القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السابع والثلاثون والثامن والثلاثون بقلم دفنا عمر

 


رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السابع والثلاثون والثامن والثلاثون بقلم دفنا عمر






رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السابع والثلاثون والثامن والثلاثون بقلم دفنا عمر





رواية حصنك الغائب


بقلم دفنا عمر


الفصل السابع والثلاثون


-------------------------------






عدني صغيري لو خذلتني من أنجبتك


أن تجمع بكفك الصغير أناملنا في عناق! 


............ .



+




_ أخيرا يازوما هتبدئي شغل في المزرعة؟


_ والله بلقيس انا لسه مترددة


_ معقولة؟ مش ده تخطيطك من وقت ماجيتي من أوكرانيا انك تشتغلي هناك مع عمو ادهم وباباكي وعابد؟


قالت بشرود: أيوة بس.. ! 


أدركت سبب ترددها فقالت باستفزاز مقصود: فهمت، ماتقدريش تواجهي الحقيقة معذورة! 



+




ضيقت عينيها بتحفز: حقيقة ايه؟



+




_ انك ضعيفة قصاد عابد يا زمزم..انتي بتدعي القوة لكن من جواكي خايفة من تأثيره! 


تمتمت بحدة: بلقيس لو سمحت.. انا مش ضعيفة قدام حد ولا خايفة من اي مواجهة! 


_ بس ترددك بيقول كده وإلا كنتي قبلتي تشتغلي بكل شجاعة بس.. 


قاطعتها: هو ده هدفك يعني؟ بتستفزيني عشان اقبل؟ ماشي يابلقيس ولو ان لعبتك مكشوفة بس هلعبها معاكي وهكشفلك انك غلطانة! 



+




ابتسمت بلقيس بانتصار لم تريد سواه الآن..قربها منه في عمل مشترك هو فرصة لن يهدرها عابد.. هي تثق في حبه لها.. والأيام ستثبت من سيصمد أمام الأخر..وكفته سترجح عن الأخرى.. عشق ابن العم وذكائه؟ أم عناد زمزم وغباء ظنونها..! 



+




" وانتي عاملة ايه في شغلك؟"


_ الحمد لله يا زمزم كله تمام..وكل أما اشوف فرحة بابا بيا بتلمع في عيونه وفخره وأنا بنقاشه في حاجة أحس إني بعمل الصح..وظافر كمان مشجعني ومبسوط أوي من الخطوة دي وبيدعمني بشكل كبير



+




_ الحمد لله ياحبيبتي.. ربنا يوفقك وتحققي لعمي أمله فيكي وتثبتي نفسك أكتر وأكتر


_ اللهم أمين.. وانتي كمان يا زوما.. ربنا يريح بالك ويرزقك اللي بتتمنيه وينور بصيرتك! 


همست بابتسامة يظللها الحزن: اللهم امين !


-----------------------


" مش هوصيك على الأستاذة " بسمة" يا عابد.. اهتم بيها لحد ما تفهم الشغل.. دي بنت ناس غاليين علينا! 



+




_ حاضر يا بابا ولا يهمك.. هي هتبدأ معانا امتى؟


_ بكره بإذن الله.. وعلى فكرة زمزم هي كمان هتنضم للمزرعة وهتدير الشغل معاك.. اهو كده يخف الحمل عنك شوية! 



+




انتفض قلبه غير مصدق انها ستفعلها وتوافق، حين أخبر العم محمد سرًا وادعى أنه يحتاج مساندة زمزم في إدارة المزرعة..توقع رفضها بنسبة تفوق قبولها بكثير.. لكنها وافقت.. ربما تكابر لتثبت انها تستطيع مواجهته..حسنًا.. فلتثبت وتكابر وتعاند كما تريد.. مهما فعلت..لن تنتصر عليه..معركته في استعادتها محسومة لصالحه!


--------------------------------------


أعرفك بالاستاذة بسمة متعينة جديد وبإذن الله تكون إضافة لمزرعتنا"



+




مشطت هيئتها بتقيم سريع من عين أنثى لمثيلتها، لتجدها على قدر وفير من الجمال، بشرتها الشقراء عيناها الفضية، وبعض خصلات هاربة من حجابها وشت بلونه الأسود..مع قدر من الرقة لا يسلم من تأثيره من يتعامل معها..! 



+






                


_ وانا يشرفني انضم ليكم يا باشمهندس.. ومرة تانية بشكرك انك بذوقك ولطفك خففت عليا رهبتي لأن اول مرة بشتغل وكنت مرتبكة وقلقانة! 



+




ابتسم لها وعين زمزم تتنقل بينهما بريبة وتفحص خفي: ماتقوليش كده، واي حاجة تحتاجيها أنا موجود، وواصل: 


والاستاذة زمزم هتكون مسؤلة عن الإدارة معايا وهتتابع شغلك! 


ابتسمت الأخيرة بمجاملة باردة: أكيد! 



+




ذهبت الفتاة والتفت عابد يرمقها بتمعن، فاعتراها بعض التوتر الذي أخفته وغمغمت: ممكن اعرف حضرتك بتبصلي كده ليه؟


خجاب ومازال يحاصرها: 


_ ماتوقعتش توافقي تشتغلي في المزرعة! 


_ ليه يعني؟ ده هدفي من البداية؟ 


تمتم ساخرا: قلت سعاتك مش هتحبي تشوفيني كتير.. بس بما إنك هتشاركيني الإدارة هتضطري تتحمليني حواليكي! 



+




هتفت بجمود: عابد.. ياريت ماتتكلمش في أمور بعيدة عن الشغل! 


رد بجدية تفوقها: 


عندك حق..عشان كده حابب الفت نظرك لحاجة.. انا هنا باشمهندس عابد..مش عابد.. ومابهزرش خالص في شغلي! 



+




رفعت أنفها بكبرياء وقالت: وأنا مش جاية العب معاك " كيلو بامية" يا باشمهندس..أنا جاية اشتغل! 



+




وتركته لينظر بأثرها وتعلو شفتيه ابتسامة مغمغما بخفوت: 


أهلا بيكي يابنت العم..!


----------------------------


"ممكن تفهمني خايف من ايه يا سيد عاصم؟"



+




غمغم بقلق واضح: 


_ يا دكتور منا قلت لحضرتك قبل كده.. ظافر خطب بنتي بناءً على اقتراحك للمساعدة في علاجها..يعني مش رغبته الحقيقية! 


_بس هو عمل كل حاجة تثبت عكس انه مجرد اقتراح مني نفذه بدافع الشفقة.. جه بأهله واشترى شبكة غالية وبشهادتك انت مهتم بيها جدا.. 


_كل ده جميل ومشكور عليه وحقيقي شهامته نادرة في الزمن ده بس ...



+




_ بس ايه؟


_ خايف.. خايف علي بنتي اللي كل يوم بتتعلق بيه أكتر.. خايف هو في لحظة يحس ان اللعبة لازم تنتهي ويسيبها.. ولو ده هيحصل يبقي الأفضل يحصل دلوقت قبل ما يكون الموضوع أصعب.. أنا مصدقت بلقيس بقيت كويسة واشتغلت معايا وبتواجهه الناس من غير خوف..!



+




_ طيب ليه بتسبق الأحداث.. وبعدين منين عرفت ان ظافر هسيب بنتك؟ 


_ أنا مقدرش اجزم بحاجة يا دكتور.. لكن كمان مقدرش اتجاهل قلقي وخوفي عليها من جرح يزلزلها تاني.. محتاج حاجة تطمني.. عشان كده عايز حضرتك تكلمه وتعرفه ان بلقيس نفسيا بقيت بخير وهتتحمل لو عايز ينهي اتفاقه معايا..! 


صمت الطبيب وحدجه بنظرة مبهمة ثم قال: الافضل انت اللي تكلمه يا سيد عاصم.. ده أصبح شأن خاص بينكم.. أنا مهمتي خلاص انتهت! 


واستطرد: بس نصيحة ليك ماتتسرعش وسيب الدنيا تمشي زي ما هي..في النهاية محدش هيستمر مع واحدة شفقة.. لو ظافر مش بيحب بنتك عمره ما كان فضل لحد دلوقت.. كان من بدري هيخلق ميت عذر عشان. ينهي اللعبة زي ما انت مسميها.. لكن اللي واضح قدامي انه حب بلقيس.. وبيتصرف بدافع حبه مش عطفه عليها..! 



+





        



          



                


صمت عاصم وذهنه مشتت وكلمات الطبيب تتشابه مع حديث زوجته.. هي الأخرى تتبني نفس وجهة النظر، لكن من يهديء هواجس قلبه أو يقنع أبوته أن الأمور مستقرة؟



+




عاد الطبيب يواصل: نصيحة كمان يا سيد عاصم، حذاري بلقيس تحس بحاجة من ظنونك..ولما يرجع من سفره كلمه.. وأنا واثق ان ظافر هيكون عند حسن ظني فيه!


---------------------------


_الفستان يهبل عليكي يا عطر.. آبيه لما يشوفك في الفرح هيتجنن! 


_ جوري انا مش عايزة اجنن حد ولافي دماغي خالص.. وبعدين ريحي نفسك أنا مهما عملت يزيد هيشوفني اخته.. فلو سمحت سيبني ملصمة نفسي كفاية من وقت ما كنت هعمل حادث وانا نفسيتي تعبانة! 



+




اقتربت منها وقالت بتعاطف: انتي حساسة اوي ياعطر ومضخمة الموضوع، ده وارد يحصل مع اي حد بيتعلم السواقة جديد..والحمد لله اخويا انقذك في اخر لحظة! 



+




شردت عينيها وهي تتذكر عناقه المباغت وهو يضمها بخوف ودقات قلبه تنتفض، هامسًا في اذنيها ليهدئها بحنان لم تتذوقه منه قبلًا..كأنه بتلك اللحظة خصها بإحساس فريد..وجديد.. وكعادته التي لا يفقدها.. يرفع أحلامها عنان السماء.. ثم يقذف بها لتصطدم بأرض واقعها القاسي ( كنت هعمل كده مع جوري عشان اطمنها..! ). تردد جملته بعقلها،


ستظل بعينه مثلها.. وعبثًا أن تتمسك بخيوط أمل لن تصل أطرافها لقلبه! 



+




_كل اما اتخيل ان كان ممكن يتآذي بسببي يا جوري اخاف واكره نفسي..أنا ممكن اتحمل انه يفضل شايفني اخته، لكن مقدرس اتصور ابدا ان يزيد يحصله مكروه وبعد الشر افقده! 



+




_بعد الشر عليكم انتم الاتنين، وعلى فكرة انتي غلطانة ياعطر، هفضل اقولهالك لحد ما يجي يوم وتقوليلي كان عندك حق يا جوري.. وواصلت: عموما يلا ننزل، عابد منتظر تحت عشان نروح القاعة، أمونة قربت توصل"


_ طب ماتخلي زمزم تيجي معانا تغير جو


_ أنا قولتلها فعلا.. بس قالت مالهاش مزاج.. حاسة انها مش مظبوطة الايام دي ياعطر.. حزينة كده ومهمومة! 


_ يمكن في حاجة مضايقاها.. بكرة نبقي تعدي عليها ونفرفشها شوية


_ اتفقنا.. يلا بينا..! 


----------------------------


_هتفضلي مكشرة كتير يا أمونة 


_ امال عايزني اعمل ايه بعد اللي قولته؟ انت تقريبا كسفتني قصاد ابن عمي وهو بيسلم. علينا


زفر بحنق: مش ده اللي كان خطيبك؟ لو شوفتي كان بيبصلك ازاي كنتي عذرتيني


_ احمد الموضوع انتهى وانت عارف وهو خلاص خطب وهيتجوز ولا ماشوفتش خطيبته معاه؟ 



+




_ أنا ماشوفتش غيرك انتي! 



+




قالها بدفء عزف على أوتار أنوثتها وأركد غضبها وهمست بلين: اضحك عليا.. انت حتى ماقولتش رأيك فيا وفي فستاني يا أحمد! 



+




تنهد وقال وهو يتأمل هيئتها بنظرة حانية:اتكلم ازاي وأنا متكتف.. لو باباكي وافق الخطوبة تكون كتب كتاب كنت عرفت اوصلك انبهاري بس اعمل ايه ماليش حيلة..!



+




ابتسمت لفهمها مقصده، فواصل:كل العيون عليكي.. قوليلي اخبيكي فين ياأمونتي.. أنا هموت من الغيرة! 



+





        


          



                


ضحكت بخجل ووجنتاها مشتعلة وغمغمت: كسفتني يا ميدو، ماكنتش اعرف انك بتعرف تقول الكلام الحلو ده


_ روح وقلب ميدو انتي..اللي يشوف الجمال ده لازم ينطق



+




ابتسمت وتشعر أن روحها محلقة في السماء..اخيرا عوضها الله بشاب مثل أحمد..به كل ما تمنته وأكثر..تعاهد نفسها أنها لن تدخر جهدا في إسعاده بكل الطرق! 



+




_ علي فكرة، يزيد شكله هيحصلنا قريب"


هتفت بحماس: بتتكلم جد؟ أبو الهول نطق؟


_ أيوة اخيرا.. بس لسه عطر ماتعرفش لكن طلبها من باباها


_ ياااه ماتتصورش فرحتني ازاي.. يزيد ده مافيش اطيب منه وغالي عندي اوي وبجد بعزه وبتمناله ال... 



+




قاطعها وهو يجز على أسنانه بحنق: أمونة! 


هتفت ببراءة: نعم.. مالك يا احمد بتبصلي بغيظ كده ليه


_ لأنك عمالة تمدحي في يزيد..ياريت يبقي في إحساس عندك شوية! 


قالت بدلال: بتغير عليا حتى من يزيد يا ميدو


_ واغير من ابويا يا قلب ميدو..! 


--------------------



+




_ ياسين، عابد لسه ما وصلش هو والبنات؟


_ كلمته من شوية وقال في الطريق، ثم وقعت عينه على باب القاعة وهتف ببساطة: أهو جه مع البنات هناك! 



+




التفت يزيد لترسوا حدقتيه على الفواحة وطلتها الآسرة..لما تحلو بعيناه كلما رآها..جمالها خلاب وردائها... ..



+




ضاقت عيناه وهو يمشطه بتركيز لينقلب اعجابه لحنق وهو يغمغم لنفسه بخفوت ساخط: ازاي تلبس فستان ضيق بالشكل ده؟ انا غلطان اني ما روحتش اجيبها بنفسي! 



+




اقترب ليتبين أصباغ وجهها المتناسقة مع فستانها الذهبي لتبدو أمامه أيقونة جمال وفتنة تعلقت بها عيون الكثيرين ليزداد حنق... وغيرة! 


...............



+




صافحها هي وشقيقته الذي مدح هيئتها متجاهلًا ثناءه على عطر بحنق نبع من غيرة عمياء لا يجد معها سبيلا..ولم تترك هي حقها.. تعمدت هي الأخرى تجاهله وهي تستأذن لتمر أمامه بعد أن منحته نظرة غير مبالية وتركته متجهة نحو زميلها الباشمهندس " حسام" لتحاكيه حتي تحرق أعصابه وترد له الصاع صاعين.. فراقبها ليجدها تبتسم وتضحك ولا ينقص إلا أن يراقصها ذاك المعتوه الذي سيلتهمها بعينيه إعجابًا ..وهنا فاض الكيل وحتمًا لن يقف متفرجًا عليهما ودمائه تحترق! 



+




أخذ نفسا عميقا جدا حتى تضخم صدره بالهواء ثم خطى إليها وجذبها من يدها كأنه يسحبها وهي تمشي بخطوات أقرب للركض وهي تهتف بغضب مكتوم:يزيد انت بتشدني كده ليه.. سبني مايصحش كده الناس بتبصلنا..! 



+




تجاهل ما تقول وما أن وصل بها لدورة المياة حتى أمرها بفظاظة ملوحا بيديه: اتفضلي ادخلي اغسلي وشك من الهباب اللي انتي حاطاه ده! 


اشتعل غضبها أكثر مفسرة طلبه انه رآها بشعة.. ولن تهتم لأمره او تطيعه، عقدت ساعديها بتحدي: مين قالك اني هنفذ كلامك؟ مكياحي عاجبني ومش شايفاه أوفر ومناسب لفرح في قاعة زي دي! 



+




جز على أسنانه: نفذي اللي بقوله ياعطر وبلاش عناد! 


_ يزيد.. أنا مش مجبرة انفذ أمرك مادام انا مش شايفة في نفسي حاجة زيادة.. بص للكل هتلاقيني زيي زيهم! 


_ جوري مش حاطة زيك! 



+





        


          



                


تدرك ان داخلها تعمد مضايقته وهي تضع تلك الأصباغ..أليست مثل شقيقته؟ فليدعها وشأنها إذًا..!


_ جوري حرة وانا كمان حرة، وعن إذنك هروح اسلم على أمونة واحمد! 



+




عاق طريقها قبل أن تغادر..واقحمها جبرًا لتدلف لدورة المياة، من حسن حظه انها خلت من فتايات أخريين..فتح صنبور المياة تحت أنظارها الذاهلة وراح يقذف وجهها بالماء مرات متتالية دون لمسها فشهقت وهي تحاول الاعتراض ولم تجد الفرصة وهو يعاجلها بدفعات الماء حتى تبلل صدر فستانها بالكامل! 



+




ثم تركها وعقد ذراعيه ووقف يطالعها ببرود! 



+




أما هي فظلت على ذهولها مما فعل ثم بصرت وجهها الذي تلطخت ألوانه وردائها وحجابها المبتل فبكت بقهر لفعلته بعد أن افسد هيئتها بالكامل..! فالتفتت لتهدرت لتصب عليه غضبها : 



+




_ انت ازاي تتعامل معايا بالشكل ده.. مين سمحلك تشدني كده زي البقرة وراك وتغرقني بالمية..هجيب منين فستان تاني دلوقت ووشي اللي اتبهدل ومكياجي اللي باظ.. حرام عليك اللي بتعمله فيا ده.. انت عايز مني ايه ماتسيبني في حالي أنا خلاص تعبت منك! 



+




شعر أنه تمادى لكن لن يظهر لها هذا.. هي تستحق بعد أن تعمدت مضايقته وعاندته.. دنى منها وقال : انا قولتلك بالذوق تمسحي مكياجك لكن انتي عاندتيني يبقي اتحملي اللي يحصل..وواصل محذرًا: وإياك ياعطر تزعقي وانتي بتكلميني تاني .. فاهمة..؟!



+




حدجته بنظرة مقهورة ثم شرعت بتنظف وجهها بمحرمة ورقية وما أن انتهت حتى غادرت محيطه وتجنبته باقي الحفل وكلما سألها أحدها عن ما حدث وبلل ردائها، تعللت ان صنبور المياة فسد وأغرقها.. وبعد قليل هاجمتها نوبة عطس شديدة فعلى ما يبدو أصابتها البرد..وهذا متوقع بعد حماقة من أسمته لوح الثلح معها..!


--------------------------------- 


برقت عيناها بفرحة فاقت لمعة الشبكة الذهبية الذي قدمها لها أحمد.. أناملها ترتجف وهي تستقبل خاتمه الرقيق.. عنقها ينادي طوقه مرحبًا بقيده طوال العمر.. صدح تصفيق الجميع حولهما بحماس جعلها تخجل..ولم تكن تلك نهاية ما في جعبة حبيبها.. الأضواء انحسرت بغتة إلا من بقعة دائرية تحوطه.. جذبها برفق لتجلس أمامه على الدرج المزين بأضاءة ملونة في القاعة.. وأمسك المايك وراح يشدوا لها وحدها.. عيناه تتلقف حدقتيها بعناق.. شفتيه تبثها كلمات ناعمة والموسيقى تعزف خلفهما ليصبحوا لمن يراهم لوحة متكاملة من الحب والرقة المغموسة بسعادة كلًا منهما مع صاحبه! 



+




((انتى لسه زي ما انتي قمر في عيني


احلى عُمر ده اللى كان بينك وبيني


واما تيجي في الكلام سيرتك بقول


دي حبيبتي الغالية دي بنت الأصول


مستحيل اقبل في حقك أي كلمة


انتي اعلى منهم فوق انتي نجمة


واللى بيسأل عليكي بقول دي نعمة


مستحيل اوصف جمالك مهما أقول))



+




لم تجد ما يعبر عن فرحتها سوى البكاء.. واحدى أمانيها تتحقق الآن.. حبيبها يخصها بأغنية.. يغني لها وحدها.. وكأن الكون خلى من سواهم..هي وهو..وفقط! 



+





        


          



                


_ دي دموع الفرح؟



+




_ همس بأذنيها لتجيبه بإيماءة هادئة مع صوت خافت: أيوة.. كنت بتمني في فرحي عريسي يغني ليا لوحدي! 


ومضت عيناه بحبه وقال: عارف.. سألت موني وعرفت نفسك في ايه! 


اتسعت عيناها دهشة.. هل اهتم لسعادتها بهذا القدر؟ أخبرته انها إمرآة يفرق معها التفاصيل الصغيرة.. وكأنه ينقش على جدار قلبها حبه لها بكلمات لن يمحوها الزمن.. مهما حدث بينهما لن تنسى انه منحها تلك اللحظات التي تساوي عمرًا لديها.. ولأنه عاشق كريم.. لن تكون هي أقل كرمًا منه! 


تحركت شفتيها بدافع مشاعرها وهمست لتمنحه اعترافها الأول: " بحبك يا أحمد" 



+




لم يتوقع أن ينال اعترافها الآن.. ظن انه سينتظر أكثر.. لكنها أهدته هي الأخرى ذكرى لن ينساها.. وگ رد فعل مجنون نهض وصاح للمدعوين بسعادة: قالتلي بحبك يا بشرررر..! 



+




اخفت وجهها بين كفيها من الخجل لفعلته فضحك وجعلها تنهض لتقف أمامه وهمس لها: مش كنا كتبنا الكتاب يابنت الناس.. كنت أخدت راحتي! 



+




نكزته بعتاب لانه اخجلها أمام الجميع.. وداخلها تمنت مثله أن يكون حلالها لتعانقه!


-------------------------------



+




الحفل قارب على الانتهاء وفشلت كل محاولاته ليحدثها ويلطف الأجواء معها مرة اخرى.. ولم يعد لديه سوى الاستعانة بأحدهم! 



+




" حاضر يا آبيه هعمل زي ما طلبت"


ذهبت تجاهها وهمست بأذنيها: عطر تعالي عايزاكي برة القاعة، تبعتها دون تباطؤ وقد راق لها الابتعاد عن ذاك الصخب.. تريد ان تبكي بعد فعلة يزيد لكنها تتماسك بكل قوتها حتى لا تنهار!



+




_ خير يا جوري عايزة ايه؟


_ أركبي بس عشان اللي هقوله مهم ومش هينفع واحنا واقفين


نظرت لسيارة يزيد وقالت بحدة: مش هركب هنا، تعالي نروح عربية اخويا احسن! 


_ يابنتي هي هتفرق؟ وبعدين. مفتاح يزيد اصلا شايله معايا في شنطتي.. هنتكلم ربع ساعة بس ونرجع للقاعة..يلا انجزي



+




زفرت بضيق واستقلت جوارها على مضض وهتفت بضجر: اتفضلي اتكلمي.. ولو إن كان ممكن تستني اما نجع البيت الدنيا مش طارت يعني! 


_ لا وانتي الصادقة أنا اللي هطير من جمبك.. سلام! 



+




وبسرعة البرق وجدت جوري تغادر ويزيد يحتل مقعد القيادة 


والسيارة تتحرك وتبتعد بهما تحت ذهولها التام وهي تطالعه ببلاهة ثم تستدير خلفها لترى تلك الماكرة تلوح لها بابتسامة استفزازية عائدة للقاعة من جديد..! 



+




أفاقت من صدمتها سريعا وصاحت بحنق: ممكن افهم ايه لعب العيال اللي بيحصل ده؟ 


رفع أكتافه ببرود وقال وبصره مصوب على الطريق: وانا مالي.. واحد راكب عربيته وبيسوقها..وانتي اللي ركبتي عربيتي بإرادتك..فين لعب العيال هنا؟



+




ضاقت عيناها وصاحت بغيظ: نزلني يا يزيد! 


_ أسف مش هنزل حد! 


_ بقولك نزلني احسلك بدال ما انط من العربية وهي ماشية


واصل استفزازه: براحتك مش همنعك!



+





        


          



                


حاولت بالفعل الفرار فوجدت باب السيارة موصد، فرمقته بغضب وظلت صامتة تنظر خارج النافذة بجبين مقطوب.. ثم فاجأتها " عطسة" فرمقها بقلق اختلط بتأنيب ضميره حين ايقن انه تسبب بإعيائها بنوبة برد، ناولها محرمة ورقية فآبت ان تلتقطها منه.. تفهم رفضها وبعد وقت قصير وصل لمكان هاديء يطل على النيل، فقال: انزلي ياعطر عايز اتكلم معاكي شوية! 



+




وغادر بالفعل مبتعدا.. فلبثت دقائق داخل السيارة تعاند الذهاب إليه ثم شعرت بالضجر، فنزلت واقتربت منه وصاحت: 


ممكن افهم انت عايز مني ايه بالظبط؟ مش ارتاحت لما خليتني فرجة للناس وانا ماشية وسطيهم بفستان وحجاب مبلول و... 



+




_ أسف! 



+




قاطعها بأسفه الصادق، فلم يشفع له عندها وواصلت بجمود: لو جايبني هنا عشان تعتذر.. من فضلك رجعني.. قبلت اعتذارك او لأ مش هيفرق معاك! 


_ لو زعلك مش فارق معايا ياعطر.. ايه تاني هيفرق؟



+




رمقته بنظرة عاتبة فاستطرد بنبرة أرق: كنتي جميلة اوي.. جمالك طير عقلي..! 



+




رمشت عيناها بارتباك لا تصدق..لتزداد وتيرة دهشتها مع اعترافه: عشان كده غيرت عليكي وخليتك تمسحي مكياجك.. بس بردو فضلتي زي ما انتي..جميلة! 



+




عيناها تنظر له بذهول، فواصل بقول أخر ما توقعته: 



+




_ أنا بحبك ياعطر..! 



+




توقف بصرها مصوبًا عليه دون إراده..عيناه التي ترى بها اشياء لم تبصرها من قبل.. يحب من؟ هي؟ هي عطر؟ 


تلفتت حولها بتيه علها تكتشف أنها تحيا حُلمًا.. علها تفيق الآن وتدرك انها لا ترى وقعا.. لكنه اكمل اعترافه بذات النبرة الخطيرة: بحبك من زمان.. بحبك وماكنتش فاهم نفسي.. صدقيني ياعطر.. أنا بجد بحبك.! 



+




لم تعد تراه.. دموعها تتكاثف بمقلتيها وتحجب وجهه، لكن ظل صوته يردد عليها: لازم تصدقيني..حبك مبقاش يقبل التردد او الشك..ولو كدبتيني هفضل احاول.. هفهمك بكل الطرق اني بحبك وانك حبيبتي..حقي فيكي مش هسيبه ولا هنساه..كل اما هتعاندي هتمسك بيكي اكتر.. قولي عني أناني.. قولي مغرور.. بس انتي ليا وحبيبتي مهما رفضتي تصدقي! ما تحاوليش تبعدي لأنك هتلاقي قلبي مقيدك جواه.. كل محاولاتك هتفشل.. وفري عليا وعليكي الوقت وآمني في اللحظة دي اني فعلا بحبك!


---------------------------



+




تفهم تخبطها ومحاولة هروبها من أمامه بعد استنكارها المذهول وهو يحاوطها بطوفان اعترافاته لها بحبه.. هرولت تستقل سيارة أجرة عبرت في الطريق، لم يمنعها واكتفى بمتابعتها بسيارته حتى وصلت لمنزلها وصعدت بأمان..وقف ينظر بأثرها وهو يعلم ان تقبلها لحقيقة مشاعره لن تأتي سريعا.. ستكذبه لكنه لن ييأس..لن ينضب صبره معها.. فواحته تستحق ان يحاول دون كلل..!



+




دوى رنين هاتفه وقاطع شروده فأجاب: أيوة يا جوري.. لا خلاص عطر وصلتها لبيتها.. انتي امشي مع عابد وياسين.. مع السلامة! 


اغلق مع شقيقته ونظر لشرفتها عله بلمح طيفها قبل أن يمضي.. لم يحظى به.. فغادر وداخله أطلق لنفسه الوعود.. قريبا لن يفصله عنها حدود أو جدران! 


-----------------------------



+





        


          



                


كلما كتبت جملة تعود وتمحوها وتغلق المحادثة.. ثم يساورها القلق ويُحرضها ان ترسلها له.. مجرد سؤال انساني عن حالة والده..بعد أن سمعت قدرًا من ياسين أن عامر لم يحضر الحفل لمرضه المفاجيء..ها هي تعود لتمحي ما كتبت.. أغلقت الهاتف.. تركته جانبها.. تحاول أن تغفو وتفشل.. ماذا فيها إن أرسلتها له..فلترسلها وتغلق هاتفها ولا ترد إن حدثها..وبعد تردد طال دقائق أخرى فعلتها.. ارسلت له دعوة صادقة بسرعة تعافى والده ..شعرت بخجل شديد بعدها وكأنها كانت مخدرة برغبتها.. لكن ماذا تفعل والحزن الإحباط سيطر عليها بعد أن تمنت داخلها ان تراه اليوم بخفل خطوبة أمونة.. بعد انقطاعه التام عن مراسلتها كما وعد..وفاءه بالبعد حتى تحين اللحظة المناسبة رفع قدره بعيناها.. الرجل كلمة.. إن قال.. فعل..وهو نفذ ما قاله!


تنهدت وهي تتقلب علي فراشها ثم تذكرت عطر وأخيها وطلبه ان تحضرها بالحيلة لتستقل سيارته.. كم سعيدة لأجله.. اخيرا يزيد يمضى في طريق سعادته بعد أن اكتشف عشقه لعطر..لمعة الحب والغيرة التي لمحتها بحدقتيه الليلة طمأنتها عليهما.. هانت يافواحة..أحلامك التي ظلت مخبأة سنوات خلف ستائر أحلامك، تطرق بابك الآن..تزيح كل الستائر بقوة لن تستطيعي تجاهلها او تكذيبها..! 


-----------------------------



+




_قوم نام شوية يا عامر زي اخوك، انا سهرانة معاه مش هنام


_ لا يا ماما ارتاحي انتي، انا مش تعبان! 


سحبت يده ووجهته لباب الغرفة برفق: 


اسمع الكلام يا حبيبي انت مانمتش من امبارح انت واخوك، روح أودتك ارتاح ومتخافش، حالته خلاص استقرت كتير عن الأول وأنا اهو جمبه ماتقلقش! 



+




عقله يرفض ان يترك أبيه لكن جسده يهفو لبعض الراحة والنوم ولو ساعة، تركها وولچ غرفته وارتمى على فراشه مسدلا جفنيه بإرهاق وصداع شديد يفتك برأسه..تذكر هاتفه 


فبحث عنه حتى وجده بالجوار.. وراح يتفقد رسائله ومكالماته الفائتة ليباغت برقمها الذي يحفظه گ حروف أسمه، فتح رسالتها بلهفة لتتسع ابتسامة حانية على شفتيه وهو يغمغم بخفوت: رقة قلبك مالهاش حل.. كأن حنان الدنيا كله ساكن جواكي لوحدك.. بحب حنيتك وبحبك يا جوري! 



+




قبل صورتها التي عينها خلفية لرقم هاتفها وتذكر وعده انه لن يحادثها إلا وهو له حق بها..ووفى بوعده هذا بشق الأنفس وهو يجاهد رغبته أن يرسل لها كلماته.. وجد من الذوق أن يرد على دعوتها بالمثل، فكتب لها ( رسالتك الرقيقة ودعوتك الحنينة عاملة زي النسمة اللي رفرفت على قلبي وهونت عليا حزني وتعبي.. ربنا مايحرمني منك.. شكرا يا ملاكي..)..انتظر وهو يطالع هاتفه علها تجيب، لكنها لم ترد.. واكتفى هو بما منحته أياه.. ترك الهاتف وأرخى جسده وعلى قسماته طغت ابسيامة هائمة بتواصلها القصير.. وعزم بأول فرصة بعد تعافي والده سيزور والدها ويطلب يدها كما وعد..! 


---------------------------


_ نمتي ياعطر؟


تظاهرت بالنوم لوالدتها التي غادرت غرفتها بالفعل، اعتدلت لتجلس نصف جلسه ونظراتها شاردة..مازالت تشعر بتخبط.. بعثرها يزيد باعترافه..لا تصدق إلى الآن ما حدث معها .. نزعت الغطاء عنها واتجهت لتقف أمام المرآة تتأمل وجهها..هل قال لها احبك؟ قالها أم تتوهم؟


ولو قالها هل هي ساذجة لتصدقه؟ يحبها؟ كيف ومتى؟!.. قلبه لم يسع يومًا غير ابنة عمه الجميلة..اما هي.. لا تمتلك داخله غير الشفقة..ربما وشت جوري بحبها له سرًا..ربما كشفها هو وأراد ان يعطف عليها ويمنحها اعتراف حب كاذب جبرا لخاطرها، ربما وضع علاقته بها بميزان العقل فقط ووجدها فتاة مناسبة وأراد بذلك تحقيق رغبة والدته ليتزوج، فاختارها گ ابنة خالته لا أكثر..والساذجة ستصدق وتوافق! 



+





        


          



                


أغمضت عينيها تستعيد وجهه وهو يصارحها بحبه المزعوم ودموعها بدأت تسيل على جانبي وجهها مغمغمة لذاتها بخفوت: ليه يا يزيد.. ليه بتشفق عليا.. شفقتك دبحتني..مستحيل اصدق كلامك.. مستحيل تكون بتحبني! 



+




" عطر طمنيني عليكي!"



+




ومض هاتفها برسالته، طالعتها بسكون وواصل هو سيل كلماته: عارف انك مش مستوعبة.. وانك بتكدبيني.. أنا فاهم حالتك كويس ومقدرها لأني فكرت في الخطوة دي كتير وحسمتها جوايا..مهما رفضتي تصدقي مش هيأس معاكي..انتي اللي ادخرت عمري عشانها ياعطر..و سعادة أيامي الجاية معاكي..هسيبك لحد ما تستوعبي لكن مش هصبر كتير.. مش لأني فقير الصبر..لأ.. لأني مش عايز اضيع وقت تاني وانتي بعيد..تصبحي على خير يا فواحة!



+




تلتهم كلماته بعينيها وتحاول استيعابها..تريد التصديق..لكن ماذا تفعل ومارد ظنونها يحاربه ويكبلها..يزيد يحبها هي؟!


اغمضت عيناها بقوة لتصد عنها سهام أفكارها القاتلة..ليتها تسقط في غفوة الآن.. هي نجاتها من براثن صراع عقلها المجهد! 


--------------------------



+




جانب أخر من شخصيته تختبره للمرة الأولى منذ أن عملت جواره تلك الفترة!..جديته ورزانته في التعامل عكس روحه المرحة التي عرفتها..سيطرته على جميع العاملين في المزرعة بقوة وحزم يمتزج باحترامه وتقديره لما يقدمون..لكن أمر وحيد أقلق مضجعها.. تباسطه نوعا معاه مع تلك الصغيرة فضية العينين " بسمة" أيقونة الرقة بشهادتها هي گ أنثى.. ربما تتفهم أن عابد يحتوي قلة خبرتها كما زعم أمامها ذات مرة.. لكن ما أوجسها وأذهب عن جفناها النوم حين سمعت قدرًا توصية العمة كريمة لعابد عليها..وسرد خِصالها الحميدة بشكل مبالغ به..ورغما عنها نغز قلبها الحزن وهي تتذكر حديثها الجارح انها أرملة لديها طفل ولا تليق بعروس لابنها..!



+




لم تشعر بتلك القطرات التي انحدرت من عيناها إلا وهي تزحف لجانب عنقها فجففتها وأحضرت صورة زوجها الراحل وراحت تتأمله.. فلم تجد سوى انعكاس ملامحها الباكيه عليه..لوهلة لم تتبين ملامحه وكأنها ما عادت تسكن إطار الصورة.. أين هو؟ لما تخلى عنها وتركها لضعف مشاعرها..عابد يفرض سيطرته بقوة على قلبها.. يغزوا روحها بكل أسلحته وهي أمامه گ خصم أعزل.. كيف تصد هجوم نظراته..همسه الدافيء حين يلقي عليها تحية الصباح كأنه يعانقها..تأمله الخاطف التي تتظاهر بتجاهله! كل شيء يفعله يهدم جدارنها العازلة حتى أصبحت لا تجد مخبأ يحميها منه إلا هو نفسه.. كل الطرق تؤدي إليه! 



+




_ صاحية يا زمزم؟



+




صوت والدتها مع طرقتها الهادئة انتشلها من شرودها، فأعادت صورة زوجها لمكانها وجففت عبراتها وقالت: اتفضلي يا ماما



+




دلفت تحمل بيديها صينية صغيرة يعلوها كوب حليب وبعض الفطائر وقالت بعد أن وضعتها بالجوار: لقيتك نمتي من غير عشا قلت اجيبلك حاجة خفيفة تاكليها مع كوباية لبن تسندك


ابتسمت بمحبة: تسلم ايدك يا حبيبتي.. بس انا مش جعانة! 


همست برجاء حاني: طب لو قولتلك تاكلي عشان خاطري؟


ردت بحنان: حاضر يا ماما هاكل عشانك! 


راحت تلوك بعضًا من فطائرها وهي ترتشف من الحليب الساخن وعبير تتأملها بشرود والقلق يطفو على قسماتها بقوة، فربتت زمزم علي كفها مغمغمة: أنا كويسة يا ماما متخافيش! 



+





        


          



                


همست عبير: يعني مرتاحة في الشغل مع عابد؟




_ الحمد لله! ومبسوطة جدا بجو الشغل.. انا كنت محتاجاه! 





تنهدت عبير ونكست رأسها بحزن أوجس زمزم فتسائلت وهي ترفع وجهها بأطراف أناملها: مالك يا ماما؟ كأن في شيء مزعلك، حصل حاجة؟!


رمقتها بصمت وشفتيها مطلقة بشدة.. تخاف أن تقص عليها ما علمت اليوم حين زارتها كريمة وبذلت هي قوة. جبارة كي لا تعبس في وجهها متذكرة عهدها مع زمزم ألا تتغير معها..! ربما لأن داخلها يلتمس لها عذرًا..تجربة كريمة مع يزيد وجرحه من ابنة عمه ربما ترك بها عقدة.. لذا رفضت فكرة ان يكرر عابد نفس القصة، خاصتا مع ظروف ابنتها گ أرملة لديها طفل..!


_ ماما ساكته ليه قلقتيني! 


اغتصبت ابتسامة زائفة وهي تنهض هروبًا: مافيش حاجة يا زوما اطمني.. انا بس كنت خايفة تكوني مش مبسوطة في الشغل وحبيت اطمن.. وواصلت: هسيبك بقى تنامي عشان بتصحي بدري.. تصبحي على خير..! 



+




همت بالرحيل فتركت زمزم فراشها وحالت دون خروجها وهتفت بحزم: قولي اللي عندك يا ماما لو سمحت.. وغلاوتي انا ومهند عندك ما تخبي عليا حاجة المفروض اعرفها..! 


أطرقت برأسها ثانيا واغرورقت عيناها تلك المرة فأرتجف قلب زمزم ولفحها تيار ظنونها وهتفت بقوة ظاهرية: اتكلمي يا ماما ومتخافيش عليا.. يمكن اللي هعرفه دلوقت يكون في مصلحتي مش ضدي! 



+




تردد عبير وهي تطالعها ثم همست بخفوت: كريمة زارتني انهاردة و... .


صمتت وظلت زمزم تترقبها وهو تعاود مستطردة: وقالتلي انها جابت عروسة لعابد اسمها بسمة وشغلتها معاه في المزرعة! 



+




تجمدت كتمثال لبرهة ثم شعرت أنها ترتعش والأرض تتلاشى أسفلها وهي تسقط فاقدة السيطرة تماما على قدميها..لتصرخ عبير وهي تتلقفها لتمنع سقوطها..لكن لم تكفي قوتها لتحميها من السقوط!


-----------------------


أوشك الملح الزائد أن يفسد الطعام الدي يحاول تحضيره في وقت قياسي مع المحافظة على جودته لينال فرصته بالفوز بالتحدي الجديد بين فريقه في البرنامج..مكالمته بالأمس مع العم عاصم أقلقته حين أخبره انه سيتحدث معه بشيء هام يخص بلقيس حين يعود.. ماذا حدث؟ وكيف سينتظر تلك المدة المتبقية على عودته ليتحدث معه ويطمئن؟ 



+




_ يا زلمة.. وين عئلك؟ 



+




انتبه لتحذير رفيقه فادي في نفس فريقه وأدرك انه كاد يفسد طعانه مرة أخري، فغمغم باعتدار ممتن: شكرا لتنبيهك يا فادي.. فعلا سرحت شوية! 



+




نفض كل أفكاره بقوة واستجلب كل تركيزه بما يفعل حتى لا يتسبب بخسارة وهو إلى الآن محافظًا على مستواه بين الجميع! 


..................... 



+




أخيرا انتهى يومه وانفرد بفراشه وظل يتقلب بأرق ليسقط بغفوة ويُسكت أفكاره وهواجسه.. وفشل بإسكاتها، قرر أن يستجيب لرغبته حتي لو انتصف الليل لا يهم..التقط هاتفه ليتصل برقم سيطر صاحبه على عقله طيلة الوقت! 


_ السلام عليكم ياعاصم بيه! 


بدا النعاس يغلف صوت الأخير وهو يجيبه: وعليكم السلام. ورحمة الله وبركاته يا ابني.. ايه خير ياظافر حصل حاجة؟ 


ثم نظر لساعته فوجدها تخطت التانية عشر دقائق، فغمغم: مش المفروض بتكون نايم دلوقت؟ 


_ المفروض.. بس مش عارف أنام


_ ليه يا ابني مالك تعبان؟


_ بالي مشغول ياعمي بعد كلامك ليا امبارح! 



+





        


          



                


تنهد وهو يستعد تركيزه ويفقد أثر النوم وقال: 


انا ماقصدتش اشغلك ابدا.. بس الكلام جاب بعضه وانا كل اللي قولته إن في نقط بنا هتتحدد لما ترجع


_ وقلت تحديدا في علاقتي ببلقيس.. صح؟


_ صح.. بس اظاهر اني اتسرعت.. كان لازم انتظر لما ترجع! 


_ وانا مش هقدر انتظر يا عاصم عشان افهم اللي بتفكر فيه بالظبط.. ارجوك تكلمني بصراحة وتطمني.. في حاجة حصلت مع بلقيس معرفهاش؟



+




نظر لزوجته الغافية وخاف إزعاجها فانتقل لمكان أخر وقال: اسمعني ياظافر.. أنا يا ابني مقدر شهامتك ومساعدتك لبنتي في محنتها طول الفترة اللي فاتت وانك كنت راجل ومقصرتش ولا ادخرت جهد انك تخليها تتعافى، ده معروف عمري ما هنساه لحد ما اموت.. وبما ان بلقيس الحمد لله بقيت افضل واستجمعت نفسها تاني واشتغلت وابتديت تعيش حياتها بشكل طبيعي فأنا... 



+




وصمت ثوانٍ واستأنف بعدها: أنا بعفيك من أي اتفاق بنا وبحررك من قيد خطوبتك لبنتي.. وكل اللي طالبه منك انك تنسحب من حياتها بشكل ما يأذيهاش زي ما وعدتني لما الطبيب طلب منك تقوم بالدور ده! 



+




كأنه غرز خنجرًا بقلبه الذي تألم وكاد يتآوه..لم يتصور ابدا أن يشغل تفكيره طريقة ارتباطه الأولى.. ظن أن نيته وصدق رغبته لا تحتاج توضيح وتأكيد.. لكنه كان مخطيء..ووجب عليه إعادة تشكيل الصورة له بشكل أدق وحاسم.. قطع صمته تساؤل عاصم: انت معايا ياظافر


همس الأخير: تسمحلي اتصل بحضرتك مكالمة فيديو؟



+




لم يجد غضاضة. بتلبيه طلبه، فأضاء الغرفة وحول المكالمة لاتصال فيديو، فطالعه نظرة ظافر القوية له وهو يقول: 



+




_تفتكر ياعمي كنت هكمل مع بلقيس الفترة دي كلها لو كان اللي جوايا ناحيتها مجرد شفقه وعطف؟ ازاي حضرتك بتفكر كده..؟


_ امال عايزني افكر ازاي ياظافر.. مش ممكن انسى ابدا انك اتجبرت تخطبها باقتراح من طبيبها.. من حقي اخاف على بنتي..أنا ماصدقت قدرت تلملم روحها وترجع زي ما كانت.. وانا كل يوم بشوف تعلقها بيك بخاف عليها أكتر.. عشان كده بقولك لو ناوي تسيبها يبقي دلوقتي أفصل بعدين! 



+




_ مش هسيبها لو على موتي..!



+




هدر بها بقوة واستأنف: بلقيس حته من روحي ازاي ابعد واتخلى عنها؟؟ وكون اني ما وضحتش موقفي قبل كده.. ده لأني كنت معتقد حضرتك شايف بنفسك انا بتعامل ازاي ومصدقني.. أنا لو ناوي اسيبها كنت عملت كده من زمان ياعاصم بيه.. لكن بالعكس.. كل يوم بقرب منها وبحبها أكتر.. بلقيس هي حياتي.. ولو هترتاح لو طلبتها منك تاني.. هطلبها تاني وعاشر ولحد ما تكتفي..المهم تطمن من ناحيتي! 



+




تلجم عاصم من حرارة مشاعره وانفاعالاته الصادقة تجاه بلقيس وراح يطالعه بعين ممتنة ومطمئنة.. وظافر يواصل:



+




خليك معايا دقيقة هوريك حاجة! 


وغاب بضع ثواني واحتل ثانيًا محيط الكاميرا التي سلطها علي فستان أنيق ورقيق والأخير يغمغم: من يومين شوفت الفستان ده في إحدى دور الأزياء المعروفة هنا.. وقفت أتأمله ولقيتني بتخيل بلقيس وهي لابساه وايدها في إيدي.. وكنت ناوي افاتح حضرتك في رغبتي اني أعقد قراني عليها اول ما ارجع.. وطلبت من والدتي تستعد لتجهيز الجناح اللي هعيش فيه أنا وبلقيس بعد جوازنا..لأن مافيش حاجة تخليني انتظر أكتر من كده.. قولي عايز دليل أكتر من كده ايه عشان تآمن اني بحب بنتك وعايزها انهاردة قبل بكره يا عاصم بيه؟؟؟؟



+





        


          



                


نكس الأخير رأسه ليسيطر على دموعه التي خانته.. الآن فقط اطمأن قلبه.. ظافر متمسك بابنته ويحبها حقًا وأكثر مما تصور..! 



+




_ أرفع راسك وكلمني وقولي ان خلاص مافيش قلق جواك.. قولي انك وافقت اننا نرتب لزواجنا مجرد ما ارجع.. صدقني انا مش هقدر اصبر علي بعدها أكتر من كده! 



+




مسح على وجهه بكفيه وأخذ نفسًا عميقا ثم زفره وغمغم بهدوء: قدر موقفي يا ابني أنا أب.. لو مش هخاف على بنتي الوحيدة.. أخاف على مين؟


تمتم بتفهم: فاهم ومقدر.. ومنتظر جوابك..اتمنى تريحني بموافقتك! 



+




ابتسم له وأردف: قبل ما اديك رأيي عايز منك وعد أخير يا ظافر واتمني تتعهد بتنفيذه! 


_ اتفضل.. ايه هو الوعد اللي هيطمنك؟



+




تردد قليلا ثم قال: الحادث بتاع بنتي للاسف كان أول تجاربها القاسية في الدنيا لما فكرت تبعد وتجرب مغامرة بسيطة وعادية، بس حصل اللي حصل.. اوعى في يوم تعايرها بيه.. أو تنسى ان بنتي كانت في النار ومع كده كانت قوية وقدرت تحمي نفسها.. اوعدني عمر ثقتك فيها ما تتهز ياظافر.. اوعدني تستوعب خوفها لو خافت في موقف معين بعد ما يجمعكم مصير واحد.. أوعدني عمرك ماتقسى عليها ولا تتخلى عنها وتكون سندها بعد ربنا وبعدي لما ربنا ياخد أمانته! 



+




كم رائع هذا الأب وكبر بعيناه الآن..استماته أن يحفظ كرامة ابنته ويأخذ كل الضمانات التي تصونها جعله يفتخر انه "سهره".. وزار خياله بتلك اللحظة إيلاف التي يضعها بمثابة الابنة وليست الشقيقة.. خوفه وحرصه عليها يشبه شعور السيد عاصم وأكثر..سيمنحه وعدا لن يخلفه ما حيا وبقى له من عمر..! 



+




_ أوعدك اني عمري ما هجرحها ولا قيمتها تقل في نظري ولا احملها فوق طاقتها.. أوعدك أكون ليها السند والعون وقت ما تحتاجني.. واكون ليها الزوج اللي يدللها.. والصديق اللي يفهمها.. والحبيب اللي يستوعب مخاوفها.. عهد بيني وبين ربنا مش بس معاك! 



4




الآن فقط يستطع أن يتنفس وهو مرتاح البال ومنشرح الصدر..قرة عينه ستحظى برجل يرقى لمرتبة الفرسان!


-----------------------



+




عاد لفراشه براحة مستعيدا روحه الضائعة وسط خوف الأيام الماضية.. لم تعد الظنون تحتل نفسه بعد حديث ظافر معه.. ووعده انها ستكون حبيبته ومدللته الغالية.. 



+




شعرت به يحتضنها ويغمس رأسها في صدره. فرفعت وجهها تطالعه من بين نومها: عاصم.. مالك انت كويس! 


_ عمري ما كنت كويس زي دلوقت.. الحمد لله يا دره انا خلاص اطمنت علي بنتي! 



+




استيقظ عقلها دفعة واحدة واعتدلت متسائلة بفضول: 


حصل ايه ياعاصم فهمني! 


قص عليها تفاصيل مكالمته مع ظافر حتى هتفت دره بعتاب: بردو عاصم عملت اللي في دماغك؟ منا قولتلك الولد بيحبها



+




_ ماكنتش هرتاح غير لما اسمعها منه يا دره.. الحب والعزم في عيونه عرفني قد ايه بيحب بنتي وهيحافظ عليها


_ الحمد لله ان بالك ارتاح يا عاصم.. وربنا يسعدهم ويفرحنا بيهم قريب


ابتسم هامسا: لهفته وانا بكلمه تخليني اقولك انه مش هيستني كتير على خطوة الجواز، ظافر فعلا مستعجل يتمم جوازه لما يرجع، ثم قال بتردد: بس تفتكري بلقيس نفسيا هتكون مستعدة للجواز دلوقت؟ طبعا انتي فاهمة قصدي ايه.. خايف اللي حصلها يكون عمل جواها عقدة و... ..


قاطعته بثقة: متخافش.. لما يبقي زوجها بيحبها كده.. هتتخطى معاه كل المخاوف.. ظافر هيقدر يحتويها بحبه وحنانه أنا واثقة ومطمنة عليها معاه


_ يابختك ياظافر.. حماتك بتحبك وتثق فيك! 


ضحكت بخفوت : طبعا مش هيبقى جوز بنتي.. يعني ابني.. انا عمري ما هنسي انه كان طوق نجاتها بعد ربنا..!



+





        


          



                


تنهد وهو يعيدها لصدره: ربنا يسعده ويسعدها..!



+




لم يمضي الكثير إلا وغاب بنوم عميق، فنظرت للراحة التي تعلو قسمات وجهه وعلمت كم قاسى من هواجسه الفترة الماضية.. دثرته بالغطاء وقبلت جبينه وهمست: ربنا ما يحرمنا من رعايتك وحنانك وخوفك علينا ابدا ياعشرة العمر! 


-------------------------------- 


يشتاقها حد الوجع.. خوفه بعد حديث أبيها وتلويحه بفراقهما وهو يظن ارتباطه بها مازالت تكسيه الشفقة والعطف جعل قلبه يخفق بشوق هائل لها..ولن يقدر على ردع هذا الشوق وتهدئته سوى سماع صوتها الآن..! 



+




رنين متواصل يصدح بسكون غرفتها وهي تتجاهله دون وعي، إلى ان اضطرت لفتح عيناها لتجيب بنعاس: ألو..! 



+




لم. تسمع سوى تنهيدة وأنفاس واضحة تشي بانفعال صاحبها فاعتدلت لتهمس بصوت يوهنه النعاس: ظافر؟ 



+




_ بحبك! 



+




تصلبت يدها حول الهاتف بعد قوله وعينيها متسعة بذهول! 


هل ما سمعته حقيقة؟ هل قال لها تلك الكلمة التي تهفو إليها منذ زمن؟! قالها حقًا ام تهيؤات خيالها تلعب بها؟



+




- بحبك يابلقيس! 



+




أعاد قولها عليها لينفي ظنونها ويؤكد مشاعره..


صوته شديد الدافء.. تكاد تسمع دقات قلبه الخافق يصلها عبر الهاتف الذي تحتضنه بأناملها كأنها تعانقه هو! 



+




ليسترسل بنفس النبرة المهلكة: 



+




_ عارف انك أول مرة تسمعيها مني وكنتي منتظراها.. بس لازم تعرفي ان قلبي كان بيقولها كل لحظة.. وسبب سكوتي اني لو قولتها وانتي قصاد عيني كان هيكون صعب اقاوم مشاعري وهاخدك في حضني واخبيكي بين دراعاتي عشان تسمعيها من قلبي..عشان كده صبرت وعاهدت نفسي على الصبر لحد ما تبقي مراتي وحبيبتي.. بس طلع الصبر بيعذب، وخلاص مش قادر.. كان لازم تسمعيها وتعرفي اني بحبك وانك اغلى عليا من روحي.. دايما هكون أمانك وسندك ومافيش حاجة في الدنيا ممكن تفرقنا يا بلقيس..!



+




وصله صوت بكاء مكتوم فواصل همسه: 


كده بردو تسمعيني بكاكي في لحظة زي دي؟


همست من بين دموعها: من زمان كان نفسي تقولهالي وساعات كنت بشك انك بتحبني وبخاف تكون واخدني شفقة عشان كنت مريضة.. بس كنت برجع اكدب احساسي! 



+




_ أوعي تاني تشكي اني بحبك.. حتي لو ماكنتش قولتها بلساني.. في مليون طريقة تأكدلك مشاعري.. أنا حبي أكبر بكتير من الكلام.. وفي يوم من الأيام هتفهمي ده! 



+




خفق قلبها بقوة أكبر وهمست: طب قولها تاني.. أنا خايفة اكون بحلم! 


_ بحبك.. بحبك ..بحبك! 



2




نكست رأسها تبكي بفرحة أكبر لا تعبر عنها سوى العبرات، فهمس بأذنيها: سمعيني كلمتك! 



+




صمتت تستجمع شجاعتها وتخمد خجلها لتمنحه اعتراف يستحقه الآن..اعتراف ما ادخرته إلا له وحده! 



+




_ بحبك..!


بحبك أكتر من روحي ياظافر..! 



+




----------------------



+




لم تأتي اليوم..وحين هاتفها ردت العمة عبير أنها نائمة.. قلبه مقبوض يشعر بسوء قادم.. غريزته تحذره من مكروه يخص زمزم..حدسه يستشعره بقوة.. ترك المزرعة وتوجه فورا إليها.. لن يطمئن له "بال" إلا حين. يراها بنفسه! 


------------------


_ صباح الخير يا طنط


فشلت عبير في مداره غضبها عليه، فهتفت بفتور: أهلا ياعابد


أدرك فتورها لكن لا يهم الآن، الأهم ان يطمئن على زمزم فغمغم: فين زمزم عايز اشوفها


_ نايمة! 


أجابته باقتضاب جعله يرتاب أكثر فهتف بتصميم: صحيها يا طنط لازم اشوفها دلوقت وابلغها حاجة مهمة! 



+





        


          



                


_ مافيش حاجة تستاهل اقلق راحة بنتي عشانها يا عابد.. قولتلك انها نايمة.. مهند سهرها طول الليل وقالت هتنام وانا مش هقدر اصحيها..! 



+




حاصرها بنظرة متشككة ثم أردف: ممكن افهم حضرتك بتكلميني كده ليه؟ وليه بتمنعيني اشوف زمزم؟


تنهدت وهي تحجم ضيقها حتى لا تفسد وعدها بألا يراها عابد الآن حتى تتوازن.. كست وجهها بهدوء مزيف وقالت: 


معلش ياعابد انا كمان مانمتش وفعلا متعصبة بشكل عام.. وزمزم ماصدقت نامت وحرام اصحيها دلوقت.. بكره هتشوفها في المزرعة ابقي احكي معاها براحتك! 



+




رغم ان نيران قلقه لم تهدٱ جذوتها، لكن ليس لديه حيله.. نظر لدرجات السلم التي تفصله عن أميرته..كم تمنى لو خالف كل الأعراف وتخطى العمة وصعد ليراها.. لكن بأي حق يفعل؟ 


أومأ بتسليم حزين: طيب فين عمي محمد؟


_ نزل القاهرة عند عمك عاصم وراجع بالليل، ومحمود خرج من الصبح ولسه مارجعش! 


أومأ ثانيا وحدجها بنظرة أخيرة وذهب والهم يتملك من قلبه لأنه لم يراها ومازال شعوره بالخطر يخنق صدره.. ولن يرتاح إلا بعد أن يطالعها أمامه.. وربما ينتظره يوم طويل لا يعرف كيف سيمضي بدونها!



+




---------------------



+




_عابد مشي يا ماما؟


_ أيوة يا حبيبتي مشي.. بس قلقان عليكي أوي.. أنا بجد مش قادرة افهمه.. لو شوفتي حزنه لما معرفش يشوفك كنتي تتلخبطي! منين قال كده عنك لأمه ومنين. زعل لمجرد انه ما شافكيش يوم؟ 


همست بجمود: ماتحطيش في بالك يا امي وتتعبي دماغك في تفسير.. كل حاجة واضحة! 


_لا يازمزم.. حاسة في حاجة غلط..تصرفات عابد ولهفته يشوفك ماتتفقش مع كلامه يابنتي.. ثم هتفت بتمني: مش يمكن انتي مافهمتيش كلامه مع امه صح يا زمزم و... .


قاطعتها: ماما عشان خاطري بلاش السيرة دي خلاص انتهينا.. وعموما طنط كريمة بتعمل الصح.. اختارتله بنت فعلا يستاهلها عابد وتليق بيه! 


_ طب وانتي؟ هتعملي ايه بعد كده؟ 


_ ولا حاجة.. هستني اللحظة المناسبة وهباركله من قلبي يا أمي.. عابد يستحق الخير



+




كسرة ابنتها جعلتها تنكس رأسها وتترك العنان لبكاءها الحارق، فاحتضنتها زمزم هامسة بقوة: يا ماما انا بخير والله ومتقبلة كل اقداري.. متخافيش عليا قولتلك عمري ما هقع.. أنا عندي ابني بعد ربنا هيقويني.. ادعيلي بس وكل حاجة هتبقى كويسة..!



+




هتفت عبير من وسط دموعها: انا نفسي اطمن عليكي يابنتي.. نفسي انتي كمان تتجوزي وتعوضي اللي فاتك! 



+




رغم ان الفكرة لا تُطرح داخلها لكنها كذبت لتطمأنها كذبا وقالت: أوعدك يا ماما لو ظهرلي فرصة مناسبة.. مش هقول لأ



+




تهلل وجه عبير وصاحت غير مصدقة: بجد يا زمزم؟ يعني لو جالك ابن حلال كويس هتوافقي! 



+




أومأت وداخلها يتمزق.. لأجل والدتها المسكينة.. ومن يعلم.. ربما حقا يحمل لها القدر بطياته فرصة أخرى.. من يدري!


--------------------


عبر الهاتف! 


_زمزم انتي فين.. قلقان عليكي لما ماجيتيش امبارح! 


_ انا بخير بس كنت مرهقة شوية.. وحبيت اعرفك اني مش جاية انهاردة كمان! 


_ ليه؟


_ حماتي تعبانة هازورها عشان كمان تشوف حفيدها


_ هتروحي مع مين؟


_ محمود.. وهنرجع بالليل! 



+





        


          



                


غمغم ولم يخفى عليها حزن صوته: ماشي يازمزم.. خدي بالك على نفسك! 



+




اغلق وقلبه مقبوض وصدره يضيق أكثر وأكثر..كان يظن عملها معه يقربها منه.. لكن حدث العكس.. زمزم تبعد.. ولن يقف مكتوف الأيدي.. سيعيدها ولو بالقوة.. لا مجال لفقدها حتى لو حاربها هي ذاتها.. ولن تنتهي تلك الحرب الا بفوزه بها..!


---------------------------



+




" تيتة.. بيبتي"



+




صاح الصغير مقلدًا تلقين زمزم له، فواصلت الأخيرة تلقينه برقة: شطور روح ماما، يلا قول كمان ..عمو ياسر حبيبي! 



+




" آمو ..بيبي"



+




ضحك ياسر وهو يتلقفه من بين ذراعي محمود هاتفا: ده انت اللي حبيب عمو يا هوندا.. وحشتنا خالص! 


محمود بمزاح: طب تصدق يا استاذ ياسر.. لسه مش بيقول أسمي لحد دلوقت مع اني خالوا.. والخال الوالد زي ما حضرتك عارف.. شكله مش مقتنع بيه! 


ضحكت والدة ياسر وهي تعود لتأخذ مهند مرة اخرى وقالت:


لا ياحبيبي أكيد مقتنع بس مش عارف يقوله.. ماهو ماقالش اسم ياسر..


محمود بعفوية: فعلا يا طنط هو اكتر أسامي بيقولها.. اسم ماما وعابد ابن عمي


طرق الحزن والحنين قلب زمزم فور ذكر أسمه، ونفضته عنها مردفة: بكرة يبقي زي البغبغان وتتمنوا يبطل رغي



+




زادت الجدة بضمته وهتفت: روح تيتة عمري ما همل من صوت ابن الغالي، إلهي يجعل حسه في الدنيا ويعيش ويتهنى واشوفه عريس! 



+




ياسر: اللهم امين، طب يلا ياجماعة عشان تتغدوا وترتاحوا من السفر عشان محضرلكم برنامج ترفيهي في اسكندرية ومش عايزين نضيع وقت..!


ابتسمت زمزم برضا لحفاوة أهل زوحها الراحل بها هي وشقيقها، فواصل ياسر: كنت عايز اطلب منكم طلب ..هو اصلا طلب ماما..! 


زمزم: اتفضل


_ عايزينكم تقضوا معانا يومين عشان نشبع من مهند شوية، وكمان تغير جو ليكم.. انتم عيشتوا اغلب عمركم في أوكرانيا واكيد ماجربتوش جو اسكندرية وبحرها وجمالها


والدة ياسر: أنا لولا صحتي بقيت على قدي كنت جيتلك كل شوية يا زمزم ..بس زي ما انتي شايفة.. وزي ما عرفتك قبل كده ياسر هيبات في الشقة اللي تحت ومعاه محمود، وانتي ومهند معايا هنا.. قلت ايه؟ 



+




تبادلت زمزم النظرات مع شقيقها الذي أومأ لها برضا، فهتفت: حاضر زي ما حضرتك عايزة! 


تهلل وجه الجدة وقالت: ربنا يسعد قلبك يا بنتي..وانا هخلي ياسر يعمل معاكم الواجب.. هتشوفوا اسكندرية علي حق.. 


_ ان شاء الله ياطنط! 


............... .



+




أفادها كثيرًا هواء البحر وسهرات المساء على شواطئه.. كما توطدت علاقتها أكثر بوالدة زياد.. كما لاحظت خفة ظل ياسر التي لم تلتفت لها من قبل واندماج محمود معه في الحديث، لكن ما استوقفها وحيرها حقًا عدم اندماج الصغير معه.. لم يلفظ اسمه قط.. لا يتتبع خطاه ويتعلق بأذياله كما يفعل مع عابد الذي يكفي أن يغيب ليسأل عنه ويظل يردد أسمه، حتى انه استطاع ربط صورته على الهاتف بسماع صوته..عندما راح يشير أمس للهاتف ويقول " آبد" كأنه يخبرها انه يريده.. تجاهلته وقلبها يتألم..هي تريد الهروب منه والصغير يجذبها إلى مداره بكل الطرق كأنه يسانده وبنصره عليها.. 



+





        


          



                


استأذن بالحديث معها علي انفراد، فابتعدت وهي تسير جواره فوق الرمال ببطء وعيناها تلتقط صغيرها وهو يلهو وسط محمود وجدته! 



+




_ عرفت من ماما انك اشتغلتي يا زمزم


اومأت له: فعلا، اشتغلت في مزرعتنا.. بابا وأعمامي شركاء فيها


_ هايل.. كويس ان والدك عمل حاجة للمستقبل وهو في الغربة


_ بابا كان دايما بيحضر نفسه للرجوع.. وانه فعلا يأمن حياتنا لما نستقر في مصر.. والحمد محمود كمان هيبدأ مشروعه الخاص والدنيا ماشية


_ بالتوفيق إن شاء الله 



+




ثم صمت يستجمع شجاعته ليعرض رغبته بأفضل طريقة ممكنة، قال: زمزم.. أنا كنت عايز اقول حاجة بس ... 


لاحظت تردده فشجعته قائلة: اتفضل يا استاذ ياسر انا سامعاك


فاض بما لديه دون تردد: أنا عايز اتجوزك يا زمزم



+




تسمرت قدميها بغتة مع تصريحه المفاجيء ولم تجرؤ على الالتفات له وظلت تراقب تلاطم الامواج أمامها، فواصل: 



+




انا عارف انك اتفاجأتي.. بس حابب واضحلك حاجة.. انا اخدت وقت كبير في التفكير بعد ما شوفتك وانجذبت ليكي.. فكرت بعقلي لقيتك تقريبا فيكي كل حاجة ممكن اتمناها في شريكة حياتي..ضيفي على كده رغبتي ان مهند يتربى في حضني لأني عمري ماهكون بالنسباله زوج ام..هيكون ابني اللي من صلبي.. لأن دمنا واحد وأنا أولى من غيري بتربيته ورعايته.. ده غير ان هحقق رغبة أمي ان حفيدها يعيش معاها.. وصدقيني يا زمزم لو وافقتي مش هخليكي تحتاجي حاجة ابدا.. كل طلباتك هنفذها قد ما اقدر..وأنا اتعمدت اكلمك في الموضوع ده في اخر يوم ليكم معانا عشان مايحصلش حساسية وتتوتري مني.. ودلوقت انا خلصت كلامي.. خدي كل وقتك في التفكير.. بس اتمنى توافقي عشان مصلحة مهند! 



+




ابتعد خطوتين تاركًا لها المجال لتتمالك شتاتها، فأوقفته دون أن تستدير إليه: استاذ ياسر..! 



+




اقترب منها ثانيا مجيبا: تحت امرك! 


هنا التفتت اليه بنظرة قوية وقالت: ممكن اسألك سؤال وتجاوب بأمانة! 


-اتفضلي


_ انت لسه ما اتجوزتش قبل كده.. وانا أرملة ومعايا طفل.. بصرف النظر اني أرملة أخوك.. ياترى بردو كنت هتفكر فيا؟



+




أطرق رأسه قليلا يفكر بصمت ثم رفع وجهه إليها متمتما: 


لو قولتلك ايوة هكون كداب وده عمره ماكان من صفاتي.. انا اقوى سبب بعد طبعا مواصفاتك الاساسية من اخلاق وجمال وعيلة.. انك ام مهند ابن اخويا.. وده خلاني اتغاضي عن النقطة دي.. لكن غير كده يمكن كنت اترددت! 



+




بقدر ما جُرحت من طريقة تفكيره التي تماثل تفكير العمة كريمة.. كبر قيمة بعيناها بعد صراحته.. هو يريدها كي لا يتربى ابن اخيه مع زوج ام..!


_ عايزة تسأليني في حاجة تاني؟


قاطعها بتساؤله، فهزت رأسها بشرود: لأ شكرا..! 


واستطردت بعين شاخصة: وأوعدك اني هفكر في عرضك بجدية واهتمام وهرد عليك!


---------------------



+




عقله سيطير من. رأسه منذ أبلغه محمود بمكوثهم يومان عند والدة زوجها الراحل.. ما الداعي لتظل هناك.. كان يكفيها يوم وتعود في أخره وتبيت بين جداران أبيها ليطمئن.. تنهد وقلبه يحترق غيرة.. لم ينسى نظرات ذاك الياسر لها.. تُرى ماذا يفعلان الآن؟ هل يتثامران.. يتهامسان.. يتبادلان الضحك..هل يلاعب الصغير مثله.. هل يتعلق به مهند كما متعلق به؟ تبًا لكي زمزم وتبا لقلبي! 



+




عابد! 



+




التفت بعد ندائها: نعم يا ماما


_ تعالي حبيبي عايزاك



+




هتف بعد ان دنى إليها: خير يا ماما


_ كنت عايزة اسألك عن بسمة


_ مالها بسمة؟


_ ايه رأيك فيها؟


_ رأيي من ناحية ايه؟


_ يعني.. كل حاجة.. جمالها أخلاقها.. طباعها


_ وده يهمني في ايه يا ماما؟


_ جاوبني بس وريح قلبي


صفق يديه وهو يحوقل بضجر: في ايه يا امي؟ مالي ان كانت جميلة او لأ.. انا يهمني شغلها وبس


_ يعني مش عاجباك؟


_ ماما.. خليكي صريحة.. في ايه؟


_بصراحة بقى البنت دي عجباني.. وشايفاها مناسبة ليك


_مناسبة ليا؟ قصدك... ..


أومأت لتؤكد ما التقطه بفراسته، فاشتعلت عيناه بغضب وهو يهتف بحدة: هو ده هدفك من الصبح؟ دلوقت بس فهمت ليه انتي وبابا كل يوم توصوني عليها.. وانا ولا فاهم حاجة! 


_ ودلوقت فهمت؟


_ ايوة.. وأسف يا ماما.. مش موافق على اقتراحك! 


عصفت عيناها بضيق وهدرت: ولحد امتى هتفضل كده؟ ها؟ لحد امتى؟ عايز تفضل تجري ورى مهند وأمه وتخدعني وتوهمني انك مش بتفكر فيها وأنت أصلا هتموت عليها؟



+




زفر بضيق شديد وهدر مثلها: ماما احنا انتهينا من الموضوع ده


_ لأ مش انتهينا ياعابد.. واسمع بقى انا مش هسيبك تعمل اللي في دماغك.. زمزم مش ليك يعني مش ليك.. 


_ لكن بسمة حلوة وتنفعني صح؟؟؟ مش ده تخطيطك؟



+




ارتفع صوته دون وعي منه بسخط فصمتت تطالعه بلوم، فاستعاد هدوئه وخجله وقبل رأسها بأسف: مش قصدي ازعق يا ماما أنا أسف.. بس كمان مش طفل هترسمي حياته..



+




ظلت على جمودها حتى هطلت دموعها وهي تطالعه وهتفت بخفوت ورجاء: نفسي اشوف ولادك.. كل اما بشوفك بتلاعب مهند بقول امتي تلاعب اللي من صلبك.. كل اما الاقي عبير بتضحك مع حفيدها تتمني ابقي زيها..



+




ثم انهار تماسكها وهي تبكي: ليه تحرموني من ولادكم؟



+




لم يتحمل بكائها فاحتضنها بقوة وهمس لها: ماتبكيش يا امي عشان خاطري.. وبعدين هما فين ولادنا دول عشان نحرمك منهم؟


رفعت وجهها ومازالت تبكي: ما انت واخوك مش عايزين تريحوني وتتجوزوا وتخلفوا.. هنفرح بيكم امتي؟ مستنيين لما نموت و... 



+




كمم فمها بأنامله وهتف بعتاب: بعد الشر عليكم يا أمي اوعي تقولي كده تاني.. ربنا يخليكم لينا



+




_ طب فرحني ووافق تخطب بسمة.. والله البنت هتعجبك وهتحبها.. دي نقاوة أمك حبيبتك..جرب بس واخطبها وشوف.. عشان خاطر ارضى عليك ياعابد



+




نظر لها بحيرة شديدة.. ما تريده يذبحه ذبحًا.. كيف يقترن بغير من يهواها قلبه.. وكيف يكسر خاطر والدته الحبيبة.. ماذا عساه بفاعل؟؟؟


-----------------------



+





                                    


الفصل الثامن والثلاثون


_____________


تدللي ياطفلة يزيد وأُنثاه..


القلبُ لكِ واحة


تجولي بها گ نسمات الربيع 


أنثري عطرك  وتخللي هواء صدري


تنقلي گ الفراشة وأصبغي ألوانك


على أيامي المعتمة لتضيء بنور محياكِ


. . . . . . . . .. 


تراقبه متعجبة وهو يقطع الفاكهة متجاهلًا حديثها الهام عن خطبته هو والفتاة التي انتقتها له! هل يستهين بما تقوله؟ بهذا الخاطر صاحت عليه بحدة: 



+




_ ايه اللي بتعمله ده ياعابد؟ للدرجة دي مش مهتم بكلامي؟احنا في ايه ولا في ايه يا ابني؟! ماتركز في اللي بقوله.. هتخطب بسمة ولا لٱ؟ 



+




لم يجيبها مواصلا تقطيع ثمرات الفراولة بتروي عجيب، فواصلت بإقناعه:  صدقني ياعابد البنت اللي اختارتهالك هتكون زوجة ممتازة وتليق بيك، صحيح مستواها المادي متواضع  بس انا يهمني اخلاقها وتعليمها وجمالها.. لو اخدتها هنرفعها لمستوانا وهتعيش معانا هنا في الجناح اللي فوق! 



+




انهي ما يفعل ثم مد يده بقطعة فراولة وقال:  اتفضلي يا ماما



+




بدأت أعصابها تنفلت وهو يتجاهل قولها فهدرت: 


جرالك ايه ياعابد.. فراولة ايه اللي بقالك ساعة بتقطعها؟ وبعدين انا عمري ما حبيتها.. ! 


_ بس دي من أرضنا..حاجة مضمونة وزارعها بإيدي! 


_ حتي لو كنت انت اللي زارعها..لو أكلتها هتأذيني وتهيج الحساسية عندي.. ولا نسيت؟! 


قال بهدوء غريب:  بس انا بحبها وضامنها وحاسس انها مش هتتعبك! 



+




جزت على أسنانها بنفاذ صبر: انت شكلك اتجننت على الأخر.. انت عايز تأذيني؟ ولا بتستهتر بكلامي معاك؟



+




ترك صحن الفاكهة جانبًا ثم نظر لها مليًا بغموض قبل أن يردف: 



+




وانتي ليه عايزة تأذيني يا أمي؟ ليه بتطبقي عليا المنطق اللي  انتي رفضتيه دلوقت؟ انتي مقدرتيش تاكلي حاجة مش بتحبيها وهتأذيكي.. فمابالك بواحد يتجوز واحدة ويعاشرها سنين عمره كله هو مش بيحبها لمجرد انها رغبتك انتي؟


بسمة او غيرها مش أكلة هقدر ابدلها حسب ما احب ومن غير ما احس بتأنيب ضمير.. دي انسانة هيكون ليها عليا حقوق وعليها ليها واجبات..لو مش بحبها عمري ما هقدر اسعدها او تسعدني، هو ده اللي انتي بتتمنيه ليه يا ماما؟ 



+




لم تجد رداً تدافع به بعد أن أخجلها بقوة رده ومنطقيته، ووضعها بصورة مماثلة ليصلها احساسه..!



+




استطرد بعتاب: انتي بتستغلي حبي ليكي عشان تجبريني امشي خطوة مش مقتنع بيها.. عايزة تتعسيني يا أمي! 



+




اغرورقت عيناها وهي تشير لصدرها باستنكار لاتهامه القاسي على أمومتها:  أنا يا عابد؟ أنا عايزة اتعسك يا ابني؟



+




_ أيوة يا ماما..للأسف بتعملي كده تحت مسمى انك عارفة مصلحتي.. بس ده مش حقيقي.. انا راجل اقدر اتحمل مسؤلية اي قرار او خطوة همشيها.. زوجتي دي هتكون من اختياري لأن انا اللي المفروض احبها مش انتي.. انا اللي ارتاح ليها مش انتي.. انا اللي لازم اقتنع بيها مش انتي.. انا اللي هعاشرها مش انتي"



+





نكست رأسها باستسلام ودموعها تسيل، فلم يتحمل، رفع وجهها وجفف بانامله دموعها وهمس برفق: أنا عارف إنك مش قاصدة كده.. بس دي الحقيقة.. أنا مش ممكن اتجوز بالطريقة دي يا أمي.. أرجوكي تسيبيني اختار براحتي..  وأوعدك اني مش هتجوز غير وانتي راضية عن اختياري! 



+




_ ولو مارضتش عن اختيارك؟



+




_أنا مراهن على قلبك يا أمي.. وواثق انه مش هيردني مكسور الخاطر..واستأنف بعد عن لثم جبينها:  اللي هتختارها هتكون الأفضل ليا بمقايسي أنا وواثق أنها هتسعدني.. واعتقد سعادتي هدفك الأساسي! 



+




أرجوكي يا ماما ماتحاوليش تاني تاخدي قرارت عني او تحطي قصادي اختيارات صعبة.. لأن مافيش مجال اختار بينك وبين حد.. انتي أعلي من أي كفة.. لأن مافيش ميزان هيقدر يقيم حبي ليكي وغلاوتك عندي! 


----------------------------------



+




كلما تصفحت صورها القديمة بعهد طفولتها، لا ترى بقسمات وجهها البريء سوى السخط..عبوس.. نظرة جامدة وشفاه مطبقة كأنها تكره تسجيل تلك اللحظات من عمرها بين إطار صورة تجمعها بأشقائها..تعلم انها ناقمة عليها گ أم وعلى أبيها رياض رحمه الله وسامحه.. تراهما المسؤلان عن وحدتها رغم أن الكلمات نضبت من حلقها وهي تترجاها ان تستقر معها وتعيش بين أشقائها.. لكنها ما أن كبرت قليلا حتى عزفت حتى عن زيارتها مكتفية بسؤال بارد من وقت لأخر.. أما رياض، فاكتفى بتوفير خادمة امينة ترعاها وأموال كثيرة تحت تصرفها لتعيش كما يحلو لها.. ورغم هذا لم تري بليل عيناها غير النقمة والقسوة..الفترة الوحيدة التي تعاملت معها بشكل حاني ودود.. حين خطبها رائد.. وكأنها كانت ترسم امامه علاقة مثالية كاذبة.. وما أن سافرت معه حتى شحت مرات اتصالاتها..وبعد انجابها حفيدتها الأولى "رحمة"..اكتفت بارسال صورها عبر الهاتف وعادت لتختفي ثانيا كما عهدتها دوما..بعيدة.. قاسية!..لكن هل تجرؤ على لومها ولو قليلا؟


لا..! 


هي لم تحصد منها سوى ما زرعته فيها.. تعترف أنها أهملتها  كثيرا خاصتًا في فترة مراهقتها الخطيرة وانغمست برعاية صغارها الأخرين..وأسكنت ضميرها انها طلبت أن تعيش معها وهي من رفضت.. ماذا تفعل أكثر.. الخادمة ترعاها.. وأموال كثيرة تحت تصرفها.. ماذا تحتاج فتاة مثلها من الحياه أكثر من تلك المنح؟ لا شيء! 


لكن بمرور الوقت أدركت انها لم تعطيها اهم شيء احتاجته صغيرتها.. الأمان والحنان والاهتمام..رودي اعتادت منها البعد وتأقلمت عليه حتى أصبحت علاقتهما باردة، جافة.. وازدادت بعد الغربة جفاء.. ليتها تعيد عقارب الزمن للوراء لتصلح أخطائها..ربما لم يتغير قرار انفصالها عن رياض.. لكن حتما كانت ستتمسك بها أكثر وتحاوطها برعاية وحنان اكبر.. لكن لا بكاء سيعيد صفاء اللبن بعد أن تعكر بياضه وانسكب أرضًا وأصبح مجرد قطرات ملوثة ابتلعتها الأرض وطُمست بطينها..! 



+




_ ليه اختي رودي مش بتسأل علينا يا ماما؟ أنا عايزة اشوف رحمة بقى شكلها ازاي دلوقت؟



+




طالعت صغيرتها ابنة الثانية عشر بحزن وهمست وهي تربت على كتفها: مشغولة ياحبيبتي.. رحمة لسه بيبي وواخدة كل وقتها.. بس انا هبعتلها رسالة دلوقت واقولها تبعت صور جديدة! 



+





        



          



                


ابتسمت الصغيرة بحماس وقالت: خليها تعملها فيديو يا ماما نشوف حركاتها بقيت ازاي.. دي وحشتني أوي! 


_ حاضر ياحبييتي هقولها..!



+




وضمتها لتقع عينيها قدرا على صورة رودي مرة اخرى وكأنها ترمقها بذات السخط..لتدور بها الذكرى ثانيا بطيات ما مضى! 


---------------------



+




تداعب طفلتها برقة مستلقية على فراشها ورائد يستعد للذهاب لعمله..!


_ أنا خلاص نازل يا رودي.. مش عايزة حاجة؟


_ لا ياحبيبي.. تعالى صبح علي رحمة عشان يومك يبقي جميل


اقترب وعينيه تضوي بحنان طاغي: 


وهو انا ممكن انزل من غير ما اصبح علي روح باباها.. وراح يلثمها ويداعب انفها بأنفه وهي تضحك ثم تركهما.. لتحاول رودي مع طفلتها كي تنام.. وتقوم هي بشئون منزلها سريعا..واخيرا غفت بوداعة على صدرها. فنقلتها بحذر لفراشها وهمت بمغادرة الغرفة حتي صدح رنين. رسالة لهاتفها، فالتقطته سريعا قبل من يزعج صغيرتها، وعبرت خارج الغرفة.. لتجد رسالة من رقم لا تعرفه..



+




ما أن تبينتها حتى جحظت عيناها برعب في كلمات الرسالة


وطيف ماضيها يرمي بظلاله السوداء على حروف خبيثة تهدد أمانها واستقرارها الذي تعيشه! 



+




" والله زمان يا.. تيمو "



+




---------------------------------



+




_ مالك ياعابد



+




زفر بضيق: انا تعبان يا يزيد.. مش قادر اتحمل الضغط النفسي اللي انا فيه.. ماما من ناحية، وغموض زمزم وبعدها عني.. اللي ختمتهم بزيارة لأهل جوزها الله يرحمه.. وفي الأخر الهانم بقالها يومين هناك! 



+




_ لوحدها؟ 


_ لأ.. مع محمود


- طب اهدي بس وروق.. مش قلنا الموضوع عايز صبر..!


_ لحد امتي وهي مش مدياني أي فرصة اكلمها.. بتهرب مني بكل الطرق ومش عارف اعمل ايه! 



+




_ طب روق وصلي على النبي.. إيه رأيك تيجي القاهرة تغير جو ونتكلم انا وانت ونشرك احمد معانا؟ ما انت عارفه حلال العقد العاطفية



+




_عليه الصلاة والسلام.. ماشي أنا فعلا محتاج افصل شوية، هفوت بكره عشان في حاجات مهمة في المزرعة، وهاجي بعده! 


_ اتفقنا ..وزي ما قلت أهدى وكله هيبقي تمام ماتقلقش! 


_ ماشي دعواتك لاخوك ياكبير"


_ ربنا يريح قلبك! 


----------------------------


عادت ولم يستطع منع نفسه من الذهاب ورؤيتها هي والصغير! لمحها هي ومحمود حاملا مهند قرب البوابة فدنى راميًا السلام فردوا تحيته التي القتها هي ببرود.. بينما تحمس الأخر وهو يصف له انبهاره! 



+




_ اسكندرية طلعت حلوة أوي ياعابد، بصراحة اتبسطنا وياسر كان طاير بينا هو ومامته! 



+




نهشت الغيرة قلبه وهو يتخيل كيف قضوا أوقاتهم هناك، لكنه أسدل قناع البرود وهو يجيبه متجاهلا النظر لزمزم متعمدا ردا علي برودها: طب كويس انكم اتبسطتم! 



+




محمود: جدا.. تعالي بقي اتفرج على صورنا أكيد هيعجبك صور لمهند عشان تاخدها.. وراح يستعرضها معه إلى أن وقفت حدقتي عابد على صورة تجمع ياسر وزمزم والأول ينظر لها بنظرة أعجاب أحرقت كل حقول تعقله وأوشك على تحطيم الهاتف لمحو صورتهما، لكنه اكتفى بتوجيه بنظرة لائمة وغاضبة صوبها وغادر مغمغمًا بكلمات مقتضبة لمحمود تحت أنظارها الجامدة في ظاهرة.. لكنه لا يعلم أنها تحترق مثله تمامًا..!


--------------------



+





        


          



                


حملت رشاش ماء صغير وشرعت بنثر ماءه فوق أوراق الريحان بزوايا شرفتها والشرود يُغرقها بطياته ولم تدري أنها فاضت على الأورق بأكثر من حاجتها.. ! 



+




_ صباح الخير يا باشمهندسة! 



+




التفتت لأبيها لتقابلها نظرته الحنون وابتسامته الصافية، فتركت ما بيدها ودنت وقبلت خده هاتفة:  صباح الخير يا قلب الباشمهندسة.. عامل ايه! 


_ الحمد لله ياحبيبتي.. كنتي سرحانة في ايه؟ انتي غرقتي الريحان وسقتيه بمية زيادة!  



+




_ فعلا سرحت في حاجة ورويت الزرع زيادة عن اللزوم! 



+




حدجها بنظرة ثاقبة..هو يعلم ما بها بعد أن استعان به يزيد ليدعمه عندها وأخبره بحديثهما يوم خطبة رفيقه وكيف صارحها انه يحبها ويريدها له.. وكم ازداد قيمة بعينه ولن يدخر جهدا كي يجمع ابنته برجل لا بتمني أفضل لوحيدته.



+




هتف بمراوغة: طب ماتحكيلي يمكن افيدك.. أبوكي عنده بردو شوية خبرة في الدنيا..! 



+




حدجته برهة ثم بدت وكأنها وجدت طوق نجاتها هاتفة: أنا فعلا عندي مشكلة تخص صاحبتي ياريت تقدر تفيدها برأيك!


_ جربي مش هتخسري حاجة! 



+




هتفت بعد تردد: هي ليها قريب وفجأة قالها انه بيحبها بس هي مش مصدقاه


_ وليه مش مصدقة؟


_لأنه كان بيحب غيرها من زمان.. وهي شاهدة قد ايه كان بيعشقها واتعذب لما حبيبته دي سابته.. وعمره ما حس بصاحبتي خالص.. يبقي ازاي فجأة يحس انه بيحبها؟



+




أجاب مبتسمًا: هي فعلا حاجة تحير.. بس عشان صاحبتك تفهم الاسباب لازم تعطي فرصة للشخص ده انه يفسرلها بنفسه.. يجوز عنده اللي يقنعها بيه انه فعلا بيحبها


_ بس هي متأكدة انه بيشفق عليها عشان حس انها بتحبه



+




ربت على كفها بود وهتف بثقة:  خديها مني نصحية أكيدة لصاحبتك.. محدش هيعمل كده شفقة لأنه مش مجبر.. وبعدين من كلامك واضح ان تجربة حبيبها مع حبيبته الأولى كانت سيئة.. مافيهاش حب متبادل وخالية من الوفاق..! 



+




همست بذبذبة معذبة ولمعة عينيها الدامعة كادت تكشفها:  ومع كده هي متأكدة انه لسه بيحب حبيبته الأولى! 


_ منين جابت التأكيد؟



+




استدارت عنه تطالع الأفق بشرود هامسة: الحب الأول يا بابا مابيتنسيش.. خصوصا انها لو قارنت جمالها بجمال حبيبته هتخسر..! 



+




أدارها إليه برفق، فأسدلت على وجهها قناع سريع يخفي تأثرها الحزين وتوترت من نظرة أبيها الكاشفة لها بصمت.. قبل أن يقول:  الجمال لوحده عمره مايعمر بيت ولا يسعد قلب ولا يروي روح ويبني علاقة ناجحة..  فيه أمور كتير الراجل بيحتاجها ياعطر وأنا هنا بكلمك بلسان الراجل بشكل عام.. لو انا مثلا في شبابي حبيت واحده جميلة.. بس معايا باردة مش مقدراني.. مش محسساني اني رقم واحد في حياتها.. بتبخل عليا بحنانها.. بتهمل مشاعري.. بديها كل حاجة حلوة عندي ومش باخد منها غير ألم وحزن.. إزاي هفضل أحبها؟ دي علاقة ميتة يابنتي مستحيل تعيش..وساعتها من حقي ادور على سعادة قلبي مع غيرها.. واللحظة اللي هلاقي فيها البنت اللي تعطيني زي ما هعطيها.. هي دي بس اللي هتكون حب العمر الحقيقي واللي قبلها ده وهم اتعاش..!



+





        


          



                


غزت عيناها الحيرة وكلماته تُجدي بثمارها داخل نفسها.. ربما هي حقا تظلم يزيد..ربما شعر أخيرا انها سعادته الحقيقية؟ ربما استجاب الله دعوتها أن يرمي نبتة حبها في قلبه!   تنهدت ومالت برأسها على كتف أبيها تتلمس منه قوة فضمها ولثم شعرها مغمغما بدفء جعلها تسترخي أكثر :  



+




انصحي صاحبتك وقوليها ماتضيعش حب حقيقي مستنيها.. خليها تحافظ على حقها فيه وماتسيبهوش يضيع! 



+




رفعت رأسها إليه وعلى قسماتها الدهشه متسائلة بحدقتين ضيقتين: حقها فيه؟ 


_ طبعا.. مادم هي بتحبه وهو اختارها هي.. ليه تسيبه.. المفروض تتمسك بيه وتثبت انه اما أختارها تشاركه حياته كان عنده حق.. خليها تجرب أو على الأقل تحطه في اختبار انه يثبت حبه.. وبعدها تقرر..! 



+




أطرقت رأسها دون حديث.. فرفع ذقنها إليه برفق وقال: 


أوعديني انك تقنعي صاحبتك بكلامي! 


أومأت بتيه:  أوعدك! 


ربت على ظهرها وقال:  طب يلا تعالي نفطر في الجنينة سوا.. وأنا اللي هأكلك بإيدي انهاردة



+




ابتسمت له بعاطفة واضحة وهمست:  تفتكر يا بابا ممكن حد يحبني ويدلعني اكتر منك! 



+




_ لأ طبعا.. حتي لو اتجوزتي وخلفتي هفضل ادلعك واحبك.. الولد جوزك مش هياخد مكاني ابدا..! 



+




ضحكت برقة وعاد إليها مرحها: ومين يقدر ينافس ناجي في قلبي ولا ياخد مكانه؟! 


----------------------------------



+




_بتقولي ياسر طلب ايدك؟


أجابت بجمود: ايوه يا ماما


_وانتي رايك ايه؟


_بفكر


هتفت باستنكار: 


_نعم؟ بتفكري؟ ازاي؟ ده عايزك عشان مهند 


مش ده كلامك يا زمزم؟!


تنهدت بحسرة اعتصرتها: هو ماقالش كده بصراحة ياماما لكن ده اللي حسيته منه! 


عبير: ومع كده بتفكري توافقي؟ المفروص ولو بالكدب كان حاسسك انه راغب فيكي لنفسك قبل أي حاجة.. بس واضح انه معندوش ذوق.. معرفش ازاي ده أخو جوزك الله يرحمه! 



+




بدت أمامها كيان بائس، محطم، لا تبالي بشيء، سلمت روحها للرياح للاستسلام خانعة.. كل الأمور تشابهت بعينيها.. صوتها بارد گ الثلج رغم قلبها المتجمر بالقهر لنظرة مجتمع يدينها بما ليس لها فيه ذنب.. نظرة مثلتها كريمة والدة من وقعت بشراك حبه گ الساذجة! 



+




_ ده ماينفعكيش يا بنتي! 


_ وليه يا ماما؟! مش يمكن سعادتي مع ياسر؟ هو انا عايزة ايه غير انه يكون أب لأبني يخاف عليه ويحبه! 


_ وانتي؟ مين هيحبك؟ مش من حقك تدوري على الحب؟


ابتسمت بسخرية مريرة وشيب روحها يطغى على صباها وهي تقول:  ما خلاص جربنا وحبينا واتحبينا.. حصل ايه يعني.. اديني في الأخر مجرد أرملة..وكيان معيوب  في عيون الناس.. وما استاهلش غير الفتات!



+




صمتت عبير تطالعها بحزن لنبرة اليأس الذي تملكتها وشعرت أن روحها تحتاج صفعة صحوة تفيقها من وهن استسلامها..فأدارتها إليها وهتفت بحزم: 



+




اسمعي مني الكلمتين. دول يا زمزم وافهميهم كويس! 


الجواز مش لعبه ولا قرار يتاخد في لحظة يأس و تخبط وحزن..الجواز عشرة سنين على الحلوة والمرة،


ايام ومواقف هتعيشيها مع شخص لو مافيش بينكم حب مش هتتحملي..هتبقي زي الطفلة المحرومة من الحنان.. 


صحيح ياسر هو عم مهند بس ده مش معناه انك تتجوزيه وتضحي بسعادتك..!


_ سعادتي انتهت بموت زياد يا ماما..! 



+





        


          



                


- لا يا بنتي سعادتك لسه في ايدك وبقرار منك ..شيلي بس ظنونك اللي من غير اساس وقيمي موقف عابد بشكل تاني..انتي لو شوفتي نظراته ليكي هتفهمي انه بيحبك بجد ومستحيل يكون بيخدعك..حرام تحكمي عليه من غير ما تعرفي اسبابه.. كده بتظلمي نفسك قبله.. حتى مهند بتظلميه لأنه بيحبه وبيعتبره أبوه! 



+




صمتت ثانيا واستطردت:  ماتضيعيش عابد منك يا زمزم.. ده حب حقيقي الزمن بيعوضك بيه عن زياد.. أوعي ترفسي النعمة يابنتي لأنك وقتها هتندمي بعد فوات الأوان.. عابد يستاهل تعيدي حساباتك تاني.. يستاهل مجازفة انك تحاولي تفهمي من غير ما تجرحي كرامتك.. اسمعي مني لأني شايفة اللي انتي مش شايفاه! 



+




بعثرة.. تشتت.. خوف.. حزن.. جميعها مشاعر اجتمعت داخلها وأصابتها بالضياع.. ماذا تفعل؟ لو سلمت لدفة القلب لركضت إليه دون البحث عن حتى تفسير.. يكفي ان تكون معه.. ولو سلمت للعقل ستركض بعيدا عنه ولن تختلف وقتها ذراعين ياسر عن غيره.. الكل سيصبح لديها سواء..!


----------------------------



+




_أخبارك ايه مع عطر؟ لسه ما ظبطش الدنيا معاها؟



+




تنهد أسفًا: أبدًا يا احمد.. ببعتلها رسايل مش بترد، ولما نزلت المنصورة حاولت اشوفها معرفتش! 


_ معلش ده متوقع ومنطقي.. لازم تتلخبط شوية وكمان صعب تصدقك بسهولة بعد ما شهدت على حبك أيام بلقيس..  


_ عارف، عشان كده مستوعب خوفها ومقدر استنكارها وكل مشاعرها المتلخبطة من وقت ما صارحتها..توقعت رفضها ومتفاجئتش منه..!


واستطرد بنبرة وشت عن عذابه: بس اللي حقيقي معملتش حسابه هو شوقي ليها.. لهفتي إني اشوفها وانها تصدقني عشان اقرب منها اكتر.. قبل ما اصارحها كنت قادر اصبر.. لكن دلوقت حاسس اني بتقلب في نار الانتظار.. عايزها تستوعب بسرعة.. انا محتاجها اوي.. عايز اعوض معاها اللي فات..واعوضها هي كل لحظة حبتني وانا ماكنتش حاسس بيها..! 



+




رمقه بتعاطف وربت على كتفه:  هيحصل يا يزيد متخافش.. هانت.. احنا كنا فين وبقينا فين.. هي بس مسألة وقت.. وانت المفروض تستغل انتظارك انك تفكر هتعمل ايه عشان تقنعها.. انت محتاج تعمل حاجة فيها شوية تهورة وجنان عشان توصلها احساسك.. محتاح دليل يخليها تصدقك! 



+




_ فاهمك.. عارف ان في حالتي مش كفاية اروح اطلبها من باباها واجيبلها شبكة وفستان.. وده اللي بفكر فيه.. وفعلا عندي فكرة معينة.. بس انا محتاح الأول اشوفها واكلمها، وهي بتتداري مني! 



+




ساد الصمت برهة ثم فرقع أحمد إصبعه بحماس:  لقيتها..! 


_ لقيت ايه؟


_ الفكرة اللي هتخليك تكلم عطر براحتك 


_ايه هي يا احمد قول بسرعة


_ هقولك.. شوف يا سيدي! 


-----------------------------------------


انا مش مرتاح لياسر ده يا عبير..زياد الله يرحمه كان مختلف عنه كتير.. معرفش ليه بحس أخوه ده عيونه خبيثة! 


تنهدت مع قولها: ولا انا يامحمد..وزمزم مابتحبوش هي كل تفكيرها انه ممكن يكون مناسب لمهند وبس.. لكن مابتفكرش في سعادتها خالص وكأنها زاهدة في الدنيا ..! 


_وده غلط، لو هي مش مبسوطة ابنها نفسه هيكون تعيس لما يكبر ويشهد تعاستها.. فهميها ياعبير انتي أمها وهتوصلي الصورة أوضح مني..انتي عارفة انا عمري ما فرضت عليها شيء هي او اخوها.. بس الموضوع ده تاعبني ومش مرتاحله!



+





        


          



                


أومأت وهمست بغموض: ماتقلقش.. يمكن تحصل حاجة محدش فينا متوقعها وتقلب الموازين! 


-------------------------


_ عطر.. خدي ياحبيبتي يزيد عايزك على التليفون



+




تسارعت دقات قلبها توترًا ومدت يدها والتقطت هاتف والدتها وظلت بضع ثونٍ تعجز عن قول شيء.. ثم تماسكت وأخذت نفسا عميقا وهمست:  ألو..! 



+




لم يصلها رده.. شعرت فقط بأنفاسه عبر الأثير.. ولو رآته للمست شوقه وعيناه المسدلة تحتبس بمخيلته صورتها مع صوتها تلك اللحظة..عادت تهتف بعد أن طال صمته: يزيد؟



+




فتح عينيه واتسعت ابتسامته الناعمة ثم نفض تأثره وحاول أن يحدثها بنبرة جادة لا تخجلها:  ازيك يا باشمهندسة! 


تجرعت ريقها بارتباك وقالت:  الحمد لله! 


_ انا عارف انك مش حابة تكلميني دلوقت.. بس كان لازم تعرفي إن التصميم بتاعك لما دخل حيز التنفيذ ظهر فيه عيوب، العميل عايز يعدلها..وبما انك صاحبته ماينفعش غيرك يعدله.. ده حقك. لوحدك!  



+




استطاع تخفيف توترها بعد أن وجه تركيزها على ما قال فهتفت بتساؤل:  ازاي؟ انت قلت ان التصميم عجبه جدا وماذكرتش انه فيه عيوب.. يعني انا فشلت فيه؟


لمس إحباطها فأسرع يبثها ثقته:  بالعكس ياعطر تصميمك ممتاز.. ومش معني انه عايز تعديل انه سيء.. ده وارد لما بينتقل الشغل من على الورق لأرض الواقع ممكن العميل يحتاج حاجات بسيطة تناسب المكان اللي هيطبق عليه التصميم.. انتي ببساطة هتيجي القاهرة تقابليه وتتناقشيه معاه وتعدليه في مكتبك براحتك..!


وواصل : ولا مش وحشك مكتبك في الشركة؟



+




_ أكيد وحشني..!


_ خلاص انا هاجي المنصورة بكره ممكن ترجعي معايا و… 


قاطعته:  لأ.. قصدي ماتتعبش نفسك أنا هنزل القاهرة مع ياسين! 



+




تفهم خجلها منه فغمغم برفق:  خلاص زي ماتحبي! 



+




وساد بعض الصمت قطعه بهمسته الحانية:  وحشتيني! 



+




اعتصرت هاتفها بين أناملها تتلمس منه قوة وهي تغمض عيناها تأثرا بنبرته المستحدثة بدفئها الطاغي، فاستطرد: 



+




عطر.. أنا مقدر ارتباكك واستنكارك وصابر لحد ما تجمعي شتات نفسك تاني وتديني فرصة اتكلم معاكي..بس ارجوكي كفاية هروب، أسمعيني وانا كفيل ارتب الفوضى اللي حصلت جواكي من ناحيتي..( وبعد برهة أخرى من الصمت قال) ودلوقت مش هضغط عليكي.. يكفيني انك بتشوفي رسايلي حتي لو مش بتردي..وهستناكي في القاهرة..


مع السلامة يا فواحة! 



+




اغلقت معه لتلتقط أنفاسها المحتجزة بصدرها وكأنها تستغيث.. لا تعرف ماذا تفعل..تحتاج قوة مواجهة محتومة لتنهي تلك الحالة.. ستنصت لنصيحة أبيها وتسمع منه.. وعليه هو ان يثبت صدقه ويقنعها انها وحدها من تسكن قلبه! 



+




------------------------



+




ينتظر قدومها بلهفة داعيًا الله ان يوفقه ويلهمه كلمات مناسبة عندما يحدثها في أمرهما منفردًا كما انتوى..سمع طرقة وحيدة مترددة وأدرك أنها هي..كأنها تفكر في الهروب.. عادت تطرق من جديد وتبدو حسمت أمرها.. دعاها للدخول فولجت إليه مختفية خلف نظارة سوداء تبتلع ملامحها الحبيبة..القاسية تحرمه من النظر لعيناها التي اشتاقها.. لا بأس.. مهما وضعت أمامه العوائق سيتخطاها ويخترقها وينفذ داخلها وإليها..!



+





        


          



                


_ اتفضلي ياعطر..! 



+




دنت منه ورغم أنها تخفي عنه خلف نظارتها.. توترت وزاغت بعيدا عنه وهمست:  هو العميل جه؟


ابتسم برقة:  بسرعة كده مش عايزة حتى تسلمي عليا و تشربي معايا حاجة! 


عادت تهمس:  أصل عايزة اعرف الناقص في التصميم واعدله عشان عمتو منتظراني ارجع على طول! 



+




_ هترجعي.. بس مش على طول! 


لمح رمقتها المتعجبة له فواصل:  بعد ما تخلصي نقاش مع العميل هعزمك برة على مكان هادي نتكلم فيه براحتنا.. وبعدها هوصلك لبيت عمتك وبكره تيجي تعدلي التصميم! 



+




همت بالاعتراض فقاطعها بحزم:  عطر.. انا لازم اكلمك وانتي لازم تسمعي مني.. ثم همس برجاء أضعفها:  عشان خاطري! 



+




صمتت برضوخ ورغبته بالبوح تتفق مع رغبتها لتعلم ما لديه، لكنها تهابه أو بالأحرى تخجل منه كلما تذكرت اعترافه يلفحها لهيب خجلها هذا..! 



+




طرقتين ثم دلفت السكرتيرة تقول: الباشمهندس أحمد بيقول لحضرتك العميل جه ومنتظرك في قاعة الاجتماعات انت والباشمهندسة عطر..! 



+




أومأ لها قائلا:   قوليلوا جايين حالا..! 


ثم لوح لها:  شكل العميل مستعجل اوي.. جاي بدري عن معاده بنص ساعة تقريبا.. عموما هنخلص مقابلته ونخرج زي ما قولتلك! 


………… ..…… 



+




نزعت نظارتها بعد أن انضمت لقاعة الاجتماعات، فعرفها أحمد للعميل هاتفا:  أعرفك بالاستاذ أنور عملينا المحترم و صاحب التصميم اللي عملتيه.. حيته عطر بإيماءة مع همسة مرحبة فاستطرد احمد مكملا التعارف: ودي الباشمهندسة عطر اللي عملت تصميم.. والحقيقة هي لسه فاضلها شهور بسيطة وتتخرج.. بس لأننا واثقين في موهبتها الكبيرة اسندنا ليها التصميم بتاع شركتك! 



+




برقت عين أنور بإعجاب واضح وهو يغمغم:  معقولة لسه ماتخرجتيش وعملتي تصميم بالدقة والروعة دي.. بجد موهبة تستحق الإعجاب..واللي يشوفك يقول انك صغيرة جدا..! 


عقد يزيد حاجبيه بضيق و نظرة العميل لعطر تشعل ناقوس الغيرة داخله، وازدادت اشتعالا حين لاحظ أنها تخلت عن تظارتها وهمست بصوت بأذنيه شديد الرقة:  شكرا على المجاملة يا استاذ أنور..ده تصميم عادي وأسفة لو لقيت في اخطاء و…… 


قاطعها:  لالالا مش لدرجة أخطاء.. هو بس تعديل بسيط وأنا المسؤل عنه لأن ماذكرتش الجزئية دي للباشمهندس يزيد وقت اتفاقنا.. بس ده بردو  من حظنا لأن بسببه شوفناكي ثم حمحم: قصدي شوفنا الكل! 



+




لأنه خير من يعلم صاحبه الذي يشيط الٱن قال بعملية يهديء بها الأجواء:  تمام.. خلصنا تعارف.. ندخل بقى في التعديل المطلوب يا استاذ أنور.. الانسة عطر مش متواجدة في القاهرة كتير.. ويدوب تعدل التصميم وتسلمه! 



+




_ هي مش عايشة هنا؟؟؟؟



+




فاض الكيل بيزيد وداك العميل يُجري مسار اللقاء لأسئلة فضولية لا تخصه، فتمتم بجدية شديدة:  خلينا في شغلنا يا استاذ أنور بدون أسئلة جانبية.. واتفضل اطرح علينا التعديلات المطلوبة عشان نتناقش فيها..! 



+





        


          



                


شعر بالحرج لكنه تخطى الأمر واندمج بالفعل بسرد ما يريده وعطر تناقشه بهدوء حتى كونت فكرة تامة عن ما يحتاجه.. وانتهى اللقاء وذهبت هي لترى أمونة وتعتذر لها لمغادرتها حفل خطبتها دون أن تهنئها..! 


……… ..   



+




_ اهدى يا يزيد محصلش حاجة


_ أزاي؟ ما انت شوفت بنفسك يا احمد نظراته ليها وأسئلته الفضولية عنها.. يعني أنا مش ببالغ! 


_ عندك حق.. بس انت كمان احرجته وخليته ماينطقش غير في الشغل وكان واضح جدا انك مضايق منه! 


_ لأنه جريء.. ونظراته لعطر ماكانتش بريئة! 


_ خلاص اهي مقابلة مش هتتكرر بينهم تاني.. اهدى بس وركز في اللي هتقوله ليها عشان. تقنعها.. دي فرصتك اوعي تضيعها..! 



+




مغمغما. بإصرار واضح:  متخافش.. مستحيل اضيعها..! 


--------------------------



+




" انتي بتفكري تقبلي ياسر يا زمزم؟"



+




تسائلت باستنكار، فردت الأخيرة:  وليه لأ يا بلقيس.. العقل بيقول إن ياسر انسب فرصة ليا أنا وابني.. صحيح مش بيحبني لشخصي وهدفه الأساسي تربية مهند.. وصحيح انا كمان مش بحبه بس هو كل جوازة لازم تقوم على الحب عشان تنجح؟؟؟


_ أنتي بتتكلمي جد؟ مش ممكن ده يكون تفكيرك..ايه يجبرك تضحي بسعادتك لمجرد ان ياسر مناسب لتربية مهند؟ طب إيه عرفك انه هيكون أب كويس وحنين عليه؟ ايه يضمنلك انك لو اتجوزتي ياسر وخلفتي طفل  تاني مش هيعامله بتفرقة ويبقي قاسي عليه وحنين على ابنه اللي من صلبه؟ ايش دراكي انك هتتحملي عيشتك معاه وانتي ولا بتحبيه ولا هو طلع أب لابنك زي  ما توقعتي؟ سعاتها هيكون قدامك طريقين مالهمش تالت!.. تكملي معاه وتعيشي تعيسة وابنك يطلع معقد من حزنه عشانك.. او تطلقي وتاخدي لقب مطلقة اللي بقرار منك بعد لقب أرملة اللي مالكيش فيه ذنب ومع كده نظرة المجتمع فيه مش رحماكي.. مابالك بمطلقة؟ كل اللي قولته ده احتمالات قوية ماينفعش تتجاهليها لمجرد انك عايزة تهربي من حب عابد يا زمزم..مع ان المفروض تكوني قوية مش ضعيفة! 



+




همست بدموع تغتال عينيها بغزارة: منين اجيب القوة دي يابلقيس.. منين قوليلي! 


_ من عابد نفسه.. حبه ليكي هو قوتك ليه تضيعيها من ايدك.. عابد بيحبك وانتي عارفة كده.. واوعي تقوليلي اصله قال لأمه كذا وكذا ..لأ.. عابد كان بس بيكسب وقت مع امه لحد مايضمنك.. حطي نفسك مكانه كده.. مامته اللي متعقدة من قصة اخوه مع بنت عمه اللي سابته.. عايزاها ترحب ببنت عم تانية وفي ظروفك/ مع العلم ظروفك دي لا تعيبك.. لكن مش هنقدر نحجر على تفكير الناس..!


صمتت بضع ثون وواصلت:  زمزم.. عشان خاطري ماتضيعيش سعادتك من ايدك لأن هترجعي تندمي لو عابد راح منك وأخدته واحدة غيرك.. انتي بتحبيه وهو بيموت فيكي انتي وابنك..خليكي ذكية وحاوطيه من غير ما تهدري كرامتك.. قربيه بس من غير ما يبان انك بتعملي كده.. ارمي الطعم وراقبي ازاي هيلقطه ويجيلك.. أرجوكي اسمعي مني انا ومامتك لأننا شافين اللي انتي مش شايفاه!..صدقيني انتي لو وافقتي على ياسر هترمي نفسك في النار..! 



+





        


          



                


الحيرة تأكلها.. والخوف يكبلها.. إلى أي طريق تسير.. طريق القلب أم العقل؟ أم. تلفظ كلاهما وتعيش لنفسها وطفلها فقط؟ حقًا لا تدري أيهما تسلك! 



+




قاطعتها بلقيس مجددا:  هسألك سؤال وجاوبي بصراحة بعد ما تفكري!.. هتقدري تتحملي تشوفي عابد مع واحدة غيرك؟ بيحب غيرك؟ بيضم غيرك؟ بتشيل اسمه وتجيب ولاده غيرك؟



+




لم يكن جوابها سوى بكاء نبع من قسوة تصورها على نفسها.. لا تتحمل.. تقسم أنها لن تتحمل.. هي تحبه.. تحبه ولا تستطع الإنكار..!



+




اشفقت عليها فهمست بحنان:  حبيبتي ماتعيطيش لسه كل الخيوط في ايديكي..عيدي تفكير تاني بهدوء وانا واثقة إنك هتاخدي قرار مناسب!  


---------------------------------


بعثرت نظرها بعيدا عنه عكس حدقتاه المسلطة صوبها بتأمل صامت.. متعللا بانتظار مشروب الليمون الذي طلبه لها..لحظات وأتى " النادل" ووضعه بينهما على الطاولة وذهب! 



3




بادر هو بالحديث:  على فكرة.. حبيت ثقتك في نفسك وانتي بتناقشي العميل علي التصميم.. عايزك كده دايما واثقة في قدراتك! 



قد يعجبك ايضا


منذ بضع شهور


رواية نار العشق الفصل الثالث 3 بقلم عائشة الكيلاني


منذ بضع شهور


رواية نار العشق الفصل الرابع 4 بقلم عائشة الكيلاني


منذ بضع شهور


رواية نار العشق الفصل الخامس 5 بقلم عائشة الكيلاني


+




تطرقة بالحديث لما يخص عملها خفف عليها التوتر وابتسمت هامسة:  الحمد لله.. كله بعد ربنا بفضل تشجيعك ودعمك! 


_ لو مش تستحقي ماكنتش هدعمك..!


وصمت برهة ليستأنف برفق:  عطر.. ممكن افتحلك قلبي شوية واكلمك عن حاجات يمكن تضايقك.. بس انا هدفي اوضحلك الصورة من البدية! 



+




أومأت له بإشارة صامتة لينطلق هو بعرض كل ما لديه مستميتا بإقناعها أن عشقه لها حقيقة لا تقبل التكذيب..!



+




جاء دورها لتهتف: يزيد أنا عارفة ومتأكدة إن ليا معزة عندك.. بس انك فجأة تحس بحبي دي حاجة ملخبطاني ومن حقي اطمن بعد ما كنت شاهدة سنين على حبك لغيري! طب قولي اضمن منين إني مش مجرد مسكن في حياتك! 



+




عاتبها برفق:  وتفتكري أنا أرضاها عليكي تكوني كده؟


واستطرد بهمسة حانية: انتي حبيبتي! 



+




اطرقت رأسها تواري تأثير كلمته الكارثي على قلبها.. وااحمرة تزخف وتغزو وجنتيها فرمقها بإعجاب هائم.. وانتظر لتستجمع ذاتها ثانيا.. وبالفعل تماسكت وهتفت:  اثبتلي.. اثبتلي يا يزيد انك فعلا بتحبني.. اعمل حاجة تخطف قلبي وعقلي وتخليني ما اشكش في مشاعرك ناحيتي! 



+




_ ازاي؟! دليني علي الطريق ..قولي اي حاجة توجهني للي يرضيكي ويخليكي تطمني..! 



+




هزت رأسها بالنفي: 


ماينفعش اقولك.. لازم انت بنفسك اللي توصل للي يرضيني..امشي ورى إحساسك وشوف هتقدر تعمل ايه عشان تثبتلي حبك..!



+




تأملها بنظرة مهلكة جمعت عشقه بحنانه واعجابه الشديد بقوتها وإصرارها ألا ينال مشاعرها إلا بشروط ترضيها، كبريائها گ أنثى تعتز بنفسها وقلبها.. أسره وزاد حبه لصغيرته أضعاف..!



+




_حاضر يا عطر.. هعمل عشانك اللي اقدر عليه.. أوعدك الاقي الطريقة اللي تقنعك بحبي وتبكيكي من الفرحة.. ودي الدموع الوحيدة اللي هسمحلها تسكن عيونك..!


-------------------------


عيناها تفتش عنه في كل الأرجاء بالمزرعة.. لم تجده.. الشمس قاربت على الغروب وعابد لم يأتي وتأبى أن تظهر أي اهتمام أو تبادر بسؤال عنه رغم أنها اشتاقته كثيرا.. اين ذهب..منذ أن رماها بنظرة غاضبة بعد أن رآى صورها هي وياسر ولم تراه ثانيا.. لمحت بسمة أتية من بعيد فتذكرت والدتها وهي تخبرها أنها العروس المنتظر لعابد فاغرورقت مقلتيها بدموع وجففتهما سريعا قبل أن تدنوا بسمة هاتفة برقة حقًا تميزها:  ازيك يا استاذة زمزم


_ الحمد لله


_ كنت عايزة اسألك عن حاجة(  وراحت تقص عليها ما تريد لتختم حديثها بجملة شقت قلبها نصفين) أصل باشمهندس عابد اتصل بيا امبارح وعرفني انه مش جاي انهاردة وهايجي بكره من القاهرة.. وقالي اي حاجة احتاجها اجي اسألك عنها..! 



5





        


          



                


غاب تركيزها عن كل شيء قالته إلا اتصال عابد بها


هل أصبح الآن قريب من بسمة وبعيد عنها هي؟


يخبرها هي عن غيابه ويتجاهلها بتلك القسوة؟


هكذا ستصير الأمور إذًا..مكانتها تتلاشى وتحتلها أخرى! 


تذكرت حديث بلقيس أنها لن تتحمله مع غيرها.. وهاهي تتجمر  ومازالت في البداية.. ماذا تفعل..؟؟!



+




تبًا لكَ وتبًا لقلبي معك! 


-----------------------


حيلة ماكرة تختمر برأسها لتُنجي ابنتها من مصير تعيس مهلك.. وربما تحرك المياة الساكنة وتخدث إعصارًا ويفيق ذاك الغافل عن ما يحدث من خلفه.. وعليه حينها أن يثبت قدرته في الساحة.. إما فاز بزمزم.. أو خسرها إلى الآبد! 


-----------------------



+




أنتهت من رتوش تعديلها الأخير على التصميم وتوجهت إليه ليرى انجازها مترقبة رآيه بلهفة لا تنضب ابدًا، عبرت الردهة وهمت بطرق بابه حتى أتاها صوت أمونة من الداخل تقول: 



+




أنت غالي عندي أوي يا يزيد! 



+




وقفت قبضتها في الهواء وتحفزت وهي تسمع جملتها وزوت حاجبيها بتوجس وتلفتت حولها بحذر لتتأكد أن الردهة خالية من المارة، وعادت تقترب من الباب تكاد تُلصق أذنيها لتنصت لباقي حديثهما فسمعته يهتف:  وانتي طول عمرك اخت عزيزة وغالية وعارف انك عايزة تطمني عليا.. واحب اطمنك قريب اوي هتسمعي خبر حلو يخصني! 


صفقت بحماس وفرحة صادقة:  بجد.. طب قولي اي سبق صحفي أذل بيه أحمد اللي بيغطني دايما ويقولي ان الأخبار الحصري دايما عنده هو قبل الكل..!


ضحك لقولها:  سبق صحفي عشان تذلي صاحبي؟!..الموضوع طلع مصلحة يا شريرة ومش عايزة تفرحيلي ولا حاجة، طب مش قايل! 


عبست بمزاح:  بقى كده؟ ماشي براحتك يا باشمهندس! 


ابتسم وهو يهز رأسه:  خلاص خلاص صعبتي عليا.. هقولك أنا بحب مين وهرتبط بيها قريب إن شاء الله! 



+




ثم بدا كأنه يتذوق أسمها متلذذًا بشعوره الجديد بها هامسًا:


أنا بحب عطر يا أمونة.. بحبها أوي! 



+




أبتعدت عن الباب والدموع تغمر مقلتيها بفرحة عارمة وهو يعترف بحبه لها مع رفيقته.. مازالت لا تصدق ان حلمها يتحقق ويزيد يجاهر بحبها للجميع وبصرها كما يجب أن يراها وكما تمنت..جففت دموعها سريعًا وعادت تنصت لباقي حديثهما.. ! 



+




_ أخيرا يا يزيد حسيت بيها..انا واحمد كنا بندعي من قلبنا تلتفت لعطر اللي سعادتك معاها وتليق بيك.. اللي هتديك زي ما هتاخد منك..اللي هتعيشه معاها عمره ما هيماثل تجربتك الأولى..! 


_ عارف يا أمونة بس هي تصدقني الأول.. للأسف عطر مش قادرة تثق ان مشاعري ناحيتها حقيقية..!


_ معذورة ولازم تصبر عليها لحد ما تتأكد.. دي واحدة شهدت على حبك لغيرها وصعب تقنعها ان فجأة كده حبيتها


_ بس انا حبي لعطر مش فجأة..في جذور بيني وبينها من زمان بس انا كنت دافنها تحت مسمى الأخوة..مش مديها فرصة تتنفس وتاخد مساحتها جوايا..بلقيس مش هي حبي الحقيقي.. لأنها لو كانت كده ماكنتش هقدر انساها ابدا مهما مرت سنين عليا..ولا كنت هقدر اتحمل اشوفها مع غيري.. لكن دلوقت اما بشوف سعادتها مع ظافر وحبهم الواضح بفرحلها من قلبي لأنها بنت عمي.. زي ما هحب الخير لزمزم ولجوري! 



+





        


          



                


أومأت مبتسمة:  أحمد دايما يقولي انك حنين مع أهلك..وحس المسؤلية عندك عالي..!


_ الأهل هما السند بعد ربنا يا أمونة.. وبحمد ربنا على نعمة عيلتنا المترابطة! 


ثم نظر لها وواصل:  معندكيش أي فكرة تساعدني اقنع عطر اني بحبها فعلا..؟ انتي بنت زيها وهتفهميها..! 


_ ماتقلقش.. قلبك هيعرفك الطريق.. دي حاجة لازم انت اللي توصلها بإحساسك!  


رمقها بدهشة:  غريبة!  ده نفس كلام عطر! 


ضحكت هاتفة: ما احنا بنات زي بعض وتفكيرنا في بعض المواقف بيكون واحد..!


_ لأ في دي عندك حق! 


قالت بغرور مازح: انا دايما عندي حق يا باشمهندس! 


ونهضت بغتة:  هروح مكتبي بقى اكمل شغلي عشان  ميدو عازمني على الغدا برة اخر اليوم



+




رفع حاجبيه بمشاكسة:  ميدو؟ الباشمهندس أحمد المحترم بقى ميدو..ده الهيبة راحت.. أنا هفض الشركة بنا! 


ضحكت وهي تتوجهه للمغادرة:  طب بكرة نشوف لما تخطب بنت خالتك هيبقى أسمك ايه يا باشمهندس.. ونشوف مين هيفض الشركة 😂 سلام! 


--------------------------



+




ابتعدت  عن الباب في لحظة مناسبة وصعدت للسطح حيث الخلاء وعلى وجهها ابتسامة حالمة وهي تتذكر وصف مشاعره نحوها.. نظرت للسماء وعيناها مغرووقة وهمست بضميرها:  الحمد لله يارب إن حلم حياتي اتحقق.. يزيد شكله فعلا بيحبني ومش بيشفق عليا..اخيرا حس بيا وبقلبي! 



+




وجففت دموعها وهمست وكأنها تدلل نفسها:  بس هستني اشوف هتعمل ايه يا يزيد وازاي هيثبتلي حبك.. أستاهل بعد العذاب اللي عيشته انك تتعب عشاني شوية وتعمل حاجة تفرحني!


----------------



+




  ‏_ مش هتقولي مبسوط ليه انهاردة؟


  ‏ابتسم هامسا: أولا مجرد مابسمع صوتك الحلو ده يبقى فرحان.. ابتسمت لإطراءه، واستطرد:  


  ‏تاني حاجة عامر صاحبي قالي خبر حلو وهيبسطك انتي كمان..قالي لما انزل من لبنان هنروح بعدها ونخطب جوري! 



+




هتفت بفرحة حقيقية ممتزجة بحماس صوتها:


بتتكلم بجد؟ يعني جوجو خلاص هتتخطب! 


_ أيوة، تعرفي يابلقيس..أنا وعامر أصحاب من ثانوي..أحلامنا دايما كانت مشتركة..ومن ضمن أمانينا اننا كنا نتجوز بنتين أخوات..وربنا استجاب اهو..جوجو تعتبر أختك


هتفت بتحذير: اسمها جوري يا حبيبي مش جوجو!


ضحك لغيرتها المحببة لقلبه: سوري يا برنسيسة طلعت مني عفوية..وبعدين يابنتي قولتلك انها زي إيلي أختي! 



+




_ ماليش دعوة..ماتدلعش بنت غيري ياظاظا



+




همس بحنان: عيون وقلب ظاظا انتي..تعرفي اني بعد الأيام عشان انزل مصر و اشوفك..! 


_ وانا كمان والله..وفرحة لقانا هتكمل لما  تنزل وانت رافع أسم بلدك يا حبيبي..والكل هيكون فخور بيك


_ادعيلي بس انتي.


وواصل: صحيح اوعي تعرفي جو..ثم تدارك أمره وقال: قصدي جوري بموضوع عامر..خليه هو يحدد يعرفها ازاي


_ ما تقلقش!



+




صمتت وشعر وبترددها فهمس لها: مالك يا حبيبتي كأنك كنتي هتقولي حاجة وسكتي؟ 


_ لا ابدا حاجة مش مهمة 


_ مادام شغلت بالك تبقي مهمة..قولي مالك؟


_ حاسة الوقت مش مناسب ياظافر..بعدين هنتكلم 


أصر عليها: بلقيس..اتكلمي!


ترددت بضع ثوان همست بعدها: هو..هو عامر...؟!


صمتت ثانيا فحثها برفق لتواصل قولها فواصلت بنفس الحذر: عامر..يعرف اني أنا اللي ...



+





        


          



                


لم يكن بحاجة لتكمل فقاطعها بحزم: لأ..!



+




ساد صمت قصير قطعه متسائل: ليه الأمر ده شغلك؟



+




_لما كلمتني انه خلاص يخطب جوري وان طبيعي هنتقابل حسيت بتوتر لأنه عارف اللي حصلي   ... 


_ يعرف منين؟ ويعرف ليه أصلا؟ ده شيء ما يخصش حد غيري أنا وبس!


_ ازاي؟مش هو كان معاك يومها وشافني؟



+




بلحظات مر أمام عيناه طيف وجهها الغارق بدمائه وكدماته البارزة وصوتها الواهن وهي تستغيث..الذكرى حملت معها حزنه وقهره أنه لم يُجنبها كل ما قاست وحدها..فصاح بحدة نبعت من ألم الذكرى وضيقه لأجلها: ماتتكلميش في الموضوع ده تاني! قولتلك عامر مايعرفش وخلاص!



+




نكست رأسها وشعورها بنفوره احزنها..هل يحمل بقلبه اتهام وظنون سيئة تجاهها، ؟!


أدرك إلى أين اتجهت أفكارها فقال برفق: أنا عارف دلوقت تفكيرك راح فين..بس عايزك تعرفي حاجة مهمة!  


وصمت برهة واصل بعدها: البنت اللي تغلب ٣ رجالة وضوفرها تعلم في وشوشهم وعيونهم يملاها الخزي والخوف وهي مجرد أسيرة متكتفة في عرينهم ومع كده ما استسلمتش ودورت علي مخرج تخلص بيه نفسها من قذارتهم..دي بنت أنا فخور انها هتشيل أسمي وتكون أم لولادي! أوعي تنسي الكلمتين دول يابلقيس..وإن كنت لحد دلوقت متجنب نتكلم في الموضوع ده بالذات..ده عشان عايزك لما تحكي وتبكي تكوني في حضني وإيدي  قادرة تطول دموعك وتمسحها..عايزك مطمنة زي ما انتي دايما معايا..مش أنا حبيبك وحصنك الأمن؟ مش ده كلامك إحساسك بيا؟؟؟



5




اختنق صوتها الباكي، لم تجيبه لكنه يدري ويفهم شعورها..فهمس لها بحنان هو أكثر ما تحتاجه: كفاية بقى عشان هزعل منك..امسحي دموعك الغالية و قوليلي كلمة حلوة قبل ما اقفل معاكي!



+




حاولت أن تتمالك نفيها وقالت بصدق وقوة شعورها بتلك اللحظة: بحبك..بحبك أكتر من نفسي!



7




--------------------------------



+




بينما هي منهمكة بتفقد حالة بعض النباتات ومدى صلاحيتها، باغتها بندائه ( صباح الخير يا باشمهندسة)


هتفت متفاجئة بوجوده: أستاذ ياسر؟ ايه المفاجأة دي وجيت هنا ازاي.. ؟


أقترب أكثر وبين ذراعيه مهند: سألت والدتك وهي وصفتلي الطريق.. قلت اجيب مهند واجيلك ونرجع سوا..!



+




أومأت له هاتفة: أهلا بيك يا أستاذ ياسر نورت .. ثم داعبت طفلها بشوق ولم تلحظ نظراته المتمعنة فيها عن قرب بإعجاب ونهم وهي تلاطف الصغير وتضحك معه برقة، حانت منها التفاتة فضبطت نظرته المتمعنة بها فاعتراها بعض الخجل الذي وارته سريعا وهتفت: بما إنك اول مرة تزور مزرعتنا اتفضل افرجك عليها..! 


رحب باقتراحها قائلا بحماس:  والله ياريت.. المكان شكله رائع ويريح الاعصاب"


_ طب اتفضل معايا..! 



+




" على فين يا أستاذة؟!"



+




صوت عابد خلفها والغضب المستعر بعينه وهو يرمقها بنظرة سريعة، أرجفتها فانزوت جانبا وكأنها تحتمي منه بمسافة آمنة، فواصل: أسف دخلت في الكلام. من غير ما ارحب بزيارتك الأولى لمزرعتنا يا أستاذ ياسر..! 



+





        


          



                


لم يجد بترحيبه أي ود ولا يفهم سبب هذا الفتور الذي يظهره بوجوده هذا الشخص وكأن بينهما عداوة لأمرٍ يجهله.. ورغم شعوره الدفين، رد تحيته الفاترة بابتسامة باردة:  ولا يهمك زمزم رحبت بيا كفاية ومن كرم ضيافتها هتعمل معايا جولة في المزرعة لو مايضيقش حضرتك يعني! 



+




تمتم بجمود:  وهضايق ليه لا بالعكس..بس للأسف الأستاذة معندهاش وقت زيادة ومطلوب منها شغل كتير..! 



+




حاولت السيطرة علي الرجفة التي اعترتها وتماسكت حتى لا تبدو بهذا الضعف وهتفت بقوة زائفة:  عارفة يا باشمهندس.. ومش هتأخر..وواصلت وتشعر أنها ستلقي عليه قنبلة موقوتة:  أنا وأستاذ ياسر هنتكلم في موضوع مهم ومش هنطول! 



+




برقت عين الأخير بثقة وغرور وقول زمزم يؤكد نصيحة والدتها أنه حين تراه أتيًا إليها ستوافق على طلبه.. بينما انتفخت صدر الأخير بغضب مستعر وكاد يُقدم علي فعل أحمق بحذبها عنوة بعيدا عن ذاك السمج..لكنه نظر حوله والأحداق الفضولية العابرة لن تترك موقغةف كهذا يمضى..وهو لا يريد نثر أقاويل غير لائقة عن أبنة عمه.. لكنه عزم على أمر ما حتى يضع حدًا لهذا الهراء..! 



+




" آبد"



+




قالها الصغير وهو يبسط ذراعه بدعوة لعابد كي يتلقفه من أحضان ياسر، فتفتم الأخير بغيرة خفية:  ايه يا مهند هتسيب عمو ياسر وماما؟ مش هتيجي تتمشى معانا..! 



+




ضم أسمه بجملة واحدة مع زمزم أشعل غيرته وحزنه وحنقه معًا..وكأنهما عائلة صغيرة وهو بينهما غريب.. لكن كيف يكون غريب وذاك الملاك ينصفه بقوة وهو يعود وينادي عليه بإصرار جبر خاطره تلك اللحظة.. فتلقفه من ياسر المتعجب لتعلق ابن أخيه به لهذا الحد، وغمغم بلمحة غيرة أدركها عابد:  واضح انه بيحبك أوي.. مع إني اقرب له منك.. أنا عمه ودمنا واحد! 



+




وكأنه يلمح بشكل مبطن أنه الأولى به.. فرد عابد عليه مكره بمثيله وهو يقول:  والله دي مش بالقرابة والدم.. لكن بصدق المشاعر اللي مستحيل يغلط فيها طفل زي مهند عارف اني بحبه! ده غير ان في ناس بتكون تقيلة على النفس وبتحس ناحيتها بالنفور..وزي ما بيقولوا.. القبول من عند ربنا..! 



+




راقبت زمزم التراشق الخفي بينهما بقلق، بينما أراد ياسر أن يستعيد مهند ليأكد أنه الأحق به، فلوح للصغير بلطف قائلا: تعالى معايا أنا وماما يامهند هنتمشى وهجيبلك حاجة حلوة وهنلعب سوا..!  



+




تشبث الصغير بصدر عابد أكثر معلنًا بفطرته النقية رفضه لكف ياسر التي أعادها جواره خاوية بخذلان مغمغما بابتسامة زائفة: معلش عشان بيشوفك أكتر مني.. ثم التفت لزمزم وقال:  طب يلا بينا يا زمزم؟!



+




رمقت الأخيرة عابد ففطر قلبها الحزن واللوم بعيناه وكادت تضعف وترفض مصاحبة ياسر إنصافا له لكن لا مفر مما هي مقدمة عليه..حسمها للأمور المعلقة صار حتمي! 


-------------------------


ظل يرمقهما بجبين مقطوب ووجه عابس وهما يبتعدوا عنه حتى قاطع صمته الصغير بنداء يذكره به " آبد"..فالتفت له وقبل خده وضمه بقوة هامسًا: شكرا يا صاحبي.. كنت محتاج دعمك وماخذلتنيش.. أنت نصفتني في أكتر لحظة حسيت فيها اني محتاجك.. عشان كده آبد حبيبك هيكافئك ويجيبلك حاجة حلوة وكمان هسيب شغلي وهلاعبك شوية.. مش خسارة فيك وقتي وعمري كله!..



+





        


          



                


لكنه واصل بغمغمة غامضة:  بس في زيارة لازم اعملها الأول يا مهند..!


------------------------------



+




_ هو أنا ليه بحس ان ابن عمك بيضايق لما يشوفني!؟


هتفت مدافعة:  لا ابدا وايه هيضايقه.. وبعدين مافيش بينكم معرفة كافية لحب أو كره يا أستاذ ياسر..! 


_ يجوز.. بس مهند متعلق بيه جدا.. لكن معلش بكره ياخد عليا لما.. وصمت ليمنحها نظرة ذات مغزى مواصلا:  لما توافقي على عرضي ونتجوز.. وقتها هيكون معايا وهيحبني أكتر من أي حد..وعابد هيبقي مجرد غريب و… 



+




_ عابد مش غريب.. ده ابن عمي وقدم كتير لمهند عشان كده ابني بيحبه! 



+




تعجب من حدتها وهي تدافع عن ابن العم بشكل جعله يرتاب مضيقًا عيناه:  هو أنا قلت حاجة تستدعي حدتك دي يا زمزم؟ أنا بتكلم فيما بعد لو ارتبطنا..! 



+




منحته نظرة غامضة وتسائلت:  يعني لو افترضنا اني وافقت على طلبك واتجوزنا.. هتمنع مهند عن عابد؟ 


_ مش همنعه بس وقتها انتوا هتكونوا مستقرين معايا في اسكندرية.. عابد هيشوفوا فين غير لو انتي جيتي زيارة وطبعا ده كل فترة.. يعني أهمية عابد بالنسبة لمهند هتتلاشى لوحدها وأنا بس اللي هاخد اهتمامه وده طبيعي لأني عمه وأولى بيه من اي حد..! 


_ بس ابن عمي بيحب مهند وهو كمان متعلق بيه..وأنا مقدرش احرمه منه لأنه له حق فيه! 


جاء دوره ليحتد عليها بقوله:  حق ايه ده ان شاء الله؟! ده حياله ابن عمك ومالوش صفه لمهند..لكن أنا عمه وضيفي عليها اني هكون في مقام أبوه.. يعني حقوق ملكية مهند ليا أنا وبس..!



+




احتفظت بصمتها أمامه مكتفية بذات النظرة الغامضة ليستأنف بعد أن تمالك نفسه قليلا:  أنا أسف لعصبيتي يا زمزم بس بصراحة أنا حاسس إن عابد ده مسيطر على الولد.. ماهو مش عشان بيحيبله كيس شيبس ولا بيلاعبه شوية خلاص يبقي له حق فيه! 


أومأت بهدوء غريب وقالت: عندك حق! 


ساد صمت قصير قطعه هو بتساؤله:  طيب بالنسبة. لموضوعنا قررتي ايه؟ اتمنى تكوني حطيتي مصلحة مهند في اعتبارك..أنا عمه وعمري ما هكون مجرد زوج أم له.. أوعدك اني هراعي ربنا فيه.. كفايه انه ابن اخويا الغالي الله يرحمه.. ومش هينقصه أي حاجة وهربيه احسن تربية! 


ها.. قولتي إيه؟؟؟



+




احترم صمتها الذي طال منتظرًا ردها بفارغ الصبر..!



+




تُرى ماذا ستجود به عليه؟


ستوافق لأجل مصلحة طفلها؟


ام ترفض لتزيح عن كاهلها 


عبء معاشرة شخص لا تحبه؟! 


--------------------------------



+




جالسة تحتسي قهوتها بشرود في حال زمزم..وأفكارها تتصارع، حتى سمعت تحيته! 



+




_ صباح الخير يا طنط! 



+




بصرته أمامها يحمل حفيدها وعيناه مشتعلة.. لم يكن صعبًا أن. تستنتج سبب أشتعاله..وشعرت بالانتصار أن حيلتها أثمرت بعد أن هاتفت ياسر بالخفاء وأوهمته انها تبارك زيجته ونصحته بمكر أن يأتي لابنتها ليعلم رأيها في الحال دون تأخير..  وأن أظهار لهفته والمجيء إليها ستعزز موقفه أمامها..



+





        


          



                


هتفت لذاك المحترق ببرود متعمد: صباح الخير.. هو مهند معاك ليه؟ المفروض يكون مع عمه ياسر وزمزم. 



+




تلميحها بأحقية ياسر عنه لمصاحبة مهند أطار البقية الباقية من عقله وهتف بحده: 


من قال انه لازم يبقي معاه.. مهند دايما هيكون معايا أنا..!



+




فواصلت بمكر:  بس ده عمه يا عابد واحتمال يكون…. 


صمتت بإيحاء متعمد تثق أنه سيلتقطه بفراسته، فضاقت حدقتاه بريبة متسائلا:  احتمال يكون ايه كملي! 


_ ولا حاجة.. هات مهند عارفة ان وقت شغلك في المزرعة مش عايزين نعطلك! 



+




جلس أمامها ورمقها بنظرة طويلة تجاهلتها وهي تحتسي ببرود قهوتها، فغمغم:  ياسر جاي هنا ليه؟


قالت ببساطة:  اكيد جاي يشوف ابن اخوه و… 


وواصلت بتردد مقصود ان يصله:  وفي موضوع خاص بينه وبين زمزم بيتكلموا فيه! 



+




مارس أكثر قدارته في الثبات وهو يتسائل:  موضوع ايه؟


_ موضوع خاص ياعابد.. هتعرف لما زمزم تبلغنا قرارها فيه



+




صفع الطاولة بغضب أجفلها هي والصغير وهو يهتف بنفاذ صبر:  لو سمحت خليكي صريحة معايا.. من امتي ياسر بيجي يزور زمزم؟ ايه الجديد اللي جابه لحد هنا انهاردة؟! 



+




جاء دور اشتعالها حنقا منه لتهدر بغضب مماثل: وده يخصك في ايه؟؟؟ وعلى كل حال مش مستاهلة اخبي.. انت ابن عمها وهتفرحلها بردو..!


راقبت شحوب وجهه بشيء من التشفي ثأرا لابنتها وهي تواصل: ياسر جاي يعرف رأيها النهائي في عرض جوازهم.. ارتاحت؟؟؟



+




لوهلة شعرت أن عيناه تطلق نارًا وأنفاسه تتسارع حتى خافت عندما بدأ الصغير ينادي عليها خوفا بعد الصخب الذي فعله عابد، فانتزعته منه قائلة بلوم:  ايه اللي انت عملته ده يا عابد، الولد خاف منك! 


تحركت عيناه صوب الصغير وبكائه أعاد له عقله الذي انفلت زمامه بالفعل، فمسح على وجهه ليهدأ ثم أخذه منها واحتضنه بعناق حاني جعل الصغير يهدأ وخوفه يتلاشى! 



+




فواصلت لتطرق الحديد المشتعل قبل أن يهدأ: 


_ ادعي يا عابد بنت عمك توافق على ياسر.. دي فرصة ماتتعوضش.. انسان كويس ومحترم.. على الأقل حسسها بقيمتها وأنها مش مجرد أرملة بيعطف عليها.. بالعكس وضحلها ازاي معجب بيها وانها مكسب لأي راجل وان ظروفها ماتعيبهاش في نظره.. وضيف على كل ده إنه عم مهند يعني هو أولى بتربيته ومش هيكون زي زوج أم غريب و… 



+




_ بسسسس! 



2




أجفلها صراخه ثانيا وهو يواصل بثورة أشد:  أنا مابحبش اللف والدوران  ده.. قولي إنك سمعتي كلامي مع ماما واحنا في القاهرة وبتقصديني بكلامك ده! 



+




صرخت عليه هي الأخرى بذات الثورة:  ياريت كنت انا اللي سمعتك يمكن كنت فهمت الموضوع صح..لكن للأسف اللي سمعتك وكرامتها اتهانت وانجرحت من كلامك عليها أنت و مامتك هي بنتي..المسكينة اللي انهارت وحست إن مالهاش قيمة ومعيوبة في نظركم لمجرد إنها أرملة.. بنتي ماكانتش محتاجة منك تشفق عليها يا عابد..ليه تعلقها بيك وتوهمها إنك بتحبها وفي الأخر يطلع الموضوع كله عطف وشفقة..  ليه! 



+





        


          



                


صرخت بأخر كلمة في وجهه الذي احتقنت به الدماء ونكس رأسه متألما وهو يتخيل عذابها بسببه طيلة الأيام الماضية..لهذا كانت تنظر له بحزن وألم وعتاب.. فضلت الصمت على ألا تواجهه.. ليتها فعلت لكان أثلج صدرها وأثبت لها من تكون في نظره وكم هي دره غالية!  



4




رفع رأسه ثانيا لينظر للعمة عبير هاتفا بخفوت بعد أن تمالك نفسه: عندك استعداد تسمعيني ولا خلاص انتي كمان بقيتي تكرهيني يا مرات عمي؟!



+




أشفقت لحاله.. رغم كل شيء هي تكن له معزة كبيرة وقلبها يخبرها أن حديثه اللذي بنتويه سيثبت أن ظنها فيه خيرا.. تجرعت ريقها لتهدأ وقالت:  عمري ما كرهتك.. لكن من حقي ازعل على بنتي..وعموما اتفضل أنا سامعاك يا عابد! 



+




بدأ سرده وهو يضم الصغير كأنه يستمد منه قوة وقال: 



+




أولا أنا وماما مانعرفش ان زمزم هتعدي وتسمعنا.. ثانيا كلامي اللي قولته كله كان كدب.. أنا عمر إحساسي ناحية. زمزم ما كان شفقة..أنا بحبها أكتر من نفسي! 



+




رقص قلبها وكادت تبكي من فرحتها باعترافه لكنها تماسكت وأسدلت على وجهها قناع البرود، فواصل: 



+




ولا يفرق معايا إنها أرملة ولا يقلل قيمتها في نظري.. أنا اضطريت اقول كده عشان أهدي أمي وامنع أي احتمال لعداوة بينها وبين زمزم.. لأني ياطنط ماكنتش لسه ضامن زمزم في صفي ولا اتأكدت انها بتحبني وهتقف معايا.. رفض ماما مش لشخصها لكن لظروفها.. ومقدرش الومها لأنها ببساطة أم عايزة لأبنها الأفضل من وجهة نظرها طبعا.. أكيد ماما تفكيرها غلط بس في النهاية هي أمي ولازم برود احافط علي مشاعرها واكسب رضاها ولو بالحيلة.. كان لازم اسيطر على الموضوع وامشي خطوات محسوبة.. الأول اضمن موافقة زمزم عن ارتباطنا عشان تقوي موقفي، وبعدها أواجه الدنيا بحالها مش بس أمي..!



+




صمت برهة بلتقط أنفاسه وعبير تنصت إليه باهتمام ليستطرد: ماتنسيش ياطنط تجربة أخويا يزيد مع بلقيس اللي عقدت أمي.. لو قلت ايوة عايز زمزم، وجت زمزم نفسها رفضتني! .. كان هيكون الموقف ازاي؟ 



+




كما توقعت.. الأمر حوى بطياته سوء فهم ولكن هذا لن يعفيه من ذنب التردد تجاه ابنتها الفترة الماضية..  وأرادت أن تعاقبه بقرصة أذن، وقالت:  عموما اللي حصل حصل.. وزمزم تفكيرها خلاص بيميل انها توافق على ياسر و… .



+




_ على جثتي زمزم تاخد غيري! 



+




قالها ناهضًا وكفيه تهبط گ الصاعقة على الطاولة بقوة مبعثرة ما عليها أرضا.. وترك الصغير لها وسار بخطوات أقرب للهرولة لينزع حقه ويحمي حبه وحبيبته ولو بالقوة من اتخاذ قرار خاطيء.. لم يعد الأمر يحتاج تميعًا وصبرًا أكثر من ذلك! 



+




أما هي فمالت شفتيها بابتسامة ظافرة بعد أن بعثرت الأجواء لمصلحة ابنتها وذاك العاشق المتردد..هي فعلت من عليها.. والباقي سيتكفل به هذا المشتعل الغاضب! 


------------------------------------



1





        


          



                


_يعني بترفضيني؟؟!!



+




ظلت على ثباتها الهاديء وهي تجيبه: أيوة يا أستاذ ياسر.. أنا مش شايفة إن جوازنا هيكون تجربة ناجحة..!



+




_ وليه مش هيكون ناجح؟ انتي عايزة ايه غير أب يعامل أبنك كويس ويأمن مستقبله؟ وانا عمه وأولى بتربيته من الغريب!..ثم خرج عن تعقله ولسانه يقذف سمومًا بحق كرامتها وآدميتها ثآرًا لكرامته وهي تعلن رفضها لطلبه:



+




وبعدين انتي بترفضي على ايه وكأن عندك بديل أفضل.. إنتي بظروفك دي مش هتلاقي فرص كويسة..يا إما هايجيلك واحد عجوز عايز يرجع شبابه الضايع على كتافك.. او راجل بولاده عشان تربيهم زيك زي خدامة و… 



+




_ أخرس يا حيوان! 



+




صاحب صياح ذاك الغاضب صفعة نزلت علي وجه ياسر المذهول لوجوده.. وكأن الأرض انشقت وانبثق أمامه..أما هي بصعوبة استطاعت أن ترى من خلف سحابة دموعها الغزيرة ظهر أبن عمها وهو يقف أمامها گ حائط صد أمام ياسر ليواجهه هاتفا بصوت مرعب محذرا بقوة: أنا عارف اني لما شبهتك بحيوان غلطت فيه لأنه أكرم منك ونافع عنك.. علي الأقل هو ماعندوش عقل يفكر ولا لسان يآذي بيه الناس..لكن انت المفروض انسان متعلم وواعي بس طلعت زيك زي البقر اللي بنربيه في مزارعنا.. فعلا أنت حيوان.. ولولا احترام المكان اللي احنا فيه كنت علمتك الأدب وخليتك ماتقدرش تمشي علي رجلك وقطعت لسانك.. ودلوقت لو ما مشيتش من قدامي حالا أقسم بالله لاحبسك في الزريبة وأكلك فضلات البهايم واندمك على كل دمعة نزلت من عيون بنت عمي بسببك..!



+




نقل بصره بينهما بحقد وهاج بغضب:  أنت اتجننت يا بني آدم انت!  ازاي تكلمني كده وتمد ايدك عليا؟ بتستقوى عشان في مكانك؟ مين انت عشان… 


_ أنا ابن عمها وخطيبها وزوجها المستقبلي.. وهكون أب لمهند مش مجرد زوج أم ولا عجوز هرجع بيها شبابي، ولا راجل عايزها تربي عيالي زي ما قلت.. أنا عايزها أميرة تشاركني حياتي وملكة على عرش قلبي..عايزها لنفسها قبل أي حاجة تانية لأن قيمتها عندي مايساويهاش كنوز الدنيا.. ومافيش حاجة ابدا تعيبها في نظري لمجرد انا أرملة..!



+




تطالعه بذهول وقدميها تكاد تتهاوى وتشعر بالدوار..!


اعتراف عابد ودفاعه عنها بتلك القوة زلزلها.. نسف كل ظنونها عنه.. أطلق داخلها كل مشاعرها تجاهه.. أرادت أن تبكي امتنانا له قبل أن يكون حبًا.. تريد الصراخ وهي تجاهر باعترافها أنها ايضًا تحبه بل تعشقه.. عشق لا يشبه ما قبله..عشق أكثر قوة ومتانة مما شعرت به مع زياد..


تطالعه بانبهار وقد زاد بعينيها قيمة وغلاوة وفخر لكونه حبيبها وابن عمها! قلبها أصاب حين ركض خلفه ومال له.. عابد الذي نصفها كما لم ينصفها أحدا..!



+




استدار لها بعد أن رحل الأخر مدركًا ضعفه أمامهما وهو يرمقهما بغل وحقد، فوجدها تطالعه دامعة، فهمس وهو يتشرب ملامحها بعشق صريح لن يخفيه بعد الآن: معاش ولا كان اللي يبكيكي وأنا على وش الدنيا يا بنت عمي!..



+




وواصل همسه بعتاب خافت لا يخلو من نبرة حنان لمسته: 


كنتي هتوافقي تتجوزي غيري يا زمزم؟! وتفتكري كنت هسمحلك تبعدي عني؟



+




أخيرًا جاء همسها الخافت: كنت هتعمل ايه لو وافقت ورفضت تدخلك؟


_ كنت هخطفك واتجوزك غصب عنك! 


ضحكت من وسط بكائها ضحكة قصيرة، فاستطرد بنفس نبرته الحانية:  انتي ليا يا زمزم.. مستحيل حد ياخدك مني! 



+




أغمضت عيناها تستوعب أن ما يحدث ليس حُلمًا يتخلل غفوتها، ثم شرعتهما لتتلقفها ينابيع الحب بحدقتيه وهو يطالعها بوله وعاد يهمس لها: لو طلبتك من عمي هتوافقي؟



+




نكست رأسها بخجل وقلبها ينتفض بفرحة تخاف أن توقفه، فعاد لهمسه:  هتوافقي يا زمزم؟


ابنتسمت ومازلت مطرقة الرأس دون حديث، فواصل سيل اعترافاته ليلفظ أهم وأكثر كلمة تحتاج سماعها منه: 


_ بحبك يا زمزم! 



+




ستنهار.. قدميها ستخذلها وتسقط كما تتساقط دموع فرحتها الآن أمامه.. وكم تمنى هو أن يرتشف تلك الدموع ويخبئ جسدها الرقيق بين ذراعيه ويعتصرها بعناق.. لكن حدود الشرع تكبله.. فختم قوله قبل أن يغادرها:  أنا هروح حالا أطلبك من عمي.. وقريب جدا هكون أنا وانتي في بيت واحد..  خلاص مش هقدر استنى كتير.! 



+




هم بابتعاده فأوقفته بإطلاق هاجسها الذي غلب خجلها: 


وطنط كريمة؟!



+




استدار لها وقال بعد أن منحها ابتسامة مطمئنة:  متخافيش.. مادام انتي موافقة أي عقبة تاني هتكفل بيها مهما كانت..!


عصفت عيناها بحزن وكلمات كريمة تصدح برأسها وهمست:  بس هي مش شايفاني مناسبة ليك يا عابد.. وانا عمر ما هوافق أكون سبب لفرقتكم.. رضا والدتك عني شرط أساسي عشان اوافق! 



+




دنى منها قليلا حتى أشرف طوله عليها، فانكمشت تأثرًا بقربه وهو يقول: ماما مش قاسية يا زمزم.. حبها ليا ولسعادتي هيغلب كل معتقداتها.. في النهاية مش هتلاقي سبيل غير انها تبارك أرتباطنا.. انتي ماتشيليش هم حاجة.. أي مشكلة هحلها ومش هيحصل غير اللي يخليكي مرتاحة! 


اتفقنا؟!



+




طافت حدقتيها على وجهه مآخوذة بهيمنة شخصيته الجدابة ومشاعره الدافئة وهمست وهي تعانق مقلتيه بنظرة دافئة غاب عنها الخجل:  اتفقنا..! 


---------------------------


تكملة الرواية من هناااااااا 

تعليقات

التنقل السريع