رواية وأنصهر الجليد( الجزء الثالث)جمر الجليد الفصل الثالث والرابع بقلم شروق مصطفى حصريه
رواية وأنصهر الجليد( الجزء الثالث)جمر الجليد الفصل الثالث والرابع بقلم شروق مصطفى حصريه
الفصل الثالث والرابع تفاعل
مساءً، خرجت من غرفتها وهي ناعسة لتتناول كوبًا من الماء، وبينما كانت تمر أمام غرفته، سمعت صوته يتحدث. توقفت في مكانها وتسمّرت وقد صدمها ما سمعته:
"أنا كمان مستني يوم ما نكون مع بعض يا حبيبتي."
"لا، الحمد لله مفيش بينا أولاد، كنا متفقين نأجلها شوية. الحمد لله، كنت اتدبست أكتر وقتها."
لم تحتمل الوقوف أكثر من ذلك، هرولت إلى غرفتها وقلبها مطعون مئات المرات.
استعادت الذكريات، ودموعها تنهمر، فيما كانت يدها تعصر تلك الصورة وتمزقها إلى نصفين.
بعد قليل، سمعت صوت إشعار بوصول رسالة عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي.
> "أنا شخص أعرفك كويس، لو متضايقة ممكن نتعرف؟
على فكرة، أنا أعرف عنك كل حاجة، بأمارة إنك كنتِ صحفية في جريدة.
أنا مش طالب منك غير حاجة واحدة، تكلميني كأخوات، وصدقيني هكون لكِ أخ بجد وسند."
لم ترد عليه في حينها، وبدافع الفضول فتحت صفحته لتقرأ عنه. وجدت اسمه "مهاب العزيزي"، ومعظم منشوراته كانت دينية. أغلقت الصفحة دون أن تعيرها أي اهتمام.
بعدها بقليل، أرسل ذلك المجهول مجددًا، دون أن ييأس:
> "عارف إنك مستغربة إني فجأة ظهرت وكلمتك، ده لأني تشجعت دلوقتي."
لكنها لم تهتم بكلامه، وأغلقت الهاتف ثم غفت من شدة الانهيار.
...
مزّقت تلك الصورة إلى مئات القطع، ثم أحضرت باقي الصور التي تجمعها به، وقصّت صورته منها، جمعتهم جميعًا، ونهضت متجهة إلى المطبخ. وضعتهم في إناء، وأشعلت النار عليهم حتى احترقوا تمامًا. حضرت والدتها مسرعة عندما شمّت رائحة الدخان، فأمسكت الإناء وسكبته تحت المياه لتطفئه، ثم بدأت تربّت على ابنتها وتهدّئ من نحيبها العالي وانهيارها:
"ظلمني يا ماما، والله العظيم ظلمني... آه يا ماما، أنا تعبانة أوي. ليه عمل فيّ كده؟ محاولش يسمعني... ليه؟! ده كان بينا عشرة، إحنا بينا قصة حب... راحت فين؟"
ربّتت الأم على كتفها بحنو، وقالت:
"وحياتك هو الخسران، وهيندم... دعوة المظلوم لا تُرد. ما تبكيش عليه دمعة، ده قليل الأصل. انسيه يا ضنايا، انسيه."
لأوّل مرة منذ طلاقها تنهار بهذا الشكل؛ كانت صامتة طوال تلك الفترة، لم تمتص الصدمة بعد، بل كتمتها في جوفها. لكنها الآن، انفجرت بكلمات ممزوجة بالألم:
"مش قادرة يا ماما أنساه... كلّ مرة أحاول أنسى، أفتكر اللي عمله واللي سمعته منه. ده كان هيموت ويتجوزني، يعمل كده فيّا؟ أنا لحد دلوقتي مش مصدقة، والله مش مصدقة. بحلم... حاسة نفسي في حلم وطول وبقى بايخ أوي."
أخذتها أمها لتنام بجانبها، وبدأت تمسح على شعرها برفق، تتلو بعض آيات من القرآن لتهدئتها. وبعد قليل، غفَت من شدة النحيب.
همست الأم لنفسها، والألم يملأ قلبها:
"حسبي الله ونِعم الوكيل فيك، على اللي عملته في بنتي... يا حبيبتي، يا بنتي."
ثم غفَت إلى جانبها، والحزن يعتصر قلبها على ما آل إليه حال ابنتها.
...... بقلم شروق مصطفى وانصهر الجليد الجزء الثالث من رواية جمر الجليد
عصومتي!
نظر إليها وهو يرفع أحد حاجبيه متعجبًا من مناداتها له بهذا اللقب، ترك ما بيده من أعمال، أغلق الحاسوب، وأمعن النظر إليها:
– عاوزة إيه من غير لف ودوران؟
قالت سيلا ببراءة:
– هو أنا لحقت أتكلم؟! أنا لسه بقول يا هادي.
ابتسم عاصم بهدوء:
– عاوزة إيه يا حبيبتي؟ سامعك، أهو قفلت الشغل... قولي.
ترددت سيلا، لأنها تعرف حساسية الموضوع بالنسبة له:
– أ... أنا رُحت للدكتور النهاردة... أطمن وكده و...
صمتت فجأة، وكأن النار قد اشتعلت في قلبها قبل أن تكمل بكلمات خرجت منها بألم:
– أنا نفسي أفرح... وأحس بطعم الأمومة. أنا جيت عليك كتير أوي... وأنا نفسي أفرح، تسمع كلمة "بابا" اللي أنا حرمتك منها.
– وبعدين؟ كمّلي...
قالها وهو يدفعها دفعًا لإكمال ما بدأت به. أغمضت عينيها وأخذت نفسًا عميقًا، كأنها تستعد لمعركة داخلية:
– أنا... أنا موافقة إنك تتجوز وتفرح ببقية عمرك. أنا حالتي ميؤوس منها... للأسف مفيش أمل. كل الدكاترة أجمعوا إني صعب أخلّف، حتى الحقن المجهري ما ينفعش لحالتي. أنا ما ينفعش أكمل معاك وأنا كده... ست عقيمة.
أنهت كلماتها وهو فقط ينظر إليها بصمت، لم يرد بكلمة. هرولت من أمامه، دخلت إلى غرفتها، وضعت كف يدها على وجهها، تنتحب من الألم. كانت قد عزمت على تركه ليستمتع بحياته، ليرى ثمرة جهده، يكفي أنه انتظرها كل هذا الوقت، منحها الحب والأمان، ولم تعطه سوى المرض والتعب.
عاد لها ذلك المرض اللعين مرة أخرى، قضى على كل شيء، حتى على نفسيتها. ولم يكتفِ، بل امتد تأثيره ليحرمها من الإنجاب، رغم أنها في أواخر العشرينات، إلا أن حالتها الصحية تشبه من تخطّت الأربعين.
"انخفاض شديد في مخزون المبيض... والموجود لا يعمل سوى أحدهما فقط."
تذكرت كلام الطبيب الصادم، حين قال:
– للأسف، فرصة الإنجاب ضعيفة جدًا. مع إنك صغيرة في السن... أنا افتكرت الأشعة دي بتاعة والدتك، مش بتاعتك!
رفعت عينيها عندما شعرت بوجوده عند باب الغرفة. كان يقف هناك، ينظر إليها بنظرة خالية من أي مشاعر، كأنها الهدوء الذي يسبق العاصفة، ثم قال:
– طالما ده اللي انتي شايفاه حل يرضي الجميع... ويريّحك بجد، فأنا موافق.
قالها ورحل. تركها وغادر دون أن يلتفت، دون أن يطيب جرحها كما كان يفعل دائمًا.
أهذا ما كانت تنتظر سماعه؟!
نعم، قالها لتشعر بالراحة... أو هكذا تظن.
غادر دون أن يمنحها لحظة حنان، أو حتى كلمة مواساة.
حاولت تهدئة نفسها، وأقنعت نفسها أن هذا هو القرار الصواب... ألا تضحّي مرة من أجله؟!
كفى ما أخذت منه دون أن تعطيه شيئًا من حقه.
ظلت على حالها حتى غفت من شدة البكاء...
بقلم شروق مصطفى وانصهر الجليد الجزء الثالث من رواية جمر الجليد
---
عند مي
دخلت غرفتها بعد أن انتهت من حمامها، وارتدت منامة وردية. وقفت أمام المرآة تمشّط شعرها، لكنها ابتسمت بوجع عندما مرت ذكرى في خاطرها...
كانت تمشط شعرها ذات يوم، حين شعرت بذراعيه يلتفّان حولها من الخلف، يشتم رائحتها وهمس:
– مش عارف إزاي انتي بتحلوي كل يوم عن اللي قبله... نفسي أعرف السر!
نظرت إليه مي بحب:
– عيونك هي الحلوة عشان شايفاني كده.
احتضنها معتز بقوة أكثر، كأنه يريد أن يُدخلها داخله:
– بحبك.
ثم أمسك الفرشاة، وبدأ يسرّح لها شعرها بحب، ينظر إليها في انعكاس المرآة، وهمس:
– بحب أسرّح لبنوتي وحبيبة قلبي... عندك اعتراض؟
هزّت رأسها نافية وهي تبتسم بخجل من تصرفه، لم تشعر به وهو يترك الفرشاة، ويزيح شعرها إلى الجانب، ويطبع على خدّها قُبلة، تركت بها أثرًا، ثم ضحك:
– قلبي، انتي لسه بتتكسفي مني؟!
ما زال صدى ضحكاته في أذنها... ما زالت تشعر بلمساته، وهمساته، وعشقه.
كان يلقّبها بابنته، فأين هو الآن؟
كل الذكريات عالقة بداخلها، لم تتركها...
ألهذا الحد انخدعت به؟ وثقت فيه، ومنحته مفاتيح قلبها وعطائها؟
والمقابل؟
طعنة بشرف من أحبّته.
ما أصعب أن تظلمك من كنت تحتمي به...
صرخة مدوية خرجت منها، ألقت ما بيدها تجاه المرآة، تحطّمت، وتبعثرت، مثل قلبها تمامًا...
سقطت تبكي بانهيار.
دخلت والدتها مسرعة عند سماع الصرخة، وصوت التكسير، احتضنتها وهي تهدئ من روعها:
– يا حبيبتي يا بنتي، مالك؟ حصلك حاجة؟
نظرت الأم حولها، إلى قطع الزجاج المتناثرة على الأرض، أخذتها بين ذراعيها، أجلستها على الفراش، تحاول تهدئتها:
– حبيبتي يا نور عيني، إيه جرالك بس؟ منه لله اللي كان السبب... يارب، فك كربنا، يا كريم.
لكن نحيبها لم يهدأ، بل كانت تبكي وتتكلم ودموعها تنهمر:
– عملت كل حاجة، والله حافظت على بيتي، رغم معاملته اللي اتغيّرت بعد الحادثة. عملته زي ابني، عمري ما اشتكيتلك اللي بيعمله معايا... كتمت جوايا، وقلت عشان الحادثة مأثرة عليه، وكنت بعدّي...
لكنه بقى كويس، ولسه برده بيعاملني كأني... كأني قتلت له قتيل!
نظرت الأم إلى ابنتها، فوجدتها أغمضت عينيها، ودمعة عالقة بين جفنيها. مسحتها، قبّلتها، دثّرتها جيدًا، وبدأت تتلو لها بعض الآيات.
ثم نهضت لتنظف الغرفة من الفوضى التي خلّفها الألم.
---
رسائل يومية لم تنقطع عنها منذ ذلك الحادث الأليم. لم ييأس، ولم يملّ أو يكلّ.
استيقظت صباحًا على ألم يعصف برأسها، وعيناها متورمتان من أثر بكاء الأمس. وضعت يدها على وجهها، كأنها تريد محو كل ظلم ووجع تعرّضت له.
حمدت الله على نعمة النسيان، لكن ماذا عن قلبها؟ ذاك القلب المذبوح بسكين بارد؟
رفعت يديها إلى السماء، تدعو الله بحرقة، فما أجمل دعوة المظلوم... فهي لا تُرد.
رنّ هاتفها معلنًا عن رسالة واردة. تأففت بضجر، تظنها من ذلك المجهول الذي يطاردها دومًا، ذاك الذي كان سببًا فيما آلت إليه حالها.
نظرت إلى الرسالة:
"صباح الخير على أجمل وردة، النهاردة يوم جديد، سيبي اللي فات وعيشي الحاضر... لسه فيه مفاجآت تسرّك."
ابتسمت، رغمًا عنها، كأن الكلمات تعبّر عن حالتها بالفعل.
كيف شعر بي؟!
همست لنفسها بتعجّب:
– غريبة أوي... مين ده؟! هُف بقى... ابعد عني.
نفضت عنها ذلك الإحساس سريعًا، وقامت بحظر رقمه، ثم نهضت تجهّز نفسها للذهاب إلى الجريدة.
قابلت والدتها، التي لم تبخل عليها بدعواتها وكلماتها الدافئة، تحثّها على التماسك والمثابرة.
كانت لها نعمة السند في كل ضعف، قبّلتها على وجنتيها وغادرت.
...
استيقظت في موعدها المعتاد. تحسّست جانبها فلم تجده.
اعتدلت ونهضت، وفي طريقها إلى المطبخ لتجهيز الفطور، تفاجأت به خارجًا يحمل كوب قهوته الصباحية.
تطلع إليها بوجه جامد خالٍ من أي تعبير، تحدث دون أن يلتفت إليها أو يتراجع عمّا قرره مسبقًا:
– أنا فطرت، ما تعمليش حسابي.
غادر من أمامها، متوجهًا إلى غرفته مجددًا، لإنهاء بعض الأمور التي كان قد رتبها مسبقًا.
يتبع بقلم شروق مصطفى وانصهر الجليد الجزء الثالث من رواية جمر الجليد
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
الفصل الرابع بقلم شروق مصطفى وانصهر الجليد الجزء الثالث من رواية جمر الجليد
تتبعته بعينيها حتى ولج إلى الغرفة. تنهدت بألم داخلي وهي تمسح دمعة كانت على وشك السقوط، وهمست لذاتها:
"عارفة إني كنت قاسية معاك، بس لازم أضحي عشانك... ولو مرة."
دلفت لتحضير قهوتها، لكنها لم تعد ترغب في شيء.
أحضرتها وجلست تحتسيها في الصالة، حتى سمعت صوت إغلاق الباب. يبدو أنه غادر دون أن يودعها.
يبدو أنه فكر جيدًا في حديثها بالأمس، وبدأ في تنفيذ القرار الآن. ستنتظر قراره الحاسم بشأن حياتهما إذن.
بعد قليل، نهضت بتكاسل للذهاب إلى الجريدة.
---
تقابلت مع صديقتها داخل الجريدة، وكلٌّ منهن في عالمها الخاص. قطع الصمت اتصال هاتفي، كان المتصل "عاصم".
لم تدرِ لماذا خفق قلبها بشدة حين سمعت صوته. لم يُعطِها فرصة للسؤال أو الاطمئنان، بل بادرها بخبر محدد بجفاء:
قال عاصم بجفاء:
– أنا سافرت.
سيلا، بصدمة وتردد:
– س... سافرت؟ ف... فين؟ وليه؟
– بحققلك أمنيتك. مش ده اللي انتي عاوزاه؟ نبعد.
كتمت صوت نحيبها وهتفت داخليًا بألم: "بالسرعة دي؟!"
قالت بتردد:
– طيب... هتيجي إمتى؟
نظرت إلى الهاتف بصدمة من طريقته في الحديث معها، ومن إنهائه المكالمة بهذا الشكل. لم تكن تنتظر منه أن يرحل، ويغلق الباب في وجهها بهذه القسوة.
ندمت على ما قالته، ولعنت نفسها على غبائها الذي فرّط فيه. اغرورقت عيناها بالدموع، ونهضت مي بسرعة تحتضنها بشدة، تسألها بدهشة عن تغيرها المفاجئ.
قالت مي بلهفة وهي تجذبها إليها وتربت عليها:
– سيلا، مالك؟ في إيه؟ مين اللي كلمك؟
سيلا، بدموع تائهة وقرارات مشتتة:
– د... ده... عاصم... سافر خلاص. مش هيرجع تاني. ضيّعته خلاص.
حاولت مي أن تفهمها وتهدّئها:
– طيب اهدي... طيب، بصي، هروح أستأذن من أستاذ أحمد ونمشي نقعد في أي مكان نتكلم براحتنا، ماشي؟
لم تجد ردًا منها سوى صوت نحيبها وهمسها الخافت:
– ضيّعته خلاص.
ركضت مي لأخذ الإذن وغادرتا سويًا...
بقلم شروق مصطفى وانصهر الجليد الجزء الثالث من رواية جمر الجليد
---
في أحد الكافيهات المطلة على النيل، جلست كل من مي وسيلا، تحاول مي التخفيف عنها بعد أن روت لها ما حدث.
مي، بصدمة من فعلتها لكنها لم ترد أن تزيد عليها أكثر، فقالت بحنان:
– متقلقيش، عاصم بيحبك. عمره ما يفكر يجرحك. هو أكيد متضايق، وسافر للشغل، يمكن فرصة تهدوا شوية وتروق النفوس. بس انتي غلطانة يا سيلا برضه.
هزت سيلا رأسها موافقة:
– أنا عارفة إني غلطانة، بس هو ذنبه إيه يربط نفسه بواحدة مش بتخلف زيي؟
أوجع مي حديثها، لكنها أخفت ذلك وقالت محاولة طمأنتها:
– بس اللي بينكم أكبر من كده. ومتحكميش على كلام دكاترة، ياما دكاترة قالوا مفيش أمل، ودلوقتي عندهم ثلاثة وأربعة. إرادة ربنا فوق كل شيء، والصبر ده ابتلاء، يشوف قد إيه تصبري عليه. بس إنتي مع أول وقعة، قولتيله يمشي ويسيبك؟ طيب حبكم فين؟ خلاص كده؟
مسحت سيلا عبراتها بأناملها وقالت بصوت مبحوح:
– ونعمة بالله... بس مفيش أمل يا مي، صدقيني. خمس سنين! أنا بقيت ست عندها خمسين سنة ومش هشيل عيل! الدكتور صدمني لما شاف الأشعة، فاكرها بتاعة ماما. تخيلي! كنت مستنية رده، قالي دي أشعة واحدة عندها فوق الأربعين! وكمان، متنسيش مرضي كله مأثر. يا مي، ليه أحرمه من الأبوة؟ أنا مش قادرة أقدم له أبسط حاجة، إنه يشيل حتة منه، يشيل اسمه. هو نفسه في عيال، وأنا بحرمه من أقل حاجة بعد كل اللي عمله عشاني.
قالت مي، متأثرة بضيق لما تعانيه:
– وده المقابل؟ إنكم تسيبوا بعض بسهولة كده؟ يا بنتي مش كل دكتور قال كلمتين يبقى قرآن! مفيش تغيير؟ سيبيها على ربنا، هتمشي. والله ما تقعدي تعكنني على نفسك وتبوّزي بيتك وجوزك.
سيلا، بألم لا تسمع شيئًا سوى صوتها الداخلي:
– الحاجة الوحيدة اللي مفروض أقدمها له، مستحيلة. يا مي، افهميني بقى! هو هيزعل شوية بس هينساني مع الوقت، ويقابل اللي تجيب له اللي يشيل اسمه.
قالت مي، بحزن:
– طيب، وانتي بتعيطي ليه دلوقتي؟ مش ده اللي انتي عاوزاه؟
هتفت سيلا، بعينين تبرقان من الدموع:
– عشان بحبه! لأ، أنا بعشقه كمان. هو النفس اللي بتنفسه. مش عارفة من غيره هعمل إيه. حاسة إن روحي هتطلع لو روحت ملقتوش قدامي. وهو قالي مش هيرجع. هو أماني، خايفة أروح لوحدي، إزاي هنام وهو مش معايا؟ إزاي؟
دمعت عينا مي تأثرًا، وقالت بحرارة:
– حاسة بيكي، والله. طيب كلميه، قولي له يرجع بسرعة. أوعوا تبعدوا عن بعض طالما رباط الحب قوي. أوعي تضيعيه، لو ضاع هتخسري كل حاجة... كلميه بسرعة.
بقلم شروق مصطفى وانصهر الجليد الجزء الثالث من رواية جمر الجليد
نظرت سيلا لها بتوهان وقلة حيلة، وقالت:
– هنتعود... أكيد هنتعود. مقابل إنه يكون سعيد. أنا بس... الصدمة أخدتني شوية. سيبيه يجرب نصيبه مع حد تاني.
مي، بعدم اقتناع وحزن على حالة صديقة عمرها:
– طيب... لما تهدي كده وتعيدي تفكيرك، ربنا ينور بصيرتك إن شاء الله.
تلقت رسالة مرة أخرى من ذات المجهول:
"لا تجعلي الحزن يدق قلبك، عزيزتي. فالسعادة خُلِقت لتكون من نصيبك. وإن حظرتيني، سأظهر لكِ ولن أيأس. فقط أنتظر الرد لنصبح أصدقاء."
تحدثت مي بضجر وبصوتٍ عالٍ، وقد علت نبرة عصبيتها:
– مفيش فايدة فيك يا بني آدم! إنت مش بتزهق؟ مستفز!
سيلا، بتعجب:
– بتكلمي نفسك يا مي ولا إيه؟ في إيه؟
مي، وهي تتنفس بغضب:
– معرفش! واحد فاضي، كل يوم يبعتلي رسايل! وهو أصلاً سبب انفصالي، ولسه مستمر، ولا بيتعب!
سيلا، بصدمة:
– إزاي كده؟ إنتي ماتعرفيش جاب رقمك منين؟
– هاعرفه منين؟ بس سيبيكِ منه، مش في دماغي أصلًا.
نظرت لها سيلا بتردد قبل أن تقول:
– احكيلي يا مي عن سبب انفصالك إنتي ومعتز.
تنهدت مي تنهيدة حارّة وقالت:
– أقولك إيه ولا إيه؟ أقولك عن ظلمه ليا ولا إهانته؟ ولا عن كسرته اللي مش قادرة أنساها؟ بجد... مش قادرة أتكلم.
سيلا، بصدمة:
– ظلمك؟ معقولة!
أطرقت مي رأسها، والدموع تلمع في عينيها، تحاول نسيان ما مرت به، ثم قصّت عليها كل شيء:
– آه، ظلمني... قتلني يا سيلا، ذبحني!
أنا اللي كنت بشيله برموش عيني، ومحافظة على بيته واسمه ومرضه... وفي الآخر، ذبحني.
صمتت قليلًا، تحاول ابتلاع مرارة حلقها، ثم هتفت بألم:
– مادانيش فرصة أشرح... مصدقنيش يا سيلا.
خرجت من حصونها، ما زال الجرح ينزف، لم يلتئم بعد:
– أنا اتخدعت فيه، كأني حشرة رماها في لحظة وداس عليها.
كان معيشني في وهم، وصحيت على ألم على وشي.
من البداية ماحبنيش يا سيلا زي ما قالي...
كنت مجرد هدف وصله، ورماني في لحظة كأنه بينتقم أو حالف يكسرني...
وفعلًا، كسرني.
من هول الصدمة، احتضنتها سيلا بقوة، كلاهما يحاول تهوين الألم عن الأخرى.
وبعد لحظات، تملصت مي من حضنها، تمسح دموعها بتحدٍ، وقالت:
– كفاية دموع! أنا وعدت نفسي إني مش هبكي تاني عليه، هاعتبره مات ودفنته خلاص.
هقوّي نفسي... بس انتي يا سيلا غيري! عاصم بيحبك، وراضي باللي ربنا قسمه.
الحقيقة ماينفعش تبعدوا عن بعض... كتر البُعد بيعلم الجفا.
ابتلعت سيلا غصّة مريرة في حلقها، وقالت بصوت مكسور:
– مش يمكن ينسى؟ زي أخوه ما عمل معاكي؟
أنا مش مصدقة إن معتز عمل كده... ده كان بيموت فيكي، وحارب عشانك.
للدرجة دي ممكن عاصم يعمل زيه؟ مش بعيد...
أنا كلمته امبارح... وسافر النهاردة عشان ينفذ اللي أنا قولته!
هسيبه... ولو لينا نصيب، هنرجع.
مرّ الوقت وهما على حالهما، كلٌّ منهما تشكو للأخرى، واحدة تحمل وجع الظلم، والأخرى تختار التضحية من أجل سعادة من تحب.
وبعد وقتٍ من البوح والدموع، غادرت كلٌّ منهن في طريق مختلف،
تحمل كل واحدة في قلبها ثقل العالم...
إحداهن مظلومة، والأخرى ضحّت بصمت.
تكملة الرواية بعد قليل
جاري كتابة الفصل الجديد للروايه حصريا لقصر الروايات اترك تعليق ليصلك كل جديد أو عاود زيارتنا الليله
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول 1من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني 2من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثالث 3من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا