رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السابع والاربعون والثامن والاربعون بقلم دفنا عمر
رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل السابع والاربعون 47 بقلم دفنا عمر
الفصل السابع والأربعون
--------------------------------
أنا الحصنُ الذي لن يغيبَ أمانه..
والحضن الذي لن يزول عبقه..
+
وحارسُ الليل الساكن بين جديلتكِ..
وقتيلُ الشمسْ الساطعةُ في مقلتكِ..
+
لن أترك يدً تُدنس أرضكِ حبيبتي..
فداكي عمري حتى تعودي وتسلمي..
________
+
تبعثر سكون ذاك الحي الهاديء وبوق عربة الإسعاف يصدح ليتم نقل رائد للمشفى وتيماء تتبعه مسيطرًا عليها حالة من الصدمة لمشاهدة زوجها بهذه الحالة.. الكدمات تكاد تطمس ملامحه، جروح متناثرة على جسده ووجه، فاقدا للوعي بعد ما كابده.. بينما تم القبض على سامر ومن معه وإخضاعهم للقيود والزج بهم داخل سيارة الشرطة!
+
أما بلقيس فقد تفهمت الشرطة حالتها المصدومة وقرروا تأجيل أخذ اقوالها في قضية الاختطاف حتى يتثنى لها الحديث، فعاد بها ظافر للفندق عابرًا بها الساحة وهي محمولة بين ذراعيه ونظرات من قابلهم أثناء صعوده لجناحه تتأرجح بين الفضول والانبهار بما في مظهره من لمحة بطولية وهو يحمل زوجته بهذا التملك الحاني، لم يهتم وهو يضمها بقوة باثًا فيها الأمان، وهي متعلقة بعنقه وذراعيها تشتد حوله مختبئة من كل شيء..!
+
أرقدها على الفراش برفق وهمَ بتركها، فتشبثت به أكثر رافضة تركه، فهمس بأذنيها: حبيبتي متخافيش أنا معاكي مش هسيبك، بس لازم اروح احضرلك الحمام عشان جسمك يتخلص من التشنجات دي وتهدي وتعرفي تنامي..!
+
لم تستجب له ومازالت تحاصر عنقه رافضه الابتعاد، فرغم قوتها وهي تواجه ببسالة خاطفيها، عاد الخوف يُنسج شباكه حولها بعد ما تعرضت له للمرة الثانية.. فعاد يقول لها ويده تمسك ذقنها لتناظره بعينيها: "بلي" حبيبتي بصي في عيوني.. عشان خاطري اسمعي كلامي لو مش عايزاني أزعل منك.. خليني اروح احضرلك الحمام.. ثواني وهرجعلك!
+
نظرت له بمزيج من الحزن والخوف، فأحاط وجنتيها وقبل جبينها قبلة طويلة حانية تبعها همسه: عارف ان صعب عليكي تتعرضي لنفس التجربة تاني بس الحمد لله اني قدرت اوصلك في الوقت المناسب، مستحيل كنت اسيب حد يأذيكي وإلا كنت هموت..انا دعيت ربنا انه يحفظك ليا وينجيكي مكان ما تكوني، واديني فعلا وصلتلك..والحيوانات اللي خطفوكي اتقبض عليهم وهيتعاقبوا..يعني الموضوع انتهي ولازم ماتستسلميش لحالتك دي تاني.. وإلا كده وجودي معاكي مالوش لازمة ومش فارق معاكي..
+
واستطرد بنبرة لوم:
لو فضلتي كده يابلقيس هحس بالذنب أكتر اني فشلت اطمنك واحافظ عليكي.. أرجوكي اديني فرصة اساعدك وماتوجعيش قلبي اللي مش متحمل يشوفك كده.. بلقيس حبيبتي بنت قوية ..قاومت واحد حجمه ضعفها مرتين من غير ماتستسلم..الشراسة اللي شوفتها منك وأنا بقتحم المكان خلتني اتأكد ان حبيبتي مستحيل حد يأذيها.. عند اللزوم بتكون بميت راجل، صدقيني انا فخور بيكي ومحظوظ انك مراتي وحبيبتي..!
+
تساقطت دموعها العالقة بمقلتيها وهي تتأمله وكلماته جعلت الخوف يتراجع داخلها، لكن ظل الحزن والصدمة يكبلانها فلم تتحدث، ولم ينتظر هو منها اكثر من ذلك..حل يدها عن عنقه برفق وقال:
+
دقيقة وراجعلك!..
غاب عنها دقائق قصيرة وعاد يحملها گ الطفلة المستسلمة لأبيها وأمام حوض الاستحمام نزع عنها اغلب ملابسها ليساعدها ولم يتبقى عليها سوى غلالة رقيقة، هم بنزعها وبعيدا عن ذهنه تمامًا أي رغبة رجولية وهي بتلك الحالة وكأنها طفلته حقا وليست زوجته، فلاحظ انكماشها خجلًا منه وأنها تبتعد مسافة طفيفة ناكسة رأسها، فتفهم شعورها جيدا، زواجهما مازال حديثًا ولم يكفي لتعتاد التعري أمامه بشكلٍ كامل..توقفت يده وهو يقول: طيب ايه رأيك اروح اجيبلك غيار جديد وكملي انتي وانزلي في البانيو على ما اجي؟
أومأت له بهزة واهنة وهي تنظر للمياة وعبق زهور الياسمين يفوح حولها وينفذ لرئتيها.. غادر ليعطيها بعض الحرية، فواصلت نزع ملابسها والجمود يغزوها ثم انغمست بالمياة حتى اختفى جسدها تماما ولم يبقى على السطح سوى رأسها المطرقة وهي تتأمل فقاعات الصابون الفواح بشرود وشفتيها مطبقة، فأتى ليجدها شاردة متجمدة لا تتحرك، منحها نظرة مفعمة بأسفه وحزنه ولوعته لأجلها.. ليته ما غفل عنها لحظة ولحقها كما أراد، لكن ماذا يفعل؟ قدرها ان تتعرض لتجربة اخري تماثل الأولى بصعوبتها، مؤكد أنها الآن تعاني سيل ذكرايات قاسية، مستحضرة بشاعة ما قاست قبلا..!
+
لكن تلك المرة تختلف.. هو هنا.. معها.. لن يتركها تتهاوى في بئر العزلة.. ربما يفيدها الصمت الآن..لكن ليس لفترة طويلة.. ويعرف بمن سيستعين بعد رب العالمين!
+
اقترب بعد أن علق ملابسها على المشجب، ثم دنى منها وجلس على طرف الحوض وجذب رأسها لتسترخى على حافته خلفها، وراح يداعب شعرها ووجهها بالمياة ساكبًا مقدار من صابو استحمامها وشرع يدلك رأسها برفق شديد لتسترخي وتغمض عيناها من سحر لمسات التي لم تكن عابثة.. بل حانية كحنان أبيها تماما.. هذا شعورها الذي طغى عليها وهو يهتم بها تلك اللحظة..!
+
بعد دقائق امتدت لربع ساعة كاملة، راعى انها ستخجل إن غادرت المياة أمامه فغمغم وهو ينهض بعفوية زائفة:
حبيبتي يلا قومي زي الشاطرة كده البسي هدومك وانا هروح اطلب وجبة عشا خفيفة من الفندق، تكوني خلصتي وخرجتي، ماشي؟
+
هزت رأسها وعيناها تنظر له بامتنان صامت، فلثم جبهتها المبتلة وغادر..!
..............
أجلسها على مقعد صغير امام مرآة زينتها الصغيرة وراح يجفف لها شعرها المبتل بالمجفف المخصص وهواءه المندفع بدفئه يتخللها وبالفعل شعرت بالاسترخاء، ثم بدأت أنامله تمشط خصلاتها بنعومة شديدة وتقسمها لثلاث شارعًا بصنع جديلة، وبعد انتهائه تمتم لها مازحًا: عملت في شعرك ضفيرة عجيبة بس على قدي بقى ماتزعليش مني!
+
نظرت له في المرآة تراقبه بصمت. فأراد تحريك ركودها فراح يحل جديلتها مرة أخرى مبعثرًا شعرها ثم جعلها تقف أمامه هامسا: أنا أصلا بحبه كده منكوش، ودنى يقبل وجنتيها تباعًا ثم جذبها للفراش، ليقطع طريقه صدوح رنين باب الجناح، فذهب يتفقده وعاد يجر عربة الطعام التي قربها منها بعد جلوسها وراح يطعمها لقيمات صغيرة بيده وهي تأكل ببطء وتتجرع اللبن الدافيء حتى شعرت انها لا تقدر على المزيد، فنحى الطعام جانبًا ثم دثرها بالفراش واحتضنها وأنامله تداعب مقدمة شعرها حتى غفت گ الطفلة الوديعة المطمئنة بين ذراعيه.. فقبلها بخفة وتركها بحذر ملتقطًا هاتفه عابرا داخل الشرفة ليترك العنان لمشاعره هو الأخر كي يستوعب ماحدث تلك الليلة العصيبة والتفاصيل تمر بخياله گ شريط لقطاته تتابع..مظهر ذاك الضخم وهو يحاول اعتلائها يمزقه، ليته أخذ فرصته ليقضي على أخر أنفاسه، لكن الساحة لم تكن فارغة من الذئاب، كان عليه مواصلة القتال مع الأخرين، متحدا مع ذاك الرجل الذي كان أيضا يدافع مثله عن زوجته التي بصرها أول ولوچه الغرفة..ولم يمضي الكثير حتى انضم إليهما افراد الشرطة، لينتهي كل شيء!
+
رنين هاتفه برقم السيد عاصم قاطع شرود، فتردد أن يجيب وقرر ألا يفعل، خاصتًا أن التوقيت متأخر جدا، لكن الرنين تكرر بإصرار..يبدوا أن والدها المسكين يشعر بالقلق، ومن غير أبويها سيشعران، فأجاب:
+
_ السلام عليكم يا عاصم بيه..
+
جاءه الصوت قَلق كما توقع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ايه يابني مش بتردو عليا ليه، وأسف أولا اني بتصل في وقت زي ده بس بنتي تليفونها مقفول بقالوا كتير ووالدتها قلقانة عليها.. انتوا بخير؟
+
_ بخير ياعمي ماتقلقش، كل الحكاية كنا برة طول اليوم وبعد ما عملنا معاكم الصبح بث من البحيرة، روحنا اماكن تاني وتليفون بلقيس فعلا فصل شحن وقولنا هنكلمكم لما نرجع.. بس جينا تعبانين ونمنا.، وانا صحيت عشان ارد عليكم بس بلقيس نايمة صعب اصحيها دلوقت..!
+
بدا صوت الرجل أكثر راحة وهو بتنهد هاتفا: طب الحمد لله انكم بخير، معلش ياظافر اعذرنا في خوفنا علي بلقيس، عارف انها في حمايتك دلوقت وانت المسؤل عنها، بس غصب عني.. الغريب اني طول اليوم بطمن دره واقويها بس معرفش ليه القلق اتمكن مني وزاد لما فضل تليفونها مغلق..ربنا يقدرنا ومع الوقت نتعود انها خلاص مش بقيت معانا وطبيعي تغيب وتنشغل عننا بحياتها
+
اشفق ظافر عليه كثيرا ولم يتضرر من لهفته بل ازداد له احترام وتقدير وتمني في ضميره لو كان والده مازال حيًا وذاق حنانه هذا..!
+
_ اولا ياعمي حضرتك تتصل اي وقت تطمن علي بنتك.. وثانيا مافيش حاجة ابدا هتشغل بلقيس عنك بالعكس.. كل الحكاية اننا هنا بنخرج كتير وبيعدي الوقت من غير مانتصل بحد بشكل عام، لكن لما نرجع والحياة تكون منظمة اكتر هتتكلموا براحتكم..!
وصمت ليواصل بنبرة مشبعة بتقديره: وهقولهالك تاني ياعمي، انا فاهم شعورك كويس وصدقني ليك في بلقيس اكتر من الأول ومافيش حاجة هتتغير، كلمها وقت ماتحب بدون ما تعتذر ..انا بس مشفق عليك انت وطنط من القلق.. صدقني بلقيس بخير ومش هسمح بحاجة تأذيها طول منا عايش.. اطمن وهدي بالك من ناحيتها..!
+
كل يوم يمضي يتأكد كم مَن الله عليه بزوج رائع لابنته گ ظافر.. اعجابه ازداد وتمتم بامتنان حقيقي: مش هقولك غير ربنا يريح قلبك ويسعدك انت وبنتي وتشوف كل الخير ويحميكم من كل شر..! خلاص ياحبيبي مش هعطلك اكتر من كده، روح نام والصبح هنكلمكم..تصبح على خير..!
_ وحضرتك من أهل الخير..!
+
أغلق معه ثم قرر مراسلة أكثر شخص يجب أن يتحدث معه الآن"
_______________________
+
وكأن الصغيرة تشعر بما يحدث لأبويها..بكاؤها يهز قلب أيهم زوجته التي تهتف..( معرفش رحمة مالها مش مبطلة عياط) تسائل بقلق (يمكن جعانة يا ميرا؟ ..) لا طبعا اكلت وحممتها ومش محتاجة حاجة خالص ( يبقي عندها مغص زي ما حصل الاسبوع اللي فات) تنهدت بشفقة ( يجوز، بصراحة عياطها غريب ومقطع قلبي، كأن البنت خايفة من حاجة أو حاسة بحاجة.. ما تتصل باخوك ومراته تطمن يا أيهم ( انتي هتقلقيني ليه بس، وبعدين الوقت متأخر أكيد نايمين ..بصي النهار فاضل عليه ساعتين جربي تعطيها علاج مغص.. ولو فضلت بتعيط هاخدها الطبيب فورا..
+
فعلت ميرا وبعد قليل تأثرت رحمه بمخدر عقار السعال لتغفو سريعا، فشرعت ميرا تجفف بقايا دموع الصغيرة من جانبي عينيها وهي تهمس (اخير حبيبتي نامت..) همهم أيهم ( مش قولتلك مغص..يلا تعالي ننام بقي عشان شغلنا الصبح )
تمدد علي الفراش ولحقته زوجته وقبل ان تسترخي جواره صدح رنين الهاتف لتنتفض مردفة ( ياساتر يارب..مين بيرن دلوقتي؟.بخاف اوي من إتصالات بالليل..)
+
أعتدل ليلتقط هاتفه وما أن رد حتى جائه ما لم يتوقع.. فأغلق وهو يهب من فوق سريره ملتقطا ملابسه مرتديها بعجل، لتتسائل بهلع: حصل ايه يا ايهم؟ ورايح فين دلوقت؟؟
+
أجاب وهو يدس قميصه بعشوائية في بنطاله محكما حزامه الجلدي على خصره: أخويا في المستشفى هو ومراته
دبت على صدرها بفزع: يا نهار ابيض؟ رائد ورودي؟ ليه؟
_ معرفش.. انا رايح عندهم وانتي خدي بالك من الولاد
_ طب استني البس واجي معاك
_ طب والولاد؟ ورحمة؟ خليكي وبعدين تبقي تزوريهم
+
قالها وهو يهرول لباب شقته ليلحق بأخيه ويطمئن ويعلم ما حدث.. لتعود وتجلس جوار الصغيرة بحزن هامسة بخفوت ( ياحبيبتي يا رحمة.. معقول كنتي بتبكي عشان حسيتي باللي حصل لماما وبابا..؟ ).. ضمتها بحنان وعطف كبير وراحت تدعو أن تأتي العواقب سليمة ويسلم أبويها
___________
+
رغم تأخر الوقت بعث رسالته منتظرا رد صاحبها بفارغ الصبر.. مضت دقائق ولم يجيب فقرر ظافر ترك هاتفه والانتظار للصباح، ففاجئه الرنين فأجاب بلهفة:
_ دكتور أخيرا رديت..أنا اسف جدا لازعاجك في الوقت ده بس غصب عني في حاجة مهمة حصلت مع بلقيس وانا محتاج نصيحتك لأنك عارف حالتها كويس والوحيد اللي هتقدر تساعدني..!
+
طغى على صوته الاهتمام متسائلا:
+
_ولايهمك أنا كنت صاحي بستعد للفجر، قلقتني يا ظافر.. قول حصل ايه أنا سامعك!
+
سرد عليه تفاصيل حادث الخطف حتى عاد بها للفندق وعزوفها عن الحديث گ السابق وقلقه أن تدخل بانتكاسة وعزلة جديدة!
+
الطبيب بعد أن انصت إليه بتركيز شديد:
_ سبحان الله، بلقيس اتعرضت لأسوأ تجربة ممكن تمر بيها بنت مرتين في حياتها..!
تمتم بحزن: عشان كده يادكتور خايف عليها جدا.. مش عارف اعمل ايه عشان ترجع لطبيعتها تاني!
+
_أنت مش محتاج تعمل اي حاجة!
+
قطب جبينه بتعجب: ازاي؟ اكيد هتحتاج علاج نفسي يساعدها ترجع طبيعية!
+
الطبيب بنبرة هادئة: لا ياظافر.. صحيح طبيعة التجربة واحدة ونفس القسوة بس الظروف هنا مختلفة.. بلقيس كانت قوية واتغلبت علي خاطفيها لحد ما انت انقذتها لكن لما اختفيت من حياتها فضلت هي منتظراك لأنك كنت بالنسبة لها الأمان والحماية وسرها اللي محدش عارفه ولا قدر يفهمه وكنت سبب رئيسي في علاجها ..لكن دلوقت انت موجود معاها..وبما انك حصنها الآمن كفاية تاخدها في حضنك وتحسسها انك معاها طول الوقت بحنانك ومشاعرك التلقائية..ده كفيل يخليها تسترد طبيعتها بسرعة عشانك..اما بخصوص عزوفها عن الكلام، ده رد فعل طبيعي جدا..بلقيس مهما كانت قوية وشجاعة وقاومت اللي خطفها، هي في النهاية بشر مش واحدة خارقة.. لازم تمر بشوية أثار جانبية.. كل الحكاية ان عقلها بيستوعب اللي حصلها وبيحاول ينساه، لكن زي ماقولت هي هتستجمع ذاتها بسرعة لأنك معاها.. انت بس كثف حبك و احتوائك ليها اكتر من الاول، ماتبعدش عنها خالص ولازمها طول الوقت.. وخرجها اماكن مختلفة تتبسط فيها عشان ده هيغير نفسيتها.. وانا عندي اقتراح مفيد، ممكن تختار فندق تاني في منطقة مختلفة خالص تكملوا فيه شهر العسل.. يعني اصنعلها أجواء مغايرة كأنكم بتبتدؤا رحلتكم من جديدة.. وبأمر الله مش هيمر أسبوع غير وهي بتتكلم ورجعت زي الأول.. وانا موجود اي وقت عاير تكلمني ماتتردتش لحظة.. ربنا يطمنك عليها..!
______________________
+
صعد جوارها وجعلها تتوسد صدره واشتد عناقه حولها وشفتيه تقبل أناملها واحد تلو الأخر ثم طاف على وجهها كأنه يرسخ في روحه أنها حقًا معه، لن يتركها تشعر بغيابه،حتى لو كانت نائمة ولا تدري به، سيظل لها أقرب مما تتصور.. وستتعافى سريعا وتنسى ما حدث..!
.........
+
في الصباح تململ بانزعاج على صوت رنين هاتفه، فالتقطه سريعا قبل أن تستيقظ بلقيس فوجد رقم لا يعرفه وما أن أجاب وتبين صاحبه وعلم ما يريد، حتى انسحب من جوارها متواريًا في الشرفة وقال لمحدثه بإنجليزية:
_ عذرا سيدي، زوجتي مازالت غير مستعدة للحديث بشأن حادث الامس، لكن أخبرني بما لديك وماذا وصلت مع هؤلاء الأوغاد الخاطفين؟
+
الشرطي: لهذا اتصلت بك لتعلم المستجدات..
_ حسنًا، انا منصت باهتمام
_ بعد إجبار الخاطفين بأساليبنا للاعتراف بما لديهم تبين أن زوجتك والسيدة الأخرى وزوجها نجوا من مصير سيء للغاية، لم يكن سيقتصر الأمر على محاولة اغتصاب وقتل للزوج، بل كان هناك مخطط لتسليمهم لأشخاص يتبعون منظمة لبيع الأعضاء البشرية!
+
انتفض ظافر رعبًا عليها وهو ينظر بتلقائية لظهرها الراقد بعيد عنه، ثم اعتصر الهاتف بين قبضته وغشت عينه سحابة غضب مخيفة وهو يقطب حبينه وعروق عنقه تنفر بقوة جازًا على أسنانه مغمغما بسباب شديد ولهجته المصرية تتحكم عفويًا بلسانه، فتسائل الشرطي بجهل: عفوا سيدي ماذا قلت للتو؟ حدثني بالانحليزية حتى أفهم!
عاد لإدراكه وقال بغضب: كنت "أسب" الخاطفين بلغتي ولو كان أحدهم أمامي لسحقته وجعلته كومة لحم مفري!
+
ابتسم الأخر رغم غرابة الموقف هاتفا: تشبيه يناسب تماما شيف معروف مثلك، الحقيقة لقد تقصيت عنك أنت وزوجتك لأحدد من هويتكم سبب اختطافها هي دون غيرها..وبدا لي الأمر مجرد مكيدة لإيذاء سمعتك عن طريق زوجتك خاصتًا أنك شخص يسهل الوصول إليه عن طريق موقعك الذي تشاركه على حسابك دائمًا.. وربما لا.. ويكون أمر اختطافها مجرد مصادفة.. وتمت عشوائيا كما يحدث هنا دائما للاسف فتلك جرائم معتادة في مجتمعنا..ولكن أيًا كان السبب إمرأتك بخير ولم يصيبها ضررا بالغ، وهذا ما يهم!
_ لكن زوجتي تأذت بالفعل، لا تتحدث منذ الأمس جراء ما تعرضت له ويجب أن يكون العقاب شديد ورادع لأمثالهم!
تفهم الأخر حنقه وغضبه هاتفا: لديك حق ولا ألوم عليك غصبك، وأطمئنك أن الجناه سينالوا عقاب قاسي..واستطرد: لكن متى سيتثني لنا أخذ أقوالها؟
_ الحقيقة لا أعلم.. اعدك ما أن تتعافي سأخبرك لتتمم عملك!
_ حسنًا..وألف لا بأس على زوجتك.!
+
أغلق معه وشردت عيناه متطلعا للافق مفكرا فيما كان ينتظر حبيبته، توجه إليها واحتضنها بقوة لم يدركها مع همسه الخافت: متخافيش ياحبيبتي، اوعدك محدش هيقربلك تاني أو يحاول يأذيكي، مش هغفل عنك ابدا بعد كده!..واشتدت ضمته عليها حتي كاد يؤلمها وهي للغريب ورغم نومها استجابت بلف ذراعيها حوله كأنها تطلب المزيد من قربه حتي لو كان مؤلما، لتعود ويسترخي جسدها وتغرف بنوم عميق طال كثيرا.. لكنه مبرر.. عقلها يهرب من واقعها حتى تستعيد رباطة جأشها ثانيًا..!
____________
+
منذ آتاه ليلا اتصال مفاجيء من مشفى معروف وإخباره أن شقيقه لديهم هو وزوجته..ثم حضوره ورؤيته جمود رودي وصمتها الغريب كلما سألها عما حدث وهي مكتفية بتوجيه بصرها حيث يوجد رائد دون أن تحيد عيناها ثانية واحدة عن غرفته الغير مسموح بدخولها الآن، كما لاحظ " أيهم" لاصقات طبية تخفي أماكن متعددة من وجهها وكفها وذراعها وخدوش دامية أسفل عنقها، حينها فقط أدرك ما حدث.. هناك اعتداء ما تعرضت له رودي وأخيه دافع عنها فناله ما حدث له..وتأكد منه حين تبادل حديث قصير مع رجل الشرطة الذي حضر لأخذ أقولهما، لكن منعه الطبيب المعالج، رودي تعاني صدمة عصبية تؤثر علي استجابتها للحديث بشكل طبيعي وهذا مؤقت ، أما رائد فقد كثير من الدماء بسبب جرح صدره وناله من الكدمات والكسور البسيطة والجزوع ما افقده الوعي والقوة.. ويحتاج وقتًا ليسترد وعيه وعافيته هو الأخر!
+
لمن لن يطول الأمر حتى يستعيد وعيه ومع استمرار الرعاية سيسترد كذلك عافيته كاملة.. وهذا بالطبع سيساهم بالايجاب في حالة زوجته وتتعافى نفسيًا هي الأخري!
_________________________
+
ثلاثة أيام مضت ودره تفشل بالتواصل مع ابنتها مما أورثها الجنون وهي تصيح: يعني معقول تليفونها مغلق كل ده؟ طب هي ماحاولتش مرة تتصل على أمها.. قلبي مش مطمن ياعاصم حاسة بنتي مش بخير وأوعي تكدبني المرة دي!
+
يعلم أنها على حق، هو الأخر فشل بالتواصل معها ولا يجيبه سوى ظافر، وكل مرة يخبره حجة مختلفة، لكن لابد من تهدئة تلك المسكينة، فقال:
+
_ يادره مش قولنا البنت عروسة، ووارد كل اما نحاول نتصل يكون الوقت مش مناسب، ده غير خروجهم ووقتهم اللي بيقضوا براحتهم.. ايه المشكلة ان بقالك يومين أو أكتر ماكلمتيش بلقيس؟
+
_ ياعاصم بقولك مش هتقدر تقنعني، ثم بكت وهي تغمغم بنبرة باكية: بنتي فيها حاجة.. قلبي مقبوض من وقت ما كلمتنا في البث وشوفت السعادة اللي في عيونها وانا حسيت حاجة هتحصلها.. ولحد دلوقت مش مرتاحة.. انا عايزة اكلمها.. ارجوك اتصرف وخليني اكلم بنتي.. أرجوك ياعاصم أرجوك
ضمها بشفقة ليحتوي انهيارها الذي يهابه:
طب اهدي يادرة كده هتتعبي عشان خاطري.. خلاص أوعدك هخليكي تكلميها بس الصبح
_ لأ مش الصبح.. مش هعرف انام غير لما اسمع صوتها..( نكس رأسه بحيرة.. هو مثلها يشعر أن هناك مكروه حدث وظافر يخبئه عنهم.. ويجب أن يتبين الأمر أولا قبلها.. لذلك استغل مكانته لديها وهتف برجاء) ولو قولتلك عشان خاطر عاصم استني للصبح.. هتكسفيني؟
+
بكت وهي تميل علي صدره بهمهمة تقطع القلب: أنا قلقانة ياعاصم، عايزة اسمع صوتها..ولو كلمة وتقفل!
+
ربت على كتفها: عارف والله ومش هنكر ان ليكي حق.. بس خلينا الصبح يكونوا صاحيين وأوعدك هتكلميها وتسمعي صوتها بنفسك.. والله لو لزم الأمر هسفرك لحد عندها لو ما كلمتيهاش الصبح واطمنتي!
+
ابتعدت عن صدره وطالعته بشك: بجد؟ يعني ممكن تسفرني ليها لو مش كلمتنا الصبح؟
ابتسم بثقة: أنا كدبت عليكي قبل كده يا دره؟
+
رمقته بتقدير مردفة وهي تعود لصدره: عمرك ما كدبت عليا
+
عاد يربت على ظهرها قائلا: يبقي خلاص روحي نامي وبإذن الله الصبح تكلميها.. ولو محصلش بكرة هنكون في سويسرا
+
ضمته ممتنة وهي تصيح: ربنا يخليك ليا ياعاصم ومايحرمنيش منك ابدا.. طب مش هتيجي تنام معايا؟
_هاجي بس هراجع أوراق مهمة للشغل وهحصلك!..
+
راقب رحيلها بشفقة وحاله لا يختلف عنها، لذا قرر الاتصال حتى لو امتنع ظافر عن الرد، سيظل يحاول!
+
علي الطرف الأخر يجلس جوارها يداعب وجنتها وهي تتوسد صدره صامتة مكتفية بوجوده حولها ومازالت لا تتحدث معه، فقط توميء وتبتسم دون حديث.. سمع رنين والدها تجاهله لعجزه عن تفسير غياب بلقيس عنهم، لكنه في الأخير استجاب قائلا بعد ابتعاده عن زوجته بمسافة تعطيه حرية الحديث: السلام عليكم ياعمي.. عامل ايه؟
_ الحمد لله يا ظافر.. انتم عاملين ايه؟
_ تمام الحمد لله وبلقيس نايمة و...
+
قاطعه: أسمعني ياظافر، قبل ما تبرر غياب بنتي زي كل مرة أحب اقولك أنا احاسس ان في مشكلة معاكم وانت بتداريها.. أرجوك يا ابني تحطني في الصورة لأنك كده بتتعب قلبي أكتر.. يمكن اقدر اساعدكم أو اخفف عنك حاجة.. أنت مش قولت إني زي والدك؟ يلا احكيلي واطمن انا بكلمك في مكتبي وبعيد عن دره!
+
هو يعلم ان الكذب لن يجدي بعد ذلك.. بلقيس مازالت لا تتحدث والأفضل حقا ان يضعه في الصورة ويخبره بالامر.. أخذ نفسا عميقا ثم سرد كل تفاصيل ماحدث لعاصم الذي تملكته مشاعر شتى من ذهول وهلع وخوف ورغبة في البكاء وفرحة لنجاتها وحزن لحالتها..وفي الأخير تغلبت عليه رغبة البكاء الصامت ودموعه تتعرج على ثنايا وجهه، فهتف ظافر يهدئه:
+
ارجوك اهدى أنا حكيتلك لأن مش هينفع اخبي اكتر من كده..هي فعلا بخير وانا متواصل مع طبيبها وتقدر تكلمه بنفسك وهيطمنك.. بلقيس محتاجة وقت بسيط وهتتخطى الصدمة بسرعة وانا معاها متخافش!
+
ثم اكتسب صوته بعض الخجل وهو يستطرد: وسامحني اني مقدرتش امنع عنها اللي حصل، انا ماسبتهاش لحظة واحدة غير لما راحت التواليت. كنت هعرف منين ان ممكن حد يستدرجها هناك؟
+
عاصم وهو يمسح دموعه: لا يابني انت مالكش ذنب ده نصيب ومكتوب، والحمد لله انك لحقتها، وانا متأكد انها هتتحسن لأن بعد ربنا انت جمبها
_ بإذن الله ياعمي!
تردد قليلا ثم قال: ظافر،حط السماعة على ودن بلقيس خليها تسمع صوتي، عايز اكلمها..!
...............
+
" بلقيس"
+
خرج ندائه من بين شفتيه متهدج جراء مشاعره، بحث عن باقي صوته لم يجد سوي غصة ضيقت أنفاسه، فاستسلم لبكاء صامت وصلت أنته الخافتة لبلقيس، لتتفتت قشرة جمودها وتذوب وهي تهمس همستها الأولى من بعد الحادث:
+
_ بابا..!
+
انقطع بكائه بغتة واتسعت عيناه ولا يصدق انها تناديه، ظنها لن تستجب سريعًا وأعد نفسه أن يكون الطرف الأوحد في حواره معها، فجاء ندائها له گ قطرة ندي باردة أخمدت نيران حزنه وأنعشت داخله الأمل أن صغيرته مازالت قوية ولن تضعُف گ السابق.. هاهي تناديه نداء أقرب للمواساة، گأنها تطمئنه أنها بخير..!
+
_ نور عين بابا..عاملة ايه يا ملكة أبيكي وروحه.. سمعيني صوتك تاني وقوليلي انك بخير.. قوليلي انك قوية ومحتسبة اللي حصلك عند ربنا وإنك مش هتنعزلي تاني.. قوليلي انك مش هتخلي حد ينتصر عليكي ويضعفك. أوعي تسمحي للي بيكرهوكي ينولوا غرضهم ويتعسوكي ويلوثوا ذكرى أجمل أيام في حياتك..ارجعي لطبيعتك تاني وخدي جوزك في حضنك وطمنيه عليكي.. لو بتحبيه وبتحبيني ارجعي لطبيعتك بسرعة وارمي اللي فات ورى ضهرك، واهزميه بضحكتك وحياتك اللي هتواصليها من غير ما تقفي لحظة تبكي على اللي حصل!
+
طاقة عجيبة وهائلة ضختها كلمات أبيها بها لتشُد أزرها وتمنحها قوة ورغبة ألا تستسلم لحالتها وتتعافى، إكراما لدموعه الغالية.. إكراما لوالدتها التي تلتاع عليها.. لأجل حبيبها الذي يطالعها بذهول الآن ولا يصدق أنها تحدثت..كيف تُحزنهم وهما أثمن ما لديها.. صدق أبيها هي بالفعل قوية بما يكفي ولن ينال من سعادتها أحدًا..ستتخطى الأمر لأجلهم"
+
_ أنا بخير يا بابا.. متخافش عليا
ثم نظرت لزوجها وهي تعانقه بنظرتها مستطردة بصوتها الواهن: ظافر حبيبي معايا وقدر ينقذني وهيفضل كده دايما.. مش هيسمح لحد يأذيني!
+
لا يعرف ماذا يفعل، فاشتدت ذراعه حولها وقبل رأسها قبلة طويلة ومازالت هي تمسك بالهاتف، وصوت أبيها ينساب لأذنيها ثانيًا:
+
_الحمد لله يارب..هفضل اصلي واشكر ربنا اني سمعت صوتك وانك بخير وطمنتيني عليكي يا قلب أبوكي.. ودلوقت هسيبك لجوزك روحي عوضيه اليومين اللي فاتوا.. عيشي يابنتي وافرحي وانسي كل حاجة.. وقولي الحمد لله علي كل ابتلاء وان شاء الله مش هتمري به تاني..والصبح هتصل بيكي عشان والدتك هتتجنن عليكي وتسمع صوتك..!
.................
+
لا يصدق انها تحررت من عزلتها وحطمت جدار صمتها وعادت گ عصفورة تغرد بصوتها من جديد..صار يكافئها بسيل من القبلات وعناق جارف سحبها معه لموجة مشاعر حميمية اشتاقها بين أحضانها..لم يكن تواصل مشاعره معها مجرد رغبة جسدية.. بل عهد جديد ينقش حروفه على جدار روحها أنه سيظل قريبا.. سيظل حاميها.. سيظل عاشقها.. ولأنه عهد جديد كان اللقاء بينهما مختلف!
+
أما هي فلم تجرب تلك الحالة معه سابقًا..رغم جنون وصاله معها كان حاني رقيق.. مزيج لا تستطع وصفه وأثره داخلها.. أثره الذي أشعرها انه لن يتركها تتآذي مرة أخرى.. غمست نفسها أكثر في صدره وغفت براحة واطمئنان ..وهو مثلها استسلم لنوم هاديء وهي يحوطها بذراعيه..حبيبته عادت.. وعادت له الروح!
________________________
+
إستعاد إدراكه..
لكن لم يعد شيء مثل ما كان عليه قبله..
نظرته ثابتة، قاتمة، قلبه يسكنه الحزن..
روحه يغتالها الخزي لما تذكره من ماضية
كل شيء افتقدته الذاكرة تدفق بعقله دفعة واحدة
بكل قساوته وقبحه ودناسته..!
كيف سيتأقلم مع حقيقته المخزية تلك؟
وطفلته!
+
عند الخاطر الأخير حاد بصره لتلك القابعة تراقبه بخوفة، ليرشقها بنظرة قاسية، ساخطة، مليئة بالمقت والكره واللوم..! المخادعة اللعينة..استغلت ضياع ذاكرته وتزوجته، والأسوأ أنها جعلته أبٍ لصغيرة لن يأمن العالم عليها بعد الآن!
هل ستنجو ابنته من بشاعة آثامه؟
أم ستدفع هي فاتورة أخطاءه؟
يا ويله لو صابها مكروه..
ياويله.. ياويله!
قد يعجبك ايضا
منذ بضع اعوام
رواية ليالي الغول الفصل السابع 7 بقلم لوجي احمد
منذ بضع اعوام
رواية ليالي الغول الفصل السادس 6 بقلم لوجي احمد
منذ بضع اعوام
رواية حب مدمر كامله ( الفصل الاول حتي الاخير)بقلم كاتبة...
..............
+
بدأ سلسال خسائرها بعد أن تبدلت نظرة حبيبها الحنونة المحبة لتلك الرمقة القاسية التي تصب عليها اللعنات.. فعلت كل شيء لتنال حبه وتمتزج كنيتها بحروف أسمه..ولن تستسلم لصمته ورفضه لها
لابد أن يسمعها..ويتفهمها..!
"قارب" ماضيهما "أغرقه" الوحل!
والنجاة لكليهما كانت كذبها وخداعها
الذي يلومها عليهم الآن
كذبت لتصبح رودي زوجته،
حبيبته النقية أم رحمة طفلتهما
أليس إنجابها هدية ادخرتها له حين تأتي لحظة الحساب؟ أليست " رحمة" هي نقطتهما البيضاء التي سيحاربان بها سواد ماضيهما؟
أليست رحمة هي النجاة لهما معًا؟
هي فرصة ليبدأن من جديد..
إن كان ماضيه مؤلم.. هاهو حاضره جميل..
أصبح أبًا..ورجل ترك معاصيه في غياهب النسيان.. وأخلص لها كما فعلت هي!
ما خانته يومًا..كما لم يدنسها أحدًا غيره
هو من علمها كل شيء يكرهه فيها الآن!
ولا يحق له أن يعاتبها.. وعليها ان تقتنص منه فرصة!
+
بهذا العزم اقتربت بحذر محاولة لمس أنامله فانتفض صارخًا: ابعدي عني ماتلمسنيش!
+
ابتلعت غصتها وقالت: رائد اسمعني وبعدين... .
+
صاح هادرًا: أسمع ايه؟؟
أسمع ازاي كدبتي وخدعتيني وانتي عارفة ومتأكدة اني لو في وعيي مستحيل اتجوز واحدة زيك!
+
تشبثت بحبال الصبر وهتفت وصوتها يهتز ألما:
أنا مخدعتكش يا رائد.. أنا حبيتك.. وانت كمان حبتني
+
_ أنا حبيت رودي ماحبتكيش انتي.
+
صاحت والامل يدب أقدامه على أرض يأسها: ما أنا رودي.. مراتك حبيبتك ..أنا ام رحمة بنتنا اللي
+
_ لأ مش رودي.. انتي تيماء.. انتي الرخيصة اللي اتخلت عن شرفها عن طيب خاطر، من غير خجل ولا ذرة خوف..وكأنك واخدة على القذارة.
+
اغرورقت عيناها وسوط كلماته يجلد كرامتها: أنا عملت كده عشان تحبني يا رائد.. ده كان تفكيري
+
ضحك بسخرية: يعني كل واحدة تحب واحد تسلمه نفسها عشان يحبها؟؟ انتي فاكراني عبيط؟
ثم ومضت عيناه ببريق مخيف: وأساسا ايه يضمنلي دلوقت ان رحمة بنتي أنا؟ ايه يخليني أثق فيكي وفي كلامك؟
+
_ أخرس!
+
صرخت عليه وواصلت هدرها الهستيري: أنا محدش لمسني غيرك، محدش دنسني غيرك..ولو انا دلوقت في نظرك شيطانه فأنت الاستاذ اللي علمني كل حاجة.. أنا تربيتك يا رائد.. لو أنا في نظرك بالقبح ده..يبقي أنت ايه؟؟ رد عليا انت ايه؟
أنت اللي ماسبتش بنت ريقك جري عليها إلا واخدتها..انت اللي كنت بتخطط وترسم ازاي توقع الفريسة وبعدين ترميها لاصحابك..انت أسوأ مني بكتير..أنا ضعفت وسلمت نفسي ليك عشان. حبيتك.. لكن انت في عز قوتك ومعرفتك للصح والغلط كنت بتعمل كل مشين.. بأي حق بتحاسبني؟ أنت مش أنضف ولا أشرف مني بالعكس أنت... .
+
وصمتت تلهث انفعالا وصدرها يعلو ويهبط، ثم استأنفت: أنت المفروض تشكرني لأني خليتك انسان شريف ،زوج محترم..وتشكرني اكتر لأني خليتك أب يا رائد.. جربت احساس يمكن عمرك ما كنت هتجربه.. أنا عارفة انك كنت هتخاف تتجوز وتعمل عيلة عشان البنات اللي اذيتهم.. كنت عايش حياتك بالطول والعرض ومقضيها حرام في حرام لأنك...
+
نفذت طاقتها بعد أن أطلقت كل سهامها الجارحة لتُرشق في قلبه وروحه.. كل كلمة صفعته صفعة أقسى من سابقتها وسلمته لذكرى مدنسة تثبت ما تُسمعه إياه..تذكر كل فتاة استحلها لنفسه.. كل سهرة سوداء.. كل صدمة على وجه فتاة بعد أن تفيق وتري مصيبتها بنقطة عفتها الحمراء..!
+
أمسك جانبي رأسه وأغمض عينه بألم شديد نحت خطوطه الغليظة على وجهه..يلهث كأن روحه تركض على جمر وأشواك..صرخات تطارد عقله.. لعنات تنبش بمخالبها على جدار روحه تمزقها.. ما هذا الآلم؟.. كيف سيزول؟ يشعر أنه يسقط.. سقوط طويل لا يبدو له نهاية.. وكلما سقط زادت الظُلمة.. صوت تيماء وهي تصرخ بأسمه يغيب.. يبتعد.. يتلاشى رويدا رويدا
+
_ رائد.. رائد رد عليا..
+
صرخت مذهولة وأخيرا وعت لما فعلته دون أن تدري..واجهته بحقيقته القاسية فحطمته..مزقت غلالة تماسكه الباقية..رائد صار أكثر ضياعا وهشاشة من ذي قبل..لا هو ذاك الماجن محب الحياة مستهين بالمعاصي، ولا هو الزوج والأب الحاني.. أصبح شخص ثالث بينهما..شخص ضاعت خرائطه.. ولم تعد تملك بوصلة الوصول لقلبه بعد الآن.. والضياع مصيرهما الأسود..!
+
_ دكتور.. ألحق جوزي يا دكتور..!
+
صرخت بها ثم اندفعت تجاهه تحتضن وجهه ببكاء: سامحني ياحبيبي.. حقك عليا محستش بنفسي اني اذيتك بكلامي.. أنا بحبك يا رائد.. أنت اغلي حاجة عندي.. أنا قلت اللي قولته عشان تتقبلني وتفهم اني شبهك وتؤامك..واننا ماننفعش غير لبعض.. مقصدتش أأذيك واخليك تنهار كده صدقني..رد عليا يا حبيبي عشان خاطري!
+
بدأت أجفانه ترتخي بوهن وهو يبصر في تلك اللحظة حبيبته رودي.. الحنونة.. الرقيقة.. التي تحبه والذي يعشقها أكثر.. ليتها ظلت كما هي..
ليته ما تذكر..
ليته ما تذكر..!
+
ازدادت ضبابية رؤيته.. ما عاد هناك صوت ..فقط غمامة بيضاء تسحبه خلفها لتحجب عنه كل شيء..
سقط في غيبوبة جديدة..
وربما هروبه الأخير من لعنات ماضية وحاضره معًا..هدنة يتخذها عقله الباطن كي يستريح قليلا.. لكن هل يجد سبيلًا للراحة؟
_________________
+
لا يعرف كم مكث يراقبها وهي نائمة جواره..كلما هم بإيقاظها ليطمئن أنها لن تعود لصمتها مرة أخري يخاف.. يخاف ان تستيقظ مستعيدة جمودها وكأن شيئًا لم يكن..وإلى الآن لا يصدق ملحمة مشاعرهم الليلة الماضية.. كانت مختلفة..بقدر لهفته وشوقه وصخبه وهو ينالها بقدر ما انجرفت معه بذات الصخب واللهفة الحنان.. كأنها تعوضه ما مضى.. كأنها تقول له أهملت حقك وسقطت ببئر حزني ونسيتك..فكافأته بتواصل حنون.. تواصل يشتاقه الآن وكأنه لا يرتوي منها قط.. مهما نالها تطلب روحه المزيد!
+
تملمت بين ذراعيه وهي تتمطى وأخيرا أشرعت شمسيها لتطالعه، فنظر لها مترقبًا حركة شفتيها.. هل ستتحدث؟
+
قرأت عيناه وأدركت هواجسه، فابتسمت هامسة:
_ صباح الخير يا حبيبي!
+
تأملها منتشيًا بصوتها الذي عاد يشدو من جديد، أعتدلت ورفعت رأسها وقبلت وجنته وهتفت برقة: مالك ياحبيبي بتبصلي كده ليه!
ثم انغمست بصدره ثانيًا وهي تقول: علي فكرة أنا جعانة أوي..ممكن تطلب الفطار على ما اخد شاور؟
+
هنا استوعب انها حقًا تعافت وعادت كما كانت، فضمها مشددا ذراعيه حوله هامسًا: كنت خايف تصحي زي ماكنتي مابتتكلميش!
+
رأسها المستكين جوار قلبه جعله لا يرى لمعة الحزن التي برقت بعينيها.. هي لم تنسى ماتعرضت له، لكن حديث أبيها بالامس كان بمثابة نكزة حانية جعلتها تدرك كم تظلم زوجها وتتسبب في تعاسته وتصنع له أسوأ ذكرى بأيام زواجهما الأولى، بدلا من أن تمنحه السعادة التي يستحقها.. والدها محق.. لما تجعل من حاولوا إيذائها ان ينالوا منها حتي بعد أن فرت من براثنهم..نفوسهم الحاقدة المريضة خططت أن تفقدها سعادتها واستقرارها.. ولن تسمح لأحد أن يفعلها.. لن يبيت ظافر جوارها يتألم لأجلها ثانيًا..هي تعلم كم تألم.. لذا منحته ليلة تظن أنها عوضته غيابها.. هو حصنها الآمن.. وهي حصنه الحاني الدافيء المحب لكل تفاصيله..كلاهما حصن لصاحبه..يوما ما أخبرتها والدتها أن مفتاح الرجل هو الحنان الذي تمنحه له حبيبته..كلما فاضت بحنانها كلما امتلكته أكثر.. وهي لن تدخر شيء ليصبحان كيان متحد..!
+
عادت تنظر إليه قائلة: متخافش ياحبيبي أنا بخير طول ما انت جمبي.. وماتفتكرش ماكنتش حاسة بيك وبسمع صوتك وانت بتصلي وتدعيلي وبعدها ترجع تاخدني في حضنك وتنام.. بس غصب عني كنت مش قادرة اتجاوب معاك.. لكن دلوقت خلاص..بقيت كويسة وهننسى كل اللي حصل ونرميه ورى ضهرنا..
+
غامت عيناه بنظرة لوم ألمتها وهو يهتف: بس أنا عمري ما هنسي اني قصرت في حمايتك وأنك اتخطفتي وانتي معايا.. مش هقدر انسى ولا اسامح نفسي!
+
احتوت وجهه بين راحتيها وشمسيها تضوي بحنان طاغي مع طيف عتاب: وانت قصرت معايا في ايه؟ كان ممكن اتخطف بمليون طريقة.. وطبيعي انت مش هتلازمني في كل مكان حتى التواليت.. وبعدين هو في حد يقدر يمنع القدر وقضاء ربنا؟ طبعا لأ.. اللي عيشناه يا ظافر مكتوب نخوضه واحنا سوا..ومش كل ابتلاء بيكون عقاب ولا حتى تقصير مننا..دي اختبارات ربنا بيوصلنا منها رسايل بنفهمها في وقتها أو بعدين..!
+
واستطردت: عشان خاطري أوعى تلوم نفسك تاني..أنت ما ضيعتش لحظة واحدة وفضلت تدور عليا لحد ما عرفت تنقذني وتاخدني لحضنك..صح ولا لأ؟
+
لم يستجيب بكلمة، فقط يطالعها صامتا ثم اجتاحها بعناق وشى بحبه العظيم لها..ويقسم داخله انه لن يتركها تغيب عن ناظريه ثانيا.. سيحوطها بسياج حمايته حتى لو تذمرت من حصاره لن يهتم..سلامتها هي أولاوياته القصوى بعد ذلك!
+
_أنا متواصل مع الشرطة طول الفترة اللي فاتت، ولولا اني اتأكدت ان الحقير اللي خطفك هو والحيوانات اللي كانوا معاه هيعفنوا في السجن ماكنتش رحمتهم.. بس عقابهم على جرايمهم كفيل يخليهم بتسجنوا لحد ما يموتو..
+
ابتعدت عنه تسأل بحذر: وانت عرفت مين كان خاطفني؟
_ أيوة..واحد مجرم طلع منتحل شخصية غير شخصيته ومزور هويته، وبتحريات الشرطة عنه عرفوا إن هربان من بلد تانية وعليه حكم في جريمة قتل عشيق مراته..ده غير انه كان...
_ كان ايه؟
+
ماذا يقول لها؟
كيف يخبرها بالمصير البشع الذي كان ينتظرها على يد هذا الحقير وعصابة التجارة في الاعضاء و...
لا.. لن يخبرها حتى لا تجزع..وبتلقائية دسها في صدره كأنه يحميها من مجرد الفكرة، وغمغم: كان متورط في أمور تانية كتير مالناش دعوة بيها، المهم انه غار في ستين داهية ومش هيطلع غير على قبره
+
فتسائلت بعد صمت قصير لتصل لغرضٍ ما:
طيب والاتنين اللي كانوا مخطوف معايا، عرفت عنهم حاجة من خلال الشرطة؟
+
_لا معرفش.. واضح انها كانت عملية خطف جماعي.. والشاب اللي كان هناك راح المستشفى لأنه كان متبهدل ومراته معاه.. معرفش عنهم حاجة ولا اهتميت اعرف..كان كل همي اني اتأكد ان الخنازير اللي خطفوكم اتمسكوا وهياخدوا جزائهم!
+
إذا لم يعرف انهم كانوا "تيماء ورائد" سبب ما حدث لها في الماضي.. الافضل ألا يعلم مطلقًا وتُغلق تلك الصفحة وتُطمس للأبد..يكفي ما كابدوه إلى الآن من خلف حقارتهم..يكفي أنها شاهدت البؤس والذل والتعاسة والخزي بعين من أذوها..أصابتهم دعواتها واقتص لها الله من الجميع ونجت هي وزوجها..ولم يبقى سوى شيء واحد تفعله لتنتهي تلك الذكرى للآبد!
+
_ عايزة ارجع مصر يا ظافر..البلد دي ارتبطت معايا بذكرى سيئة..عايزة نكون أنا وانت وسط اهلنا مش في الغربة!
+
نظرته لها شاردة، هو أيضا لا يريد المكوث هنا، وخطط بالفعل للذهاب لكن ليس كما تريد"
+
ظنت صمته رفضا فقالت:
_ أنت مش موافق؟ خلاص لو... ..!
+
_ احنا فعلا هنسيب سويسرا.. بس مش هننزل مصر!
+
ضاقت عيناها بتساؤل، فواصل: أنا حجزت تذكرتين للسعودية، الوقت اللي كنا هنكمله هنا، هنكون هناك في بيت ربنا اللي لازم نشكره اننا عدينا من المحنة دي.. وعشان نحس بالسكينة ونفوسنا تهدى في أطهر بقاع الأرض بعد اللي حصل.. ايه رأيك، موافقة؟
+
طغت على مقلتيها سحابة دموع هامسة: يبقى آن الآوان!
+
أردف بفضول: آن الآوان لإيه مش فاهم؟
+
_ فاكر لما قولتلك إن في مفاجأة محضراها ليك لما نرجع من سويسرا؟ كنت مقررة اني اول ما ارجع هلبس الحجاب!
+
ظل يطالعها وحاجبيه معقودة وتذكر لحظة تضرعه لله إن كان قصر بشيء أن يدله عليه..هل هذا السبب الذي لم يعلمه؟ لم يكن غافل عن تلك النقطة لكنه أراد منحها فرصة لتأتي منها باقتناع تام عازما ألا يتعدى زهدها بالحجاب فترة حددها هو بينه وبين نفسه وبعدها كان يجعلها ترتديه.. ألهذا ابتلى فيها وكاد يُصلى بنيران فقدها؟
+
_ ماقولتش رأيك يعني؟! مش فرحان اني هتحجب؟
هز رأسه شاردا: بالعكس فرحان بس...
_ بس ايه ياحبيبي؟
عاد يطالعها بتمعن وقال: حسيت ناحيتك بالتقصير لما خليتك تتأخري في الخطوة دي بعد ما بقيت مسؤل عنك يا بلقيس..أنا قصرت في حقك!
+
أمسكت كفيه وقبلتهما ثم رفعت رأسها تناظره بحنان: هون على نفسك أنا عارفة إنك كنت عايزها تيجي مني.. ومتأكدة ان في الوقت المناسب كنت هتصمم عليها
+
_ وأظاهر الوقت المناسب ده انا حسبته غلط!
+
_ أحيانا فعلا بنغلط ونحسبها غلط بس بدون قصد.. أنا بالنسبالي اتمنيت اعمل كل حاجة اتحرمت منها..لأني كنت كأني محبوسة في قفص وخرجت منه عندي نهم للدنيا ومتعها..كنت عايزة اكون حرة في كل حاجة واقرر أموري بنفسي وزيي زي كل البنات قلت هتجوز وبعدين اتحجب..بس زه كان غلط، ومش كل الناس بتعمل الحاجة في وقتها الصح.. محدش مثالي على طول الخط.. ولا احنا معصومين من الغلط.. المهم إن ربنا أخيرا هيمن عليا بالخطوة دي وفي أجمل مناسبة ليها وانا وانت بنزور بيت ربنا ونطوف حواليه وندعيه يغفرلنا لو أخفقنا في حاجة.. وأكيد هيرزقنا السكينة.. أنا وانت محتاجين ننسي اللي عشناه هنا..الندبة اللي علمت في أرواحنا هنداويها سوا.. هنقوي نفسنا بالله..أحنا بخير دلوقت عشان لجأنا لربنا وهو ماخذلناش، وعارفة انه كريم وهيسامحنا ويثبتنا في اللي جاي..يعني ما تقساش على نفسك وتلومها عشان خاطري
+
جذبها ليُسكتها فوق صدره وفرحته تختلط براحة طاغية بعد حديثها..حتى لو قصر بشيء دون قصد، ها هو رب العالمين يبشره بالطريق الصحيح الذي سيسلكه مع حبيبته..وأول خطوة هناك..في بيت الله الحرام!
+
أشتد عناقه حولها من جديد، فهتفت بمرح افتقده كثيرا: حبيبي..بلي جعانة أوي..مش هنفطر بقى؟
+
ابتعد لينظر لها بابتسامة حانية ثم قبل جبينها مع قوله: من عيوني هطلب الفطار هنا وانتي يومي خدي حمامك، وكلمي مامتك صبحي عليها وطمنيها.. أنا متأكد أنها كانت هتتجنن عليكي.. وبعدها هننزل نعمل جولة أخيرة نودع بيها سويسرا.. وعشان نختمها بشيى مميز.. هنروح مكان كنت مظبطه من الأول هيعحبك أوي إن شاء الله!
+
تسائلت بفضول محبب: بجد؟ طيب مكان ايه؟
قرص وجنتها برفق: هتعرفي لما نروح يا فضولية!
انحنت وقبلت خده قبلة خاطفة، وهرولت وهي تصيح بمرح: ماشي هاخد حمام واظبط نفسي عشان أكلم ماما فيديو من غير ماتتخض من شكلي المنعكش ده.. وبعدين استعد لخروجنا..!
+
ضحك لمظهرها الطفولي وهو يراقب الفوضى التي أحدثتها وهي تنتقي ملابسها من الخزانة، وقبل أن تذهب عادت سريعا تطبع على خده قبلة جديدة بنكهة عودتها للحياة التي ملأتها سعادة نفذت لقلبه وغزت روحه.. لكن يظل ركن مطلم داخله أصبح يخاف عليها بشكل جنوني، ويعاهد نفسه للمرة التي لم يعد يُحصيها انه لن يتركها تتآذي وبصدره نفس يتردد..!
_________________
+
_اطمنتي يا ستي علي بنتك؟ اديكي كلمتيها فيديو وشوفتيها زي البدر المنور عمالة تضحك وتهزر مع جوزها ومبسوطين الحمد لله..
+
تألقت عينيها براحة وهي تقول: الحمد لله ياعاصم.. أنا كنت هتجنن عليها وقلبي كان مقبوض الايام اللي فاتت..
_ طب ودلوقت؟
ابتسمت: دلوقت خلاص، وعشان اثبتلك اني ارتاحت هقوم اعملك أحلى فنجان قهوة بأيدي ونشربه سوا قبل ما تروح شغلك..
+
أمسك كفها وقبله مع قوله: يارب دايما تكوني مرتاحة.. أنتي وبلقيس أغلي اتنين عندي في الدنيا
+
منحته نظرة تساوي ألف شكر وألف كلمة حب وهي تقول: والله انت اللي غالي ياعاصم وربنا عوضني بيك يا أحن راجل في الدنيا.. أنا معاك مهما كبرت بحس اني لسه بنت صغيرة بتترمي على كتف حبيبها تشتكيله..لو تعرف الدعوات اللي بتطلع مني ليك قد ايه..ربنا يجعلها كلها من نصيبك!
ثم. ربتت على كفه: هقوم بقي اعملك القهوة!
+
ابتسم وراقبها وقد عاد لوجهها ضيائه بعد ذبولها الفترة الماضية.. آه لو علمت كم كان قلبها صائب ومبصر لما حدث لصغيرتها.. لما هدأت حتي تخبئها بأحضانها..تنهد ورفع وجهه للسماء حامدا لله على سلامة ابنته!
_
+
____________
+
تعمد ألا يقوم بنشر موقعه لأهله ومعارفه ومعجبيه كما كان يفعل على حسابه، سيتخذ الحذر مسلكًا بعد الآن ويحافظ على خصوصيته مع زوجته..جازما أن الخاطفين لم يعانوا بتحديد خط سيره لخطف بلقيس كما حدث..ولن يقع في تلك الحفرة مرتين..
+
_ حبيبي، شكلي حلو بالحجاب؟
لمعت عيناه وقال بصدق: بقيتي اجمل من الاول
ابتسمت وقالت: أنا مس هعرف حد خالص عشان يتفاجأو بيا لما يشوفوني..
ثم تسائلت: بس هو أنت ليه عملت جروب فيس خاص ده يا ظافر؟
ملس على جانب وشاحها:
عشان يكون في خصوصية ياحبيبتي.. ضفت كل أهلي وأهلك..عشان تشاركيهم موقعك وتنشري صور الأماكن اللي تروحيها بدون قلق.. مش لازم كل الناس تعرف احنا فين وبنعمل ايه"
+
أدركت أفكاره الأعمق مما قال.. هو صار يخاف بعد ما حدث ولا تلومه وتؤيد ما فعل..لن يشاركهما أمورهما سوى الاقرباء وفقط..
+
_والله عندك حق، تحس كده اننا واخدين راحتنا أكتر.. ثم أشارت بحماس: شوفت ماما وبابا عاملين لينا كومنتس كتير اوي وكمان ايلي وطنط هدى وكل العيلة بتدعيلنا نتبسط! ده غير بقى الألش والقر من عابد ومحمود وياسين، ربنا يستر علينا من عنيهم المدورة! وقارنت جملتها الأخيرة بضحكة صافية فضمها إليه وقال بحنان: سيبك منهم، المهم ان حبيبتي تكون مبسوطة!
_ طبعا ياحبيبي مبسوطة الحمد لله، كفاية انك تكون معايا عشان ابقي فرحانة!
وواصلت: بقولك ايه هنروح المكان الحلو اللي حكيت عنه امتى؟ أحنا خلاص اتسوقنا واشتريت الهدايا اللي هنحتاجها من هنا قبل ما نسافر..ومش فاضل غير تروح المكان ده، مشتاقة اشوفه!
+
_ من عيوني، تعرفي اللي قالي عليه واحد صاحبي من أيام مسابقة التوب شيف، هو يعرف صاحب المكان شخصيًا، جنسيته عربية مش مصري.. وصمم المكان بالشكل ده عشان ينقل رواده لدفى وجمال الجلسة البدوية بكل تفاصيلها المميزة!
+
_ الله يا ظافر كلامك شوقني أكتر..
وواصلت: بس تعرف انا اكتشفت فيك حاجة!
قال وهو يتوجه معها سيرا لوجهتهما التي لا تبعد كثيرا: حاجة ايه يا حبيبتي؟
+
_ إنك مهوس بالديكورات الغريبة والمختلفة وشكل الأضاءة وألوانها، بدليل ديكورات الكافيه والمطعم بتوعك، وشغل الجناح المدهش بتاعنا..!
+
_ أنا فعلا كده.. كأنها هواية تانية عندي غير مجال الطبخ..النكهة مش بس بتكون في الأكل اللي بنعمله يابلقيس.. النكهة ممكن تكون في كل حاجة..في ريحة كتاب صفحاته متطبقة.. في لمبة جاز قديمة.. اراهنك انها هتنقلك فورا بريحتها لزمن بعيد كأنها آلة زمن بس الانتقال فيها بيكون نفسي..!
تمتمت بإعجاب لعمق رؤيته للاشياء: أنت فنان في كل حاجة يا ظافر.. يارب ولادنا يورثوا الحس الفني اللي عندك وروحك الجميلة والغنية دي!
+
همس بحب يماثل ما يلمع في شمسيها:
وانا بتمنى ولادي ياخدو جمالك ونقائك وذكائك وقوتك وصمودك وعنادك في المواقف الصعبة!
ابتسمت وقالت: تعرف أنا طالعة لمين في معظم الصفات دي؟ لماما.. هي أصلا اللي علمتني ازاي اتعامل كده وصممت امارس لعبث قتالية.. ولو فضلت اشكرها طول عمري مش هوفيها حقها.. أما بابا ده قصة تانية لوحده.. هحتاج ساعات أوصف اتعلمت منه ايه!
_ ربنا يباركلك في عمرهم ياحبيبتي!
+
وواصلا السير ليصلو أخيرا لوجهتهما وهو ينحرف معها بزاوية نقلتهم مباشرًا لتلك البقعة أو بالأحرى لإحدي الخيمات الضخمة المصممة بطراز بدوي عتيق..والوسائد الملونة المتناثرة أرضًا يتخللها طاولات نحاسية صغيرة. وأرائك مريحة بطراز عربي أصيل. مع طاولات أخرى محاطة بمقاعد خشبية.. وكل تلك التفاصيل تتمازج مع إضاءة مميزة مسلطة من قناديل معلقة في سقف الخيمة الذهبية، تشبهة كثيرا القناديل الرمضانية لتمنح المكان دفء وعبق خاص و مختلف!
+
تأملت بلقيس كل هذا بعين متسعة لتشهق بانبهار : مش ممكن! انا حاولت اتخيل المكان من كلامك، بس مقدرش خيالي يوصل للتصور الخرافي ده.. تحفة ياظافر، عندك حق لما قلت الديكور ممكن يفصلنا عن العالم وينقلنا لزمن تاني.. ثم تعلقت بعنقه گ شكر له: شكرا ياحبيبي انك بتوديني الاماكن الحلوة دي، ربنا مايحرمني منك!
+
_ولا منك يانور عيني.. يلا اتفرجي وخدي صورتين زي عوايدك عشان تملي الألبوم بتاع شهر العسل!
أردفت بحماس: ده انا هخليه ينفجر من الصور!
+
ابتسم لها: ماشي ياقلبي خدي راحتك واستنيني على ما أوصي على وجبة غدا واشوف حاجة كده وارجع!
+
ثم غمزها بشقاوة: وعلى فكرة بما ان من حظي ان صديقي له علاقة شخصية بصاحب المكان زي ما قلت.. قدر يخلينا نأجره ساعتين كاملين بدون رواد غيرنا، يعني انا وانتي هنبقى لوحدنا يا جميل.. إيه رأيك يا بلي!
صاحت ببهجة طفولية: رأيي اني بحبك وبموت فيك يا ظاظا..!
+
ضحك لها: طب سيبيني اروح اعمل الأوردر عشان ارجعلك بسرعة، ثم لثم شفتيها بقبلة خاطفة مع غمزة أخرى ( دي تصبيرة على ما ارجع)
_____________
+
وأخيرا انتهت جلستهما الخاصة والممتعة في الخيمة بعد أن سجلو لحظاتهم بها ما بين فيديوهات وعشرات الصور ، ليعودان الفندق وينالو قسطا من الراحة استعدادا لرحلتهما الأهم وأداء مناسك العمرة عسى الله أن يمحي عنهم أثار الفترة الماضية ويغفر ما أخفقوا به بجهالة ويتقبل دعائهم واستغفارهم ورغبتهم بحياة أكثر قربا من الله..ويكون هذا خير ختام لشهر زواجهما الأول قبل عودتهما لموطنهما الحبيب " مصر"..!
+
الثامن والاربعون
الفصل الثامن والأربعون
------------------
القصور لا تُبنى على أعمدة الأحلام..
والحقيقة لا تحيا وسط كذب اللئام..
فمهما طال أمده سيسقط مبتور الأقدام..
.........
+
تراقبه منزوية بعيدة عن بطش نظراته المشتعلة كلما بصرها.. منذ خروجه من المشفى وعودتهما للبيت وهو صامت.. قاطب مطبق الشفاه، عينيه جامدة كسحابة زجاجية تخاف أن تتفتت وينفث بها لهيب غضبه المكبل وسخطه عليها.. لا تدري ما سيؤل إليه حالها معه بعد مواجتهما..ولكي تحتمي من ثورة تتوقعها كل لحظة .. تشبثت بابنتها "رحمة" تحتمي فيها وبها منه..وكم يؤلمها زهده بالصغيرة وتجاهلها هي الأخرى وهو الذي ما كان يقدر على تركها ومداعبتها.. هل حقًا يشك بنسبها له؟؟ ألهذا الحد تلطخت لوحة عالمها الذي "طلت" ألونه بريشة أحلامها الوردية؟ لكن لما العجب! ألم تشيد بنيان عالمها هذا على أعمدة من الكذب والخداع؟ عزوفه الآن ليس غريبا ولا يحق لها الشكوى والعجب..
+
لوهلة أجفلها اقترابه المباغت المرعب وهو يتقدم عابرًا جوارها سريعا ملتقطًا شيئًا ما خلفها..
يا ويلها!
لقد تغافلت بشرودها عن الصغيرة التي زحفت تجاه الشرفة وحاولت تصلقها وجسدها الصغير انحشر بين عمدان الشرفة الحديدية وكادت أن تقع..!!
+
" حتى البنت مش قادرة تاخدي بالك منها؟! لولا شوفتها صدفة كانت وقعت من بين الحديد و ..."
+
انخلع قلبها وخطفت منه طفلتها وغمرتها بالقبلات معتذرة لغفلتها..ثم جلست تبكي منهارة فأخيرا وجدت سببًا لانفجارها.. إلا ابنتها.. تموت ولا تفقد رحمة.. يُقطع جسدها وهي حية أهون عليها ولا تتأذى الصغيرة!
+
خُيل إليها أنها لمحت في خضم انهيارها نظرة تعاطف منه ..لكن ظنته هذيان.. فهاهو يعود ليبتعد كما كان بعد أن منحنها نظرة ساخطة..ثم بعد قليل رآته يغادر، فهرولت تسأله..
+
_ رايح فين يا رائد؟
+
لم تجني منه سوى نظرة ناقمة محتقرة جعلتها تعود منكمشة تضم الصغيرة ناكسة رأسها بخزي وغشى عينيها الدموع..ترى أين ذهب؟ هل سيتركها؟ كم أخاف تلك اللحظة التي ستأتي لا ريب!
_____________
+
" السيد ظافر غادر الفندق هو وزوجته الاسبوع الماضي"
+
هذا ما حصده حين فكر أن يذهب لبلقيس وزوجها ويطلب منهما السماح والعفو..فأبت الظروف ان ينال هذه الفرصة، وبالطبع لم يتوقع لاعتذاره قبولا..لكنها كانت محاولة عله يستريح.. فعاد فارغ اليدين يتسكع في الطرقات بغير هدى..لا يتحمل رؤيتها.. ولولا الصغيرة التي تتسلح لها طيلة الوقت، لأطلق طاقة غضبه وظل يصفعها حتى يدمي وجهها القبيح.. الكاذبة الخادعة الملوثة..نعم هو ثوبه مدنس مثلها لكن لهذا لم يكن ليتزوج وينجب ابدا..ماذا يفعل وقد جعلته أب رغما عنه.. أحتالت عليه بوجه رودي التي عشقها فخدعته بقناع أخفى حقيقتها.. هي ليست حبيبته.. ليست من كان يدس وجهه بصدرها حين تهاجمه الكوابيس، لمن يلجأ؟ من يخفف عنه ما يعانيه..روحه ضائعة.. مشردة بين ماضية وحاضره.. لا يعلم من هو.. ليته يعود كما كان قبل فقد ذاكرته.. او كما كان بعدها.. لكنه عالق.. يتأرجح فوق حبل رفيع،
تتراقص أسفله نيران آثامه، فإما عبره ونجى.
أو هوى فاحترق!
+
رعشة هاتفه جعلته يلتقطه ليرى رقم والدتها..متسائل في نفسه بفظاظة ماذا تريد هي الأخرى؟! فليدعوه وشأنه.. ظل غاضض الطرف عن الرنين حتي اضطر أخيرا للرد ضجرا:
_ نعم؟
+
لهفتها حين انفتح الخط لم تجعلها تلاحظ فتور رائد وهي تقول سريعا: أنتو فين يا بني وليه رودي مابتردش عليا.. أنا قلقانة عليكم ومش بنام.. طمني يا رائد انتو بخير؟ بنتي وحفدتي بخير؟ رد عليا يابني
+
أغمض عيناه وأنامله تعتصر الهاتف غضبا..يريد القذف به وتجاهل قلقها الذي لا يهمه.. فلتحدث اللعينة وتعرف منها لما لا ترد.. ما شأنه هو؟ هم بترجمة أفكاره والصراخ عليها بكلمات ساخطة وغلق الهاتف .. لكن ردعه بلحظة مناسبة بكائها الذي هز قلبه رغم كل شيء، فتذكر والدته، خاصتًا وهي تسترسل قائلة: ياابني انا مش عايزة منكم حاجة غير انكم تطمنوني انكم بخير.. كلموني حتى مرة في الاسبوع قولوا انكم كويسين واقفلوا حتى من غير ماتسمعوا صوتي مادام انا ماليش اهمية كده في حياتكم.. عموما يا رائد قول لبنتي يمكن قريب اوي مش هتضطر تتهرب مني ولا هزعجها تاني.. انا تعبانة يا ابني وشكلي هقابل وجه رب كريم قريب..خلاص رحلة العمر قربت تنتهي.. ربنا عالم بحالي وقلقي عليها.. قولها يا ابني اني بحبها أوي وهفضل ادعيلها لحد أخر نفس يخرج مني..وكان نفسي اخدها في حضني هي ورحمة قبل ما أجلي يبنتهي.. بس شكل ده حلم بعيد، عارفة انها مستحيل هتنزل عشاني.. ولا حتى……
+
انقطعت المكالمة بغتة..
لم يدري ماذا كانت ستقول
لكن ما قالته كان يكفي ليأخذ قراره
قرار لم يخطط له
ولا يعرف لما أخذه
لكن ما يفطنه أنه آن الآوان لتنتهي غربته!
يكفيه غربة روحه الضائعة..
فليعد لموطنه
لعل الله يهيء له أمرا ما لا يعلمه!
__________________
+
_ إيلي، جناح اخوكي جاهز ومش ناقصه حاجة؟
_ ماتقلقيش يا ماما كله تمام.. وطبعا حضرتك بنفسك محضرة ليهم ما لذ وطاب.. الروايح تهبل بصراحة!
+
لمعت عينيها بشوق: مش مصدقة انه على وصول.. هتجنن واحضنه واشم ريحته..من ساعة الحلم اللي شوفته وقلبي مش مطمن، بس الحمد لله اخيرا جايين.. يارب يجوا بالسلامة!
_ اللهم أمين.. كمان طنط دره وعمو عاصم على وصول.. أنا لسه متصلة عليهم..
+
أومأت لها هدى هاتفة: طب كويس عشان لمتنا الحلوة تكمل.. أكيد هيتجننوا علي بنتهم
إيلاف: أكيد، بس مستغربة من حاجة يا ماما.. ليه آبيه ظافر هو وبلقيس عملوا عمرة، فجأة يعني قرروا
+
_مش مهم ليه، المهم انهم عملوا خطوة حلوة في بداية حياتهم..ومتفائلة اوي باللي جاي، أكيد ربنا هيرزقهم قريب عشان تكمل سعادتي!
+
أمنت إيلاف على دعائها ثم صاحت بغتة بعد سماع بوق سيارة ظافر واشرأبت بعنقها من نافذة قريبة لتتأكد، ثم هرولت مع صياحها: أخويا جه يا ماما!
+
تقافزت خطواتها گ الفراشة تستقبل أخيها وخلفها و الدتها تكاد تطير بقدميها إليه.. كم اشتاقته ونهشها الخوف المبهم عليه.. أخيرا ستتلمسه بيديها وتضمه وتقبله!
………… ..
+
سيظل عناق والدته وسيدته الأولى، فريد وخاص بها وحدها.. عناق يساوي ألف حياة وألف نعمة تستحق الشكر لوجودها معه.. ومهما كَبُرَ عوده سيحتاج أمانها وحنانها.. حنان يشبع روحه سكينة.. أما تلك الصغيرة إيلاف هي بالنسبة له نعمة أخرى گ أسمها الذي أختاره لها يوم مولدها..قطته المشاكسة الرقيقة..
+
_ تعالي في حضني يا بلقيس..انتي خليتي فرحتي برجوعكم فرحتين لما شوفت حجابك اللي خلاكي اجمل ما شاء الله، أف مبروك ياحبيبتي وربنا يثبتك!
+
استجابت لعناق والدة زوجها الحاني، ومباركتها وهي تشيد بجمال حجابها، وتذكرت والدتها الحبيبة التي ما أن زارت عقلها حتى أتت خلفها تهرول ومعها والدها الحبيب الذي أسرع يجذبها بضمة طويلة وعاطفة جياشة، مدركة كم يقاوم فرحته بحجابها ونجاتها معا.. عناقه طال كثيرًا فعاتبته دره: سبلي بنتي بقي مالحقتش احضنها واباركلها ياعاصم!
+
ضحكت إيلاف ثم غامت عينيها بحنين لوالدها حين شاهدت عناق العم عاصم لابنته.. كم تطوق لعناق مثله مع أبيها..
+
قرأ نظرتها ظافر فضمها إليه برفق: وحشتيني يا إيلي، أنا جبتلك معايا حاجات حلوة اوي انا وبلقيس.. أكتر واحدة دلعناها واحنا بنتسوق للهدايا
+
ربتت على صدره بكفها الصغير وهتفت صادقة: هديتي انك رجعت يا آبيه.. ماتتصورش ازاي افتقدناك أنا وماما.. حتى من يومين صحيت مفزوعة عشانك وقلقت عليك.. واتكسفت تتصل تكونوا نايمين.. بس فضلت تصلي تدعيلك كتير.. وبعدين انا نمت معاها وفضلت ارغي عشان اشغلها عن قلقها الغريب عليك!
+
التفت لوالدته ولم يتعجب شعورها به والتي بدورها تطالعه بنهم.. يعلم أنه ما نجى هو وزوجته إلا بتوفيق الله ثم دعائها.. فاحتضنها ثانيا.. ثم قاطعهم صوت عاصم: زي دره بالظبط، مجرد ماتبعد بلقيس عنها تقلق.. ربنا مايسوءنا فيكم ابدا يا ولاد!
+
آمنوا جميعا على دعائه، ثم قالت هدى: طب يلا ياجماعة عشان نتغدا..أنا عملت الأكل بنفسي عشان الغاليين.. ثم نظرت لظافر: اطلع انت ومراتك ياحبيبي غيروا هدومكم واستعدوا على ما تجهز السفرة!
________________
+
بعد أن فرغوا من الغداء، تنحى مع والد زوجته في زاوية خاصة ليتحدثا بخصوصية، وبادر عاصم: عاملين ايه دلوقت؟ والموضوع رسى على ايه هناك طمني!
+
قص عليه ظافر سريعا ما تلقاه الجناه، ثم رحيلهما عن البلدة، وأدائهم العمرة لتهدأ نفوسهم بتلك الطاقة الايمانية التي اكتمل أثرها بحجاب بلقيس..
+
_ الحمد لله يا ابني ان ربنا نجاكم وجت على قد كده..وكمان مَن عليكم بالعمرة والحجاب..ربنا يحميها ويهديها..ثم استطرد بجدية: وانا هتفق مع الحارس اللي كنت معينه لبلقيس عشان…
+
قاطعه ظافر بحزم: لا ياعمي..مراتي أنا اللي هحميها بنفسي..أوعدك مش هسمح بحاجة تأذيها تاني.. وعارف هعمل ايه حضرتك ماتقلقش!
+
أومأ له بتفهم وقال: يا ابني انا عارف انك قدها ومش بتعدى على حقك بس…
وصمت يطالع بلقيس التي تتثامر ضاحكة مع الجميع وواصل: أنا كمان اقدر اساعدك في حمايتها.. دي بنتي.. ربنا عالم كنت عامل ازاي قبل ما ترجعوا..!
+
أشفق عليه فربت على كفه وتمتم: عارف ياعمي والله..وبطمنك انها هتكون في أمان، اتعهدلك بكده..!
_________
+
أصبحت تواظب على تفقد حسابها على الفيس يوميا بعد أن كانت لا تهتم لدخول صفحتها بالأسابيع، تترقب باهتمام رسائلة المقتضبة المهذبة بين حين وأخر للسؤال عن حالها وحال الصغير ياسين شقيقها المشاغب..زارتها ابتسامة شاردة وهي تتذكر طلبه أن يحدث ياسين مكالمة صوتية..وكيف انتبهت أنه خفيف الظل مرح متواضع بطريقة تثير إعجابها.. منجذبة إليه بشكل يُقلقها..شخصيتها التي تميل للواقعية الشديدة، لا تحب التلحف بأحلام لن تتذوق دفئها على أرض واقعها.. هناك أحلام تظل قابعة بينما الأهداب المسدلة والليل قائم.. حتى إذا أشرقت الشمس ذهبت تفاصيلها أدراج النسيان.
أين هي من ذاك الأمير..؟
+
_ بسمة.. سوما..!
+
انتفضت على صوت حنين: نعم يا حنة
_ ايه يا بنتي فينك
ثم غمزت بإحدى عينيها: اللي واخد عقلك ياسوما
هزت رأسها بيأس: دايما تفكيرك مش بريء.. اتفضلي قولي كنتي عايزة ايه
_ كنت عايزة اوريكي الهدية اللي عبد الرحمن جابهالي يصالحني بيها.. شوفي حلوة ازاي
+
قالتها وهي تكشف عن معصمها ليظهر سوار فضي رقيق يتدلى منه أول حرف من أسمها، لتهتف بسمة بإعجاب: ما شاء الله، الأسورة تحفة ياحنين.. وجمالها زايد على إيدك..مبروك حبيبتي
+
ثم تسائلت: بس هو انتوا كنتم زعلانين؟
جلست جوارها متربعة بأرياحية مسترسلة: أيوة..وفضلنا يومين مش بنتكلم كمان
_ ياه.. للدرجة دي؟ طب ايه السبب
+
تنهدت مردفة: انتي عارفة ان عبده الحمد لله أجر لينا شقة..بس طبعا لسه بيقول ياهادي في توضيبها اللي محتاج فلوس كتير، ده غير العفش والحاجات الباقية.. وعشان يكون مستعد للجواز مش أقل من سنتين أو أكتر
_ تمام.. فين المشكلة بقى؟
_ المشكلة انه عايز بعد ما نتخرج من صيدلة، يعني بعد سنة نتجوز بغرفته اللي في بيت والده.. بيقول ان بيتهم أصلا كبير اوي لأنه من بتاع زمان..كان المساحات واسعة، والغرفة معزولة وهيكون عندنا خصوصية.. وفي الوقت نفسه نجهز شقتنا براحتنا وزي ما تاخد سنتين او تلاتة مش هتفرق.. طبعا أنا رفضت رفض تام.. واتخانقنا لأنه اتهمني اني مش بحبه.. قمت اتغاظت منه وخاصمته الكام يوم اللي فاتوا.. بذمتك أنا غلطت يا بسمة؟
+
_ مقدرش اقول كده.. وكمان بعذر عبد الرحمن اللي ملهوف تكونوا سوا يا حنين.. وده سبب اقتراحه.. توضيب شقة من الألف للياء غير الامور التانية مش حاجة سهلة على شاب لسه بيبتدي حياته ومافيش حد يساعده.. أهله زينا على قدهم!
+
_ وانا ما قولتش حاجة.. قلت هستني وقت ما يكون جاهز.. وكده كده لما اتخرج هشتغل واساعد.. انما ابتدي حياتي في مكان مش بتاعي مستحيل.. ايه يضمنلي بعد ما نتجوز عند اهله مايكسلش ويقول ما احنا عايشين؟ خصوصا لو جبنا طفل.. انسي انه وقتها يعمل حاجة.. عشان كده رفضت واتعصبت كمان!
+
ربتت على كتفها: خلاص ياستي أهو صالحك في الأخر بهدية حلوة.. عبده بيموت فيكي يا حنة ماتزعليهوش..!
_ والله يابسمة وانا بحبه أكتر.. بس لازم ابني حياتي صح بدال ما اندم بعدين واقول ياريتني
_ عندك حق، ربنا يسعدك يا قلبي
+
_ وانتي كمان يا سمسم
ثم تخابثت بسؤالها: صحيح.. ملاحظة. كده انك بتدخلي فيس كتير ونازلة بوستات على غير العادة.. ده انتي كنتي بتنسي ان عندك فيس اساسا
ثم غمزت لها بمكر: ايه سر التغير ده يا سمسم.. ها؟؟
رفعت حاجبيها بدهشة: تغير؟ هو لو دخلت فيس يبقي في تغير؟؟؟ قومي ياحنين شوفي اللي وراكي وسيبيني مش ناقصة صداع
+
_ تنكري ان السبب ياسين بعد ما ضافك صديقة؟
_ لا طبعا ايه العلاقة.. ثم أزاحتها لتنهض: امشي ياحنين وبلاش تهييس عشان ما ازعلش منك.. روحي شوفي عبده بتاعك!
نهضت وهي تمازحها: ماشي.. وعقبال عبده بتاعك
وهرولت قبل أن تصيبها ضربة بسمة بالوسادة، ثم هزت الأخيرة رأسها بتأفف: مش هتعقلي ابدا
_________________
+
أجبرها أن تعتدل لتواجهه:
ممكن أعرف انتي زعلانة ليه يا حبيبتي؟ هو أنا مانعك تروحي الشركة مع باباكي؟
_لا. بس كمان ماينفعش تفضل توديني وتجيبني كأني طفلة، هتركز في شغلك ازاي وانت شايل همي وبتعطل نفسك عشاني؟ منا معايا عربية اقدر اتحرك بيها.. وكده كده مش بروح مكان انت ماتعرفوش..
_ بلقيس خليني اعمل اللي يريحني وبلاش تفسري الموضوع بشكل يضايقك.. وشغلي هركز فيه ماتقلقيش!
+
زفرت بضيق ثم حدثته برجاء: ظافر.. بلاش اللي حصل يخليك عايش في ذنب انك قصرت.. وبلاش خوفك عليا يتحكم فيك كده ويشتتك عن مستقبلك وشغلك اللي بتحلم تكبره..لو بالك مش مرتاح مش هتقدر تبدع في حاجة، أنا بخير يا حبيبي وبإذن الله مش هيحصل حاجة تاني..!
+
حدجها بنظرة طال أمدها ثم قال بحزم لينهي اي جدال: انا مش هنسى بسهولة اللي حصل، ده درس لازم اتعلم منه..وعمري ما هطمن غير وانتي تحت حمايتي انا شخصيًا..مش هسمح لحاجة تاني تحصلك.. ولو عايزة تريحيني فعلا بطلي كلام في الموضوع ده.. ويلا بقى عشان ننام الوقت اتأخر جدا
+
صمتت ترمقه برهة ثم استسلمت لرغبته ولم تواصل جدالها حتى لا تُغضبه، لكن ظلت داخلها غير راضية عن حالته التي ترقى لوسواس انها لو ابتعدت عن ناظريه ستتأذى.. تنهدت و دعت ان تمر هذه الفترة بخير ويعود السلام لنفسه ولا يظل أسيرا لمخاوفه..
________________
_ يا صباح الورد علي حبيبة قلبي
ابتسمت لدلاله وقالت: صباح العسل يا حبيبي
واستطردت: بلقيس هتيجي من القاهرة انهاردة عشان تكون معايا لو احتاجت حاجة، هتيجي تقضي اليوم معانا
_ مش هقدر يا زمزم، يدوب هسلم عليها هي وجوزها واسيبكم.. عندي ضغط شغل وتسليم شحنات خضار وفواكهه لازم اشرف عليها بنفسي.. ماتنسيش ان فرحنا فاضله أيام وبعده هنسافر شهر العسل ومش هنكون في المنصورة.. عشان كده بحاول انجز شغلي قد ما اقدر..!
+
ابتسمت برقة: خلاص ياحبيبي ولا يهمك، شوف شغلك وانا وبلقيس سوا وبالمرة هظبط فستاني اللي بقى واسع اوي بعد ما كان مظبوط جدا لما اشتريته..
+
مشط بنيتها الهزيلة بنظرة حانية هامسا: طيب وحبيبتي وزنها نزل ليه؟ ثم همس بنبرة أرق: بتفكري فيا ومشتقالي صح؟
نكست رأسها بخجل مع تمتمة خافتة: طبعا ياحبيبي بستني اللحظة اللي هنكون فيها سوا ..
+
رفع وجهها وأنامله قابضة على ذقنها، ثم رمقها بنظرة قوية اخترقتها وترجمت خباياها ليتسائل: انتي خايفة يا زمزم؟ خايفة حياتك ماتكونش زي ما انتي متوقعة وتحديدا عشان مهند؟
+
تعجبت كيف علم بما تفكر.. هذا بالفعل ما يشغلها ويؤرقها منذ فترة، كلما تصورت انها حين يرزقهما الله وتنجب له طفلا أخر يتلاشى اهتمامه بصغيرها ويصبح غريبا.. رغم ثقتها بحبه لها ولطفلها.. لكن يظل ركن خفي في قلب أمومتها يخاف دون إرادة..
+
قاطع شرودها: المفروض دلوقت ازعل منك واقول مش واثقة فيا.. بس لأ.. مش هزعل ولا هحلف واقولك اطمني مش هتغير.. لكن هسيب الايام الجاية ترد عليكي وتقتل ظنونك من جذورها..!
+
اغرورقت عينيها أسفًا فعاتبها بقوله: وبعدين معاكي، قلت مش زعلان وفاهمك، ثم قبل جبينها قائلا: يلا يا حبيبتي روحي استعدي لحضور بنت عمك وعرفيني اما توصل.. ثم وشوشها بخفوت: وما تنسيش تظبطي حاجات تاني مع الفستان..عايز ألواني المفضلة!
+
ضحكت بخجل لتلميحه ثم منحته أكثر نظراتها عشقا خالصًا وهمست: ربنا يقدرني واسعدك ياحبيبي..
____________________
+
_ مش لو طاوعتيني كنا زمانا بنستعد لفرحنا مع عابد وزمزم في ليلة واحدة؟
+
_ لا طبعا يازيزو.. أنا قلت لازم اتخرج الأول، واديني اهو داخلة على الامتحانات.. ده غير ان ديكورات شقتي انا وجوري أنا اللي هصممها واشرف على تنفيذها.. قولي امتي هقدر اعمل كل ده..؟ ده غير ضغط الشغل بتاع شركتك الايام دي.. يعني انت نفسك مشغول.
+
تنهد بقلة حيلة: والله لو وافقتي كنت ممكن احل كل ده.. أما امتحاناتك..!
وصمت ليمنحها نظرة عابثة مواصلا: كنتي تكمليها في حضني وأنا بذاكرلك بضمير وبفهمك حرف حرف.. وبالمسطرة!
+
صاحت عليه بعد أن التهبت وجنتيها:
على فكرة.. انت استعدادك للانحراف بقي شيء يخوف يا زيزو
_ والله أنا واضح وعايز اتجوز.. حرام؟
_ لا ياحبيبي مش حرام.. بس لما ابقى مستعدة افضل.. ثم اكتسب صوتها بعض الإغواء: عشان اكون متفرغة لسعادة ودلع حبيب قلبي!
+
التقط كفها ولثم أناملها وغمغم: ربنا يصبرني يا فواحة!
+
وانتقل بحديثه لشأن أخر: طب أنا عايز اشوف الفستان اللي هتحضري بيه زفاف عابد وزوما..
+
_ أولا مش هتشوفه غير وقته عشان المفاجأة..
وأكملت بصيغة تحذير محبب: وثانيا والأهم اسمها زمزم مش زوما..واخدلي بالك ولا مش واخد؟
+
ضاقت حدقتاه وشفتيه تقاوم ابتسامة منتشية بغيرتها عليه وقال وهو يجذب خصرها: تؤ.. مش واخد بالي.. تقصدي ايه؟
أجابته بجدية تمتزج بضيق حقيقي وهي تحاول حل ذراعيه حولها: يعني بنت عمك اسمها زمزم مش زوما.. أي بنت تقول اسمها من غير دلع.. أنا بس اللي تدلعني.. مفهوم كده ولا مش مفهوم؟؟
+
راقه نبرتها التملكية تجاهه وإعلان غيرتها التي تسعده و تأملها بحب وابتسامته الحانية تتسع بالتدريج وهو يعود ويضمها إليه مائلا بجبينه على قمة رأسها: تعرفي ياعطر..بحب غيرتك عليا وحقك فيا اللي بتدافعي عنه دايما..انتي بتديني كل اللي كنت بتمنى احسه واعيشه.. أنتي الحاجة الحلوة اللي الدنيا شالتهالي.. ربنا يقدرني واسعدك!
+
همست بعاطفة مماثلة: أنت لسه معرفتش انا بحبك قد ايه يا يزيد..انت الحلم اللي افتكرته مستحيل يتحقق..!
+
أغمض عينيه واستنشق عطرها واكتفى بعناقها الدافيء فلا كلمات تعطيها حقها أو يعبر عن فيض عاطفته الآن!
________________
+
أصبحت تواظب على تفقد حسابها على الفيس يوميا بعد أن كانت لا تهتم لدخول صفحتها بالأسابيع، تترقب باهتمام رسائلة المقتضبة المهذبة بين حين وأخر للسؤال عن حالها وحال الصغير ياسين شقيقها المشاغب..زارتها ابتسامة شاردة وهي تتذكر طلبه أن يحدث ياسين مكالمة صوتية..وكيف انتبهت أنه خفيف الظل مرح متواضع بطريقة تثير إعجابها.. منجذبة إليه بشكل يُقلقها..شخصيتها التي تميل للواقعية الشديدة، لا تحب التلحف بأحلام لن تتذوق دفئها على أرض واقعها.. هناك أحلام تظل قابعة بينما الأهداب المسدلة والليل قائم.. حتى إذا أشرقت الشمس ذهبت تفاصيلها أدراج النسيان.
أين هي من ذاك الأمير..؟
+
_ بسمة.. سوما..!
+
انتفضت على صوت حنين: نعم يا حنة
_ ايه يا بنتي فينك
ثم غمزت بإحدى عينيها: اللي واخد عقلك ياسوما
هزت رأسها بيأس: دايما تفكيرك مش بريء.. اتفضلي قولي كنتي عايزة ايه
_ كنت عايزة اوريكي الهدية اللي عبد الرحمن جابهالي يصالحني بيها.. شوفي حلوة ازاي
+
قالتها وهي تكشف عن معصمها ليظهر سوار فضي رقيق يتدلى منه أول حرف من أسمها، لتهتف بسمة بإعجاب: ما شاء الله، الأسورة تحفة ياحنين.. وجمالها زايد على إيدك..مبروك حبيبتي
+
ثم تسائلت: بس هو انتوا كنتم زعلانين؟
جلست جوارها متربعة بأرياحية مسترسلة: أيوة..وفضلنا يومين مش بنتكلم كمان
_ ياه.. للدرجة دي؟ طب ايه السبب
+
تنهدت مردفة: انتي عارفة ان عبده الحمد لله أجر لينا شقة..بس طبعا لسه بيقول ياهادي في توضيبها اللي محتاج فلوس كتير، ده غير العفش والحاجات الباقية.. وعشان يكون مستعد للجواز مش أقل من سنتين أو أكتر
_ تمام.. فين المشكلة بقى؟
_ المشكلة انه عايز بعد ما نتخرج من صيدلة، يعني بعد سنة نتجوز بغرفته اللي في بيت والده.. بيقول ان بيتهم أصلا كبير اوي لأنه من بتاع زمان..كان المساحات واسعة، والغرفة معزولة وهيكون عندنا خصوصية.. وفي الوقت نفسه نجهز شقتنا براحتنا وزي ما تاخد سنتين او تلاتة مش هتفرق.. طبعا أنا رفضت رفض تام.. واتخانقنا لأنه اتهمني اني مش بحبه.. قمت اتغاظت منه وخاصمته الكام يوم اللي فاتوا.. بذمتك أنا غلطت يا بسمة؟
+
_ مقدرش اقول كده.. وكمان بعذر عبد الرحمن اللي ملهوف تكونوا سوا يا حنين.. وده سبب اقتراحه.. توضيب شقة من الألف للياء غير الامور التانية مش حاجة سهلة على شاب لسه بيبتدي حياته ومافيش حد يساعده.. أهله زينا على قدهم!
+
_ وانا ما قولتش حاجة.. قلت هستني وقت ما يكون جاهز.. وكده كده لما اتخرج هشتغل واساعد.. انما ابتدي حياتي في مكان مش بتاعي مستحيل.. ايه يضمنلي بعد ما نتجوز عند اهله مايكسلش ويقول ما احنا عايشين؟ خصوصا لو جبنا طفل.. انسي انه وقتها يعمل حاجة.. عشان كده رفضت واتعصبت كمان!
+
ربتت على كتفها: خلاص ياستي أهو صالحك في الأخر بهدية حلوة.. عبده بيموت فيكي يا حنة ماتزعليهوش..!
_ والله يابسمة وانا بحبه أكتر.. بس لازم ابني حياتي صح بدال ما اندم بعدين واقول ياريتني
_ عندك حق، ربنا يسعدك يا قلبي
+
_ وانتي كمان يا سمسم
ثم تخابثت بسؤالها: صحيح.. ملاحظة. كده انك بتدخلي فيس كتير ونازلة بوستات على غير العادة.. ده انتي كنتي بتنسي ان عندك فيس اساسا
ثم غمزت لها بمكر: ايه سر التغير ده يا سمسم.. ها؟؟
رفعت حاجبيها بدهشة: تغير؟ هو لو دخلت فيس يبقي في تغير؟؟؟ قومي ياحنين شوفي اللي وراكي وسيبيني مش ناقصة صداع
+
_ تنكري ان السبب ياسين بعد ما ضافك صديقة؟
_ لا طبعا ايه العلاقة.. ثم أزاحتها لتنهض: امشي ياحنين وبلاش تهييس عشان ما ازعلش منك.. روحي شوفي عبده بتاعك!
نهضت وهي تمازحها: ماشي.. وعقبال عبده بتاعك
وهرولت قبل أن تصيبها ضربة بسمة بالوسادة، ثم هزت الأخيرة رأسها بتأفف: مش هتعقلي ابدا
_________________
+
أجبرها أن تعتدل لتواجهه:
ممكن أعرف انتي زعلانة ليه يا حبيبتي؟ هو أنا مانعك تروحي الشركة مع باباكي؟
_لا. بس كمان ماينفعش تفضل توديني وتجيبني كأني طفلة، هتركز في شغلك ازاي وانت شايل همي وبتعطل نفسك عشاني؟ منا معايا عربية اقدر اتحرك بيها.. وكده كده مش بروح مكان انت ماتعرفوش..
_ بلقيس خليني اعمل اللي يريحني وبلاش تفسري الموضوع بشكل يضايقك.. وشغلي هركز فيه ماتقلقيش!
+
زفرت بضيق ثم حدثته برجاء: ظافر.. بلاش اللي حصل يخليك عايش في ذنب انك قصرت.. وبلاش خوفك عليا يتحكم فيك كده ويشتتك عن مستقبلك وشغلك اللي بتحلم تكبره..لو بالك مش مرتاح مش هتقدر تبدع في حاجة، أنا بخير يا حبيبي وبإذن الله مش هيحصل حاجة تاني..!
+
حدجها بنظرة طال أمدها ثم قال بحزم لينهي اي جدال: انا مش هنسى بسهولة اللي حصل، ده درس لازم اتعلم منه..وعمري ما هطمن غير وانتي تحت حمايتي انا شخصيًا..مش هسمح لحاجة تاني تحصلك.. ولو عايزة تريحيني فعلا بطلي كلام في الموضوع ده.. ويلا بقى عشان ننام الوقت اتأخر جدا
+
صمتت ترمقه برهة ثم استسلمت لرغبته ولم تواصل جدالها حتى لا تُغضبه، لكن ظلت داخلها غير راضية عن حالته التي ترقى لوسواس انها لو ابتعدت عن ناظريه ستتأذى.. تنهدت و دعت ان تمر هذه الفترة بخير ويعود السلام لنفسه ولا يظل أسيرا لمخاوفه..
________________
_ يا صباح الورد علي حبيبة قلبي
ابتسمت لدلاله وقالت: صباح العسل يا حبيبي
واستطردت: بلقيس هتيجي من القاهرة انهاردة عشان تكون معايا لو احتاجت حاجة، هتيجي تقضي اليوم معانا
_ مش هقدر يا زمزم، يدوب هسلم عليها هي وجوزها واسيبكم.. عندي ضغط شغل وتسليم شحنات خضار وفواكهه لازم اشرف عليها بنفسي.. ماتنسيش ان فرحنا فاضله أيام وبعده هنسافر شهر العسل ومش هنكون في المنصورة.. عشان كده بحاول انجز شغلي قد ما اقدر..!
+
ابتسمت برقة: خلاص ياحبيبي ولا يهمك، شوف شغلك وانا وبلقيس سوا وبالمرة هظبط فستاني اللي بقى واسع اوي بعد ما كان مظبوط جدا لما اشتريته..
+
مشط بنيتها الهزيلة بنظرة حانية هامسا: طيب وحبيبتي وزنها نزل ليه؟ ثم همس بنبرة أرق: بتفكري فيا ومشتقالي صح؟
نكست رأسها بخجل مع تمتمة خافتة: طبعا ياحبيبي بستني اللحظة اللي هنكون فيها سوا ..
+
رفع وجهها وأنامله قابضة على ذقنها، ثم رمقها بنظرة قوية اخترقتها وترجمت خباياها ليتسائل: انتي خايفة يا زمزم؟ خايفة حياتك ماتكونش زي ما انتي متوقعة وتحديدا عشان مهند؟
+
تعجبت كيف علم بما تفكر.. هذا بالفعل ما يشغلها ويؤرقها منذ فترة، كلما تصورت انها حين يرزقهما الله وتنجب له طفلا أخر يتلاشى اهتمامه بصغيرها ويصبح غريبا.. رغم ثقتها بحبه لها ولطفلها.. لكن يظل ركن خفي في قلب أمومتها يخاف دون إرادة..
+
قاطع شرودها: المفروض دلوقت ازعل منك واقول مش واثقة فيا.. بس لأ.. مش هزعل ولا هحلف واقولك اطمني مش هتغير.. لكن هسيب الايام الجاية ترد عليكي وتقتل ظنونك من جذورها..!
+
اغرورقت عينيها أسفًا فعاتبها بقوله: وبعدين معاكي، قلت مش زعلان وفاهمك، ثم قبل جبينها قائلا: يلا يا حبيبتي روحي استعدي لحضور بنت عمك وعرفيني اما توصل.. ثم وشوشها بخفوت: وما تنسيش تظبطي حاجات تاني مع الفستان..عايز ألواني المفضلة!
+
ضحكت بخجل لتلميحه ثم منحته أكثر نظراتها عشقا خالصًا وهمست: ربنا يقدرني واسعدك ياحبيبي..
________________________
+
_ مش لو طاوعتيني كنا زمانا بنستعد لفرحنا مع عابد وزمزم في ليلة واحدة؟
+
_ لا طبعا يازيزو.. أنا قلت لازم اتخرج الأول، واديني اهو داخلة على الامتحانات.. ده غير ان ديكورات شقتي انا وجوري أنا اللي هصممها واشرف على تنفيذها.. قولي امتي هقدر اعمل كل ده..؟ ده غير ضغط الشغل بتاع شركتك الايام دي.. يعني انت نفسك مشغول.
+
تنهد بقلة حيلة: والله لو وافقتي كنت ممكن احل كل ده.. أما امتحاناتك..!
وصمت ليمنحها نظرة عابثة مواصلا: كنتي تكمليها في حضني وأنا بذاكرلك بضمير وبفهمك حرف حرف.. وبالمسطرة!
+
صاحت عليه بعد أن التهبت وجنتيها:
على فكرة.. انت استعدادك للانحراف بقي شيء يخوف يا زيزو
_ والله أنا واضح وعايز اتجوز.. حرام؟
_ لا ياحبيبي مش حرام.. بس لما ابقى مستعدة افضل.. ثم اكتسب صوتها بعض الإغواء: عشان اكون متفرغة لسعادة ودلع حبيب قلبي!
+
التقط كفها ولثم أناملها وغمغم: ربنا يصبرني يا فواحة!
+
وانتقل بحديثه لشأن أخر: طب أنا عايز اشوف الفستان اللي هتحضري بيه زفاف عابد وزوما..
قد يعجبك ايضا
منذ بضع شهور
رواية حافة المنتصف الفصل السابع 7 بقلم آية
منذ بضع شهور
رواية حافة المنتصف الفصل الثامن 8 بقلم آية
منذ بضع شهور
رواية حافة المنتصف الفصل التاسع 9 بقلم آية
+
_ أولا مش هتشوفه غير وقته عشان المفاجأة..
وأكملت بصيغة تحذير محبب: وثانيا والأهم اسمها زمزم مش زوما..واخدلي بالك ولا مش واخد؟
+
ضاقت حدقتاه وشفتيه تقاوم ابتسامة منتشية بغيرتها عليه وقال وهو يجذب خصرها: تؤ.. مش واخد بالي.. تقصدي ايه؟
أجابته بجدية تمتزج بضيق حقيقي وهي تحاول حل ذراعيه حولها: يعني بنت عمك اسمها زمزم مش زوما.. أي بنت تقول اسمها من غير دلع.. أنا بس اللي تدلعني.. مفهوم كده ولا مش مفهوم؟؟
+
راقه نبرتها التملكية تجاهه وإعلان غيرتها التي تسعده و تأملها بحب وابتسامته الحانية تتسع بالتدريج وهو يعود ويضمها إليه مائلا بجبينه على قمة رأسها: تعرفي ياعطر..بحب غيرتك عليا وحقك فيا اللي بتدافعي عنه دايما..انتي بتديني كل اللي كنت بتمنى احسه واعيشه.. أنتي الحاجة الحلوة اللي الدنيا شالتهالي.. ربنا يقدرني واسعدك!
+
همست بعاطفة مماثلة: أنت لسه معرفتش انا بحبك قد ايه يا يزيد..انت الحلم اللي افتكرته مستحيل يتحقق..!
+
أغمض عينيه واستنشق عطرها واكتفى بعناقها الدافيء فلا كلمات تعطيها حقها أو يعبر عن فيض عاطفته الآن!
______________
____________________
1
عاتبها بقوله:
_ واضح ان مالناش خاطر عندك يا بسمة، عابد عزمك واعتذرتي وانا بعيد عليكي طلب الحضور وبرضو بتعتذري؟
+
تمتمت بحرج: ابدا والله خاطر حضرتك والباشمهندس على راسي يا أستاذ ياسين، بس ده احتفال عائلي وانا جيت الفرح اللي فات.. مافيش داعي اجي المرة دي كمان!
+
_ طب هو حد قال غير كده؟ ماهو عشان عائلي هتحضريه!
+
صمتت قاطبة حاجبيها وجملته الأخيرة تتراقص في عقلها بمعنى خطير لا تريد مجرد التفكير به فضلا عن تصديقه، فنحت أفكارها جانبًا وتغاضت. ليواصل وكأنه لم يلمح لشيء فتحمد الله أنها لم تنسج أحلام حول جملته:
+
أنا وعابد مش بنعتبرك غريبة.. هو مثلا بيعتبرك زي جوري!
_ وأنت؟؟
كادت تسأل بتسرع أحمق، لكنها صمتت ليستطرد:
هتيجي انتي وحنين وياسين كمان.. مش مسموحلك ترفضي..
_ أيوة بس…
لم يعطيها مجالا وهو يستأذن منها لإنجاز أمور هامة، غير واعية للهاتف الذي مازال يلتصق بأذنها لكن عقلها بواد أخر يطرح تساؤلاته.. لما يصر علي حضورها؟ ومامعني جملته وتلميحه الغريب؟
+
_ بسمة.. بسمة؟..بسوم.. هييييي!!!
+
أجفلها صوت حنين: ها؟ نعم.. بتزعقي ليه يا بت انتي خضتيني!
_ منا بناديكي مش بتردي، المهم سمعت كأنك كده كنتي بتكلمي استاذ ياسين.. صح ولا غلط؟
هزت رأسها قائلة: صح.. كان بيعزمنا على فرح باشمهندس عابد.
_ بيعزمنا؟ قصدك انتي وياسين اخويا
_ وانتي معانا
هتفت بتهليل: الله.. طب ياريت، أنا نفسي اشوف الناس دي اوي واشوف الفيلا بتاعتهم
_ منا لسه مش مقررة أروح ولا لأ
_ وليه لأ.. أهي فرصة للتغير مادام قدرك وعزمك بنفسه عيب اوي ترفضي
+
صمتت شاردة ومازالت حملته تستحوذ على تفكيرها..
+
_ عشان خاطري يا بسمة خلينا نروح.. والله عندي ملل فظيع ونفسي اغير جو.. ساعة زمن ونرجع ياستي.. ولو قلقانة من شقاوة ياسين والله هاخد بالي ومش هخليه يعمل حاجة
+
تنهدت وهي تطالعها ثانيًا شاخصة البصر، ثم قالت: ماشي، ناخد رأيي بابا وماما ونشوف..
_ماتقلقيش انا هاخد موافقتهم، المهم تعالي نشوف هنلبس ايه واحنا رايحين..
_ أي حاجة مناسبة من اللي عندنا
ثم استلقت على فراشها وهي تتثائب: روحي انتي اعملي جرد على الدولاب واختاري ليا وليكي وسيبيني انام عشان بصحى بدري
_ هو مش بكره الفرح؟ هتروحي الشغل ليه؟
قالت بتهكم: على أساس انه فرحي أنا؟ أكيد مافيش تغير بالنسبة لعمال وموظفين المزرعة.. الشغل مستمر طبعا
_ ماشي ربنا يقويكي وتصبحي على خير، وبكره بأذن الله هتيجي تلاقي طقمك مكوي وزي الفل..
+
ربتت علي وجنتها مبتسمة: ماتحرمش منك ياحنة..
______________
+
أكتملت زينتها وطلتها المبهرة بفستان زفافها وصبايا العائلة تحوطها مادحين جمالها الهاديء..متبادلين معها عبارت مازحة تارة ومباركة تارة أخري..ثم ولجت إليهم عبير لتلمع عيناها بسحابة دامعة وهي ترى جمال زمزم بفستان عُرسها..فتركوا لهما الفتايات مجالا للحديث بخصوصية..
+
_ بسم الله ما شاء الله، زي البدر المنور يا نور عيني..
+
جاهدت ألا تبكي هاتفة: دايما عيونك هتشوفني حلوة يا ماما.. ثم أشارت لهيئتها قائلة: ضيقت الفستان ده مرتين عشان يكون مظبوط كده.
_ عادي ياحبيبتي، كل العرايس وزنها بيخس قبل زواجها..توتر طبيعي!
هزت رأسها بتفهم ثم قالت ببعض الحزن: خدي بالك من ابني يا ماما.. اتحمليه مهما اتشاقي عشان خاطري.
+
رمقتها عبير بعتاب هاتفة: شوف البنت قليلة الحيا..! ده أنا جدته يا عبيطة وهخاف عليه أكتر منك..
حاولت الابتسام فداهمتها دمعة خائنة لتصيح عبير وهي تقودها لتجلس: تعالي يا زمزم خليني اقولك كلمتين يابنتي.. أنا عارفة احساسك كويس وان فرحتك ناقصة لأنك هتبعدي عن مهند الفترة دي لأول مرة، بس كل اما تحسي بكده أسألي نفسك وفكري، عابد يستاهل ولا لأ؟؟ تقدري تستغني عنه؟ هيهون عليكي ماياخدش حقه من الخصوصية والسعادة زي أي عريس مع عروسته؟ يستاهل لفترة من الزمن تكوني فقط زوجة له هو وبس؟ لما تجاوبي نفسك على كل الاسئلة دي هترتاحي وقلبك هيهدى.. عيشي شوية لنفسك لأن ده حقك في الدنيا.. ومهند في حضني انا وجده وخاله، مش هنغفل عنه لحظة.. كل ساعة كلمينا وشوفيه واطمني، بس اوعي ثم أوعي تحسسي جوزك انك مش معاه.. انتي عارفة شهامة عابد.. عنده استعداد مايسافرش بيكي لاي مكان لو حس انك زعلانة، أو يقرر ياخد الولد معاكم عشان يفرحك.. بس ترضيها في اول ايام جوازه ما يتمتعش بأوقاته مع مراته اللي حبها وحارب الدنيا عشانها..!
+
نفت بقوة وهي تهز رأسها قائلة بصوت باكي: لا يا ماما مستحيل.. أنا بحب عابد وبتمنى اسعده قد ما اقدر لأنه يستاهل كل حاجة حلوة..
+
أمسكت محرمة وجففت دموعها بحرص: يبقي خلاص.. تهدي كده وخلي وشك ينور وحسسي جوزك قد ايه انتي مبسوطة انكم هتكونوا سوا..
استعادت هدوءها وثباتها وقالت: حاضر يا ماما..ادعيلي!
_ ربنا يهدي سركم ويسعدكم ويحفظكم ياحبيبتي، هسيبك وابعتلك ابوكي والبنات عشان يكونوا حواليكي وانتي خارجة لعريسك.. وقبل أن تغادر لثمت جبينها بقبلة حانية وذهبت..وبعد قليل أتاها أبيها ليباركها ويعانقها عناق حاني داعيا الله أن يرزقها السعادة ثم اصطحبها مع الفتايات ليسلمها لزوحها الذي ما أن رآها حتى تلكأت عينيه عليها وكل تفاصيلها خطفت "لبه" كل مافيها كان ساحر.. هيبة جمالها ورقتها جعلته يتمنى لو يغادر بها الآن وينال وصالها الذي يتلوى شوقًا له..!
+
قبلة على حبينها هي اول ما فعله وهو يلتقطها من يد أبيها الذي حدثه: ألف مبروك يا حبيبي وربنا يسعدكم، مش هوصيك على بنتي..أوعي يوم تزعلها ياعابد..!
+
أجابه وعيناها ترتخي علي وجهها: محدش بيزعل روحه ياعمي
منحته ابتسامة صافية مفعمة بمحبتها الجارفة له.. كم تحبه وتعشقه.. والدتها محقة.. زوجها يستحق الكثير وتعده داخلها انه سيكون ملكها المتوج وسعادته همها الأول بعد ذلك!
__________
+
ينبش عنها بين الجميع وأخيرا رآها هناك تقف مع ابن العم تتحدث وتضحك.. نيران الغيرة شبت بقلبه حين تذكر انهما في يوم من الايام كانوا مخطوبان.. أسمه التف على اصبعها.. لم يدري أن نظراته الشاردة طالت حتي انه لم يلاحظ ابتعاد بلقيس عن يزيد، والأخير يقترب منه بعد أن لمح نظرته المشتعلة وأدركها جيدا:
+
_ ازيك يا طافر
+
لا يبالغ إن قال انه تفاجأ به أمامه، فنفض شروده وقال: الله يسلمك، وألف مبروك لعابد
_ الله يبارك فيك، عقبال ايلاف
أومأ مبتسما بمجاملة وساد صمت قصير بينهما قطعه يزيد: تعرف ان ولا مرة انا وانت اتكلمنا بشكل خاص، ودايما لقائتنا عابرة مع مناسبة عائلية..
+
أومأ ظافر وشعر أن ذهنه مشوش ولا يدري ماذا يقول، فاكتفى بإيماءته جديدة ليواصل يزيد بقول مباشر باغت الأول: أنت عرفت إن انا وبلقيس كنا مخطوبين؟
+
رمقة بلمحة مبهمة لا يتضح إن كانت ضيق او غيرة، فتلقى يزيد نظرته مبتسما وقال: أنا عارف إنك مش ناسي رد فعلي العدواني والغريب معاك في البداية، اكيد بتفسره دلوقت بشكل تاني.. بس اسمحلي اوضحلك الصورة اللي انت ماتعرفش حقيقتها لحد دلوقت..أنا فعلا في وقت من الاوقات ظنيت ان في جويا مشاعر قوية لبنت عمي.. رغم ان كل التفاصيل والمواقف كانت بتوصلي رسالة واحدة.. ان الطريق ده مش بتاعي وهيفضل ضلمة وكئيب وعمر قنديله ما هيغمرني بنوره.. هفضل ماشي اعافر ومش هوصل لحاجة..وانا كنت مصمم امشيه، فضلت اخبط واعاند وكله شايف اني ماشي غلط.. ماما..أختي الصغيرة حتى بلقيس نفسها كانت عارفة ان مضلل نفسي.. عشان كده فوقتني بلطمة الرفض الواضح.. وبعد كده عرفت إن صفعتها كانت زي إنذار ليا قبل ما أقع في حفرة وهمي اكتر من كده..وانا دلوقت ممتن ليها وكل اما احس بالسعادة مع عطر ابقي عايز اروح اشكرها.. عطر البنت الوحيدة اللي اكتشفت اني حبيتها وحبتني بجد.. مشاعري معاها مختلفة.. واضحة.. صداها في قلبي وقلبها بنفس القوة..!
+
وواصل وهو يلتفت لظافر الذي ينصت له باهتمام: عشان كده عايزك تطمن وتسمحلي من دلوقت نكون أصحاب مش مجرد نسايب في عيلة واحدة.. مراتك دي بنت عمي و اختي.. وانا اخوها الكبير ومش أكتر من كده..!
ثم مده يده بدعوة لمصافحة ودية گ بداية لعهد جديد في علاقتهما.. فظل ظافر يرمق كفه الممدود، ثم صافحه بشيء من الراحة تسربت داخله بعد حديثه وإن لبثت بقايا غيرة في قلبه لا يظن أنها ستنتهي ابدًا.!
___________
+
_ اسمعي الكلام يا جوري، خلي الليلة تعدي علي خير.
+
تذمرت لتحكمه: وفيها ايه لما ارقص في فرح اخويا؟ أصلا مافيش حد غريب كلهم اهلنا والتجمع عائلي.. سبني افرح بعابد بقى
+
_ هو انتي ماتعرفيش تفرحي غير أما تهزي وسطك؟؟؟
+
ثم تبدلت نبرته المستاءة لأخرى عابثة: حوشي الطاقة الحركية اللولبية دي لجوزك حبيبك بعد الجواز
+
تخصرت كعادتها ساخرة: ومين قالك اني هرقصلك؟؟
_ على الاقل انا جوزك وطبيعي ترقصيلي مش ترقصي للناس.. ولا انتي برة البيت فرفوشة وجوة البيت هتقلبي معايا مدحت شلبي؟
+
ضحكت لتشبيهه: أنا بردو مدحت شلبي يا عموري.. طب مخصماك
+
اقترب هامسا: وماله.. أصلحك يا روحي..
+
ابتعدت كاتمة ضحكتها: تموت في استغلال المواقف علي هواك، المهم يا عموري قولي هتبات معانا زي ما بابا طلب منك؟
_ لا يا جوري، أنا شوية وهمشي، هوصل عابد وعروسته المطار مع اخوكي واحمد..
+
راحت تستجدية: طيب ليه بس، ماهو بابا عامل حسابك وصمم تبات، وحتى ظافر هيفضل هنا لبكرة هو وبلقيس وهيباتو عند عمو عاصم.. اشمعني انت رافض
+
_ حبيبتي انا لسه مش متعود على كده، وظافر وضعه مختلف..هيبات أصلا عند حماه لأنه كمان معزوم عنده خاله بكره هو ومراته..لكن انا
+
قاطعته: أنت ايه؟ ماهو بابا حماك بردو..الله يخليك ياعامر وافق.. عشان انا وانت بكره نقضي اليوم سوا واخر النهار انزل القاهرة مع ظافر.. دي فرصة نبقي سوا..نفسي انا وانت نتنزه هنا ونروح النادي كمان.. فاكر قبل كده وعدتني تيجي ومش جيت.. لازم تعوضني، وغلاوتي عندك توافق لو كنت بتحبني!
+
_ جوري انتي عارفة غلاوتك عندي بس بجد مش هرتاح لو فضلت.. مش متعود علي كده لما نتجوز ياستي مش هحس بإحراج لكن دلوقت سيبيني براحتي!
+
عبست محبطة لرفضه ولم تجد سوي حيلة واحدة تلجأ إليها..
________________
+
حديثه عنها منذ قليل مع ظافر أثار مشاعره نحوها، وصار كمن يحتاج جرعة أكسجين ليتنفس.. جذبها حيث وجدها تقف بركنٍ ما تتابع الاحتفال وتنحي بها خلف شجرة كبيرة وبدون أي مقدمات عانقها بقوة ورائحتها غزت رئتيه.. فتعجبت هامسة: مالك يا يزيد.. أنت مضايق من حاجة؟
ابتعد ينظر لها بحب فاض بعينيه ومازلت بحيز ذراعيه الملتفة حولها: بالعكس.. أنا مبسوط جدا وحاسس اني مرتاح..
+
ربتت بتلقائية علي خده: امال مالك يا حبيبي حاسة فيك حاجة غريبة
تبسم لها بدفء: كنت بتكلم عنك مع ظافر.. بقوله ان ربنا رزقني بحب عمري اللي كنت غافل عنه.
+
لم يكن صعبا عليها استنتاج مسار حديثهما، فقالت: هو عرف انك كنت خاطب بلقيس؟
_ ايوة.. هي نفسها قالتله..وانا حبيت اقطع أخر حبل بيربطني بالموضوع ده..أحنا كلنا عيلة واحدة، وعايزه يفهم حقيقة اللي كان حاصل بدال ماتلعب الظنون بدماغه.. خصوصا في الفترة اللي كنت لسه مش متوازن فيها عاطفيا وفاكر اني ..
+
صمت لتسطرد هي بتفهم: عارفة كنت هتقول ايه.. ماتقلقش أنا دلوقت عارفة قيمتي ومكانتي جواك يا يزيد.. وبصراحة النظرة اللي بشوفها في عيون بلقيس لجوزها بتخليني اقول ان ربنا اختارلنا كلنا الافضل.. رغم اننا زعلنا وقتها وحسينا العالم انتهي.. بس اللي هيدقق هيعرف ان البداية اصلا كانت لسه هتحصل لكل حد فينا.. والحمد لله انت عرفت انك قلبك معايا وده كافي يعوضني عذابي اللي فات!
+
دس رأسها بصدره واستكانت ذقنه على قمتها: لسه التعويض جاي
صمتت تنهل من هيبة تلك اللحظة الدافئة بينهما.. ثم تذكرت شيء فابتعدت تقول وجهها متوتر : يزيد.. ادعيلي.. أمتحاناتي خلاص قربت جدا وخايفة اوي.. حاسة تركيزي ضايع
+
هتف مطنئنا: متخافيش.. أنا هكون معاكي في المراجعة
_ أزاي؟ امتحاناتي في المنصورة وانت هتكون في القاهرة
قال وهو يدس خصلة شاردة منها في طيات حجابها:
كل ليلة امتحان هسهر معاكي نراجع المادتين بتوع الاسبوع لحد الصبح وبعدين اوصلك للجامعة بنفسي وانزل بعدها القاهرة..
اتسعت عينيها شاهقة بفرحة: بتتكلم بجد يا زيدو؟ ده كده اخر دلع..
ابتسم راضيا لفرحتها: طبعا..حبيبتي لازم تختم دراستها بتفوق
_ لو هتكون معايا كده يبقي ضمنت التفوق اكيد.. مستحيل اخذل استاذي ومثلي الأعلى اللي بسببه حبيت الهندسة اساسا
+
قبل وجنتها سريعا: بس انتي أصلا ميولك كانت واضحة في التصميم يا قلبي..ويشرفني اكون مثل أعلى لحبيبتي.
وواصل: صحيح، هتيجي معايا وانا بوصل عابد ومراته للمطار؟
_ أيوة طبعا..وفرصة ازور عمتو وجدو وتيتة وبكره ارجع المنصورة تاني معاك او مع ياسين
_ ياسين ايه، هترجعي معايا طبعا..
+
"يزيد..أخيرا لقيتك"
التفتوا لجوري التي دنت عابسة فتسائل مازحا: مالك يازئردة؟
_ زئردة زعلانة.. بابا طلب من عامر يبات معانا وهو مش راضي ومحرج.. وحياتي يا آبيه تقنعوا وتعزموا بنفسك.. نفسي اروح انا وهو النادي بكرة وكمان المزرعة.. أنا اصلا مش بشوفه كتير..
+
_ بس كده؟ ولا تزعلي، مش هخليه يمشي ماتقلقيش
+
هللت: بجد يا آبيه؟ ثم عانقت خصره: ربنا يخليك ليا
شاكستها عطر: بس مسكين ياعامر.. مكتوبله يدوق وصفة البيض العجيبة اللي عملتيها أخر مرة.. ثم حدثت يزيد: زيدو ابقي حضر رقم الاسعاف هنحتاجه بكرة
+
انقلب وجه جوري بتعبير شرس واقتربت تقتص منها، فاحتمت عطر خلف ظهر يزيد الذي انسل من بينهما قائلا وهو يبتعد: طب اما تخلصوا خناق ابقوا تعالوا وانا هروح لعامر اكلمه..
وضحك وعطر تصرخ وتجري من جوري التي تلاحقها لتعاقبها على حديثها الساخر بحق وصفتها الثمينة..
_______________
+
ترمقه بتقدير وهو يلاطف بحنان الصغير المستكين على قدمه..تذكرت كل ما قالته والدتها عنه.. تقسم لو لمح حزنها لفراق الصغير لصمم وأخذه برحلة زواجهما الأولى، وهذا لن يحدث..هي تشتاق منحه عاطفتها بسخاء حتى يثمل..
_ حبيبي هو معاد الطيارة امتى؟
_ فاضل أكتر من أربع ساعات
_ طب ده المفروض نمشي دلوقت.. لاحظ اننا لسه هنتحرك من المنصورة للقاهرة..
حدجها مليًا ثم قال: عايزك تفضلي أطول وقت مع مهند، أنا عارف إنك…
+
قاطعته: أنا عروستك.. حبيبتك اللي نفسها تسعدك.. وماتقلقش مهند هيكون في حضن ماما اللي هتخاف عليه اكتر مني وهتاخد بالها منه..
ابتسم وقد راقه كثيرًا رغبتها المعلنة أن يصبحا سويًا في أقرب وقت..
_ طيب أنا هقوم اشوف يزيد عشان يستعد وبعدها نسلم على الكل ونمشي..
ومنحها مهند وغادر لتحتضن هي الصغير بقوة هامسة:
هتوحش ماما يا نور عين.. معرفش ازاي مش هشوفك الفترة دي كلها، بحاول اتماسك بس هشتاقلك اوي اوي .. بس انا عارفة انك بتحب بابا عابد..وعايزه مبسوط صح؟
+
ضحك الصغير وهمهم: آبد.. ماما
عانقته ثانيًا وهي تنهل من رائحته مغمغمة: روح ماما
…………
حانت لحظة تحليقهم بعيدا لتبدأ رحلتهما المغموسة بالعسل بعد ما "مر" الشوق أضناهما
وقف الجميع يودع العروسين.. ولم تنسى زمزم توصية والديها على طفلها محاولة التماسك حتي لا تبكي..لأجل حبيبها الذي يستحق نعيمها وحده.. حبيبها التي أقسمت أن تمنحه حقه بها كما يجب أن يناله..!
………
استقل عابد وعروسه سيارة يزيد المزينة ومعه عطر وتبعهما أحمد ومحمود مطلقا أبواق سيارتهم بالتزامن مع بوق سيارة الأول بصخب متناغم محبب جعل أحداق المارة ترمقهم بسعادة مباركين موكب العروسين المزين بالورود.. ليتفاجؤا بمشاركة بوق سيارة نقل كبيرة داعمة مرورهم المفرح.. ليهتف يزيد بمرح: أبسط يا باشمهندس.. سيارة نقل حديد ضخمة بتحيك انت وعروستك..
عابد بغرور مازح: طبعا يا زيزو أخوك مش اي حد وطول عمره مرزق وله هيبة.
عطر بذات المرح: ألحقوا ده في عربيات مشاركة الاحتفال وبتدي كلاكسات معانا..( ثم نظرت لعابد ساخرة) والله اتنصفت يا ابن خالتي..
_ ايه مش عاجبك ياقردة؟
يزيد بنظرة تحذيرية: اتلم ماتخلنيش اعملها فيك قدام عروستك.. ماتقولهاش قردة تاني
زمزم ضاحكة: لا يا يزيد قلبك ابيض خلينا نوصل المطار على خير من غير خساير في الأرواح.
عابد وهو يلثم كف زمزم: عروستي حبيبتي بتدافع عني
عطر: والله انتي صعبانة عليا يا زوما.. عابد ده مايتعاشرش وانتي رقيقة وكيوت..
حدجها الأخير بعدوانية محدثا شقيقه: خلي خطيبتك تلم لسانها عني بدال ما ارميها من العربية يا كبير..
وواصل: أنا مش فاهم انتي اساسا ايه جابك معانا؟؟
_ جاية مع خطيبي وزوما.. اكيد لو عليك مش هعبرك
يزيد: بسس انت وهي اعقلوا.. احنا خلاص داخلين علي المطار بلاش فضايح..
عابد: طب هو الندل ياسين مجاش ورايا ليه بعربيته؟
_ معرفش انا ماشوفتوش قبل ما نمشي..
هتف بتوعد: ماشي.. مش هسيبوا بس ارجع..
…… ..
هبطوا من السيارات ووقف يزيد يعانق شقيقه بمشاعر دافئة مع قوله: ألف مبروك ياعابد ربنا يهنيك ويسعدك انت وعروستك.. اتبسطوا قد ماتقدروا.. واي حاجة تحتاجها بس كلمني هجيلك لحد عندك في أسرع وقت!
+
ثم حدث زمزم بود: ألف مبروك يا زمزم ربنا يهنيكي وعايزك ماتقلقيش على مهند لأنه هيكون في عيون الكل وأولهم عطر.. اتبسطي وافرحي وعوضي اللي فاتك.. ومش محتاج اقولك اني مش بس ابن عمك.. لأ.. أنا اخوكي الكبير.. لو لا قدر الله حاجة ضايقتك هكون موجود.. بس انا متأكد ان عابد عمره ماهيزعلك لأني عارف غلاوتك عنده
+
اغرورقت عينيها مع قولها: ربنا يخليك لينا يا يزيد.. أنت اخونا وسندنا كلنا.. وعقبال ما نفرح بيك انت وعطر
+
دعى بمرح: أمين.. وحياتك تدعي من قلبك في الطيارة يقرب البعيد
ضحكوا وامتزج خجل عطر مع سعادتها بلهفته عليها..ليشاكسها عابد: القردة طلعت بتتكسف ياجماعة.
رمقته بحنق، وصاح يزيد موبخا: شكلك مش هتجيبها لبر ..زمزم خدي جوزك وامشوا بدال ما اتهور عليه
محمود بمزاح: لا استني اما تسلم على اخوها الأول
عانقها بمحبة وقال: ألف مبروك يا زوما.. ماتتصوريش ازاي فرحان عشانك.. ربنا يسعدك.. ومهند متخافيش هيبقي في عيوني.. ثم وشوشها بشيء أضحكها، فنكزته بمزاح: ماشي يامجنون..
+
أحمد أخذًا دوره في التهنئة معانقًا عابد ومازحه: بقولك ايه. ماتنساش تظبطلي البيبي اللي جاي هدايا.. عايز كسوة كاملة وباكتات بامبرز وتشكيلة ألعاب.. امال هتكون عم ببلاش؟
عابد: أنا كنت عارف ان التوصيلة دي مش ببلاش
_ يعجبني ذكائك ياعبودي
ونظر لزمزم: ألف مبروك يا مدام زمزم.. واعتبريني انا كمان أخ.. وأي حرجة ماتعجبكيش من أخينا ده.. عرفيني وهظبطهولك.. الكتالوج بتاعه كله معايا
+
عطر مازحة: انت أحبابك كتير اوي ياعابد
+
التقط الأخير كف عروسه وهو يجذبها مبتعدا: طب كفاية كده ياجماعة وقتكم خلص معايا بصراحة.. نلتقي بعد شهر العسل..
وابتعدا العروسين ملوحين. لهم ونظرات البقية تشيعهما بدعوات خالصة كما حصدا إعجاب المارة لمظهر زمزم بثوب عرسها وعابد بأناقته ووسامته ببدلة العرس..
_____________
+
قبل توقيت مغادرة عابد بقليل.
_ بسمة ممكن تيجي معايا دقايق عايزك في حاجة
تعجبت طلبه وارتبكت قليلا ونظرت لشقيقتها، فشجعتها بعينيها أن تذهب دون قلق..تنحى بها بعيدا عن صخب الحفل ثم صمت يتطلع حوله وكأنه يستجمع كلماته التي يود قولها، أما هي فقد بلغ منها القلق والخجل مبلغه، وقلبها يدق بعنف محاولة تخمين ما يريد، ليهتف مقاطعا أفكارها:
+
_ بسمة.. أنا طول عمري ماليش في اللف والدوران واحب الوضوح في كل حاجة..عشان كده هقولهالك بدون مراوغة ولا مط.. ساد صمت قصير وهو يطالعها قبل أن يهمس لها بدفء شديد:
+
بسمة.. أنا بحبك ويشرفني ارتبط بيكي!
لأنك الإنسانة الوحيدة اللي استحوذت علي تفكيري بالشكل ده..أنا صبرت لحد ما اتأكدت من مشاعري.. ياترى ردك ايه؟
اتسعت عيناها غير مصدقة ما قال!
يحب من؟
هي؟!
كيف؟
_ شايفك مستغربة، مع إن توهمت انك واخدة بالك من اهتمامي بيكي، بس عموما انا هاخد الخطوة الرسمي اللي تخليني اقدر اعبرلك بشكل أوضح..بس قبل أي حاجة عايز اعرف رأيك زي ما قلت.. موافقة؟
+
لا تجد صوتها، يعتريها ذهول عظيم، لا تصدق أن الأمير أختارها هي ليجعلها سندريلا! أمعقول هذا؟ أين هي منه ومن ثرائه؟ تواضعه لن يمحي الفجوة المادية بينهما..
+
_ بسمة هتفضلي ساكتة كتير؟..أنا منتظر رأيك!
أخيرا تمالكت ذاتها وهمست بخفوت: أنا.. أنا متفاجئة و مش مصدقة ان حضرتك…
_ حضرتك؟!.. بلاش الرسميات دي.. قولي ياسين.
نظرت له واحتل عقلها خاطر ما فتسائلت:
_ هو والدك ووالدتك عارفين حاجة زي كده؟
_ لأ.. انا فضلت اعرف رأيك قبل ما أكلم أي حد
+
انطفأ بريق دهشتها وهتفت بجمود أكثر: معتقدش أهلك هيوافقوا يا استاذ ياسين، أنا فين وحضرتك فين، مافيش أي تكافؤ مادي بنا يخليني مناسبة ليك.. وده أكيد هيكون رأي أهلك لما تصارحهم.. فوفر عليا وعليك الإحراج.. عن أذنك!
+
همت بتركه فاعترض طريقها هاتفا: ممكن تسيبي موضوع أهلي على جمب وتقوليلي رأيك؟؟
+
نظرت له وتعجبت هذا الرجاء الذي ومض بعينه.. أيعقل أن شاب مثله أحبها حقًا؟
حتى لو كان كذلك..سيتخلى عن مشاعره فور رفض والديه.. بالطبع لن يغضبهما ويضحي بهما لأجلها..فضلا عن أنها لن ترضى.. فكان ردها قاطع!
+
_ مش موافقة!
قالتها وكادت تتراجع بعد تلك الخيبة التي لمعت في عينه وهو يطالعها بحزن.. لكن لن تفعلها.. قرارها هو الصواب.. الافضل أن ترفض هي قبل أن تُرفض من أحد.. لن تقبلها كرامتها!
غادرته متوجهة للبحث هن حنين وياسين ليذهبا.. يكفي مكوثهم لهذا الوقت، خاصتًا أن العروسان رحلا ولا معنى لوجودهما إلى الآن !
____________
+
حنين وهي تهرول خلفها: في ايه يابسمة بتجري بينا كده ليه؟
لم تلاحظ حزن صوتها وهي تجيب: كده كفاية يا حنين.. وبعدين كنتي فين انتي واخوكي؟
_ ياسين كان عايز يدخل الحمام.. وطبعا انتي عارفة اخوكي مايسترش، جري مني وفضلت ادور عليه لحد ما انتي لقيتينا
_ ماشي، اقفوا هنا أما نشوف تاكس عشان نروح البيت بسرعة قبل ما بابا يزعق علي تأخيرنا!
_ بس يارب مانقفش كتير، الطريق هادي كأن التاكسيات اختفت..
شردت بالطريق وعينيها تترقب ظهور سيارة أجرة تقلهم سريعا.. تريد الهروب.. تريد لملمة شتاتها بعد أن بعثرها حديثه الغير متوقع وهو يصارحها..
+
"أنا بحبك ويشرفني ارتبط بيكي!"
+
تردد صدى جملته بعقلها بإلحاح.. صوته وهو يقولها مازال يخترقها.. نظرته تتجسد لعين خيالها الآن.. ابتسامته الواثقة الحنون تُصهرها.. تأسرها...ليتها وافقت علي طلبه دون أي حسابات للعقل..لكن واقعيتها عيبها الأكبر..تعلم أن طريقهما لن يتقاطع بنقطة التقاء واحدة.. عالمه غير عالمها.. أين هي من الأمير..السندريلا ليست سوي أسطورة تُحكي للصغار.. فلينتهي كل شيء في مهده ومازالت قدماها راسخة على شاطيء واقعها دون الغوص في بحر وهم لا سبيل لها لمجابهة أمواجه العاصفة!
+
صرير سيارة وقف أمامهم بغتة فأجفلها وهي تتبينه يرمقها مقطوب الوجه من خلف مقوده الذي غادره هاتفا: اتفضلو اوصلكم..!
تنحنحت قبل اعتذارها بتهذيب: مافيش داعي.. دلوقت يعدي تاكس و…
+
قاطعها شقيقها: لا أنا عايز اركب مع عمو..!
حدجت صغيرها بحنق هاتفة: عيب كده يا ياسين!
قال بحزم: أظن مايصحش يا استاذة بسمة تردي عرضي لتوصيلكم بالرفض.. ثم لمح لها بجملة ذات مغزى: ولا انتي عاهدتي نفسك أي طلب ليا ترفضيه؟
+
تعلقت بنظرته العاتبة دون وعي، وعين شقيقتها ترصدهما بريبة وتحلل جملة ياسين، كأن هناك شيء بينهما حدث ولا تعرفه..وبحيلة ماكرة قررت وضع بسمة في الأمر الواقع فهتفت وهي تجذب الباب الخلفي للسيارة وتصعد بصحبة أخيها: خلاص مش هنكسفك يا استاذ ياسين.. يلا يابسمة عشان هنتأخر علي بابا وماما
+
التفتت لها بسمة تطالعها بذهول لجرآتها، وفمها المنفرج مع عينيها الفضية المتسعة مع الضوء الخافت حولها جعلها صورة مجسمة للفتنة، فمالت شفتيه بابتسامة محاها سريعا وهو يجذب باب المقعد الأمامي جواره: يلا يا استاذة بسمة اركبي عشان اوصلكم بسرعة
عادت تنظر له وهو يُشرع لها الباب فشعرت بالخجل لاضطرارها الجلوس جواره، فعادت ترمق حنين بتوعد حانق فتجاهلتها الأخيرة كاتمة ضحكتها، وتعلم انه ينتظرها وصلة توبيخ وعقاب من بسمة حين يعودان للمنزل.. لكن لا يهم.. إن كان هذا الامير يسعي لها.. فهي ستساعده بصدرٍ رحب!
+
أما هو فدار حول سيارته متخذا مقعد القيادة وانطلق بهم وداخله منتشيا بشعوره أنها جواره..يدرك أسباب رفضها التي قرأها بعينيها ولن يستسلم لتفكيرها القديم عن فرق الطبقات.. هذا عهد ولى منذ زمن.. ولا يهمه ثرائها أو فقرها مادامت بعبينه ثرية بأخلاقها وجمالها الآسر..
+
حاول بدء حديث علي سبيل التعارف: أنا عرفت انك في كلية صيدلة ياحنين صح ولا ايه؟
أومأت مرحبة بحديثه: أيوة في رابعة صيدلة، وخطيبي عبد الرحمن كمان معايا في نفس السنة
_ ماشاء الله ربنا يوفقكم، جميل انكم في نفس المرحلة الدراسية، أكيد بتحفزوا بعض
_ فعلا أنا بعتمد عليه في حاجات كتير بصراحة
+
الصغير متدخلا: بس أبلة حنين بتتخانق مع عمو عبد الرحمن كتير اوي.. حتي اسأل أبلة بسمة..
+
ابتسم ياسين وهو يلمح نظرة بسمة الزاجرة للصغير بينما نكزته حنين وهو تتوعده بصوت خافت وصل لسمعه بوضوح..كم يراهم ظرفاء وصحبتهم ممتعة.
+
_ لو سمحت نزلنا هنا يا استاذ ياسين وكتر خيرك تعبناك معانا..
_ هو فين بيتكم؟
_ قريب من هنا.. احنا هنكمل مسافة بسيطة
هتف بإصرار: لأ، هنزلكم قصاد البيت نفسه، هو فين بالظبط
صاحت حنين: أخر الشارع اللي احنا فيه وبعدها اكسر يمين في شمال
+
زفرت بسمة بضجر ورمقت شقيقتها بضيق.. بينما واصل ياسين القيادة.. ومع اقترابهما الوشيك أصاب بسمة بغتة انقباضة قلب نغزتها دون سبب..خوف مبهم أحتلها بشكل غريب جعلها تلقائيا تبسط كفها على صدرها لتوقف ضرباته ، فلاحظ ياسين فعلتها منتقلا إليه القلق وهو يتسائل: في حاجة يا استاذة بسمة؟
التفتت له دون رد وشعور القبضة يزداد بقلبها
ومع انحراف السيارة حيث منزلهم
كانت الكارثة التي تنبأ بها قلب بسمة
طامة كبرى لن تعود حياتهما كما كانت قبلها
+
لن تعود ابدًا..!!
______________
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا