رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثالث وخمسون والرابع وخمسون بقلم دفنا عمر
رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثالث وخمسون والرابع وخمسون بقلم دفنا عمر
الفصل الثالث والخمسون
------------------------------
يا عظيم الرحمة قدمت قرباني ألا تقبل؟
ياغافر الزلات ابديت ندمي
ساجدا ذاكر باكيًا ألا تقبل؟
بحق ما جعلت نيران إبراهيم بردًا وسلامًا
بحق ما شققت البحر بعصا موسى ونجى بقومه
بحق ما عصمت يوسف من امرأة العزيز
وملكته عرش مِصرَ وخزائنها
أجعل لحبيبتي من الجحيم مخرج..
واخلق لي سبيلا إليها..
----------------
لا شك أن للموت هيبة
والاحتراق جحيم لا يُحتمل
حتى لو أقدمنا عليه طواعيةً
ظل يصرخ عليها بلوعة وعجز
ليته سامحها وعاد إليها..
ليته ما تركها لتلتهمها أفواه اليأس..
ليته مد لها يد العون بدلًا من الخذلان
ليته كان جوارها وحال بينها وبين الموت.
كيف سيعيش بهذا الذنب؟
والأهم كيف سيتحمل خسارتها؟
الآن..
الآن فقط أدرك قيمتها في حياته
أدرك مشاعره وأنه بالفعل يُحبها
يُحبها رغم كل شيء فعلته
رغم تاريخهما الأسود
خسارتها ستظل ندبته الغائرة
التي لن تطيب ابدا
لن تطيب!!
______________
+
" تيمااااااء"
صرخته زلزت سكون محيطه وهو يفيق هادرًا بأسمها فزعًا من نومه، جبينه متعرق بقطرات زحفت على سائر وجهه.. كان حُلمًا..لا.. بل كابوس..كابوس لعين.. الحمد لله انه مجرد كابوس..زوجته بخير.. لم تحترق.. لم تمت أمامه بالبشاعة التي رآها..تيماء لم تمت.. مرر كفيه على وجهه مستعيذا من الشيطان الرچيم مستغفرا الله لعل اثر ما رآه يزول في نفسه ويهدأ.. أنفاسه بدأت تنتظم نوعًا ما داخل صدره لكن مازالت تلك القبضة الغامضة في قلبه تؤلمه..هناك أمر سيء يلوح في سماءه يراه ببصيرته..
+
هل تحتاجه وتأخر عنها؟
هل فات الوقت ليصلح ما مضى بينهما؟
أم مازالت هناك فرصة لتشيد أوصر جديدة؟
بالطبع هناك فرصة
مازال الأمل معقودا
وهي بخير لم تحترق أو تموت
أما هو
ألم يعفه الله من الخطيئة بين جنبات ذاك الملهى؟
ألم يُجنبه الانزلاق في هذا البئر مرة أخري؟
ألم يبعث إليه ذاك الرجل الطيب ليبث فيه الأمل ويحسه على التوبة ونفض غبار اليأس والقنوط عنه؟
ألم يرسل لأذنيه صوت الطفلة لتلفت انتباهه قبل أن يسقط؟ وقبل كل هذا.
ألم يمنحه رحمة؟
صغيرته الحبيبة دافعه الأكبر للتغير والصمود
لأجلها سيعافر..
ولأجل تيماء.. زوجته.. قدره..
لن يتخلى عنها..
مثلما استقوى بالله واستعصم به
سيقويها ويحميها من اليأس
مثلما شاطرها الذنب
سيشاطرها طريق التوبة
الفرصة سانحة ولم يفت القطار بعد
ولن يتركه يغادر قبل أن يضمهما بين جنباته
ليعقد معها ميثاق مختلف بعد أن رمم القليل من نفسه، ربما الآن أصبح لديه قوة وطاقة كي يؤازرها
نعم الآن أخذ قراره..لن يتركها..كابوسه لم يزوره عبثا
هو إنذار إن لم يدركه خسر كل شيء وهلك
وهو تعلم أن يفهم رسائل القدر التي يرسلها الله له..
مهما كانت ذنوبهما هناك باب توبة يمكن طرقه في أي لحظة.. الله لا يوصد أبواب غفرانه..ينتظر عباده ليتضرعوا ويندموا على أعتابه ليمنحهم رحمته التي تسع كل شيء..كل شيء.
الآن سيذهب ويحضرها مع الصغيرة..
سيقول لها انه سامحها لأنه ليس أفضل منها..
هو كان الشيطان الأكبر كما نعتته قبلا
هو من علمها البغاء وفنون المعصية
وهو من سيعصمها بقوته ويحميها من قنوطها
+
بتلك الومضات الإيمانية التي غمرت روحه بضوئها أزاح غطائه ونهض ليستعد لتنفيذ قراره وهو يهمس( يارب ساعدني..خايف وعايزك تطمني.. يارب ما يحصل لمراتي وبنتي حاجة وحشة)
+
رنين الهاتف اجفله بقوة..!
لتنقر مطارق مؤلمة في قلبه بذات اللحظة
بيد مرتعشة التقط هاتفه وبصر رقم منزلها..
رد سريعا فإن كانت تيماء سيقول لها
يقول ماذا؟
ليست هي من تتحدث!
ليست هي
بل الصغيرة "ضي" هي من تصيح باكية
لتزداد القبضة.. ولوهلة تدور به الأرض قبل أن يتماسك ثانيًا مستمعا لاستغاثة شقيقتها:
+
"ألحقني يا عمو رائد.. اختي رودي مش موجودة في أوضتها.. هي قالتلي نيمي رحمة معاكي.. رحمة كانت بتعيط وهي مش راضية تاخدها.. قالتلي خديها عندك واتعلمي تسكتيها.. بس.. بس.."
+
وصمتت الصغيرة تلتقط انفاسها الهاربة ثم واصلت حديثها بنفس البعثرة وكلماتها متقطعة( أختي.. اختي مش هنا..سابت جواب لحضرتك عليه أسمك.. معرفش مكتوب فيه ايه..خايفة اصحي ماما عشان تقراه.. أنا خايفة ياعمو.. أنا حاسة ان اختي مش هترجع تاني.. كان كلامها غريب معايا.. كانت سامعة رحمة بتعيط ومش راضية تسكتها..ورحمة لسه بتعيط سامعها؟ أرجوك تعالى بسرعة ياعمو قبل ما ماما تصحي.. أرجوك تعالى!! )
+
لم ينتظر ليكتمل ندائها..
كابوسه لم يكن عبثا..
كابوسه المخيف انبثقت مخالبه القاتلة
وطلت من نافذة واقعه تلوح له ساخرة..
تيماء مازالت في دائرة القنوط واليأس
هو من دفعها للموت..ودفعها للجحيم
إن فقدها لن يسامح نفسه ما بقي له من عمر..
+
هبط الدرج وشق طريقه گ صاعقة لا يوقفها أحد، الهاتف مازال علي أذنيه، فقال وهو يلهث: ضي.. متخافيش انا جاي، حاولي تسكتي رحمة وانا دقايق وهكون عندك..وهرول يسابق الريح حتى وصل إليها.. وبعد طرقات متلاحقة قوية شُرع الباب امامه ليجد " ضي" تحمل صغيرته الباكية، فتمزق قلبه وحملها سريعا وراح يهدهدها حتى انقطع بكائها على صدره، فأعادها لضي والتقط منها الجواب..
+
بدأ يقرأه وكلما طاف على حروفها شحب وجهه حد الزُرقة القاتمة وارتجفت يده هلعا مما يطالع!!
+
" رائد.. أنا بكتبلك وصوت بكاء بنتي سكاكين بتقطع قلبي.. بس خلاص أنا مبقاش عندي حاجة تنفعها..هسيبها لضي لحد ما انت ترجع تاخدها.. ومتخافش مش هكون موجودة.. هريحك مني.. هريح كل العالم من لعنة تيماء..مش هأذي حد.. ولا حد هيأذيني..عارفة إن اللي بعمله ده حرام وانتحاري هيكون اكبر خسايري لأني هموت كافرة.. بس هو انا عملت ايه ينجيني ويشفعلي عند ربنا؟ أنا بكره نفسي اوي يا رائد.. كان نفسي اكون واحدة تانية. . كان نفسي من الأول ابقى رودي الطيبة الملاك اللي حبتك وانت حبيتها.. بس انا مش هكدب على نفسي أنا عارفة من جوايا اني تيماء مش رودي.. بس صدقني سواء كنت دي او دي أنا حبيتك..قولتلك اننا شبه بعض بس انت ماقدرتش تصدق وتفهم.. كان نفسي حبي الكبير ليك يشفعلي عندك وتتقبلني في حياتك بكل عيوبي وتبدأ معايا صفحة جديدة..قولتلك إني ضعيفة فوق ما تتخيل من غيرك.. كان نفسي تساعدني زي ما ساعدتك زمان وانت فاقد الذاكرة.. لكن انت اتخليت عني وعن بنتنا..عاقبتها ببعدك عنها زي ما عاقبتني وهي مالهاش ذنب..رحمة كانت طوق نجاتنا الوحيد..يمكن لو كنت قررت تفضل معانا وربيناها سوا كان بقى فيه امل..بس انت روحت تدور على الامل بعيد عني يا رائد.. قولتلك لو سبتني هموت.. واديني اهو بموت من حزني ووحدتي..بموت كل اما ابص في المراية لأن بشوف مخلوقة مشوهة.. بشوف حقيقتي في عيونك وعيون الناس، خلاص مبقاش ليا مكان في الدنيا ولا حياة.. انت كنت حياتي نفسها.. يمكن اكون حبيتك غلط..وخدعتك وضللتك عشان احافظ عليك..بس هو ده حبي..
على فكرة أنا عندي ليك اعتراف اخير قبل ما اختم رسالتي..ما انت كده كده بتكرهني.. انا كنت كل يوم بدوبلك في العصير علاج يأخر عودة ذاكرتك..كنت خايفة لو رجعت وافتكرتني تكرهني وتسيبني.. طبعا مش هطلب منك تسامح ولا تفهم.. انت خلاص سبتني..رائد.. دموعي بتزيد ومبقتش شايفة اكتبلك.. بنتي عمالة تعيط.. نفس اروح احضنها.. بس لو عملت كده مش هقدر اسيبها.. وانا لازم ابعد عشان تعيش.. رائد..هتزعل عليا؟ هتدعيلي؟ معتقدش..عموما كل اللي طالباه منك تربي بنتنا كويس ..قولها اني كنت بحبها.. قولها ماما كانت بتحبك اوي..أكدب عليها وقولها ماما كانت طيبة ونضيفة..علمها اللي انا وانت كان لازم نتعلمه في الدنيا..استثمر فيها باقي حياتك وأوعي تتخلى عنها يا رائد..اوعي تخليها تيماء تانية وتتجوز وتنساها..شبعها بحنانك ورعايتك..ودلوقت خلاص مافيش حاجة باقية عشان اقولها تاني..وأكيد لحظة لما تقرا الجواب ده هكون وسط الجحيم بموت
ده القربان اللي هينجي بنتي..
لعنتي هتنتهي في نفس المكان
اللي بدأت فيه خطيئتي الأولى..
مش هيفضل مني غير رماد
محدش هيشوفه..
ولا هيحس به.."
+
نفس الكلمات اللعينة التي قالتها في كابوسه
أهذا كل شيء؟!
انتهت تيماء ولن يراها ثانيا؟
أين هي لينقذها من جحيمها المستعر
أين يجد حمقائه ليغمسها بين ضلوعه
ويؤدبها على صدره
كيف السبيل إليها الآن؟
أي طريق يسلك ليعيدها؟
+
جعد الرسالة بقبضته حتى تكومت بعشوائية وقذفها بعيد وهو يدور حول نفسه گ المختل معتصرا عقله عله يعلم مكانها..أين يجدها.. أين.. أين؟؟؟؟
+
وبينما هو يدور منفعلا يحدث نفسه تتابعه الصغيرة " ضي" بهدوء تام وگأنها تفسح له مجال التفكير وداخلها تدعو أن تعود شقيقتها، لتُجفَل بغتة علي وقفته المفاجئة وقد اتسعت عيناه بشدة والتقط سريعا رسالتها التي قذفها منذ دقائق..وراح يفك تجاعيدها ومرر عينه سريعا على أخر سطر كُتب فيها ( لعنتي هتنتهي في نفس المكان اللي بدأت فيه خطيئتي الأولى.. )
+
المكان اللي بدأت فيه؟
+
وهنا وثب گ الليث يركض متوجها حيث ظن بنسبة تفوق التسعين بالمئة أنها هناك..استقل السيارة وقادها بسرعة جنونية ثم برق بعقله خاطر ما نفذه علي الفور وهو يلتقط هاتفه ويضغط عدة أرقام..
+
لا يدري ما فعله سيفيد أم لا.. لكنها محاولة.. فإن صدق حدسه انها هناك، ربما تصل سيارة الشرطة او المطافي قبله وتنقذها إحداهما.. أما لو لم تكن هناك فسيكون عليه أن يستعد لرثائها الأخير بعد فقدها للأبد..وهلاكه المؤگد.. وبشفاعة كل ركعة وكل ذكر عكف عليه الفترة الماضية راح يدعو أن يجدها وتكون بخير.. وإلا لن ينتظره سوى الهلاك..
______________
+
بمنتصف الغرفة تقف ونظراتها جامدة گ المواتى.. فاقدة للحياة.. تنظر لفراشهما معا..الفراش الذي شهد على أول هزائمها..يوم فقدت كرامتها قبل عذريتها التي منحتها له باعتقاد عقيم انها بهذا تكسب قلبه.. منحته اغلى شيء لأنه كان الأغلى..لكنها الآن أيقنت كم كانت مخطئة..لم تكسب حب رائد بل حصدت احتقاره لها.. لم تكن في عينه سوى غانية.. لم تنال احترامه فضلا عن حبه..
رهانها عليه كان خاسر.. خاسر.. خاسر..
+
بسطت على الفراش قميص نومها المدنس جوار كنزته السوداء بلون تلك الليلة الحالكة والأخيرة لها في هذا العالم..وگ المغيبة صارت ترص قطع ملابسهما أرضا..انتهت ووقفت تتأمل ما صنعت..لقد صنعت بملابسهما قلبًا..ضحكت بهستريا تشوبها الجنون وهي تهذي ( قلبي اهو يا رائد على الأرض.. هيتحرق معايا.. وانا وانت هنتحرق جواه.. هنتبخر.. بس هنرجع تاني.. روحنا خلاص هتنضف.. هنحب بعض بس مش علي الأرض.. أرواحنا هتتلاقى في السما)
+
وبهدوء غريب راحت تنثر قطرات سائل مقيت الرائحة حولها..صنعت بيديها بوابتها الأسرع للجحيم..جزاءً وِفاقًا لما اقترفته..بعد قليل ستبتلعها النيران علها تمحي أثار خطيئتها الأولى وكل خطاياها..خائفة؟ لا.. أو ربما تشعر بالخوف وترتجف وهي تُشعل عود الثقاب.. لهيبه يتراقص بعينيها ويصنع ظلال مخيفة على وجهها.. لو رآها أحدا سيصيبه الرعب..أغمضت عينيها وراحت تهمس بكلمات خافتة غير مسموعة.. ثم شرعتهما وبنظرة ثابتة قذفت عود الثقاب على الفراش فالتهمت النيران ملابسها فوقه، والقلب الذي رسمته بقمصان لياليها المشينة..النيران تزحف بسرعة البرق تجاهها.. وهي لا تتحرك.. لا تبتعد..صامدة تنتظر مصيرها الذي اختارته..ومضات خاطفة من حياتها تتابع لذهنها.. ومضة مع أبيها.. وثانية مع والدتها.. ومثلها مع رائد..وأخرى مع بلقيس..وأخيرا ابنتها
+
بدأ جبينها يتعرق مع جسدها وهي تنظر لجحيمها بخوف..كأنها لم تعي لحالها إلا الآن..
+
_ ماما..
لا تعرف كيف انبثق جسد صغيرتها من وسط النيران وهي تبكي وتمد يدها الصغيرة نحوها.. لتصرخ تيماء بلوعة (حاسبي يا رحمة.. أبعدي عن النار.. ابعدي يابنتي.. إلا انتي.. إلا انتي.. أنا حرقت نفسي عشانك.. عشان ماتتحاسبيش بذنبي.. انا خسرت نفسي وخسرت ابوكي بس مقدرش اخسرك.. ابعدي يا رحمة عن النار ..اهربي يا رحمة.. أهربي يابنتي)
+
واختفت الصغيرة من فوق الفراش المحترق
لكن انبثقت من بقعة أخرى وهي تنادي وتمد يدها
+
_ ماما
لتعود تيماء وتصرخ عليها..(جيتي تاني ليه يا بنتي.. أبعدي عن النار .. اهربي.. ده مصيري لوحدي بلاش يكون مصيرك يابنتي..ابعدي.. اهربي)
+
أوهامها تجسد لها ابنتها تحترق أمامها وهي تطالعها بلوم كأنها تخبرها أنها تؤذيها ومخطئة بقرارها.. وستحترق معها..
+
بدأت النيران تزحف إليها گ وحش كاسر
لا يُردع تقدمه شيء..
تصرخ
تدور حول نفسها بجنون والنيران تلتهم ملابسها..
تحرق قدميها..
وتعلو لتنال من جسدها الأكثر
جانب ظهرها
ذراعها، كتفها
وهي تصرخ
ومازالت رحمة تقف وسط النيران تناظرها بلوم
دموعها تزحف ولم تعد تصرخ
تحترق بصمت
ثم تلاشت بغتة!
هل نجت ابنتها؟
هل أتي رائد وأنقذها؟
نعم
هو هنا
رائد يحطم الباب ويبصرها
هو أيضًا ينادي عليها
لكن هل رآي الصغيرة خلف الباب؟
وهل سينقذها مثلها؟
لا تعرف
ربما لا
بل أكيد لن يفعل
هو يكرهها ولن يحزن لأجلها
سيعيش بعدها ويتقلب على صدور النساء گ عهده
+
بدأت تختنق وألام الاحتراق تنال من قوتها
لكنها تعافر.. تريد الاطمئنان علي الصغيرة
رحمة، مازالت تبكي بصمت.. تعاتبها
كلما حاولت الاقتراب منها
طالت المسافة بينهما ثم تتلاشى
+
وفجأة سقط الباب بدفعة قوية
شلال من المياة الباردة بدأ يمطر حولها
لا تعرف مصدره لكن النيران بدأ لهيبها يخبت بخزلان
بعد أن كان متغول عليها منذ لحظات
وجسد الصغيرة يبتعد رويدا رويدا
ورائد يقترب..
لكنها تسقط في اللا وعي
تنادي عليه دون صوت
شفتيها لا تتحرك
عيناها تُسدل على صورته
الكون يدور بها
يدور بشراسة
روحها تنسحب منها
قدميها تتهاوى
ثم توقف كل شيء
وأخر ما شعرت به
ذراع قوية تتلقفها وصاحبها يصرخ
+
تيمااااء
أسدلت جفنيها وانقطع تواصلها بهدا العالم
من ضمن الاحياء هي!
أم أصبحت بين عداد الموتى؟
لا تدري!
فلم تعد تشعر أو تسمع شيء!!
________________
+
"ازاي عرفت ان مراتك هتحرق نفسها في المكان ده؟"
أجاب وهو شارد تحت تأثير ما شاهده: عرفت منها هي!
المحقق: أزاي.. وضح أكتر
( لعنتي هتنتهي في نفس المكان اللي بدأت فيه خطيئتي الأولى.. )
عاد صدى جملتها الأخيرة يتردد بدهاليز عقله وهو يستعيد في مخيلته لحظة وصوله إليها بالتزامن مع سيارة المطافيء بينما تخلفت الشرطة عنهما گ عادتها دائما لا تصل إلا متأخر.. ما أن وصل حتى وجد النيران ينعكس ضوئها علي النافذة.. نافذة الغرفة التي كان يلتقيها بها..في ذات المنزل الذي يتوسط منطقة شبه مهجورة.. منزل من طابق واحد إرثا من أبيه له هو وشقيقه.. شيد قبل وفاته عمدانه الأولى.. كان ينوي تأسيسه لبناية كبيرة، لكنه توفى بعد اكتمال أول طابق.. وظلت الجدران بعده كئيبة بسطحها القاسِ ولونها الرمادي.. وإضاءتها الباهتة..فتركت والدته الحال على ما هو عليه إلي أن يواصل هو وأخيه بنائها لهما ولعائلتيهما مستقبلا.. لكن لم تعلم انه أختار هذا الطابق المنعزل وكرا لقذارته دون أن تدري.. دنسه مصطحبا تيماء معه أول مرة حين أدرك رغبتها فيه دون حدود أو حواجز، جاء بها إلى هنا..اختار مكان لم يعرفه رفاقه.. لم يُحضر فيه فتاة سواها..لا يعرف حين خصها بتلك الميزة الفريدة بمقابلتها بعيدا عن أيادي رفاقه كان يميزها أم لا.. هل امتلكت تيماء جزءً من قلبه دون أن يشعر أم لا.. ربما كانت تمتلكه وفقدته مع أو لحظة تسليم منها له..نزلت من عينه وتساوت بمن مثلها من الغانيات.. لكنه رغم ذلك ظل يلتقيها هناك بعيدا عن ذئابه الذي كان هو زعيمهم الأكثر قذارة منهم..
+
ولم يكن صعب عليه تخمين مكانها بعد جملتها الأخيرة.. تيماء أختارت أن تموت في نفس المكان الذي فقدت فيه كل شيء..
+
نفذ صبر المحقق وهو يعيد سؤاله: بقولك عرفت ازاي ان مراتك هناك وقررت تحرق نفسها وتنتحر؟؟
_ أحنا لما بنتخانق بتروح هناك، ولما سابتلي رسالة بتقول انها ناوية تنتحر عرفت مكانها عشان كده اتصلت بالمطافي وبيكم بسرعة عشان حد يلحقها لو ماقدرتش اوصل قبلكم..
+
حدجه المحقق بقوة يحلل تعبيرات وجهه الشاردة فبدا له شخص ضائع..مصدوم .. خائف.. يكاد يجزم انه غير مستقر نفسيا..واضح انه يحب زوجته هذه كثيرا.. تهكم بصوت ضميره ( لما بتحبها كده زعلتها ليه)
+
_ عموما كده مافيش قضية أصلا.. مراتك حاولت تنتحر بس الحمد لله المطافي وصلت قبلنا وقدرت تنقذها.. والحروق اللي اتعرضت ليها أعتقد مهما كانت فداحتها ممكن تتعالج بعمليات تجميل فيما بعد.. ثم ختم قوله بشكل روتيني بارد: امضي على أقولك عشان نقفل المحضر واتفضل مع السلامة..
............ .
غادر متجها حيث تقبع هي..
وصل ليجد جسدها يرقد بسلام نالته أخيرا..
وأنبوبات طبية تتصل بها بعضها يمنحها أنفاس صناعية والأخرى لتزودها بالغذاء
غائبة عن الوعي كما أرادت
وقف يطالعها والحروق احتلت الكثير من ذراعها وكتفها وجانبها الأيمن..
هل ما حدث لها هو القربان الذي اقدمت به لتتطهر؟
كما حاول هو لولا أنقذه ذاك الرجل الطيب..
هل حين تفيق وتبصر ما أصابها ستتحمل؟
+
لمعت عينه بنظرة قوية وهو يردد لنفسه بعزم
"ستتحمل" هو معها لن يتركها تعاني وحدها..
سيُقبل بشفتيه جلدها المحترق هذا كل يوم.. كل ساعة..سيعلمها كيف تحب نفسها وتحب الحياة من جديد.. خسارة جلدها الناعم ربما هو ربحها الأعظم.. هو أخر ما تبقى من قناع وجهها القاسي
سينبت لها جلد جديد.. نظيف.. طاهر
حينها ستكون أجمل بمقلتيه
ستعود رودي كما عادت تيماء
سيجتمعان ومعهما ابنتهم رحمة
ولن يفترقا بعد الآن..
لن يفترقا..!
____________
راح يفرك عينيه وأثر النوم يكحلها، بصر توقيته المتأخر نوعا ما وتعجب، لينتفض قلبه ما أن علم ماهية المتصل، بدأ المكالمة وقبل أن يتفوه بحرف، اندفعت هي تصيح بصوت متهدج وجمل متسارعة:
+
ياسين.. أخويا اتكلم.. اخويا خلاص خف.. قرأ لبابا الفاتحة ، أنا مش مصدقة، لو تشوف ازاي قرأها زي طفل لسه بيتعلم الكلام.. وفضل ماسك الخاتم بتاعه لحد ما نام كأنه شاف بابا فيه.. أنا فرحانة اوي يا ياسين لدرجة خايفة انام اكتشف ان ده حلم.. أنا كنت حزينة علشانه أنا واختي وفرحتنا كانت ناقصة..بس ربنا أستجاب لدعانا.. أخويا رجع يتكلم..انت متخيل.. اخويا حبيبي اتكلم.
+
ألقت كلماتها دون ان تلتقط أنفاسها من كثرة انفاعلها، أما هو استمع لحديثها المنفعل والمفعم بالفرح وروحه تحلق في وادٍ أخر..اتصالها التلقائي عليه لتتشارك معه فرحتها هو أكثر غنائمه معها إلى الآن..احتياجها له دون غيره لتصب في أذنيه مشاعرها دون حسابات لا يعني سوي أنه اصبح يحتل في قلبها مكانة تفوق كثيرا ما تظهرها امامه، أرتجف قلبه واشتعلت به الرغبات التي لم تتحرك يوما لسواها، فعلتها العفوية تزن في نظره أقوى تصريح للحب تمناه..عصفورته طارت بجناحيها وأختارت أن ترسو على غصنه.. أدركت أنه سندها.. وسارعت تقص له موقف شقيقها، صوتها الباكي فرحا ربما أعذب لحن سمعه..ليته هناك في المنصورة حتما كان سيذهب إليها ليراها..
+
_ مبروك ياحبيبتي..مبروك..
+
همس بكلماته وهو يهنئها بنبرة كأنها غُمست في نهر جاري من حنانه وفرحته لأجلها، وهي الظمئ لقطراته كي يروي جوف روحها المتشقق..وبعد برهة فاقت على إدراك اندفاعها، شعرت بحرارة تنبع من داخلها، نظرت للساعة لتصطدم انها تعدت الثانية بعد منتصف الليل..اتسعت عيناها دهشة وخجل.. هل كانت مغيبة وهي تتصل به في هذا الوقت؟ كيف فعلتها..؟ كيف تجرأت هكذا وتخلت عن رزانتها وتحفظها..توترت وتحشرج صوتها وهي تحاول الحديث وفشلت، فأدرك حالها واستيقاظ طبيعتها الخجولة معه، ابتسم هامسا: لو تعرفي تصرفك العفوي ده فرحني قد ايه يا بسمة؟ لو قولتلك إني روحي طايرة في السما يمكن ماتصدقيش..انتي من غير ماتحسي محيتي كل المسافات والحدود بنا وسلمتي الدفة لسلطان قلبك يمشيها..كبيرة عندي أوي إني اكون اول واحد تفكري تشاركيه فرحتك، ده يساوي عندي ألف كلمة بحبك نفسي اسمعها منك..
+
صمتت تستوعب مافعلت وما قاله..لم تخطط لشيء وأكثر منه تصيبها الدهشة..كل ما وعته بمجرد أن انتهى احتفالهما وسهرتهما مع الصغير، خلت بنفسها داخل جدران غرفتها وهاتفته وهي تصرخ بمشاعرها، في تلك اللحظة لم تجد أقرب منه.. هذا ما وعته جيدا.. ياسين أميرها.. فارسها ..رجلها.. سندها بعد الله.. صارت له تلك المكانة حتي قبل أن تكتشفها هي، دمعت عيناها لما تحياه بعد محنتها..عوضها الله بمثله وازداد سخاءه بشفاء أخيها.. كيف تشكره علي كل هذه النعم..
+
_ بسمة.
+
مازالت صامتة، لن تقدر على الحديث وتلبية ندائه والخجل يقتلها..لكنه لم يصمت والفرصة أتته گ أجمل ما يكون ليهمس لها باعترافه الأول.. اعتراف فتت بقايا تماسكها وأسقط دموعها العالقة بطرف أهدابها،خط باعترافه عنوان اسطورتهما معا
أسطورة هذا الزمان "الأمير والسندريلا "
+
_ بحبك..
+
أهكذا مذاق اعترافه رغم البعد؟
ماذا لو ضمها وتشبعت بحروفه أذنيها؟
ماذا لو ولفحتها أنفاسه الدافئة وهو يهمسها قريبًا؟
ماذا لو غمرتها عينيه بنظرة زاخرة بعشقه؟
+
أغمضت عينيها بقوة تحبس تلك اللحظة داخلها كي لا تهرب..الآن فقط علمت أين مآواها..
مآواها ليست جدران.. مآواها قلبه..
قلب غدى عالمها..ووحده يكفيها..
________________
+
قال وهو يرتشف بعضا من فنجان قهوته:
_ شوفتي حكمة ربك يا كريمة، كنتي بتخططي عابد ياخد بسمة، أهي طلعت من نصيب ابن أختك
_ أديك قلت حكمة ربنا ومشيئته، وأنا خلاص رضيت وبحمده على كل حال، مدام ابني مبسوط خلاص، هو انا عايزة ايه غير كده، وبسمة راحت لابني التاني وماراحتش بعيد..
_ ربنا يسعده ويطمنا على الكل
_ اللهم امين.. بالمناسبة كام يوم كده وهروح انا وعبير مع فدوى عشان نتسوق مع بسمة والبنات ونشتري لوازم كتب الكتاب..
_ وماله، ابقي خدي معاكي فلوس بزيادة واعملي والواجب مش هوصيكي طبعا ( واستطرد) والله البنتين دول صعبانين عليا، بقوا أيتام ومالهمش حد
_ ماهو عشان كده رايحة معاهم انا وعبير، لولا كده ماكنتش اتحركنا وكان كفاية البنات معاهم، بس عشان نحسسهم ان ليهم عزوة.. ياسين ده ابني مش ابن اختي وفرحانة عشانه فوق ماتتصور..
+
ربت علي كتفها: ما انتي اللي ربتيه يا كريمة.
وواصل بسرد مشاعره: ياسين غالي عليا أنا كمان هو وناجي، طول عمره أخ لينا مش بس زوج اختك..
+
ابتسمت وهي داخلها راضية بتدبير الله كل الرضا، من يعلم ربما لو تم ما أرادت وتزوج عابد بسمة، ما وجد راحته كما نالها مع ابنة عمه..رب العالمين دبر الأفضل للجميع..هذا يقينها الآن..
_______________
+
ألقي بجسده فوق وفراشه والنوم يداعبه بقوة، لكنه تذكر انه لم يحدثها منذ بضعة أيام وهي بالمثل ويجزم انها غاضبة، فامسك. هاتفه واعتدل قليلا وضغط رقمها وانتظر صوتها:
+
_ السلام عليكم
_ وعليكم السلام يا حبيبة قلبي.. وحشتيني
هتفت ببرود: شكرا
_ نعم؟! شكرا؟ ده رد برضو؟؟؟
قد يعجبك ايضا
منذ عام
رواية صغيرتي زين ونبض الفصل السابع 7 بقلم اماني المغربي
منذ عام
رواية صغيرتي زين ونبض الفصل الثامن 8 والاخير بقلم اماني...
منذ عام
رواية عصيان انثي الفصل الثالث 3 بقلم حنان ماهر
صمتت وتيقن من ضيقها فقال بنبرة لينة: ملاكي زعلان مني ولا ايه؟
_ وهزعل ليه وانت عملت حاجة تزعل؟
تنهد وهو يعتدل ليسترخي أكثر علي فراشة وغمغم: والله ياجوجو غصب عني مش لاقي وقت مشغول جدا الفترة دي بسبب ضغط الشغل..
+
وجدها صامتة فواصل: طب هو انا بعمل كل ده لمين ؟ مش عشانك وعشان مستقبلنا؟
+
_ ربنا يعينك ياعامر
_ عامر بس؟ مافيش حبيبي ولا عموري حتى؟
طب افتحي الكاميرا ياجوري عايز اشوفك
_ لأ معلش عايزة انام، بكره اكلمك
_ جوري..بقولك افتحي الكاميرا..
تنهدت وبعد برهة قالت: اقفل دقيقتين وهتصل بيك
+
اغلقت ونظرت لهيئتها البسيطة في المرآة وهي ترتدي طقم بيتي برسومات مبهجة، وتقسم شعرها على شكل جديلتين.. همت بتحريرهما ثم توقفت وقالت: والله ما هفك ضفايري.. وان كان عاجبه استاذ مشغول ده
+
ثم اتصلت به وما ان رآها حتى ابتسم وراقه طفولتها وقرر أن يشاغبها قائلا: أنا عايز جوري خطيبتي لو سمحتي يا أمورة، روحي ناديها
_ ماعندناش غير اللي قدامك دي
_ بس انتي عيلة أنا خطيبتي كبيرة ومزة تملى العين
_ برضو مافيش غيري
غمزها بإحدي عيناه: طب هاتي بوسة كبيرة لعمو..
كتمت ضحكتها بأعجوبة وقالت: لأ..
_ مش عيب بنوتة مؤدبة زيك تكسف واحد زي باباها؟
هتفت بعبوس مزيف وداخلها مستمتعة بمزاحه معها:
_ ومش عيب تبقي كبير كده وتطلب بوسة من عيلة صغيرة؟
_ عندك حق.. المفروض اطلب من خطيبتي حبيبتي
_ مش لما تصالحها الأول
_ انصحيني اصالحها ازاي؟ اصلي مقدرش على زعلها
_وهتنفذ طلبها مهما كان ومش هترجع في كلامك؟
+
تردد لحظات ثم رمقها بحنان وشوق حقيقي وقال بنبرة دافئة: عايزة ايه يا جوري وانا هعمله
+
نفذت نبرته الحانية لقلبها..لكنها لن تتنازل عن طلبها فقالت: تيجي بكرة الجمعة تقضيه معايا ونروح النادي مع اخويا ومراته ونتبسط سوا..بقالنا كتير مش اتقابلنا ياعامر وانت مشغول عني خالص حتى مش بتتصل.. عايزة احس اني مخطوبة واني بوحشك..
+
صمت يطالعها وهو يفكر في اقتراحها بجدية، وقته لا يسمح قط بتلك العطلة الآن، هو وظافر يستعدان لافتتاح مطعم جديد، هذا غير القاعة التي يتم تجهيزها لإقامة حفل عقد قران شقيقته إيلاف ومفاجأة بلقيس زوجته في ذات الوقت..أما اعباء الأداراة وتنظيم مواعيد الأوردارات الهامة فهي قصة أخرى..وقته مشحون لأخره..
+
_ خلاص ياعامر واضح انك مش فاضي فعلا، نتقابل لما تفضي.. ودلوقت تصبح على خير عشان عايزة انام والله..
+
قلبه لا يطاوعه أن تغلق محبطة، لكن ماذا بيديه، صعب ذهابه الآن..
_ عامر بقولك خلاص ومتخافش مش زعلانة
قال بامتنان: شكرا ياحبيبتي انك قدرتي ظروفي.. وهعوضك قريب جدا
_ ماشي منتظراك.. تصبح على خير
_ مش هتقوليلي كلمة حلوة
_ خد بالك من نفسك وربنا يعينك
_ يعني مستخسرة تقوليلي بحبك وهتوحشني
لم تتجاوب معه وهي تقول متجاهلة استجدائه العاطفي لها: معلش مش فايقة والله، تصبح على خير يا عامر، انت اكيد تعبان ومحتاج ترتاح، بكرة كلمني لما ترجع من شغلك..
_______
+
اليوم التالي في النادي!
+
_ زمزم، تيجي تتمشي معايا؟
_ لا ياجوجو بلاش، مانمتش كويس وحاسة بكسل كبير وجسمي مكسر، حابة اقعد مع طنط وماما وبابا جايين بعد شوية، وكمان عشان اخد بالي من مهند اللي شقاوته زادت الايام دي، مش عايزة اغفل عنه
_ ماشي يا زوما براحتك، شوية وراجعة( ثم حدثت والدتها) عايزة حاجة يا ماما؟
_ لا ياحبيبتي، بس ما تتأخريش كتير ، شوية وعابد يجي مع ابوكي وعمك ومراته عشان نتغدى كلنا..
_ حاضر مش هتأخر..
...... .
تسائلت كريمة. بعد ذهابها: هي جوري مالها يا زمزم؟ شكلها مش عاجبني من الصبح.
_ والله ما اعرف يا طنط، مش قالتلي حاجة خالص، بس ولا يهمك بطريقتي هخليها تحكيلي مالها، اطمني
_ ربنا يطمني عليكم كلكم يا بنتي.
_____________
+
تسير شاردة وعيناها تتجول على ما تمر به دون. تركيز.. كانت تتمنى حضوره رغم مشاغله..داخلها تمني أن يأتي لأجلها ويثبت لهفته عليها..خاصتا انها تفتقده بشدة..لكن على ما يبدو لم يشتاق إليها.. لو كان كذلك لوجد وقتا لها مهما كانت أعبائه..تنهدت زافرة بما يعتمل بقلبها وجلست على الحشائش الخضراء بعد أن توجعت قدميها من السير الطويل، وأهتز هاتفها وبصرت رقمه فردت بلهفة: عامر انت جاي صح؟ ثم تداركت أمرها: قصدي عامل ايه؟
_ الحمد لله ياحبيبتي، أنا بكلمك من شغلي وقلت اصبح عليكي
قالت بلمحة احباط بصوتها لم تُخفى عليه: ربنا يقويك ياعامر وصباحك ورد..
+
_لو "ورد" شبه اللي في البلوزة بتاعتك اللي انتي لابساها دلوقت يبقى ضمنت إن يومي جميل..
+
جحظت عيناها بذهول وهي تتلفت حولها لتصطدم به يقف خلفها مبتسما ووسامته تتألق بجاذبية جمة، ترقرقت عينيها فرحة لقدومة، فجثى وجلس جوارها وهمس بنبرة دافئة: رغم تعبي معرفتش أنام طول الليل لأنك زعلانة، وانا ما يهونش عليا زعلك يا ملاكي.. وحشتيني اوي.. وانهاردة هقضيه كله معاكي..
+
ثم قبل ظهر كفها وغمغم: مبسوطة؟
همست وقلبها يرفرف لمفاجأته التي جبرت بخاطرها وأعلمتها كم هي غالية عنده: مبسوطة اوي انك جيت وماهونتش عليك..انت كمان وحشتني، وحشتني بجد يا عامر..
+
منحها نظرة مفعمة بحبه مكتفيا بالصمت، لتبادله مثلها وأكثر واعدة نفسها بيوم مميز بصحبة حبيبها الذي أتاها رغم انشغاله..
+
وبعد تواصل بصريهما بحالمية مشاعرهما قال:
انا عديت على اخوكي ووالدك والكل سلمت عليهم وعرفتهم انك هتكوني معايا باقي اليوم وهرجعك بالليل وانزل القاهرة بعدها..أظن كده هبقي صالحتك ومالكيش حجة تزعلي..
+
اندفعت تقول: بحبك ياعموري..
فاقترب هامسا بأذنيها: يابنت اللذينا نفسي تقولي الكلمة دي في حتة فاضية عشان اعرف ارد بطريقتي.
+
ضحكت بانطلاق:
أنا كده احب الهيصة والأماكن الزحمة ياعمري..
...............
+
مضى الوقت متجولا معها في شتى الأماكن التي اختارتها بين أرجاء النادي وتشبعا أحاديثا وشوقًا انضما لعائلتها، وانقضى اليوم بأجمل مما تمنته..رغم انه بدأ بحزن، انتهى بحصيلة ذكرات رائعة ستضاف لرصيد لحظاتهما معا..
____________
+
أنهت المكالمة وجلست جوار شقيقتها تغمغم:
+
_ سلوي بتأكد علينا عزومتهم لينا بكرة، وعلى فكرة هي مش راضية تيجي معانا واحنا بنجيب فساتين كتب الكتاب الأسبوع الجاي لما عرفت ان نسايبك جايين يا بسمة، حاولت اقنعها اننا هنكون بنات مع بعض مافيش فايدة..
+
لم يبدو عليها أنها سمعتها مع شرودها في ذات الأمر، لم تشأ أن يذهب معهم أحد من أهل ياسين.. هي وشقيقتها يرتادو أماكن متواضعة لشراء لوازمهما بأسعار مناسبة، هل يناسب جوري أو عطر وزمزم ما يناسبهم؟ بالطبع لا.. لما إذا يضعوها بهذا المأزق؟
+
_ مالك يابسمة مابترديش عليا ليه وشكلك مضايق؟
+
امتلأ صدرها بالهواء ثم زفرته: مش عاجبني حد يجي معانا ياحنين.. انا وانتي هنروح نجيب لوازمنا من اماكن معينة، واكيد مش هتناسبهم..
_ ياستي لو لقيناهم هيروحوا اماكن غالية، نستأذن منهم ونروح نجيب من مكان مايعجبنا..سهلة يعني.. وبعدين انا ببصلها من زاوية تانية خالص، واضح انهم عايزين يلغوا المسافات بنا ويحسسونا انهم مش اغراب عننا.. الناس دي بجد محترمة اوي يابسمة وتصرفاتهم نابعة من أخلاق عالية..
+
_ وانا معاكي في كل كلمة.. بس مش عايزة حد يكون له فضل علينا زي ما اتربينا.. احنا لينا ظروفنا اللي لازم نقتصد عشانها..انتي ناقصك حاجات كتير لأزم تتجاب في جهازك، وياسين عايز كسوة صيف وشتا كاملين..فأنا هجيب حاجات مناسبة ومش غالية، لكن وهما معانا هتأيد شوية..
+
_ ماتقلقيش كله هيعدي على خير.. وعلى فكرة احتمال يكون خطيبك هو اللي وصاهم يبقوا حواليكي عشان يعوضوا غيابه..الشاب ده راجل أوي وبيحبك جدا يا بسمة.. حتي وهو بعيد بيراعيكي.. والله ده دعوة امي وابويا ليكي..وانا فرحانة عشانك اوي لأنك تستاهليه يا اختي..
+
تعانقا دامعين ثم غمغمت حنين: شوفي حالنا من كام شهر كان ازاي ودلوقت بقى ايه؟ كنا حاسين اننا لوحدنا ومافيش لينا في الدنيا سند.. بس ربنا خلاني اعرف قيمة خطيبي واحبه اكتر بعد وقفته جمبي هو واهله.. وانتي بعتلك ياسين بكل عزوته وصيته وحبه اللي مافيش عين تنكره.. انتي سندريلا اللي فازت بالأمير..
+
ابتسمت وهي تجفف دموعها: طول عمرك كنتي مهوسة بقصتها.. بس امنيتك اتحققت فيا انا.
_ بالعكس، أنا كمان بعتبر نفسي سندريلا.. صحيح أميري فقير ومعندوش قصور بس عنده الأهم..الحب، الاحتواء،الحنية..الرجولة، أنا اكتشفت إن عبد الرحمن بيحبني اوي.. وانه راجل أصيل يابسمة.. لما الدنيا مالت بيا كان ضهري، سترني انا وانتم وحافظ علينا، ولسه كل يوم بيكبر في عيني وقلبي.. هو اميري..
ثم مازحتها: انا سندريلا 2020 نسخة مختلفة من قاع الحارات مش من اعالي القصور..
+
ابتسمت قليلا لدعابتها وقالت: ربنا يهنيكي ياحنين ويسعدك..
_ اللهم امين، المهم تعالي بقى نتعشا وننام بدري عشان نكون فايقين بكره، احنا هنروح عند حماتي من الصبح، وعبده هيعدي ياخدنا..
_ طب اخوكي فين؟
+
_ "ياسو" أكل سندوتش جبنة مع كوباية لبن ونام..
_نوم العافية، طيب أنا مش جعانة ياحنة، بس عايزة حبة شاي من ايديكي الحلوة..
_ شاي بس؟ لا أنا هعمل معاه سندوتشين صغيرين لينا ومافيش اعتراض.. دقايق وجاية..
+
تركتها فعاد عقلها يعج بأفكاره وحساباته وفيما يخئبئه الغد..!
_____________
+
صاح وهو يسير جواره:
_ في تشكيلة بدل في مول "... " تجنن يا ياسين، تعالى نختار واحدة منهم ونظبطك ياعريس.
_ لا انا محضر طقم بسيط يا احمد، انا عايز بس شوز وذراير وبرفان
يزيد: طب ليه يا ابني مش هتشتري بدلة؟ ده كتب كتابك يا ياسين مش يوم عادي
_ عارف والله بس مش حابب ابالغ في مظهري، في احتفال الدُخلة هبقي اخد راحتي واجيب حاجة فخمة..
+
تبادل مع أحمد نظرات متعجبة لمنطقه، لا يعلمان أن سر تصرفه هو أن يبدو بمظهر بسيط كي لا يستعرض أمام عبد الرحمن بثراءه لأن الأخير سيشاركه ذات الاحتفال.. هو عريس مثله ومؤكد لن يشتري بدلة فخمة يحضر بها..
+
_ طيب مادام في حاجة انت مجهزها ومرتاح ليها تمام، تعالى نكمل اللي ناقصك عشان نسافر المنصورة انا وانت بدري.. ثم واصل يزيد محدثا احمد: برضو مش ناوي تجيب أمونة وتيجي؟ يابني ليكم مكان هناك والله
_ والله لولا حالة حملها اللي متطلب الراحة كنا حضرنا عادي، معلش خليها للزفاف واهو هيكون في القاهرة يعني اقرب، وتكون مراتي حالتها استقرت اكتر
ياسين: ربنا يقومها بالسلامة يا ابو حميد، خلاص تتعوض في الليلة الكبيرة.
_ تسلم يا سينو، بإذن الله.. طب يلا ننطلق على بركة الله نشوف هنشتري ايه..
_____________________
+
مستلقية برأسها على ذراعه صامتة على غير عادتها لم تثرثر او تقص له ما فعل مهند، فارتاب في أمرها وتسائل: زوما، مالك متغيرة انهاردة وتقريبا ماسمعتش صوتك، ايه شاغلك كده، اعتدلت تنظر له نظرة طالت ثم مررت أناملها على وجهه هامسة: فرحانة
اعتدل وقال: عشان بكرة هنعمل عيد ميلاد مهند يعني؟
_ أيوة.. بكرة يوم مهم في حياتنا..
ابتسم وعاد يستلقي وضمها: بأذن الله نعمله حفلة جميلة، بس لو تسمعي كلامي ونحتفل برة بدال ماتتعبي. و
_ لأ.. أنا اللي هعمل كل حاجة بإبدي..
ثم ارتفعت قليلا عنه لتعلو وتنظر لوجهه ثم قبلت جبينه قبلة مطولة وهمست: أوعدك ان بكره هيكون يوم له ذكرى ماتتنسيش
+
حاوط وجهها وتأملها مليا: أنا حاسس ان فيكي حاجة غريبة.
ابتسمت وعادت تحتل صدره: بيتهيئلك.. يلا بقي ننام عشان بكره عندي حاجات كتير هعملها..
_______________
+
ربما للمرة العاشرة تتفقد ما صنعته قبل عودة زوجها..الطعام، قالب التورتة.. الأطباق المميزة..الفناجين.. كاسات العصير..الزينة.. كل شيء صار جاهزا لاستقبل عيد الميلاد المميز..اليوم ستدون تفاصيله بدفترها الخاص..اليوم ستحيا لحظة جديدة گ عهد كل شيء تعيشه مع عابد حبيبها.. قطعة القلب والروح..
.............
+
صدح صوت وهو يضع ما جلبه معه من هدايا:
_ زوما.. مهند انتو فين
-خليك واقف اوعي تتحرك..
+
هكذا صاحت عليه قبل أن يدخل لغرفة الاحتفال وغممت عيناه بوشاح.. وجذبته برفق عده خطوات ثم بحرص فكت عنه رباط وشاحها ليرمش قليلا ثم بدأ بصره يستقر على طاولة مزينة بشكل مبهر..قالب التورتة المزين بعجينة السكر الملونة. مرسوم عليها شيء ما لم يدركة من الوهلة الأولى و... ..
صمت يتأمل رسمة القالب بتركيز أكتر.. هو يعرف هذا الشيء جيدا، إنه...
+
اتسعت عيناه بعد أن أدرك ماهيته أخيرا، التورتة مزينة باختبار حمل يحمل شرطتين باللون الأحمر،.ثم بصر فوق الطاولة كارت صغير مكتوب عليه عبارة " موعدنا بعد سبعة أشهر" الآن أدرك كل شيء..زمزمه تحمل طفلهما الآن..حبيبته حامل.. حبيبته ستجعله أبًا..سيصبح لديه قطعه تشبهه.. قطعه تخصه ويحملها بيديه بعد سبع شهور..
+
التفت ليجد وجهها غارق بالدموع، فجذبها إليه بعنف لم يقصده وغمسها بين ذراعيه داسا وجهه في عنقها يكتم بكائه.. لكنه لم يقاوم كثير وبكي.. ربما لم يحدث أن بكى من قبل بتلك الطريقة.. ولم تكن افضل منه حالا.. هي ايضا تبكي..رب العالمين منحهما هدية ونعمة علمت بها منذ يومان فقط.. لذا قررت ان تقيم حفل عيد ميلاد مهند ليتشاركا نفس الذكرى.. اليوم تحتفل بطفليها معا.. وبعد أشهر ستكبر عائلتهم بقدوم فرد جديد..الفرحة تذيبها بين ذراعيه وهي تتمتم بكلمات الشكر.. وأخيرا حررها ليحتوي وجهها ويقبل شفتيها ليعبر عن فرحته بطريقته..ثم ابتعد عنها هامسا: عشان كده كنتي متغيرة
أجابت: أيوة.. كنت عايزة افاجئك.. ومحدش لسه يعرف غيرك ياحبيبي..
ضمها إليه: الحمد لله يارب.. حلمي اتحقق.. اولا ارتبطت بيكي ودلوقت منتظرين طفلنا
_ بعد سبع شهور بأذن الله.. نفسك في ولد ولا بنت
_ مش هتفرق.. المهم يجي بالسلامة وانتي تكوني بخير
+
ابتعدت عنه لتنظر لمهند الذي كان يراقبهما بدهشة وعيناه الصافية متسعة وفمه منفرج لا يفهم شيئًا، فضحكت: شوفت مهند مذبهل وفاتح بقه ازاي؟
تركها والتقطه وراح يقبله وهي يقول: هايجيلك اخ صغير يامهند تلعب معاه.. فرحان؟
الصغير مرددا خلفه بكلمة منقوصة الحروف ( فحان) عاد يقبله وقال: وانا كمان فحان يا روحي..ثم استأنف بحماس: خلينا بقي نركز مع ابني حبيبي اللي عيد ميلاده انهاردة.. عشان افتحله الهدايا الكتير اللي جبتهاله..وتمت مراسم احتفالهم بالصغير الذي لم تنقطع ضحكته وعابد يمزح معه ويطعمه من الحلوى بيديها
+
ثم نظر لها مواصلا: في هدية كنت شايلها لابني الأول ودلوقت جه آوانها..
قالت وهي تملس على موضع جنينها:
بس ابننا لسه بدري علي ما يجي..
+
نظر لها مليا مدركا أنها لم تفهم مقصده فضمها قائلا: لا.. ابني الأول هو مهند يا زمزم.. ولا انتي فاكرة خبر حملك هيغير معزته ومكانته في قلبي؟ مهند اول فرحتي وفرحتك.. ثم صمت وجذبها جوار صندوق كبير مطبوع عليه رسومات مغرية للعين لاحظت انه جلبه معه بالفعل
كشف محتواياته فوجدت كتب صغيرة الحجم لتشهق گمن عثرت على كنزا: مش ممكن.. دي كل مجموعة روايات مصرية للجيب.. سلسلة رجل المستحيل وملف المستقبل وغرناطة و..
أكمل معها: وماوراء الطبيعة للغائب الحاضر دكتور أحمد خالد توفيق..كل اللي اشتريته وقرأته ورافقني في طفولتي وشبابي هنا..
+
_ الله يا عابد.. ده انا هتسلى عليهم كلهم وهعيد قرائتهم تاني، خصوصا ان فيهم ريحة طفولتك ياحبيبي..
+
قبل رأسها( حبيبة قلبي ) وجلس جوار الصندوق ففعلت مثله هي ومهند الذي يتوسطهم وعيناه تتأمل محتويات الصندوق بفضول ويده تعبث بهم بشكل ينذر بالخطر
فصاح عابد: لا يا هوندا اوعي تقطعهم..دول هديتي ليك لما تكبر شوية..ساعتها هنقعد نقرأ سوا في الجنينة
+
وواصل وهو يعبث بشعره: تعرفي يا زمزم ياما اتمنيت لما يكون عندي ابن أورثه شغف القراءة.. واعتبرت كتبي القديمة دي حاجة خاصة وغالية من رصيد ذكراياتي عشان كده كنت محافظ عليها جدا.. ومهند هو اللي هينقلها لأخواته ، بس بما إنك بتحبي القراءة انتي كمان قلت مش خسارة فيكي تشاركينا..
+
اختزلت كل مشاعرها في بنظرة مفعمة بحبها..عابد اعتبر طفلها هو الذي سيورثه كتبه التي حملت عبق طفولته.. كل يوم يثبت لها أنه أبيه قلبا وقالبا.. ماذا تفعل لتكافئه.. لا تجد شيء يليق به.. لا شيء.. قبلته قبل أن تهمس: كل يوم بتخطف قلبي زيادة وتزيد احترامي ليك يا عابد..
+
ثم حاوطت خصره ودست رأسها على صدره قائلة:
ربنا يخليك لينا يا بودي ومايحرمناش انا وولادنا منك..
+
قلدها الصغير بغيرة وهو يقتحم صدره وينحشر فيه بجسده الصغير متمتما: آبد..
+
ضحكا سويا لغيرته وظلا يداعبانه لتكتمل في حياة ثلاثتهم ليلة مميزة..وبعد أشهر قليلة سيكون رابعهم قابعُ في ركنٍ ما يشاركهم لحظة مماثلة..
__________
+
بتوقيت مبكر گ عادتها هي وزوجها مؤخرا، جلسا في الحديقة يتناولان الشاي مع بعض المعجنات الخفيفة..ليقطع هدوئهم صوت مهند:
+
_تتة..ددو ..إيما.. تتة
+
لمحت كريمة الصغير يهرول تجاهها هي وأدهم، فنهضت متلقفة إياة بحب: حبيب تيتة إيما.. صباح العسل والسكر..
وجدته يمنحها ورقة وهو يقول بكلمات مبعثرة:
_ماما.. آبد..بي بي..
+
_ حبيبي؟ عابد حبيبك يعني.. طب وانا وجدو أدهم؟
_ ددو.. إيما
ضحكت قائلة: بموت في اسمي منك يا واد يا مسكر انت
+
وأخذت الورقة منه ووضعتها على الطاولة وراحت تقبله لتشبع منه فصاح أدهم وهو يجذبه منها: هاتي اصبح عليه انا كمان قبل ما امشي، وتحدث وهو يدلل الصغير فوق قدمه:
_صباح الخير يا روح جدو.. ده انا حظي حلو او انك صاحي بدري انهاردة.. يلا أدي جدو ادهم بوسة هنا
+
لثمه الصغير قبلة ناعمة علي خده، فقالت كريمة: فين زمزم وعابد يا هوندا.. مش نازلين معاك ليه؟
أشار بيده تجاه شرفة والديه: آبد.. زمم..
أدهم: لسه فوق يعني.. يعني نزلت لوحدك ياشقي انت
_ أدهم!
صاحت عليه وعيناها تطوف علي الورقة وهي دامعة، لا تصدق ما أدركته..صمتت بشكل أوجس زوجها فتسائل:
مالك يا كريمة بتبصي للورقة كأنك شايفة حاجة عجيبة، وريني كده فيها ايه؟
+
والتقطها من بين أناملها ليأخذ دوره في الذهول الذي تدرج لفرحة أدمعت مقلتيه هو الأخر وهو يهتف بصوت متهدج: مرات ابني حامل.. زمزم هتجبلنا حفيد يا كريمة
+
لم تجيبه وانفعالها بالخبر جعلها تبكي ليظهر عابد وزمزم جوارهما ويتعانقوا معهما تباعا متشاركين فرحة هذا الخبر السعيد، لتقول زمزم بعد هدوء عاطفة عناق كريمة: مهند كان بيقول لحضرتك "بيبي" يعني نونو بس مافهمتيش قصده.. أنا قلت مافيش احسن منه يوصلكم الخبر ده.. وانا اللي رسمت الرسمة اللي في الورقة عشان اوضحلكم الخبر اكتر..
+
عابد وهو يضم رأس والده لصدره: مبسوط يا دومي.. هنغرقلكم البيت أحفاد.. بس محدش يرجع يشتكي ويقولي ولادك بيلعبوا في كل حاجة ومقطعين ورد الجنينة..
ربت أدهم على ظهره ومازال منفعلا بالخبر: ده يوم المني اما عيالكم يطنططوا حوالينا.. عقبال يزيد وجوري يارب
زمزم: بإذن الله ياعمو.. هانت ويزيد يتجوز هو وجوجو وتفرحوا بولادنا كلنا ويبارك لينا في عمركم ..
عابد: اللهم أمين، أمال هي فين البت دي؟
كريمة: لسه نايمة، دي هطير من الفرحة وتوقع منها رد فعل مجنون زيها..
ثم جذبت زمزم جوارها وقالت: اسمعي بقى من هنا ورايح انا اللي هشرف على أكلك.. مافيش اي مجهود من اي نوع.. مافيش شاي وقهوة وكابيتشينو.. هتاكلي المفيد وبس ..
+
تألقت عين عابد براحة جمة وهو يرى اهتمام والدته وفرحتها بخبر حمل زوجته، تذكر سريعا موقفها السابق وتعجب تقلب الأحوال، لكنه حمد الله على كل ما حصده، وبينه وبين ربه الكثير الذي سيقدمه ليشكر له نعمته وفضله الواسع..
+
_ عرفت اخوك يا عابد وفرحته؟
_ لسه يا بابا، زمزم قالتلي الخبر ده بالليل، وبصراحة حبيت اعرفك انت وماما الاول وهروح اهو اتصل بيه وهنكلم طنط عبير وعمو محمد.. الدنيا كلها هنعرف
+
صاحت كريمة: طبعا كله لازم يشاركنا فرحتنا
أدهم: أنا هقوم اقول لمحمد ومراته يجوا ونقولهم احنا ونقضي اليوم كلنا سو ونحتفل احتفال صغير كده..
+
كريمة: خلي مهند يقولهم بنفس الطريقة، هيفرحوا اوي
زمزم: طيب حفظي بقي مهند هيقول ايه ..
_ اي حاجة هيقولها عبير هتفهمها، انا اللي لسه بتوه في كلامه..
عابد: يبقي هصورهم هما كمان زي ما صورت رد فعلك انتي وبابا فيديو من أول ما مهند جري عليكم وقالكم.. عشان نحتفظ به للذكرى..
أدهم: يادي الفضايح، طب والدتك عادي، لكن انا هتخلي حفيدي يشوفني وانا بعيط.. لا مش ممكن..
+
لثم عابد رأسه بحنان وقال: بالعكس يا بابا.. فرحتكم دي احسن حاجة شوفتها..ربنا يقدرني انا واخواتي ونسعدكم دايما ويديمكم لينا طول العمر يا غاليين..
+
الفصل الرابع والخمسون
----------------
لا تنخدع حبيبي في بريقُ المُقل.
هي غالبًا زخاتُ دمعٍ عنكَ مخبئة.
فلو أخبرتك يومًا أني بخير.
لو ضحكت لدعابتك وكذبت ثانيا.
فضلا لا تصدق!
أكثر وقتًا سأكون بحاجتك.
حين أدعوك لتركي وحدي
كذبني وقتها ولا تترك يدي.
فحتمًا لن أكون بخير!
----------
تعانقها جوري وهي تدور بها صارخة بفرحة عارمة: هبقى عمتو يا بشر.. هبقي عمتو..
تضحك زمزم وعابد لرد فعلها بينما تصيح كريمة: براحة على مرات اخوكي يامجنونة وبلاش تلفي بيها كده عشان ربنا يسترها دي لسه في الأول..
+
_ فرحانة يا كيما.. هبقي عمتو يا ناااس..
+
_ أمتو..
قالها مهند مقلدا لها وهو يراقبها ثم مد يده لها كأنها يطالبها بحمله والدوران به مثل والدته زمزم فانحنت واحتضنته ونثرت على وجنتيه القبلات قائلة: ياحبيب عمتو.. هبقي عمتو تاني ياهوندا.. وهايجي بيبي تلعب معاه بالكوره بتاعتك يا مسكر انت وهنقلب الجنينة ملاهي
+
_ أورة تاعتي أنا
+
ضحكت لكلماته المنقوصة: ايوة ياعم عارفين ان الكورة بتاعتك والله.. بس هتلاقي حد يلاعبك بيها..
أدهم: ده انا هملي الجنينة كور وهلعب معاكم
كريمة: ومين عارف يمكن نجيب عرايس كمان لو زمزم جابت بنوتة..ساعتها انا اللي هلاعبها..
عابد مصفقا بمزاح: برافو ياجماعة استمروا في التخطيط المستقبلي لأشبالي القادمين ان شاء الله.. عايز كل واحد يحدد هيجيب ايه.. وعلي ما بنتي ولا ابني يتولدوا يكونوا اتكسوا وجت كل لوازمهم.. عيشوا بقى.
جوري متخصرة: امال انت هتجيب ايه لابنك يا ناصح؟؟
+
_ أنا جبته هو نفسه!
احمرت وجنتي زمزم وضحكت كريمة بينما نكزه أدهم في مؤخرة رأسه وقال بتوبيخ خافت: اتلم واختار كلامك ياغشيم عشان اختك..
مال عليه واجاب بنفس الخفوت المرح: ما هي اللي أسئلتها غبية يا بابا اعمل ايه..
+
ضيقت عينيها بتحذير وهي تشير له بإصبعها: مين دي اللي غبية؟ ها؟ أنا غبية يابتاع زهور البرسيم ؟؟؟
+
وهمت بقذفه بالماء تحت مراقبة البقية وضحكاتهم، فلحقها وكبل يدها قائلا: نفسي تتكلمي على قدك ياقصيرة..وبتاع البرسيم ده ممكن يعلقك على الشجرة اللي ورى بابا دي زي الفارة الهبلة
+
حررتها زمزم منه وهي تضحك وظلت جوري تتوعده بحنق والجميع مازال يضحك.. لينضم إليهم بعد قليل محمد وعبير..
+
_ صباح الخير ياجماعة.. ايه صوت ضحككم واصلنا من واحنا عند البوابة فرحونا معاكم..
أدهم: محنا اتصلنا بيكم تيجوا عشان نفرحكم يامحمد..الفرحة تخصكم زينا..
+
اتسعت عين عبير وهي تفهم سريعا تلميحه وحادت تجاه ابنتها لتري الجواب جليا علي وجهها المبتسم.. ترقرقت مقلتيها وعانقتها بقوة عاجزة عن قول شيء.. ومحمد يطالعهم غائبًا عن إدراكه ما فطنته زوجته..ليربت على كتفه شقيقه الأكبر قائلا بطريقة عاطفية أثارها الحدث السعيد: طول عمرك اخويا الصغير اللي كان نفسي يرجع يعيش وسطينا ونتشارك سوا ايام حلوة..والحمد لله امنيتي اتحققت بأكتر منها.. أنا وانت يامحمد هنكون جدود لبذرة واحدة من ولادنا..زمزم بنتنا حامل..
+
قالها وتلقفه بين ذراعيه محتويا مفاجئته التي جحظت لها عيناه بفرحة غامرة.. ابنته تبدأ كل شيء في حياتها من جديد.. وكأن القدر يعيد عليها كل لحظة قضتها بحزن..حين حملت بمهند لم تكن الفرحة كاملة..والحزن برحيل زوجها أطفأ فرحتهم ..أما الآن تبدلت الظروف.. قرة عينه تنتظر طفلا أخر لتقوي أواصر المحبة بينه وبين شقيقه الاكبر..تعهد داخله أن يقيم الليل يصلي حتى تئن قدمه شكرا لله ساجدا علي عطاياه الكثيرة..
+
_ مبروك يانور عيني.. ربنا يقومك بالسلامة
+
قالتها عبير اخيرا بعد ان وجدت الكلمات على لسانها، ليحين دور أبيها بعناق وتهنئة حارة لا تخلو من دمعات فرحة غالية.. لتصيح جوري عليهم:
+
_ جري ايه يابشر انتو هتقلبوا الموضوع دراما ليه كده.. مش هنحتفل ولا نعمل اي منظر انهاردة؟ وبعدين لازم نتصل بيزيد ومحمود وبلقيس ونعرف الكل بالخبر ده..
+
زمزم وهي تجفف دموع فرحتها بتفاعل الكل مع حملها:
ايوة فعلا هنكلمهم.. وبلقيس انا هتصل بيها لما ترجع من برة هي وجوزها، عشان ناخد راحتنا في الكلام..
عابد: ويزيد انا هكلمه دلوقت
محمد: وانا هتصل بمحمود اهو
+
جوري: طب على ماتخلصوا مكالمات وتتبادلو مشاعركم الجياشة سوا.. هروح اتصل بعطر تيجي.. ومهند معايا هلاعبوا بالكورة شوية..سلام.
………………
" انت بتتكلم جد يا عبودي؟ زمزم حامل؟"
لمس فرحة شقيقه في صوته فأجاب: اه والله يا يزيد عرفت امبارح بحملها.. هتبقي عمو رسمي يا زيزو
_ حبيب زيزو ألف مليون مبروك وربنا يقوم مراتك بالسلامة ويجعله ذرية صالحة.. طب هي فين اباركلها؟
_ هي تحت مع الكل بيكلمو محمود فيديو وانا انسحبت وقلت اكلمك هنا براحتي..
_ خلاص هبقي اكلمها انا اباركلها لها..
+
ثم تحدث بصوت بدى جديا أكثر: عابد.. عارف ان كلامي ده مش وقته.. او يمكن وقته مش عارف بس حبيت الفت نظرك لحاجة مهمة.. زمزم غصب عنها ومهما كانت ثقتها وحبها ليك هتترقب وتقارن دايما معاملتك مع مهند خصوصا لما يجي له أخ.. اوعي تكسر خاطرها وتقصر في حق الأمانة وتجرح الولد اليتيم.. اكيد ابنك من صلبك هيكون له معزة مختلفة و…
_ ابدا..
لفظها قاطعة مواصلا: مهند صحيح مش من صلبي بس هو ابني.. واللي جاي ده هيكون ابني التاني مش الأول.. مستحيل اتغير يا يزيد في معاملتي.. انا بحب مهند ومش ممكن اجرحه او اجرح زمزم..
+
_ انا عارف قلبك الابيض وحنيتك ياعابد.. لكن ممكن بدون ماتحس يحصل اي موقف يتفهم غلط فحبيت انبهك.. خليك بس حريص وربنا يفرحك ويسعدك دايما.. صدقني فرحتي انهاردة ماتتوصفش.. واعمل حسابك اول حاجة هيلبسها البيبي أنا اللي هجيبها.. لا ده انا هجيب كسوة سنة كاملة لحبيب عمو اللي جاي
+
عاد لمزاحه: والله انا سايب كل ده لذوقك وضميرك.. المهم تهيص الواد واوعي تنسى تكثف البامبرز..
قهقهة له: لا ماتقلقش هفاجئك وابهرك
_ عقبالك ياحبيبي ما افرح بيك انت والقردة عطر
_ احترم نفسك وبطل تقول قردة بدال ما اجيلك
_ والله هي واختك صعب اغير لقبهم بس اوعدك احاول.. المهم هستناك تيجي في الويك إند
_ هاجي بس علي كتب كتاب ياسين..
_ هو اشترى كل لوازمه؟
_ ايوة انا واحمد ظبطناه ماتقلقش..
_ على خيرة الله..مش هعطلك انا بقي وهنزل للجماعة عايز حاجة؟
_ شكرا يا عبودي.. وانا شوية وهتصل انا بزمزم اهنيها
_ براحتك ياغالي
_______________
+
فرحة الجميع بالأمس أورثتها فرحة طاغية لم تكن تتخيلها..وظلت تردد الحمد لله حتى غفت بين ذراعي زوجها.. والآن يجب ان تحادث بلقيس لتفرح معهم.. تمطت قليلا ثم تفقدت الصغير فوجدته مازال نائم.. فابتعدت بحرص خارج الغرفة وضغطت رقمها..
+
_ صباح الخير يا ملكة
_ صباح العسل.. عاملة ايه والكل عندك
_ الحمد لله ..بس عندي ليكي خبر حلو
واستطردت سريعا: أنا حامل يابلي
+
شهقت بفرحة من المفاجأة: بتتكلمي بجد؟! مبروك يا زوما ألف مبروك يا حبيبتي.. والله كنت حاسة اني هسمع عنك خبر حلو انهارده
_ حبيبة قلبي عقبالك ، بس ليه توقعتي تسمعي خبر يخصني؟
_ حلمت بيكي حلم كده ساب جوايا اثر حلو اوي لما صحيت، وانا اعرف ان احساسنا بالحلم جزء كبير من تفسيره.. وقلت اكيد في حاجة جاية في السكة..
_ تسلمي يا بلي والفرحة الكبيرة لما انتي كمان تبشريني حبيبتي
_ ان شاء الله يا زوما.. وعابد وطنط كريمة وعمو ادهم رد فعلهم كان ازاي احكيلي..
_ ياااااه مش قادرة اقولك على فرحتهم.. وبالذات طنط كريمة، وعابد طبعا منعني انزل المزرعة معاه واتعب نفسي في اي حاجة
_ طبيعي يابنتي حملك لسه جديد
+
_ مين اللي حامل؟؟
التفتت بلقيس لوالدة زوجها: دي زمزم يا طنط، عرفت انها حامل واتصلت تعرفني
_ ما شاء الله، طب هاتي اباركلها
ألف مبروك يا بنتي.. ربنا يقومك بالسلامة ويتربي في عزكم ويجعله ذرية صالحة..
_ اللهم امين ياطنط..وعقبال بلي قريب بإذن الله
_ يارب يا بنتي انا مستنية بفارغ الصبر اسمع الخبر ده ..المهم خدي بالك على نفسك، اول تلات شهور محتاجين تكوني حذرة كفاية وتهتمي بأكلك و… ..
+
شردت بلقيس عن باقي حديثهما بعد جملة والدة ظافر.. ربما هي مجرد تمني عفوي ومنطقي لأم تريد رؤية أول احفادها.. ورغم هذا ترك تلميحها أثرا سيء في نفسها لكنها أخفته سريعا مع قدوم إيلاف تصيح من خلفها:
_ إيه ياجماعة المباركات اللي سامعاها دي فرحوني
هدي: أخت محمود خطيبك حامل
شهقت قائلة وهي تخطف الهاتف: بجد.. مبروووك يا زومتي مبروك.. يعني هتجيبلنا ولد سكر زي هوندا
_ الله يبارك فيكي يا ايلي وعقبالك في بيتك.. وبعدين مش يمكن اجيب سكرة؟
_ مش هتفرق المهم انك هتجيبي كائن كده نلعب معاه ( واستطردت) طب بقولك ايه اتصلي فيديو وهاتي مهند اكلمه واحشني اوي اوي، محمود بيغيظني انه بيكلمه كل يوم وبيقوله خالو حبيبي..
ضحكت زمزم: خلاص يبقي تغظيه انتي كمان، هخلي مهند يدلعك ويقولك كلام حلو دلوقت.. اقفلي ثواني اصحيه واتصل بيكم فيديو..
+
وبعد قليل أجرت معهم مكالمة مرئية وتجلى الصغير عليهم بوجهه البريء الجذاب لتلقنه زمزم: قول يامهند ازيكم
_ أيكم
_ طب قولهم وحشتوني كتير كتير
فأعاد الصغير جملتها بحياء: وشتوني تير تير
_ قول تيتة هدى
_ تتة أودى
فصاحت عليه بحنان: يا روح تيتة هدي انت
ايلاف بتبرم: طب وانا.. خليه يكلمني
فعادت زمزم تلقنه: قول ياهوندا.. بحبك يا إيلاف
_ حبك لاف
صاحت إيلاف تدلله: قلبي يا نااااس..عايزة ابوسك دلوقت اعمل بس.. هو ماينفعش تيجو القاهرة قريب يا زوما
_صعب دلوقت والله.. بس انا هخلي محمود يجيبك تقضي يوم كامل معانا.. وطنط هدى وبلي كمان يجوا ونتجمع مع الباقي هنا ويبقي يوم مميز.. إيه رأيك يا بلقيس؟
+
كانت مازالت بدائرة الشرود عن حديثهم، لكنها أجابت بوقت مناسب: بإذن الله.. هشوف الأول ظروف ظافر ونبقى نزوركم كلنا..
+
وانتهت المكالمة ولم يلاحظ أحدا أي تغير طرأ على الأخيرة التي توارت بغرفتها وصدى جملة والدة زوجها تتردد بعقلها ونظرة الشوق بعينيها تجرحها بشكل ما.. فراحت تحدث نفسها بعين شاخصة: أنا اتجوزت قبل زمزم ليه مش حملت انا كمان؟ وامونة اتجوزت بعدي باسبوع وهي كمان حملت على طول..يارب مايكون عندي مشاكل وترزقني عشان افرح حبيبي ومامته..ماما كمان نفسها تفرح بالخبر ده.. بحس هي وبابا منتظرينه بفارغ الصبر.. يارب فرحنا قريب..
ثم تحسست موضع بطنها وهي تنظر لتاريخ اليوم في لوحة معلقة علي الحائط : يمكن قريب!
_______________
مضى أسبوع وهي تترقب حدوث روتينها الشهري بتوتر.. كل صباح تستكشف حالها فلا تجد شيء.. فقط ألام في أسفل الظهر والبطن وأمور أخرى غريبة على جسدها.. لم تريد محادثة أحد وتركت الأمر لبضعة أيام وبعدها ستأخذ خطوة حاسمة في هذا الشأن.. عل الفرحة قريبة اكثر مما تتصور..
+
في صباح يوم جديد بدت متعبة بشكل مريب أثار قلق وتساؤل والدها في الشركة حين بصر شحوبها إن كانت تشكوا من شيء، فضللته أنها بخير وهو بدوره خاف أن يتدخل أكثر معها فتظن انه يلمح لشيء ما..فأوصى ظافر بالهاتف عليها لينتبه لحالها دون إخبار والدتها..ولم يغيب عن ذهنه افتراض شيء سار وسعيد في الطريق.. صمت داعيًا أن ينعم عليه الله بما يتمني..
………… .
في المساء في جناحهما الخاص..
_ بلقيس.. انتي تعبانة؟؟ وشك دبلان كده ليه يا حبيبتي؟
ابتسمت وهي تميل على صدره فوق فراشهما: اطمن ياحبيبي انا كويسة، بس مانمتش كويس امبارح عشان كده وشي تعبان..
عاتبها: قولتلك بلاش تسهري كتير مع إيلاف وتتفرجوا علي اجنبي وفي الأخر مش بتشبعي نوم..
_ خلاص انا فعلا عرفتها اني مش هنزل انهاردة وهنام بدري..أنا فعلا مش قادرة افتح عيوني وجعانة نوم..
+
ضمها إليه وقبل وجنتيها برفق: طب يلا أنا اللي هنيمك في حضني، ومش هتضحكي عليا وتنزلي بعد ما انام زي كل يوم.. ودثرها جواره بالغطاء ومع لمساته تحركت رغبته بها لكنها بطريقتها الغير مباشرة أوهمته بحاجتها الشديدة للنوم، هي تأخذ احتياطها تحسبا للأمر.. ربما هناك شيء مخبأ في أحشائها واجتماعهما يؤذيه.. وبهذا الخاطر أغمضت عينيها بالفعل فشدد هو في عناقها مكتفيا بهذا القرب بعد أن لمس عدم تجاوبها وتعبها الواضح..
+
بعد وقت لم يعلمه وهو غافي جوارها شعر بارتجافها بشكل غريب، أشرع عينيه ينظر لها قائلا بصوت واهن: مالك ياحبيبتي بترتعشي كده ليه؟
همهمت ووعيها شبه غائب: بردانة!
+
احكم عليها الغطاء أكثر وضمها وهو يربت على ظهرها: بلقيس انا حاسس ان فيكي حاجة غريب.. الجو طبيعي مايستاهلش شعورك بالبرد ده كله.. انتي تعبانة؟
+
_ بردانة أوي
قالتها وأسنانها تصطك ليزيد بضمها ويدفئها بحرارة جسده وبالفعل بعد قليل غطت بالنوم وهدأت ارتجافتها، فاعتدل ينظر لها بقلق.. زوجته ليست على مايرام..غدا سيضع حدا لتلك الهواجس ويذهبا للطبيب..
___________________
+
أشرقت الشمس وأغرقت الغرفة بضوئها وكانت هي من استيقظت قبله.. ألم شديد أسفل البطن أيقظها..ذهبت للمرحاض تقضي حاجتها ربما يهدأ الألم.. فانتظرتها مفاجئة لم تتوقعها..كانت تمنى نفسها اليوم بابتياع اختبار حمل بعد أن مضى أكثر من عشرة أيام على موعدها الشهري، فجسدها لا يخلف عاداته بهذا الشأن ابدا.. ظنت نفسها قريبة من إعلان خبرها السعيد على الجميع.. لكن تلك البقعة الحمراء نسفت ظنها ووئدت فرحتها المنتظرة..
+
اغرورقت عينيها وكادت تبكي في المرحاض لكنها تماسكت وأخذت حماما وخرجت لتجد زوجها مستيقظ وجالس نصف جلسة وما أن رآها حتي ابتسم هاتفا: صباح الخير ياحبيبتي.. عاملة ايه دلوقت؟
اجابته بهدوء طامسة حزنها: صباح الخير يا ظافر.. الحمد لله كويسة
_ طب تعالي قربي
اقتربت فعانقها بحنان هامسا: اميرتي كانت تعبانة بالليل وبترتعش بشكل غريب..ايه رأيك نروح لدكتور يطمني عليكي
+
انتفضت بغتة وابتعدت تصيح: وايه لازمته الدكتور ياظافر منا كويسة قدامك اهو
تعجب نفضتها وعصبيتها الغير مبررة، فقال بهدوء: طيب انتي اتعصبتي كده بس؟ انتي بقالك كام يوم مش مظبوطة.. وبالليل كنتي غريبة وبردانة وحسيت انك تعبانة فقلت اطمن عليكي.. ده يزعلك في ايه؟
تنهدت وحاولت التحكم في موجة الكآبة التي تتشعب داخلها وتريد البكاء بشدة وقالت: أسفة مش قصدي اتعصب.. عموما انا كويسة ماتقلقش.. وعشان تطمن مش هروح الشركة انهاردة عشان ارتاح
+
ابتسم برضا لاقتراحها: ان كان كده موافق.. ثم عاتبها بحنان: طيب مش هتصبحي عليا؟
+
ابتسمت رغما عنها وقد استفز عاطفتها نحوه فاقتربت وقبلته وعانقته هامسة: معلش يا ظاظا اتعصبت عليك غصب عني.
_ ولا يهمك.. ايه رأيك اجي بدري انهاردة واخرجك انتي وإيلي ونروح الكورنيش اللي انبسطي فيه اخر مرة؟ او اي مكان تختاروه معنديش مانع..
+
نظرت إليه بتقدير لمحاولته التسرية عنها رغم مشاغله التي تعلمها جيدا، فربتت على جانب وجهه الحليق هاتفة: مافيش داعي أنا عارفة انك مشغول ياحبيبي.
+
قبل كفها المستكين على وجهه وقال بنبرة اخترقت روحها: لو حاسس انك محتاجاني مافيش حاجة هتشغلني عنك وتكون اهم منك.
+
ترقرقت شمسيها ثانيا.. هذا الصباح دمعتها قريبة بشكل مبالغ فيه ، نفسيتها غير مستقرة على شيء.. تريد البكاء وفي ذات الوقت تريد ان تضحك.. لكنها حزينة.. جائعة جدا..تشعر بالبرد فجأة ثم تشعر بعدها بحرارة في جسدها.. الأفضل لها اليوم أن تعتزل الجميع حتى تمر تلك الحالة النفسية العجيبة على خير..
+
_ انتي بتعيطي؟
تسائل بدهشة حقيقية وهو يطالعها بريبة، فاغتصبت ابتسامة زائفة: لا يا حبيبي ماتحطش في بالك، اتأثرت بحنيتك وكلامك الحلو.. ربنا يخليك ليا.. ثم جذبته من الفراش وقالت بمرح: يلا قوم خد حمامك عشان ننزل نفطر مع طنط وإيلي.. وبخصوص الخروج خليه أخر الأسبوع في الويك اند..
+
خدعه مرحها الزائف فاستجاب وحصل على حمام دافيء ثم هبط معها لتناول الأفطار ومن بعدها غادر لعمله.. أما هي فاستأذنت بعد ذهابه وصعدت جناحها لتفعل الشيء الذي تكبته من الصباح.. البكاء..ظلت تبكي خيبة أملها بعد عشمها الكبير ان تكون حامل.. كانت ترى بعين خيالها فرحة زوجها ووالدته وإيلاف ووالديها.. كانت تعد السيناريوهات بكيفية إخبارهم.. لتموت فرحتها المرتقبة مع نزول تلك النقطة الحمراء.. ببساطة هي ليست حامل..لكن لماذا؟ من تزوجوا قلبها أعطاهم الله.. هل يمكن أن يكون لديها مشكلة ما؟ هل يمكن ألا تنول تلك النعمة؟ هل كما تسمع دائما لا احد يأخذ كل شيء.. هي جميلة بشطر ليس هين، ذات حسب ونسب ومستقبل واعد وزوج مخلص ناجح، هل يكون هذا فقط نصيبها من الدنيا وتحرم من الذرية؟.. مجرد افتراض الخاطر أثار دموعها فظلت تبكي وتبكي ومظاهر الاكتئاب تحاصرها مع عزلتها.. وبعد وقت كبير من البكاء لاحظت أن ألم بطنها هدأ قليلا وغفت لتعوض أرق الأيام الماضية، وظلت دموعها على وجهها ولم تشعر بشيء.. حتى جاء ظافر من عمله يحتله القلق لعدم ردها على الهاتف طيلة اليوم.. وما ان رآى والدته قال:
_ السلام عليكم يا ماما عاملة ايه؟
_ الحمد لله ياحبيبي، جيت بدري انهاردة يعني
_ حسيت ان بلقيس مضايقة الصبح، قلت اجي اخرحها شوية ..هي فين يا ماما؟
_ والله يابني انا لقيتها بعد خروجك بنص ساعة بتستئذن تطلع تنام عشان سهرت بالليل.. مانزلتش من وقتها.. وانا قلت اسيبها براحتها يمكن هتنام شوية وتصحي تكلم والدتها ماحبتش اقلقها يعني.. لكن معرفش انها تعبانة.
+
غمغم لها بكلمات مطمئنة: ولا يهمك يا ماما.. هي فعلا مانامتش كويس امبارح.. عن اذنك هتطلعلها
_ ماشي ياحبيبي، ولو حابب تتغدا معاها لوحدكم مافيش مشكلة انا وايلاف هنتغدا لوحدنا عادي
_ لا ياحبيبتي هنتغدا معاكم بس هطلع اطمن عليها واجيبها وانزل..
+
صعد ليجد الغرفة مظلمة وغير مرتبة.. وهي راقدة متلحفة بالغطاء ولا يظهر منها سوى أطراف شعرها المتدلي على طرف الفراش.. تعجب ان تنام بهدا التوقيت، المغرب آذن وهو في طريقه إلى هنا.. دنى منها وحاول إيقاظها بربتات هادئة: بلقيس..حبيبتي فوقي المغرب آذن ايه النوم ده كله
+
فتحت عينيها بصعوبة وشعرت بحرقة بها من أثر بكائها منذ ساعات، ليهتف بجزع: مال عينيكي يابلقيس وارمة كده ليه كأنك كنتي بتعيطي؟
+
التفتت لترى وجهها في المرآة الجانبية وبصرت بالفعل انتفاخ عينيها وشعرها الغير مهذب وهيئتها الكلية بدت مزرية للغاية، فاعتدلت وهي تحاول تجنبه: عادي من أثر النوم، هقوم اخد حمام وافوق..
+
همت بالنهوض، فأمسك رسغها وصاح بحزم: بلقيس مالك؟ انتي شكلك مش طبيعي وكنتي بتعيطي.. وليه حبستي نفسك هنا طول اليوم وقاعدة في الكآبة دي.. وبعدين اتصلت بيكي كتير ماردتيش ولا مرة
+
بأعجوبة تماسكت عن الصراخ وقالت بهدوء: أكيد ياظافر تليفوني فصل وانا نايمة.. ومافيش كآبة كل الحكاية اني كنت جعانة نوم.. وعيوني وارمة بسبب كده ومافيش حاجة تانية، سبني بقي اقوم اخد حمام.
+
لكنه ظل قابض على يدها عيناه تكذبها متسائل بصرامة: انتي هتقولي مالك ولا لأ؟ في ايه انتي بقالك كام يوم مش مظبوطة فهميني مالك.
+
_يا سيدي ما قولتلك مافيش حاجة سبني في حالي انا مش ناقصة.. هو استجواب؟!.. ايه المشكلة اني انام طول النهار مش فاهمة؟؟؟
+
أخيرا أطلقت العنان لصراخها وهي تصيح عليه غاضبة بصوت عالي لأول مرة منذ تزوجا.. فظل يرمقها بنظرة مبهمة وهو قاطب الجبين ثم ترك يدها ونهض وقال وهو يشير للمرحاض: اتفضلي خدي حمامك براحتك وانا هنزل تحت واطلع بعد شوية..
+
قالها وغادرها وهي تراقبه بصمت وألم شديد في البطن ودوار يكتنف رأسها مع شعور بالغثيان رغم معدتها الفارغة تقريبا عدا وجبة إفطار صغيرة جدا معهم في الصباح الباكر..
زرفت عبرات صامتة على وجنتها وشعرت انها تغرق بكآبة غريبة.. لم عاملته هكذا؟ لما تستسلم لحالتها تلك؟..لما يغلف روحها اليأس بتلك الضراوة؟.. إن لم يحدث هذا الشهر ربما يحدث في القادم.. لما تتعامل كأنها لا سمح الله لن ترزق بأطفال؟ هل نظرة والدة زوجها السبب وتمنيها بسماع خبر الحمل منها؟ أليست هذه أمنية طبيعية؟ لم أخذتها بمحمل جارح وضخمت الأمر؟
+
بصرت هيئتها ثانيا في المرآة ووجدت كم هي بشعة..يجب ان تنفض عنها تلك الروح الكئيبة الدخيلة عليها وتستعيد حيويتها ومرحها مع زوجها.. لكن لو يهدأ هذا الألم والدوار اللعين لأصبحت أفضل!!
………
انتهى حمامها الدافيء وخرجت وهي تجفف شعرها المبتل مستعيدة جمالها ورونقها لتراه جالس على الفراش ينتظرها..لمعت عينيها باعتذار واقتربت منه بخجل وهمست: أنا أسفة
+
ظل يحاصرها بتلك النظرة الغامضة دون رد فواصلت: حقك عليا لأني اتعصبت عليك.. ماتزعلش مني عشان خاطري والله غصب عني ماكنتش في وعيي..
+
_ ليه مش في وعيك؟ ايه مشكلتلك بالظبط؟
+
تنهدت وقالت: مافيش ياظافر كنت تعبانة ودلوقت بقيت كويسة.. ثم اقتربت تقبل جبينه وهي تحوط وجهه براحتيها: بالله عليك ماتزعل مني..
+
رائحتها.. وجهها الناعم.. شعرها المبتل بالقرب من وجهه.. جسدها الفواح حين ازدادت اقتربا جعله يحتضنها وهو يتشمم شعرها هامسا بخفوت: مش زعلان بس عايز اعرف مالك..
لبثت صامتة مستكينة على صدره.. الآن لا تحتاح شيء اخر.. ليت الزمن يقف هنا.. ليت الكلمات تموت ولا يجبرها احدا ان تتحدث.. تريد تلك الجرعة الدافئة من احتوائه الصامت فقط..
+
ولأنه تؤام الروح أدرك حاجتها لهذا الاحتواء الحاني.. فدسها بصدره أكثر وتحلى بالصمت وهو يداعب خصلات شعرها وهي مسدلة جفنيها باسترخاء ممتع..اي نعيم أكثر مما هي فيه الآن..لن تفكر بشيء.. أي شيء..
+
كم مر من الوقت وكلا منهما يحتوي الأخر، لا يعلمان.. حتى تململت هي وقالت: خلينا ننسى اللي حصل انهاردة ولو عايز نخرج انا وانت وإيلي موافقة..
+
لم يرضيه هروبها، فأجلسها على قدمه گ الطفلة وقال: لو انا في يوم خبيت عنك همي من غير ما اشاركك فيه مش هتزعلي؟! اكيد هتزعلي.. قولي مالك بقا وريحيني..
+
ظافر لن يتركها قبل أن تدلي بما لديها.. فزفرت لتواصل كذبها عله يتركها: مافيش!
_ الأسطورة بتقول لو سئلت مراتك مالك وقالت مافيش.. يبقي غالبا في مصيبة.
ضحكت رغما عنها لدعابته، وظل يرصدها منتظرا..فتنهدت ثانيا وقالت بتردد: هتفهمني صح؟
_ مش هرد عليكي!
+
ابتسمت ابتسامة ضعيفة وبدأت تحرر أفكارها التي تسببت في مزاجها السيء اليوم معه:
من اسبوع عرفت ان زمزم حامل.. والله ياظافر فرحتلها لأنها اختي مش بس بنت عمي..لكن غصب عني اتمنيت انا كمان اكون زيها خصوصا ومامتك بتقولها انها منتظرة هي كمان تسمع الخبر ده مني.. والدتك اتكلمت بشكل عفوي وماتتلامش عليه..بس معرفش ليه حسيت بحزن.. سألت نفسي ليه انا لسه مش حامل زي أمونة أو زمزم اللي اتجوزوا بعدي.. حسيت لحظتها باكتئاب انا نفسي مش فاهماه والشيطان صورلي سيناروهات سودة ان ممكن مش اكون أم ..ويبقي نصيبي من الدنيا اني مجرد بنت جميلة حبتين واهل كويسين وزوج حنين وناجح.. وان الإحساس ده مش هيكون من نصيبي.. فضل الشعور ده مسيطر عليا.. غير تعب جسمي الاسبوع اللي فات وحاجات غريبة عمرها ما حصلت معايا.. أنا عمر روتيني الشهري ما اتأخر يوم واحد.. المرة دي اتأخر اكتر من عشر أيام.. فرحت واتعشمت خير اني افرحك انت ومامتك وايلي وماما وبابا..بقيت طول الوقت في حالة ترقب، عمالة أتخيل ازاي هحكيلكم الخبر اللي متوقعاه.. ازاي انت هتفرح وتشيلني وتلف بيا وانت بتحمد ربنا انك هتكون أب.. ازاي طنط هتاخدني في حضنها وتقولي مبروك.. ازاي ايلاف هتصرخ وتقول هبقي عمتو.. وماما وبابا اللي منتظرين حفيدهم بفارغ الصبر.. كل افتراضاتي دي اتدمرت الصبح اما دخلت الحمام واكتشف إن…..
+
ولم تستطع ان تكمل وتحشرج صوتها المختنق من موجة بكائها الذي انفجرت به، فغمسها بصدره سريعا بعد ان تركها تفرغ ما بداخلها أمامه وراح يربت على ظهرها قائلا: عبيطة وعايزة تتعاقبي..
+
ثم ابعدها عنه ليطالعها وشاكسها غامزا بإحدي عينيه: بس عقاب حقيقي مش العقاب إياه..
ضحكت من وسط بكائها ثم عادت لصدره وعاد يربت عليها: تفكيرك كله غلط في غلط.. احنا لسه مش كملنا سنة، ومافيش واحدة شبه التانية.. ده رزق من ربنا بيجي في وقته.. ليه توتري نفسك وتخلقي مشكلة من العدم؟
+
هتفت بصوت باكي: يعني انت مش نفسك يبقي عندك بيبي؟
اجابها بوضوح: طبعا نفسي.. وماما وايلي نفسهم.. ومامتك وباباكي.. وكل اللي بيحبونا.. هبقي كداب لو قلت العكس.. بس كمان كل حاجة بأوانها.. أنا متأكد ان ربنا هيكرمنا والله.. وتعرفي كمان حاسس بايه؟
_ بأيه؟
_ حاسس اني هجيب منك بنوتة حلوة اوي..ويمكن تكون أول خلفتنا.. وساعتها مش عارف هشوف شغلي ازاي لان هفضل قاعد جمبها.. ورغم اني بقرف شوية بس احتمال اتعلم اغيرلها البامبرز بنفسي..ماهي هتكون بنتي بقا.. ولما شعرها يطول هعملها انا ضفيرتها الحلوة.. ولعلمك هحبها اكتر منك بكتير.. اياكي تغيري وتعمليلنا مشاكل..
+
تعلقت بعنقه بعد أن نجح بمزاحه الحاني التسرية عنها..حمقاء هي..كيف تحزن ومعها رجل مثله..كيف تغضبه لحظة واحدة؟؟ لثمت كتفه المستكينة عليه وهمست: _بحبك يا ظاظا.. وحقك عليا لأني زودتها شوية وكنت نكدية معاك..
_ حبيبتي وايه الجديد دي الست المصرية الاصيلة.
نكزت خاصرته عقابا لمزحته الثقيلة، فتحسس شعرها بحنان: المهم مش عايزك تفكري كده تاني ولا تخبي عني حاجة.. ويلا استعدي عشان هاخدك انتي وايلي وماما نتغدى ونسهر برة..ولا حابة تكوني معايا لوحدينا؟
+
_ بالعكس.. انا عايزة اعوض عزلتي انهاردة بيهم..خلاص انزل عرفهم يستعدوا وعلى ما تطلع هتلاقيني جاهزة
+
_ ماشي.. بس هاتي تصبيرة كده كفاية اني مش هعرف اعاقبك براحتي كام يوم..
+
ضحكت بدلال: خمس أيام بس يا ظاظا
_ طبعا ياختي وانتي فارق معاكي ايه؟ ماتعرفيش اني هولع فيهم وانا بعاملك معاملة الأخوات..
ضحكت بانطلاق وراح يتأملها بسعادة جمة وقد عاد تألقها من جديد، ليقطع ضحكتها تلك صيحة ألم مفاجأة وهي تتحسس أسفل بطنها، فقال بقلق: مالك حصل ايه؟
هتفت بمعالم وجه متألمة: عندي مغص جامد كل شوية يهجم عليا ودايخة شوية..أنا ببقي كده اول يومين..
+
تفهم حالتها فأجلسها وأمرها أن تظل مكانها وراح يعد لها مشروب مكون من تشكيلة اعشاب مدروسة يعرف تأثيرها جيدا وعاد وهو يقدم لها "مج" كبير قائلا: خدي اشرب ده والمغص هيروح وتهدي..
+
اطاعته وما ان رشفت رشفة حتى تجعدت أنفها بضيق: ايه ده؟ طعمه وحش ومافيهوش سكر كمان!
كتم ضحكته لتعبير وجهها وتذمرها الطفولي: لأن من غير سكر هيفيدك اكتر وتخفي بسرعة.. اشربي وبلاش دلع عيال بدال ما اشربهولك بالعافية..
+
اضطرت لمجراته ومع كل رشفة ترسم على وجهها تعبير امتعاض تلقائي اضحكه في أخر الأمر ثم أسند ظهرها على صدره ودلك سطح بطنها بشكل دائري هامسا: سلامتك ياروح قلبي..
نظرت لجانب وجهه وقالت بحب: أنا بحبك اوي يا ظافر
تنهد مع قوله: ابقي قوليها تاني بعد خمس أيام..
ابتسمت وعادت تهمس: هقولها دلوقت وكل ساعة.. بجد شكرا انك احتويت غضبي ومزاجي السيء انهاردة ومازعلتش مني وخاصمتني..
+
_ انا مش بخاصم..انا بعاقب وبس!
واقرن جملته الأخيرة باجتياح ناعم لشفتيها روي به ظمأ عاطفته ثم تركها لتكمل مشروبها وذهب ليخبر والدته وشقيقته ليستعدا للسهر في الخارج..
__________________
+
هبط الدرج وتوجه لوالدته فلمحها بالشرفة تسقي الورود المتخللة جانبي سياجها، فاقترب منها وقال:
ماما ايه رأيك نخرج كلنا الليلة، هنتغدا ونكمل سهر برة.
التفت إليه: بس انا ماليش في السهر ما انت عارف.. أخرج انت ومراتك وايلي.. وانا هستناكم ولو اتأخرتوا هنام
_ طب وليه يا ماما ماتيجي معانا وتغيري جو انتي مش بتخرجي كتير اصلا.
_ ياحبيبي وهخرح اروح فين.. انا هكلم مرات عمك شوية وحماتك اطمن عليهم وبعدها هاقرأ شوية قرآن قبل ما انام.. عايزة اختمه زي كل شهر..
+
لثم كفها: ربنا يقويكي يا امي ويخليكي لينا
ربتت عليه وهي تدعوا له ثم لاحظت عليه طيف التردد كأنه يريد قول شيء ما، فشجعته قائلة: مالك ياحبيبي، عايز تقولي حاجة؟؟
نظر لها بتمعن وهو يفكر.. يخاف ان يقول شيء يتسبب في مشكلة دون قصد، فعادت تقول: قول ياحبيبي متخافش قلقان ليه طمني.. مراتك فيها حاجة؟ أنا حاساها كانت مش مظبوطة انهاردة بالذات
+
تشجع بحديثها وقال: بصراحة. يا ماما انا فعلا عايز اقولك حاجة تخص بلقيس
_ اتفضل سامعاك.
تنحنح وهو يرتب الكلمات المناسبة في عقله: باختصار بلقيس بيلح عليها احساس الأمومة الأيام دي بعد ما زمزم بنت عمها حملت وهي متجوزة بعدها.. طبعا هي نفسها في حاجة زي كده وابتدت تقلق وتترقب ان ده يحصل..
+
صاحت بتفهم: ماشي ياحبيبي وهي قلقانة ليه انتوا بقالكم شهور متجوزين مكملتوش سنة.. صحيح انا كل يوم بدعي ومتلهفة للخبر ده بس كله بأوانه اكيد ربنا هيجبر خاطركم قريب..
قد يعجبك ايضا
منذ بضع شهور
رواية جبروت صعيدي الفصل الخامس عشر 15 بقلم سامية صابر...
منذ بضع شهور
رواية جبروت صعيدي الفصل السادس عشر 16 بقلم سامية صابر...
منذ بضع شهور
رواية جبروت صعيدي الفصل السابع عشر 17 بقلم سامية صابر...
وواصلت بتوضيح: وبعدين زمزم كانت مخلفة قبل كده، وده يفرق يابني لأن اللي بتحمل مرة بيكون حملها بعد كده أسرع غير اللي لسه مش حملت خالص
_ ماهي المشكلة انها بتقارن نفسها بأمونة اللي حملت على طول هي كمان يا ماما..وده اللي خلاها تحبط والشيطان لعب بدماغها..
_ يابني ده نصيب وكل واحدة غير التانية.. وعلي فكرة قلقها ده ممكن هو اللي يأخر الحمل عشان تكون فاهم.
+
_ عارف والله وعرفتها ده وطمنتها وهي افضل فعلا دلوقت.. انا كل اللي طالبه منك تبقي حريصة بس في كلامك قصادها.. بلقيس بقيت حساسة شوية..
+
_ حاضر ياحبيبي هاخد بالي ولو اني اصلا عمري ما سألتها في حاجة تخص الموضوع ده.. اللي ما ارضهوش علي بنتي مش هرضاه عليها ياظافر..
+
ضمها بتقدير وراحة وقبل قمة رأسها وقال: ربنا ما يحرمني منك يا ماما.. انا عارف انك مش كده وانك بتتقي الله وحنينة.. حبيت بس أحطك في الصورة عشان لو كان صدر من بلقيس اي تصرف غريب تكوني فهمته خلفيته كانت ايه..
+
_ اطمن ياغالي وماتشيلش هم.. ربنا يجبر خاطرك ويرزقك من حيث لا تحتسب ويبارك فيك انت واختك ومراتك
واستطردت بمزاح: يلا بقي من غير مطرود خدهم واخرجوا وسيبوني اروح ارغي شوية في التليفون وبعدين امسك المصحف..
_ طيب مش عايزة اجيبلك حاجة وانا جاي؟
فاضت عليه بنظرة حانية گ نبرتها: عايزاك سالم من كل شر يا قلب أمك..
………… .
راقبت مغادرته بعين شاخصة..طاف بذهنها يوم. مكالمة زمزم أمامها وكيف تبادلت معها التهاني وابدت امنيتها بعفوية لقدوم حفيد.. استرجعت نظرة بلقيس حينها.. ربما جرحتها بشكل ما؟ لكنها لم تقصد شيء.. دعوتها كانت عفوية..
+
تنهدت وهي تهز رأسها وتهمس بشرود: لو دخلتي في السكة دي هتأذي نفسك من غير ماتحسي يا مرات ابني.. ربنا يصلح حالك ويهديكي وينولك مرادك ويرزقنا كلنا الفرحة قريب..
______________
+
اصطحبهما ظافر لنفس المكان هي وإيلاف..الجو رائع يغمر الروح بالسعادة والبهجة.. تذوقت هي وشقيقته بعض الأكلات باستمتاع ونهم غريب..هي لم تأكل طيلة اليوم وربما هذا كان سببا في الدوار.. لكنها الآن بخير.. تنظر لزوجها بحب وعاطفتها مشتعلة بشكل عجيب.. تريد عناقه برغبة جامحة.. يبدو ان الهرمونات لديها تتحكم بمشاعرها هذا اليوم، شتان بين الصباح والآن..
+
_ الشاورما دي تحفة يا بلي.. ولا ايه رأيك؟
_ فعلا ياحبيبتي جميلة.. من المرة اللي فاتت حبيتها
_ ياريت كنا اتصلنا بمحمود يجي معانا يا آبيه
+
"شبيك لبيك.. محمود خطيبك ملك ايديكي"
شهقت وهي تستدير علي صوته خلفها بينما ظافر وبلقيس يضحكان لرد فعلها والأول يقول: شوفتي اخوكي حبيبك نفذ طلبك من قبل ما تطلبي ازاي؟..
+
شبت علي قدميها لتلثم خده بتلقائية: حبيب اخته بقا..
+
محمود بغيرة مختلطة بمزاحه: طب وانا ماليش نصيب في فيضان الحب ده كله..
ابتسمت بوجه تخضب خجلا، ليهتف ظافر بتوبيخ: اتلم يامحمود.. الفيضان ده ليا انا وبس.. انت اخرك ترد عليك السلام.. ثم غمز له: وبعدين منا اتصلت بيك اهو عشان تيجي وتسهر مع خطيبتك.. تنكر انها حركة جدعنة؟
+
_ بصراحة يا ابو نسب.. انت راجل أصيل. كمل جميلك بقا وسيبني مع خطيبتي نضرب شاورما سوا.. ولا ايه يابلي؟
+
بلقيس: انت لسه واخد بالك اني موجودة اصلا يا استاذ؟
ظافر: وبعدين ماتقولهاش بلي بدال ما ارميك في النيل..
محمود: شايفة يا لولو اخوكي ومراته بيعاملوني ازاي.. تعالي نبعد عن الناس الوحشين دول..
ضحكت ليقاطعهم شاب يحمل لهم قراطيس بسكويت مقرمش معبأ به "أيس كريم" وهو يقول:
+
_ ده تحية مني لشيفنا الكبير وضيوفه، أنا عامل كوكتيل بنكهات جديد وعايز اعرف رأيكم فيه.. يارب يعجبكم..
ابتسم ظافر وقال ممتنًا: تسلم ايدك يا رائف، الأيس كريم بتاعك شكله بيحكي لوحده..
_ بألف هنا يا شيف ومنتظر رأي حضرتك..
+
تركهم وغادر وابتعد محمود مع إيلاف ليتذوقونه بمفردهما بعد أن منحها ظافر نظرة سماح بالابتعاد قليلا وهما يقفان في دائرة بصره.. بينما ضوت حدقتي بلقيس فخرا بزوجها الذي يحصد اعجاب واحترام الجميع هنا..مفاجأتهم بحضوره مرة أخرى اورثتهم سعادة جلية وتقسم انهم سيحرصون على تقديم الأفضل مادام مثلهم الأعلى في المجال الذي يمتهنوه يأتيهم ويشاركهم ما يصنعون ولا يبخل عليهم بالنصيحة والدعم المعنوي..
…………… ..
_ وحشتيني يا إيلي..
ردت بخجل: وانت كمان
وواصلت: وعلى فكرة عجبني أوي كلمات البوست اللي شيرته ليا امبارح.. انت بتلاقي الحاجات دي ازاي!
مازحها: أنا انسان مرزق ورزقي في رجليا زي ما بيقولوا.. ثم تفحصها برهة وقال: ليه مش لابسة اللينسز انهاردة؟
_ مش انت بتحب لون عيوني وقولت انه ساحر.. اديني بحاول اتعود اني مش احط لينسز
همس لها بحب: ماهو عشان ساحر خايف يسحر غيري.. وانا مش معاكي ابقي حطي الينسز دايما..اخاف حد يبصلك وانا مش موجود..
ابتسمت تقول: بتغير يعني ؟
_ أه بغير يعني.. بغير جدا كمان.. وعلى فكرة مبسوط اوي انك افتكرتيني واتمنيتي اكون معاكي هنا..
_ منا معرفش ان اخويا كلمك وعزمك..
_ فعلا أنا اتفاجئت انه باعت رسالة بيقولي ( محمود.. سيب اللي في ايدك وحصلنا على الكورنيش ..انا وايلي وبلقيس هناك) طبعا فرحت وجيت جري و جبتلك دي معايا.. ووجدته يعطيها حقيبة كرتونية ملونة، فنظرت داخلها بفضول لتجد حقيبة يد صغيرة بلوني الشيكولاتة فشهقت بإعجاب: الله يامحمود تجنن.. رقيقة وصغنتوتة زي مابفضلها..
غمغم برضا: الحمد لله ان عجبتك.. شوفتها اول امبارح وانا مع صاحبي واشتريتها.. فاضل اجيبلك معاها شوز بنفس اللون
_ لا لا ماتتعبش نفسك انا عندي شوز بني هيبقي تحفة عليها
_ خلاص تمام مبروك عليكي حبيبتي..( واستطرد) صحيح مش ناوية تيجي تشوفي المكتب بتاعي؟
_ هاجي في الافتتاح
_ لا عايزك تشوفيه قبلها وتقولي رأيك.. اعدي عليكي الخميس؟
_خلاص ماشي بس استأذن اخويا الاول..
_من غير ماتقولي هقوله طبعا.. بس لعلمك لما نكتب الكتاب مش هستأذن حد
شاكسته بأرياحية: لما بقا يا حودة..
_ قلب حودة من جوة وربنا..
______________
+
انتهت أمسيتهم وعادوا للبيت بعد ان تركت الأمسية أثرا ساحرا بها.. بددت كآبتها وأعادت لها حيوتها كاملة خاصتا بعد زوال الألم عقب مشروب ظافر الرائع رغم مراراة طعمه.. لكن يكفي انه صنعه لأجلها.. راحت تتأمله وهو يمشط شعره في المرآة بعد حمامه.. ابتسمت لأناقته، حتي وهو يهم للنوم.. دني منها تلك اللحظة ودثرها معه تحت الغطاء وهو يحتضنها قائلا: أحسن دلوقت بعد ما راح المغص؟
_ طبعا احسن..المشروب بتاعك ده ساحر..
_ طب الحمد لله.. يلا ننام بقى احسن انا مش هقدر اسهر اكتر من كده، عندي يوم طويل بكرة وتسليم اوردارات مهمة جدا..
+
طافت عينيها عليه وهمست بخفوت والنوم يداعب أجفانها بقوة: ظافر.. هتفضل تحبني على طول؟
لم يجيبها فواصلت وصوتها يخفت أكثر وهو يتمعن بها ويراقبها بصمت: وهتحتويني كده دايما مهما اتعصبت؟
مازال صامتا يطالعها وهي تكاد تسقط في غفوتها قائلة بنبرة أشد وهنًا: أنت حنين اوي.. وانا.. بحبك..أوي
+
يجزم الآن انها لم تعد تدري لشيء حولها.. أسبلت جفنيها وبدأ صوت أنفاسها ينتظم مع حركة صدرها وهو يراقبها ثم انحني بحذر ولثم شفتيها برقة وقال: وانا كمان بحبك ياملكة قلبي..
+
ثم استسلم هو الأخر لسلطان النوم بعد أن بلغ منه الإرهاق مبلغه.. لكنه مرتاح البال بعد أن أعاد لقارورته الهشة رونقها كما يجب ان تكون دائما ..
________
صباح اليوم التالي!
_ خلاص يا ياسين فهمت، والله مش هنسيبها لوحدها زي ما وعدتك امبارح، انا ظبطت مع الكل وحتي هي هتتفاجيء بينا..
_ طب عايز منك خدمة كمان
_ طلباتك كترت ياسي سينو.. قول خدمة ايه؟
+
استمعت له ثم قالت بود: من عنية، عايز حاجة تاني؟
_ متحرمش منك يا حبيبتي..
_ ولا منك يا حبيبي، سلام بقي عشان اجمع الكل واتصل ببسمة ونلحق وقتنا
…………
_ السلام عليكم يا بسومة، جاهزين ولا ايه؟
_ ايوة عطر ومنتظراكي
_ ماشي نص ساعة بالكتير واجيلك انا وجوجو وزمزم عشان نتسوق من بدري..
_ تيجو بألف سلامة حبيبتي..
_________
+
أعتراها التوتر بعد أن تفاجأت بقدوم والدة ياسين وخالته والعمة عبير..لم تكن تعلم بحضورهم، تتفهم جيدا محاولتهم التودد لها وتعويضها عن أهلها الراحلين وكم تمتن لذلك، لكن شيء ما يؤرقها، ربما عدم الاعتياد على تدفق كل هذه العلاقات التي اقتحمت حياتها بغتة..او ربما الحاجز المشيد داخلها انها من عالم غير عالمهم..أشياء كثيرة تعيث داخلها وتورثها هذا القلق والارتباك..
+
_ بسمة سرحانة في ايه، ركزي البنات بتكلمك..
+
انتبهت على همسة حنين بأذنيها ، فراحت تتبادل الحديث معهم حول ما سترديه وكيف تفضله، ليقاطعها نداء أخر من عطر التي كانت منزوية بعيد عنهم منشغلة بالهاتف:
+
_ ياجماعة، تعالو ضموا علي بعض عشان سينو عايز يكلمنا فيديو ويصبح علينا..رددت بسمة بصوت أفكارها الخفي( هذا ما كان ينقصني لتكتمل بعثرتي وسط الجميع) .
+
ياسين وهو يحاكيهم عبر الشاشة: يا صباح الحلويات.. كل المزز دي في مكان واحد.. طب مش تقولولي كنت سبت شغلي وجيت معاكم..
ضحكت عبير: مالكش نصيب في الحفلة دي يا ياسين، بس بذمتك مش انا احلى واحدة فيهم؟
كريمة متدخلة بمزاح: وسعي شوية ياعبير، مافيش احلي من خالتو حبيبتوا ، صح ياسينو؟
ابتسم ضاحكا: انتو عايزين توقعوني وسطيكم ولا ايه أنا مش قدكم ياسيدات الحسن والجمال..
اقتحمت فدوى حيز رؤيته وقالت: ولا انتي ولا هي.. مافيش احلي من أمه حبيبتوا..
+
ضحك وهو يمطرها بكلمات الغزل لتقاطعهم عطر :
لا وسعوا كده ياجيل السمنة البلدي واركنو علي جنب.. الحلاوة كلها في خطيبته، حد عنده اعتراض؟؟؟
+
نكست بسمة رأسها والخجل يذيبها والجميع يطالعها، وازداد انصهارها وعطر تجذبها بعيدا قائلة لشقيقها: خد ياعم صبح على خطيبتك بعيد عن الحموات الفاتنات اللي أكلوا الجو من البنية المكسوفة دي.. بس قبل ما اسيبك هفتن على البت جوري واقولك انها عمالة تتكلم وحش عليك قصاد بسمة ومسيحالك جامد..
_ أما اجي هقطع لسانها القصيرة دي..
جوري: تقطع لسان مين يا ابني اتكلم على قدك متخلنيش ابوظ برستيجك زيادة قدام بسمة..
_ ماشي يا أوزعة، بس اشوفك وهعرفك مقامك.
عطر وهي تخطف الهاتف ثانيا وتعطيه لبسمة: كفاية رغي بقى خلينا نخلص.. خدي ياسوما كلمي خطيبك وانا وجوري وحنين وزمزم هنبص على الفساتين اللي هناك علي ما تيجي، وخدي راحتك الوقت معانا..
……… .
رصد حمرة وجهها فابتسم وقال: ازيك يا بسمة عاملة ايه؟
_ الحمد لله بخير
شاكسها ليذيب خجلها: أوعي تصدقي كلام اتنين في العيلة دي لو جابوا سيرتي.. المعتوهة جوري وعابد لانهم مجانين اساسا وبيفتروا عليا..
+
ابتسمت هاتفة برقة: لا متخافش مش هصدق عنك حاجة وحشة
_ بجد؟ مهما سمعتي عني مش هتصدقي؟
_ أيوة.. أنا بثق فيك جدا..
صمت يتأملها بضعة ثواني وعيناه تتغزل بها دون أن بتفوه حرفا، ثم قال بخفوت: وحشتيني اوي يا بسومة..
نظرت حولها بتوتر وقالت بعفوية: ياسين الله يخليك بلاش تقولي حاجة تكسفني عشان حاسة ان كل الناس بتبصلي وانا مش ناقصة توتر وكسوف.
ضحك وقال: خلاص يا ستي عشان خاطرك بس.. طيب انتي مبسوطة ان ماما خالتو والكل جه معاكي؟
_ اقولك وماتزعلش؟
_ قولي
_ كنت حابة اكون انا واختي لوحدنا، وده مش معناه اني مضايقة منهم والله بالعكس انا متأثرة اوي باهتمامهم وانهم عايزين يحسسونا اننا أهل بس….
_ بس ايه؟
_ مش هتفهمني يا ياسين.. او انا مش هعرف اوضحلك قصدي
_ لا انا فاهم كويس جدا، بس صعب نتناقش دلوقت لكن اللي عايزك تفهميه يابسمة..إن اي تصرف هيحصل معاكي ولا هو مجاملة ولا شفقة ده حقك..انتي في عهد جديد له قوانينه ونظامه ولازم تتعودي عليه.. عموما انا هعذرك لأن كل حاجة جت بسرعة..بس مع الوقت هتعتادي حياتنا..
+
لم تمنحه ردا وهي تحلل كلماته التي تبدو منطقية لكنها حقا تحتاح وقتا للاعتياد..فعاد يتسأل: أخبار اخوكي ايه بعد ما رجع يتكلم؟
+
تنهدت مع قولها: رجع يتكلم بس مش زي ما كان يا ياسين، في حاجة ضايعة منه.. مش بيلعب ويتشاقى زي ما كان.. بيتكلم بسيط لما انا وحنين بنحاول نرغي معاه
+
_ المهم انه اتكلم يابسمة، أما انطوائه ده مع الوقت هينتهي، وأنا زي ما عرفتك هنعدي بس مناسبة كتب الكتاب وهاخده للدكتور النفسي، وبإذن الله خير.
وواصل: انا مضطر اسيبك عشان تكملي تسوق مع البنات..وبالليل هتصل بيكي.. عايزة اي حاجة؟
_ لا يا ياسين شكرا.. ربنا يعينك
_ تسلمي يابسمتي..
__________________
+
جوري: ماتختاري ياحنين، معقولة كل ده مش عاجبك؟
_ لا والله عاجبني بس منتظرة بسمة اخد رأيها
اتت الأخيرة فقالت عطر: تعالي يابسمة قولي رأيك وشوفي الطقم ده لأختك تحفة ازاي؟
قيمته بنظرة متمعنة وبالفعل أعجبها كثير لشقيقتها، فتناولته باحثة عن ثمنه دون أن تلاحظ الفتايات وكان غالي بعض الشيء، لكنه مازال في حيز قدرتها المادية وتستطع أن تبتاعه لها فقالت: أنا شايفاه جميل ياحنين، لو عاجبك خلاص هشتريه
رمقتها حنين بنظرة ذات مغزي، ادركتها بسمة وهزت رأسها لتطمئنها انه في متناول يدها، فقالت براحة: خلاص تمام هاخده مادام كله شايفه حلو..
جوري: تمام كده ظبطنا حنين، شوفي كده يابسمة اللي اختارناه ليا انا وعطر وزمزم وقولي رايك..تفحصت فساتينهن واعجبت بهم كثيرا وهتفت: حلوين جدا ما شاء الله
عطر: يعني كده في إجماع الحمد لله.. كده فاضل انتي ياعروستنا
_ أنا في دماغي حاجة معينة، ومش شايفاها هنا، هيجيبها من مكان تاني
عطر: ليه مكان تاني؟ المول هنا مليان موديلات روعة وجديدة، أكيد هتلاقي طلبك.. قوليلي بس عايزاه ازاي..
+
_ عايزاه اسود بسيط خالص مافيهوش اي شغل و…
+
قاطعتها جوري: بس لازم طقمك يكون في اي حركة تميزه عن الكل يابسمة زي حنين كده.. انتي عروسة ياحبيبتي
همت بمجادلتها، فقاطعتها زمزم التي كانت تتابع بصمت: طب يابنات ما تروحوا انتم تفرجوا ماما وطنط كريمة وطنط فدوى اللي اختارناه كله وسيبوني انا مع بسمة هختار معاها طقم مناسب..
+
تبادلت عطر معها نظرة ما ثم ابتعدت بصحبة جوري وحنين والصغير، بينما انضمت زمزم للأخري وقالت: اديني وزعتهم اهو عشان تختاري براحتك خالص من غير توتر، لأن حساكي متلخبطة من الزحمة
_ لا ابدا بس مش متعودة علي كده..
_ فاهماكي، تعرفي عشان انا كنت وحيدة في أوكرانيا ومش ليا اصحاب كتير، لما جيت هنا ارتبكت شوية من الهيصة والهزار والألفة بين اهلي اللي كنت بعيدة عنهم.. لكن مع الوقت اتعودت واتمنيت لو كنت وسطيهم من زمان.. ياريت تندمجي معانا لأننا بقينا اهل يابسمة.. اما بالنسبة للطقم بتاعك انا عارفة ان من جواكي لسه فيه أثر الحداد.. لكن انا هقولك حاجة سمعتك بتقوليها لأخوكي الصغير.. والدك وولدتك شايفينك.. عايزينك فرحانة..ومش هترتاح روحهم ابدا وانتي حزينة وبتغرقي روحك بالكآبة في يوم مميز في عمرك مش هيرجع تاني.. بعد سنين هتتفرجي على صورك تاني وهيتجدد حزنك لأنك اختارتي تبرزيه في ملامحك أكتر من فرحتك نفسها، اعملي لنفسك ذكري حلوة تخبيها جواكي، واوعي ضميرك يأنبك لحظة، يمكن الليلة دي بالذات يزور منامك الغاليين ويشاركوكي سعادتك..الطيبين مش بيموتوا لأن روحهم موجودة مع أحبابهم..
+
خيط دموع تلألأ من عينيها بعد كلام زمزم، فعانقتها الأخيرة وهتفت برفق: وبعدين بقى ياعروستنا بلاش تبكي..مش مسموحلك غير بالفرحة وبس.. واوعدك هنختار حاجة وبسيطة بس تميزك في نفس الوقت، اتفقنا؟
جففت بسمة باقي عبراتها وقالت: اتفقنا، ونسيت اقولك مبروك على الحمل ربنا يقومك بالسلامة
_ الله يبارك فيكي حبيبتي وعقبالك
_ تسلمي ( ثم حدجتها بنظرة أخرى وقالت) شكرا ليكي أنا مش هنسى ودك معايا أبدا، بصراحة كنت فاكراكي مش بتحبيني خالص..
+
وخزها ضميرها أكثر وهي تتذكر معاملتها الفظة لها يوم عقد قرانها بسبب غيرتها لأنها كانت الفتاة المرشحة من حماتها لتكون زوجة عابد.. رغما عنها غارت.. لكن الآن نضج تفكيرها وتغير.. لم تعد تغار منها.. بل تشعر بالخجل، وتوددها منها الآن ماهو إلا تكفير عن هذا الذنب، فقالت بعد أوقفت صوت أفكارها: وايه هيخليني مش احبك، وحتي لو كنت مش قريبة منك في الأول دلوقت الوضع اتبدل.. احنا بقينا بنات عيلة واحدة..وياما هتجمعنا أفراح وأحزان.. اعتبري دي بداية علاقتنا الجديدة.. موافقة؟
+
ابتسمت بتهذيب: ده يشرفني يا زمزم ..
_تمام جدا، يلا بقا نبدأ رحلتنا ونختار حاجة مناسبة قبل ما تيجي البنات وتتوتري تاني..
______________
+
انتزع كفه الصغير من كف عبير وهرول تجاه كريمة وهو يهتف برقة: تتة إيما
+
شهقت عبير بدهشة: يانهار ابيض.. الولد سابني وجري عليكي يا كريمة شوفتي الندل؟؟
+
ضحكت بسعادة غامرة وهي تحمله وتلثم خده المكتنز بمتعه حانية وقالت: حبيب تتة أنت، هوندا مش ندل ده ولد مسكر وأصيل.. لعبي معاه كل يوم طمر فيه..
قالت الأخرى وهي تقبل رأسه: طب وانا ياهوندا قولي تيتة فدوى..
كريمة وهي تلقنه: قول يا مهند ..تيتة فدوى
الصغير: تتة فوة
قهقهت قائلة: فوة فوة أهي تصبيرة لحد ما أسمي يكمل في بقك العسل ده..
كريمة: أنا هروح قسم الأطفال شوية وراجعة، ثم حدثت الصغير: كل مرة ابوك اللي يجيبلك هدومك، انا المرة دي اللي هشتريلك طقم تحضر به فرح عمو ياسين..
+
برقت عين عبير بسعادة طاغية لتعامل كريمة مع حفيدها، تبددت أخر قطرة داخلها من ان تعتبره مجرد طفل دخيل في حياة ولدها عابد خاصتا بعد حمل ابنتها..لم تتغير معاملتهم للصغير..الآن ارتاح قلبها وشكرت الله ان منح ابنتها هذه العائلة الجميلة وعوضها عن ما فات.
+
فدوى: يبقى انا هجيب لياسو اخو بسمة ماهو زي حفيدي برضو.. لحد ما ابني ياسين يفرحني بخلفته ان شاء الله
+
سارعت حنين بالقول كذبا: لا ياطنط احنا اشترينا لاخويا خلاص، شكرا ماتتعبيش نفسك.
_ وماله ياحبيبتي نجيبله تاني، ولا هترفضي هديتي وتكسفيني؟
_ معاش اللي يكسفك ياطنط بس احنا خلاص اشترينا وهو عنده كل حاجة الحمد لله، حتي اسألي بسمة اختي لما تيجي..
_ أنا مش هسأل حد.. ولو اعترضتي تاني هزعل منك فعلا.. انا اكبر منك بلاش تجادليني..
التزمت الصمت على مضض، وتوجعت معدتها تحسبا من رد فعل بسمة حين تعلم، فلن يروقها هذا ابدا.
…………
انتهى التسوق للجميع بعد أن ابدوا اعجابهم بطقم بسمة الذي انتقته مع زمزم، وضمت الأخيرة اغراضها هي وحنين والصغير استعداد لتسديد ثمنهم، ففوجئت بكريمة تهتف: اسمعوا كلكم الفرمان ده بالنيابة عن جوزي أدهم.. كل مشتراياتنا انهاردة انا اللي هحاسب عليها.. ودي هدية منه هو شخصيا وانا ماليش دعوة..ثم هتفت بتحذير باطنه المرح: حد معترض وعنده استعداد يزعل جوزي؟؟؟
+
عبير: لا على ايه، بالعكس ابقوا تعالو كل يوم..
فدوي: طب مش كنتي تقولي كنت افتريت شوية واشتريت حاجات اكتر
عطر: ياخسارة، كان في أربع بلوزات يجننوا لو اعرف بموضوع الفرمان العسل ده كنت اشتريتهم وافتريت زي ماما
+
وبينما هم يمزحون تبادلت بسمة وحنين نظرة رفض واضحة لما توقعته مسبقًا، هي تعلم أن المقصود من الفرمان المزعوم هذا هي واخوتها، هاهم يعاملونها گ فقيرة يحسنون عليها ولن تقبل هذا الإحسان من أحد وبهذه الخواطر صاحت بحسم ونبرة قوية: أنا أسفة ياطنط مع احترامي لحضرتك وأدهم بيه، بس انا اللي هحاسب على اللي اشتريته انا واخواتي..الحمد لله معايا فلوس كفاية..
+
تبادلت كريمة النظر مع فدوى سريعا ثم قالت بهدوء: يعني بالبساطة دي بتكسفيني يابسمة؟
_ أنا ما اقدرش اكسفك ياطنط ده انتي على راسي، بس معلش خليني براحتي..اللي اشتريته هحاسب عليه..
عطر: طب ما كلنا وافقنا اهو يابسمة، هل ده معناه ان مش معانا فلوس نحاسب علي لوازمنا؟ دي هدية من عمو أدهم.. مافيهاش حاجة لو قبلتيها ياحبيبتي..انتي تعترضي لو قالت هتدفع ليكي لوحدك، لكن طنط هتعمل كده مع الكل..
+
همت بمواصلة اعتراضها بقوة، لتقاطعها فدوى وهي تجذب منها حقيبة مشترايتها قائلة: خدي ياكريمة حاسبي انتي وابقي اسبقي مع الباقيين زي ما اتفقنا وانا هحصلكم، ثم نظرت للأخرى مواصلة: وانا هتكلم شوية مع بسمة..
…………… ..
أخذتها لتجلس بإحدى الكافيهات الملحقة بالمول وقالت برفق بعد أن استقر أمامهما كاستين لعصير الليمون: اسمعيني كويس يابسمة واستوعبي اللي هقوله، مش صح ابدا تكسفي حد اكبر منك.. خصوصا ان الحد ده مش غريب، كريمة وجوزها بيعملوا الواجب الطبيعي مش اكتر.. وزي ما قالت عطر كلنا بما فيهم انتي معانا فلوس ونقدر ندفع تمن اللي اشتريناه الحمد لله.. بس في حديث مآخوذ عن حبيبنا النبي صل الله عليه وسلم بيقول «تهادَوْا تحابُّوا»..عارفة معناه ايه؟ معناه إن الهدية بتألف بين قلوب الناس مسلمين أو غير مسلمين..بتفرح اي حد.. كبير وصغير.. والنبي صل الله عليه وسلم كان بيفرح بيها وبيهادي أحبابه..الهدية مهما كانت قيمتها بتزيد الروابط اللي بين الناس وتغلفها بمحبة وغلاوة.. انهاردة كريمة عملت معاكي واجب.. انتي بكره هترديه بالمثل بطريقتك وإمكانياتك.. لكن انك ترفضي وتصممي وتجادلي.. هتدخلي في دايرة مش حلوة.. اختي هتزعل وده أكيد هيزعلني أنا وياسين والكل.. دي تبقي ام ياسين التانية.. يعني بالبلدي كده حماتك التانية برضو.. لازم تتعاملي معاها على الاساس ده، ونصيحة من ست كبيرة اتعودي تكسبي الناس وماتخسريش حد..الأيام بتدور وكلنا هنرد لبعض الطيبة بالأحسن منها..ياترى فهمتيني واقتنعتي ولا لسه؟؟
+
تلجمت بسمة بضع ثوان ومنطقها القوي وهيبتها تسيطر عليها ما بين رهبة واحترام، فقالت: فهمت ياطنط.. وارجوكي ماتزعليش مني انا ما اقصدتش اكون فظة والله.. لكن ما اتعودتش انا او اخواتي ناخد حاجة من حد.. اتربينا على كده.. راس مالنا الوحيد كرامتنا وعزتنا بنفسنا..
+
ابتسمت فدوى بإعجاب حقيقي لها..أخلاقها وتربيتها الحسنة تغنيها وتثريها في نظرها.. لم تتمني لولدها زوجة افضل منها.. فربتت على وجنتها برفق: فاهماكي ومش زعلانة..خلاص انسي.. اعتبري ده اول درس تتعلمي مني.. ويلا بقي نحصلهم عشان كلنا هنروح نتغدا في النادي ونكمل يومنا هناك واخر النهار عابد وزمزم هيوصلوكي انتي واخواتك للبيت..
+
كادت أن تعترض رغبة منها في العودة لمنزلها لكن خافت أن تغضبها مرة أخرى، فالتزمت الصمت مكتفية بأيماءة موافقة ونهضت معها متوجهين حيث ينتظرهم الجميع.
__________________
+
أخيرا عادوا لمنزلهم بعد يوم طويل بدأ بابتياع فساتين عقد قرانهما وانتهي في النادي مع عائلة ياسين..تشعر بحالة من البعثرة مما حدث.. ابتاعوا لها كل شيء بنقودهم ولم تتكفل حتى ملابس حنين والصغير..طبيعتها لا تتقبل صياغة الأمر وان كانت تأثرت بحديث زمزم ووالدة خطيبها لكن يظل طيف الرفض لهذا الفعل يؤرقها..
+
_ بسمة ياسين نام خلاص.. انتي هتنامي ولا هتسهري شوية اقعد معاكي؟
_ نامي انتي ياحنين انا هصلي العشا وهفضل في البلكونة شوية..
رمقتها بنظرة متمعنة قليلا ثم جلست جوارها وربتت على كفها قائلة: عارفة انك ماكنتيش حابة حد يدفعلنا حاجة.. ولا انا كنت عايزة كده..بس يمكن اللي مرر الموضوع جوايا ان طنط كريمة دفعت للكل مش احنا بس.. يعني مجاملة للجميع يابسمة وطبيعي انتي فرد جديد في عيلتهم عايزين يعملوا معاكي الواجب.. ماتقفيش عند النقطة دي كتير عشان ماتتعبيش ياحبيبتي وتضيعي فرحتك..
2
ثم تنهدت بحيرة مستطردة: اللي المفروض تحمل هم هي أنا مش انتي!
_ اشمعنى؟!
_ لأن انتي مهما كان مرات ابنهم باعتبار اللي هيحصل بعد ايام.. لكن أنا؟..عبده لو عرف ان فستاني هما اللي دفعوا تمنوا هيضايق ويمكن يتخانق معايا.. انتي عارفة عزة نفسه.
+
_ ومين هيعرفه؟ مش كل حاجة تعرفيها لعبد الرحمن..
_ منا مش بمزاجي هخبي..لازم فعلا اتجنب مشكلة معاه مش هتعدي لو عرف..
_ شوفتي بقي ليه كنت مضايقة من فكرة انهم يكونوا معانا.. عموما خلاص اللي حصل حصل.. ثم لاطفتها لتخرجها من حالتها: وعلى فكرة الطقم بتاعك يجنن.. عبده هيتهبل لما يشوفك
+
ابتسمت لإطراءها وردته بالمثل: وانتي كمان اختارتي حاجة رقيقة جدا وتناسبك.. ربنا يسعدك يا اختي..
_ وانتي كمان ياحنة.. يلا روحي نامي وانا هصلي وانام بعد شوية..
_ ماشي تصبحي علي خير
………… ..
+
أدت الصلاة وظلت تدعوا الله بما تريده حتى صدح رنين هاتفها للمرة الثانية فنهضت لتبصر أسمه..
_ السلام عليكم..
_ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. ايه كنتي نايمة؟ رنيت قبل كده ما ردتيش
_ لا مانمتش بس كنت بصلي العشا ولسه خاتمة الصلاة
_ حرما يا حبيبتي
اقشعرت برجفة خفيفة من تأثير كلمته العفوية " حبيبتي"..وابتلعت ريقها لتقول بهدوء: جمعًا إن شاء الله
_ طمنيني اشتريتي كل لوازمك انتي واخواتك ومش ناقصكم حاجة؟
سمع تنهيدة مع غمغمتها: أيوة.
_ مال صوتك يابسمة كأن في حاجة مضايقاكي.. في حد ضايقك وانتم في المول او النادي
+
هتفت سريعا بإنصاف: بالعكس يا ياسين.. انتو ناس بتفهم في الاصول زيادة عن اللزوم وبشكل غريب عليا وبحاول أتأقلم معاه..
+
ابتسم لمدحها عائلته وتسائل: واتأقلمتي؟
_ لأ..
صمت لتكمل بعد نفيها القاطع، فواصلت: أنا اسفة بس..
وترددت فشجعها وقال: اتكلمي انا سامعك متخافيش..
_ياسين.. مامتك كلمتني كلام جميل وقوي واقنعتني ان اللي عملته طنط كريمة بتكفلها تمن كل اللي اشتريناه ده مجرد مجاملة هتترد في يوم.. بس انا مش متعودة على كده..وبعدين لو تقبلت انهم يجاملوني انا عشان خطيبتك.. طب حنين.. تفتكر لو قالت لخطيبها ان فستانها انتو اللي اشتريتوا هيقبل؟ والله ما استبعد انه يمنعها تلبسه من الأساس.. انا عارفة دماغه كويس..
+
_ ومين هيعرفه؟
ابتسمت بتلقائية لتطابق رده العفوي معها منذ قليل، فواصل: أسمعيني يا بسمة لأن ده كلام مهم من أولها.. انتي خلاص بقيتي تخصيني ومحسوبة عليا وبالتالي محسوبة علي عيلتي.. واحنا زي ما لاحظتي عيلة مترابطة الحمد لله مافيش بينا تكلف ولا احقاد ولا عقد.. وبنفرح لبعض من القلب..أرجوكي تقبلي بسرعة وضعك معانا..وارد جدع أي حد يهاديكي بصرف النظر الهدية غالية او لأ.. لأن كله بيترد وانا مش قليل عشان ارد هدايا مراتي بالاحسن منها.. أما حنين وياسين كمان هداياهم في نطاق المحبة والتودد والموقف بتاع انهاردة اللي اتحكم في ده.. انتم كلكم كنتوا سوا بما فيكم اختي وامي وبنت خالتي و الباقيين.. فالهدية شملتكم بشكل مايجرحش.. بلاش تاخدي الأمر بحساسية..تمام؟
+
لم تجد اي حجة في منطقه لتجادله فقالت: ماشي يا ياسين.. طيب هو في نقطة كمان مهمة كنت عايزة اكلمك فيها واحددها معاك..
_ ايه هي؟
_ شغلي.. هتسمحلي اكمله؟ او حتى اشوف بديله في القاهرة بما اننا هنعيش هناك ولا هتمنعني اشتغل؟؟
+
_ لو قولتلك مش حابب تشتغلي هتخالفيني؟
_ انت هتكون جوزي وماينفعش اخالف أمرك..بس مش هكون مبسوطة..انا لسه عندي اخويا ياسين محتاح كتير وكمان حنين اللي ظروفها مع جوزها مش هتكون مرتاحة ماديا في الأول ولازم اساعدها لأن مالهاش حد غيري..اللي كانت ممكن تميل عليهم وقت الضيق راحوا..وانا لازم املى مكانهم.. وده كله مش هينفع من فلوسك..مش هقبلها على كرامة اختي ولا هي طبعا هتقبل.. فأرجوك اسمحلي اشتغل واوعدك مش هقصر معاك في حاجة والله..
+
صمت بانبهار وكل لحظة يكتشف روعة من أحبها
متسائل داخله وقلبه يخفق
كيف تمتلك كل هذا القدر من الحنان والمسؤلية معا؟
تريد تعويض شقيقتها أبويها الراحلان
تريد أن تمنحها سندا صامدا أمام عثرات الزمن
تريد أن تكون أمًا لشقيقها الصغير لتعوضه اليتم
لقد منحه القدر ماسة كلما مر الوقت ازداد بريقها وقيمتها.. منحه بسمة ناعمة كتلك التي ترتسم على شفتيه الآن..
+
همس لها: بسمة.. ممكن تبطلي تبهريني أكتر من كده لأن معتقدش هقدر احبك اكتر لأن انا فعلا حبي ليكي فاق الحد والمعقول.. وعموم ياحبيبتي اطمني مش ممكن امنعك من حاجة نفسك فيها.. وصدقيني احترمتك اكتر وفخور بتفكيرك وكبرتي في عيني..وربنا يصبرني لحد ما نجتمع سوا طول العمر..
+
ابتسمت براحة وقلبها يرقص لكلماته في حقها وحمدت الله داخلها علي مرونته وتفهمه لها، أما هو فواصل ليوضح لها الأهم: في اقتراح كنت عايز اقولهولك واتمني تنفذيه بدون جدال..زي ما قلت انتي مش هيكون عندك مشاكل مادية الحمد لله ربنا ساترها معانا..وحسب كلامك شايف ان اختك حنين هي الأولي انك تأمني ليها أي حاجة بالفلوس اللي معاكي بدون ما عبد الرحمن يحس انك بتساعديهم..
_ ازاي؟؟
_ انتي قولتي تقريبا اغلب جهازها نجى من الحريق..وفاضل ليها لوازمها بسيطة هتشتربها بمبلغ بسيط.. هيتبقى معاكي مبلغ كويس جدا يجيب حتتين دهب محترمين ينفعوها ويبقي اسمه قرش خاص بيها لوحدها..وبما أن عبده لسه بيقول ياهادي أكيد هيقعوا في عثرات مادية كتير.. عشان كده هي أولى بكل قرش معاكي دلوقت..وصدقيني ده هيصب في مصلحتها عارفة ليه؟
وواصل: لأنك غلطانة لو فاكرة ان حنين ممكن تلجأ ليكي بعدين بسهولة حتى لو هتساعديها من شغلك وفلوسك الخاصة..في حاجز طبيعي هيمنعها تظهر إن جوزها مقصر معاها غصب عنه.. بنت الأصول هتعمل كده وانتم بنات أصول..يبقي اما توفري ليها حتتين دهب ممكن تبيعهم وقت ماتحتاج وهي حافظة كرامتها وسرها قصادك.. تبقي عملتي معاها الصح وانتي نفسك هتطمني عليها ان معاها اللي يسندها.. قلت ايه؟
+
صمتت وقبل أن تقيم اقتراحه وتزنه بعقلها..
اجتاحها شعور أخر سيطر عليها تجاهه..
لقد خبئت لها الأيام فارس يرقى لأمير في رواية أسطورية..كيف لديه كل هذا الحنان والرفق والرجولة والفروسية التي يؤكدها لها كل يوم؟
+
أمصباح علاء الدين هو؟
يلبي أحلامها دون أن تلمس أناملها جداره!
يفيض عليها بكل جميل تمنته في خيالها
وهي مازالت معه گ القمر المظلم
تحجب عنه نورها ومشاعرها الجارفة
مكبلة بقيود لا تحصى
لما في تلك اللحظة لا تخرج عن المألوف
وتخالف العادات وتحطم أصفاد الخجل؟
تريد العزف علي أوتار البوح بما تكن له
فحبيبها أكثر من مشتاق لسماع عزفها هذا..
+
_ بسمة ساكتة ليه مش مقتنعة بكلامي؟ طيب ناقشيني لو غلطان.. سمعيني كلامك مش سكاتك..
+
وهل يليق بمثله مجرد كلمات؟
هي كلمة واحدة ستمنحها له
لتختزل فيها كل لغات العالم
كلمة ستقولها ثم تتوارى خلف جدار الجبن وتهرب..
فلن تجد بعدها شجاعة لقول شيء أخر.
_ بسمة؟!
_ بحبك.
___________________
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا