القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثالث والاربعون والرابع والاربعون بقلم دفنا عمر

 


رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثالث والاربعون والرابع والاربعون بقلم دفنا عمر








رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثالث والاربعون والرابع والاربعون بقلم دفنا عمر



                               


الفصل الثالث والأربعون


------------------------------


أخبروا النجوم أن أجملها ترقد فوق وسادتي! 


وأخبروا السماء أن شمسها اختبأت بمقلتي حبيبتي


وأخبروا الربيع أن زهوره أينعت على شفتي جميلتي


أخبروا الجميع أني ظفرتُ بها وغدت أخيرًا مليكتي! 


……… 


واقفًا يطالع السماء بنظرة تأمل شاردة متعجبًا غرابة الاقدار  ورسائلها الخفية..في ليلة شبية هذه كان يُبصر ذات الأفق بحالٍ غير حاله..وقلبه المكسور ينبض لغير ساكنته تلك اللحظة..ها هي بلقيس تزوجت ونالت ما تمنت كما نال هو ما استحقه، أصبح لكلٍ منهما طريقه في الحياة، الليلة أجتاز أخر اختبار لمشاعره القديمة عندما شاهد مراسم زواجها دون أن يُثار شيئا يُذكر في نفسه..أو ربما أثار القليل من ذكراياته الساذجة الواهمة بها،أخيرًا انطوت تلك الصفحة إلى الأبد..وبيومٍ ما ستلهو أطفالهما سويًا بين الحدائق گ الأشقاء تمامًا مثلهما الآن..!



+




تنهد بضيق وهو يبتعد عن سياج شرفته جالسًا على مقعد جانبي وذهنه ينزلق لحدث أخر هو سبب أرقه الرئيسي وعزوفه عن النوم، فلم يكن يدري أن أنظاره الشاردة بخبايا نفسه أثناء حفل الزفاف، سيلتقطها رادار فواحته وتغار وتحتل عينيها اتهام مبطن أدركه و أزعجه..مازالت لا تثق به وكم يؤسفه هذا..! ماذا يفعل أكثر مما فعل لتُسقط من رأسها تجربته الأولي والفاشلة؟!



1




_ مش هتنام يا يزيد؟ 



+




التفت لصديقه:  هنام بعد شوية يا احمد..! 


لاحظ ضيقه فتسائل:  ايه مالك شكلك زعلان ليه


_لا مافيش حاجة إرهاق بس من اليومين بتوع الفرح


_ طيب خلاص تعالى ارتاح وماتسهرش أكتر من كده! 



+




أومأ له صامتًا وداخله يهمس:  ارتاح ازاي والفواحة زعلانة ومزعلاني! 


__________________



+




جافاها النوم واللوم يأكلها، لما رمته بتلك النظرة واتهمته بما تعلم انه كذب خيالها وحده وافتراءه؟ يزيد الآن لا يعشق سواها، لما مازالت تضيق بنظراته إن توجهت إليها، متى ستنتهي غيرتها العمياء؟ ماذا جنت غير إغضابه؟ رغم انهما لم يتحدثا لكنها قرأت عتاب عينيه الصامت..!



+




" أنت صاحي؟"



+




جازفت وأرسلتها له عله يجيب، لم يأتيها ردًا فعادت ترسل أخرى ليقرأها حين استيقاظه ( حقك عليا لو كنت زعلت مني) اكتفت بجملة اعتذارها وتركت الهاتف جانبًا وهي تزفر بضجر، لتفاجيء بانبعاث رنين اتصال فالتقطت هاتفها بلهفة مع قولها:  يزيد؟؟ أنت صاحي؟


ابتسم بتهكم بوهن:  لا نايم، بس عفريتي بيكلمك! 


حاولت الابتسام لدعابته لم تجد سوى دمعة برقت بعينيها وهي تقول:  زعلان مني صح؟


صمت برهة قبل أن يجيبها:  مش زعل قد ما هو حيرة.. هو المفروض اعمل ايه تاني عشان تصدقي ان بلقيس انتهت جوايا وبقيت بنت عمي وبس..معني انك لسه مش مصدقة ده يبقي احنا كده بنبتدي غلط ياعطر..!



+




حاولت ان تدافع عن حماقتها:  والله غصب عني لما لمحتك بتبص ناحيتها وانت شارد شيطاني صورلي نظراتك غلط، وعقلي فسرها إنك ندمان وبتتحسر عليها



+





_ أنا لو ندمان وبتحسر.. يبقي ندمان اني ماحسيتش بيكي من الأول.. وإن ضيعت وقت كبير عشان افهم انك نصي التاني وتؤام روحي..وواصل:  عطر انا لو عندي شك 1% اني مش بحبك عمري ما كنت هتقدم خطوة واحدة ناحيتك.. وسوء ظنك ده عدم ثقة فيا وفي نفسك قبلي.. واتهام مش هقبله منك تاني.. ولا كل مرة هلاقي مبرر يشفعلك عندي! 



+




أطرقت رأسها تبكي بصمت لعتابه مدركة خطأها وإجحافها حقه لما قدمه لها لاعنة غيرتها الغبية، فتمتم بصوت حنون:  عطر متعيطيش انا بس مش عايز غيرتك تكون أثرها سلبي على حياتنا، عايزها تفرحني مش تتعسني.. عموما ياحبيبتي خلاص انسي أنا متأكد ان ماكنتيش تقصدي.. ثم داعبها ليلطف الأجواء معها: خلينا بقى في المهم يا فواحة، ايه الفيديو الجامد اللي بعتيه ده؟ كنتي تجنني وانتي لابسة الساري وبترقصي بيه في الحنة، كنت عايز اخطفك وابعد عن الكل بس للأسف كان صعب! 



+




ابتسمت بسعادة وهي تجفف عبراتها بظهر كفها: 


بجد عجبك عليا؟


_ ده جنني مش عجبني بس! 


_ أمال لو شوفت بقى الساري التاني اللي جبته عشان البسه ليك لوحدك واحنا في بيتنا.. اصله مكشوف ماينفعش يتلبس قصاد حد غير حبيبي! 


أشعلت شوقه ورغبته وهو يهمس:  بجد.. طب ابعتي صورته! 


قالت بدلال بعد أن تراجعت داخلها حالة البؤس التي تملكتها قبل مكالمته:  لا يا زيدو.. مش هتشوفه غير واحنا في بيتنا..! 


_ ماشي ياستي، هانت ونتمم جوازنا بسرعة لأني بصراحة مش قادر اتحمل بعدك اكتر من كده! 


_ خلاص ياحبيبي انا قربت اتخرج، وعلى ما تكمل توضيب شقتنا اكون خلصت ونتجوز فورا..! 



+




_ ربنا يصبرني، انا وافقت استني لحد ما تتخرجي عشان خاطرك بس! 


_ ماهو كده احسن، مش عايزة لما نكون في بيت واحد حاجة تشغلني عنك يا حبيبي، عايزة اعوضك كل اللي فاتك واسعدك قد ما اقدر..! 



+




صمت لحظات وهمس عُقبها بعد أن زال ضيقه ولم يعد يسيطر عليه سوى شعور الراحة والشوق لها:  بحبك يا فواحة! 


_ مش اكتر مني يا يزيد، وسامحني لو بغير عليك زيادة عن اللزوم..أنت لسه ماتعرفش حبي ليك قد ايه، انا فتحت عيوني عليك انت، عمري ما حبيت ولا اتمنيت غيرك! 


_ طب مش كنتي قولتي الكلمتين دول وانتي قدامي عشان ارد بطريقتي! 


ضحكت بخجل: ماهو عشان طريقتك دي مش هتسمع مني الكلام ده غير في التليفون! 


رفع حاجبيه توعدا:  ماشي ياقردة.. وانا هحوش كل ردودي عليكي لحد ما اشوفك وهرد على كلمة كلمة، وحرف حرف.. وابقي وريني هتفلتي مني ازاي! 



+




جلجلت ضحكتها الرقيقة الصافية التي امتزجت بضحكاته على الطرف الأخر..لتصفو القلوب ثانيًا والآن فقط سيغفو كلًا منهما براحة بال ويحلم بصاحبه أحلامًا جميلة بجمال تواصلهم الخاطف الذي انتهى لتوه! 


___________________



+




أهكذا يكون صباحها؟



+




وجهها الغارق بخصلات شعرها الغزير الطويل اللامع گ حورية فاتنة، عبقها الذي تغلل داخله ويشعل احتياجه الرجولي لاجتياح جديد، بشرتها الناعمة التي تتلمسها الآن أنامله برقة ومتعة طاغية..أهدابها الطويلة التي تُحرضه أن يقبلها لتفتح عيناها وتشرق عليه بشمسيها، شفتيها المكتنزة الوردية، زفر لحرارة مشاعره وجسده يثور ويطلب المزيد من زوجته الجميلة التي خاض معها أولى تجاربه الحلال في عالم أنوثتها التي لم يطأ أرضها أحدًا قبله.. براءتها التي اختبرها، خجلها ورقتها الشديدة التي ضاعفت انجذابه وحبه..!



+





        



          



                


أزاح خصلات شعرها وظل يتأملها وهو يقارن بين تلك الأنثى الرقيقة المتجاوبة لرغباته بحب قوي استشعره وأسعده، وبين تلك النمرة الشرسة التي حطمت أنوف من حاول نيلها دون تهاون.. كم يعشق فيها هذا التناقض من القوة الردعة حين يتطلب الأمر ابراز قسوتها، ورقتها وحنانها حين تكون بين ذراعي من تحب..مزيج فريد وفخور أن مثلها زوجته وحبيبته وأم أطفاله حين يقدر الله! 



+




أحتضنها بدافع مسار أفكاره التي التهبت وتأججت برغبته التي لم ترتوي وأراد نيلها الآن، فتلملت من لمساته التي تدعوها لوصاله ، فندت من شفتيها همهمة ناعمة وطيف ليلتهما الأولى يلوح بمخيلتها، ليسحبها يزداد قربه  حميمية فتلبي نداء زوجها لتشبع روحه وجسده معًا..!


_________________________



+




_ نامي شوية يا دره انتي عيونك ماغمضتش من ليلة امبارح! 


_ يعني انت اللي جالك نوم ياعاصم.. ثم اغرورقت عيناها مع قولها: بنتي وحشتني وعايزة اطمن عليها



1




رغم انه لا يختلف حاله عنها ويموت شوقا لرؤيتها والتأكد انها بخير، قال كذبا ليطمئنها: هي لحقت توحشك، ده معداش غير سواد الليل، وبعدين بلقيس خلاص بقيت مع جوزها لازم نتقبل ده ونتعود انها مابقيتش معانا وندعيلها بالسعادة! 



+




همست وخيط دموع شفاف يسيل على وجنتها:  عارفة بس غصب عني ياعاصم دي عمرها ما فارقتني، كنت كل ليلة لازم اقوم اغطيها وابوسها واشم ريحيتها وارجع انام.. معقول مش هصحى علي وشها الحلو كل يوم؟ مش هنفطر سوا ونتكلم ونهزر؟ خلاص هنبقى لوحدينا؟



+




كم ضغطت علي وجيعته دون أن تدري، هو ذاته من فرط شوقه كاد أن يهاتفها بمنتصف الليل ليسمع صوتها ويطمئن.. لكن صوت العقل رشد جنون لهفته گ أب بفارق ابنته للمرة الأولي وتراجع..رعزائه الوحيد ثقته بزوجها أنه لن يؤذيها..ولن يعاملها بقسوة بعد ان استحضر في عقله حديثه الجانبي الخاطف مع ظافر  قبل أن يرحل بها لجناحهما في الفندق..ونصيحته له أن يتروى ويتعامل معها برفق كي يزيل رهبتها.. وأن ليلتهما الأولى ستكون انطباعها الأول والأهم عنه گ زوج.. وألا يتعجل بسبب رغباته ويخسر ثقتها وحبها في أهم ليلة بينهما، كما ذكره بظروفها وربما تزور خيالها ذكرايات  قاسية وتخافه وعليه أن يثبت رجولته الحقة بمعالجة هذا الأمر بحكمته وحبه.. ولم ينسى حينها النظرة التي ومضت بعين ظافر.. نظرة طمئنته دون أن يتفوه حرفًا..ومع هذا أخبره بكلمات مقتضبة ألا بقلق وأنه يخاف عليها أكثر مما يتصور ولن يؤذيها..! 



+




_ أتصل بيها دلوقت ياعاصم؟



+




افاق من شروده على سؤال زوجته فتمتم:  ماينفعش يادره الوقت لسه بدري هيكونوا نايمين مايصحش! 



+




ثم اقترب منها وضمها إليه هامسا:  متخافيش أنا مطمن عليها ومتأكد أنها بخير.. ظافر راجل بجد وعارف قد ايه بيحبها.. انتي بس ادعيلها بصلاح الحال هي وجوزها..! 



+




همست بسكينة وهي علي صدره:  ربنا يسعدهم ويبعد عنهم كل شر



+




أراد أن يشاكسها ليشتت عقلها عن قلقه، فرفع بأنامله وجهها وقال:  فاكره ليلة دخلتنا الشرسة يادرتي! 



+





        


          



                


مر طيف عراكها معه سريعا فضحكت وهي تقول بخجل حقيقي:  مش هتنسى ابدا زلتي دي


ضحك بالمثل وقال:  بالعكس، انتي وقتها عحبتيني اكتر وانتي واخدالي وضع القتال وبتقوليلي، ثم قلد صوتها ( لو قربت مني هطيرك من الشباك)



+




صدحت ضحكة جديدة وقد نست تماما حزنها منذ قليل وهي تقول:  بس مش صالحتك بعدها لما لقيتك قاعد غلبان وزعلان ومش راضي تاكل وتقولي ذنبي في رقبتك هنام جعان! 



1




برقت عيناه بحب أثقلته عشرتهما قوة: وبعدها قضينا احلي ليلة في عمرنا يا دره! 


ربتت علي صدره: لأنك كنت حنين ياعاصم وراعيت خوفي.. ثم عاد لعقلها قلقه الأول:  تفتكر ظافر هيكون كده مع بنتنا؟


همس بصدق:  وأحسن.. انا واثق في الولد ده انه مش هيخيب ظني فيه ابدا.. وتعالي بقي ننام حتي ساعة ولما نصحى نكلمها


_ ماشي هحاول! 


_____________________________



+




تداعب أنفه وهو يلوح بيده كأنه يطرد عن وجهه ذبابة، فكتمت. ضحكتها وهي تعاود مشاكسته فغمغم بصوت ناعس:  بس يابلقيس سيبيني انام! 



+




هتفت برقة: كفاية كده الضهر قرب يآذن وانا جعانة أوي..! 


جذبها ودس رأسها بصدره وحاوطها بذراعيه وربت عليها كأنه يهدهد طفلة: طب نامي كمان شوية وبعدين نصحي نفطر..! 



+




رفعت رأسها من علي صدره بينما ظلت محتجزة بين ذراعيه:  ياحبيبي الفطار ده حجة، بصراحة عايزة اكلم. بابا وماما انا وانت لأنهم هيتكسفوا يتصلوا غير لما يطمنوا اننا صاحيين..ومتأكده ان عيونهم ماداقيتش النوم من القلق! 



+




تلاشى نعاسه مع حديثها وقال:  بس أنا كلمت والدك امبارح وطمنته انه مايقلقش عليكي! 


_ مهما قلت هيقلق هو وماما.. قوم خد حمام وفوق وتعالي نكلمهم ونكلم كمان طنط هدى وايلي ونصبح عليهم! 


مط جسده بكسل وتسائل:  طب هو الساعة كام بالظبط


اجابت بتلقائية:  الساعة تسعة


رمقها بغيظ:  وتقوليلي الضهر قرب ياكدابة؟؟؟


جلحلت ضحكتها مع نظرتها الشقية بابتسم وعانقها مع قبلة حانية هامسا:  ادلعي وخدي راحتك كده في الاول، بس بعد كده يا قلبي في نظام وقوانين تانية لازم تمشي عليها


_ اهلا بقوانين حبيب قلبي..كل حاجة تريحك هعملها.. انا بس حسيت بشعور ماما وبابا وزعلانة عشانهم! ثم رمقته بنظرة محبة:  بس لو يعرفوا حبيبي حنين وبيحبني وبيخاف عليا ازاي عمرهم مايخافوا عليا..! 



+




اشتد عناقه أكثر وهمس لها: يعني ماخوفتيش مني امبارح ولا اتأذيتي ياحبيبتي! 


قبلت خده مع قولها وعيناها تبرق: لا ياحبيبي اطمن أنت عمرك ما تأذيني ابدا.. وصدقت امي لما قالتلي الليلة دي انطباعها عند الزوجة بيفرق وبيبان ان كان الزوج ده حنين وبيحب مراته ولا اناني.. وانت اثبت انك بتحبني، وانا بحبك اوي واوعدك أخليك سعيد ومبسوط طول العمر يا ظافر..! 



+




غمرت نفسه السعادة والراحة بعد قولها، وازدادت في قلبه غلاوة وثارت لهفته التي على مايبدو لن تهدأ، فغيبها في موجة جديدة من عاطفته لتتلاحم معه بلقاء صاخب حاني ثم نهضا بعد وقت قصير ليستعدا لمكالمة والديهما..!


_____________________________



+





        


          



                


رنين متواصل بتر نومهم العزيز الذي أتى بصعوبة، ليتململ عاصم وهو يفرك عيناه.. ومن ثَم التقط هاتفه الذي انتفض حين تبين المتصل: 



+




_ دره.. دره اصحي.. بلقيس بتتصل! 



+




هبت من رقدتها بمجرد سماع اسمها وخطفت الهاتف من يد زوجها مجيبة بلهفة واضحة: 


نور عيني صباح الخير..وحشتيني اوي طمنيني عليكي.. انتي بخير.. مبسوطة.. في حاجة ضايقتك ..نمتي كويس ولا معرفتيش تنامي! 



+




قاطعتها لبلقيس وهي تهتف بذات الحنان:  براحة يامامتي هجاوب على ايه ولا ايه بس.. وواضح من صوتك انك لسه صاحية.. بصي انا هقفل وانتي وبابا فوقوا وكلموني فيديو عشان تطمنوا عليا بنفسكم! 


………… ..



+




تطالع وجهها المضيء عبر شاشة الهاتف ومن نظرتها الخبيرة ولمعة عينيها أدركت كل شيء.. صغيرتها حظت بزوج صالح حنون عرف كيف يحتويها ويدللها كما ترى الآن وهو يضمها إليه ويقول لهما بمزاح:  


طب انا عايز اشتيكي من بنتكم وانتم احكموا بنا.. ينفع تصحيني الساعة تسعة وتقولي الضهر قرب يآذن؟ 


ضحك عاصم:  أمها عملت معايا كده، أنا كنت بحب انام كتير وهي ممكن تنام ساعتين يخلوها تطبق يوم بليلة! 


أجابت بلقيس بمرح وهي تلكز كتف زوجها:  شوفت بقى، أنا طالعة لمامتي.. اعترض بقي وزعل حماتك يوم صباحيتنا


مازحها: لأ أزعل حماتي ايه وانا مستغني عن عمري! 



+




ضحكت لهما وقالت:  أولا قولي ياماما بلاش حماتي دي عشان بحس اني زي ماري منيب أو ميمي شكيب وانا غلبانة واسأل عمك عاصم! 


ثم حدجته بنظرة دافئة:  وثانيا أنا اللي مقدرش ازعلك يا ظافر، ربنا يعلم اني بعتبرك ابني مش جوز بنتي وغلاوتك هتكون من غلاوتها وزي مابدعيلها هدعيلك ياحبيبي.!



+




لمس صدقها فحمد الله داخله ان والدة زوجته بتلك الطيبة وستكون گ أم ثانية يكسب دعواتها ويعد ذاته قبلها أن لن يفعل ما يفقده دعواتها تلك..!


بعد قليل تركهما يتابعان المكالمة بخصوصية وغادر بحجة وهمية.. كما تعلل عاصم انه سيجري مكالمة هامة في الحديقة تاركا المجال لدره وبلقيس! 


……………… 



+




جالت على وجهها بحنان وهي تهتف: 


طمنيني عليكي ياحبيبتي.. جوزك كان كويس معاكي ولا أذاكي؟



+




لمعت عيناها وابتسمت ونبرتها تقطر سعادة: 


بالعكس يا ماما.. أنا اكتشفت ان ظافر حنين اوي وبيحبني وبيخاف عليا، الطريقة اللي عاملني بيها امبارح خلتني اطمن ان ربنا رزقني بزوج صالح زي ما ربنا رزقك ببابا.. واستطردت وبريق عيناها يزداد: 


فاكرة  لما كنت بقولك نفسي اتجوز واحد في حنية بابا؟ أهو ربنا استجاب وعوضني.. عشان كده مش عايزاكي تقلقي عليا ابدا وانا معاه..!



+




وصف ابنتها لتعامل ظافر اثلج صدرها، فزفرت براحة ثم قالت بهدوء:  الحمد لله ياحبيبتي ان ده نصيبك، وربنا يديم عليكم السعادة وراحة البال! 


واستأنفت:  في كلمتين قصدت اقولهم ليكي متأخر بعد ما تكوني خلاص دخلتي العالم المقدس ده وهتستوعبي كلامي.. علاقتك بزوجك يابنتي في ايدك  تخليها حلوة وهادية وممتعة طول الوقت.. وفي ايدك بردو تخليها مملة وكئيبة.. وأول حاجة تخلي علاقتكم قوية انك تفهمي امتي عايزك تكلميه، وامتى محتاج مساحة صمت مع نفسه، احترمي خصوصياته لأنها من حقه زي ما انتي لازم هيكون عندك شيء خاص تحتفظي به.. ماتحاسبيهوش على حاجة فاتت لأن حياتكم بزكدأت من لحظة اتقفل عليكم باب واحد وبقي هو أمانك وسندك وسترك اللي لو اتعريتي هتستخبي وراه هو مش حد تاني! 



+





        


          



                


واستطردت نصائحها الثمينة لابنتها: 



+




الذكاء إنك تعرفي هو محتاج منك ايه.. عايزك مراته اللي تشبع رغباته بالحلال؟ ولا أمه اللي تطبطب عليه وقت الضيق؟ ولا صديقته اللي تفهمه ويحكي ليها مشاكله وتساعده في حلها لو قدرت؟ ولا عايزك بنته المطيعة اللي هيكافئها بحنانه ودلاله؟ كل اما هتقدري تفهمي طبيعة نفسيته هتكسبيه وتريحيه معاكي وتكون حياتكم مستقرة! واهم نصيحة لازم تعرفيها إن أي راجل بيحب الاهتمام من مراته ويكره جدا انها تستهين وتسخر من مشاعره أوتقلل من اهتماماته اللي بيحبها.. بيحب تشاركه كل حاجة بنفس الشغف، لو لقتيه بيتكلم في موضوع مش من ضمن اهتماماتك مثلا أوعي تبيني انك نافرة او مش مهتمة، بالعكس اظهري حماسك معاه في اي شيء مندمج فيه..  ماتش كوره، وصفة جديدة  ..موضوع سياسي واخد تفكيره.. نوع فيلم بيفضله عن غيره، خليكي دايما ماشية معاه على نفس الخط.. خليه يلاقي فيكي كل حاجة بدون ماينقصه شيء معاكي! 


وصمتت لحظة ثم استأنفت نصيحتها الأخيرة:  وأخر حاجة يابلقيس عايزاكي تعرفيها.. ان جمال الست مهم لكن مش الاساس.. حنانها واحتوائها لزوجها هو الاساس.. لو أهملتيه مش هيشفعلك عنده جمالك بالعكس يمكن وقتها يشوفك وحشة.. واقل واحدة جمالًا منك هيميل ليها لو لقى عندها الحنان والاحتواء اللي افتقده معاكي.. خليكي جميلة من جوة زي من برة..فهمتي كلامي يا نور عيني؟



+




أومأت لها دون أن تنطق كلمة متأثرة بحديث والدتها وكم بدت لها عظيمة.. ليس گ أم فقط.. بل زوجة.. الآن علمت لما يحبها والدها بعد هذا العمر بينهما.. أدركت ماذا منحت والدها لتحافظ على حبه.. وهي ستحذو حذوها.. ستكون زوجة لحبيبها ظافر كما يستحق وكما يحب أن تكون! 



1




انتهت المكالمة وتركتها لتستعد لزوجها ودعت لها بالهناء وراحة البال والسكينة! 


______________________



+




_صباح الخير ياعطر، خططك ايه انهاردة؟


_ يزيد هيعدي عليا ونخرج، وانتي؟


_ أنا معزومة عند مامة خطيبي، وهيعدي عليا بعد شوية ! 


_ يعني مش هنتقابل اليوم كله، خلاص بكرة هشوفك، ونرتب سوا هنحضر فرح أمونة بايه! 


جوري: أنا عاملة حسابي وجبت معايا طقم تاني بس عايز حجاب مناسب، وانتي لو عايزة حاجة نشتريها سوا بكرة! 



+




_ تمام،طب انتي هتفضلي عند عمو عاصم كتير؟



+




_ ايوة لحد فرح امونة ونرجع المنصورة سوا. اصل طنط دره زعلانة وماما قالتلي اخليني معاها واهون عليها غياب بلقيس! 


_ فكرتني بماما اللي من دلوقت بتقولي هتتحمل غيابي ازاي لما اتجوز في القاهرة


_ نفس الحال.. بس اكيد هيتعودوا زي ما احنا هنتعود! 


_ عندك حق. طب روحي بقى اجهزي عشان عامر وانا كمان هستعد قبل ما يزيد يجي ياخدني من عند جدو.. سلام يا زئردة.


_ سلام يا قردة.


__________________



+




استقبلتها عائلة عامر بحفاوة كبيرة وللمرة الأولى تتعرف بجدية علي والدته الحنونة ووالده خفيف الظل. الآن علمت ممن ورث عامر قدرته علي المزاح..لكن شقيقه الأخر ورث ملامح أبيه أكثر مع بعض الجدية.. أما شقيقته قصة أخري، كم اندمجت معها كأنهما أصدقاء منذ زمن.. انطباعها الأول عن عائلة زوجها كان رائع واجمل مما تصورته! 


…………


_ ماما وبابا والكل مبسوطين بيكي اوي يا جوجو..! 


_ أنا اللي فرحانة وسطيكم ياعامر، تعرف كنت متوترة شوية قبل ما اجي، بس دلوقت حاسة اني في بيتي


تمتم بحنان:  ماهو بيتك بردو..ثم غمزها بخبث: ماتيجي افرجك على أودتي! 


كتمت ضحكتها مدركة أفكاره الوقحة:  اتلم ياعامر! 



+





        


          



                


_ هو انا قلت حاجة غلط، تعالي يابنتي شوفي الغرفة اللي ترعرع فيها حبيبك! 


_ لأ مش عايزة اعرف ترعرعت فين، خليها بعدين


_ على فكرة انتي سيئة الظن جدا


تخصرت گ عادتها:  عاجبك ولا مش عاجبك؟ 



+




رمق وقفتها بإعجاب هامسا:  عاجبني يا باشا



+




_ أنتي حلوة أوي يا طنط..! 



+




ضحكت وهي تتلقف ذاك الكائن الصغير ابن شقيقته وقبلته هاتفة: انت اللي عيونك حلوة يا حبيب طنط..! واستطردت:  أنت فاكرني؟


هز رأسه:  أيوة انتي اللي خالو بعتني ليها مرة عشان اديكي حاجة.. أنا فاكرك! 



+




ثم نظر الصغير لعامر هاتفا بعفوية: طنط دي أحلى من عروستك التانية ياخالو..!



+




تسمرت عين جوري على الصغير بصدمة حقيقية! 


هل كان في حياة عامر فتاة غيرها؟


ألم يخبرها أنها حبه الأول ولم يرتبط قط قبلها؟


أكان كاذبًا؟؟؟ والأهم من هذا..!


هل يستهين بعادة الكذب لتلك الدرجة؟


وهي عادة تُمقتها كل المقت! 


فالكاذب لا يؤتمن..ولا تستقيم معه حياة! 



+




التفتت إليه لتجده ملجم لا ينطق، ينظر للصغير بدهشة ولا تتعجب إن عاقبه بعد رحيلها..! 


وعليها أن ترحل الآن.. وحالًا!



+




_ جوري أنا…



+




قاطعت دفاعه المزعوم: أنا عايزة امشي يا عامر..!



+




هتف مستنكرًا:  تمشي؟ بس… 


قاطعته ثانيًا بحدة أكبر:  مافيش بس همشي حالا وماتحاولش تمنعني ولا تتكلم معايا دلوقت! 



+




نظر لها بحزن وضيق خاصتًا وقد ارتفعت نبرة صوتها وكادت تلفت نظر عائلته، فأشار لها أن تتقدمه هاتفا باقتضاب: اتفضلي هوصلك! 


وصمت لحظة يحدجها بخيبة أمل مستطردا: 


ومن غير ما ازعجك بكلمة! 


________________



+




صمت كئيب يسودهما وعامر يقود بوجهٍ عابس تراه عليه للمرة الأولي..أهو الغاضب؟ أليس الغضب من حقها هي بعد أن اكتشف كذبه انه ارتبط قبلها؟ لما ببساطة لم يخبرها؟ معنى اخفاءه الأمر ان الفتاة كانت تمثل له شيئا هام واعمق من مجرد خطبة..نغزت قلبها الغيرة لافتراضها ان اخري استحوذت على تفكيره قبلها. فالتفت إليه وصاحت بحدة: 


يعني حتى مش مكلف خاطرك توضحلي حقيقة اللي سمعته وليه خبيت عني وكمان عامل انك زعلان؟؟؟



+




رمقها بطرف عينه بنظرة جامدة وواصل قيادته مطبق شفتيه حتى وصل امام فيلا العم عاصم، ليتفاجأ بالأخير مقدمًا عليهم بسيارته هو الأخر، فهبط يستقبله وتبعته جوري! 



+




_ ايه المفاجأة الحلوة دي ياعامر.. يلا اتفضل معانا نسهر شوية مادام اتقابلنا هنا..! 



+




_ معلش ياعمي مش هقدر، بكره في ضغط شغل كبير في المطعم وأوردارات هشرف على تسليمها، انت عارف انا مسؤل لوحدي عن كل حاجة في غياب ظافر..! قلت هوصل جوري وارجع انام علي طول! 



+




ربت علي كتفه:  الله يعينك ياحبيبي، خلاص مش هقدر اقولك حاجة! صمت وشملهما بنظرة سريعة مدركا أن هناك أمرًا ما حدث بينهما، فأشار لجوري:  طب ادخلي انتي ياحبيبتي، وانا هحصلك! 



+





        


          



                


فعلت بعد أن رمقت عامر بنظرة سريعة لائمة واختفت دون ان تودعه بتحية لائقة، بينما تجنب هو الأخر النظر إليها..! 



+




عاصم: هو الموضوع كبير اوي كده؟


_ موضوع ايه ياعمي؟


_ موضوع زعلك انت وخطيبتك، انتم مش شايفين وشكم عامل ازاي، بصراحة يسد النفس! 


نكس عامر رأسه صامتًا، فغمغم عاصم برفق:  بصرف النظر عن سبب زعلكم، ماتقساش على جوري لأنها صغيرة ومش عندها لسه خبرة.. واحدة واحدة هتفهمك وتفهمها.. ونصيحة ما تطولش في زعلك معاها عشان الشيطان مايدخلش بينكم اكتر.. فاهمني يا عامر؟



+




أومأ له بتهذيب: حاضر، ربنا يسهل ياعمي..طيب استأذن انا ، مش عايز حاجة؟ 


_ عايز سلامتك.. ربنا يصلح ما بينكم! 



+




استدار ليرحل وقبل أن يستقل مقعد سيارته رفع وجهه بعفوية تجاه نافذتها البعيدة، فلمحها تقف خلفها تنظر له..طول المسافة لم تسمح لبصره بتبين تعبير وجهها، لكنه شعر انها تبكي.. فألمت قلبه غصة لكنه نفض تعاطفه وانتصر لغضبه وابتعد سريعا.. إن كانت غاضبة.. هو يكاد يشيط من فعلتها وتقليل احترامه حين "علت" نبرة صوتها عليه ولن يتهاون تلك المرة!


_______________



+




سمعت طرقًا علي الباب فصاحت:  اتفضلي ياطنط!


دره بعد دخولها:  ايه ياجوجو مش عوايدك تفضلي في أودتك كتير، عمك نام تعالي نتفرح انا وانتي على حاجة ونرغي شوية! 


_ معلش ياطنط عايزة انام بدري انهاردة! 



+




_ طب قومي بطلي ندالة، هتسيبيني اسهر لوحدي؟


_ أصلي مصدعة! 


رمقتها بإمعان وقالت: طب بردو قومي احكيلي ايه مزعلك، عمك. قالي شكلك انتي وعامر كان مش مظبوط! 


أطرقت برأسها لتتماسك، فخانتها دمعة سقطت على وجنتها، فضمتها دره هاتفة بحنان: اهدي بس وماتزعليش، وبعدين وارد يحصل شد وجذب بينكم، انتم لسه في البداية، ياما هتختلفوا وترتكبوا حماقات لحد ما كل واحد يفهم طبع التاني! 


واستأنفت: يلا البسي روبك وتعالي نشم هوا في الجنينة واحكيلي حصل ايه! 


_________________



+




دره بعد أن استمعت إليها: انتي غلطانة يا جوري! 



+




أشارت بكفها لصدرها بدهشة:  أنا ياطنط؟؟ بقول لحضرتك كدب عليا انه كان في واحدة تانية.. ولما صممت امشي ووصلني فضل ساكت وماحاولش يكلمني ويوضحلي حاجة گأنه مش مهتم! 



+




_ طب وانتي منين أتأكدتي ان كان في غيرك؟ من كلام طفل ممكن يكون مش فاهم حقيقة اللي قاله ؟ وبعدين عامر سكت لأنك دخلتي فيه شمال وطلبتي تمشي بعصبية من غير ما تديله فرصته يفهمك! 



+




_ أمال اعمل بعد ما الولد قال كده..؟


_ كنتي ببساطة تتبيني منه وتسأليه وبعد رده تحكمي وتاخدي موقفك حسب رده.. لكن انتي اتسرعتي وزعلتيه منك لما عليتي صوتك وده غلط كبير، لو مامته ولا ابوه سمعوا كانوا اهدوا منك موقف وحش وانطباع سيء.. ليه تفقدي عقلك كده؟ اهو الموقف كله اتقلب عليكي وبقي هو اللي زعلان منك وله حق عندك! 



+





        


          



                


صمتت مدركة صواب ما تقول العمة دره وشعرت بالحزن وتدفقت العبرات لعينيها، فتمتمت الأخرى: 


ياحبيبتي انا مش بقولك كده عشان تعيطي.. انا بس عايزاكي تفهمي وتتعلمي من اخطائك! 



+




دافعت عن نفسها:  بس عامر كذب قبل كده يا طنط، منا حكيتلك حكايتنا بدأت ازاي..وده سبب اني ظنيت فيه بسرعة واتجننت! 



+




_ بس دي كدبة الموقف نفسه فرضها عليه، ولأنه انجذبلك خاف يصارحك فيفقدك..لكن ده مش معناه انك ضمنيا تعتبريه شخص كذاب.. الولد بيحبك وماشي معاكي دوغري من بعد الموقف ده وبينفذ كل طلباتك، تنكري انه غير الشقة اللي كان واخدها ووافق يسكنك جمب يزيد عشان يسعدك؟ كان ممكن رفض وقال انا عندي شقة ومسستم نفسي عليها..لكن هو كان ذوق! 



+




واستطردت: وخديها مني نصيحة يا جوجو..الشخص المرح اللي يهزر كتير مش معناه انه بيتساهل في حقه زيادة، بالعكس زعله بيكون وحش..لكن انتي بذكائك تقدري ماتخليش النكد يعتب ناحيتكم وتحافظي على حبه! 



+




_ ازاي ياطنط؟


_ بالحنية والنعومة..دول سلاح فتاك مع اي راجل مهما اختلفت طبيعته..بادري وكلميه صدقيني هتفرق معاه جدا لأنه هيحس انه مش هاين عليكي، وساعتها مهما كان زعله هيروق بكلمتين منك! 



+




_ بس انا كنت ناوية افضل مخصماه! 


_ لما يكون هو الغلطان ماشي ادلعي عليه، لكن المرة دي انتي غلطتي.. كفاية انك عليتي صوتك عليه وكمان ف بيت اهله.. لازم تعترفي بغلطك يا جوري، ده مش عيب على فكرة! 



+




أومأت لها بعد أن هدأت:  حاضر يا طنط..وربنا مايحرمني منك ابدا


قد يعجبك ايضا


منذ بضع شهور


رواية الوشم السائر الفصل الثاني عشر 12 بقلم اسماعيل موسي...


منذ بضع شهور


رواية الوشم السائر الفصل الثالث عشر 13 بقلم اسماعيل موسي...


منذ بضع شهور


رواية الوشم السائر الفصل الرابع عشر 14 بقلم اسماعيل موسي...


_ ولا منك ياجوجو.. يلا بقي فرفشي وتعالي نشوف فيلم ولا حاجة لحد ما ننام! 


____________________



+




ماذا تقول له؟ 



+




ظلت تطالع هاتفها بحيرة ثم وجدت نفسها ترسل له ( عامر، أنت كان في واحدة في حياتك قبلي؟ ليه معرفتنيش؟ وليه ماحاولتش توضحلي؟)



+




وتبعت رسالتا بملصق حزين لتستدر تعطفه منتظرة  جوابه، وبغتة انتبهت جميع حواسها حين تلون مؤشر مشاهدة رسالتها على الواتس بالأزرق، توقعت أن يرسل لها شيئا، بل خمنت اتصاله مباشرا.. لكن الدقيقة تحولت لعشر أمثالها وهي تنتظر لكن لم يكتب حرفًا، رآي رسالتها وتجاهل أن يمنحها ردًا ولو ملصق تحفظ به ماء وجهها وشعورها بالإحراج لعدم رده..لم تعهده بتلك القسوة! 


يأست أن يجيب، فتركت هاتفها واستلقت على جانبها تخدع ذاتها بالنوم واللامبالاة.. لكنها تحترق حزنًا..لو منحها فرصة ورد عليها لأمطرته باعتذار واستعادت رضاه، لكن يبدو انه لن يُعدل عن عقابها! 


__________________



+




رآى رسالتها لكنه مازال يغلي غضبًا، الأفضل أن يهدأ، فإن حدثها الآن لن يكون خيرا.. ويعلم الله ان ليس بالهين عليه تجاهلها والقسوة عليها بهذا الشكل وهو يذوب فيها حبًا لدرجة لم تختبرها بعد، لكنها اخطأت خطأ عظيم عنده، صوتها العالي حين صاحت لتغادر البيت دون أن يوضح لها، وخوفه من سماع والدته وهي تصيح عليه كانت ستكون كارثة، فإن غفر لها هو، لن تكن لتغفر والدته فعلتها وتتعكر علاقتهما وهي في مهدها، حتى شقيقته ربما أخذت عنها فكرة سيئة، لما لم تتعقل وتسأله بهدوء ثم تبني رد فعلها بعد سماعه، أخبرها انه لم يخوض تجربة الخطبة قبلها، لم يعشق قبلها.. لكنها كذبته ولا تثق به وكم هذا مؤسف، سوء ظنها وتسرعها وعيناها ترشقه باتهام صريح لا دليل عليه لديها حقًا مؤسف، اعتمدت ثرثرة طفل لا يفهم شيء وضخمت الأمر واستأسدت عليه بغضبها..مهما كان يعشقها لن يرضى معها بتهاون..إن تنازل اليوم.. سيتنازل بقية العمر وهذا يُعرض حياتهما لخطر حقيقي مستقبلًا.. هو رجلٌ له طباعه التي يجب عليها احترامها، يمزح نعم.. لكن لا يقبل أهانة أو تجاوز أو اتهام ظالم..! 


______________



+





        


          



                


استقبلته والدته هو وعروسه استقبال حار بين أحضانها، بينما وثبت إيلاف درجات السُلم وتكاد تطير عليه ما أن علمت أن شقيقها أتي هو وزوجته، فتلقفها بقوة محاولا التوازن وهو يمازحها:  هتوقعيني يامجنونة.. ثم ضمها بحنان:  وحشتيني يا ايلي..!


ردت بحفاوة: أنت أكتر يا آبيه والله، مفتقداك اوي اوي! 


حمحمت بلقيس بمزاح:  ياعيني علينا اللي محد عبرنا وقالنا سلام! 



+




ضحكت هدى، وتحررت إيلاف من حضن شقيقها وعانقتها بنفس القوة هاتفة بصدق:  ده انتي حبيبتي يا "بلي" ووحشتيني جدا والله، بس معلش انا اصلي متعودتش ابيه يبعد عننا خالص! 


ربتت علي ظهرها: ربنا مايحرمكم من بعض حبيبتي! 


ابتعدت إيلاف وراحت تدير جسد بلقيس مع صفير اعجاب:  بس تعالي هنا وقوليلي.. هو الجواز بيحلي كده يا بلي، الله أكبر يعني ونمسك الخشب.



+




ظافر بتوبيخ زائف:  بس يابنت هتحسدي عروستي! 



+




_ شايفة يا مامتي، من دلوقتي هيقول عروستي..!


ابتسمت هدى والفرحة لا تساعها وهي ترى السعادة تتقافز من عين وحيدها وقالت وعيناها تُنذر برقرقة;  ربنا يسعدك يا ابني انت ومراتك ويرزقكم الذرية الصالحة وتملوا البيت علينا ولاد وبنات! 



+




بلقيس وزوجها:  اللهم امين.. في حياتك يا امي


ايلاف:  ايوة عشان انا اكون عمتو واخد البيبي معايا في كل مكان! 



+




هدى:  طب بلاش رغي بقي وخلي اخوكي ياخد مراته لجناحهم يرتاحوا على ما نجهز غدا يليق بيهم، يكونوا أهل بلقيس وصلوا عشان يباركوا ويسلموا قبل رجوعهم المنصورة..! 



+




صعد بزوجته لجناحهما الخاص الذي تراه بلقيس للمرة الأولى بعد تمام فرشه وتنظيمه! 


وقبل أن تخطوا صاح مازحًا: ادخلي برجلك اليمين يا شابة! 


ضحكت له ومدت قدمها اليمني التي ما ان لمست الأرض حتى تراقصت أضواء الغرفة بشكل متتابع كأنها ترحب بها وتحي حضورها وصوت موسيقي ينبعث من مكان ما يناسب تراقص الاضواء.. ضحكت بدهشة وسعادة طفولية وهو جوارها يتأمل بحب رد فعلها وفرحتها بما فعل، ابتعدت لتنطفيء الأضواء وينقطع صوت الموسيقى فتعجبت مغمغمة:  ايه ده النور والموسيقى راحوا فين؟ 


_ اممم فعلا راحوا فين، طب ما تجربي تاني تدخلي برجلك اليمين كده؟


فعلت وتلك المرة تنظر بتركيز أسفل قدمها وتلك الدواسة الناعمة تتوسط عتبة الغرفة، وما ان لمست الأرض بنفس الموضع حتى انبعثت الأضواء المتراقصة مع الموسيقى مرة اخرى، لتضحك بصوت أعلى وهي تهلل:  الله يا ظافر حلوة الحركة دي اوي، انا حاسة اني زي الطفلة اللي بتلعب! 



+




ألصق ظهرها بصدره محتضنا اياها بحنان هاتفا:  منا قلت اعمل الفكرة دي عشان تبسطك وتمحي اي توتر جواكي في اول يوم لينا هنا..!



+




استدارت له ولا تعرف ماذا تقول..وهو يراعي نفسيتها گ عروس لهذا الحد.. راعى غربتها وأراد تبديدها بتلك الفكرة التي أسعدتها بالفعل، شبت على قدميها قليلا وقبلت خده قبلة طويلة بثته فيها حبها وامتنانها، فابعدها مشاكسًا: طب هو هيجرى حاجة لو البوسة الطويلة دي كانت هنا، وأشار بعينيه لشفتيه مقرنًا قوله بالفعل وهو يقتنص منها قبلة دافئة حانية ثم ابتعد عنها هامسا:  أهم حاجة عندي انك تكوني مبسوطة ومافيش حاجة تضايقك ابدا..! 


منحته نظرة تساوي ألف عناق والكلمات أحيانا لا تليق به ردا، فأكفته النظرة وأكثر وضمها إليه ولفحهما الصمت برهة، ثم ابتعدت تقول:  بس كده لازم افضل دايسة برجلي على الدواسة عشان النور يفضل موجود؟ 


_ لا طبعا ياحبيبتي، وضغط على ذر جانبي ثم أخر قائلا: مهندس الكهربة عمل حساب ده، في مفتاح يفصل تماما الكهربة اللي في الأرض واللي معمولة بشكل آمن طبعا، وفي مفتاح تاني بيتحكم بإضاءة عادية للغرفة..  واستعرض أمامها قصده فأومأت بتفهم:  ممتاز، شغل جميل واحترافي وفكرة جديدة! 


_ طبعا انا جبت اللي عملي تأسيس كهربة الكافيه والمطعم.. والحمد لله دايما يرفع راسي بشغله! 



+





        


          



                


واستطرد وهو يتبعها للداخل:  خلينا بقى نغير هدومنا ونرتاح شوية قبل وصول اهلك! 


_ اه يا ظافر دول وحشوني اوي، وفرحانة ان كلهم جايين عندنا..روح انت خد حمامك وانا هحضرلك غيار..! 


شاكسها بهمسة ماكرة: طب ماناخده سوا ونوفر الوقت! 


ازاحته عنها بقوة:  بلاش وقاحة ودلع يا ظاظا، ادخل خد حمامك عشان ادخل بعدك وتنام شوية. لأني هنزل لايلي وطنط اشوف بيعملوا ايه! 



+




_ ماشي يا قاسية! 


____________________



+




حضر الجميع محملًا بالهدايا متمتما بالمباركات لبلقيس وزوجها وطغى على الأجواء فرحة كبيرة والعناقات تتبادل والثرثرة المضحكة من عابد ويزيد لظافر، بينما غاب عن ذاك التجمع جوري التي تعللت بصداع وانها ستعوض الزيارة لبلقيس بوقت أخر، وعامر الذى فضل ألا يحضر بينهم گ عائلة مكتفيا بمهاتفته صديقه وزوجته! 


………… .



+




زمزم بلهفة بعد أن اختلت ببلقيس: أدينا بقينا لوحدنا اهو. يلا احكيلي عملتوا ايه ليلة الدخلة، مشتاقة للتفاصيل وخدي راحتك انا ليا سابقة جواز قبلك.



+




ضحكت لها وقالت:  مش هتصدقي عملنا ايه! 


_ لأ هصدق، قولي بس! 


صمتت بلقيس برهة لتلعب بأعصابها ثم هتفت: 



+




_ لعبنا استغماية! 



+




_ نعم ياختي؟؟؟ استغماية؟ ليلة الدخلة؟؟؟؟



+




أومأت بلقيس بتأكيد:  أه والله! 



+




هزت زمزم رأسها بأسف وهي تنظر لظافر من بعيد مغمغمة:  مسكين يا شيف، حظك طلع في الأخر " كيلو بامية" ياعيني! 



+




جلجلت ضحكة بلقيس لتعليق زمزم فهتفت الأخيرة بحنق:  ماتبطلي خباثة وتحكيلي يا رخمة!  


تلاعبت بلقيس بحاجبيها لتغيظها: 


_ لأ.. مامتي قالتلي خصوصياتك انتي وجوزك ماتطلعش برة! 


_ كده؟ ماشي.. خليكي فاكراها، ولما اتجوز هعاملك بنفس الطريقة ومش هحكيلك حاجة! 


_ ومين هيسألك أصلا؟؟؟


ازاحتها زمزم بحنق: طب وسعي بقي اشوف ابني مادام الوقت ضاع معاكي على الفاضي يا سوسة! 


ضحكت ثانيا ثم سألت قبل ان تغادرها زمزم:  زوما اوعي تطلعي ندلة وتتجوزي من غيري هزعل لو مش حضرت فرحك! 


رمقتها بنظرة ممتعضة:  ليكي عين تتكلمي، عموما هستناكي يا سوسة! 


وتركتها وضحكات بلقيس تلاحقها وعين دره تترصد فرحة ابنتها وتُطرب بضحكتها وقلبها يدعوا لها بدوام السعادة مع زوجها! 


____________________



+




توجهت كل عائلة بسيارتها عودةً للمنصورة، وصاحبت زمزم ومهند عابد الذي غمغم بمزاح:  الحمد لله دلوقت اطمنا على بلقيس واحمد هيحصله بعد كام يوم، ومش فاضل غيرنا انا وانتي يا زوما.. ايه رأيك نخلي فرحنا الأسبوع الجاي؟ خلاص جناحنها بقي جاهز وحتى الفستان والبدلة اشتريناهم..وحفلة زفافنا اتفقنا انها هتكون عائلية مش مستاهلة حتي تحضيرات كتير، هنستنى ايه تاني؟ 



+




_  بس بلقيس مش هتكون موجودة، وانا عايزاها تكون معايا في فرحي وهزعل لو عملته وهي مش هنا


_بس دي لسه هتغيب شهر العسل كله، ياستي ممكن نعمل معاها بث كامل للفرح وتبقوا شايفين بعض! 


ثم واصل بطرح فكرة أخرى: وممكن اعمل معاكي احلى واجب، نتجوز الاسبوع الجاي زي ما قلت، وبعدين نطير نحصل بلقيس وطافر ونقضي شهر العسل معاهم، ايه رأيك بقي؟



+





        


          



                


لم تستحسن الفكرة فقالت:  لا مش هينفع يا عابد مش حابة اسافر، احنا هنفضل في بيتنا عادي، ومافيش داعي للاستعجال، ماجتش من شهر كمان نستناه يعني!   



+




أصابه إحباط شديد وشعر داخله بضيق حقيقي لأنها لا تتلهف على تفعيل زواجهما مثله، مكتفية بلحظات مسروقة بينهما رغم أنها صارت حقه وصار لا يكتفي مما يناله منها، هو يريدها زوجته.. يريدها تشاطره كل شيء ولا تبتعد عنه لحظة، لكن يبدو انه لا يمثل لها نفس الاهمية، فقال باقتضاب:  خلاص براحتك يا زمزم وواصل بعد أن لاحت بوابة فيلا أبيها:  انزلي انتي ومهند وانا هعدي على المزرعة اشوف الشغل اخباره ايه!  



+




حزنت لإغضابه فقالت برقة: عايز تمشي وانت زعلان كده؟


_مش زعلان! 


_ لأ زعلان.. وانا مقدرش اتحمل زعلك! 



+




رمقها بنظرة عاتبة ثم قال: انزلي يا زمزم لو سمحت عايز امشي! 



+




ظلت تطالعه بنظرة تستجدي تفهمه، فقابلها بنظرة جامدة، فلم تتحمل أن تتسبب له بهذا الحزن، فعانقته فلم يجد سبيلا سوى ان بادلها عناق متحفظ، فهتفت: خلاص ياحبيبي انا موافقة نتجوز وقت ما تحب، بس ماتزعلش ولا تضايق! 



+




الغريب لم يرضيه قولها او يروي لهفته عناقها..كان سيطير فرحا لو كان رد فعلها الأول قبل أن يغضب، لكنها ما وافقت إلا لترضيه وليس لهفة منها عليه، هو ليس طفلا لتلعب معه هكذا، تارة تتدلل وترفض، وتارة توافق.. ليس هكذا تجري الأمور..! 



+




ابعدها عنه برفق مع جمود قوله: 


_ بعدين يازمزم نبقي نشوق الموضوع ده، أنزلي وخليني امشي دلوقت عشان اشوف اللي ورايا..!



+




وغادر تحت أنظارها التي تابعته بضيق، فعادت للداخل مطرقة الرأس بحزن وصعدت غرفتها تبكي حماقتها


__________________



1




زفر دخان تبغه ببطء وتشكلت سحابة ملتوية گ أنها أفعي سوداء انبثقت من سواد سريرته.. وظللت السخرية شفتيه والقدر يهديه مصادفة عجيبة وهو يشاهد بشاشة تلفازه زميلته الفاتنة المغرورة.. من تجرع على يدها أولى هزائمه.. هزيمة بنكهة موت رفاقه الثلاث..وفقد ذاكرة زعيمهم الرابع" رائد".. هزيمة أجبرته على الفرار خوفا من قضبان محتملة تُكبل حريته خلفها اعوام، ترك وطنه ليتسكع في طرقات بلدة أجنبية أخري.. تزوج.. ظن أن ماضيه الملوث مجرد لهو شباب ومضى لحال سبيله..أحب زوجته ذات العرق الأجنبي، الجميلة، نعم أحبها متذوقًا هذا الشعور للمرة الأولى، حرم على نفسه لمس غيرها.. أخلص لها.. نسى ضلاله القديم.. وظن انه في أمان وفلت من آثامه دون عقاب، وگأن يد الله لن تطوله أينما كان.. وهاهو ينتظر مولودا.. كم الحياة جميلة.. بل رائعة أن تشعر أنك على مشارف الأبوة.. سيُصلح من نفسه أكثر.. لن يشرب المحرمات.. سيقلع عن التدخين.. سيلتزم بعمله الذي حصل عليه بعد استهتار أشهر بين الراقصات والسهرات المشينة ..!



+




نفث أفعى أخرى تشكلت من دخان سيجاره ومازال سابحًا في فضاء ذكراياته القريبة المؤلمة، تذكر ذلك اليوم بعد أن قرر العودة مبكرا ثلاث ساعات كاملة.. بعد تنظيمه سهرة خاصة لزوجته.. أدار مفتاحه ليدخل بيته الهاديء وتعجب أنه مظلم.. لكن ربما زوجته غافية.. فإحدى أعراض حملها الأول كثرة النوم.. سار على أطراف أصابعه حتى لا يقلقها.. ببطء شديد فتح باب غرفة نومه..لتلتقط أذنه همهمة خافتة بكلمات من زوجته يعرفها..كلمات لا تقولها إلا وهما بوضع خاص.. خاص جدا.. وهنا تحديد فوق فراشهما.. أشعل ضوء الغرفة سريعا ليُصعق بخيانتها مع شخص أخر! 



+





        


          



                


يجاورها على فراشه هو..!


بين ذراعيه تسكن زوجته هو..!


يلتحف جسدهما العاري بغطاءه هو..!


يتمتع بحقه هو..!



+




أهكذا تكون الخيانة؟ نصل خفي ينغرز بقلب الروح.. لا ينزف جُرحه دمًا..بل ينزف قهر.. غضب.. جنون جعله يهجم عليه ملتقطا شيئًا من فوق طاولة زينتها.. لا يدري إلا الآن كنهه! ربما زجاجة عطر ثقيلة.. أو مبرد أظافرها الحاد.. لا يدري.. كل ما أدركه أنه ظل يضرب ذاك الرجل في رأسه حتى تفجرت دمائه وسط صرخات زوجته التي هرولت تدثر جسدها بمفرش كبير وأسرعت تسابق الريح بقدميها هربا من مارد جنونه قبل أن يطالها ذات المصير! 



+




كيف أفاق من الصدمة وأدرك جريمة قتله للرجل؟


أين ذهبت زوجته الخائنة؟ والتي علم بفقدان حملها فيما بعد! كيف هرول تاركا منزله باحثًا عن مخبأ يحميه من سجن أخر خلف قضبان گ تلك التي هرب منها بعد أختطاف زميلتهم بلقيس..كل ما يذكره أنه دفع كثير من نقوده ليجد وسيلة هروب من مصيره خاصتا بعد أن نال حكما غيابيا بالسجن أعوام كثيرة لقتل عشيقها..وبمساعدة شخص متمرس بالأفعال الغير قانونية زيف له هوية بعد أن جعله يبدل هيئته الحقيقية بأخري تناسب أسمه الجديد .. سافر إلي سويسرا.. تلك البلدة الآمنة لمن مثله..ترك جريمته خلفه لكن لم يتخلص من حقده على زوجته.. بل كل زوجة وزوج وأسرة مستقرة نالوا ما لم ينالوه هو.. كان متزوج وينتظر مولودا ..كان سيمتلك عائلة.. لكنه فقدها.. وكأن ذنوبه له بالمرصاد..ومثلما استباح أعراض الفتايات سابقا.. عاقبه الله بزوجة تهوى القذارة وتعشق الدنس مثله.. لم تكتفي به رجلًا فبحثت مع غيره عن متعة محرمة.. ذاق من نفس الكأس الذي أذاقه لغيره..!



+




((ومن الجدير بالذكر أن الشيف " ظافر الشباسي" الحاصل مؤخرا على لقب " top chif" تزوج منذ أيام من بلقيس الفتاة التي لُقبت ب " الملكة" لجمالها الملحوظ، وأبنة رجل الأعمال المعروف " عاصم أبو المجد" صاحب أكبر شركة لتصدير الفواكهه والخضراوات الأورجنك في الشرق الاوسط للخارج والداخل أيضًا..ومن مصادرنا الخاصة تبين وجهته القادمة لقضاء  "Honey moon"..هو وزوجته في سويسرا))



1




سحق عُقب سيجارته بالمطفئة ولمعت عيناه بوميض حقد مخيف وهو يطالع بلقيس.. وعيناه تتوعد لها بالكثير.. بل للجميع.. خاصتًا من شاطروه ماضيه القذر.. لن يتركهم ينعمون باستقرار وعائلة دافئة.. هم يستحقون العذاب لأنهم مثله.. مدنسون.. مذنبون! 


_______________________



+




أفزعها رنين هاتفها..ربما يكون شيطانها الرجيم بعث برسالة تهديد جديد.. الحقير يراودها في شرفها.. يريد تدنيسها..كيف تفعلها؟ لم يستبيحها برغبتها سوى رائد..ظنًا أنها ستكسب حبه.. لكن ليتها ما فعلت..ليتها ظلت زميلة الجامعة وابنة الجيران البريئة، ربما حينها ما خافت شيء.. ولا لجأت لعقار يؤخر حالة ذاكرته..!


ياليت..!


كلمة تأتي كل المصائب بعدها..! 



+




صمت الرنين.. لكنه عاد! 


مدت يدها تلك المرة تلتقط الهاتف لتجده زوجها رائد، فتنهدت براحة وأجابت بصوت واهن:  أيوة يا رائد! 


_ مش بتردي ليه قلقتيني عليكي، انتي كويسة؟


ابتسمت رغم كل شيء وهي تنعم بحنانه الحقيقي وهمست بذات الوهن:  ماتقلقش، كنت نايمة، هتيجي امتى؟


_ في معادي المعتاد.. مش عايزة حاجة وانا جاي؟


_ لا شكرا عايزك تيجي بالسلامة! 


__________________



+





        


          



                


نفذ الرنين ولم تجيبها گ العادة، فتركت هاتفها جانبًا يحتل دواخلها الحزن والخوف معًا..!



+




" أنا خايفة عليكي اوي يا ماما بقالك كتير مش عايزة تخفي"



+




طمأنتها كذبًا: متخافيش ياحبيبتي بكره هبقي أحسن! 


_ طب نتصل تاني بأختي رودي يمكن ترد علينا، انا عارفة انك لو كلمتيها وشوفتي رحمة هتكوني مبسوطة وتخفي بسرعة! 



+




تجرعت ألمها لشوقها لحفيدتها التي لم تراها رؤية ملموسة وشيء داخلها يخنقها ويشعرها أن ابنتها ليست بخير وهناك ما يؤرقها.. قلبها لا يكذب.. رودي تعاني من شيء لا تعرفه،  وكلما حاولت الاتصال عليها لا تجيب، قاسية لكن تظل ابنتها وفرحة أمومتها الأولى! 



+




_ بعدين هنكلمها، لما ربنا يريد اننا نتكلم! 



+




لم تفهم الصغيرة سبب هذه العلاقة الغريبة، كل ما تعيه ان والدتها تحب رودي وستتحسن حالتها إن تحدثا.. وهي ستحاول بقدر ما تستطيع تحقيق هذا التواصل بين والدتها وشقيقتها الكبرى.. ستأخذ الرقم وتهاتفها من الخارج وتخبرها أن تأتي سريعا هي ورحمة.. الصغيرة التي بضحكة منها ستمنح والدتها القوة وحب الحياة، خاصتًا وشقيقها الأكبر غائب تلك الفترة لأمور تخص عمله مع زوجته گ أطباء في مرحلة التدريب بداية وهو الأخر لا يحدثهما كثيرا، أما شقيقتها الأوسط التي تزوجت حديثًا ومستقرة في محافظة بعيدة عنهم لا تأتي الا قليلا، ولا تعرف عن مرض والدتها التي تخبئه عنهم.. لكن عقلها الصغير يعي جيدا أن رودي هي سر تعافي والدتها وليس غيرها..وتعاهد نفسها انها ستحاول ان تصل إليها..! 


______________



+




يزيد:  جوجو هتروحي فرح امونة معايا انا وعطر ولا هتروحي مع خطيبك؟



+




خطيبها؟! أين هو؟


لقد أهملها منذ يومان ولم يفكر أن يهاتفها مرة واحدة


بعد أن أرسلت له أخر رسائلها..ألم يتسائل كيف ستذهب حفل الزفاف ومن ستصاحب؟.. أليست زوجته الآن وواجب عليه أن يعلم عنها كل شيء؟



+




_ هييييييييه.. ايه ياجوجو فينك مابترديش ليه، هتروحي الفرح مع مين؟ عمك ومراته سبقونا على أساس انا هاخدك معايا



+




تنهدت مسقطة عنها شرودها الحزين وقالت: هروح معاك يا آبيه، ( وواصلت كذبًا) عامر كان عايز يجي ياخدني بس انا قلتله بلاش لأنه مشغول مع صاحبه، عادي هروح معاك واقابله هناك! 



+




_ ماشي اجهزي وانزلي هتلاقيني منتظر مع عطر..! 


………… 



+




شرعت بهندمة هيئتها وتزينت برتوش قليلة جعلت وجهها فاتن لكن عيناها منطفئة مستدارة بهالة سوداء..ملامحها منحوتة بحزن..ولم تفلح زينتها بطمس علامات اكتئابها الذي اجتاح روحها منذ ايام! 


____________________



+




تحركت تبحث عن يزيد في الردهة فلم تجد أحدًا، ربما ينتظر هو وعطر بركنٍ ما في الخارج، تقدمت لتتفقده، لمحت سيارة أخرى تنتظر في الزاوية تشبه كثيرا سيارة عامر، فتهكمت داخلها لفكرة وجوده، لقد فات آوان حضوره، هو هناك يضحك ويسامر أصدقائه غير مبالي بها.. كم تراه قاسي.. وكم اشتاقت هذا العنيد! 



+





        


          



                


اقتربت أكثر لتقف مذهولة على بعد خطوات منه بعد أن غادر السيارة! لقد أتى إليها.. عامر أتاها ليأخذها معه، مازال يهتم بها..ترقرقت عيناها من فرحة رؤياه ولم تشعر بقدميها التي وثبت مندفعة تلتهم الأرض لتصل إليه متعلقة في عنقه گطفلة لأبيها.. فاشتدت ذراعيه حولها بتملك حاني وشى بشوقه وشفتيه تلثم رأسها المندس بصدره، شعر بها تبكي فرفع وجهها إليه وتأملها بحب هامسًا وأنامله تطارد دموعها: خلاص جوري بلاش عياط، أنا أتأخرت غصب عني وانشغلت في كذا حاجة..بس اتصلت بيزيد وخليته يمشي وعرفته اني جاي اخدك! 



+




تكسرت الكلمات على شفتيها وهي تبكي: 


بس.. أنا… افتكرت… 



+




قاطعه بقبلة خاطفة ليُسكتها:  بعدين ياجوري هنتكلم، لأن كلامنا اللي هنقوله مهم وماينفعش يتقال في العربية، خلينا نمشي وحاولي تخليكي طبيعية، مهما يحصل بنا عايز دايما قصاد الناس نكون شيء تاني ومحدش يعرف أسرارنا.. اتفقنا..! 



+




أومأت له وبقايا دموعها مازالت تتساقط، فقادها لتحتل مقعدها جواره، وتحركت سيارته بسرعة مناسبة سمحت له أن يضم كتفها باحتواء حاني فمالت رأسها بتلقائية على كتفه، لم يتحدثا، يكفيها انه معها ولم تهون عليه أن تظهر للجميع بمفردها..تعلم أن الامور مازالت مشدودة بينهما وكلًا منهما لديه ما يقوله للأخر، لكنها ستتغاضى، يكفي أنها ترتاح الآن على كتفه وشفتيه تدللها بقبلات ناعمة بقمة رأسها، هو أيضًا اشتاقها رغم غضبه.. وهذا يكفي.. بل هذا ما تحتاجه..شعورها بلهفته التي يحاول تقنينها فتت قشرة كآبتها وهزمت حزنها.. تكاد تقسم أن وجهها اختلف وأصبح أكثر أشراقة بعد ان تكحلت عيناها برؤياه ! 


_____________________



+




قالت بعد عودتهما من زفاف صديقه: 


_  تعرف ياظافر، أمونة كانت زي القمر وفستانها يجنن. ولا التورتة التحفة اللي عملتها ليهم.. بصراحة الفرح كله كان جميل! 


_ فعلا كان احتفال مميز جدا، ربنا يسعدهم ويهنيهم


_ هما هيقضوا شهر العسل فين ماتعرفش؟


_ احمد قال هيقضوا أول ليلة في بيتهم وتاني يوم رايحين الساحل، أخوه ظبطله هناك شاليه ومتكفل بكل حاجة هدية ليهم! 



+




عانقته بدلال: لكن احنا رايحين سويسرا ، متتصورش ازاي متشوقة اشوفها معاك يا حبيبي حتة حتة، انا كان كان نفسي من زمان اروحها من اللي بسمعه عنها! 


ضم خصرها أكثر: وعشان كده اختارت نروح هناك عشان احقق رغبة حبيبة قلبي، ولأني زورتها مرة لوحدي عارف اغلب الأماكن هناك، هخرجك في كل مكان روحته، وهنقضي فيها ايام حلوة بإذن الله! 



+




داعبت أنفه بمشاغبة


_ ان شاء الله ياحياتي، هتكون اجازة جميلة مليانة ذكرايات حلوة هنسجلها في دفاترنا الخاصة! 



1




ارتفع جسدها من فوق الارض بغتة بعد أن حملها بين ذراعيه وهو يهمس ووجهه يميل عليها:  وبما أن دي اخر ليلة لينا قبل السفر خلينا نختمها بما بليق بملكة قلبي وحبيبتي وعمري! 



+





        


          



                


ورافق قوله بنثر قبلاته الناعمة على سائر وجهها وعنقها حتى أرقدها برفق علي فراشهما لتبدأ مراسم جديدة لعشقه الصاخب الذي كلما اقترب منها ازداد اشتعالا لا يحرق لكن يدفئ، عله يروي جوعه لها، لكن هل يرتوي عاشق من جنة من يحب؟


______________________



+




شهقت وهي تبصر فراشها  وخلفيته المضيئة المحاط بستائر شيفون، على جانبيها يتدلي قنديلان إضاءة ناعمة منحته طلة دافئة تثير مشاعر ليلة گ هده، فالتفتت تنظر له وعينيها يغشاها دموع فرحتها بما فعل، .هاهو مازال يتفنن بمنحها تلك التفاصيل الصغيرة التي تمنتها في شريك العمر يومًا..!



+




التف ذراعه حول خصرها الرفيع مع تمتمته الدافئة: عجبك؟


همست:  عجبني بس؟؟ انا مش لاقية كلام اقوله يوفيك حقك، انت قدرت تفرحني بشكل مش طبيعي.. ربنا مايحرمني منك يا احمد.. انت احلي وأهم فرحة في حياتي! 



+




أدار جسدها بين يديه ليطالعها بنظرة مهلكة وعيناه تطوف علي وجهها وتفاصيل جسدها الرقيق. ثم عاد بصره لشفتيها واقترب ليأخذ هديته فابتعدت مرتبكة وهي تقول:  أحمد.. أنا..! 


ابتلعت ريقها وصمتت.. ماذا تقول.. لا تدري لكنها خائفة! 


_ مالك ياحبيبتي؟ قولي عايزة ايه؟


نظرت له برهة. ثم هتفت سريعا كأنها تتخلص من عبء ثقيل:  عشان. خاطري يا احمد.. بلاش الليلة دي خليني اتعود عليك الأول، يعني خلينا نقضيها كأننا اخوات.. عايزة اتعود بس اني في مكان تاني ولأول مرة مع حد لوحدي!



+




ابتسم  ووجها يكاد يذوب خجلا أمامه، فقال مازحا:


من امتي بتتكسفي كده؟ فين أمونة ام لسان طويل اللي مطلعة عيني طول الخطوبة؟


استفزها بقوله ، فنفضت خجلها وهتفت بشراسة راقته: بقي انا طلعت عينك يا أحمد؟ وبعدين ليه مش هتكسف ان شاء الله؟ طبيعي لأن اول مرة ابقي معاك لوحدي..وبصراحة نظراتك من اول ما كتبنا كتابنا في الفرح مخوفاني.. انا في دماغي سيناريوهات مرعبة، الله يسامحك يا موني!



+




لم يستطع تمالك نفسه فانفجر ضاحكا لمرآها تكاد تبكي وقال:  ادي نتيجة سماع تجارب الاخرين، وبعدين انا نظراتي كانت مش غريبة.. كنت متغاظ وهطق! 


_ متغاظ؟ ليه؟



+




عشان والدك صمم كتب كتابنا يكون في الفرح، فيها ايه لو كانت قبل فرحنا باسبوع ولا حتى يومين! 



+




نظرت له ببراءة غير مدركة مقصده: طب وهتفرق يا احمد، المهم ان اتجوزنا..! 



+




منحها نظرة غامضة:  لا طبعا تفرق كتير.. كنت عايز اعمل حاجة كان نفسي فيها وكنت عايزها ذكري منفصلة عن ليلة فرحنا، وباباكي حرمني منها وتاهت في الفرح نفسه! 


_ مش فاهمة يعني كنت عايز تعمل ايه؟! 


_ كنت عايز اعمل كده! 



+




واكتسحها بأولى قبلاته لتستكشف مذاقها للمرة الأولى بمشاعر شتي، خوف، استحسان، حنان، حب..لا تدري لأيهما تنجرف، فتركت العنان لمشاعرها وذابت بين ذراعيه مستجيبة لأمنيته التي أدركتها الآن!



+





        


          



                


همس بعد ان اعتقها من اجتياحه:  ها.. نقضيها اخوات ولا نكمل عريس وعروسة يا أمونتي؟!



+




ضحكت بخجل ودست وجهها بصدره، فاحتواها ملثما رأسها:  تعالي نصلي الأول عشان ربنا يبارك في حياتنا سوا.. 



+




وكما تذوقت عناقه وقبلته الحلال.. تذوقت حلاوة صوته وهو يصلي بها وشعورها المهيب بتلك اللحظة، ثم سحبها مرة أخري لعالمهما الجديد وغمرها بسيل عاطفته الجارفة بين ذراعيه!


_____________________



+




_ أسمع ياسامر.. انا مافيش حاجة تهددني بيها.. ورائد مش هيصدق منك اي حاجة لانه بيحبني.. انا دلوقت مراته وام بنته.. ومش هسمحلك تهد حياتي بحقارتك.. ومستحيل ارضخ لطلبك القذر.. انا ست محترمة غصب عنك.. وصدقني لو مابعتدتش عن طريقي هقتلك.. انت لسه ماتعرفش تيماء ممكن تعمل ايه.. ابعد عني وشوف حالك مع غيري بدال ماتندم! 



+




اغلقت الهاتف فور سماعها ضحكته الساخرة وتشقق قناعها المتماسك الشجاع الذي تقمصته مع سامر حتي لا يستغل خوفها وركوعها امامه.. لكنها في الحقيقة تموت رعبا من القادم وحياتها التي انقلبت بعد ظهور وأصبحت على كف شيطان يعبث بها كيفما شاء وتكاد تسمع ضحكاته الساخرة وتتخيل أنيابه وهي تنقض عليها لسحقها، عاد ماضيها يُطلي بسواده أثامها ولم تعد تعرف الليل من النهار، ودعت الأمان ولاصق روحها الخوف الذي ابتلع كل ما حصلت عليه.. كل لحظاتها الجميلة مع رائد تحولت لصمت كئيب.. وأفكارها ترسم لها مصائر بشعة، لدرجة أنها أهملت اعطائه تلك العقاقير الخفية التي تفقد ذاكرته نشاطها.. كل ليلة تسمع أنات كوابيسه بعجز عن إنقاذه كما اعتادت.. وكيف ينقذ أسير.. أسيرًا مثله مكبل بقيد أثام ماضيه.. تئن معه.. تتألم كما يتألم.. تتعرق جبهتها وتغرق بملوحة عبراتها وهي تبكي حتى بأحلامها مستغيثة من مصير مهلك.. أبنتها تبكي.. زوجها يطالعها بغضب.. يلفظها بعيدًا..وسامر يقف قريبا ضحكاته تعلو.. وتعلو.. تصم بكفيها أذنيها  علها تُخرس صوته، وتفشل.. فالصوت داخلها.. كيف تُخرسه وروحها محتلة به؟ تصرخ.. وتصرخ.. ولا مجيب..فيأتي الغيث من ذاتها حين تتمتم مستعيذة من الشيطان.. حينها فقط ينصرف وتتحرر من أصفادها الوهمية وتنتفض على صوته يطمئنها انه مجرد كابوس وانتهي، فيهمس الصوت داخلها! 


ليته مجرد كابوس وينتهي! 


ياليت! 


______________



+




_ معلش يا ميرا، بتقل عليكي انتي واخويا وجبتلكم رحمة بنتي تراعوها اليومين دول.. غصب عني رودي اعصابها تعبانة جدا ومش قادرة تراعيها..! 


_ ماتقولش كده يا رائد دي زي بنتنا والولاد اصلا طايرين بيها.. المهم انت خد بالك من مراتك لحد ما ترجع لطبيعتها.. ربنا يشفيها..! 



+




تنهد بحزن:  اللهم امين.. والله ما عارف مالها.. حتي بقيت كوابيسها كتير واغلب الوقت بلاقيها صاحية بس مش مركزة خالص في حياتنا.. ولا مهتمة بيا ولا بالبنت.. وانا زعلان عشانها.. 



+




_ يمكن في حاجة حصلت معاها وانت ماتعرفهاش وهي السبب في حالتها، خليك معاها واهتم بيها قد ما تقدر.. وبإذن الله تكون بخير وماتطولش في حالتها.. عكست عيناه بؤس شديد مع قوله: ربنا يشفيها ويقدرني اساعدها..! 


___________________



+




فرك عينه وهو يتبين التوقيت، فوجدها مازالت الثالثة فجرا، تمطى بكسل وحاد بصره لزوجته النائمة وقبل شعرها المبعثر على وجهها گ عادته وغمغم لنفسه بخفوت ( الفجر قرب، هتصفح الفيس شوية لحد معاد الآذان واصحي بلقيس نصليه سوا ونرجع ننام لحد معاد سفرنا)


…………… 



+




كم المباركات بمناسبة زواجه المشيرة له عبر صفحته الشخصية على الفيس بوك ورسائل التهاني لا حصر لها.. يحتاج أسبوع متواصل ليرد عليها..!


رصد تسجيل اعجابًا من رفيقه عامر، ثم أضاء بريده برساله منه ، فابتعد ليحدثه مكالمة صوتيه! 



+




_ أخيرا شوفناك على الفيس يا عريس! 


_ أزيك ياعامر ليك وحشة والله


_ وانت أكتر ياغالي.. ايه اخبار الجواز؟


ابتسم وهو يجيبه: حلو الحمد لله، عقبالك ياعمور


_ اللهم امين.. على فكرة كله تمام في الشغل مش عايزك تشيل هم، أنت مسافر بكرة امتي عشان شهر العسل؟


_ طيارتي بعد الضهر بساعة


_ تحب اجي اوصلك؟ او اجيبلك اي حاجة عايزها؟


_ لا ياحبيبي شكرا، كل حاجة جاهزة.. انا قلت الفجر قرب هصليه وارجع انام تاني ونصحي على معادنا، لازم اكون في المطار بدري شوية! 


_ خلاص تمام، ورحلة سعيدة ان شاء الله


_ طب لو احتاجت حاجة معينة من هناك عرفني، أما جوري خطيبتك هجيبلها هدية حلوة من هناك! 



+




_ ماتتعبش نفسك ياظافر، المهم اتبسط وارجع بالسلامة، يلا هسيبك بقي وتصبح على خير..! 


_ وانت من أهل الخير! 



+




اكتفى بمكالمته مع عامر وقرر غلق حسابه ليستعد للصلاة، لكن قبل أن يغادر صفحة الرسائل، أشار بريده لرساله من حساب يحمل أسم " الشيطان"..لا يعرف لما انقبض من هذا الاسم خاصتًا مع صورته القبيحة التي يضعها.. قرر عدم فتحها وتجاهلها وغلق حسابه، لكن  أول جملة لمحها من الخارج اشعلت فضوله وهو يقرأ ( هتندم لو مافتحتش رسالتي خصوصا إن… ) 



+




إن أيه؟


وهندم على ايه؟


اشتعل فضوله وقرر فتح الرسالة! 


وليته ما فعل! 


_______________________






 الفصل الرابع والاربعون


______________


الغضب نارا تبتلع رجاحة التفكير.. 


والشك بعد نعيم الثقة هو الجحيم


والخطيئة بعد الطُهر ذنب دميم! 


والظن بغير بينةٍ هو أثم كبير!


…… 


اكتفى بمكالمته مع عامر وقرر غلق حسابه ليستعد للصلاة، لكن قبل أن يغادر صفحة الرسائل، أشار بريده لرسالة من حساب يحمل أسم " الشيطان"..لا يعرف لما انقبض من هذا الاسم خاصتًا مع صورته القبيحة التي يضعها.. قرر عدم فتحها وتجاهلها وغلق حسابه، لكن  أول جملة لمحها من الخارج اشعلت فضوله وهو يقرأ ( هتندم لو مافتحتش رسالتي خصوصا إن… ) 



+




إن أيه؟؟؟


وهندم على ايه؟؟؟


اشتعل فضوله وقرر فتح الرسالة! 


وليته ما فعل، لكنه فعلها..! 


ضغط علي الرسالة ليروي فضوله ومع كل كلمة يقرأها عروقه تنفر.. ملامحه تتغير.. تقسوا.. تتوعد! 


حدائق عيناه تشتعل بنظرة مخيفة كلما انقشع الستار وتجلت الخفايا التي لم يكن يعلمها..! 



+




( هتندم لو مافتحتش رسالتي خصوصا إن الموضوع يخص زوجتك المصون.. زوجتك اللي ضحكت عليك ياشيف ياعظيم ولبستك سوري " البرنيطة" وانت طبعا فاكرها كانت عذراء وبريئة وقطة مغمضة.. أحب اقولك انها ماطلعتش سليمة من الحادث اللي حصلها..وانها سلمت نفسها برغبتها لرائد صاحبي لأنها كانت بتحبه قبلك، وراحت يومها مخصوص تقابله في عيد ميلاد صاحبتها في فيلا معزولة في طريق المنصورة الجديدة من غير ما تعرف اهلها بمكانها، كدبت وقالتلهم ان الحفلة في نادي جمب الجامعة.. ولما اكتشفت انه جاب اصحابه عشان يحفلوا عليها  وإنها بالنسباله مش اكتر من بنت خد مراده منها وهيسلمها لاصحابه حاولت تهرب ليلتها، ولو هتكدبني وتقول انك جربت ولقيتها عذراء وانك اول واحد.. احب اقولك دلوقتي في عمليات بترجع اي واحدة بنت زي ما كانت.. ولو لسه شاكك في كلامي..أسألها بنفسك عن حبيب القلب اللي اسمه رائد وشوف رد فعلها هيكون ايه.. ركز كويس في ارتباكها وانت هتتأكد من كلامي وانها مخبية عليك الحقيقة.. اهلها نفسهم مايعرفوش قذارة بنتهم.. ماهي اللي تروح فيلا معزولة تقابل حبيبها بحجة ان صاحبتها موجودة..ماتبقاش بريئة وعارفة اللي هحصل وموافقة..اديني عرفتك الحقيقة لو فضلت مغفل يبقي انت اللي اختارت تكون كدة)



+




عظام قبضته تكاد تتفتت وهو يضمها بقوة وعيناه تحولت لجمرة حمراء ومن شدة الغضب.. من هذا رائد؟ .. هل ذهبت هناك لتقابله بتلك المنطقة المعزولة وهي تعلم؟.. هل حقًا كان حبيبها وسلمت نفسها له وخدعته وحالتها النفسية ماهي إلا نوبة ندم وزهد في الحياة بعد تلك التجربة؟ 



+




شعر أن أنفاسه  تزفر خيوط دخان لاحتراق روحه..  غاب عنه المنطق وأصيب بحالة من التشتت والشكك يطرق مطارقه بكل زوايا عقله، ذهب ووقف قرب فراشها وراح يطالعها وقبضتاه مازالت مضمومة بقوة گأنه سينهال عليها بسيل من اللكمات والصفعات.. هل هذا الوجة الجميل الهادىء النائم بسلام على فراشه والروح البريئة الخجول التي لمسها حين امتزج جسده وروحه معها تكذب؟ تخدع؟


قلبه يكذبه.. وعقله يؤيد بقوة..!


الحرب داخله تزداد شراسة، يشعر أنه يتمزق بينهما


ماذا يفعل الآن؟



+






                


(( الله أكبر ..الله أكبر ..أشهد أن لا إله إلا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله..))



+




صدح الآذان من تطبيق هاتفه كأنه رحمة آتته من ربه تذكره انه لا يجب أن يتسرع وعليه أن يهدأ بأي وسيلة، فالغضب أعمى يدمر دون تميز لصوت عقل أو منطق أو ضمير، مسح على وجهه مستعيذا من الشيطان وقرر أن يذهب ليتوضأ عل مياة الوضوء والصلاة بين يدي الله  يُخمدان نيرانه ليتصرف بحكمة قبل أن يخسر كل شيء في لحظة تهور..!


___________________



+




فَعل خاصية غلق حسابه حتى لا ينبش ورائه ظافر ويعلم هويته بعد أن بث سمومه في رسالته التي بعثها فور أن رآه نشر شكرا على صفحته لمتابعيه ، فاستغل الفرصة ونفذ ماخطط له منذ فترة..أرسل له ما يحرم عليه النوم وراحة البال.. لن يتركه يهنأ مع ست الحسن..ربما فقد أعصابه وانهال عليها ضربًا أو صب عليها احتقارًا أوغضبًا وسبابًا..حتما رسالته ستحدث شرخًا بينهما ويصل لمبتغاه..مؤگد يفكر بطلاقها الآن وطردها من حياته، وحتى لو خالف توقعاته ولم يصدقه.. يكفي انه زرع بذرة شك ستترعرع بينهما گ حقول خبيثة كلما حاول اجتثاثها نبت غيرها.. هو خليفة شيطان رجيم وسوس له كي يفسد عليه دنياه وأخرته..


هذا عدله المائل لما يترك الأخرين  هانئين بينما هو يتلظى على جمر البؤس والوحدة والوحل وفراشه مدنس كل ليلة بالغانيات.. لا عائلة يلجأ إليها وقد أبصر الحياة ولا يعلم سوى أن أبويه توفوا وانتقل لكنف العم الذي توفي هو الأخر تاركا له ميراث كبير كونه لم يتزوج فصار وريثه الوحيد..! 



+




جلس يدندن وهو يحضر لفافة ملغمة بسموم أقل تأثيرا من سموم  عقله وروحه السوداء، لفافة تمنحه نشوى كاذبة محتفلًا بما أنجزه الليلة بعد أن دق أول مسمار في نعش سعادة بلقيس واستقرارها..! 


____________________



2




حنى رأسه تحت صنبور المياة حتى غمرته وتسربت لملابسه دون أن يبالي.. متلمسًا من برودتها أن تطفىء لهيب روحه وتوقف أفكاره التي لو انصاع لشيطانها لدمر كل شيء.. وأخيرا أكمل وضوءه واندمج في صلاته وطال سجوده.. طال كثيرا وهو يطلب العون من الله وأن يرزقه الحكمة والصبر وألا يكون ظالمًا ولا ينجرف لغضبه بعد ما قرأ وعلم.. سيستدرجها لتتحدث ليعلم ماذا ستقوله وماذا ستخفيه عنه..هي في اختبار ويتمنى ألا ترسب فيه وتخذله! 


………… . 



+




لم تطاوعه أنامله لتقسوا عليها ورغمًا عنه جاءت ربتته على ظهرها حانيه وهو يحاول ايقاظها..لكن نظرته كانت باردة گ الثلج..نظرة لم تراها بلقيس وهي تتململ مشرعة جفنيها تطالعه مبتسمة مع همستها الرقيقة: انت صحيت يا حبيبي، هو الساعة كام؟


_ الفجر لسه مآذن! 



+




ردت دون أن تلاحظ نبرته ونظرته الغريبة:  ياه.. طب ماصحتنيش ليه نصلي سوا.. أوعي تكون صليت لوحدك! 


تمتم ومازالت نظرته لها مبهمة: هصلي بيكي تاني! 


انهاردة بالذات لازم اصلي بيكي! 



+




ابتسمت له:  اشمعنى يعني.. أصلا كل يوم هنصلي سوا ان شاء الله.. ثم احتضنته هاتفة بدلال: مافيش احلى من إنك تكون إمامي كل يوم الصلاة!  


ثم رفعت وجهها تخبره بشيء:  على فكرة.. في عندي ليك هديك هتعجبك.. بس مش هقولها دلوقت.. لما نرجع من شهر العسل بتاعنا ونكون في بيتنا..! 



+





        



          



                


لم يهتم كثيرا ان يعلم..وكل تفكيره انصب في أمر وحيد.. هل في الاساس سيكملان معًا يوم أخر؟؟؟


___________________



1




انتهت صلاتهما فنزعت إسدالها وقالت: بما أننا فوقنا شوية تحب اعملك لقمة خفيفة معاها كوباية عصير؟


أومأ لها بالنفي وهو ينظر لها بصمت، فاستطردت:  طب ايه رأيك اعمل اتنين كابيتشينوا ونقعد شوية في البلكونة نتفرج على الشروق لحد ما ننام تاني؟ 



+




وافق بإيماءة اخرى ورحلت لتفعل فصار تجاه الشرفة  يراقب السماء بشرود وقرصها البرتقالي الهاديء يشق السماء على استحياء، والضوء يلقي خيوطه رويدًا طامسًا عباءة الليل خلفه..! 


…… ..


_ مالك ياظافر سرحان في ايه؟ وساكت مش بتتكلم معايا.. ثم حاوطت وجهه بكفيها وقالت: في حاجة مضايقاك ياحبيبي؟ 



+




جالت عيناه عليها بتريث وبرائتها التي تسكن عيناها جعلته يتسائل.. هل يمكن لمثلها أن تكون كما علم من رسالة الشيطان اللعين ذاك؟ قلبه مازال يدافع عنها ويرفض هدا الافتراء.. هو يثق بحبيبته وزوجته.. ويجب ان تأخذ فرصتها لتخبره بكل شيء..وحتما لن تخفي عنه امرا.. هذا رهانه عليها.. ولن يخسره! 



+




جذب كفها مع قوله: تعالي ندخل أودتنا عشان عايز اكلمك في حاجة! 



+




استسلمت لكفه وللمرة الأولى تلاحظ جموده ونبرته الغريبة منذ استيقاظها.. لم يبتسم.. لم يضمها ويقبلها ويبثها شوقه وحبه ولهفته گ عادته منذ أن أصبحت زوجته.. ماذا به؟



+




_ خير ياحبيبي، عايز تكلمني في ايه؟ أنا اصلا حاسة ان فيك حاجة متغيرة من وقت ماصحيت بس مش فاهماها..! 


تنهد وهو يجلس قُبالتها وقال: بلقيس.. أحنا دلوقت بقينا شخص واحد وماينفعش حد فينا يخبي عن التاني حاجة.. صحيح ماضينا كان ملك كل واحد  لوحده.. بس معرفته حق ليا زي ماهو حق ليكي تعرفي عني كل شيء.. صح ولا أنا بتكلم غلط؟



+




هزت رأسها بوجه مهموم خائف.. تخاف أن تفقد شيئا من حبه إن صارحته..ليته ما تحدث عن هذا.. لكن لا مفر.. الرغبة التي تسكن عيناه تخبرها أن هذا اليوم سيكون فاصل بينهما..لكن سؤال برق بذهنها بإلحاح، لما الآن بالتحديد؟ كانت تظن أنه سيطالبها بهذا بعد رجوعهما من شهر العسل، لما الآن! 



+




_ اشمعنى عايز تعرف دلوقت؟؟؟



+




صمت وهو يفكر.. هل في صالحه أن يُعلمها برسالة ذاك الشيطان؟ أم ينتظر لتحكي اولا ليرى ماذا ستكشف وما ستخفيه؟ وبعد صمت قصير أخذ قراره بقوله: عادي مافيش سبب معين،  وبما اننا فاضيبن ومش ورانا حاجة خلينا نتكلم..! 



+




لم يقنعها رده لكنها تغاضت وهي تقول: 


تحب ابتدي منين؟


_ زي ما انتي عايزة.. وانا مش هقاطع كلامك لحد ما تخلصي اللي عندك.. ثم أمسك كفها وهمس بطيف رجاء:  أرجوكي يابلقيس قوليلي كل حاجة من غير ما تخافي.. صراحتك هتفرق معايا فوق ماتتصوري"



+




رمقته بنظرة مطولة وكأنها تستمد من دفء عيناه شجاعتها وراحت تسترسل بصوت بدا أعمق وأكثر تأثيرًا تاركة الدفة لتلقائية البداية دون ترتيب! 



+





        


          



                


_ كنت طفلة جميلة مدللة من والدي والدتي.. وحبهم وخوفهم عليا زاد بعد ما حادث غرق اخواتي التؤام..كان حصارهم وقتها مش محسوس بالنسبالي لأني طفلة كفاية تلعب في الجنينة ولا مع ولاد عمها ولما تتعب من اللعب تنام.. بس لما كبرت.. ابتدت نظرتي للحياة تتغير ومتطلباتي تكبر.. حصارهم بقى زي حبل ملفوف على رقبتي، اتحرمت اكون حرة في تصرفاتي زي اي بنت.. كانوا بيعاملوني زي الطفلة رغم اني كبرت كفاية عشان يفهموا ده.. بس مافهموش.. وعشان يطمنوا عليا من منظورهم هما.. اجبروني بشكل غير مباشر اتخطب ليزيد! 



+




اتسعت عيناه بدهشة وهو يتلقي صدمته الأولى! 


_ يزيد كان خطيبك؟؟؟



+




هزت رأسها بهدوء هاتفة: أيوة ياظافر.. اتخطبنا فترة بس ماكملناش


_ والسبب؟


_ ماحبيتوش.. عمري ماحبيتوا ولا حسيت انه ممكن يكون زوجي..بالعكس كنت بحسه قيد جديد طول الوقت بحاول احطمه عشان اهرب! 



+




صمت لحظة وتقطيبة حاجبيه تزداد انعقادا:  


_ وهو؟ كان بيحبك؟؟؟



+




نكست رأسها لتأتيه الإجابة بصمتها.. كما توقع.. الآن استرجع نظرات يزيد الغريبة له في باديء الامر.. غضبه المكتوم.. حدته.. عدوانيته الغير مبررة تجاهه.. اذا يزيد كان يحمل لها مشاعر خاصة، وربما مازال! 



+




ترجمت أفكاره فهتفت بثقة وقوة:  يزيد دلوقت مابيحبش غير عطر.. انا كنت بالنسباله بنت العم اللي عيونه فتحت عليها.. زي حب بنت الجيران المراهق.. حب مش ناضج.. حب مبتور وعمره قصير..صدقني ياظافر النظرات اللي بشوفها في عيون يزيد لخطيبته دلوقت تخليني اقسم انه اصلا ماحبش غيرها.. هي حبه الحقيقي..هي الطريق اللي كان لازم يمشيه من الأول، انا كنت سراب وكذبة طفولة ووهم مراهقة ويمكن مجاملة لعمه اللي بيحبه..انا كنت اي حاجة غير الحب.. وانا عمري ماتطرقت لموضوع خطوبتنا عشان مايحصلش حساسية منك ناحيته.. احنا عيلة واحدة ومش عايزة يكون في بنا حواجز.. 


ثم منحته نظرة شديدة الحنان مع تأكيدها الهامس: أنت حبيبي الوحيد ياظافر.. ولا حبيت قبلك ولا هحب بعدك.. مصدقني ولا لأ؟؟؟



+




_ طب ورائد؟؟



+




تساؤل كاد يفصح به لكنه لم يغادر شفتيه.. لن يفسد فرصتها.. سيتركها تبوح بما لديها ويعطيها فرصتها كاملة، فقال: كملي، بعد كده حصل ايه؟



+




تجاهله الرد على سؤالها بشأن تصديقه من عدمه ازعجها، لكنها تخطت الأمر وهي تواصل:  طبعا وقتها كان بابا وماما زعلانين مني لما سبت يزيد وحسيت اكتر اني بقيت منبوذة من عيلتنا وانا بشوف نظرات اللوم في عين عمو أدهم وجوري، ونظرات الغضب من طنط كريمة.. ولأني اصلا كنت مش بندمج اوي معاهم، بعدت اكتر..وحسيت بالوحدة أكتر، وفي الوقت ده! 



+




صمتت تطالعه بترقب وخوف حقيقي في عينيها ذكره بما كان يسكن عيناهاوهي مريضة، وكأنها تفقد الأمان، فوجد نفسه دون أن يشعر يطمئنها بلمسة حانية من أنامله على وجنتها قائلا:  اتكلمي يابلقيس متخافيش.. الصراحة مهما كانت تخوف ممكن تكون هي سبيل النجاة الوحيد! 



+





        


          



                


تجرعت ريقها طاردة الخوف من داخلها وهي تواصل سردها ناكسة رأسها دون أن تنظر لعيناه:  في الوقت ده ظهرلي واحد عكس يزيد في كل حاجة.. وبما اني بنت معندهاش اي خبرة انجذبت لشخصيته غصب عني و… ( وبعد برهة صمت اخري همست وعيناها مغرورقة) أعجبت به واتهيئلي اني حبيته! 



+




حاولت أن ترفع عينيها لتستنبض تأثير ما قالت عليه، فخافت أن تفعل إلى أن جاء صوته باردة بسؤاله:


كان اسمه ايه؟؟؟ 


همست والكلمات تتكسر على شفتيها بلعثمة طفيفة: 


گ..گان.. كان اسمه رائد!  



+




أطرق رأسه يخفي انفعاله ويتمالك ذاته قليلا، ولمحة أمل تغزو قلبه.. هي لا تخفي عنه شيء.. هاهي تصارحه..وهذه بشرى مطمئنة..ويشعر أن القادم سيفتت بقايا هواجسه ، صراحتها هي قارب نجاتهما معا.. رفع وجهه إليها بعد أن هدأ انفعاله وقال: وبعدين.. كملي ومش عايزك تخبي اي حاجة مهما كانت! 


واصلت سردها وهي تنوي مصارحته دون حجب شيئ، الكذب ذنب كبير بعد تحذيره لها الا تخبيء عنه امرًا..!



+




_ مشاعري كانت ساذجة وجديدة عليا.. فرحت ان لأول مرة ليا سر يخصني، خبيته عن الكل، حتي ماما والبنت اللي افتكرتها صاحبتي واقرب واحدة ليا.. طبعا أنا كنت بشوفه عادي في الجامعة، وبكلمه في التليفون، وكنت مبسوطة بشعور التمرد علي القوانين اللي في حياتي وان عندي أسراري، المهم وعدني انه هيتقدملي وانا فرحت وصدقته..واخر يوم في الجامعة صاحبتي قالتلي انها هتسافر لوالدها السعودية وهتعيش هناك، وانها هتعمل عيد ميلادها في فيلا باباها في طريق المنصورة الجديد..وهتعزم كل أصحاب الجامعة وانا من أهمهم، طبعا كنت متأكدة ان مستحيل بابا وماما يوافقوا اروح لوحدي مكان هادي كده وفيه بحر وهما عندهم عقدة بسبب غرق اخواتي.. للأسف رضخت لفكرة تيماء اني اكدب عليهم ان العيد ميلاد في نادي واني هغيب اليوم كله لحد بالليل عشان اتبسط معاهم وزيهم.. وزي ما توقعت رفضوا وانا وقتها حزنت بجد لأن من حقي احضر اي مناسبة واعيش سني زيي زي غيري.. انا كبرت واتخنفت من خوفهم.. بعدها ماهونتش علي ماما وبابا ووافقوا اروح بس السواق يوديني ووقت رجوعي اتصل بيه يجي ياخدني من عند النادي! 



+




السواق نزلني قرب الجامعة وعطاني ورقة عليها رقمه الجديد لأن تليفونه وخطه اتسرق، ولأني كنت مستعجلة حطيت الورقة في جيبي ورحت مكان ما هقابل تيماء!..بعد كام ساعة وصلنا لمكان شبه معزول حسيت بالخوف والرهبة بس رميت خوفي وشعوري الغريب ده ورى ضهري وحاولت اتبسط وانا واقفة عند البحر وفرحانة بالحرية الل دوقتها اخيرا.. وبالذكرايات الحلوة اللي هعملها لنفسي زي ما اقنعتني تيماء..لما دخلنا الفيلا عملتلي عصير وقالت هننام شوية ونصحي نجهز للحفلة وننتظر اللي هايجوا..!



+




صمتت وحدقتاها تعكس أمواج غضب ثائر مشتعل وهي تستأنف: ماكنتش اعرف ان صاحبتي الوحيدة اللي بحبها كانت حية ملعونة ناصبالي فخ وبتسلمني لشوية كلاب ينهشوني.. ومن ضمن الكلاب كان هو.. اللي افتكرته وحبيب وسند طلع اول واحد عايز ينهش فيه! 



+





        


          



                


سقطت دموعها عند وصولها لتلك النقطة وهي تستعيد أوجاع تلك اللحظات العصيبة بنفس قساوتها ويأسها ووحدتها گ الغزالة بين ذئاب جائعين، تحولت الدموع لبكاء مكتوم شقق أرض ثباتها، ومثلها أهتز كيانه ولطمت روحه بصفعة لوم.. هل هذه الملامح المتألمة تخدع؟ هذا القلب الذي مازال ينزف من طيف الذكرى يكذب، هي قالت حتي ما لا يعرفه، حبيبته صادقة بريئة. نقية، تحركت ذراعه بقوة وغمستها في صدره وأسكن رأسها المرتجف من البكاء أسفل عنقه وجفف بأنامله دموعها تماما كما وعدها سابقًا..وكم ود لو أمرها ان تكف عن الحديث وأنه لا يريد ان يعلم شيء وانه يصدقها ويصدق صوتها وعيناها.. لكن الأفضل لها وله ان تكمل ما بدأته حتى تحرق كل الهواجس داخله وتجتث كل بدكذور الخوف من  داخلها.. جدار الصراحة هو وحده القادر على صد كل العواصف التي يمكن أن تواجههما بعد ذلك.. فليدعها تكمل وتستريح ويستريح باله مثلها! 



+




_ صدمتي فيهم وخوفي من عيونهن اللي بتنهشني من غير ما تلمسني، خليتني احس قد ايه كنت مغفلة وساذجة وانضحك عليا وان الدنيا دي طلعت وحشة اوي والناس فيها ذئاب ووحوش.. وخوف ماما وبابا عليا كان ليهم ميت حق فيه..!



+




واكملت بعد ان أكتسبت نظرتها وميض قسوة مخيفة:  بس استوعبت الموقف بسرعة وقررت اني مش هكون فريسة ليهم غير وانا ميتة.. مش هخلي راس بابا تنحني بالعار ولا اضيع امل امي فيا.. 


قررت اقاوم باستماته.. استعنت بربنا جوايا يساعدني..وماخذلنيش..وعرفت قيمة اللعبة القتالية اللي ماما صممت تعلمهالي في طفولتي.. كأنها كانت عارفة اني هتعرض لموقف زي ده.. قدرت بصعوبة اتغلب على الحيوان رائد اللي اتغر في نفسه لما افتكرني فريسة سهلة يقدر يرودها لوحده.. ضربته ضربة وقعته وخليته دمه القذر غرق الارض، يمكن مات وقتها.. ما أهتمتش اني اتأكد من موته.. كان لازم اهرب من الباقين اللي بدأو يخبطوا بشراسة علي الباب.. هما كتير وانا لوحدي هيغلبوني.. كسرت شباك البلكونة ونطيت من وسط الإزاز وفضلت اجري رغم جروحي،  بس للأسف قدروا يحصلوني، قاومتهم بكل طاقتي ومهارتي لكن هزموني في الأخر.. بقيت مش ملاحقة على الضرب منهم في كل حتة في جسمي! 



+




لم يستطع ان يسمع أكثر من ذلك وهو يضمها ثانيا ويحوطها بذراعيه بشدة وللمرة الأولى تُزرف دموعه بصمت وهو يتخيل بشاعة ما قاسته حبيبته وهرته الرقيقة وحدها..ومن بين  غضبه اشتعل فخره بها أكثر لأنها صمدت وعافرت حتى نجت بمفردها من براثنهم.. وتسرب لضميره لوم كبير لشكه بها منذ قليل.. كيف يفعل ويشك بها.. كيف يخطيء هذا الخطأ الفادح..!



+




وگ رد فعل نفسي وشبه اعتدار مستتر منه لها.. راح يمطرها بقبلات جارفة ويمتص دموعها التي سالت بشفتيه فازداد بكائها وانهيارها بين ذراعيه فاحتواها بعناق. دافيا هامسًا: خلاص ماتكمليش.. مش عايز اعرف حاجة، وسامحيني اني خليتك تتكلمي وأسف! 



+




لكنها أبت أن تتراجع وهي تقول من بين نحيبها الواهن على صدره:  لا ياظافر هكمل.. هكمل عشان ارتاح.. وعشان انت تعرف ان عمري ما ارتكبت غلط يساوي حجم اللي اتعرضتله، غلطي الوحيد هو كدبتي على ماما وبابا بحكاية رائد  ومكان عيد الميلاد، كنت بس عايزة احس اني حرة وكبرت وليا شئوني..لكن اكتر من كده ماغلطش ولا كنت استحق اعيش تجربة خلتني اكره الدنيا واخاف منها ومن كل الناس! 



+





        


          



                


ثم شردت بعيناها تتذكر اللحظة التي لن تنساها حين فقدت قواها وطاقتها وأملها أن تنجوا ، وبعتمة يأس روحها انبثق نور الأمل بغتة ووسيلة نجاتها تومض بعقلها كأنها منحة ربانية.. وهي كذلك بالفعل.. ليس لها مسمى أخر! 



+




_ ماكنتش اعرف إن ممكن مشهد في فيلم يكون سبب نجاتي..فضلت بقوتي الباقية انبش السلوك واكسر في غلاف الكشاف عشان اخرج ايدي منه واشاور لحد يساعدتني!



+




ثم رفعت وجهها لتناظره ويدها تحتضن وجهه: وظهرت زي الفارس وأنقذتني، قدرت اتنفس براحة واحس بالأمان وان في حد هيحميني ويوصلني لأهلي..عشان كده صوتك وريحتك فضلوا متغلغلين جوايا كأنهم حصني الغايب اللي بدور عليه في كل الوشوش .. ولما شوفتك ماكانش صعب اعرفك..واعرف انك حبيبي..وابن قلبي وحتة من روحي يا ظافر..!



+




وصمتت تطالعه بنظرة أخري مغايرة وقالت: 


_أنت حبيبي اللي مش عايزة اشوف في عيونه لمحة شك زي اللي شوفتها في عيونك من شوية! 



+




حدجها بدهشة حقيقية.. هل كشفته؟ هل فضحته عيناه أمامها لتلك الدرجة؟ يالا خجله! 



+




_ مش بلومك، بالعكس.. أنا فاهمة انك انسان ممكن الظنون تلعب بيك.. برغم اني معرفش ايه بالظبط اللي حصل خلاك تشك فيا، بس مش مهم..في كل الأحوال ده كان هيحصل.. ومادام ربنا قدره دلوقت.. يبقي ده التوقيت الصح..!



+




ثم منحته نظرة أخيرة وقوية لا تحمل في طياتها ذنبًا او تخشى خطيئة: أنا خلاص يا ظافر قلت كل اللي عندي من غير ما اخبي أي حاجة عنك وربنا شاهد عليا..ياترى مصدقني ولا لأ؟؟ لو كنت لسه شاكك فيا اوعي تكمل معايا، سبني لأن لو شوفت في عيونك نظرة الشك تاني مش هقبلها ولا هقدر اعذرك أو اسامحك..!



+




يتركها؟


يترك روحه؟


حتي لو قالها داخله بلحظة غضب لن يفعلها..! 


حبيبته ضحية وليست مذنبة! 


حبيبته " حرة" دافعت عن شرفها ونجت لأنها نقية وقوية وسيظل فخور بها طيلة عمره أنها زوجته..!



+




ظل بصرها مصوبًا عليه تنتظر إجابة! 


لكنها لا تعلم أن هناك إجابات لا تُسعفها كلمات، ولن تُنصفها أبجدية، ولا يعبر عنها سوى لغة وحيدة، لغة عاصفة هادرة بدأت تتشابك طلاسمها بين ذراعيه، كل لمسة منه تخط لها كلمة اعتذار، ترسخ في روحها ثقته الكاملة، تزرع في قلبها أزهار عشق لا ولن يموت..كل همسة تؤكد انه سيظل حبيبها وحصنها ما ظلت أنفاسه في صدره تتردد!



+




طال صخب تلاحمهما بحجم مشاعره التي غمرها بها دون أن تستغيث او تخاف أو تكتفي.!


حتى استكانت بالأخير فوق خافقه! 


تبسط كفها آمنة.. مطمئنة! 



+




______________________



+




حالة الأرق التي أصابتها طيلة الأيام الماضية جعلتها تسقط بنوم طويل عميق بعد أن عادت من حفل زفاف أمونة ولم تعي لاتصالاته الكثيرة والتي انتهت برسالة منه فحواها(  اتصلت كتير مش بتردي ليه ياجوري، معقول نمتي؟ عموما لما تصحي حضري نفسك هعدي عليكي الضهر عشان في مفاجأة عشانك هتفرحك)..!



+





        


          



                


أما هو فترك هاتفه بعد أن بعث رسالته وحاول النوم فآبت أجفانه أن تستجيب..صورتها وهي تركض إليه بجسدها الصغير گ طفلة بصرت أبيها متعلقة بعنقه تداعب خياله بشدة، فعلتها أثارت لهفته وحبه وحنانه..ضمها وتمني لو لم يحررها من بين ذراعيه ابدا، ويعلم  أنها لم ترضى ومازالت غاضبة وانه قسى عليها الفترة الماضية، لكنه ما فعل إلا ليؤمن لحياتهما أسس صحيحة..جوري تعتقده شخص كاذب..لا تثق به، ومزاحه جعلها تتجرأ لتصرخ عليه..كادت أن تضع في نفس والدته نقطة سوداء.. صغيرته تحتاج أن يحدثها بشكل أهدأ واعقل.. وغدا سيفعل! 


_________________



+




استيقظت قُبيل الظهر بساعة كاملة متعجبة استغراقها في النوم كل هذا الوقت، تمطى جسدها بكسل وتفقدت هاتفها ورأت رسالته وعدد اتصالاته الكثيرة، لم يسعدها هذا.. شيء داخلها غير راضي عن معاملته القاسية لها.. رغم انها عبرت عن شوقها له لكنها غاضبه منه.. غاضبة كثيرا..! 



+




_ بسكوتي صحيت اخيرا؟



+




ابتسمت للعمة دره التي دخلت إليها بعد طرقتين وقالت:  معلش ياطنط شكلي كنت جعانة نوم! 


_ ولايهمك ياجوجو، اناطلعت لأن عامر اتصل الساعة 9 وقالي اعرفك انكم هتخرجوا الضهر، بيقول انك مش شوفتي اتصالاته ورسالته، بس انا عرفته انك كنتي نايمة! 



+




أومأت لها دون حماس:  ماشي ياطنط، هفوق واخد حمام واتوضى واتصلي واجهز قبل ما يجي! 



+




حدجتها بنظرة ثاقبة وتسائلت:  انتوا لسه زعلانين؟ مش اتصالحتوا امبارح لما جه اخدك؟



+




تنهدت بما يعتمل داخلها:  لا ياطنط، صحيح جه أخدني بس متكلمناش ، ماكانش في فرصة وسط زحمة الفرح، وهو قال هيكلمني كلام مهم في وقت تاني! 



+




_ يبقي اكيد هيكلمك ويصالحك يا جوجو، ليه زعلانة..؟!



+




_ مش قادرة انسي قسوته ياطنط، حتي لو انا غلطانة ماكانش المفروض يعاملني كده، انا كمان مستغربة نفسي.. لما شوفته امبارح جاي ياخدني، قد ما كنت زعلانة حسيت قد ايه وحشني، جريت عليه كأني لقيت حاحة ضايعة من روحي.. بحبه ووحشني بس زعلانة.. اعمل ايه في التناقض ده يا طنط؟ انا مش مرتاحة! 



+




ربتت على وجنتها وقالت:  انتي ماتعمليش حاجة، هو اللي هيعمل! 


_ مهما عمل مش هرضى بسهولة


_ بيتهيألك..يابنتي العلاقة بين الحبيبين او الزوجين مختلفة عن اي علاقة في الدنيا.. مالهاش قوانين ولا منطق.. اديكي قولتي رغم زعلك وحزنك منه ماقدرتيش تتحملي تشوفيه وتقاومي شوقك وجريتي عليه.. هو كمان مش هيقدر يسيبك زعلانة..وهيعرف ازاي يراضيكي انا واثقة والله وبكره افكرك! 


واستطردت:  يلا بقى قومي اجهزي وارمي الزعل ورى ضهرك، وقلبي حاسس انك هترجعي مبسوطة! 


_______________



+




داخل مكتبه في شركة الانشاءات راح يراجع بعض أوراق المناقصات القادمة ويهمهم بسخرية:  الباشمهندس يتجوز ويقضي شهر العسل هو وأمونة في الساحل وانا اشيل الشغل كله، ماشي يا ابو حميد، بكره يجي عليا الدور! 



+





        


          



                


أتاه صوت قرعٍ على الباب فصاح:  ادخل! 



+




أطلت عليه فواحته باسمة مع تحيتها: 


_ صباح الخير يازيدو! 



+




ثم دنت منه فتابعها بنظرة مشتاقة وشذاها يعبء الهواء حوله فنهض ليضم خصرها مردفًا بما يليق بحضورها:  صباح الجمال وروايح الجنة اللي هلت معاكي..ابتسمت بدلال فاستطرد باستفسار زار خاطره: هو أنتي استخدمتي برفان قبل ما تخرجي ؟ 


نفت سريعا: لا والله مش بحطه وأنا خارجة، بستخدم فقط مزيل عرق هادي جدا 


_ أمال ايه الريحة دي؟


صمتت بحيرة ثم تذكرت شيئًا وقالت:  يمكن ريحة شعري، أصل عمتو جابتلي كريم شعر حلو اوي واول مرة استخدمه، بس مش هيشمه غير اللي يقرب مني اوي متخافش"



+




برقت عينيه بعبث وملحوظتها أتت في صالحه وهو يقترب أكثر مع قوله:  بجد؟ طب وريني كده؟ وراح يستنشق عطرها وشفتيه تدنوا بتروي لقطف زهرة شفتيها فابتعدت سريعا ليُصبح مصير قبلته الهواء صائحة:  على فكرة انت بقيت خطير وبتستغل المواقف كلها لصالحك يا باشمهندس! 


قربها إليه ثانيًا: طب وماله، انا بستغل حبيبتي ومسموحلي بكدة! 



+




ازاحته وابتعدت مسافة اكبر مع تحذير مضحك:  بقولك ايه انا ماما حذرتني منك وقالتلي ماتخليهوش يقربلك، وانا هسمع كلامها..! 



+




رفع حاجبيه بدهشة تبدلت لتوعد: بقى فدوى قالتلك كده وبتقويكي عليا؟ ماشي ياخالتي هتعملي  "حمى" من دلوقت؟ عرفيها اني هشيلها في قلبي ومش هنساها..! 



+




ضحكت لتكيده:  هقولها ومنك ليها انا ماليش دعوة، واستأنفت: يلا بقي نمشي عشان جوري قربت توصل هي وعامر! 


_ ماشي، بس خليكي فاكراها


_ ماتقلقش مش بنسى.


………… .


عبر بصحبتها للخارج واستقل المصعد وقبل أن يُغلق بابه أوقفه حسام وانضم إليهما وأردف: صباح الخير يا باشمهندس، ثم نظر لعطر وألقى تحيته وخيل ليزيد انه قالها بنبرة أرق:  صباح الخير يا باشمهندسة! 



+




ردا تحيته وبتملك تلقائي أحاط يزيد خصرها بذراعه


گ رسالة مبطنة لحسام انها تخصه، بينما غمرتها سعادة جمة حين شعرت بغيرته عليها، توترت عين حسام حتى غادر وتوجه لمكان غير وجهتهم، أرادت إظهار المزيد من غيرته فتصنعت الغباء بعد أن استقلت جواره السيارة:  هو انت بتكره حسام يا يزيد؟



+




بدا غير مرحب بحديثها لكنه أجاب: لأ مش بكرهه.. بس مافيش بنا علاقة أكتر من الشغل، مش مندمج معاه! 


_ وايه السبب انا شايفاه انسان مهذب جدا و… .


_ عطر! 



+




اجفلها نداءه ونبرته التحذيرية، فتمالك نفسه قليلا وغمغم: مش محتاج تذكري محاسنه وما تشغليش بالك بحبه ولا لأ، اتكلمي في حاجة أهم من كده! 



+




أومأت بتفهم لحدته وغيرته التي هي من أثارتها، وفضلت  الصمت حتى يمر الموقف ويصلا وجهتهما! 



+




لاحظ سكونها فلان صوته وهمس بنبرة هادئة :  انتي فطرتي؟


_ لأ.. قلت هنفطر سوا كلنا مع جوري وعامر



+





        


          



                


توقف قرب الرصيف وهبط دون أن يقول شيء، ثم عاد بعد دقائق قصيرة ووضع جوارها حقيبة بلاستيكية وقال:  طب صبري نفسك ببسكوت وعصير عشان مايحصلش ليكي هبوط على ما نوصل! 



+




ابتسمت وهي ترمقه بنظرة جانبية راضية بلفتته الحانية وتناولت أول شريحة بسكوت ودستها بين فمه وهي تقول: طب كل معايا..! 



+




ابتلعها مبتسما وربت على يدها برقة، وواصل تركيزه بالقيادة ثم تلقى مكالمة من عامر يخبره أنه صار أمام البناية وينتظره مع جوري، ليجيبه الأخر أنه سيصل خلال دقائق!  



+




_بقولك ايه ياعطر، ماتعرفيش جوري مالها؟ امبارح اما كلمني عامر اني امشي وهو هيعدي ياخدها، حسيت صوته متغير، واما ركزت معاها في الفرح لاحظت انها بردو مش بطبيعتها، مش جوري اختي المرحة اللي بتضحك طول الوقت! 



+




_هي قالتلي انها كانت زعلانة معاه شوية بس مارضيتش تقول السبب وانا احترمت ده.. واما شوفتهم في فرح أمونة امبارح اطمنت انهم اكيد اتصالحوا..! 


عقد حاجبيه بتفكير عميق وقال:  مش عارف، حاسس ان لسه في بينهم حاجة! 


_ طيب ماتدخل بينهم



+




_لا ياعطر الأفضل يحلوا مشاكلهم بنفسهم من غير تدخل من حد..لأن مع كل مشكلة وحلها بيحصل بينهم بضوج وبيفهموا طبيعة بعض أكتر..! 



+




ربتت على كفه برفق: عندك حق ياحبيبي، عموما ماتقلقش عامر بيحبها جدا، اكيد زعلهم مش هيطول! 


_ ربنا يصلح الحال! 



+




بعد وقت قصير تقابل أربعتهم قرب البناية ليشاهدوا الشقة التي جلبها يزيد في نفس الطابق الذي يسكن فيه، وبعد أن تجولوا في أركانها تركهما يخططان لمنزلهما بحرية، وتواعد مع عامر انه سينتظرهما بالاسفل حتى ينتهيا..! لكن قبل ذهابه مال عليه بثرثرة جانبية خافتة ( راضي خطيبتك، الزعل لو طول مش بيكون حلو) فطمأنه الأخر وعيناه تتابعانها باهتمام، ونظرته تقسم أنه لن يتركها غاضبة! 


__________



+




_ عجبتك الشقة؟


أومأت له:  أيوة ومناسبة. جدا..! 


_ يعني اتكل علي الله واتفق مع صاحب البيت؟ 


_ أتفق! 



+




ردودها مقتضبة وفاقدة لحماسها المعهود. كما يفتقد هو حبيبته المرحة الشقية التي يهيم بها، تلفت حوله لم يجد مقعد يجلسا عليه، فجلس ثم خلع جاكيته وافترشه أرضًا وأشار لها:  تعالي ياجوري اقعدي جمبي.. نظرت بدهشة وعيناها مصوبة لمعطفه وقالت:  ايه ده، ليه قعدت على الارض وكمان الجاكت بتاعك هيتبهدل و… .


قالتها وهي تمد يدها لتلقط المعطف فجذبها عنوة لتجلس فوقه هاتفا:  مش مهم يتبهدل، الأهم هدومك انتي ماتتبهدلش! 


ظلا يتبادلان النظرات بحديث غير منطوق، ثم اغرورقت عيناها فمد ذراعه ليضمها لصدره بعناق حاني هامسا:  عارف انك زعلانة بس كمان زعلان منك يا جوري، ثم ابتعد ليطالعها مردفا:  الغضب السريع وسوء الظن والأحكام المسبقة والاتهامات اللي مافيش عليها دليل، كلها امور ماتوصلش غير لحاجة واحدة..اننا نخلق أسباب كتير للبعد والجفاء والنكد.. وده مثلث خطير بين اي اتنين لسه بيبتدوا.. انتي غلطي ياجوري، لو ما اتعصبتيش وعليتي صوتك عليا وحاولتي تسألي بهدوء كنت هقولك ببساطة اني مافيش حد قبلك ولا بعدك، وكلام ابن اختي مبني على صورة لبنت كانت ماما جايباها ليه من فترة اشوفها واخطبها، بس انا رفضت وده قبل ما اعرفك.. وطبعا ده طفل سمع من ماما او اختي ان دي صورة عروسة خالك، فخزنها في دماغه وقالها بعفوية ليكي! 



+





        


          



                


وصمت ليجفف دموعها وواصل ثانيًا: واللي زعلني اكتر عيونك اللي رمتني بالكدب، ماتتصوريش ازاي الاحساس ده بالذات وجعني منك..انا مش كداب ياجوري.. كدبتي الاولى كانت هزار زي ما وضحلك ظافر، وبعدها كل اما اجي اقولك تحصل حاجة تمنعني، ده غير خوفي انك تبعدي عني لأني كنت حبيتك ومش بلعب بيكي واظن أن أثبت جديتي بشكل كافي.. معني ان من جواكي فاقدة الثقة فيا.. يبقي كده علاقتنا دي مالهاش لازمة وأساسها خاطيء.. ولا هقبل اكون كده في نظرك ولا صح تكملي مع واحد انتي شايفاه كداب يعني ضمنيا خاين لأي عهد..عرفتي ليه زعلت؟



+




بكت ولم تجد ردار تدافع به عن ذاتها فاحتضنها برفق:  طب بس بطلي عياط انا هدفي تفهمي المشكلة فين عشان نتلاشاها بعدين مش أكتر..! 


همست بنبرة باكية:  انا بعترف اني كدبتك واتسرعت وأسفة اني عملت كده.. بس والله ما قصدت ازعق، صوتي العالي كان من غضبي مش قلة احترام ليك وبصراحة راح من عقلي ان مامتك واهلك يسمعوني وياخدوا عني فكرة وحشة! 



+




_ وأنا مش ممكن اخلي حد ياخد عنك فكرة وحشة لأني عارفة كويس، وده سبب اني طاوعتك ننزل بسرعة عشان كمان أنا أهدى! 



+




أومأت مطرقة الرأس، فرفعه وهو يزرع بعينيها نظرة مفعمة بحبه وحنانه هاتفا: حقك عليا لو كنت قسيت عليكي، بس والله ما كنت بنام وانا مخاصمك! 



+




الأن عاد لعينبها بريق الرضا المحبب وهي تمنحه ابتسامة صافية مع قولها: خلاص ياعامر مسامحاك..واوعدك مش هتسرع بعد كده! 



+




ثم فاجأته بنهوضها وهي تتمتم:  يلا بقي ننزل لاخويا عشان طولنا وانا هتحرج كده! 


فشاكسها: طب هاتي ايدك ساعديني مش قادر اقوم، شكل العضمة كبرت يابنتي



قد يعجبك ايضا


منذ عام


رواية بنت الوزير الفصل الرابع 4 بقلم اميرة حسن


منذ عام


رواية بنت الوزير الفصل الخامس 5 بقلم اميرة حسن


منذ عام


رواية بنت الوزير الفصل السادس 6 بقلم اميرة حسن


+




ضحكت وهي تمد يدها، فباغتها بجذبة قوية من كفه أسقطتها فوق قدمه وبين ذراعيه فغمغم بمكر:  طب مش نختم المصالحة صح الأول يا ملاكي؟ 


تملصت منه بقوة محاولة النهوض:  محنا اتصالحنا سيبني بقي انزل لأخويا


اشتدت ذراعه عليه أكثر وقال: 


_ يابت اركزي فرهضتيني معاكي، استني شوفي جايبلك ايه أصالحك بيه! 



+




فسكنت تماما مترقبة بفضول وهو يدس كفه بتجويف بنطاله، فطالعها ساخرا:  شوفتي سكتي اول ما جبت سيرة هدية.. تموتوا في الحاجات دي! 



+




ثم التقط شيء مطرز لم تدرك ماهيته للوهلة الأولة حتى أوضح وهو يستعرصه لها فوق كفه: من الحاجات اللي بحبها ونفسي اشوفها عليكي الخلخال، عشان كده عملتلك ده بإيدي عشان تلبسيه ليا وجبت معاه حاجة تانية..قارن قوله بفتح هاتفه ليريها صورة قميص أخضر قصير مستطرد وهو يحاصرها بنظرة قوية تُخجلها هامسا: هتلبسي الاتنين وترقصيلي! 



+




كاد وجهها يحترق بحمرة الخجل بعد أن رأت القميص الذي اشتراه، لأجلها ولا تعرف كيف سترتدي أمامه شيء گ هذا..! 



+




راقه حمرة خجلها وابتسم  وصب على أذنيها مشاعره ليعوضها خصامهما الفائت: جوري لازم تعرفي انك حبيبتي اللي اتمني اشوف فيها كل حاجة بحبها.. وانك في عيوني تساوي جنس حواء كله، البنت اللي مافيش منها اتنين.. بحبك بكل حالاتك ومهما حصل بنا غلاوتك مش هتنقص جوايا ولا يقل حبك ابدا في قلبي.. وحقك عليا مرة تانية اني زعلتك الايام اللي فاتت..!



+





        


          



                


نضبت الكلمات داخلها فعانفته تبكي ولا تصدق انه بعشقها بهذا القدر، فابعدها ليشاغبها گ عهده:  طب ما استاهلش تديني حاجة حلوة بقى! 



+




واقترب من وجهها فدفعته سريعا ونهضت:  لأ مافيش، شطبنا.. ! 


_ كده؟ طب بوسة صغيرة


_ لأ


_ يعني انا اصرف واغرم وعيوني يجيلها حول وانا بعملك خلخال، وانتي تسيبيني وتجري؟



+




أغاظته وهي تلوح بلسانها: ايوة وهسيبك واروح لاخويا كمان وانت حصلني! 



+




وركضت تهرب من أمامه گ الفراشة الملونة وثوبها وحجابها يتطايران حولها، فشيعها نظرة محبة وارتاح قلبه عندما استعادت طبيعتها ومزاحها.. الآن يومه سيكون أجمل بعد أن نال رضاها مرة اخري! 


_____________________



+




تنحى به يزيد وهو يهمس له:  كل ده بتتفرجوا على الشقة يا عامر؟


_ ما انت عارف يا باشمهندس الحاجات دي بتاخد وقت، معاينة وقياسات وتصورات مبدئية! 



+




_ أوعى تكون اتجاوزت حدودك في التصورات المبدئية! 


_ والله يا يزيد كان نفسي.. بس اختك اخدت الهدية مني واديتني صابونة وجريت عليك وقالتلي هنزل لأخويا..! 



+




ضحك يزيد: حبيبتي يا زئردة، تربيتي والله! 


_ طب ماتقولش عليها زئردة لو سمحت.


_ أنا اقول اللي يعجبني، أختي وانا حر معاها



+




_ ماشي بكرة اخليك تزورها بمعاد! 


يزيد:  حلو ان الإنسان يحلم مش غلط! 


ثم علت نبرة صوته:  يلا يابنات عشان نروح نفطر


عامر معترضًا: لا اكسيكيوزمي منك يا باشمهندس، أنا هاخد جوري معايا عشان عاملها برنامج خاص انهاردة! 



+




صفقت جوري بتهليل وفرحة:  بجد ياعامر؟ هنروح فين؟


شملها بنظرة دافئة: دي مفاجأة، ويلا بينا عشان هنتأخر..! 



+




راقبها يزيد وهي ترحل بصحبة عامر واحتلت ملامحه الراحة وهو يغمغم:  الحمد لله، جوجو رجعت لطبيعتها تاني! 


عطر:  مش قولتلك مش هتهون عليه تفضل زعلانة؟ عامر بيحب جوجو جدا..! 



+




_ وانا بحبك أكتر من اي حد بيحب حبيبته! 



+




فاجأها بقوله وهو يلتفت لها ويفيض عليها بنظرة محبة، فابتسمت وهي ترمقه بذات الدفء: وانا بموت فيك! 


ثم استسلمت كفها لتقبع بين كفه بوداعة وذهبا ليقضيوا يومهما سويا..! 


______________________



+




يعلم انها تختبر صعود الطائرة للمرة الأولى، ضم كتفيها بقوة ليطمئنها لكنها ترتجف خوفا فقرر أن يصرف يذهنها حتي يلهيها عن ضغط الطائرة بقوله: هحكيلك موقف حصلي في الطيارة، كانت في بنت جميلة ركبت جمبي! 



+




انتبهت علي الفور حواس بلقيس لحديثه وهي ترمقه بنظرة عدوانية، فواصل متجاهلا نظرتها:  المهم كانت زيك مش قادرة تتنفس وداخت وبتفرفر، قلت لازم اساعدها



+




رفعت حاجببها بتحذير:  وساعدتها ازاي؟ أوعي يكون اللي بالي؟


أومأ لها بتأكيد:  بالظبط.. فضلت اطبطب عليها ومسكت ايدها عشان تهدى لأنها افتكرت زيك انها بتقع! 



+





        


          



                


فتحت فمها ببلاهة غير مصدقة وهو يستطرد كاتما ضحكته بأعجوبة:  اعمل ايه اضطريت اساعدها.. امال اسيبها تموت؟



+




_ ده انا اللي هموتك وهرميك من الطيارة دلوقت حالا



+




تظاهر بالغباء:  طب ليه ياعمري.. انتي عارفاني شهم وكان لازم اتصرف! 



+




هتفت وجبينها مقطوب مهددة:  ظافر بلاش هزار في الحاجات دي.. انت عملت كده فعلا؟؟؟ 



+




دني بوجهه قليلا وهمس بأذنيها: هقولك بشرط


_ شرط ايه؟


_ اديكي تنفس صناعي مادام مش قادرة تتنفسي! 



+




ضمت شفتيها بقوة حتي لا تضحك وتفسد جدية موقفها، فاردف بصوت عابث:  خلاص، ربنا يرزقنا بواحدة عايزة مساعدة مادام مراتي مش راضية! 


جزت على أسنانها:  ظااافر.. هعلي صوتي في الطيارة وربنا



+




ضحك ووجدته يفك حزام خصرها هاتفا:حمد لله علي السلامة يا أميرتي.. خلاص عدينا الصعود بأمان.. ومش بتقعي من الطيارة ولا حاجة! 



+




اتسعت عيناها بذهول:  هو كل ده كان تمثيلية عشان تلهيني عن خوفي؟ 


_ طبعا.. وعرفت اضحك عليكي.. صح؟


هزت رأسها بضجر زائف، فقبل رأسها وأماله على كتفه: ودلوقت نامي شوية لأنك طول الليل كنتي صاحية، وكمان عشان ماتزهقيش! 


وبالفعل استكانت محتضنة ذراعه واسدلت جفنيها وذهبت في النوم، وأيقظها بعد انتهاء هبوط الطائرة بأمان على أرض سويسرا..!  


___________________



+




_ ايه رأيك يا حبيبي؟



+




بصرها تُبسط كنزتان بلون رمادي يتوسطان فراشهما فتسائل:  ايه ده يا بلي ؟



+




_ دول تيشرتين اشتريتهم وانا في مصر عشان نخرج بيهم سوا اول خروجة لينا في سويسرا.. عجبني انهم زي بعض، ونفسي اتصور انا وانت بيهم ونبعتهم لأهلنا..!



+




_ بس ده بعيد شوية عن استايلي! 



+




_ ليه بس يا حبيبي، التيشرت هيكون جميل عليك وانا نفسي تلبسه عشان نكون زي بعض وتبقي ذكرى لأول جوازنا..  احنا عروسين وطبيعي نعمل حاجات مطرقعة شوية ومش مألوفة خصوصا اننا في بلد تانية يعني ناخد راحتنا



+




جذب خصرها مغمغما: بس كده؟ طلباتك أوامر، مادام نفسك في كده هلبسه انهاردة ونتصور زي ما انتي عايزة واحطها على بروفايلي كمان، هو انا اقدر ازعل حبيبة قلبي..!



+




ضحكت وعانقته ممتنة  ثم استعدا سويًا لنزهتهما الأولي بطرقات سويسرا..! 


………… .


زارت معه عدة أماكن وانبهرت بها وبالأجواء المختلفة التي تحياها معه وأناملهما متعانقتان طيلة الوقت گأنها طفلته التي يخشى أن تبتعد عينه لحظة، أثناء دلوفهما لإحدى الكافيهات تباغت ببعض الفتايات والشباب يصيحون بدهشة لوجود ظافر بينهما مطالبين اياه بالتقاط بعض الصور، يمطرونه بكلمات الإطراء والإعجاب، ورغم غيرتها الشديدة التي طفت على السطح وعيناها ترصد جمال الفتايات إلا أن شعور الفخر بزوجها ومكانته واحترام وتقدير الجميع له، تغلب على غيرتها.. وأكثر ما جعلها راضية ذراعه التي لم تترك خصرها لحظة وهو يضمها إليه گأنها رسالة ضمنية انه يحب زوجته.. وغمرتها سعادة كبيرة حين لمحت طيف الغيرة في حدقتي ظافر وهو يحدج شاب مما يقفون حوله بشيء من الضيق، وذاك الشاب يتأملها بانبهار واضح مما جعل ظافر ينهي سريعا حواره معهم وغادر معها الكافيه! 



+





        


          



                


_ أحنا ماشربناش حاجة في الكافيه! 



+




ابدت دهشتها فتمتم بضيق:  هنرجع غرفتنا في الفندق نرتاح شوية ونطلب اللي احنا عايزنه هناك


تسائلت بخبث: طب انت مضايق كده ليه ياحبيبي؟ 


_ مافيش! 


…… .. .…… 


بعد الصعود لغرفتهما أوقفته ترمقه بنظرة مشاغبة وهي تقول:  أنا عارفة انت مضايق ليه؟


ظل ينظر لها بصمت، فاستطردت وذراعها يشتد حوله: انت غيران عليا يا ظاظا صح؟ 


رفع حاجبيه مع قوله: طب ما انتي واخدة بالك اهو؟! 



+




ثم راد استفزازها عمده كما فعلت وهو يغمز بإحدى عينيه:  طب أخدتي بالك كمان من البنات الحلوة اللي كانوا حواليا..! 



+




تبدلت ملامحها للغيظ وهي تهتف محاولة التخلص من حصار ذراعه تذمرا : أيوة اخدت بالي بس اتحملت عشان فرحت بيك والناس بتحترمك وبتجري تتصور معاك وحسيت بالفخر، ولولا كده كنت ماخليتش واحدة فيهم تقربلك! 



+




واستطردت ومازالت تحاول الابتعاد عنه وهو يتشبث بها:  وسبني عشان اخد حمام وانام شوية قبل ما نخرج بالليل! 



+




فجذبها أخيرا لتصطدم بصدره ووجها يكاد يلتصق بوجه وهو يهمس: بس انا ماسبتكيش لحظة من ايدي، كنت بكلمهم بس عيوني عليكي انتي! 



+




لانت ملامحها وصوته الهامس الدافيء ينفذ لقلبها وروحها بقوة ولمساته تزداد نعومة وتملك وأنامله تعبث بطرف كنزتها لتجده ينزعها لتغرق معه بدوامة جديدة وروحها وجسدها ينصهران معه ويغيبا بضع ساعات مستغرقين في النوم ليواصلان بعدها سهرة خاصة بإحدى الأماكن المميزة كما نظم لها..! 


_________________



+




تراها شاردة أغلب الوقت منذ عودتهما من القاهرة كما لاحظت عدم قدوم عابد كثيرا گ عادته، فقررت أن تستوضح الأمر لعل هناك ما يحتاج تدخلها



+




صعدت لغرفتها فوجدتها نائمة والعصر اقترب آذانه، وهذا أكد ظنها، ابنتها لا تلجأ للنوم الكثير إلا حين تحزن، فاقتربت توقظها برفق: 


_ زوما، قومي ياحبيبتي انتي نمتي كتير جدا 


تململت بصعوبة في فصل جفنيها مع ضوء الشمس الذي غمر غرفتها وقالت:  صباح الخير يا ماما


_ الصباح عدى خلاص، العصر هيآذن، مش عوايدك تنامي كل ده


_ أعتدلت بجلستها:  والله ياماما انا اصلا نايمة الصبح حوالي عشرة كده


_ ليه يا زمزم، في حاجة مزعلاكي؟ وبعدين ملاحظة ان عابد مش بيجي كتير.. حصل بينكم حاجة؟  



+




نكست رأسها بحزن وهتفت:  أنا زعلته يا ماما


_ ليه؟


سردت عليها موقفهما الأخير، فقالت عبير بهدوء:  له حق يزعل منك يا زمزم.. هو حس انك مش ملهوفة تبقي معاه.. انتم فعلا المنطقي تتجوزا بدون تأخير لأن كل حاجة جاهزة، مافيش اي مبرر للمماطلة


_ يا ماما انا مش بماطل بس حبيت بلقيس تكون معايا، ومع كده لما لقيته زعل رجعت وافقت نتجوز عادي بس هو قالي بعدين نتكلم، ومش بيكلمني، ولما بروح المزرعة بيهرب من الكلام وبيتحجج بالشغل! مش بيهزر معايا زي الاول ومتغير..! 



+





        


          



                


_ عشان رد الفعل لو جه متأخر بيفقد تأثيره يا بنتي، انتي وافقتي بس لما هو زعل ولامك ولو بعيونه، يعني تصرفك شبيه بشفقه وجبر خاطر.. لكن هو كان عايز منك حاجة تانية خالص! 



+




أومأت لها بحزن أكبر ودمعت عيناها وهي تقول:  فهمت.. تعرفي يا ماما..ساعات بحس اني ساذجة وعبيطة اوي وكأني متجوزتش قبل كده والمفروض فاهمة طبيعة الراجل وتفكيره..عابد مش بيقصر انه يظهر حبه ولهفته لكن انا بداريهم وبقول بكرة واحنا في بيتنا هكون حرة اكتر..لكن هو مبقاش قادر يكتفي بالاوقات اللي بيخطفها كل يوم معايا.. عايزني جمبه.. كان لازم افهم ده.. بس انا صدمته، صحيح بحب بلقيس بس كان لازم ابين انه الأول في اهتماماتي! 



+




ضمت رأس ابنتها لصدرها وهتفت بمؤازرة:  ياحبيبتي كل راجل له طبع، موضوع جوازك قبله مش معناه انك متغلطيش مرة ولا اتنين، والمهم انك فهمتي ايه زعل عابد! 


_ بس متأخر يا ماما


ابعدت رأسها لتناظرها:  مين قال كده؟ انتي اتصلي بيه وقوليله يعدي عليكي ضروري بعد شغله.. وقومي جهزي نفسك وافردي شعرك والبسي حاجة حلوة واعمليله غدى بايدك.. وانا هروح أجهزلك الركن اللي في الجنينة، واعملك قاعدة رومانسية محترمة..(ومازحتها) ولو ان ابوكي عمل ركن الشجرة ده ليا انا وهو لما انتم تتجوزا عشان نرجع به شبابنا ونستعيد الذكرايات، بس يلا انتي بنتي بردو.



+




ضحكت زمزم ضحكة قصيرة، فواصلت عبير:  


ومهند هيبقي معايا يعني اتبسطي معاه على الأخر.. وحاولي تصالحيه وتبيني مشاعرك وتحسسيه انه رقم واحد في حياتك.. صدقيني الحنية والاهتمام هيرجعوه تاني.. ماشي يا حبيبتي؟



+




_ حاضر يا ماما..ثم عانقتها بقوة وشرعت كل واحدة بتنفيذ ما عليها، ووافق عابد أن يأتيها بعد تمام عمله! 


_________________



+




آتاها رغم إرهاقه طيلة اليوم في المزرعة، فرمق بطرف عينه الطاولة وأطباق أنيقة شهية متراصة فوقها ولا ينكر أنه جائع لكن لا يريد مشاركتها تلك الوليمة، ثم تهكم داخله بتساؤله الصامت..أتُراها تُطبق عليه المقولة الشهيرة " الطريق لقلب الرجل معدته؟" أتصالحه بشريحة لحم وحبات أرز مطهو؟ وعلى ماذا تصالح؟ هل تدري ما يغضبه من الاساس.. ليتها تُخلف ظنونه وتدري ما أحزنه حقًا! 



+




_ خير يا زمزم؟ اتصلتي وقولتي عايزاني ضروري! 



+




تأملته ومازالت كتلة غضبه منها كما هي لم تتفتت، عيناه التي طالما أغرقتها بموجة دافئة تراها الآن باردة حد الثلج.. كيف يفعلها ويقسوا هكذا على زمزمه؟ تنهدت ملتمسة له عذرًا وأضافت على كاهلها ذنب جديد لأنها تسببت في هذا التصدع بينهم.. لكن تقسم أنها ستعيد ترميمه.. سيظل جدار حبها صامد قوي لا يحوي شقوق ينفذ من خلالها أحزان تعكر حياتهما معا..!



+




_ وحشتني ياعابد.. ده مش سبب كافي! 



+




تغبرت حدقتاه بطيف الضعف وكاد يُغمد سيف مقاومته ويعلن هزيمته أمام رقتها وشوقه لها، لكنه تماسك ولم يقول شيء، فاستطردت وهي تحتضن كفه بين راحتيها:  فاكر الوصفتين اللي سألت عليهم ظافر في العيد؟ عملتهم انهاردة عشانك، يلا تعالى ناكل سوا انت أكيد جعان! 



+





        


          



                


استجاب رغما عنه لدعوتها وكفها يسحبه برقة وجلس قُبالتها، وانتابته الدهشة وهي تحاول إطعامه بيدها و تدس قطعة لحم صغيرة في فمه الذي لا يدري كيف أطاعها وراح يلوكها ببطء وحدقتيه مثبتة عليها غير غافل عن تأنقها المبهر وشعرها المسدل على كتفيها بنعومة يشتهي لمسها بأنامله، لكن غضبه مازال راسخًا في نفسه يمنعه أن يعدل عن  موقفه ويُطهر أي اهتمام أو استجابه، فليصبر ليري أولا ما في جعبتها له..! 



+




بعد تناول الطعام بصمت وترقب، تركت مقعدها واقتربت منه واعتلت طرف الطاولة أمامه حتي صارت ركبتيها تكاد تلامس صدره، ثم احاطت وجهه براحتيها وعينيها مزروعة بمقلتيه وهي تهمس:  عارفة انك زعلان مني وفاكرني مش مشتاقة ليك أو بهتم لوجود بلقيس اكتر من اهتمامي اننا نتجوز.. ومش هقدر الومك علي اعتقادك، بس والله انا ماقصدت كده خالص.. كل الحكاية حبيت حبايبي يشاركوني اليوم ده.. ويشوفو فرحتي ويشهدوا عليها..لكن اوعي ياعابد تفتكر انك مش الأهم في حياتي! 



+




بادر بالرد للمرة الأولى ليفصح عن ما في صدره عله يهدأ تجاهها: بس رد فعلك كان عكس كلامك.. أنا تصورت أول ما اقولك هتوافقي والاقيكي متحمسة زيي وانتي المفروض حاسة وفاهمة اني محتاحك واني مبقاش يكفيني اللحظات اللي بنسرقها سوا وانتي أصلا حقي ولازم تكوني معايا علي طول، انتي فكرتي بس في بلقيس، مع ان هي نفسها يمكن لو مكانك كان قرارها اختلف.. وبعدين انتي عارفة إن فرحنا هيكون مجرد تجمع عائلي بسيط مش محتاج ناس كتير تحضر لأن في عقد القران تقريبا كله كان موجود.. قوليلي ايه الداعي انك تستني؟؟؟ لكن السبب انا عرفته يازمزم انتي لسه مش بتحبيني ولا مستعدة شخص تاني يدخل حياتك بعد… 



2




قاطعته بفعل خطف أنفاسه وأذهله وهي تكتسحه بقبله تبخرت معها باقي كلماته ومحت جميع أفكاره..فلن تسمح له ان يقولها.. وعليها أن تُقرن قولها بالفعل ليدرك من يكون بالنسبة لها.. وفعلتها الآن خير دليل! 



+




ابتعدت عنه تسترد أنفاسها و مازال هو تحت تأثير الصدمة والفرحة معًا، لتواصل همسها وجبينها يرقد فوق جبينه:  أنت غلطان لو لسه مش عارف انت بالنسبالي ايه يا عابد.. انت بقيت النفس اللي بيخرج مني، بقيت الفرحة اللي بستناها.. العوض اللي بحمد ربنا عليه كل دقيقة.. ازاي تقول اني لسه مش بحبك وفي دماغي حد تاني؟



+




وابتعدت تناظره بنظرة قوية مستطردة: شعوري بيك حاجة مختلفة خالص محسيتهاش مع حد حتي زياد.. المواقف اللي جمعتني بيك وحبك ليا ولمهند وحربك علشان خاطري كل ده خلق جوايا مشاعر ليك مش قادرة اوصفها.. بس اللي متأكدة منه انها مالهاش مثيل في قلبي.. انت حبيبي الوحيد.. انت اللي مش بشك لحظة في حنيتك على ابني.. انت اللي اسلمك روحي وانا مغمضة وزعلك مني بيخنقني وبحس اني ميته..انت روحي وراحتي وسعادتي.. اوعي تقول تاني انتي مش بحبك ومش مشتاقة نكون سوا زيك وأكتر..! 



+




يعترف أن عاصفة مشاعرها التي جاهرت بإظهارها بتلك القوة هزت قلبه وزلزلته من الفرحة، لم يكن يتصور انها تخبيء كل هذه الطاقة العاشقة له.. الآن أثبتت انها تحبه، صوتها، نظراتها، حتي قبلتها التي اجتاحته بها، كل هذا طمأنه وبدل اعتقاده بل نسفه من الاساس! 



+





        


          



                


وجد نفسه بعد برهة صمت وهو يحاكي ضميره، يجذبها بقوة ويرد لها عطائها العاصف بأخر أكثر قوة وتملك وحنان لينتهي الحال بينهما بعناق دافيء وصوت خافقهما يتناغم بين صدورهما بذات العزف! 


_______________



+




غادر بخطوات متثاقلة تعبر عن ضعف عزيمته ان يتركها، لكن ما باليد حيلة، الوقت الجميل يمضي سريعا گ عادته، والنوم يداعب جفنيه بقوة ويسبب له دوار.. ولولا أنه لا يريد في نفسها أمنية إلا ويحققها لأتم زواجهما بعد ايام كما أراد.. لكن لأجلها سيصبر وينتظر عودة بلقيس لتحضر معها.. وليكن الله في عونه! 



+




___________



+




_ أخيرا رديتي يابنتي



+




زخات الحنان واللهفة في صوت والدتها الملهوف هو أكثر ما تحتاجه أرضها الجافة، لعلها تمنحها قوة تقاوم بها جحيمها المستعر داخلها منذ ظهور الشيطان في عالمها



+




_ ماما..! 



+




قالتها باحتياج لا تتصنعه واستنبضه قلب والدتها بلهفة تمتزج بخوف مبهم:  قلب امك،  وحشتيني يا نور عيني، مابترديش عليا ليه يا رودي انا هموت من قلقي عليكي حاسة فيكي حاجة مش كويسة، قلبي بيقول كده! 



+




ليت قلبها حدثها في الماضي كما يُحدثها الآن! 



+




تهكم ظل حبيس ضميرها، رغم دموعها التي تتلألأ بخديها.. وبسابقة لم تحدث منها قبلًا همست لها : 



+




_ أدعيلي يا ماما.. مش عايزة منك أكتر من دعوة! 



+




قبضة شديدة اعتصرت قلبها وظنها يكتسي بعباءة اليقين هاتفة: فيكي ايه يا حبيبتي، جوزك مزعلك؟



+




لم ترى نظرتها الغائمة وهي تردف بصوت غريب:  مش مهم السبب.. المهم ادعيلي وارضي عني.. يمكن يكون رضاكي سبيلي الوحيد ياماما..! 



+




صرخت عليها:  يابنتي حرام عليكي ريحي قلبي مرة واحدة بس وقولي مالك.. أنا امك يا رودي مش عدوتك، انطقي وقولي مالك! 



+




تفتت قناعها الشارد وأشفقت عليها..  أليست أم مثلها وتفهم وجيعة وقساوة هذا القلق؟ حاولت أن تبدو اكثر هدوء وهي تقول كذبًا:


في مشكلة مع رائد انتي عارفة ده وارد في الغربة وجوازنا مش بقالوا كتير وطبيعي طباعه وطباعي يتصادموا.. وتقدري تقولي هو زعلان مني شوية، عشان كده عايزاكي تدعيلي يهديه ليه و… .


وصمتت ونظرتها تتلون بمقت كبير:  وادعي يبعد عننا الشيطان يا ماما..! 



+




لم يقتنع قلبها ان هذا كل ما في الأمر، لكن يكفي انها تتحدث معاها بهذا الدفء للمرة الأولى وتطلب دعواتها ولن تخذلها



+




_ ربنا يهدي سرك يابنتي ويبعد عنك الشيطان وولاد الحرام ويهون غربتك ويرجعي لينا سالمة انتي وجوزك! 



+





        


          



                


تنهدت هاتفة:  اللهم امين! 


_ طيب عشان. خاطري يا رودي لما اتصل ردي عليا لأن بقلق عليكي.. اما مش بتردي بتجنن، وبعدين انا اختك بتوحشنا  رحمة اوي، ابقي كلمينا فيديو عشان نشوفها..! 



+




هنا سقطت دمعة أكثر حرقة ووجع وشوق وهي تهمس كذبا للمرة الثانية:  حاضر.. لما تصحى وتكون فايقة هكلمكم! 


ساد صمت بينهما وكأن كلًا منهما يتشبث بأنفاس الأخر  مكتفي بدفئه عبر الأثير حتي بادرت رودي:  رائد على وصول.. هقفل واكلمك تاني! 


_ ماشي، وخدي بالك من نفسك.. لا إله إلا الله


_ حاضر.. محمد رسول الله! 


……… ..


اغلقت معها وقلقها لم يهدأ، فافترشت الأرض بسجادة الصلاة وطال سجودها وهي تدعوا بكلمات غير مرتبة لكن نالعة من القلب وعبراتها تزداد غزارة وبكائها تعلوا قوته حتى اهتز جسدها المحني لخالقه وهي تهمس بضراعة ( يارب.. أنا معرفش بنتي مالها.. بس احفظهالي وابعد عنها هي وجوزها الهم والغم ولاد الحرام .. اصلح حالهم وساعدهم لو كانوا في محنة.. يارب أنا أم بتترجى قدرتك ورحمك تنجي بنتي وجوزها من المهالك وترجعها لحضني بخير..ظني فيك خير يارب و مطمنة إنك مش هترد دعايا).. رفعت رأسها وختمت الصلاة وظلت تسبح وتحمد الله وتُكبر وتستغفر إلي وقت لم تدركه حتي غطت بالنوم! 


_______________



+




ينظر لابنته بحنان وهي تلعب مع أولاد شقيقه، ثم وجدها تزحف حتي وصلت لقدمه فرفعها وضمها ليقبلها بحنان:  حبيبة بابا وحشتيني..وراحت الصغيرة تتلمس وجهه بفمها گ القطة گأنها تعبر عن شوقها إليه، فقبلها ثانيا وومض بعينه ومضة حزن لاضطراره تركها هنا.. حالة رودي غير مستقرة.. أصبحت شاردة طيلة الوقت، حتي أن الطفلة وقعت من فوق فراشها دون أن تنتبه لها.. وهذا سبب إحضارها هنا.. أصبحت وتخاف بشكل لا يفهمه، تنتفض ان قرع جرس الباب أو صدح رنين هاتف.. يشفق عليها ولا يملك سوى أن يضمها ويطمئنها طيلة الوقت! 


_ اسمع بقى اخر نوادر بنتك.. امبارح لقيت تليفوني مختفي، وقبلها ميرا مش لاقية نظارة القراءة بتاعتها وكتب الولاد واقلامهم اختفت.. طب فين كل ده مش عارفين؟ المهم رنيت على تليفوني تخيل لقيته فين؟ 


_ فين؟


_ في الباسكت ومعاه كل اللي قولته ده وخيرات ربنا كلها


ضحك رائد من قلبه وهو يحدثها گ القطة فوق قدمه:  كده بردو يا رحمة تكسفينا مع عمو وطنط والولاد..!



+




_ والله دي ماليا علينا البيت، انا مابقيتش اعرف اقعد غير وانا بلاعبها


ابتسم لأخيه:  مش عارف من غيرك هنا كنت هعمل ايه يا أيهم.. ربنا يخليك ليا


ربت على ركبته بوفق:  ولا منك ..المهم عندي ليك خبر كويس


_ خير خبر ايه؟


_ في دكتور نفسي هايل سألت عنه وقلت ليه ماتاخدش رودي عنده؟ صدقني مراتك عندها مشكلة نفسية كبيرة



+




تنهد بما يُثقل قلبه من حزن:  ياريت.. قولتلها غعلا ورفصت وفصلت تعيط وتقولي انا هخف لوحدي.. معرفش مالها انا هتجنن وزعلان علشانها، وكمان رحمة ذنبها ايه تبعد عنها


_ معلش أزمة وهتعدي، المرض النفسي ده زي اي مرض بيصيب البني ادم في اي فترة من خياته.. واضح ان في ترسبات جوة مراتك تعباها.. خليها تروح للطبيب وبأذن الله خير


_ يارب يا أيهم ..يارب! 



+





        


          



                


___________


_ ازيك يا رائد عامل ايه ورودي اخبارها ايه؟


_ الحمد لله على كل حال يا ميرا.. بإذن الله تكون افضل! 


واستطرد:  انا عرفت ان رحمة مجنناكم معلش بقى اتحملونا


تبتسمت بحنان حقيقي:  لا ماتقولش كده، والله انا شايلة هم لما تيجي تاخدها، انا اتعلقت بيها جدا.. ربنا يحفظهالك! 


ثم رمقت زوجها بنظرة فاترة وقالت:  طيب هستأذن اعملكم قهوة! 



+




لاحظ نظرات متوترة بين شقيقه وزوجته فتسائل بعد ذهابها:  ايه يكيا " أيهم" انتم زعلانين ولا ايه؟


_ حاجة زي كده


_ ليه بس دي ميرا طيبة وبتحبك ومش شايفها مقصرة معاك


_ منا عارف يا رائد ومستحيل انكر، ميرا دي حب عمري! 


_ امال مزعلها ليه؟


_ هقولك وانت احكم.. انت عارف انها مهوسة طبخ وبرامج المسابقات بتاعة الشيفات، كانت متابعة مسابقة من فترة وفاز فيها شيف مصري وهي مبهورة بيه و عرفت عن طريق مجلة انه جه هنا بيقضي شهر عسل مع مراته، لقيتها بتتنطط زي العيال وبتقولي انها عارفة الفندق اللي هو فيه وهتروح تتصور معاه.. طبعا انا اتجننت عليها واتعصبت جامد واتخانقنا، ومن وقتها مكشرة زي ما انت شايف! 



+




ابتسم رائد: فهمت، يعني الموضوع غيرة، بس مافيهاش حاجة لما تحققلها رغبتها، روح معاها يا سيدي واتصوروا سوا


_ منا نويت على كده والله، بس كان لازم اخد الموقف ده، انا راجل ومن حقي اغير! 


ثم همس بأذنيه بحرص:  بس نسيت اقولك الشيف ده متجوز حتة ست.. جمالها اسطوري يا ابني، لو شوفتها هتنح ومش بعيد ترجعلك الذاكرة.



+




لا يعرف لما شعر بتلك الانقباضة الغير مبررة، فنهض شقيقه قائلا:  هروح اجيبلك المجلة تشوفهم، دقيقة وراجع! 



+




اثناء ذهاب "أيهم" أحضرت له ميرا القهوة وغادرت، فعاد شقيقه وهو يضع أمامه المجلة مع قوله:  اهي شوفها..! 



+




أكمل رشفته الاولى من فنجانه ثم التقط المجلة بيده الحرة ووقعت عيناه على صورة الشيف المقصود وهو يحوط بذراعيه فتاة باهرة الجمال بالفعل كما وصفها أخيه..تأمل وجهها وشعر كأنه مألوف لديه.. نظرة تلك الفتاة ليست غريبة عليه.. ضيق حدقتاه وهو يتأملها باهتمام لم يعيه ثم بغتة شعر بدوار والصور أمامه تتضاعف، كل صورة تنسلخ عنها أخرى كأنها شبح ينفصل عن حدود الجسد.. الرؤية تزداد تشويش، صداع غريب اكتنفه فسقط فنجان القهوة من يده وأمسك رأسه من الجانبين بقوة والآلم يزداد ضراوة والعرق يندي على جبينه وأنفاسه تختنق ويشح الهواء برئتيه! 



+




_ رائد… رائد مالك.. طب اشرب شوية ميه! 



+




بدا صوت شقيقه بعيدا نوعا ما رغم انه جواره يكاد يلتصق به، شيء ما يحدث له كأنه يقع في قلب دوامة تسحبه داخلها بقوة.. لقطات خاطفة تتوالى في مرآة عقله لا يفهمها، وشوش ضبابية الملامح. أصوت تتداخل دون وضوح! 



+




_ رائد رد عليا مالك.. طب تعالي نروح لدكتور..!



+




هنا بدأ الإدراك والهدوء يعود رويدا وصوت أخيه يظهر بوضوح، والرؤية تعود لوضوحها والصور تلاشت ولم يبقى سوى وجه " أيهم" المفزوع يصيح بقلق:  رائد مالك حصلك ايه انا خايف عليك! 



+




غمغم بوهن طفيف:  متخافش يا أيهم انا بخير! 


_ بخير ازاي انت ماشوفتش نفسك انا دمي نشف، فجأة الفنجان وقع من ايدك ومسكت دماغك بتتألم وحسيتك مش سامعني خالص! 



+




_ معرفش سبب اللي حصل.. فجأة دوخت وحسيت بوجع رهيب وخيالات بتروح وتيجي في دماغي مش فاهمها.. 


ربت على كتفه:  معلش يمكن ارهاق.. المهم. انت بخير دلوقت؟


_ الحمد لله، ونهض هاتفا:  انا همشي بقي عشان رودي، وهعدي عليك تاني! 



+




ورحل وصورة الفتاة تفاصيلها لا تبارح ذهنه، كأنه يعرفها.. هل يمكن ان تكون كذلك؟ تنهد بخوف مبهم وتوجه لزوجته كي يطمئن عليها..!


____________



+




تصاعدت نوبة سعالة المعتادة وكاد يختنق لولا ان هدأ صدره واستعاد انتظام أنفاسه ثم أشعل لفافة تبغ خبيثة متلمسا منها شعور زائف بالراحة، وقبل أن تنتهي أطفأ عقبها المشتعل بورق غلاف مجلة لامعة تحمل صورتها هي وزوجها تحت عنوان " الشيف الوسيم وعروسه الفاتنة في 


Honey moon".


.والتقط هاتفه ثم قال محدثا الطرف الاخر: عندي كلام جديد هيغير الاتفاق اللي بنا والمبلغ هيزيد للضعف! 


______________


تكملة الرواية من هناااااااا 


تعليقات

التنقل السريع