخته.. خلاص اهو عاصم هيتولى الموضوع وربنا يقدم اللي فيه الخير.. 


_________________



+




في يومهم الأخير في الغردقة بإحدى الشواطيء.. وقف يجري مكالمة مع أحدهم حين استشعر تشبثها المفاجيء كأنها تحتمي به من شيء ما.. استدار حيث نظرها مصوب، لتشتعل عيناه ببريق غاضب وهو يبصر ذاك النذل ياسر يطالعها بوقاحة.. فحاد إليها ليجدها تنظر أرضا ومازالت يدها تتشبث به.. فنزع كفها بصرامة أجفلتها متوجها للأخر شاقا الهواء كسيف حاد، ليرتبك ياسر الذي استهان بوجوده أو ظن الموقف لن يتعدى نظرات عابرة منه ويمضي..لكنه لم يكن كذلك وعابد يقبض على عنقه ويرفعه حتى كادت قدمه ترتفع عن الأرض وهو يهمس بفحيح:  قولتلك لو شوفتك تاني مش هرحمك..وعيونك اللي بصت علي مراتي هقلعهالك ياحيوان.!



+




أنفاسه شحت وأختنق وقبضة عابد تكبله بقوة ليتدخل أخيرا بعض المارة ويخلصوه منه باعجوبة فصار ياسر يسعل بقوة، وعابد يهدر:  ده تحذير أخير وأقسم بالله لو قابلتنا تاني ورفعت عينك ناحيتها ما حد هيخلصك مني..!


_____________



+




تراقب وقفته بالشرفه وملامحه قاطبة عابسة، فاقتربت منه بحذر وهمست برقة راجية:  عبودي


لم يجيب أو يلتفت لها، فدنت أكثر وهي تحوط إحدى ذراعيه وتضمه لصدرها هاتفة:  طب أنا عملت ايه عشان تزعل مني؟



+




نظر لها برهة ثم أزاحها برفق ومازالت ملامحه غاضبة وقال:  سبيني شوية يا زمزم لو سمحت. 



+




ابتعدت واغرورقت عينيها فصاح عليها:  زمزم ما تقلبيش الموضوع وتخليني انا اللي اصالحك.. قلت سيبيني دلوقت! 



+




استدارت مبتعدة لتجلس على طرف فراشها ناكسة الرأس تبكي لإغضابه.. فلم يتحمل ولحقها وجلس قبالتها ورفع وجهها إليه وجفف دموعها ووجهه مازال عابس، فعادت تتسائل:  أنا عملت ايه زعلك؟


_ خوفتي منه وانتي معايا كأني مش مالي عينك.. أزاي ترتجفي من حقير زي ده؟ ومعناها ايه انك تخافي من أي مخلوق وانا جمبك؟؟؟ أنا قليل في نظرك؟ ده صرصار وافعصه برجلي!! 



+




أرتمت على صدره محيطة خصرة:  بصته ليا خوفتني، افتكرت كلامه ليا أخر مرة.. غصب عني لقيتني بستخبى فيك من عنيه الخبيثة



+




_ عيونه دي لو بصلك بيها تاني هقلعهاله! 



+




تركت صدره وطافت عليه بنظرة تفتخر به قبل أن تعشقه.. ثم قبلت وجنته وقالت:  حقك عليا


ثم قبلت وجنته الأخرى مواصلة:  انت حبيبي ياعابد ومقدرش على زعلك ابدا..  



+




لانت ملامحه وهو يضمها أكثر هامسا وعيناه علي شفتيها:  طب كملي.. صالحيني للأخر وبلاش نصب. 



+




ابتسمت ثم دنت لتمنحه مزيج لا يوصف من اعتذار وحب ورغبة وحنان وعشق.. لتستقر أخيرا على صدره وذراعه تحوطها بقوة وهي تدعوا ألا يعكر صفوهما شيء أخر! 


__________________



+




استدعاها شقيقها فذهبت إليه ووجهها مشتعل بحمرته وهي تعلم مسبقا من رسالة محمود لها وإخبارها بقدومه لخطبتها رسميا في الغد.. وما أن بصرها ظافر حتى ابتسم بحنان وهو يطالع خجلها، ثم جذبها لتجلس على قدمه هاتفا : حبيبة اخوها اللي وشها بقي فراولة من قبل ما اتكلم في حاجة. 



+





        


          



                


_ لا ابدا يا آبيه أنا كويسة اهو



+




ربت على رأسها وقال:  قطتي الحلوة اللي كانت بتتنطط حواليا وهي صغيرة خلاص كبرت والعرسان بيتهافتوا عليها طوابير. 



+




ردت بعفوية:  طوابير؟؟ هو في حد طلبني غير محمود يا آبيه؟



+




رفع حاجبيه يطالعها بريبة ماكرة لا تضمر خطرا، فانتبهت لذلة لسانها لتختبيء على الفور بصدره وهي تلعن حماقتها.. فقهقه وهو يضمها رابتا على ظهرها:  ده انتي عارفة كل حاجة بقى يا إيلي



+




هتفت ومازلت مختبئة منه خجلا:  هو اللي بعتلي رسالة على الفيس والله وقالي انه جاي يخطبني وانا حتي ماردتش عليه..حتي ادخل حسابي دلوقت وشوف بنفسك. 


_ عارف يا إيلي عارف.. أنا مربيكي وفاهم بتتصرفي ازاي.. زي ما متأكد ان محمود شاب محترم جدا، والده كلمني قبل ما اسافر سويسرا وعرفني برغبتهم ..وانا رغم انه ابن عم بلقيس وأصلهم معروف.. لكن برضو كلفت حد اعرفه وسألت كويس وجمعت معلومات عنه وهو في أوكرانيا.. وأتأكدت ان ظني في محله.. محمود شاب ممتاز وطموح ومستقبله مشرف ومبشر..( وواصل بعد أنا أبعدها عنه لتطالعه) ولو على رأيي أنا موافق عليه.. بس رأيك هو الأهم عشان كده عايز اسمعه منك دلوقت من غير كسوف.. دي حياتك يا إيلاف ولازم انتي اللي تكوني مرتاحة فيها.. ها قولتي ايه؟ لما يجوا بكرة اعرفهم بموافقتك؟ 



+




أطرقت رأسها ووجهها مازال يعج احمرار:  اللي حضرتك تشوفوا يا آبيه هوافق عليه


_ لا عايز رأيك انتي


هتفت بعد برهة صمت:  موافقة يا آبيه


ابتسم وعانقها مباركا:  ألف مبروك ياحبيبتي ربنا يسعدك انتي ومحمود.. 


___________



+




هرولت تحتضنه وتقبله بلهفة مغمغمة:  حبيب ماما وحشتني يا مهند وحشتني اوي


عبير وهي تضمها بفرحة:  حمد لله علي السلامة ياحبيبتي.. مهند زي الفل اهو زي ما وعدتك.. ابوكي ومحمود كانوا بيلاعبوا طول الوقت. 


ثم توجهت لعابد الذي يعانقه محمد:  وسعلي كده خليني اسلم علي جوز بنتي.. وضمته بحنان مع قولها:  حمد لله علي السلامة ياعابد.. والله ليكم وحشة كبيرة


_ وانتم والله وحشتونا اوي


ثم التقط مهند وراح يقبله وبداعبه قائلا:  وخصوصا مهند حبيبي عابد


فصاح الصغير:  آبد


ضحك وجعله يعيد أسمه وهو يلاطفه والصغير يقهقه معئ، ثم توجوا جميعهم لفيلا عاصم لينالوا قسطًا من الراحة قبل زيارة منزل ظافر..وفي الطريق مال عابد هامسًا لزمزم: على فكرة.. أنا قلت مهند كتير وماوصلنيش حاجة.. هي اللعبة مفعولها بينتهي برة الغردقة ولا ايه؟؟



+




كتمت ابتسامتها حتى لا يلاحظ أحدا وهمست بخفوت:  متخافش حقك محفوظ يا بودي.. بس لما نروح بيتنا.. 


__________



+




في سويسرا..! 



+




الضابط: ما الذي يحدث هنا؟ 


الجندي: ذاك السجين سيدي.. الرجل المصري! 


_ ما به؟


_ لقد وجدناه مضرج في دمائه بعد ان قطع شرايين يده ليلا، لم يستطع الطبيب إنقاذه..وتوفى قبل أن يُكتمل فحصه! 


_ كيف حدث هذا ولماذا لجأ للأنتحار؟


_ لم نعلم بعد سيدي! 



+




قال بلا مبالة: ربما حدث معه المعتاد مع كل سجين جديد هنا..حسنًا سنحقق في الأمر.. وإن كان لم يعد مجدي التحري بعد موته.! 


….......



+




مقصلة العدل عنيدة لا تترك لها حقًا ضائع..وطال الوقت أم قصُر..لابد من القصاص ونحر عنق الظالم.. 



+




هذا ما جناه سامر في أخر المطاف..لم يتحمل دفع فاتورة خطاياه..لم يجرب الندم لحظة.. لم يحاول العدول عن مصادقة شيطانه..فذاق ويل ما تمناه لغيره، والحياة بعد أن تم انتهاكه لن تستقيم..وكسرة نفس الرجل لا يصلحها شيء..تعرض للتحرش الجنسي الصريح من فواحل السجن قبله.. حيث أغراهم جسده الهزيل وسال لعابهم وثارت رغباتهم الشاذة عن الطبيعة، تنمروا عليه واعتبروه غنيمة جديدة يجب الترحيب بها وإخضاها لقوانينهم الخاصة خلف القضبان التي شيدوا بها مملكة تسحق الضعيف سحقًا، انتهكوه لينال أسوأ مصير وختام لحياته.. مات منتحرا… مات كافرا..


مات ليبدأ حجيمه الحقيقي! 


______________



+




ضحكة أنثاوية جلجلت وهي تتلقى أسعد خبرا منذ فترة.. لقد توفى زوجها المعتوه خلف قضبان السجن..زوجها القاتل التي كانت تترقب أخباره من خلال وسيط تعرفه.. لا لشيء سوى اتقاء شره.. كانت تخاف أن يعود يوما وينتقم منها ويحاول قتلها ثانيا.. لكنه الآن ما عاد حيًا..انتحر ولا شيء يخيفها بعد الآن..ثم تحسست بطنها المنتفخ وقالت:  الآن صغيري يتولد بأمان وأهديك كنيتك الحقيقية لتعلم كم والدتك طيبة القلب وتحبك ولن تحرمك من حقك..ليرتاح ضميري، فلم يتبقى لك سوى حروفه العربية..!



+




سامر..! 


________________



+






  الفصل الخمسون


________________


كل حرفٍ لأسمك يساوي بيت شعر


منقوش في قلبٍ أصبح بكِ مفتون


ألِف..أعشقك حد الجنون


ياء..يا من أسرتني بالعيون


لام..لا أفرط فيكِ ولا أخون


ألِف..أحبك بعدد النجوم


فاء..فرحتي أنتي 


ونعمة أقسم لها أن أصون


__________



+




تراقب ابنتها وهي تنتقي مع زوجة ابنها رداء يناسب لزيارة محمود وعائلته والفرحة ترتع داخلها.. صغيرتها كَبُرت وتفتحت أوراقها وحان آوان قِطافُها..أغمضت عينيها بلحظة تضرع وشكر لخالقها أن أمدها بالعمر لتطمئن على وحيديها ظافر وإيلاف..



+




_ طنط.. اختاري معانا أنهي طقم أحلي؟



+




أشرعت عيناها وقالت بعد ألقاء نظرة متمعنة: طقم السالوبيت "الأوف وايت" ده رقيق وبسيط وهيكون حلو جدا على إيلي.. 



+




بلقيس بحماس: شوفتي؟ مش قولتلك السالوبيت ده هيكون مناسب أكتر


إيلاف: خلاص يبقي خلينا فيه، أنا كمان شايفاه افضل من التاني.. فاضل نظبط ححابه.. 


_ دي سهلة، ظافر اشترالي أول ما اتحجبت مجموعة كل ألوانها جميلة وجديدة.. تعالي نختار حاجة منهم. 


_ لا ياحبيبتي دي حاجتك انتي وهدية اخويا ليكي، أنا هشوف عندي حاجة تليق.. 



+




أعترضت بعتاب: كده برضو؟ هو في فرق بنا يا إيلاف؟. مافيش مشكلة لما نلبس منهم سوا.. ولا أنا مش اختك؟



+




احتضنتها قائلة: ماتقوليش كده ربنا يعلم اني بحسك اختي الكبيرة مش مجرد مرات اخويا



+




لمعت عين هدى برضا لتلك العلاقة الدافئة الناشئة بينهما وهتفت: خلاص يا إيلي، مافيهاش حاجة لو أخدتي من مرات أخوكي حجاب للطقم بتاعك، ثم مازحتها: وانتي ابقي عوضيها بحاجة من متحف الأكسسوارات الضخمة اللي عندك. 


ضحكت بلقيس: ايه ده.. هي كمان هاوية اكسسوارات؟ جوري زيك كده عندها ثروة من الحاجات دي.. وواصلت: طيب بالمرة نختار سوا الاكسسوار اللي هتلبسيه 


_ لا منا محددة حاجة معينة هلبسها.. 



+




هدى: طيب هسيبكم أنا يابنات تجهزوا نفسكم براحتكم واروح اشوف الأوردر اللي ظافر طلبه من مطعمه وصل ولا لأ.. محمود وأهله على وصول.. 


......... 


هتفت بانبهار: الله يا إيلي..الطقم رقيق جدا و بأسمك كمان.. ماشاء الله تحفة.. أكيد ظافر اللي اشتراه صح؟


هزت رأسها قائلة: لا مش ظافر اللي جابهولي! 


لاحظت احمرار وجهها بشكل مبالغ به، فبرق بذهنها خاطر فتسائلت بخبث: أوعي يكون اللي في بالي يابنت؟!



+




ازداد تضرج حمرتها وابتسمت، فاستطردت بلقيس وهي تجذبها لتجلس: لا ده انتي تقعدي وتحكيلي.. الموضوع شكله كبير، ثم قالت: محمود اللي جاب الطقم ده؟


هزت رأسها بإيجاب، فعادت الأخرى تتسائل: امتي؟ انتو تقريبا مقابلتكم كانت قليلة في المناسبات وبس، ولا كنتم بتتقابلوا من... .


قاطعتها إيلاف: لا والله ولا كنت بقابلوا ولا حتى بكلموا في التليفون، حتي رسايل الفيس مش برد عليها


_ هي وصلت للفيس كمان؟ ده انت طلعت مش سهل يامحمود ومايبانش عليك يا لئيم. 


ضحكت إيلاف، فقالت الأولى: طيب بردو معرفتش امتى هداكي الطقم ده؟



+





                            


سردت عليها كيف أخذته من جيب مهند حين زارتهم هي من فترة بصحبة محمود والصغير معهما، وكيف ضللته أنها لم تأخذه، وما أن انتهت من سردها حتى قهقهت بلقيس: يعني ضحكتي عليه وأوهمتيه إنك رفضتي الهدية وأنتي أصلا أخدتيها منه


ضحكت معها: أيوة طبعا كان لازم اعمل كده.. كنت هتكسف اقعد قدامه لو عرف اني اخدت الطقم.. 



+




قهقهت ثانيا مع قولها: دلوقت بس فهمت سبب لهفته يجي يوصلني ورفض اخلي بابا يبعتلي العربية.. أتاريه مخطط يشوفك.. نكست إيلاف رأسها بخجل فرمقتها بلقيس بحنان وقالت: بتحبيه؟


قالت بشيء من الحيرة: مش عارفة احساسي ده حب ولا ايه.. بس انا معجبة بمحمود أوي ومرتاحة له، بكون مبسوطة لو شوفته، طايرة بنظراته ومحاولاته انه يتقرب مني وانا طبعا عاملة فيها الشاويش عطية، لكن من جوايا فرحانة.. ولما بعتلي رسالة يعرفني انه جاي مع أهله عشان يطلبني احترمته لأنه ماحاولش يتسلى بيا، قرر يجي لحد بابي في النور ..جرآته وسرعته في الخطوة دي عجبتني! 



+




ربتت على خدها برفق: ربنا يسعدك يا حبيبتي، محمود يستاهل كل خير، وفعلا الشاب اللي يعجب ببنت ويكون واضح معاها ويدخل من البيت .. ده لازم يتقدر.. 



+




ثم نهضت متحمسة: طب كفاية رغي بقى وتعالي نجهز قبل ما حودة يجي..



+




وبدأ استعدادهما ولم يعد باقي سوى رتوش أخيرة وضعتها إيلاف على وجهها ولم تنسى ارتداء لينسزز مناسب لتهتف بلقيس: إيلاف، بلاش تستخدمي اللينسزز كتير عشان ممكن تأذيكي. 


_ ماتقلقيش، انا بستعمل أنواع غالية ومضمونة وبعقمها كويس جدا


_ بس لون عيونك مميز مش فاهمة ليه بتداريه؟


_ كلكم بتقولوا انه حلو.. بس انا بحس ان اللي بيشوفني بيستغربني وانا بضايق من النظرات دي.. ومش شايفة انها ميزة..


_ بالعكس، أنا اول ما شوفت عيونك على حقيقتها قلت ماشاء الله.. كل عين لون ساحر ودي هبة من ربنا بتميزك.. صحيح هو محمود يعرف لون عيونك الحقيقي؟



+




_ أيوة، أول مرة اتقابلنا صدفة في مستشفى ابن خالة ماما، كنت بتدرب هناك.. وفي اليوم ده نسيت خرجت ونسيت احط اللينسزز.. وقتها رجعت البيت مش طايقة نفسي، بس بعد كده لما اكتشف ان محمود ابن عمك، حاول يوصلي انبهاره بعيوني لدرجة انه طلب مني أخبيها عشان ماتسخرش حد غيرو



+




ضحكت قائلة: ده محمود ابن عمي طلع كارثة ومش سهل خالص.. 



+




" مين جايب سيرة اخويا؟"



+




صرخت بلقيس وهي تجري تحتضن زمزم التي أطلت عليهم صائحة: زوما.. وحشتيني وحشتيني.. عاملة ايه يا عروسة والله افتقدك اوي اوي


الأخيرة بنفس الحفاوة: وانتي أكتر يابلي والله..احنا لسه واصلين حالا وانا مقدرتش أستناكم تحت، استأذنت من طنط هدى تجبني عندكم.. 


ثم استدارت حيث إيلاف هاتفة بإعجاب: الله أكبر.. ايه الجمال ده ايلي..زي القمر. 



+




بلقيس مازحة: شوفتي بقي؟ ايه رأيك في بنتنا بما انك حماتها الصغننة


_ ماشاء الله بسكوتة، وبعدين حماتها ده ايه.. اختها بإذن الله.. ثم. هتفت: انتو مش ملاحظين حاجة؟ 


انا وانتي وإيلاف مالناش اخوات بنات.. اخواتنا صبيان.. 


_ وجوري بنت عمي وعطر نفس القصة.. 


أيلاف: يمكن عشان كده في ألفة وترابط مابينا وفرحانين لأننا بنكمل مع بعض نقص جوانا..أنا كنت اتمني يكون عندي أخت.. 



+





        



          



                


زمزم: عندك حق يا إيلي بس زي ما قولتي كلنا بقينا اخوات لبعض.. ثم حدثتها بمكر: بس تعالي هنا قوليلي.. عملتي ايه في اخويا؟ الولد ما صبرش ارجع بيتي وصمم اجي انا وعابد معاه عشان نخطبك..ماما بتقولي انه جنن بابا عشان يوافق على التوقيت ده.. بابا كان هينتظر اسبوع بعد رجوعي بس محمود بيه كان مقرر حاجة تانيم وفرض رأيه علي الكل..عشان خاطر عيونك.. 


_ منا لسه بقولها محمود طلع مش سهل وبصراحة عجبني



+




خجلت من حديثهما وبذات الوقت ازدادت اعجابا به وتقديرا له بعد أن علمت بإصراره أن يأخذ تجاهها تلك الخطوة الحاسمة.. ماذا تحتاج الفتاة أكثر من رجلا گ هذا لينال قلبها وحياتها؟


______________



+




بعد استقبال عائلة محمود بما يليق بهم وعرض طلبه الذي تولاه كبيرهم عاصم محدثًا ظافر، اتفقا على قراءة الفاتحة على أن يكون حفل الخطبة وعقد القران في وقت قريب ثم انتظار تخرج إيلاف من عامها الأخير في كلية الطب وثبات أقدامه في مشروعه الذي مازال في أولى خطواته..وبينما الجميع يبارك العروسين فاجأهم محمود بشراءه دبلتان ومحبس، ليمزح عاصم: الولد مش بيضيع وقت.. جيل عملي بصراحة.


عابد: كده محمود أثبت انه تربية عيلة ابو المجد.. احنا نحب نخلص في الأمور ياعمي. 


محمود مدعومًا من حديثه: مش كده برضو يا جوز اختي..نجيب من الأخر احسن.. عشان يبقي معروف انها مخطوبة ومحدش يبصلها.. 


محمد معلقًا على ما فعله: والله ما اعرف المجنون ده جابهم امتى، فكرني بناس كده جت تخطب بنتنا ومعاها الدبل والخاتم.. 


ابتسم ظافر متذكرا يوم أتاهم لطلب بلقيس وما فعله حينها، ورغم هذا قرر مشاكسته: بس انا مش موافق على موضوع الدبل انهاردة ..كفاية قراءة الفاتحة المرة دي..وخليها مع الشبكة وكتب الكتاب.. 



+




اعترض محمود: ليه كده يا ابو نسب؟ تيجي منك انت برضو يا شيف؟ ولا عشان اتجوزت واستقريت تشحتف الغلابة اللي زينا وتتحكم فينا؟


ظافر متظاهرًا بالجدية: والله انا حر.. 


_ يبقي ماتزعلش من اللي هعمله. 


قطب حبينه بريبة: يعني هتعمل ايه؟؟



+




_ هطلع على مطعمك إشاعة انك بتقدم وصفات صيني.. وانت عارف حساسية الناس من الأكل العجيب بتاعهم دلوقت، يعني سمعتك هتتدمر ويحدفوك بالضفادع والخفافيش. 



+




ضحك جميعهم بينما هتف ظافر: ده انت طلعت خطير وبلاش نزعلك احسن،( ثم تحدث بجدية مختلطة ود واضح) عموما يامحمود زي ما قلت، أنا مش هلاقي افضل منك لإيلاف اختي وبنتي في نفس الوقت.. يعني اغلي حد عندي.. وعارف انك هتصونها وتحافظ عليها.. 



+




قال بصدق: وأنا اوعدك إن ثقتك هتكون في محلها واني هشيل إيلاف في عيوني وقلبي! 



+




لمعت عين ظافر برضا وسعادة لأجل صغيرته التي نهض يستدعيها هي وبلقيس وزمزم حيث تركوا للرجال مساحة لعرض طلب محمود.. وبعد قليل أطلت عليهم إيلاف برقتها الطاغية وخجلها المحبب مطرقة الرأس.. فتواثبت دقات قلبه فور رؤيتها البهية ودعي الله أن يجمعه بها في أقرب وقت، وتعهد في نفسه أن يحفطها ويسعدها قدر استطاعته.. وبينما هو يتأملها بإعجاب، عانقتها والدته وزمزم وكذلك والدتها التي اغرورقت عينيها فرحًا ثم حدثته: أنت هتاخد حتة من قلبي يا محمود حافط عليها واوعي تزعلها ابدا



+





        


          



                


محمود جاهرًا بمشاعره: لو إيلاف حتة من قلبك يا طنط.. فهي قلبي كله! 



+




شعرت أنها ستفقد الوعي من خجلها بعد قوله.. فواصل بمزاح ليخفف خجلها: 


بس كلامكم كده محسسني اني واخدها وماشي.. طب ما تكملوا جدعنة وتخلوني اخدها معايا.. والله جميل ما هنساه ياجماعة.. 



+




للمرة التانية أثار ضحكهم بخفة ظله، بينما لكزه محمد في رأسه ليكف عن مزاحه ويتعقل قليلا، وهتفت هدى: لا ياحوده مش بالساهل كده، دي لسه هتخلص دراستها ونجهزها بكل اللي نفسها فيه. 


بينما هتفت عبير: وكمان أنت لسه بتقول ياهادي في شغلك..ربنا يوفقكم ياحبيبي ويسعدكم. 



+




أمن الجميع علي دعائها وبعد قليل من الحوارات المرحة بينهم، أحاط محمود بنصرها بدبلته والمحبس الرقيق وهمس لها بخفوت لم يصل لغيرها: مبروك يا إيلافي.. 


___________



+




كم تمنت أن ترفع رأسها المُطرق منذ جلسا وتكون أكثر جرآة لتحدثه الآن وهو يجاورها ذات الأريكة ببقعة خاصة في منزلهم..لكنها لا تعرف أنه أكثر متعه وهو يراقب خجلها الذي يحبه..ويتأمل سلساله وأسوارته المدموغة بأسمها.. هديته التي قبلتها بعد مراوغة شقية..ارتدائها اليوم لفتة"عنت" له الكثير.. كأنها تخبره كم سعيدة انه صار لها وصارت له..



+




_ مش ناسية لما ضحكتي عليا وأوحتيلي إنك رفضي هديتي.. ومشيت زعلان ومخنوق.. 


همست دون أن تنظر إليه: كان لازم اعمل كده، كنت هتكسف تشوفني بعد ما قبلتها.. 


_ طب ودلوقت حاسة بأيه؟


_ مكسوفة برضو، بس الوضع مختلف شوية.. وقتها لومت نفسي أصلا إني قبلتها لأنك غريب عني ومايصحش اقبل منك حاجة، عشان كده مافكرتش البسه ابدا، لكن انهارده انت أثبتلي إنك شاب محترم وصادق مش بتلعب بيا.. دخلت من بابي وفضلت مشاعرك تكون في النور.. عشان كده كان لازم البس الطقم ده عشان تعرف إن أنا كمان مبسوطة وفرحانة وراضية بالخطوة دي.. يمكن مش هقدر اقولك كلام صريح.. بس أصدق المشاعر هي اللي بيعبر عنها الفعل مش الكلام..وده اللي انا عملته. 



+




طغى عليهما الصمت لكن قلوبهما أضحت صاخبة بمشاعرهما الفياضة..لا يصدق أنها تحدثت معه وصارحته بدواخلها وهي بهذا القرب..يحتله شعور الفخر لأنه ظفر باحترام فتاته قبل حبها..هكذا تُشيد العلاقات القوية بعمدان لا تُهدم مهما مر عليهما من عمر.. هي إيلافه وخاسر إن لم يصن نعمة حبها للآبد.. 



+




قال مبادرا بعد برهة الصمت: تعرفي يا إيلاف، من أول مرة شوفتك اتمنيت اللحظة دي..حاجة فيكي حسستني انك نصيبي الحلو في الدنيا، ولما قابلتك تاني اتأكدت إنك تخصيني، وفي يوم من الأيام هنكون سوا.. والحمد لله ربنا حقق اللي اتمنيته، ودلوقت خلاص هقدر اركز في شغلي اللي لسه في أوله. 


ابتسمت قائلة: ربنا يوفقك يامحمود.. 


صاح بهيام: يا نهار ابيض على حلاوة أسمي منك.. قولي محمود تاني ينوبك ثواب في عاشق غلبان. 



+




"محمود" 



+




_ ياساتر يارب! 



+




قالها محمود بعد أن قاطع سحر لحظتهما نداء عابد وهو يقترب منهما بصحبة زمزم والصغير، فسيطرت إيلاف في ضحكتها بأعجوبة، بينما التفت الأول بابتسامة صفراء: يا أهلا بابن عمي الغالي.. 



+





        


          



                


رمقه عابد بفراسه وأدرك شيئًا فمال على أذنيه يهمس: أنا جيت في وقت مش مناسب ولا ايه يا ولهان..ثم حدثها قائلا: ألف مبروك يا إيلاف.. انا جيت اباركلك أنا وزمزم قبل ما نمشي عشان راجعين المنصورة.. 


هتفت بانزعاج: ليه بس خليكم شوية.. انا مالحقتش ألاعب هوندا ده واحشني اوي. 


زمزم: معلش ياحبيبتي هنعوضها بعدين، بابا وماما راجعين المنصورة واحنا معاهم لأن طنط كريمة منتظرانا على نار.. وألف مليون مبروك يا إيلي، ربنا يسعدك انتي وحودة.. ردت مباركتها بتهذيب وود، ثم تبادلت مع شقيقها تهنئة وعناق وودعته لتغادر بصحبة زوجها..


......... ..



+




قال بعد ذهاب شقيقته: تعرفي اني مبسوط أوي علشان شايف اختي مبسوطة أخيرا بعد ما ربنا عوضها بعابد؟ أنا لسه مش ناسي حالتها بعد وفاة زوجها الأول، وسبحان الله علاجها كان وقت ما عرفت انها حامل في مهند.. 



+




انجذبت لحديثه مع كثير من التعاطف، وقالت: وزوجها الأول كان عارف بحملها قبل موته؟


_ لأ.. ولا زمزم نفسها كانت تعرف..


ثم تنهد مع قوله: الحمد لله أيام وراحت لحالها..


ثم حدجها بنظرة دافئة وقال: إيلي ممكن نصور ايدينا بالدبل ونحطها أنا وانتي على البروفايل



+




ابتسمت ثم وافقت علي التقاط صورة لكفيهما لتكون لقطة موحدة لحسابهما على الفيس بوك.. ثم هتفت بمرح: بس عارف ايه اللي اصحابي هيعملوا فيا لما يعروفوا اني اتخطبت من غير مايعرفوا؟ أنا مش عايزة اتخيل حتى.. 



+




ضحك وقال: قوليلهم ماكنتش اعرف. 



+




_ تفتكر هيصدقوا؟ عموما أنا عارفة حلهم، هما هيبتزوني عشان اعزمهم في مطعم اخويا..وأنا طبعا لازم ارضخ لابتزازهم عشان اتقي شرهم.. 



+




ابتسم متلذذا بمزاحها وحديثها العفوي معه وهي تحكي عن صديقاتها.. كم تحلق روحه في السماء فرحًا بتلك اللحظة بينهما..وأخيرا همس بما فاض به قلبه تجاهها: 



+




_ إيلاف.. بحبك. 


__________________



+




علم ياسين بحضور عابد فالتقاه في اليوم التالي وبعد الترحيب به وتهنئته قام بتوضيح ما حدث لعائلة بسمة ومنعه اللحاق بموكب عُرسه، استمع له وملامح وجهه غشاها الأسف وهو يحوقل بأسى قائلا: لا حول ولا قوة إلا بالله، مسكينة يا بسمة..ضربة جامدة ليها هي واخواتها ومأساة حقيقية. 



+




_ فعلا ياعابد مصيبة..وده اللي مانعني اوصلك يوم فرحك، وخوفت اعرفك في التليفون واضايقك في شهر العسل، قلت هقولك لما تيجي بالسلامة.. 



+




قال مقدرا: ولا يهمك انت عملت الواجب بوقفتك مع المسكينة دي.. وجه دوري


_ دورك ازاي؟ قصدك تعزيها وكده؟


_ التعزية دي شيء مفروغ منه، اقصد ان بسمة دلوقت محتاجة مساندة مادية، حسب كلامك حتى هدومهم اتحرقت.. يعني هي واخواتها محتاجين يوفروا احتياجاتهم الضرورية عشان كده.. 



+




_ عشان كده انا جيتلك بعد ما قررت هعمل ايه، بسمة فعلا محتاجة فلوس بس مش هتكون منك ياعابد.. هتكون مني أنا..! 



+





        


          



                


استنكر: ازاي الكلام ده يا ياسين؟ ماتنساش انها موظفة في المزرعة عندي ومساعدتي ليها مش هتكون جارحة لأن ليها مسمى مقبول، لكن انت هتساعدها بأي صفة؟ 


_ ماهو للسبب ده فكرت فيك.. انت هتعطيها مبلغ بالمسمى اللي هتحدده انت وتقنعها تاخده.. بس من فلوسي.. ثم تحدث بوضوح لا يحوي مواربة أو تميع لحقيقة دامغة: بسمة بقيت تخصني أنا ياعابد.. ومش هقبل حد غيري يساعدها.. بس طبعا انا ماليش صفة زي ما قلت.. عشان كده هساعدها عن طريقك انت..! 



+




صمت يطالعه وعيناه تبرق بإعجاب ثم ابتسم بتفهم وقال: مادام الموضوع كده يبقى مقدرش الومك، لو مكانك كنت هتصرف كده.. خلاص مش هنختلف يا ياسين، شوف اللي يريحك وأنا هعمله عشان نساعدها.. بس الأهم دلوقت عرفت خالتي واستاذ ناجي بحاجة؟



+




تنهد بقلق: لسه، وبصراحة خايف مايوافقوش علي رغبتي..مش حابب لأول مرة يحصل صدام مع بابا وماما.. ارتباطي ببسمة شيء محسوم بالنسبالي.. 



+




ربت علي كتفه مشجعا: متخافش.. عمي ناجي شخص متفتح وواعي وكمان خالتي، معتقدش ان تفكيرهم بالسوء ده.. اعتقد انهم هيفضلوا سعادتك عن اي اعتبار تاني..بصراحة البنت لا يعيبها شيء.. محترمة وجميلة وعزيزة النفس جدا..اتكل على الله وكلمهم وانا معاك مش هسيبك وداعمك في اي قرار..ومستعد اكلمهم واقنعهم لو لا سمح الله رفضوا. 


_ تسلم يا صاحبي..أتمنى ما نضطرش لكده. 


________________



+




_ أنا مش هكمل دراستي يا بسمة وهشتغل! 



+




التفتت إليها وهتفت باستنكار: نعم؟؟؟ ومين هيسمحلك بالجنان ده؟ 


_ ده مش جنان.. ده الصح.. ظروفنا اتغيرت ومش هينفع اكمل وارمي عليكي الحمل..كل جهازي أنا وانتي اتحرق، مبقاش عندنا حاجة، ده غير اخونا اللي لسه صغير ومحتاح مصاريف كتير عشان يقف على رجله.. انتي كنتي بتساعدي وبابا وماما عايشين، لكن دلوقت هتتكفلي بكل حاجة حتى دراستي..عايزاني اتفرج عليكي؟



+




_ وعشان تساعديني تضيعي أخر سنة عليكي؟ طبعا ده مستحيل


_ طب ايه الحل؟ يابسمة احنا مانملكش في الدنيا شيء ولا أهلنا كان عندهم حاجة نتسند عليها. ولولا عبد الرحمن جابنا هنا كان زماننا في الشارع.. 


_ ومع كده في حلول كتير، انا هرجع شغلي تاني ومرتبي كويس هيكفينا مع معاش بابا..ويمكن تظهر لنا أبواب تانية.. محدش عالم، ربنا مش هينسانا ياحنين متخافيش، كل شيء هيتعوض إلا دراستك.. أوعي تفكري ماتكمليش، دي سنة هتعدي بالطول ولا بالعرض وبعدها اشتغلي واعملي اللي انتي عايزاه، ولوازم جهازك هتتدبر ونجيب الأساسيات بالقسط مش مشكلة


_ لا يابسمة ماينفعش إن... .


قاطعتها بحزم: حنين.. قولتلك كل حاجة هتتدبر ماتنسيش اني اختك الكبيرة ولازم تسمعي كلامي



+




رضخت لأمرها وعانقتها باكية فاحتوتها بسمة بين ذراعيها وهي تدعوا نفس دعوتها ألا يحوجهم الله لمخلوق وييسر لهم كل عسير ويهون القادم الذي لا يعرفونه..



+




ابتعدت حنين تقول: على فكرة، عبد الرحمن جاي بعد العشا هو وسلوى يطمنوا علينا 


_ يشرفوا ياحبيبتي، روحي يلا اغسلي وشك والبسي حاجة تقابليهم بيها وانا هشوف اخوكي صحي ولا لسه عشان مأكلش حاجة من الصبح. 


__________



+





        


          



                


حضر بعد قليل بصحبة شقيقته التي جلست تحدث بسمة وتتفقد الصغير، بينما تنحى هو بها في الشرفة متسائل: ياسين عامل ايه دلوقت ياحنين؟



+




قالت بوجه متجهم وحزين: زي ما هو ياعبد الرحمن، مابيتكلمش..قلبي بيتقطع عشانه، ياسين اللي كان مالي الدنيا بصوته وشقاوته بقي زي القط الحزين، ياريته يرجع تاني زي ما كان.. 



+




غمغم بصوت حاني: هيرجع بس هياخد وقته، ده مهما كان طفل صغير وشاف والده ووالدته قصاده وهما... 



+




لم يستطع إكمال جملته فانحدرت من عينيها دمعه، فعاتبها: وبعدين معاكي؟ مش قولنا بلاش دموع عشان روحهم هتتعذب؟ ده نصيبهم وانتي واخواتك لازم تعينوا بعض وربنا قادر يهون مصيبتكم وتتقبلوا الأمر بسرعة عشان حتى اخوكم هو كمان يتعافى.. 



+




أومأت صامتة وهي تجفف عبراتها، فواصل بشيء من التردد: حنين.. عارف ان الوقت مش مناسب نتكلم في حاجة زي كده، بس.. وصمت مطلقًا تنهيدة جعلتها تتأمله بقلق، فاستطرد: الظروف اتغيرت ياحنين وأنا مش هقدر اسيبك كده.. لازم اكون جمبك بشكل أقوى وده مش هيحصل طول منا مجرد خطيب..الحدود اللي بنا أكتر من المباح.. أنا بتعذب لما تبكي قصادي وانا مش قادر أمد ايدي امسح دمعتك، وشايف إن الأفضل نعجل بجوازنا ونرجع لاقتراحي الاول اننا نتجوز ونكمل دراستنا عادي واحنا متجوزين.. ايه رأيك؟



+




تنهدت هي الأخرى وصوت أفكارها يحدثها


ماذا تقول بحالتها؟ لم تعد لديها رفاهية الاختيار..والقبول بالمتاح صار واقعها الوحيد.. 


وربما حينها يقل حملها قليلا عن شقيقتها.. كما انهما يحتاجان رجلا يعتمد عليه بتلك الظروف، ليس اعتماد مادي، بل معنوي.. فكرة أنهما فتاتان بلا رجل يحميهما ليس أمر جيد، ربما يستطيعان توفير نقود تقيهم شر الحاجة.. لكن يظل الأمان مفقود في عالمهما..تقنين صفة عبد الرحمن وشرعنة وجوده سيفرق كثيرا معهما.. 



+




هتفت بتسليم: اللي تشوفه باعبد الرحمن.. ظبط غرفتك اللي في بيت اهلك زي ما كنت عايز.. بس نستني شوية اما نفسيتي تسمح اني اتجوز. 



+




نظر لها بدهشة مما استنتجته من حديثه وبعد برهة قال لها بشكل قاطع: اللي رفضتيه ووالدك ووالدتك عايشين.. مستحيل اجبرك عليه بعد موتهم ياحنين..مش أنا اللي استغل الظروف لصالحي أو اجبرك على حاجة انتي كنتي رافضاها وهتقبليها مرغمة..احنا هنتجوز لأن لازم اكون جمبك عشان اقويكي واصبرك واحميكي..بس مش في شقة اهلي.. لأ.. هنا في شقتنا.. مملكتك اللي حلمتي بيها.. صحيح هنبدأ ناقصنا حاجات كتير جدا.. بس معلش اللي هقدر اجيبه هجيبه وبالتدريج هنكمل بيتنا سوا..أما بخصوص بسمة فمش هتطلع من بيتي غير علي بيت جوزها..واهو الغرفة التانية تعتبر اتفرشت بالحاجات اللي جابها استاذ ياسين كتر خيره، وهتنفعها هي واخوكي.. وانا هجيب غرفة نوم جديدة لينا..قلت ايه يا حبيبتي؟



+




تنظر له ومقلتيها مغرورقة لا تجد شيء تصف به شعورها وفخرها به..صدق من قال.. الشدائد هي ما تبرز لنا معادن..وتلك المحنة علمت كم تمتلك كنزًا لانتمائها لهذا الرجل االذي لا يجود الزمان بمثل كثيرا..أي مال واي رفاهية تزن كِفته؟ ربحت به كل شيء.. كل شيء .



+





        


          



                


فعاد يكمل غافلا عن دوامة المشاعر التي تتلقفها: 


انا دلوقت بقيت مسؤل عن بسمة وياسين وبعتبرهم اخواتي زيك..هيعيشوا معانا معززين مكرمين.. وربنا الرزاق..! 



+




اختلطت نظرة التقدير مع دموعها فهمس بحنان: 


_ ماتبكيش عشان خاطري.. وقوليلي موافقة ولا لأ؟ بابا منتظر رأيك وساعتها هنحدد يوم كتب الكتاب فورا.. وبعدها هنجهز شقتنا باللي هقدر عليه ونتجوز في اقرب وقت. 



+




جففت دموعها بظهر يدها وهي تهمس بصوت مبحوح: ربنا يخليك ليا ياعبد الرحمن.. انت ثروتي الحقيقية اللي ربنا مَنْ عليا بيها.. مش مهم شقتنا هتتفرش ازاي وبأيه.. المهم اني أكون معاك واشيل أسمك..ومهما قلت مش هوفيك حقك عليا.. 



+




تبتسم وعيناه تغمرها بعاطفة صارخة وقال: حقي هيوصلني لما اضمك لحضني يا حنين واطمنك وامسح دموعك واخفف عنك الحزن والالم! 



+




منحته نظرة خرساء لكن باطنها يعجج


بالكثير والكثير مما تكنه لرجل عظيم الشأن مثله! 


رجل تريد الميل على صدره لتصب أوجاعها دون خوف أو خجل..ثم تمنحه فيوض عشقها بسخاء يليق به.. 


_______________



+




قصت عليها ما قاله عبد الرحمن بشأن زواجهما، لتحتصنها بسمة بسعادة: ألف مبروك حبيبتي، والله خطيبك ده طلع راجل بجد ونادر أمثاله.. ربنا يسعدكم. 


_ مش بس هو اللي راجل نادر يابسمة.. استاذ ياسين. كمان وقف معانا وقفة ماتتنسيش.. أنا ماشوفتش ولا هشوف في شهامته..عبد الرحمن موقفه متوقع لانه خطيبي وبيحبني.. لكن ياسين ايه يجبره يقف جمبنا؟ ثم واصلت بافتراض له مغزاه: إلا اذا كان هو كمان بيحب.. وبيحب اوي كمان! 



+




صمتت شاردث بحديث حنين وتعلم ما مقصدها، هو نفسه أخبرها عن مشاعره يوم زفاف قريبه، لكنها لن تنجرف لتلك الأحلام التي أضحت محرمة عليها، لا يجوز التفكير في نفسها الآن..خاصتًا أن الفجوة بين عالميهما مازالت قائمة، أين هي منه؟ فضلا عن أن همها كله ان تتزوج شقيقتها، وتعوض شقيقها الصغير فقدان والديه..تلك مسؤليتها الكبرى والأهم ولن تتنصل منها..



+




_ اجمل حاجة يا بسمة ريحتني في كلام عبد الرحمن انكم هتفضلوا معايا هنا ومش هنفترق ابدا



+




قالتها حنين مقاطعة سير أفكارها، لتقول الأخرى: ومين قال اني هفضل عايشة معاكي بعد جوازك؟ ده مايصحش، لأن انتي وجوزك لازم تاخدوا راحتكم في بيتكم.. أنا بإذن الله وقتها هشوف أي شقة إيجار بسيطة ليا انا واخوكي..


_ مستحيل، مش هسيبكم تبعدوا عني وإلا... 



+




قاطعتها: حنين.. سيبك من الموضوع ده لما يجي وقته، أنا معنديش طاقة اتجادل معاكي في أمر سابق لآوانه وقرار حتمي في نفس الوقت.. 



+




همت بمواصلة اعتراضها ليصدح رنين هاتف بسمة ، أجابت لتجده الباشمهندس عابد الذي قام بتعزيتها بآسى، ثم اخبرها بضرورة حضورها المزرعة صباحا.. أنهت المكالمة واعدة إياه بالحضور.. يجب أن تستأنف عملها على أية حال.. هو أملها الآن.. علها تخفف عن كاهلها هذا الحزن حين تنخرط به لتنسى محنتها.. 


_________________



+





        


          



                


_ البقاء لله يا بسمة.. ربنا يرحمهم ويغفرلهم ويجعل مآواهم الجنة..ويهون عليكي ويخفف عنك. 


ردت عزاءه بملامح مازال يسكن تقاسيمها الحزن: ونعم بالله، ونحمد ربنا على قضاؤه. 


_ دي شيمة المؤمن، ذكر الله والصبر على البلاء.. 


ثم قرر أن يدخل في صلب الموضوع دون تردد: طيب انا كنت طالب منك حاجة واتمني ماترفضيش. 


_ اتفضل يا باشمهندس. 



+




وضع أمامها مغلف ورقي كبير أدركت بسمة فحواه من النظرة الأولى وهمت أن تقول شيء فقاطعها: 


قبل أي كلام لازم تفهمي إن ده حقك عليا.. أحنا هنا عيلة واحدة يابسمة اللي يحصل معاه حاجة. لازم كلنا نقف جمبه.. بلاش تكوني حساسة وترفضي.. ده غير اني بعتبرك اختي.. ولا انتي مش عايزة تمنحيني شرف المكانة دي؟



+




أطرقت برأسها لتسيطر على دمعاتها التي تكثفت گ سحابة، هاهو كرم الله وجوده الذي لا ينضب ودائما يأتي بتوقيته الأصح.. هي تحتاج هذا الدعم المادي، لكن لن تأخذه سوي بشروط تناسب كرامتها.. وإلا ..فلن تأخذه! 



+




رفعت وجهها وهي تجفف العبرات ثم قالت: أولا أنا اللي يشرفني إن حضرتك تكون في مقام أخويا يا باشمهندس.. وثانيًا أنا هاخد الفلوس دي بس بشرط.. أكتب على نفسي وصل أمانة اني هسدد كل شهر مبلغ من مرتبي.. لكن غير كده مش هقبله ابدا..! 



+




ابتسم بتفهم متوقعًا تصرفها: ولا يهمك، اللي يريحك اعمليه يابسمة، بس ممكن طلب أخير؟


_ تحت أمرك. 


_ سدادك للمبلغ ده يبتدي من بعد سنة.. تكوني وقفتي على رجلك لكن دلوقت انتي محتاحة كل قرش عشانك وعشان اخواتك.. أرجوكي توافقي. 



+




عجزت فيما تقوله لهذا الرجل، كرمه يبهرها.. راح لسان حالها يدعوا له ببركة العمر وهناءه.. ثم تذكزت بغتة انها لم تهنئه فقالت: أنا أسفة نسيت اباركلك على زواج حضرتك.. ربنا يسعدكم ويرزقكم الذرية الصالحة. 



+




_ اللهم امين ، ربنا يبارك فيكي يابسمة عقبالك، وواصل: انتي ناوية امتى ترجع الشغل؟ 


_ من بكرة بإذن الله.. 


_ خلاص تمام.. والشهر اللي عدي ده مرتبه جاري، عشان كده.. وقارن قوله بإحصاء بضعة ورقات نقدية ووضعها أمامها قائلا: ده بقى مرتبك، أظن ماتقدريش ترفضيه.. وعلي فكرة ده أمر متبع مع كل، العاملين مش حاجة خاصة بيكي! 



+




هتفت بامتنان كبير: شكرا با باشمهندس..أنا مش هنسي وفقتكم معايا أبدا.. 


تسائل بخبث: وقفتنا؟ تقصدي مين؟


_ اقصد استاذ ياسين، بصراحة هو كمان وقف معانا و


مع خطيب اختي وماسابناش وقت اللي حصل.. ربنا يجازيكم خير. 


_ تسلمي يابسمة ده الواجب.. ومنتظرك بكرة إن شاء الله


_ بإذن الله..


............ .


غادرت وهي تحمد الله سرا أنه سترها وأرسل لها الفرج والعون بنقود "رب عملها" الآن ستطمئن حنين، ستكمل دراستها وتبتاع لها بعض الأشياء الضرورية لزواجها الوشيك..وتبتاع بعض الملابس الضرورية لهم بعد ما التهمت النيران كل شيء..وتبحث عن طبيب نفسي ليعالج شقيقها، أثناء سيرها الشارد بخطواتها القادمة هاتفها أحدهم. لتنتهي المكالمة وهي تبكي شكرا لله على فيض كرمه الواسع..ها هو باب أخر فُتح لها ولم يكن في الحسبان..رب العالمين يؤازرها ويرسل لها العون من كل صوب.. أول ماستفعله بعد عودتها للبيت أنها ستؤدي صلاة ركعتين شكر له. 


_________



قد يعجبك ايضا


منذ عام


رواية الماسة المكسورة الفصل الثامن 8 بقلم ليلة عادل


منذ عام


رواية الماسة المكسورة الفصل التاسع 9 بقلم ليلة عادل


منذ عام


رواية الماسة المكسورة الفصل العاشر 10 بقلم ليلة عادل


+





        


          



                


بحث عن والديه فوجدهما يجلسان في الحديقة يحتسيان قدحين من الشاي معًا..يعتقد أن الوقت مناسب ليحادثهما فيما يريد.. دعى ربه أن ييسر له أمره معهما وينال رضاهما.. 



+




_ السلام عليكم. 


ردوا عليه التحية بمثلها فواصل ياسين: 


_ بابا، ماما كنت عايز اكلمكم في حاجة مهمة. 


ناجي: خير يا ياسين، عايزنا تكلمنا في ايه؟



+




دارت نظراته عليهما قبل أن يقول بثبات: بصراحة في بنت عجباني جدا وشاغلة تفكيري بقالها فترة وعايز ارتبط بيها بمباركتكم..



+




تهلل وجه فدوى: بجد يا ياسين؟أخيرا هتفرحني بيك.. مين دي ياحبيبي وانا اروح اخطبهالك من الصبح. 



+




_ انتم عارفينها كويس ياماما.. 


واستطرد بعد صمت قصير: أنا عايز اخطب بسمة! 



+




ضاقت حدقتي ناجي: بسمة مين؟


فدوى: قصدك البنت اللي شغالة في مزرعة عابد؟


أومأ مؤكدا صدق ظنها: أيوة يا ماما هي


_ بس... 



+




قاطعها: قبل ما تقولوا رأيكم اسمعوني الأول.. أنا عارف إن في فرق اجتماعي كبير بنا..بس انا النقطة ماتهمنيش في حاجة.. اللي دفعني أفكر في بسمة هو اني أولا انجذبت ليها بشكل ماحصلش مع أي واحدة قابلتها.. راقبتها فترة وأخدت وقتي في التفكير وعجبني اخلاقها وكفاحها عشان تساعد أهلها.. بسمة فيها المواصفات اللي بفضلها..وعشان أبني قراري على أساس سليم، صليت استخارة فيها كذا مرة ودايما النتيجة في صالحها.. وبرتاح ليها أكتر.. عشان كده قررت افاتحها في رغبتي دي قبل ما اكلمكم بس للأسف هي نفسها رفضتني! 



+




عبس وجه فدوى معترضًا: نعم؟؟؟ رفضتك؟



+




_ سيبيني اكمل يا ماما.. بسمة رفضت لأنها واقعية زيادة عن اللزوم مش متقبلة الفرق اللي بنا ومش مقتنعة ان ناس زينا هيتقبلوها.. خافت على كرامتها تترفض فرفضت هي..لكن اللي قالته بلسانها كان عكس اللي شوفته وحسيته في عيونها.. هي كمان منجذبة ليا بس خافت توافق بسبب اللي قولته.. لكن انا مراهن على تفكيركم ان الفرق المادي ده مالوش اي أهمية قصاد انجذابي ليها ورغبتي، يا ترى ايه رأيكم بعد اللي قولته؟



+




صمت يرقبهما باهتمام وعيناه تجول عليهما محاولا استنباض شيء. فاقتربت والدته قائلة: البنت اللي تخلي ابني يتكلم عنها بالحماس ده وعيونه تلمع بطريقة عمري ماشوفتها، واللي يفهمها من عيونها ويحس بيها كده.. مستحيل ارفضها..بالعكس.. هو انا عايزة ايه غير سعادتك وراحتك.. مادام عجباك مايهمنيش ثرائها من فقرها.. كل اللي يهمني انها تسعدك وتفرح قلبك..وقتها هتكون في غلاوتك وزي ما قلت، الماديات مش الاساس.. المهم انها اخلاق وبنت اصول هتصونك وتشرفك قدام الناس وتكون أم صالحة لأحفادنا..



+




انحنى يلثم كفها بسعادة جمة مهللا: يا حبيبتي يا ماما.. ماتتصوريش فرحتيني ازاي.. والله كنت عارف إنك هتجبري خاطري وتوافقي..ربنا مايحرمني منك



+





        


          



                


ربتت على رأسه بحنان: معاش يا يكسرلك خاطر ياحبيبي.. وربنا ما يحرمنا منك ويسعدك انت واختك واشوفكم في بيوتكم متهنيين.. 



+




التزم ناجي الصمت بشكل أوجس ياسين، خاصتًا بعد أن نهض عن مقعده ووقف موليًا ظهره لهما، فتبادل نظرات متوترة مع الدته التي تطوعت تسأل زوجها بعد رجاء من عين ابنها ان تدعمه: 


ساكت ليه يا ناجي؟ قول رأيك وطمن ابنك وفرحه..مش شايف وشه نور ازاي؟ هو احنا عايزين ايه غير سعادته..مادام البنت عاجباه بلاش تقف في طريقه، ولا انت مش عايز تفرح بيه زي اخته؟



+




ظل على صمته موليهم ظهره، فدنى ياسين مع قوله: 


بابا.. أتمنى ماتخذلنيش.. انا مراهن على تفكيرك اللي عمره ما كان طبقي ولا فيه "كبر وتعالي"..بسمة هي البنت اللي قلبي اتحرك ناحيتها.. ومايهمنيش تكون ثرية ومن مستوانا..!



+




أدار رأسه يطالعه مقطبًا الجبين نظرته لا تعكس الرضا وقال بحسم لا يقبل مجادلة: بس أنا يهمني!



+




وقع قلب ياسين بقدميه.. هذا تمامًا ما كان يخشاه أن يعارض والده رغبته بزواجه من بسمة..كان يظن أنه سيجد منه دعمًا وتقديرًا لرغبته.. لكن يبدو أنه مخطيء.. وأمامه تحدي جديد لكسب رضاه كما نال رضا والدته. 



+




فدوى متدخلة بعد أن ألمها حزن ياسين: ليه كده تكسر خاطر ابنك يا ناجي.. عيبها ايه البنت؟ فلوسها كانت هتفرق معانا في ايه واحنا الحمد لله عندنا خير كتير..ممكن تبقي غنية بس مايحبهاش.. خليه ياخد اللي قلبه مال ليها..هو ده الأهم 



+




اكتملت استدراته ونظرته إليهما عابسة وجبينه مقطوبًا، ثم فرد ذراعيه في الهواء داعيا ابنه في عناق مع ابتسامة حانية، وللوهلة الأولي تعجب ياسين وفرك عينيه ثم أشرعهما ثانيا ليستوعب سريعا ان والده كان يلعب بأعصابه لا أكثر.. والرضا اصبح جليا على تقاسيم وجهه الحبيب.. فعانقه بمشاغبة: وقعت قلبي ياناجي.. بس والله ما هسكت وهردهالك ياكبير..ومش هسيب حقي.. 


بينما صاحت فدوى بحنق: كده ياناجي؟ أنا دمي نشف واكتئبت وكنت هعيط وانت بتلعب بينا؟ والله ما هسيبك وهتتعاقب زي زمان. 



+




ضحك بقوة حتى سعل ثم هتف لهما: أمال يعني اوافق كده بسهولة؟ مش لازم اعمل حبة دراما أبوية كده.. ده حتى تبقى موافقة مايعة.. 


فدوى: الدراما دي اللي هتشوفها معايا ياحبيبي بس نبقي لوحدينا.. 


ضحك ثانيا: أوعي تسيبني لوحدي مع أمك يا ياسين.. دي ممكن تدبحني فوق


_ ماليش فيه ياكبير.. انت ومراتك أحرار مع بعض.. 



+




قال بامتعاض: واطي.. 



+




ثم جذبه ثانيًا بعناق حاني: مبروك ياحبيبي، وزي ما والدتك قالت.. البنت اللي تخلي ابني ينطق وعيونه تلمع وهو بيتكلم عنها.. تستحق احترامنا ورضانا عليها.. اتكل على الله وظبط معاها وعرفني امتى نروح نطلب ايدها.. 



+




شدد ياسين في عناقه وقال بامتنان: ربنا يخليك ليا يا بابا.. هتفضل طول عمرك مثلي الاعلى في كل حاجة.. انت منبع الجدعنة والشهامة والحنية! 



+





        


          



                


ثم ابتعد مودعا إياهم والفرحة تنهمر من عيناه گ أمطار روت قلبيهما وأحداقهما تشيعه بحب وفدوى تهمس: أول مرة اشوف ياسين فرحان كده يا ناجي.. شكله حب البنت اوي


_ واضح.. بس انتي تعرفيها؟


_ اعرفها بس معرفة سطحية.. اللي تعرفها اكتر مني كريمة.. وكذا مرة تشكر فيها قدامي


_ خلاص خدي وادي معاها برضو في الكلام وشوفي انطباعها، اعتقد انتم اللي هتقيموا البنت اكتر مني.. وانا من ناحيتي موافق.. وربنا يقدم اللي فيه الخير.


_ اللهم أمين


ثم رمقته بعتاب: بس وقعت قلبي


ضحك وهو يجذبها لتجلس جواره ويكملان احتساء الشاي: سلامة قلبك ياغالية


ثم ارتشف رشفة وقال: ياخسارة الشاي بقى بارد



+




هبت علي قدميها تصيح بحنانها المعهود: هعملك شاي جديد بنفسي. 



+




راقبها بمحبة وغمغم هامسا لذاته: 


العمر جري بينا أوام يافدوى.. ولادنا الصغيرين كبروا وهيتجوزا وهيبقي عندنا أحفاد يكللوا عشرة عمرنا الطيبة ويكبروا شجرة عيلتنا.. يارب احفظلي ولادي وزوجتي واحسن ختامنا بما يرضيك..


_____________



+




_ حنين.. حنين انتي فين تعالي بسرعة. 



+




هرولت إليها: ايه يابسمة حصل حاجة؟


_ حصل كل خير .. ربنا فرجها علينا من كل ناحية.. خلاص هنقدر نشتري لوازم جوازك واساعد كمان في توضيب الشقة، وهجيبلك هدوم فرحك كلها.. وهقدر اعالج ياسين عند دكتور كويس عشان يرجع يتكلم و... .



+




قاطعتها بدهشة: طب اهدي بس وفهميني منين ده كله؟


_ هفهمك.. بس استني هروح اغير هدومي واتوضا واصلي ركعتين واجي احكيلك..


............ 


عادت تجلس معها فوق الفراش وسردت لها: 


صاحب البيت اتصل بيا وانا جاية في الطريق وقالي انه هيدفع لكل ساكن مبلغ تعويض عن شقته بعد الحريق لأنه خلاص أخد قرار بالإزالة وهيبنيها من جديد.. وكمان بيقول نيجي نبص علي شقتنا بكره يمكن نلاقي حاجة تنفعنا لأن النار ماحرقتش كل حاجة...



+




تنهدت حنين براحة واغرورقت عينيها: سبحان الله، بعد ما خرجتي صليت ودعيت ربنا كتير يفرجها علينا ويفك الكرب.. والحمد لله استجاب..


_ الحمد لله.. لسه مكملتش اللي عندي، عارفة باشمهندس عابد كان عايزني ليه؟ وقصت عليها المبلغ الذي منحها إياها ويبدأ سداده بعد عام.. 


لتسجد حنين شكر لله: انا مش مصدقة.. ده احنا من سواد الليل بس كنا بنفكر هنعمل ايه وانا قلت مش هكمل كليتي.. 


_ خلاص أهي فرجت.. هتكملي أخر سنة، وهظبطلك أمورك ونعالج اخوكي.. وكمان هشوف ولو غرفة نسكن فيها انا وياسين بعد جوازك.. 



+




_ مستحيل.. مش هسمح تبعدوا عني. 


حدثتها بهدوء حازم: حنين.. مش معني إن عبد الرحمن كويس وعرض يخلينا في بيته احنا نقبل.. ده راجل من حقه يكون له خصوصية في بيته.. ودي سنة الحياة ياحبيبتي.. ومافيش اي بُعد هيحصل بنا.. هنكون سوا دايما هزورك وتزورينا..


ثم استأنفت: المهم بقي هتيجي معايا بكره نشوف شقتنا؟ 


تنهدت بحزن: مش هقدر ادخل البيت وماما وبابا مش فيه يابسمة، مش هتحمل..


ربتت على كتفها:خلاص، خليكي انتي وخدي بالك من أخوكي وانا هروح، يمكن فضلت حاجة باقية من ريحتهم نحتفظ بيها ذكرى أو حاجات من الجهاز بتاعنا تنفع في الظروف دي. 


أومأت لها ثم نهضت تقول: طيب هروح اعملك ساندوتش وحبة شاي، انتي نزلتي من غير فطار. 



+





        


          



                


لم تعترض وتركتها وذهبت تتفقد شقيقها المنعزل گ عهده بعد وفاة والديهما.. 


______________



+




الحزن بلغ منه مبلغًا عظيمًا وهو يطالع حقائب السفر بشرود كئيب..شقيقه سيعود لموطنه ويتركه بعد أن ذاق معه دفء العائلة، ليته ما قرر العودة.. ليته يبقى معه.. من له هناك؟ من؟



+




_ أيهم..



+




رفع عينه عن الحقائب ناظرًا إليه بنظرة مزقت نياط قلب رائد وقال له: عشان خاطري بلاش تزعل كده، أنت كمان في يوم من الأيام هتنزل وتستقر في بلدنا.. مهما اتغربنا مسيرنا نرجع.



+




_ هنرجع لمين يا رائد؟ ماما خلاص الله يرحمها.. وانا عايش هنا وادينا كنا سوا بولادنا وساندين بعض في الغربة.. ليه عاير تسبني بعد ما فرحت انك جمبي ومكمل عيلتي ومحلي حياتي..؟



+




أشفق على أخيه.. فتمتم محاولًا التماسك: 


_لو كنت اقدر اكمل هنا كنت فضلت من غير ما تطلب.. بس انا حقيقي عايز ابعد.. وصحيح والدتنا ماتت.. بس ريحتها هناك يا أيهم في بيتنا..اما الغربة فهي اختيارك من البداية.. لكن انا غربتي اتفرضت عليا واتجبرت عليها.. 



+




_ اتجبرت؟ مين جبرك؟



+




رمقها بنظرة بغيضة أرجفتها وهي تقف بعيدا عنهما تتحامي تلقائيا في ابنتها التي لا تفارقها، ليواصل: 


مش مهم مين.. المهم اني خلاص أخدت قراري وحجزت تذاكر الطيران لبكرة.. ثم لمعت عينه بامتنان حقيقي لأخيه: وعايز اقولك يا أيهم شكرا على كل حاجة قدمتهالي هنا.. شكرا على حنيتك واهتمامك برحمة.. شكرا انك كنت في ضهري طول الوقت.. 



+




اغرورقت عين شقيقه وعانقه بقوة ولا يعلم ماذا حدث له.. لما انتكس لحالته الأولى الكئيبة ساعيا لعزلة جديدة.. نعم.. مايفعله رائد ماهو سوى عزلة عن كل شيء.. حتى زوجته يشعر ان علاقته معها مضطربة خالية من دفئها المعهود..نظراته تجاهها بها شيء لا يفهمه.. وهاهو سيغادر تاركًا فراغ يدعوا الله أن يعينه عليه! 



+




_ أنا مش هقدر اجبرك تفضل مادام هتكون مرتاح أكتر لو رجعت مصر.. بس انا حزين على فراقك يا اخويا.. واتمنى نتقابل تاني على خير بعد ما تقدر تجمع نفسك وتهدي وتعيد حساباتك اللي معرفش مين بعترها.. بس عايزك تعرف اني رغم المسافات هكون جمبك.. وقت ماتحتاجني هزحف واجيلك.. اوعي تنسى أبدًا اني موجود.. انت فاهم؟



+




احتضنته رائد بقوة وعاطفته تكاد تخزله.. ليته يبقى لأجله لكنه يعلم انه لن ينصلح له حالا إن ظل..لم يعد يتحمل تلك البقعة من الأرض.. هنا تعرت روحه.. هنا سقط جلده وظهرت حقيقته المشوهة .. هنا علم من يكون.. وكم روح تآذت على يديه وكم فتاة ضاع مستقبلها.. هنا بدء جحيمه وماعادت له قدره على تحمل نيرانه..


_____________



+




حلقت طائرته لتبدأ رحلة عودته.. 


عودة عاد منها غريبا أكثر مما غادر.. 


وضائع أكثر من زي قبل


عاد شخص جديد


مزيج بين ماضي مخجل وحاضر كاذب


كل شيء عاشه كان كذبًا


رودي ليست رودي


وهو ليس الزوج المسالم الصالح والأب الحنون


هو شخص بغيض يحاول أن يتقبله او يطمسه للآبد


لكنه الأن لا يطول شيء..


الفجوة داخل روحه تتسع وتبتلعه للهلاك كل يوم


هو يموت بالبطيء ويحاول البحث عن طوق نجاة


عله بعودته يجد سبيلا للنجاة.. أي سبيل! 



+





        


          



                


أما هي فلم تجرؤ على سؤاله لما سيعودان


لم تجرؤ على إثناءه


ماعادت لها تلك المكانة والسلطة داخل قلبه


فقدت عرشها داخله وصارت منبوذة


يعاقبها رغم أنه يشاطرها كل ذنب اقترفته


هي قرينة روحه والأقرب له..لكنه يصر على لفظها


لا تعرف ما تخبئه لهما تلك العودة


هل سيتركها ويتخلى عن ابنته؟


يا ويلها إن فعل


سيذبحها گ الشاه بنصل فراقه لو فعلها


............



+




حدث ما خافت منه..مجرد أن لمست أقدامهما أرض منزلهما أمرها أن تتركه فقالت بذهول: عايزني اسيبك وأروح عند والدتي؟ ليه؟ 



+




ابتسم بتهكم: ليه؟؟ هو ده سؤال؟ بس انا هستغرب ليه ما انتي انسانة جاحدة وفيكي كل العبر..المفروض اول حاجة تعمليها أنك تجري على والدتك وتطمني عليها لأنها مريضة وسيادتك حتى ماكنتيش بتردي على اتصالها.. والدتك اللي... .



+




_ اللي ايه؟؟؟ 



+




تسائلت بنبرة مهتزة.. خائفة.. نعم هي قاسية لا تحدثها منذ حادث اختطافها.. لكن ماذا كانت ستقول لها.. انها بخير؟ تقسم أن والدتها لو كانت سمعت صوتها لما نامت الليل من كثرة الوجع الذي سينضح في نبرتها.. لذا لم تجيب اتصالها ابدا.. ملت الكذب.. ماعادت گ السابق.. أستنزفت قواها وصارت أضعف مما مضى..لا تريد رصيد جديد من الكذب.. غير أن علاقتها المبتورة برائد استحوذت على كل اهتمامها.. كانت تريد الأمان أنه لن يتركها.. ظنت انها لو غفلت عنه لحظة واحدة ستفقده! وهاهي رغم كل ما فعلت تفقده..وتفقد روحها ولا تعرف كيف ستعيش دونه..! 



+




_ عشان خاطري خليني جمبك..هصبر لحد ماتتقبلني تاني بس ماتسبنيش يا رائد.. لو سبتني هموت..أنا عملت كل حاجة عشان احتفظ بيك لأني حبيتك.. رغم كل مساوئي وذنوبي حبيتك.. ماتتخلاش عني انا محتاجالك.. هموت بالبطيء لو بعدت عنك. 



+




_وهتموتي أسرع لو فضلتي.. أنا مابقيتش متقبلك ولا متقبل حتى نفسي.. أنا قنبلة موقوتة مش هتنفجر غير فيكي انتي، هأذيكي قبل ما أذي نفسي، روحي وسيبيني.. عايز اكون لوحدي.. عايز احاول اتقبل حقيقتي.. عايز اعرف هقدر اعيش كده ولا لأ.. وللسبب ده لازم تمشي وتبعدي ..انتي كمان محتاجة تعيدي حساباتك وتراجعي كل اللي فات، ولو كنتي عايزة فعلا تصلحي حياتك وتطهري من دنوبك .. يبقي لازم تبدأي من هناك.. من تحت رجلين والدتك اللي هتموت وتحضنك انتي وبنتك.. بلاش تكوني قاسية كده.. كل حاجة ليها استثناء والمفروض والدتك تكون الاستثناء ده.. تكون خارج دايرة سواد قلبك.. روحي واحمدي ربنا انها عايشة.. انا مستعد ادفع كل عمري بس امي ترجع ولو دقايق واترمي تحت رجليها واحضنها واسمع منها دعوة بصوتها الدافي.. امشي وسيبيني..انتي المراية اللي عايز اكسرها لأن بشوف فيها بشاعة صورتي.. احمي نفسك مني.. يمكن الاقي حاجة ترجعني تاني وتحببني في الحياة اللي كرهتها..وقتها يمكن اقدر اكون معاكي، لكن دلوقت صعب اكمل كده.. صعب ! 



+




أفرغ ما لديه وصعد الدرج ببطء كأنه يترنح.. والدته هناك.. سيتلمس بشوق فراشها.. سجادتها.. سبحتها.. مصحفها..حذائها.. جواربها الصوف.. فرشاة شعرها الفضي..وشاحها الطويل.. سيبحث عن نفسه في كل ما يخصها..ربما يجد بين طهارة ذكراياتها بعض الراحة والسلام لروحه.. هناك سيبكي..في تلك الغرفة المعبئة بغبار الفراق وقسوته سينهار.. ولا يريد أحدا أن يشهد لحظة انهياره.. أي أحد.. 



+





        


          



                


أما هي فمازالت تقف مذهولة..


لا تصدق انها سترحل عنه


قدميها تبتعد وروحها راسخة هنا جواره


تسير گ جثة لا تعي شيء حولها


لا تدري كيف استقلت السيارة التي احضرتهما وتحوي حقائبها وكانت تنتظرها بأمره. 


ابتعدت وعيناها ظلت معلقة بواجهة منزلها


حيث هو دونها.. لا تجرؤ على العودة لتتشبث بأنامله.. رائد لفظها من حياته.. لم يتقبلها كما هي..لم يتقبل الدمية المشوهة التي شكلها هو بيده..هي صنيعته ومع ذلك تخلى عنها، تركها ضائعة مثله، مشردة الروح..عالقة بين أحبال الذنوب تتأرجح فوق النيران..في لحظة ما ستنقطع الأحبال وتهوى في الجحيم.. جحيم تستحقه..!


______________



+




_ رودي جت يا ماما.. أختي جت هي ورحمة



+




لم تسعفها قوتها لتنهض.. لكن قلبها ركض إليها ركضًا.. ابنتها عادت.. أخيرا ستضمها وتشم رائحتها هي وحفيدتها..ولجت تيماء إليها بعين تائهة واقتربت من والدتها التي تلقفتها بين ذراعيها واعتصرتها بقوة، دماء الحياة لم تُضخ فيها إلا برؤيتها..



+




_ وحشتيني يا نور عيني وحشتيني.. دلوقت لو هموت خلاص مش مهم.. كنت خايفة ده يحصل قبل ما تتكحل عيوني بشوفتك انتي ورحمة.. 



+




وعلى ذكر الصغيرة ابتعدت عن تيماء وتلقفتها هي الأخرى وراحت تبكي.. لا تصدق انها تحمل حفيدتها اخيرا.. حلمها تحقق.. ربها استجاب دعوتها ألا تخطفها يد الموت قبل أن تراهما.. 



+




_ انتي تعبانة؟



+




همست تيماء وهي ترصد شحوب وجه والدتها الملحوظ، لتجيبها الاخيرة مبتسمة برضا: الحمد لله



+




"روحي واحمدي ربنا انها عايشة.. انا ادفع كل عمري بس امي ترجع واترمي تحت رجليها واحضنها و اسمع منها دعوة"



+




تردد بعقلها كلام زوجها..هل كان يعلم أن والدتها مريضة؟ فجأتها الإجابة: كتر خير رائد انه بعتك ليا.. عارفة ان كلامي معاه أخر مرة يمكن زعله وماتوقعتش يخليكي ترجعيلي بالسرعة دي.. عشان كده كتر خيره انه حس بيه، هو فين مجاش معاكي ليه عشان اشكره؟



+




"أنا مابقيتش متقبلك ولا متقبل حتى نفسي.. أنا قنبلة موقوتة مش هتنفجر غير فيكي انتي، هأذيكي قبل ما أذي نفسي"



+




عادت كلماته تخترق عقلها وتؤلمها..مازالت مقيدة بأثر فراقه، ليتها تستطع إعادة عقارب الساعة للوراء.. ليتها تأخذ فرصة لتصلح ما أفسدته.. لكن لا شيء يعود.. فات الآوان.. وگ سابقة من نوعها بينهما، دنت تيماء لتنغمس بصدر والدتها محيطة خصرها بذراعيها كأنها تختبيء من كل شيء، تستريح من كل ما أتعبها.. لتجود عليها الأم بعناق عاصف وهي تخفيها بصدرها بقوة وتبكي.. تأكدت أن ابنتها ليست بخير.. لكنها لن تتركها قبل أن تعيد السلام لروحها.. وترمم علاقتهما المشروخة منذ زمن..


_________



+




كان يظن انه سيجد راحته هناك في محرابها


لكنه ما أن شرع بابها وبصر مصحفها وسبحتها المعلقة علي حامل المصحف حتى انصعقت روحه گ من أصابه الرعد وابتعدت قدماه للوراء برهبة


كيف يدخل ويدنس غرفتها 


هو الزاني، العاصي


بأي حق يلوث طُهر فراشها 


بأي حق يلوث مسك ذكراها بعبق ذنوبه الذي يخنق روحه.. ابتعد للوراء وهبط الدرج سريعا ثم جلس على أخر درجاته يلهث وكأن أحدًا يطارده


ماذا يفعل؟


مع من يأنس الآن بعد أن دفع زوجته أن تبتعد ومعها صغيرته.. تلك البريئة التي يخاف لمسها هي الأخرى وكأن لعنة ستحل عليها لو لمسها.. وكم يعاني شوقه لضمها لكنه يستحق هذا العقاب القاسي..


فما أسوأ من أن تحرم ذراعي أب من احتواء جسد طفلته الوحيدة.. 



+





        


          



                


نكس رأسه يفكر بحاله


ظل على جلسته الصامتة ساعات كأنه مغيب فقد الشعور بالزمن حوله.. ثم ومضت عيناه بقسوة وهو ينهض كأنه شخص أخر.. شخص تلبسته روح غير روحه.. أو بالأحرى..تلحف بروحه القديمة.. الماجنة.. هاوية المعاصي مستهينة الخطايا


لما لا يعود رائد الأول قبل فقد الذاكرة؟


لما لا يعود لملذاته وعبثه وضلاله القديم؟


مادام الدنس يطارده ويلتصق به گ الغراء. فليواصل طريقه المدنس ويسكر حد الثمالة، وتتراقص أنامله على اجساد النساء گعهده، عله ينسي آلامه وتتخدر روحه بنشوة كاذبة! 


____________



+




منذ متى لم تسمع دقات قلبها وتقربها هذا القرب؟


أغمضت عيناها متلذذة بهذا العناق الذي اكتشفت كم تحتاجه.. تحتاح تلك الربتة الحانية على ظهرها.. تحتاج هذا التغلل من أنامل والدتها بين خصلات شعرها، تحتاج عطر تلك الأنفاس التي تلفح جانب وجهها.. أين كانت من هذا النعيم وتلك السكينة؟!



+




_ ليه يابنتي كنتي بعيدة عني.. ياما حاولت اقرب منك وصدتيني..


_ عشان اختارتي توقيت غلط.. كنت محتاجاكي أكتر وانا صغيرة.. كنت عايزاكي تحسي بيا وتحميني. 


_ أحميكي؟؟؟ من ايه؟ 



+




ابتعدت تطالعها مع قولها: من جوزك يا ماما.. 


قالت بذهول: جوزي؟! قصدك ايه؟ مد أيده عليكي؟



+




هزت رأسها بإيجاب وهي تعود لتختبيء بصدرها.. كأنها تخاف فراقه.. الآن أدركت حاجتها لهذا الصدر.. أدركت نعمة أن يكون لها أمًا..رائد محق حين دفعها أن تقترب من والدتها..


_ جاوبيني يا رودي.. منصور مد ايده عليكي؟


أومأت لها وهمست: كنت صغيرة مش فاكرة حتى كان عندي كام سنة.. لمسني لمسة مافهمتهاش وقتها.. بس لما اتكررت وابتديت اكبر فهمت انه بيتحرش بيا، خوفت منه وده سبب اني رفضت اجيلك بعد كده.. كرهت بيتك وكرهت اخواتي لأنهم ولاده.. ولأنهم أخدوكي مني .....



+




_ ياريتك صارحتيني يا بنتي، ماكنتش اعرف إن أذاه طالك..


_ كان المفروض تحسي بيا لوحدك وتفهميني وتعرفي ليه بعدت عنك


_اعرف ازاي من غير ما تقوليلي؟ لو عرفت كنت هحميكي..بس انتي سكتي وحملتيني ذنب اني ما فهمتش سكاتك..انتي رغبتك انيك تشوهي صورتي جواكي كانت اقوى من اي حاجة يا رودي..انتي اختارتي تبعدي وتبرري لنفسك اني أم مهملة وأنانية، بس مش هلومك يابنتي.. أنا نفسي سكت لما عرفت طباعه دي بعد فترة طويلة.. سكت عشان اعيش واربي اخواتك.. سكت عشان مايقولوش دي اطلقت مرتين.. سكت ومثلت اني مبسوطة ومتهنية عشان ابوكي ما يشمتش فيا.. سكت عشان حاجات كتير اوي.. بس انتي كان لازم ماتسكتيش.. لو عرفت كنت هعرف احميكي واخليكي جمبي. 



+




ثم تنهدت بحرقة قائلة: يلا اهو راح عند اللي خلقه هو اللي هيحاسبه. 



+




سادت بينهما الصمت وكلا منهما تتنعم بعناق الأخرى وتخاف تركها.. حتي همست تيماء ومازالت تستكين على صدرها: 


_ بس برضو انتي ماحبتنيش يا ماما؟ 



+




ردت عليها وهي تداعب شعرها بحنان: في أم ماتحبش بنتها؟ انتي اللي دايما كنتي بتوصلي كرهك ليا يا رودي.. أنا حاولت اقربلك كتير وانتي كنتي بتبعدي.. ولما قربتي مني كان بس عشان ترسمي صورة معينة ليكي في عيون رائد وأمه انك بنت لطيفة وبتحب مامتها.. وانا عملت نفسي مش فاهمة وفرحت بقربك ولو مؤقت واكتفيت اني جمبك.. رغم اعتراضي وقتها علي رائد بس لما لقيتك عايزاه سكت



+





        


          



                


انسحبت من بين ذراعيها وطالعتها: ظلمتيني لما سبتي بابا.. هو كمان ظلمني.. انتم الاتنين محدش فيكم فكر فيا وقت انفصالكم. 



+




_ يابنتي في أمور بنا انتي ماتعرفيهاش، ومش من حقك تحاسبينا عليها.. وانفصالنا مانفاش عننا صفتنا گ أب وأم ليكي..انا حاولت قد ما قدرت اقربلك بس في نفس الوقت كان عندي اخواتك الصغيرين اللي لازم اراعيهم.. وبما أن والدك دلوقت بين أيادي الله لازم اقول كلمة الحق اللي هيحاسبني عليها ربنا.. أبوكي وفرلك حياة مرفهة وسهلة.. فيلة طويلة عريضة فيها خدم تحت رجليكي ورهن إشارتك.. طلباتك كلها كانت مجابة.. كون انه مقدرش يكون عايش معاكي وفكر في نفسه واتجوز وعاش حياته.. دي بقى حاجة تانية.. مش كل الناس زي بعضها يا رودي.. في أب ممكن يضحي بكل شيء بس يربي ولاده ويفضل معاهم.. وفي العكس.. مايعرفش يعمل كده.. حتى أنا.. في غيري ممكن كانت تكتفي ببنتها. تربيها وتنسى نفسها وتحرم على روحها أي حق في الدنيا.. بس انا كمان بعترف اني ماكنتش بالزهد ده.. انا حبيت اعيش بشكل طبيعي واتجوز واجيب ولاد تانين.. كونك تشوفي تصرفنا ده ذنب.. فده اللي انتي كنتي عايزة تشوفيه.. ده اللي اقنعتي نفسك بيه طول السنين اللي فاتت اننا الاب والأم الوحشين اللي اهملوا بنتهم.. الصورة دي انتي اللي رسمتيها لحد ما صدقتيها.. انتي كان عندك "نعم" كتير اوي يا رودي واتبطرتي عليها يا بنتي.. ومش هنكر اني كان لازم افضل احاول معاكي بس انا افتكرتك كده هتكوني مرتاحة، واطمنت اما اتجوزتي.. قلت اهي بقي ليها راجل يحبها وتتسند عليه.. لكن الفترة اللي فاتت قلبي كان دايما مقبوض عليكي.. كنت حاسة انك مش بخير.. واحساسي طلع مظبوط.. 



+




ثم لثمت جبينها وجففت دموعها هاتفة بحنان: 


ومنتظرة تفتحي قلبك لأمك وتفضفضي.. احكيلي يا نور عيني مالك.. عرفيني مشكلتك ايه مع جوزك وليه هو مش معاكي وجيتي لوحدك..صديقني هساعدك قد ما هقدر بس اتكلمي! 



+




ظلت تيماء تنظر لها بنظرة جديدة.. كأنها تعيد اكتشافها بعد أن زال غبار الجفاء بينهما.. والدتها محقة.. هي التي رسمت صورة مآساوية لحياتها لتبرر قبحها لذاتها في المرآة..هي من غلب شرها الخير بجوفها.. هي لعنة كل من عرفتهم..لعنة الجميع حتى نفسها..لعنة يجب أن تُمحى للآبد..!


______________



+




وقف ينظر لبوابة الملهى الليلي وأضواء لافتته العريضة تتراقص بعينه الغائمة..ألن يدخل؟


هل يفكر بالتراجع؟


وإن تراجع وعاد حيث كان.. ماذا يفعل؟ 


الذكرايات تطارده وتسرق راحته وروحه


لا.. لن يتراجع، سيعبر لعالمه القديم 


ويثمل ثم يثمل حتى ينسي ضياعه.. 


ويغادر من هنا معلقًا بذراعيه فتاة ليل


تشاركه سهرة مدنسة مثلها ومثله


سيغوص بخرائطها وينسى من يكون. 


............ 


_ رائد باشا؟


مش معقول عاش من شافك..


ليه الغيبة دي كلها؟



+




رمق مدير الملهى بنظرة جامدة، ليواصل الأول ترحيبه بحفاوة لعودة زبون ثقيل كما كان يسميه: طلباتك الليلة دي كلها على حسابي احتفالا برجوعك يا باشا.. ثم غمزه بخبث هاتفا: وهبعتلك حاجة حلوة متشالة للحبايب، مش خسارة فيك! 



+




راقب ترحيب الرجل دون تفاعل واعتلي ذاك المقعد الدائري وهو مشوش الذهن وشارد.. حتي انتفض على لمسة أنامل جريئة تتحسس صدره وصوت أنثوي مغوي: الزعيم هنا؟ انا مش مصدقة نفسي اني شوفتك تاني يا زعيم.. والله من يوم ماغبت ما حد دخل دماغي وكيفني وملى عيني بعدك ياغالي



+




رفع عينه ليجد فتاة تكاد ملامحها الأصلية تختفي من كثرة أصباغ وجهها.. وذراعيها وكتفيها عاريان مرتدية فستان ضيق يكاد نسيجه يتفتق من عليها، ولا يستر منها غير القليل..رائحتها قوية فاضحة مثلها تماما جذبته إليها مع قولها وهي تلوك قطعة مطاطية في فمها: تعالى نكمل السهرة عندي عشان اعرف ارحب بيك بعيد عن الزحمة.. ثم ضحكت ضحكة رقيعة عالية وهي تجره خلفها كأنه طفل تائه عن أهله.. وكان كذلك.. ضائع.. لا يعي ما يحدث حتى عبرا خارج الملهى وقبل أن تُقحمه داخل السيارة.. فاق من حالته المغيبة ونظر لها باشمئزاز ودفعها عنه بقوة أذهلتها وهرول مبتعدا عنها وعن هذا العالم الرخيص العفن الذي لم يعد يصلح له.. لم يعد يصلح لشيء..أي شيء..سيظل شاردة لا مآوى له! 



+




وصل وهو يلهث لبقعة قرب ضفاف النيل وراح يتأمل المياه بعين شاخصة..كم تبدو مخيفة بظلمتها وغامضة.. ترى كيف يبدو جوفها في تلك الظُلمة الحالكة؟ ماذا لو أخترقها ليعلم؟


صعد كالمغيب على حافة السياج ووقف بتوازن..


متسائل في نفسه.. أي ظلمة أقسى؟


ظلمة روحه؟ أم ظلمة المياة الساكنة أسفله. 



+




سيغوص ليعلم. 


علها تزيل عنه الدنس الذي يلتصق به..


أو ربما يموت وتبتلعه تلك الظلمة..


ولن يشعر به أحدا.. 


بدت له الفكرة جذابة..


أغمض عينه وفرد ذراعيه في الهواء


ومال بجسده للأمام مستسلما لمصيره..


ويعلم أن الجنة ليست لأمثاله


ومثواه لن يكون سوى الجحيم! 


لكن لا يهم


هو يتلظى به في كل الأحوال.. 


فليذهب إليه طواعيةً.


استنشق أخر أنفاسه في هذا العالم. 



+




وبدأت رحلة السقوط! 



تكملة الرواية من هناااااااا 


تعليقات

التنقل السريع