رواية نفق الجحيم (الجزء الثاني) الفصل السادس والاربعون والسابع والأربعون والثامن والأربعون والتاسع والاربعون والخمسون وألواحد وخمسون الأخير بقلم ريناد يوسف كاملة
رواية نفق الجحيم (الجزء الثاني) الفصل السادس والاربعون والسابع والأربعون والثامن والأربعون والتاسع والاربعون والخمسون وألواحد وخمسون الأخير بقلم ريناد يوسف كاملة
. نفق الجحيم الجزء الثاني الفصل السادس والاربعون
❈-❈-❈
طلع ابو دراع من البيت، وشام شافته طالع من البوابه وراحت على بتها تشوف خبر ايه، وتشوف ياترى تم اللي بتها كانت عتخططله طول اليوم امبارح ولا ابو دراع لساه على عنده، مع انها تستبعد إنه يكون قدر يتماسك النوبادي لأن ربيعه كانت ناوياله وحاطه فعقلها ياكاتل يامحبوب.
وبمجرد ماخبطت عالباب وغابت شويه وبعدها ردت عليها ربيعه وجات فتحتلها وشافت جناين ورد طارحه على وشها اتبسمت بفرحه وخدتها فحضنها وهي عتباركلها من غير ماتتكلم، لان الفرح عيبان عالوشوش والجواب عيبان من عنوانه.
وبعدها دخلوا التنين وشام مخلتش ربيعه تعمل اي حاجه في اليوم ديه وقالتلها ارتاحي انتي عروسه، وكانت فرحتها تساوى الف فرحه وهي عتشوف بياض بتها وحمدت ربها ان الأمر تم طبيعي وتم بحب ومجربتش ولا عاشت ولا حست باللي هي حست بيه، وخلى روحها تكش اول ماتسمع سيرة الحاجه داي.
❈-❈-❈
أما ربيعه فاتسبحت واتزوقت ولبست توب حلو يليق بعروسه فصباحيتها، وبس عاود ابو دراع وهو شايل ومحمل من كل شكل ولون، ومن اللي كل اللي قلب ربيعه يحبه وعارف نفسها عتهواه،
جريت عليه ربيعه واستقبلته وحبت تاخد منه الحاجه وتنزلها، لكنه رفض ودخل هو الحاجه بنفسه، وعاود قعد مع ربيعه فأوضتهم وهملوا شام تجهز في الفطور، وسرقوا من الزمن لحظات سعادة جديده، قرب فيهم ابو دراع من ربيعه وخدها فحضنه وضمها بأديه التنين كيف مايكون عايز يدخلها بين ضلوعه،
وهي ضمتها ليه متقلش عنه قوة وقلبها عيزايد على قلبه فى الدقات من الفرحه، كيف ماتكون قلوبهم عتباهي بعضها بالسعادة وتجاهر بيها بحس دقاتها العالي.
واخيراً ربيعه سكنت حضن ابو دراع ووصلت لمسكنها الآمن وبيتها الدافي وحصنها المنيع اللي مش هتغادره تاني واصل.
أما ابو دراع فكان ضامم ربيعه كيف مايكون ضامم سنينه اللي اتسرقت منه وردتله فهيئة ربيعه، وسعادته اللي كان فاكر انه مليهش نصيب فيها واتاري الدنيا عتحوشهاله ورجعتهاله كلها مره وحده وبقي عامل كيف اللي كان عامل حصاله بقاله سنين وعمال يحوش فيها كل ماله ولما فتحها لقى فيها فلوس تغنيه لباقي عمره.
وبعد حضن طويل استكانوا فيه على انفاس بعض بعدوا وهما سامعين حس شام عتقولهم الفطور جاهز، وطلعوا وقعدوا هما التلاته يفطروا وهما طايرين من السعادة وكل واحد فيهم حاسس ان مراده واكبر أمانيه اتحققت.
وبعد الفطور ابو دراع طلع راح يشتغل بالجرار ويختلي بروحه ويحاول انه يصدق اللي من امبارح عيجراله، ويستوعب كمية السعادة اللي ربنا زاحها على قلبه بالقناطير، وطول ماهو شغال شكل ربيعه وملامحها وضحكتها ودلعها مخلين عقله مهمله وسارح فملكوتها، ومن كتر السرحان حرت الغيط كذا وش وهو مش منتبه على روحه.
❈-❈-❈
أما ربيعه فقضت وكت غياب قطب عنها على نار وهي مستنياه ورايحه جايه في الجنينه وعينها عالبوابه ومستنيه هلته عليها، وكل هبابه تبرطم عليه اللي سابها فصباحيتها وطلع يشتغل وهي لساها مشبعتش منه ولا من قربه اللي ماصدقت تنوله.
❈-❈-❈
واما شام ففضلت مراقبه بتها وفرحتها ولهفتها واشتياقها لجوزها حبيبها وحست بأن سعادة الدنيا كلها غمرت قلبها وعوضته عن كل وجع قاساه، وإن ربنا عوضها فبتها اللي اتحرمت منيه، وبقت حاسه إن هي اللي عتعيش الفرحه مش ربيعه.
❈-❈-❈
اانقضت ٣ ايام عاش فيهم ابو دراع مع ربيع عمره في جنه مكانش يعرف علومها ولا كان يعرفلها طريق ولا يعلم بوجودها، وحس إن ديه جزاءة من ربه في الدنيا على بياض قلبه وحبه للناس، وكل يوم يحمده على جنة الدنيا اللي خلته يتسائل من حلاوتها على جنة الآخره اللي تفوقها باضعاف كيف تكون.
كل لحظه وكل دقيقه يحس إن ربيعه ماسكه قلبه وسنين عمره وعتجرى بيهم لورا وترجع بيهم لعهد الشباب، ورجعتله إحساس عنفوان قلوب الشباب اللي عترفرف مع نسايم الشوق وتطلع للسما وتنزل فثانيه بسبب نظره او ابتسامه او همسه من الحبيب،
رجع عاش إحساس الحب من تاني، احساس مختلف خالص عن اللي كان يحسه من تلا بدور، إحساس انضج واكبر واحلا واعمق، حب اتجمعت فيه كل كل العلاقات، حب الاب لبته والاخ لاخته الصغيره والصاحب لصاحبته والخليل لخله، واخيراً الحبيب لحبيبه.
وفي التلات ايام دول شام في النهار فبيت قطب وبالليل في أوضة ستها عديله سهرانه الليل مابين قيام وتسبيح وذكر وحمد، وفصباح اليوم الرابع سمعت حس كرار فى البيت الصبح بدري عيزعق وشوقيه عترد عليه بالحس العالي، فقامت مهبوشه وخايفه احسن يعرف انها فبيته ووكتها يهجم عليها هجوم الصياد اللي غاب وعاود لقى شبكته صايده طيره وحاجزاهاله من غير تعب منيه ولا جهد.
التزمت السكوت لغاية ماالصمت عم البيت ومن الواضح ان كرار همل البيت وطلع، وشوقيه كمان الظاهر انها مشت هي كمان، ففتحت شام الباب وطلت من الأوضه وبصت شمال ويمين ولما ملقتش حد قفلت باب الأوضه وطلعت جري على بيت ابو دراع وبمجرد مادخلته حست انها عاودت لمنطقتها الآمنه.
أما كرار فطلع من البيت عالمندره وهو عيغلي غلي وكالعادة شوقيه سبب كل المشاكل مقدرش ياخد منها لا حق ولا باطل، وقعد ينفخ ويفش كل مايتفكر عياله ورفضهم انهم يرجعوا معاه البلد ويكونوا دراع ليه هو وسند فكبره زي ماكان عيتمناهم مش سند لخالهم اللي ممشيهم تحت امره كيف الجنود وواخدهم تحت باطه وماشيين تحت رجليه وعلى خطاويه، ونسيوا ابوهم وزهدوا البلد وعيشتها واتخوجنوا وبقى لبسهم وحديتهم وتصرفاتهم كيف اهل بحري وحس انه خسرهم خالص.
وطلعت شوقيه لاوضتها مع ولدها الصغير اللي شغل كل تفكيرها ونساها كرار وصرف تفكيرها عنه، ومبقتش راجيه منيه اي حاجه لا قرب ولا محبه، وكل اللي ليه فقلبها دلوك كره وحقد ورغبه فى الانتقام بس مؤجله الى حين.
❈-❈-❈
عاود ابو دراع من الغيط بالجرار بتاعه وركنه قدام البوابه ونزل منه، وهو داخل بص في المندره شاف كرار قاعد فيها مدرمس وحاطط راسه بين اديه ومهموم، فراحله ووقف قدامه وقاله:
ايه أمال جاي من بحري شايل طواجن الدنيا على رلسك مش طاجن ستك بس؟ حمدالله عالسلامه.
كرار رد عليه وهو لساه على وضعه:
الله يسلمك.
ابو دراع وهو عيقعد جاره:
وه! مالك إكده ياقزين حازك شاكر وحدك وزردك إهناك ولا ايه؟
كرار: لو على الزرد فهو زردني بس مش ضرب ولا عراك.. له زردني فى عيالي، عصر قلبي عصر وبعدهم عني وخدهم ليه.. اني خلفت وهو خد عالجاهز.
ابو دراع اتنهد ورد عليه بتشفي:
سبحانك ياربي..سبحان من جعل لكل شي قصاص حتى البعد.
حرمت اهل من بتهم فربنا حرمك من عيالك، عزبت قلوب بالبعد وشوف قلبك عامل ايه دلوك.
اشرب ياكرار ديه الكاس اللى سقيته للناس ودارت الدواير عشان تشرب انت كمان منه وتدوق نفس المرار.
ولسه ياكرار، ولسه كل اللي استقويت بيه على الغلابه جايلك وحده وحده.. افتح حجرك واتلقى.
خلص كلامه وقام عشان يمشي فرد عليه كرار بعتب:
فرحان فيا ومتشمت ياصاحبي؟
ابو دراع:
أكدب عليك واقولك له.. فرحان والله وشمتان والشماته في الظالم لا عيب ولا حرام، الشماته في البريئ المتكاد المظلوم هي اللي حرام والشامت فيها عيدخل في قصاص الشماته.
كرار بإبتسامة وجع:
إشمت وإفرح وانبسط يعني هي جات عليك؟ مالكل دلوك متشمت وفرحان فى حالي..من شوقيه لشام لبتها لشاكر لاخواتي.
ابو دراع: برضك محدش شمت فيك الا وكنت انت العايل بيه وغلطان في حقه الف غلطه.. وشاكر ديه اللي كنت متبق اخته زمان في الرايحه والجايه فكرك هينساها حتى لو اتجوزتها.. والله الكيد عيتخزن جوا القلب والعقل وماعيتنسى مهما طالت السنين.
خلص كلامه واتحرك من قدام كرار وهمله بناره وراح. هو لجنته اللي مستنياه وهو عيتعجب فى سره كيف من ضهر ابليس كيف كرار يتخلق ملاك كيف ربيعة قلبه اللي لاتشبهه لا فى خلقه ولا اخلاق.
ودخل الجنينه وبمجرد دخوله جريت عليه ربيعه كيف التايهه اللي لقى وجهته اخيراً وهو خدها فحضنه كيف الطير اللي رجع لعشه بعد سعى النهار وقلبه فايض من المحبه والشوق لولفه.
ودخل البيت لقاها محمياله الميه ومجهزاله غياره ومحضراله هي وأمها احلا وكل، والتلاته اتجمعوا ياكلوا على طبليه وحده قبل مايقعدوا عليها حطت عليها الموده والحب والبركه، وقعد ابو دراع يتوسط اللي بقت في معزة الروح، واللي فمعزة الاخت،
ولقى العيله اللي عاش طول عمره محروم منها وعرف طعم الدفا اللي عيهون تعب وشقى اليوم وداق حضن اخر الليل اللى عيزيل اوجاع القلب اول بأول ويرجعه لبدء خليقته خالى من أي هم.
خلصوا وكل وقام ابو دراع وخد ربيعه معاه قاصدين بيت جدها، بس الاول ربيعه فاتت على خالتها بسيمه وبشرتها بإن المراد تم، وبسيمه من فرحتها زغرتت وزغروتتها خلت ربيعه ضحكت، وحتى ابو دراع اللي كان واقف بره البيت ابتسم، وخجل وبص للارض وهو واعي بسيمه طالعه من البيت وجايه عليه والضحكه شاقه خشمها شق، ووقفت قدامه وبحس فرحان قالتله:
إمبارك عليك الفرح وزينة الدنيا ياابو دراع، يجعلكم لبعض سكن وسكينه ويكفيكم شر عيون الناس الحسادة.
ابو دراع رد عليه وهو مبتسم:
تخطيطك ديه كله يابسيمه.. ارتحتي دلوكيت؟
بسيمه: إيوه ارتحت ومش بس اني اللي ارتحت، انت كمان ارتحت وربيعه ارتاحت وشام ارتاحت والكل ارتاح والقلوب كلها استكانت.. وإيوه تخطيطي والمفروض تشكرني عليه كل صبح وعشيه.
ابو دراع: واللي عشكرك وعحمد ربنا فكل حين.. ودلوك يلا ياام عزام نادمي ربيعه خلينا نلحقوا القطر على بيت جدها.
ردت عليه ربيعه من ورا خالتها وهي عتعدل فى طرحتها:
اني جيت اهه ياضى عيني يلا بينا.
قالت كلامها وكانت وصلت حداه، وبحركه جريئه غير مسبوقه فمحيطهم لفت يدها حوالين وسطه، وهو بدال ماينهرها كيف اي راجل صعيدي لف يده على كتافها بمحبه ومشى بيها وهو واخدها تحت، وبسيمه بصالهم ومبتسمه وهي شايفاه واخدها تحت باطه كيف طائر الرخ اللي محاوط يمامه تحت جناحه ومضلل عليها وهي بس اللي هاماه من كل الدنيا.
وبس بعدوا عنها انتبهت لروحها وزعقت بعلوا حسها وقالتلهم:
ربيعه سلميلي على اللي رايحالهم وانتي ومعاوده حودي عليا هحضرلك حاجه تاخديها معاكي وانتي راجعه على بيتك.
بصتلها ربيعه لورا وهزتلها دماغها بحركه توحيلها انها سمعتها، وكملت هي وقطبها طريقهم وراحوا لبيت جدها وفرحوهم بالخبر اللي خلى قلوب الكل رقصت رقص، وبس خدوا قعدتهم وهموا عشان يروحوا اتفاجئوا ببشاير ودهب باعتين السيد للسوق وجايب ليهم زياره كبيره من كل شي، وديه غير الحجل الدهب اللي دهب عطته لربيعه نقطت جوازها، وجدها كمان عطاها اللي فيه النصيب فلوس نقطتها، وحتى بشاير عطتها فلوس، بس السيد هو اللي عطاهالها وقالها تديهملها كأنها هي اللي منقطاها عشان لو عطاها هو مش هتمد يدها ولا تاخدهم منه.
وعاودت ربيعه بزياره ودهب وفلوس كيف ماتكون بت عمده، وأهل امها رفعوا راسها قدام جوزها وعلوا قدرها مع ان قدرها عن قطب مش محتاج علوا ولا الزواير والفلوس والدهب يفرقوا معاه كد ماهي تفرق معاه.
وكانت هتحود على خالتها بسيمه، لكنها راحت عالبيت فلاول بالزياره وقالت تبقي تروح لخالتها عشيه، البيبان مفتوحه قدامها والطلعه والرجعه براحتها ومفيش عليها سجان.
وبس عاودت وشافت شام الزياره وحكتلها ربيعه علي فرحة الكل بيها وبجوازها من قطب فرحت شام لفرحتهم، وطفت نار شوقها بأخبارهم علي لسان ربيعه، وبلغتها ربيعه بدعواتهم وهي ردتلهم كل دعوة عشر اضعافها، ودخلت بعدها اوضتها وهملت العرسان ياخدوا راحتهم بعد ماشافت نظراتهم لبعض وشوقهم اللي ماعادش قادر يتخبى.
وعدى اليوم وربيعه نسيت امر خالتها بسيمه خالص، ونسيت الدنيا كلها وهي فحضن قطبها، ومفتكرتش غير تاني يوم، فراحتلها واتفاجئت بيها مجهزالها زياره اكبر من زيارة بيت جدها، وغير إكده شاريالها جوز غوايش مباريم لبستهملها نقطتها واتمنتلها حياة سعيدة مليانه بكل الفرحه اللي اتحرمت منها هي وشام، وإن اللي اتقطع من قلوبهم يتوصل فقلبها، وإنها تعيش اللي هما معاشهوش.
ومشيت ربيعه على بيتها وهي حامله الزياره وحامله دعوات خالتها، ورايحه بيهم لبيتها وعشها اللي حبته وحبت ارضه وسماه من ساعة مااتنقلت من بيت المقاول لبيت قطب.
❈-❈-❈
وعدت الايام والايام بقت شهر والتاني والتالت ووصلت الشهر السادس بعد تمام جواز ربيعه من ابو دراع، وربيعه مكمله فتعليمعا ومتفوقه وقطب وراها ساندها وعيدفعها للتقدم بكل قوته وجهده ودعمه وإيمانه بيها ومحبته ليها اللي مخلياه عايزها تكون اعلى الناس واحسنهم، وكل ماتنجح وتتفوق يحس ان هو اللي نجح وإن ربنا استجاب لدعواته المستمره.
وبعد الست شهور ماعدوا، قاعد ابو دراع فى الجنينه لا بيه ولا عليه وطالق غنماته يرعوا، وسرحان وهو مبتسم وعيسترجع آخر كلامه مع ربيعه وآخر مناغشتها ليه وكلامها الحلوا معاه، واللي بقي يطوى الوقت طي ويخلص اشغاله قوام قوام ويعاودلها طاير على جناح الشوق ويلقاها مستنياه بلهفة الدنيا كلها ومحبة كل المحبين.. واثناء تفكيره فيها حس بقعدتها وراه واديها اتسللوا من تحت باطاته وحاوطوه وحضنته من ضهره وهمستله بعشق:
إتوحشتك قلت اجي اقعد جارك هبابه.
ابو دراع حضن اديه بأديه التنين ورجع دماغه لورا سندها على دماغها ورد عليها:
والله متمنيكي ماتفارقيني ولا هبابه ولا تبعدى عني مقدار خطوه وحده.. انتي بقيتي ليا كيف النفس اللي داخل وطالع جواي ومن غيره يكون مصيري الموت.
طبعت ربيعه بوسه حانيه على كتفه وشددت ضمتها عليه وبعدها همستله بمحبه:
أبو دراع قولي عتتمنى ايه من الدنيا؟
رد عليها وهو عيرفع يدها ويحب باطنيتها:
من بعدك انتي معادش ناقصني شي ولا عتمنى من الدنيا حاجه واصل.
ربيعه كملت همسها:
ولا واد من صلبك يحمل اسمك ويمسك فطرف توبك ويروح معاك وين ماتروح ويقولك يابوي؟
سكت ابو دراع ومردش عليها ولما طالت صفنته سألته ربيعه وهي عتبعد عنه وتفك اديها من حواليه:
كنك ممتمنيهاش ياقطب ولا عايزها؟
رد عليها ابو دراع وهو عيلف عليها:
فيه حاجات ياربيعه منقدروش نتمنوها حتى.. وبعدين ويني اني ووين الخلفه والعيال، فين العمر الباقي اللي هعيشه عشان اخلف عيال واربيها؟
ردت عليه ربيعه وهي عتحط يدها على بطنها بزعل وكسرة خاطر:
يعني اقول لولدك اللي فبطنى ديه ايه دلوك، اقوله ابوك معاوزكشي؟
ثواني فضل ابو دراع باصصلها ومش مستوعب اللي قالته، ولما استوعبه وقف على حيله وبرق عنيه وسألها بحس عيرجف رجف:
ربيعه انتي عتقولي ايه، بالله عليكي ماتهزري فى الكلام ديه ولا تتمضحكي في اللي مينفعش فيه ضحك.
ربيعه مسكت يده وشدته وقعدته جارها تاني وهي عتقوله:
إنت قولت بنفسك إن الحديت ديه مينفعش فيه هزار ولا ضحك. اني حبله ياقطب، اني حبله بولدك.
سمع ابو دراع كلامها وبحركه خاطفه خدها فحضنه وضمها عليه ودفن دماغه فرقبتها، وبس عيمل إكده ربيعه حست بأنفاسه اترعشت، وشي دافي سال على رقبتها، فبعدته عنها وبصت لوشه وشهقت وهي واعيه دموعه لأول مره فحياتها، وهو من خجله من دموعه حط وشه بين اديه، فبعدتهم ربيعه قوام وخدته تاني فحضنها وهي عتقوله:
عتبكي يانضر عيني، عتبكي ياحشيشة الروح.. ليه البكا طيب؟
رد عليها قطب بحس يادوبه طالع من خنقته بدموعه:
غصب عني مقدرتش امنع روحي النوبادي، اللي حسيت بيه بعد كلامك خلى محداييش سيطره على حالى بالمره.
حبله صوح ياربيعه؟ بالله عليكي حبله صوح، يعني اني هياجيني واد ويقولولي ياابو فلان بعد العمر ديه وهخلص من لقب ابو دراع اللي قضيت عمري كله وهو مقرون بيا.. يعني اني هبقى اب ياربيعه وهتخلفيلي ولدي؟
هزتله ربيعه دماغها بتأكيد وهو بس عيملت إكده قام وقف على حيله وميل عليها وشالها وفضل يلف بيها بفرحه وهي ماسكه فرقبته ودافنه دماغها فصدره وتضحك وفي الاخر نزلها ومسك اديها وفضل يحب فيهم وحده وحده وفي الاخر مسك وشها بين اديه وقالها:
اطلبي واتمنى عليا يابت قلبي وروحي، قولي نفسك فأيه وأجيبلك ايه حلوانك ياللي عطيتيني ملذات الدنيا كلها ويحضر لعيونك في التو والساعه.
اتبسمت ربيعه ومسكت اديه التنين ورفعت يده حبتها وردت عليها بعدها:
إنت حلواني وإنت كل عطايا الدنيا.. إنت اللي فنفسي واللي اتمنيته ونولته.. انت ياقطب اكبر امنياتي اللي ربنا حققهالي ومن بعدها كل الاماني صغيره ومليهاش عازه.
خلصت جملتها ولقت روحها فحضن ابو دراع مره تانيه، والنوبادي الحضن طول اكتر من كل مره خدها فيها فحضنه، كيف مايكون حضنها حصتين، حصه ليها وحصه لولده.
وكل اللي جرا مابينهم ديه كان فيه اتنين شايفينه بكل تفاصيله، وحده منهم شام اللي من ساعة ماعرفت إنت بتها حبله وهي لا على حامي ولا بارد من الفرحه، ولما ربيعه طلعت تبشر قطب بالخبر طلعت تتفرج على رد فعله اللي كانت متوقعاها وحصلت بالملي كيف مااتوقعتها، وشافت بعيونها ابو دراع وهو ممصدقش حاله من الفرحه، وحست شام إن خبر حمل ربيعه هو العوض الحقيقي لابو دراع عن كل سنين عمره اللي فاتت، وإن العيل اللي هتجيبهوله هيكون بمثابة طرح المحبه واللي هيحلى دنيتهم اكتر واكتر والاهم هتوبقي جده وهياجي اللي هيشغل وكتها ويملا قلبها ويملا حجرها ويأنس ليلها ونهارها.
اما التانيه اللي كانت مراقباهم وقلبها قارصها من الغيره، هي بدور اللي كانت واقفه فوق سطح البيت وشايفه كل اللي عيجرا بين ربيعه وابو دراع وعتتحسر على كل المحبه اللي كان المفروض تكون كلها ليها هي واتحرمت منها بسبب عمها وابوها اللي وقفوا فطريق سعادتها وعطوها لعزت اللي مخدتش من جوازها منه غير كل وجع.
❈-❈-❈
وعدوا كام يوم وعشان فيه ناس فرحتها مش عتتم على خير وصل لبيت المقاول جوابين، واحد لصفوت والتاني لابوا دراع، والتنين من ممدوح وعيبشرهم فيهم بأنه خلاص راجع بعد ٦ شهور وهيشيعلهم فلوس يشتروله بيت من بابه ويجهزهوله، وعيفكر ابو دراع ان ربيعه خلاص كلها شهور وهتكمل ال١٨ وحان أوان الوفا بالوعد ورد الامانه لاصحابها
بقلمي ريناد يوسف
يتتبع
نفق الجحيم الجزء الثاني الفصل السابع والأربعون
❈-❈-❈
بعد ماقرت ربيعه جواب ممدوح لابو دراع شافت ملامحه اتبدلت للحزن ومسحة ندم لاحت جوا عنيه فمسكت جواب ممدوح وشقته نصين قدام وشه وهي عتقوله:
قطب انت مش خاين عهد ولا خسيس ولا عميلت العيبه والغلط، انت غلطت فوعدك من لاول لأنك وعدت باللي ماليكش عليه سلطان، ومحدش يوعد بحاجه تخص غيره ويزعل لما مايوفيش بوعده.. الوعد ليه اصول والعهود ليها شروط وموازين وإنت عهدك باطل.
رد عليها قطب بوجع:
وعدته هتفضلي كيف بتي لحين بلوغك سن الرشد وعلى اختيارك انتي هتمشي الأمور.
ربيعه:
وعدته بحاجه لو نفذتها كنت هتعصى ربنا وانت مانع روحك عني ومانعني عنك ومفيش وعد يحرم حلال ويكون صحيح.
ودلوك من غير ماياخدك الفكر وعقلك يفضل يودي ويجيب، اني عايزاك تحط فبالك اني حتي لو كنت اتطلقت منك كفالله الشر مكنتش هتجوز ممدوح ولو هو اخر راجل في الدنيا.
اني نسل بيت المقاول ميلزمنيش ولا ارضى إني اكون سبب في إمتداده واجيب من بطني نسخ صغيره من كرار.. ومتقوليش ممدوح غيرهم عشان انت سيد العارفين إن العرق دساس ولازمن الدم عيحن لأصوله، والبيت ديه اصوله ظالمه وإنت خابر زين.
رد عليها قطب وهو سرحان:
والله الاصول ماكان فيه اطيب منها سوا جدي كارم سوا عمي توفيق سوا ستي عديله، دول بس عيال حوريه اللي طالعين نبته شيطاني بسبب ان حوريه اللى كانت ترويها من طبعها الشين.
خلص كلامه وهملها وطلع وهو عيفكر ياترى هيقول ايه لممدوح لما يعاود ويقف قدامه وهيكون ايه عذره وهو خابر اللي فقلب ممدوح من تلا ربيعه، كيف هيتحمل يسمع صوت كسرة قلبه وهي عتسمٍع فروحه من شدتها، كيف هيقدر يشوفه وهو عيموت قدامه من الصدمه والخذلان؟ قد ايه كان يتمنى إن صحيفته تفضل بيضه قدام ممدوح ومتتلبَخش، لكن للاسف ماعلى القلوب سلطان.
وبعدها همس لروحه وهو عياخد نفس ويزفره.. سامحني ياممدوح القلب اناني بس يعشق، ومعيشوفش غير حاله وبس.
❈-❈-❈
أما صفوت فلما قرا جواب ولده، وقبلها كان سمع بخبر حبل ربيعه من ابو دراع فرح وشاف إن خلاص ممدوح راحت عليه اي فرصه مع اللي لساها من وجهة نظرهم بت حرام ومتليقش بيهم، وإن ربنا نجاه منها.
وميعرفش إن ربنا سبحانه وتعالى نجدها هي من عيله من كبيرها لصغيرها كانوا هيعاملوها على إنها بت زني لاخر عمرها، ويصير على عيالها من ممدوح نفس اللي صار عليها من قسوة ونبذ، وديه شي عمر ربيعه ماكانت هترضى بيه ولا هتسكت عليه.. وعشان إكده مستثنيه ممدوح من كل حساباتها من زمان، بس ياترى مين يفهم.
❈-❈-❈
وعدت الايام وابو دراع تناسى موال ممدوح وتركه لحينه، وربيعه يوم عن يوم بطنها تكبر ويبان عليها الحمل وشكلها ابتدا يتغير وتبان اكبر،
وكل ديه ابو دراع متابعه لحظه بلحظه وفرحان ببت روحه اللي كل مالها وتحلا وتطيب قدام عيونه كيف حبة الفاكهه اللي ميتشبعلاهاش من حلايه،
وغير إكده حلمه اللي فبطنها وعمال يكبر قدامه ويقرب ميعاد تحقيقه،، الحلم اللي من استحالته كان يستحى حتى يحلمه وهو وصل لسن الاربعين ومن وجهة نظره راحت عليه وولى أوان إنه يكون اب واللي كده عيجوزوا عيالهم، وهو واخد وحده من عيالهم كمان.
أما شام فكانت محاديه ربيعه ومدارياها كيف الميه فى الصينيه ومتابعاها فى الحركه والمشيه والقومه والقعده،
وقطب كان يزيد عنها اضعاف فى المداريه لربيعه والخوف عليها، لدرجة إن ربيعه كانت حاسه إنهم مراقبين حتى رفت عنيها، وكل واحد منهم يجيب ويحط فخشمها مما تشتهى الانفس،
وقطب معارفش هو وداخل عليها يجيبلها ايه ولا ايه؟
وكل كام يوم جدها وستها يبعتولها زياره مع حكيم، فطير وعيش طازه وبرامات معموله بيد بشاير خالتها في الفرن الطين اللي عرفوا إن شام اتمنعت تقعد قدامها دلوك ولا تشم دخانها، وربيعه اكيد محدش هيخليها تعملها لا شام ولا ابو دراع وهي حبله،
وحتى بسيمه كل كام يوم تعمل حاجه حلوة وتشيعها مع ولدها عزام يديها لابوا دراع وهو معاود بيته، والحق يتقال الكل كان مراعي ربيعه وفرحان بيها ومدللينها كيف ماتكون أول وأخر وحده حبلت وهتخلف.
❈-❈-❈
فى ليله حلوه فى جنينة بيت المقاول
قطب مقعد ربيعه قدامه وضاممها عليه ويده على بطنها عيمسد عليها، وهي مغمضه عيونها ومستسلمه لإحساسها بالأمان والحنان والدفا الجميل،
وفجأة حست بإنتفاضة جسم قطب، ففتحت عيونها قوام وبصتله وديقت حواجبها وهي واعياه مذهول ومبرق عيونه وفجاة ابتسم وقالها:
رعص ياربيعه.. ولدي رعص واني حسيت بالرعصه تحت يدي! حسيته وهو عيضروب فى بطنك والله!
اتبسمت ربيعه ومسكت يده ورجعتها على بطنها تاني لكن في مكان مختلف اتنقلت فيه حركة العيل وقالتله:
من إمبارح عشيه ياقطب وهو عيرعص ويرفص إكده.
قطب:
وليه مقولتليش من عشيه وخليتيني احس بأول حركه ليه واكلمه واحسسه اني فرحان بيه؟
ربيعه:
اهو قدامك وكلمه والعمر كله معاك تحسسه بفرحتك بيه.
خلصت كلامها وغمضت عيونها واتبسمت وهي سامعه ابو دراع عيحدت ولده اللي فبطنها بحنيه ومحبه وفرحه كيف مايكون قدامه،
وكالعاده عتستعجب على جبل القوة اللي عيتحول لجبل حنيه وهو معاها، وعيتحول لكتلة موده ورحمه عمرها ماشافتها حدا حد،
ومكانش ياجي فى دماغها تشبيه ليه ولحالته غير (بالغول وزريزفه)
الوحيده اللي سكنت قلب الغول وبيته وأمنت شره وجبروته وبطشه بمجرد انه حبها، وحولته من غول جبار لمخلوق فى منتهى اللطف، وداي قصه كانت ستها عديله تحكيهالها وهي صغيره، وفى الاخر تقولها إن المحبه عتغير النفوس وعتخلى الطباع تتبدل، وعتفضخ اللي في القلب ومحدش مطلع عليه غير رب العالمين.
وبعد ماخلص قطب مناجاته لولده وكلامه معاه خد ربيعه وهو محاوطها بأديه عالبيت، ودخل بيها وقعدها، وراح يعملها كباية اللبن اللي لازمن تشربها كل يوم قبل ماتنام سوا ليها نفس او مليهاش، وبعدها ياخدها فحضنه وتحفهم الراحه وعيونهم تروح في النوم قريره بقربهم من بعض ومحبتهم اللي ماليهاش مثيل.
❈-❈-❈
أما كرار فبقى حاسس انه خلاص صفى وحيد خالص عالدنيا، وكان يهروب من إحساسه بالوحده كل يوم بشرب البوظه لحد مايتكفى على بوزه، واتعرف على غازيه ورافقها،
وابتدا بالحرام يدور على متعته اللي ملاقيهاش مع شوقيه ولا طايلها من شام، وكانت النتيجه إنها ابتدت تسحب فلوسه وتحويشة عمره وحده وحده،
وهو يدي كل ماياخد منها شي، لغاية ماابتدا التل يختل من كتر الاخد منه،
والقرشينات كل مادا في النقصان مش في الزياده. وشويه بشويه خلصوا وايراد المعدات مبقاش مغطي، فابتدا يبيع في الارض اللي معاه بالقيراط كيف مااشتراها بالقيراط.. واللي كان يعمله في شهور ويشتري بيه دلوك عيصرفه فيومين تلاته.
❈-❈-❈
اما شوقيه فبعد الوكت ديه كله واخوها شاكر لا عاطيها شي ولا مشاورلها من بعيد بمكسب ولو قليل تفرح بيه!
فابتدا الفار يلعب في عبها، وراحت على بيت ابوها وكلمته من التلافون بتاع الدوار، ولما سألته عن فلوسها وارباحها قالها اللي خلاها تصرخ من قعف راسها، وترمح فبيت ابوها كيف المجزوبه اللي توها ضيعت عقلها:
شوقيه:
امال ياواد ابوي لا مشيعلي مع العيال قرشين ولا قايلي فلوسك زادوا كد إكده ولا عيملت فيهم كذا ولا سويت بيهم كذا، ايه ناسيني ولا ايه؟
شاكر سكت شويه واتنهد تنهيده طويله ورد عليها وقالها:
والله يابت ابوي عايز اقولك من زمان بس خايف عليكي كنت احسن تجرالك حاجه من الفجعه اللي هتتفجعيها.
رجف بدن شوقيه وسألته بخوف:
خير ياخوي خايف عليا من إيه وفاجعة ايه كفالله الشر؟
شاكر:
فلوسك كلها وفلوسي اني كمان ياشوقيه غرقوا في البحر في حموله حطيت فيها اللي ورايا واللي قدامي وكنت مسفرها لبلاد بره، وكنت مستنظر منها خير مليهش اول من اخر ليا وليكي.. بس الحظ والنصيب.. الله يعوض عليا وعليكي يختي عاد.
وقعت السماعه من يد شوقيه ومن غير وعي ابتدت تشيل وتحط فروحها وحسها علي بالصراخ وعليه اتلموا كل سكان بيت العمده، وامها تسألها مالها وهي مفيش حيلتها غير الصراخ والبعبله في الارض على شقى عمرها اللي بلعه البحر، وفلوس عيالها وسندتهم فى الدنيا، ووصلت لحافة الموت من القهر،
بس عشان الموت راحه للى زيها ربها ماأردلهاش بالراحه.
حزنت عليها امها وحزنت معاها واتقهرت كمان، وكل اللي في البيت من اول الخدامين وحريم الغفره لحريم اخواتها صعب عليهم حالها وحال شاكر اللي تلاقيه عايش نفس القهره دلوك عشان الخساره.
الا ابوها العمده اللي كان راسي عالفوله وكيالها، وفرحان لولده اللي خد خير المقاول كله لنفسه، واللي حدا ولده كأنه فعبه.
ورجعت شوقيه يومها على بيت المقاول وهي حاسه إنها مضروبه الف سكين فى قلبها وروحها، وعتسأل حالها ياترى هي ليه جرالها إكده وليه خسرت الجلد والسقط؟
وعقلها ابدا مااهتداش ولا افتكر إن ديه عيجرالها لأن اصل الفلوس داي مسروقه ومكسبها جه بالنصب والحيله، وإن اللي عياجي من حرام عتاجي ريح إمفاجئه ياتاخده هو ياتاخد الاغلى منيه، وداي فوايد الحرام والربى بتاعه.
وبعدها شاكر شيعلها عيالها عشان معادش ليهم شغل معاه ولا عاد يعوزلهم فى شي، وبس عاودوا العيال البلد حسوا بإنهم فى مطرح غريب عنهم،
لابقوا قادرين يقعدوا فيه ولا طايقين عيشة البلد، وكرار اللي فرح بيهم وبرجوعهم ليه فرحته ماتمتش وخدها الغراب وطار؛ لما لقى شوقيه بايعه كل المعدات اللي حداه بطلب من عيالها من وراه بوساطة ابوها ومدياهم فلوسها عشان يسافروا يفتحولهم مشروع ويعيشوا فبلاد بحري زي مااعتادوا، وحس كرار النوبادي وهما حاملين روحهم والفلوس ورايحين انها الروحه اللي بلا رجعه.
وقعد هو وشوقيه بعد ماخسروا كل حاجه لا وراهم ولا قدامهم ولا حيلتهم غير البيت اللي ساكنين فيه، واللي هو كمان بإسم شوقيه ومليهش فيه شبر.
واخيراً ذل اللي كان عزيز قومه، وابتدا يمد يده لأخواته ياخد منهم الحسنه، وكان من دواعي سرور عزت إنه يشغله حداه اجير ويركبه عالمعده اللي اشتراها بالقسط مؤخراً، ويفضل يزعق فيه قدام الناس ويتنشك عليه كيف ماكان يعمل معاه بالظبط، وحس اخيراً ان الباغي دارت عليه الدواير.
واما شوقيه بدأت تلجأ لبيت ابوها وتقيم حداهم إقامه كامله وكل وشرب وبيات، وهجرت بيت المقاول اللي دخلته بسلطه كيف الملكه المتوجه، وطلعت منه ذليله بعد ماخسرت مملكتها وكل ماهو تحت حكمها.
❈-❈-❈
وابتدت تعدي الايام على هذا المنوال، كرار بالنهار يشقى وبالليل يروح يصرف شقاه عالغازيه والبوظه، ويعاود يلاقي ابو دراع حاططله لقمه على الدكه فى المندره ومغطيهاله ياكلها وينام، أو من السطله مياكلش ويتكفى على بوزه.
ويوم جديد يهل ويباعد يوم على دا الحال، لغاية ماجه اليوم اللي ابو دراع كان عامل حسابه.. يوم رجوع ممدوح من السفر.. اليوم اللي اتصل فيه ممدوح على كابينة البلد فبيت العمده وبلغ ابوه صفوت انه الصبح هيكون على ارض مصر، وقاله بلغ ربيعه وابو دراع وخلي الكل يستعد.
وفضل ابو دراع في اليوم ديه متوتر ومتدايق من اول ماصحى من النوم، ومع انه مقالش كلمه تبين ديقته وكان مبتسم فوش. ربيعه كيف عادته، الا انها مكانتش محتاجهاه يقولها بلسانه.، كانت كفايه تبص فى عيونه وتحس بإختلاف إبتسامته، وحتى بصة عيونه الحزينه.
ومهما حاولت تطلعه من حالته داي الا انها فشلت، وفضل يجلد في ذاته بكرباج الشفقه على ممدوح لما مَزَّع روحه وخلاها تئن من الوجع.
ولغاية لحظة دخول ممدوح من البوابه وشافه ابو دراع اللي كان قاعد عالمصطبه في إنتظاره ووقفله، وممدوح جه عليه طاير وخده بالباط بكل الشوق اللي جواه، واستغرب من جمود ابو دراع وملاقاته البارده ليه، وبعد عنه وابتدت عيونه تجوب فى الجنينه وهو عيدور على ضالته اللي جاى وكله حنين لكل حاجه فيها.
وأبو دراع بس شاف عنيه عيدوروا عليها حس النار شبت بين ضلوعه وانفاسه عليت، وزادت النار لهب وهو سامعه عيسأل عليها:
فينها ياعم.. هي معارفاش اني جاي النهارده؟ طيب هي خجلانه مني يعني ومتداريه ولا ايه.. نادم عليها خليني اسلم عليها مشتاقلها.
خلص كلامه ومنتظرش ابو دراع ينادم وهو اللي ابتدا يعيط عليها بعلوا حسه وهو باصص لبيت ابو دراع:
ربيعه.. ربيعة القلب وينك.. جيتك يابت العم اهه كيف ماوعدتك.. جيتك عشان اوفيلك بعهدي واخدك من بيت المقاول واطلعك منيه ونعيشوا سوا احلا عيشه وسعادة حلمت بيها فكل ثانيه واني بعيد عنك.
وهو يحكي وابو دراع يغلي وفي الاخر مقدرش يمسك نفسه وهو سامع واحد عيتغزل في مرته قدام عيونه، فصرخ عليه بعلوا حسه وهو عيمسك دراعه يمنعه من التقدم ناحية بيته:
بسسس ياممدوح بزياداك اسكت عاااد.
سكت ممدوح ووقف وبص لابو دراع بإستغراب وهو معارفش ايه سبب عصبيته داي، وفتح خشمه عشان يسأله ماله؟!
لكن قبل ماينطوق بكلمه كان باب بيت ابو دراع عيتفتح وطلت منيه اللي بمجرد ماممدوح شاف ملامحها قلبه كان هينفجر بين ضلوعه من الفرحه والشوق، وابتسم إبتسامه واسعه وعيونه اتملت بالحنين.
ولكن إبتسامته وحنينه ولهفته وكل حواسه اتوقفت اول ماربيعه طلعت بالكامل من باب البيت،
وعيونه بدأت تسرح وتمرح فيها وتجيبها من راسها تفقُد لتحت، واتوقفوا فمحاجرهم وبرق ممدوح بصدمه وهو واعى بطن ربيعه اللي زاحت من عليها الطرحه بحركه مقصودة وحطت يدها عليها كأنها عتقوله بص وشوف زين.
وأبو دراع همل يده وهو واعيه اتسمر موطرحه والصدمه شلت حركته.. وعم السكوت دقايق قطعتها ربيعه وهي عتتقدم عليه بخطوات ثابته وراس مرفوعه وتقف قدامه وتمدله يدها وهي عتقوله:
كيفك ياولد العم حمدالله على سلامتك نورت بلدك وبيتك.
خلصت كلامها وعينها على ممدوح اللي عينه محادتش عن بطنها ولا رف رفه حتي، وعشان تصرف انتباهه عن بطنها بعد مااتوكدت انه شافها زين سحبت شالها وجابته عليها،
وكملت كلامها وهي واعيه عيونه عيترفعوا ويبصولها وجواهم دمعه محبوسه ومحتاره تنزل ولا تستني،
ولكن بعد ثانيه وحده اتحسمت الحيره والدمعه فطت من عيونه هاربه ووراها سيل من الدموع نزل.. ومن غير كلام بص لابوا دراع اللي نكس عيونه للأرض بخجل، وقاله بحس مخنوق:
كيف طاوعتك نفسك واتدنت عليها وإنت سيد الخابرين إنها تخصني وانها فنفسى من يوم ماربنا خلقها عالدنيا؟ كيف تاخد حاجه مش بتاعتك وتنقض العهد وتخون الامانه كيف؟
كيف ياحاميها، داني ماشي ومهملها فحماك تكون انت حراميها وتسرقها مني؟ كيف طاوعك قلبك ياابو دراع تاخدها وإنت خابر إنها ملك غيرك كيف.. بس قولي كييييييف؟
قال آخر كلمه بعلوا حسه بنبره وصلت عنان السما وطلعت بكل قهر الكون، وخر على ركبه وركع عالارض وهو حاسس ان رجليه اصبحت كيف الخيوط ممتحملاش وزن جسمه، وإن براح الدنيا كله داق بيه وحاجه طبقت على نفسه خلته مش عارف يتنفس، وبص للفراغ وهو واعي احلامه اللي بقاله حوالي سنين وسنين عينسجها حلم ورا التاني اتفكت خيوطه وطارت فى الهوا وبعدت وهي واخده روحه معاها وسنين عمره كلها.
فردت عليه ربيعه بكل ثبات وقالتله:
إنت اللي عيملت إكده فروحك ياممدوح محدش عيمل فيك حاجه.. انت اللي بنيت جواك اوهام من غير اساس وخدت وعطيت وعود مش من حقك.
سألتني قبل سابق وقلتلك له، يوبقى على اي اساس تصمم انك تاخدني وتاخد وعد من غيرى بيا، ولاصوح اني مستغربه ليه ما هي الغصبانيه عتجري فدمكم.
انت حبيتني ماشي، بس اني عمري ماحبيتك، ولا كنت هحبك مهما طال الزمن، ولا كنت هبقالك مره واصللل.
وحتي لو مش ابو دراع وكنت اتطلقت منيه برضك مكنتش هاخدك.. اني ياممدوح لا يمكن دمي يتخلط بدمكم ولا اقبل عيالي ياجوا من نسلكم،
والحمد لله اني طلعت بت وطلعت ماعون يشيل دم غيره، عشان لو كنت طلعت راجل مكنتش هتجوز طول عمري واجيب عيال يشيلوا إسمكم ويطلعوا كيف عيال عمامهم في الجبن والخوف وقلة النخوه والظلم.
اني فرحانه عشان طلعت بت بدرجه متتصوروهاش.
آني ربنا نجاني من لعنتكم ياملاعين.
خلصت كلامها وبصت لصفوت وهي قاصداه بكل حرف قالته، وقاصده تعيد على مسامعه نفس الكلام اللي سمعهولها قبل سابق وهي النوبادي اللي فموقف القوة والرفض والانكار مش هو.
رد عليها ممدوح وهو عيحاول يقوم:
إيوه صوح عندك حق.. انتي صوح فكل حاجه قولتيها ومعاكي عذرك فكل حاجه عميلتيها.. ولو كان حد لازمن يشيل ذنبي ويقع عليه اللوم كله فهو ابوي اللي وقف قدام قلبي ومنع عنيه السعادة وبعد منيه عمي كرار.. وفى الاخر خالص.
قالها وبص لابوا دراع بغضب.. عمى اللي نفسه اتدنت لبت من دور عياله، واللي مشيت واني خايف منيه وكدبت احساسي وخوفي وراهنت نفسي إنه اللي مهيجراشي جرا بالملي.
اني ممسامحكش ياابو دراع ولا هسامحك ولا هتتهنى بحاجه طالعه من عيني وقلبي.. ويكون فمعلومك ربيعه ليا مهما طال الزمن او قصر.
وبص لربيعه وقالها بتصميم.. والله والله.. ورب العرش العظيم ياربيعه لهخليكى على ذمتي وأعمل اللي مايتعمل عشان آخدك ولو باقي فى العمر يوم.. اهم حاجه إني اكون الاخير اللي هتكونى معاه فى الجنه، وحطيها حلقه فودنك ابوكي ابو دراع الخدام الكلاف بتاعنا العجوز مهيطولش كتير ولازمن ولابد هتقعدي بعده.
خلص كلامه وردت عليه ربيعه بغيظ وقهر:
قطع لسانك بعد الشر عنه الشر بره وبعيد شالله اللي يكرهه، ربنا يديه الصحه وطولة العمر لغاية مايشيلكم على كتفه ويشيعكم على قبوركم واحد واحد يابيت المقاول.
روح ياممدوح على داركم وكن فيها واوعاك تفكر وإنت معدي في الجنينه وشايفني انك ترفع عينك وتبصلي بيها.. اني مرت قطب، قطب اللي ضافره برقابيكم وجزمته تسواكم وسيدكم وتاج راسكم كلكم ياعرر الرجاله.
قال وجاي يلوم ويعاتب ومتعشم.. طيب شوف وكت الزعل كيف الطبع الردى والمعايره والذله طلعت للي عاش طول عمره يعاملك كيف ولده.. يابوي قولنا الردايه فدمكم والعرق دساس محدش مصدق.
خلصت كلامها وقالت لقطب بإبتسامه حنونه:
يلا ياغالي تعالى عشان تتغدى أمي جهزتلك وكل من اللي قلبك يحبه.
وبعدها دخلت البيت وقفلت الباب في وش ممدوح بعنف خلت قلبه فز من الوجع كيف اللي اتقفلت فوشه ابواب الحياة.
بقلمي ريناد يوسف
يتتتبع
نفق الجحيم الجزء الثاني الفصل الثامن والاربعون
❈-❈-❈
اتحرك ممدوح من موطرحه بصعوبه مع ابوه اللي مسك دراعه وابتدا يشد فيه من قدام بيت ابو دراع اللي اتسمر قدام بابه ومبقاش قادر على الحركه، كيف اللي روحه فارقت جسمه ومبقاش فاضل منيه غير جسم متحنط!
ومشى معاه ممدوح برجلين بايده من كتر الضعف وعيجر فيهم جر، وكل ديه قدام عيون ابو دراع اللي كان باصصله ومعارفش يشفق على حاله وكسرة قلبه اللي يصعبوا عالكافر، ولا يغل منه بسبب الكلام الماسخ اللي طلع منيه دلوك على مسامع الكل؟
وطبعاً كالعادة قلبه الطيب حسم الموضوع على إنه يصير شفقه، والتمسله كل اعذار الدنيا بس بسبب إنه مجرب إحساسه وقال لروحه إن ماعلى المجروح حرج.
اما بالنسبه لربيعه ووقفتها قدام ممدوح كيف البسه تخربش عاللي منها خلاها عليت فنظر ابو دراع اكتر واكتر،
وخلى محبته ليها زادت اضعاف، واتوكد إنه مغلطش ابداً يوم ماوافقها وتمم جوازه منها، ومحى من دماغه اى ذرة ندم أو خوف من العهد المنقوض.
ودخل بعدها لربيعة قلبه وخدها فحضنه بمحبه، وباس دماغها على دفاعها عنه فأول مره ليه فى عمره ميكونش فيها فموضع قوة ودفاع عن حد، وهو اللي يكون فموضع الضعف ومحتاج الدفاع.. واللي تدافع عنه العصفوره الصغيره داي!
❈-❈-❈
اما شام فكانت قاعده فأوضتها هاربه من شوفة ممدوح وشوفة وجعه اللي متوكده إنه هيفوق الوصف،واللي لا عينها ولا قلبها هيتحمله، وهيفكرها بوجع الخساره ومر الفراق وحالها فبداية إحساسها بإنها خسرت كل شَي..وفي احتمال الحزن والوجع لا يكلف الله نفساً الا وسعها وشام اكتفت اوجاع.
لكنها شافت بتها ربيعه وهي فحضن ابو دراع وكاننها بين دراعاته وشافت بطنها الشايله ولده والفرحه اللي فعيونهم وهان عليها زعل ممدوح وكسرته، وقالت في نفسها بتي ومن بعدها الطوفان.
❈-❈-❈
أما حدا بسيمه
همام وهو داخل من الباب:
عاليه.. ياعالييه.. تعالي يابوي شوفي جبتلك ايه من البندر.
جات عليا تجري عليه من جوه واترمت في حضنه الاول قبل ماتبعد وتبص للي جايبه وتسأله بفضول:
ايه ديه يابوي اللي جايبهولي؟ جبتلي حلاوه ريم!
همام بإبتسامه:
جبتلك حلاوه ريم اكيد وهو اني اقدر برضه انسى فيوم وادخل البيت بلاها؟
بس اني اليوم جايبلك حاجه تانيه حلوه اكتر من الحلاوة الريم.
خلص كلامه وفتح الكيس اللي فيده وطلع منيه مريلة مدرسه وشنطه واقلام وكراسات وشريطين حمر وحطهم كلهم جار بعض عالدكه وقال لعليا:
دكتوره عاليه ديه لبس المدرسه بتاعك اللي هتروحي بيه السنه الجديده وتتعلمي زين وتاخدي شهاده كبيره وترفعي بيها راسي وسط الخلايق.. هتطلعي داكتوره واني في الرايحه والجايه يقولولي ابو الداكتوره راح ابو الداكتوره جه. عايزك توبقي احسن وحده في البلد والبلاد اللي حواليها يابت قلبي.
مسكت عليا الحاجات بفرحه وجريت بيهم على امها اللي كانت واقفه وسامعه وشايفه كل اللي عيعمله واللي عيقوله همام لبته، وكيف عايزها تكون احسن وحده في الدنيا وقلبها رقص من الفرحه، لأنها جات المرحله اللي همام هيثبت فعلا فيها محبته وتفضيله لبته،
مرحلة العلام اللي ميوافقش عليها لبته الا اللي تفكيره مختلف عن تفكير اهل البلد العقيم، وميوصلهاش لطريق النجاح ويمسك يدها وهي ماشيه فيه غير كل ذي عقل فهيم حكيم.
ميلت بسيمه على بتها وحبتها من خدودها بفرحه وباركتلها عالحاجه وابدت اعجابها بيهم، وبصت لهمام بشكر وتقدير وابتسمتله وهو ابتسملها في المقابل،
وشاورلها عشان تاجي تقعد جاره، وهي بدون نقاش راحت وقعدت جاره، وهو بس عيملت إكده مسك يدها وقربها من خشمه وحبها مره بعد مره، وقلبها وحبها فباطنية يدها كذا مره كمان، ومن بعد يدها ميل على خدها طبع بوسه حانيه وكلها شوق،
والغريبه إن بسيمه النوبادي اتقبلتها منيه وهي على نفس ابتسامتها ماأختفتش وحل موطرحها التكشير!
وديه خلى همام كان طاير من الفرحه ومش مصدق روحه، واستغل المعجزه داي وخد من خدها بوسه ورا بوسه وهي مستسلماله تماماً - كجندى انهكته الحرب ورفع راية الاستسلام تعباً وإعترافاً بأنه لم تعد لديه قدرة على المقاومة اكثر، وعدوه قاتل ببسالة لسنوات يستحق عليهم الثناء.
وبدأت عليا سنه جديده كلها حماس بسبب تشجيع ابوها وامها ليها، وابوها كان ياخدها بنفسه للمدرسه كل يوم فطريقه وهو رايح عالطاحونه ولما تطلع يهمل الطاحونه ويروح يجيبها ويروحها، وميتطمنش غير وهو مدخلها البيت بأيده ومسلمها لامها،
وطول الوكت يفضل يوصي فيها إنها تبعد عن الولاد وتحافظ على نفسها، ويقولها عايزك تطلعي كيف إمك جريئه وقويه وعفيه ومفيش حد يقدرلك ولا تخافي من صنف مخلوق في الدنيا مهما كان.. كوني بسيمه تانيه ياعليا وصدقيني الدنيا كلها هتمشي طوع ايدك.
❈-❈-❈
اما حدا شوقيه
بدأت تلملم حالها وكل المهم اللي ليها فبيت المقاول وعزمت امرها على انها تسافر حدا عيالها وتهمل كرار وبيته وتهمله البلد كلها، وتروح هي تتنعم باللي خدته منه، الباقي من خيره وعياله اللي بقوا ليها لوحدها، وتهمله هو غاطس في البوظه والغوازي اللي خلوه مليهش عازه ببصله، ولا عاد يفرق معاها ولا مع اي حد.
وبالفعل صحى كرار فيوم ملقيهاش في البيت، ولما راح بيت ابوها العمده يسأل عنها قالوله انها سافرت مع اخوها شاكر لعيالها وهتقعد فبحري، وانه لو عايزهم يهمل البلد ويروحلهم.
لكن كرار اتمسك باللي باقيله من آدميته واللي عيتمثل في ذكرياته فبيت المقاول، وكمان قعد ظناً منيه إنه بكده عيحافظ عاللي باقيله من كرامته اللي ملهاش وجود بالمره غير فخياله هو وبس، لما ميلحقش اللي باعوه واستغنوا عنه.
وفضي بيت المقاول اخيراً من شوقيه، بس بعد ماخربته وقعدت سنين على تله تستمتع بالخراب، وبعد ماملت هملت الخراب فوق راس صحابه وهربت.
❈-❈-❈
أما ربيعه فمن ساعة ماعاود ممدوح وطلعتها للجنينه خفت خاالص، او يعتبر انعدمت، وديه مراعاة لمشاعر قطب اللي مهما عمل حاله مش هامه الوضع، الا انها خابره إن من جواه غير إكده، وإن مفيش حد كبير عالغيره مهما كانت قوته وصبره وتقله، وخصوصي لو عيحب بالقدر اللي عتشوفه ربيعه فعيونه ليها، واللي عتحسه فكل كلمه ونظره وهمسه ولمسه ونفس من انفاسه.
أما قطب فكان عاجبه الحد اللي حطته ربيعه مابينها وبين ممدوح، والساتر اللي خدته من عنيه، واحترامها ليه ولأسمه خلاها حداه جوهره فريده من نوعها ملهاش زي ربنا خلقها ليه هو وبس وكرمه بيها دوناً عن البشر.
واما ممدوح فبرغم من إن شوفته لربيعه بقت نادره، الا إن الدقيقه اللي كان عيلمحها فيها كانت كفيله انها تروى روحه وقلبه، وبدال ماكان فيه مراقب واحد في البيت عيستنى الفرص لسرقة نظره فى الخفا من محبوبته بقوا اتنين،
والتنين كيف مايكونوا صابتهم لعنة عشق اللي مش في اليد، واتبلوا بمحبة شام وبتها.. بس الفرق إن عزت عاش عمره يحب من بعيد لبعيد.. أما ممدوح فبعده كان ترقب ودراسه وتخطيط للوكت الافضل والطريقه المناسبه اللي هيقدر يرجع فيها حقه المسلوب، واللي مش هيسمح إنه يطول وهو فيد غيره.
وبناء عليه همل الكويت خالص وقعد في البلد، وابتدا يعمر في بيت بعيد ويجهزه؛ عشان ينقل فيه مع ربيعه وهى علي ذمته بعد مايطلقها من ابو دراع او ياخدها منيه بأي طريقه تانيه،
وقرر إنه هيسامحها على غلطها فحقه، وهيعرف كيف يثبتلها إن ابو دراع العجوز كان ضحكان عليها ورابطها جاره واستولى عليها بمنتهى الانانيه، وإن فيه فرق بين الراجل العجوز والشباب في الفكر والروح والقوة هيثبتهولها مع الايام.. وبمجرد ماتولد يرميله ولده، وديه كل اللي ليه حدا ربيعه وبعدها ربيعه من حق ممدوح وبس .
كان يفكر تفكير اهوج كيف مايكون مغيب عن الإدراك، وناسي إن اللي عيخطط ياخد منيه حاجه ديه هو ابو دراع!
والحاجه اللي عايز ياخدها هي روحه والنفس اللي طالع وداخل فصدره، والمفروض يقيس عليه العقاب كيف هيكون، لكن الواحد لما عيفقد التمييز بين الصح والغلط، الآمن والخطر، عيفكر نفس تفكير ممدوح.
❈-❈-❈
أما فى بيت عبد الصمد
دهب عماله تشتغل بأيدها وعلي كد شوفها طواقى صوف ولكاليك وتخيط بنطلونات صغيره وهدوم وتطرزها لمولود ربيعه اللي جاي وحاسه إنها عتعمل إكده لشام اللي اتحرمت من فرحتها بيها وبمولوها الاول،
وحاسه كمان إن الزمن رجع بيها تاني لوكت حبل شام في ربيعه، وإنها منتظراها النوبادي تولدها على اديها وتضمها لحظة الولادة الضمه اللي اتحرموا منها هما التنين.
أما عبد الصمد فكان باله دايماً مع شام اللي عامله كيف اللي فدنيا غير الدنيا، او دخلت معتقل واتحكم عليها بالنفي فيه لاخر العمر،
وكد ايه الندم كان عياكل فروحه وهو عيسأل نفسه الف مره..كان يجرا ايه لو كنت خدتهم وهجيت؟ كان يجرا ايه لو طلقتها منيه فأول ايامها معاه وكت ماكان هو يسعالها،
كان هيجرا ايه لو مكنتش خفت من الناس وكلامها وقولها، طيب اهي شافت العذاب وشفناه اني واخواتها وامها، مين فزعلنا من الناس اللي عملتلهم حساب ولا مين حس بينا وباللي فينا؟
ملعون ابو الخوف وملعونه العادات، وملعون الظلم اللي دمر بنية قلبه ودمره هو قبل منها، وملعون ابو الناس اللي يتعملها حساب ونضحوا بالغالي ونبيعوه رخيص عشان نقطع لسانهم
وعشان عبصمد خابر إن الندم فات اوانه ومعادش يقدم او يأخر كان ساكت، بس عيتمنى فكل لحظه انه يضم شامته لقلبه ويقدملها اللي باقي من عمره إعتذار، ويركع تحت رجليها طالب السماح على عمرها وشبابها وفرحتها اللي ضاعوا بسبب جبنه وخوفه.
أما السيد فكان اكتر واحد من بين الجميع حياته مستقره وشاف مع بشاير الفرح اشكال والوان، ولقى عيله ليه تانيه تحبه كد عيلته واكتر، ولقى أب وأم كيف مايكونوا اتصنعوا في الجنه، أما بشاير ومحبته ليها وفرحته بيها فحدث ولا حرج،ودا كان جزاء التوبه النصوحه والإصلاح من رب العالمين.
❈-❈-❈
أما فبيت نعيم
عدويه ابتدا ينال منها تعب الختام، وهي كانت عارفه وحاسه، فبمجرد مارقدت في السرير بقت تبص حواليها عشان تشوف مين اللي هيشيلها ومين اللي هينفر منها،
وبناء عليه تعطيله الأمانه اللي معاها.
لكن للأسف من بنات حوريه اللي هما حريم ولادها ملقتش لا فنعمه ولا فكريه وحده تستاهل، بالعكس دول يستحقوا الرجم عالمعامله اللي من ساعة مارقدت عيعاملوهالها،
ولو عالمراعيه بناتها التنين ورده وبدور هما اللي كانوا يتناوبوا عليها، لكنها قررت إن الأمانه تروح لبدور، وديه عشان تخفف من عليها ظلم الدنيا وتفرحها وهي واعياها من يوم مااتجوزت عزت في هم وغم وقهر وعمرها مااتنصفت يوم.
فجابتها فيوم جارها وفتحتلها شكمجية الدهب، وطلعت منها حتتين تلاته ركنتهم على جنب لورده، والباقي كله عطته لبدور اللي غميت كذا مره من الفرحه وهي حاضنه الصندوق.. وكل ماتفوق تبص للصندوق اللي فيدها واللي فيه وتضحك وتغمى تاني،
لغاية ماامها دسته منها تحت الفرشه وخلتها فاقت زين واستوعبت لولا ماادتهولها، وهي خطفته وجريت بيه على بيتها قوام،
وعدويه ضربت كف بكف لانها اتوكدت انها واخداه ورايحه تديه لعزت اللي عايزه تديه عمرها بس يرضى عليها، ومعارفاش إن رضا النفس نابع من رضا العين.
❈-❈-❈
بدأت الايام تعدى والشهور تفوت وربيعه كل مادا وبطنها تعلا وتتألم بسبب شدة بطن البكارى، وقطب كل ماتتألم هي روحه تفزعلها ويتمني لو يقدر ياخد الوجع منها مكنش اتأخر لحظه، لكن عشان ماباليد حيله كان يكتفى بأنه ياخدها فحضنه ويصبرها، ويفضل طول الليل قاعد قبالها يحكيلها فحكاوي اهل السلف واللي عيجرا في البلد بين الناس من مشاكل؛ عشان بس يسليها وينسيها وجعها هبابه،
لكن في الحقيقه هو عيكون موجوع اكتر منها وأنفاسه عتديق وتتخنق كل ماعيوعاها منداقه فنومتها وحركتها ويبص لرجليها اللي اتورموا ويحس انه متكتف ومابيده عليها حيله.
وخوفه عليها خلى فرحته باللي فبطنها خفتت واتولد جواه هاجس إن لو ربيعه جرتلها حاجه وهي عتولد هيكون مصيري ايه؟ وهيصير فيا اي؟ وهل هعرف اعيش بعدها فدنيا هي مش فيها؟
والاجابه دايما تكون له.. وبعدها ياخدها فحضنه ويضمها لقلبه على كد غلاوتها،
وهي فى قربه عتنسى كلشي حتى الاكل والشرب،
وتكتفي بحضنه اللي عيهون عليها كل اللي هي فيه من وجع، واللي عتعد الثواني عشان تخلص منه وتولد اللي طال انتظارها ليه، والشوق لشوفته مرمر قلبها وكل ليله تناجيه بمحبتها وشوقها ليه وتدعي ربها تفوت الايام بسرعه وياجيها قوام.
وطبعاً لما عليت شهورها مبقتش تطلع من البيت خالص لا تروح لخالتها ولا لبيت جدها، وقطب وأمها كانوا دايماً مريحينها، وهو اللي كان يروح يطمن الحبايب عليها ويجيبلها هي وشام الاخبار ويطمنهم عليهم.
وزي ماقطب وربيعه وحتي شام كانوا يعدوا اليوم بالدقيقه والثانيه لولادة ربيعه،
زيهم كان عبد الصمد ودهب وبشاير وبسيمه اللي كلهم مستنيين اعز الولد.
❈-❈-❈
واخيراً ربيعه دخلت في شهرها التاسع، وخلاص مبقاش يفصلها هي وقطب عن شوفة عيلهم غير ايام، وكانوا على ربيعه اصعب ايام وبشهور الحبل كلهم من كتر ماكانت متوجعه.
أما شام فكانت كل مايقرب ميعاد ولادة ربيعه تخاف وتترعب، تخاف عليها من الوجع وتفكر كيف بتها الصغيره داي راح تتحمل ألم المخاض وهو عيهلك الروح ويخلي الوحده تحس انها وصلت لحافة الموت!
وكل اللي كان معاها الدعا لربيعه بساعه سهيله، وإن ربنا يخلص النفس من النفس بيسر وسهوله ويقومها بألف سلامه.
وعدوا بالظبط ١٠ ايام فى الشهر التاسع وصحى قطب مفزوع على صوت أننه خفيفه من ربيعه، فاتعدل وقام ولع النور وبصلها لقاها قاعده وماسكه بطنها ومغمضه عيونها، جري عليها وقعد جارها وبخوف سألها:
وجعه خفيفه ولا وجع مخاض ياربيعه؟
فتحت عيونها اللي اتفزع قطب وهو عيشوف حمارهم ودبلانهم وردت عليه بحس يادوبك طالع:
معرفاش ياقطب بس الوجع اشد النوبادي ومش زي التقاطيع اللي كانت عتقولي عليها امي، ومن الصبح مستنياه يروح عشان اعرف انام مش راضي، عيروح هبابه ويعاود تاني قوام.
هب ابو دراع واقف وطلع قوام راح على اوضة شام اللي كانت سهرانه كيف عادتها عتقوم الليل وحارسه ربيعه وقاعدالها طول الليل زنهاره من خوفها عليها،
واللي بمجرد ماسمعت صوت فتح باب أوضة ابو دراع وحس خطاويه المتعجله عتقرب عليها قامت فاززه وراحت عالباب فتحته ومن غير مايتحدت بس شافت منظره وخوفه جريت قوام على اوضة ربيعه ودخلتها.. واول ماشافت حالة بتها وقربت منها ووعيت زوغان عنيها بصت لابو دراع وقالتله:
ربيعه ولاده الليله ياابو دراع، هم ياولدي هاتلها الدايه.
وربيعه بس سمعت سيرة الدايه استرجعت اللي عيملته الدايه فى أمها زمان، وعشان زي ماأمها كان ليها عدوا هي كمان دلوك ليها عدوا،
ومتوكده انه عيفكر بنفس التفكير.. فصرخت بعلوا حسها وقالتلهم:
له.. دايه له، وديني المِستشفي ياقطب اني مهولدش غير فالمستشفي على يد دكاتره.
وقطب سمع كلامها وجرى قوام على بره وطلع يجيبلها عربيه، وشام قوام راحت اوضتها لبست ملسها وجابت الغيار اللي مجهزاه من اول ماربيعه دخلت فشهرها عشان يستقبلوا فيه العيل، ورجعت لربيعه خدتلها غيار هي كمان ولبستها ملسها، ومفيش ربع ساعه وكان معاودلهم ابو دراع بعربيه، وقوام شال ربيعه بين اديه وطلع بيها حطها فى العربيه ورجع خد الحاجه من شام.. ولما شاف شام رايحه معاه وقفها وقالها:
خليكي انتي ياام ربيعه عشان كرار ومشاكله وقلة عقله، اني هاخدها اولدها واجيبها.
صرخت فيه شام وهي عتزيحه من قدامها:
والله لو فيها موتي وموت الدنيا كلها مااسيب بتي فى الوكت ديه واصل ولو على قطع رقبتي، وكرار نفسه لو قدامي وإعترض هامد يدي فصدره اطلع كبده وآكله ني.
خلصت كلامها وطلعت قوام علي بتها وركبت جارها في العربيه..
وقفل ابو دراع بيته بعدها وراحوا عالمستشفي، وطول الطريق ربيعه تتوجع وحسها بالوجع كل مادا يعلا،
وقطب وشام قلوبهم تعلا دقاتها من الخوف وبدنهم يترجف، وكل واحد فيهم عايز يضم ربيعه لحضنه هو، لكن ربيعه اللي اختارت في اللحظات داي تكون فحضن قطبها وماسكه فيه بكل قوتها وكل مايزيد وجعها تشدد فمسكتها ليه وهو يضمها، وشام تدعي وعيونها محكماش عليهم ولا شايفه منهم وهي عتبكي من خوفها على بتها، وحتي قطب كانت من وكت للتاني تبصله تلاقي عيونه عيلمعوا بالدمعه، لكنه كاتمها عشان راجل، وكمان من خوفه من السواق واللي هيقوله لو شاف ابو دراع عيدمع عشان مرته عتولد!
وصلوا اخيراً المستشفي وكملوا اجرآت الدخول، وبعدها دخلوا بيها، وفلحظة ماخدوا ربيعه من قطب بالقوة لكشك الولاده وهي ماسكه فيده وتقوله متهملنيش، حس بإنه عاجز وإنهم خدوا روحه منه، وقعد على حيله لما مقدرش يوقف من شدة خوفه وقلقه.
وهي نص ساعه بالظبط قعدتها ربيعه جوا وحس صراخها كان عيزلزل فقلب قطب زلزله، وحاسس برجفه عتسري فبدنه كله، وشام في النص ساعه داي روحها كانت هتطلع مع صراخ بتها،
ولكن التنين سكن خوفهم اتبدد وقلقهم اتحول لإبتسامه وهما سامعين صرخات الصغير اللي حسه كان بمثابة روحهم اللي ردتلهم، وخصوصي قطب اللي بص لفوق وتمتم بكلمات شكر، وبعدها سجد فى الارض شكر لله،
وإهنه دموعه اللي كان حابسهم من الصبح بالقوه غصب عنه اتحرروا ونزلوا، وقام من سجوده اللي طول، واتعدل على يد شام اللي طبطبت عليه بشفقه على حاله اللي عمرها ماشافت عليه حال راجل مرته عتولد وخايف عليها كل الخوف اللي شافته من ابو دراع ديه!
وبعد ماقام قطب ومسح عيونه بطرف كمه، راح ووقف قدام كشك الولاده، وهي دقايق وكان الباب مفتوح وطالعاله الممرضه بفرحته الكبيره بين اديها، واللي حس ان قلبه من شدتها مش مصدق وهيوقف من كتر ماعيفرفط بين ضلوعه..
وبس مدتله الممرضه اديها وقالتله بفرحه:
مبروك ياحج، واد يتربى فعزك.
وأبو دراع كتم انفاسه وهي عتحطله ولده بين اديه، وبص لقي حته منه فحضنه وضاممها لقلبه!
فابتسم وبعدها ضحك بحسه العالي من فرحته بيه، واتأمل ملامحه شويه وباس جبينه وكبر فودانه، واداه لشام اللي كانت واقفه وماداله اديها من اول ماشاله عشان تاخد دورها هي كمان في الفرحه.
وبس شام خدت حفيدها وقف هو قدام الاوضه مستنى حبيبة قلبه وسبب سعادته تطلع منها بخير وسلامه، ويفرحوا سوا بولدهم.
واول مااتفتح الباب وطلعت منيه ربيعه على الترولي قرب منها ومسك يدها حبها وحب جبينها، وميل عليها همسلها بمحبه:
حمدالله على سلامتك ياروح قلبي ونور عيني، إمبارك ماجالك ياأم ولدي..هو قال إكده وهي اتبسمتله بتعب ومقدرتش ترد، وبعدها الممرضين اخدوها على أوضه وتبعها قطب وشام اللي كانت متاخده من فرحتها بحفيدها اللي جدد فعيونها الحياة وخلاها حاسه إن الدنيا فيها حاجات حلوه عتنسى كل العفش اللي الواحد عيشوفه فيها،
ومن اكبر الحاجات الحلوه داي اللي شايلاه فباطها دلوك، واللي مش مصدقه انها بيه بقت جده وشايفه اعز الولد!
قربت شام من ربيعه ومدتلها ولدها وهي عتقولها:
مدي يدك خدي عوضك وفرحتك ونصيبك الحلوا من الدنيا يابت عمري.
حاولت ربيعه تتعدل وساعدها قطب وقعد وراها سندها وهي فردت اديها للى رجف عليه القلب من الفرحه ورقص بمجرد ماطلت في وشه، واتبسمت وهي واعياه عيفتح فخشمه ويودي ايده الصغيره عليه ويمص فيها بجوع، وشويه وبدأ يبكى وربيعه ابتسامتها اختفت، وبصت لامها بإستنجاد وشام بدأت توصيها كل الوصايا اللي وصتهالها ستها عديله يوم ولادتها، واولهم ان العيل لازمن يرضع لبن السرسوب فاول ساعتين من الولادهَ
وساعدت ربيعه فأنها ترضع ولدها، وبمجرد ماعيملت إكده، وشاف قطب ربيعه وهي شايله ولده وعتديه الحنان منظرها ديه كبرها فعنيه سنين، وخلاه اتبسم للمنظر بسعادة مابعدها سعاده وهو واعي قلبه شايل روحه والتنين فحضنه.. وميل على ربيعه حب خدها ولف اديه حواليها بمحبه وهمسلها بحنيه:
عحبك يامُنية الروح وغاية النفس، عحبك ياسر السعادة وكل الفرح، عحبك ياللي خليتي القلب الشايب رد شباب وعاودتيله دقاته.. عحبك ياام ادهم.
ربيعه رفعت عيونها عليه وهمستله بصوت مماثل: ادهم! اشمعنا؟ كنت مفكراك هتسميه مخلوف على إسم المرحوم ابوك عشان تخلده
قطب: له إسم ابوي إكده إكده ولدي شايله وهيتنطق مع اسمه فكل مره، لكن اني حابب إسم ادهم، وكمان عشان الواد لما يكبر ميخجلش من إسمه قدام زملاته ويحس إن اسمه عفش من دولهم، واني ولدي لازمن يكون الاحسن في كل شي، من الاسم للطبع للأخلاق.
ربيعه اتبسمت ورجعت بصت لولدها وهمستله وهي عتمشى ضهر يدها على خده الترف الناعم بحنيه:
ادهم! ..ادهم..نورت ياقلب امك وابوك، نورت الدنيا ونورت حياتنا وحليت الدنيا، يامراحب بيك ياواد قطب الغالي.
خلصت كلامها مع ولدها وبصت لامها اللي كانت بصالها وعيونها عتسح في الدموع وعماله تحمد ربها بهمس وتشكره من كل قلبها على احلى منظر ممكن الام تشوفه.. منظر ابنها او بتها وهو شايل اول طرح ليه.
فهمستلها ربيعه بمحبه:
بذيادانا من الدموع عاد ياشامه، بزيادانا مش هنقضوها بكا حتى واحنا فعز الفرحه، خلينا نغيرو اللي عشنا سنين فيه ونتعلموا الضحكه.. قربي وخدي مني واد بتك (ادهم) وحطيه فحجرك وشبعيه من حنانك واني هناملي هبابه تعبانه، وانت ياقطب خليك جاري متهملنيش، عرتاح واني حاسه بأنفاسك حتى واني نايمه.
رد عليها قطب وهو عيساعدها تنام بعد ماقربت شام قوام وسمت وخدت ادهم وراحت قعدت بيه، وابتدت تقراله وترقيه من عيونهم هما التلاته ومن فرحتهم بيه،
وبعد مانامت ميل عليها قطب وابتدا يلم شعرها اللي طالع من بره ربطة راسها ويلملم فيها كلها ويغطيها ويدثرها، وبعدها اتمدد جارها وميل وسند دماغه على دماغها والتنين غفيوا سوا وهما باصين لولدهم فحجر شام، واللي بيه اكتملت جميع امنياتهم،
وبالذات قطب اللي ابتدا يفكر في العقيقه امتا هيعملها وهيعملها بكام دبيحه عشان تكفي اهل البلد كلهم، وياترى يجيب مين ينشد في الليله اللي هيعملها (لأدهم قطب مخلوف) ولده وامتداد نسله وتاني اكبر عطايا ربنا ليه بعد ربيعه طبعاً.
أما شام ففضلت باصالهم وهما نايمين انفاسهم متوحده وكل واحد فيهم حاطط دراعه عالتاني كأنه كل اللي ليه في الدنيا.
وعدى النهار وعشان ربيعه ولدت طبيعي واطمنوا الدكاتره على حالتها وحالة الطفل طلعوها، وخدهم ابو دراع وعاودوا علي بيتهم وهما زايدين فرد جديد.
وبمجرد دخولهم من بوابة البيت لقوا ممدوح قاعد في الجنينه واول ماشافهم قام وقف على حيله وبص للواد اللي علي يد شام، وبعدها بص لربيعه بفرحه وعيونه عتلمع وعايزه توعدها بإن قربهم قريب، وإن اللي يخص ابو دراع طلع من جواها،
وخلاص بقت خاليه وحقه هيرجعله سوا بالرضى أو بالغصب، بالذوق او بالعافيه، بالسلم او بالحرب، وعلى إستعداد تام إنه يستعمل كل الطرق في سبيل الوصول ليها.
بقلمي ريناد يوسف
يتتتبع
نفق الجحيم الجزء الثاني الفصل التاسع والاربعون
❈-❈-❈
دخل ابو دراع بربيعه للبيت ووراه دخلت شام بولده، وطبعاً مخفيش عليه نظرات ممدوح لمرته، فريح ربيعه فنومتها وطلعله، وبمجرد ماوقف قدامه مسكه من قب جلابيته وشدد على المسكه وقاله بنبرة تحذير مينفعش معاها التجاهل:
عينك اشوفها تبص لمرتي تاني متلومش غير روحك عالضلمه اللي هتعيش فيها باقي عمرك ياممدوح سامع.
رد عليه ممدوح وهو حاطط عينه فعينه بتحدي وعدم خوف كيف اللي حط كفه على يده ورايح يدافع عن وطنه:
هبص. ومش بس هبص له داني هبص وهقرب وهضم واشم وهتمتع كمان، واللي هتتحرم عليه البصه على ربيعه هي انت مش اني ياابو دراع.. خلاص ياكلاف اللي ليك حدا ربيعه ولدك تاخده وتفارق وتطلق بالذوق والادب وبيتك وحوشك اني شرايه، او حتي هبدلك بالبيت الجديد اللي بنيته، مع ان بيتك ميسواش أوضه من أوضه، لكن معلش يهون عشان تنقشع من وشنا.
خلص ممدوح كلامه وهو واعي عيون ابو دراع عتتحول لحمار عمره ماشافه، وعروق عيونه فطت وملامحه كلها اتشنجنت، ومحسش غير على يد ابو دراع عتترفع في الهوا وتنزل قبضته بكل قوة ابو دراع فوق راسه خلته اترنح من شدتها، لكنه حب يتمالك نفسه وميقعش، لكن قبل مايفكر حتي حس انه عيتشال ويطير في الهوا كيف عصايه ناشفه حد رماها من طول دراعه، واتخبط عالارض خبطه خلت الآه تطلع غصب عنه، وقبل ماياخد نفسه كان ابو دراع مقومه بيد ونازل فيه باليد التانيه ضرب فيه على كد مااتكاد من كلامه، وكيف يقول قدامه على مرته هقرب واضم واشم بمنتهى البجاحه وقلة الحيا!
وفضل نازل فيه ضرب فين تاكل فين تشرب لغاية ماممدوح خلص فيده خالص وقطع النفس، وبعدها رماه موطرحه وهمله وراح على غنماته ويفطرهم من غير مايرفله جفن علي ممدوح ولا يحس بـ ذرة ندم من ناحيته.
❈-❈-❈
أما ممدوح ففضل على حاله لغاية مافاق، وقام بضعف وراح على بيته، وبمجرد ماامه ورده شافته متخرشم ضربت علي صدرها بصدمه وجريت عليه، ومكانتش محتاجه تسأله مين اللي عيمل فيه إكده وهي عارفه إن ولدها من ساعة ماعاود وهو عيحرجم حوالين ربيعه وابو دراع وعامل كيف اللي مادد يده فعش الدبابير فاللسعه ليه كانت متوقعه.
قعدته ورده وقعدت جاره وابتدت تتفقد جروحه من سكات وهو عيونه باصين بعيد ومغيمين من الكسره والوجع والغضب والقهر، وقالتله بمنتهى الهدوء وبنبره متحملش اي لوم او عتب لانها واعيه حالته متتحملش:
خلاص ياولدي انساها، انساها وشوف حالك، واني من بكره هغربلك البلد غربله واجيبلك احسن واحلا بت فيه، اومال دانت واد صفوت ابو المقاول والف مين تتمناك ومعاك بيتك على حالك وصنعتك اللي توكلك الشهد ومش ناقص جمال ولا شباب، تقعد ليه مستني تاخد فضلة حد وإنت قادر تاخد البكر اللي أول قطفتها على يدك ومحدش داقها ولا داسها غيرك؟!
رد عليها ممدوح بعد تنهيدة وجع:
معاوزش غيرها يمه ولا تطيبلي كل حريم الدنيا، القلب والروح والعقل مش عايزين غير ربيعه وبس، وكمل بتعب وهو عيسند راسه على كتفها.. عايز بت عمي يمه، عايز لحمي اللي اني احق بيه من اي حد، عايز اللي ربيت تحت عيني وقدامي وكنت حارسها من كل العيون.. عايز ربيعه يمه عايز بت عمي اني.
خلص كلامع وشهق وأن بوجع قطع نياط قلب أمه وخلاها ضمته عليها ومسدت عليه بشفقه وقالتله:
مليكش فيها نصيب خلاص ياحبيبي، ولو فضلت تعافر وتحاول هتخسر شبابك واحلى سنينك ومش بعيد تخسر عمرك على يد ابو دراع.. له مش بعيد وبس دانت هتخسره هتخسره، وصدقني العمر خساره يضيع عشان بني آدم.. ربنا يصبر قلبك يانن عيني ويطلع بت شام منه، ويهديك وتبعني وتخليني اخطبلك اللي تنسيك ربيعه وايامها وانت تشوف إنها لا اول بت ولا اخر بت وانك كنت موهوم وغلطان لما كنت هتخسر عمرك عليها.
رفع ممدوح دماغه من علي كتف امه وقام راح على اوضته اللي هي اوضة عزت القديمه وقفل الباب عليه، وعرفت امه إن ولدها اتختم على قلبه بختم العشق واتشمع بشمع المحبه، وانه خلاص لا عاد يسمع ولا يقنع، وراح في سكة اللي يروح.
❈-❈-❈
أما ابو دراع فبعد ما شاف غنماته عاود لبيته ولعرينه اللي فيه كل حياته، وقعد جار ربيعه هبابه، ولما شاف شام رايحه تعلق لربيعه على فروجه تسلقهالها، قام هو مكانها عشان ريحة الدخان والبخار متخنقهاش، وهو دلوك في وكت ميسمحلوش إنه يهمل ربيعه وولده ويحير بشام ويتشتت فكره مابين إهنه وإهنه.
وخلص وكل ربيعه ووكلها وبعدها عمل وكل ليه هو وشام وجهزه وقعدوا يتغدوا، وعلى الغدا بص ابو دراع لربيعه اللي كانت شايله ولدها وبصاله ومبتسمه، وبص لشام اللي عينها عليهم والفرحه هتنطق من عنيها، وجلى صوته وبص لربيعه وبعدها وقالها:
إعملي حسابك ياأم ادهم إن السبوع بتاع ادهم والعقيقه والليله مش هتتعمل إهنه فبيت المقاول.
سألته ربيعه بإستغراب:
امال هتتعمل فين ياقطب؟
رد عليها وعينه على شام اللي بطلت مضغ الوكل اللي فخشمها ومترقبه جوابه:
في البيت اللي يستاهلوا اهله الفرحه اللي هنفرحوها وهيفرحولنا اكتر مننا، في البيت اللي فيه اهلي واهلك واهل شام واهل ادهم.. في البيت اللي اصحابه قلوبهم عامره بالطيبه.. فبيت جدك عبصمد ياربيعه.. هيتعمل السبوع هناك وكلنا هنتجمعوا سوا، ادهم هيجمع بقدومه الحبايب اللي طال فراقهم وغربتهم عن بعض وحان وقت الجمعه بزيادة عاد.
شام سمعت الحديت واتنهدت وبعدها اتبسمت وكملت وكل، كيف ماتكون مش مصدقه إن ديه ممكن يحصل، أو إنه مجرد حلم مش هيتحقق، أو قلبها مش حمل فرحه كبيره بحجم الدنيا ومن بعدها خيبة امل على كد الفرحه.
فكملت وكلها من سكات وقطب فهم إنها خلاص يأست، ومرضيش يحلفلها النوبادي إنه ناويها وسابها لوكتها، عشان اللي شايفه من شام انها خلاص نال منها اليأس واستسلمت ومش هيحاول يديها أمل قبل التنفيذ النوبادي.
فقام من ع الوكل بعد ماشبع وراح طوالي على غنماته، وساق منهم عشر روس وراح بيهم عالتاجر بتاع الغنم باعهم، وقرر بحقهم يشتري عجل ويشتري التاني من فلوسه بس فبلد اهل شام، والعقيقه خلالها اكبر خروفين في الحوش، وكل ديه من غنمه حر ماله ماقربش على غنم شام ولا ربيعه.
وبعد ما عيمل إكده عاود وحط الفلوس كلها فحجر ربيعه عشان تخليهم معاها، وطلع هو بالجرار عشان يشتغل بيه في غيطان الناس اللي كانت متفقه معاه من امبارح ومراحلهمش وعطلهم بسبب ولادة ربيعه.
وقعدت شام مع ربيعه مع بعض يتناوبوا على ادهم، وشويه وسمعوا حس صراخ في البيت..عطت شام الواد لربيعه وطلعت قوام تشوفه، ولما شافت بدور طايره ناحية بيت ابوها وهي عتصرخ وتنكش في شعرها عرفت إن عدويه خدها الموت وخلصت ايامها عالدنيا، فاتصعبت عليها وحوقلت واترحمتلها وهي عتتفكرلها حاجه عفشه عيملتها معاها من يوم ماجات للبيت ملقتهاش عامله معاها غير كل خير، والوحيده هي وورده بتها اللي كانوا كافيين غيرهم شرهم وفحالهم دوناً عن اهل البيت ولا كأنهم منهم ولا يعرفوهم.
وغصب عنها دموع الفراق نزلوا وراحت على ربيعه بلغتها الخبر، وهملتها وراحت على بيت نعيم عشان تعمل الواجب وتشارك معاهم في الغسل وتكرم اللي مطلعتش منها العيبه واصل.
وبالفعل راحت، وشويه وحضروا رجالة البيت كلهم، بما فيهم قطب اللي اتعجب من المفارقه الغريبه اللي تاني نوبه تحصل معاه كيف متكون مترتبه ومرسومه من رب العالمين فيوم مع ولادة مرته يموت ابوه ومع ولادة ولده تموت عدويه، كأن اللي جاي ربنا عيوسعله موطرح فبيت المقاول عشان مليهش موطرح!
وبعد مراسم الدفنه وطلعوا الرجاله بعدويه فضلوا الحريم يأدوا المراسم السايده وقتها واللي كان يحكمها الجهل من الندب والعديد والصويت، وبالاخص بدور اللي حسها كان مغطي عالكل وهي عتندب وتقول كنتي خابره انك هتموتي عشان إكده عطيتني الدهب يمممه.. وفضحت قدام الناس كلها اللي سرته امها سنين وخصتها بيه هي لحالها شفقة على حالها، وخلت النفوس كلها شالت من عدويه اللي جات فآخر ايامها وظلمت من وجهة نظرهم بعد ماعاشت عمرها كله ماظلمتش حد ولا زعلت منها اي مخلوق.
❈-❈-❈
وفأثناء ايام العزا كان لازم حريم البيت يطبخوا ويخبزوا، فوزعوا المهام مابينهم وجه الخبيز وحمية الفرن من نايب بدور اللي كانت عامله روحها مكسحه من كتر الحزن ومقادراش تتحرك، وفضلت تترجى فدي ودي عشان وحده تاخد الخبيز وحمية الفرن مكانها مفيش وحده رضيت، فملقيتش قدامها غير شام، وراحتلها وقعدت جارها وابتدت تشكيلها حزنها وكسرتها من بعد امها وشام تصبر فيها وتطيب خاطرها، وفي الاخر بدور بالدموع طلبت من شام انها تاخد الخبيز مكانها، وشام قصاد حالة بدور مقدرتش ترفض، فقامت عجنت العجين وقطعته وجمعت الوقيد قدام الفرن عشان تحمي وتخبز عيش العزا بتاع ال٣ ايام.
وفضلت قدام الفرن تحمي والدخان يطلع عليها لما عبى صدرها وخلاها ابتدت تكح كحه شديده من بعد ماهديت عليها الكحه في الفتره الاخيره، ولكنها فضلت مكمله جميلها للأخر واتحملت الدخان والكحه لغاية ماخلصت خبيز للنهايه، وبعدها رجعت لربيعه وهي حالتها حاله ومش قادره تاخد نفسها، وربيعه بس شافت حالها وعرفت باللي عملته قالت بوووه بحسها العالي، وكان بودها تطلع تاكل بدور وكل لكن امها منعتها وقالتلها انها هي اللي عيملت إكده من نفسها ولو كانت عايزه تقول له كانت قالت، بس لجل عدويه اللي يرحمها حبت انها هي اللي تعملها اللقمه اللي هتتاكل في عزاها وبدور ليهاش صالح.
وفضلت شام لاخر اليوم فنوبة كحه متواصله، ولما عاود ابو دراع وشاف حالها اتصدم وخصوصي لما حكتله ربيعه وهي مقهورة من عملتها وهما التنين عيشموا ويلموا فيها وهي رايحه ترمي روحها فحضن الوجع!
فطلع ابو دراع عالبندر واشترالها الدوا اللي سبق وكتبهولها الداكتور قبل سابق واللي عيجيبهولها لما تتعب، وعاود بيه للبيت واداهولها وخلاها خدت منه قدامه، وبعدها خلاها تنام وترتاح ومخلاهاش تروح تاني تحضر باقي يومين العزا فبيت نعيم.
وفضل هو كمان قاعد في البيت جارهم وهمل المندره والمعازي وفضل يراعي مرته وولده وشام حماته، وحتى شغله في الارض اجله لحين ماتطيب شام ويطمن عليها وتقدر تقوم تراعي ادهم وامه.
ولكن للأسف عدى اول يوم عليها وحالتها مايعلم بيها الا الله تعب وكحه ونهجان وديق نفس، وعدى تاني يوم كمان على نفس الحاله وكان يوم القطعانيه، وسام وصلت فيه لمرحه تتوجع كل ماتاخد نفسها ويطلع بأنه تقطع القلب، وربيعه طول ماشايفاها إكده تبكي وابو دراع لما لقاها إكده ومفيش تحسن راح جاب كرار من المندره ودخله عليها وقاله:
شوف حالة المخلوقه عامله كيف، مش نافع فيها العلاج بتاع كل نوبه خليني اخدها المستشفي يحطولها نفس حرام عليك.
كرار بص لحالة شام ووشها الازرق واتأملها هبابه ولمحة شفقه لاحت فعنيه لثواني، لكنها اختفت قوام وهو عيفتكر انها مانعه نفسها عنه وانها طلعت عن طوعه، وإن الحاجه الوحيده اللي عيكم فيها عليها دلوك هي طلعتها من البيت، وديه حقه عليها وسلطته اللي مش هيتخلا عنها ولا هيفرط فيها.. فرد على ابو دراع وقاله:
قلت قبل سابق طلعه من البيت مفيش، وانت كسرت كلامي وخدتها لما رحت تولد مرتك وكان المفروض احاسبك واحاسبها بس مرضيتش اكسر فرحتك بولدك وقلت عديها ياكرار ومش هتتكرر تاني وخلاص سماح لجل عيون صاحبك.. انما تتكرر تاني له، لا بعلمي ولا بغير علمي، هاتلها اهنه بدال الداكتور عشره، هاتلاها كل علاج الدنيا، انما تطلعها من البيت له.
خلص كلامه وبصلها وبتحدي كمل:
شام عاشت وهتموت في البيت ديه، نهايتها هتكون بين حيطانه وحتي لو ماتت هدفنها فأرضه ومش هتطلع منيه خالص حتي بعد الموت.
وهحرم على اهلها حتى زيارة قبرها زي ماحرمتهم شوفتها.
ردت عليه ربيعه بقهر وبغل منه ومن افعاله وكلامه:
ربنا يحرم عليك الجنه وريحها، ربنا يحرمك من كل عزيز وغالي عليك، ربنا يحرمك من انفاسك وماتقدر تلقطها غير بالعذاب، ربنا ينتقم منك وياخدك اخد عزيز مقتدر، يااارب انت القوي على كل قوي يااارب، يااارب يامخلص الحقوق خلص حقي وحق امي منه في الدنيا قبل الاخره وورينا فيه بعينا وفرحنا يارب، صوح الشماته عفشه بس يارب شمتني فيه ووريني ذله اكتر من إكده.. اللي هو فيه ديه مش كفايه يارب زيده كمان وكمان.
خلصت كلامها وحست بكف شديد نزل على وشها، وقبل ماتستوعب وتنطق كان كرار متشال على كتف ابو دراع وبحركه سريعه مرمي قدام باب البيت ونازل فيه ابو دراع ضرب من اللي يشفي الغليل، وكل اللى على لسانه.. الليله اني كتالك ياكرار الكلب.
وبعد ماخد مهاجه من الضرب فيه وكله قدام عيون ربيعه المتشفيه، وجابلها حقها منه تالت ومتلت، همله لما جه صفوت وشافهم وخلصه من بين اديه بالعافيه، وفضل يزعق لابو دراع على الضرب اللي بقى طايح بيه فى اهل البيت من ولده لكرار للكل كليله ويعالم الدور بعد إكده هيكون على مين من أهل البيت، وابو دراع كان يسمع منه ومش راضي يرد عليه، عشان لو رد هيزعل صفوت منه، وصفوت طول عمره فحاله ومااحتكش بيه ولا ماسخه، ومش عايز يعملها دلوك.
وخد صفوت كرار وراح بيه عالبيت وهو عيبرطم على ابو دراع اللي غيرته شام وبتها وخلته يعادي عشانهم اعز الناس، وهمس لروحه أن صوح كيد النسا قادر يذل الرجال.
❈-❈-❈
اما كرار اول ماخد نفسه وفاق من العلقه قعد على حيله وابتدا يفكر فاللي عيجرا ديه كله، وكيف يجازي ابو دراع على ضربه ليه، ولكنه في الاخر لقي إنه مفيش فيده اي سلطه عليه ولا بيده عليه شي، البيت اللي قاعد فيه وبأسمه، وشغل حداهم مبقاش يشتغل، وفلوس.. ابو دراع بقي اغنى منيه، وشاف إن الفلوس هي اللي كانت عاملاله قيمه وسط الكل ولما خسرها خسر قيمته، فقرر إنه ينتقم من اللي كانت السبب فخسارته ليها، ومش هيسمحلها تعيش متنعمه وهو يعيش في مذله، وحلف واستحلف إنه هيروح يجيبها ويرزعها في البيت إهنه جاره، واللي يصير على شام يصير عليها، عالاقل غلط شام اللي عيحاسبها عليهمش كد غلط شوقيه، وخلاص هو محداهش اي شي يخسره دلوك، والعمر معادش ليه قيمه.
قعد مع روحه فتره طويله، وبعدها طلع يتسند عالحيطان وهو سامع حس عربية اسعاف، فطلع يشوف خبر ايه، لقاهم نازلين من الاسعاف بأمبوبه اسطوانيه وعرف انها امبوبة نفس لشام، ودخلهم ابو دراع لبيته، وغابوا ياجي ساعه وطلعوا من البيت ومشيوا بعربية الاسعاف،
وكل ديه كرار كان قاعد على دكة عزت اللي قدام الباب وشايفه، وشايف كمان صفوت اللي دخل مع المسعفين ومطلعش غير معاهم، وكرار مش بالغباوه اللي عقله ميجمعش طول السنين اللي فاتت داي إن عزت عاشق لشام، لكنه مرضيش يواجهه ولا يقوله اني كاشفك، عشان عزت يفضل متشعلق في الحبال الدايبه وعشق شام يعذبه اكتر واكتر، عشان يحرم يبص عاللي مش ليه. بمعنى اصح كرار كان مستمتع بعذاب عزت.
❈-❈-❈
أما حدا ابو دراع
شام بدأت انفاسها تستكين هبابه بعد الجلسه، وقدرت اخيرا تنام بعد ٣ ايام عينها مازارها فيها نوم، وكل ماتاجي تغمضلها عين الكحه تصحيها، فماصدقوا ربيعه وقطب انها نامت، وهملوها ودخلوا هما كمان اوضتهم حطوا ولدهم وسطهم وغفيوا وهما باصينله وعيتأملوا فيه
صحيوا التنين على صوت كحة شام القويه الي حتي قبل الجلسه مكانتش إكده، ورتحت عليها ربيعه لقتها عتحاول تتعدل بالعافيه، فساعدتها وقعدت جارها، والغريب اللي شافته ربيعه إن امها فعز ماكانت عتموت من نوبة الكحه كانت مبتسمه إبتسامه واسعه كيف ماتكون في اشد نوبات فرحها، فسألتها عن السبب، فصبرت شام لغاية ماعرفت تتحدت كلمه بين كل نوبه والتانيه وردت عليها:
جدك.. عبصمد.. امي.. بشاير.. بسيمه.. اللقى.. قريب.. ياربيعه.
وغمضت عيونها تاخد نفسها وبعدها كملت:
ستك.. عديله.. مستنياني.. وقالتلي.. ان إهناك.. حداها.. احسن.. كتيرر.. وقالتلي.. جهزي.. حالك.. للرحله.. هستناكي.. متعوقيش.
ربيعه قلبها اتقبض من كلام امها، وبصت لقطب اللي هو كمان قلبه رجف وبلع ريقه بخوف لأن معنى رؤيا شام واضحه النوبادي وضوح الشمس، وإن شام خلاص إمفارقه.. فطلع من البيت قاصد كرار وهو ناوي ياكلتل يامكتول على روحة شام لاهلها النوبادي، وهيوديها بشوره عشان متركبهوش العيبه، هيوديها غصب عنه لو حكمت.
وبالفعل راح على البيت ملقاهوش، فطلعله عالمندره لقاه قاعد، فوقف قدامه وبأمر قاله:
هودي شام تشوف اهلها، شام مبقيلهاش في الدنيا كتير ياكرار، يمكن ايام، او يوم واحد، شام تعبانه ونفسها قبل ماتموت تشوف اللي حرمتها منهم، خليك بني آدم النوبادي بس واحترم حرمة الموت وخاف ربك واتقى عذابه.
رد عليه كرار بغل من الضرب اللي لساه ضاربهوله:
خليها تموت.. اني عايزها تموت وهي علي حالها إكده متعذبه، اني عايز الكل يتعذب، اشمعنا اني متعذب وجايبها من يومي قهر بقهر، خلي الكل يدوق ويشرب.
ابو دراع: ياخي إرحم
كرار:
الرحمه بتاعة ربنا وهو اللي يرحم اني معرحمش.. ودلوك اني مسافر اجيب بت الكلب واعاودها إهنه تاني، ولغاية ماارجع ياابو دراع شام متخطيش بره عتبة البيت ولا حد يدخل عليها من اهلها، ديه لو عايزها تموت موتتة ربها، تموت طبيعي على فرشتها من غير دم.
خلص كلامه وقام نفض جلابيته بعنف ودخل البيت، غير وخد جذدانه وطلع قاصد محطة القطر عشان يجيب اللي حلقت بجناحاتها وخدت عياله وطارت بعيد عنه، وكل فكرها إنها هتتهنى باللي خدته من كرار، وهتنفد منيه بعد ماخدت كل شي وهملته يستجدي اللقمه ورجع اجير تاني تتحكم فيه الناس وهو في السن ديه.
وبس مشى واتوكد ابو دراع انه غادر البلد وركب القطر، روح قوام وقال لربيعه تلم كل حاجة امها المهمه، وخدهم منها وطلعهم من البيت ووداهم على المعمل عند الشيخ حكيم وقاله يوصلهم لأهل شام ويبلغهم رساله.
وتاني يوم الفجر، قايمه ربيعه وكلها نشاط وفرحه عشان ابو دراع قالها عشيه إنه هيوديها هي وامها النهارده على بيت جدهم، واهناك هيعملوا السبوع اللي باقي عليه يومين بس، وراحت على أوضة امها عشان تصحيها تصلي الفجر حاضر لأنها من ساعة ماتعبت عياخدها النوم ومبقتش تصحي لحالها، وعتخلي ربيعه هي اللي تصحيها، فدخلت عليها الأوضه، وقربت منها وبشويش مدت يدها عليها تهزها عسان تصحي، وهزه واتنين وشام مصاحياش، فبرقت ربيعه وهزتها اكتر وهي عتنادي بأسمها بحس اعلى، لكن لا حياة لمن تنادي، والغريبه إن امها ساكنه خالص حتي من الكحه اللي معتبطلش دقيقتين على بعض.. فطلعت ربيعه تجري وتصرخ علي ابو دراع اللي قام مفزوع وراح معاها علي اوضة شام، وبعد مادخل واتفقد شام غطاها وشد ربيعه من جارها وهو عيقولها امك رحلت وراحت للي خالقها ياربيعه اطلبيلها الرحمه.
وإهنه حس ربيعه بالصراخ زلزل بيت المقاول زلزله، ومهما حاولت انها تدخل على امها ابو دراع كان مانعها عشان خابر انها مهتتحملش، وهي دقايق وكان بيت المقاول كله متجمع كبير وصغير قدام بيت قطب عالفجعه اللي مابعدها فجعه، وعالموت اللي خد نوارة بيت المقاول.
ومن بعد ربيعه في الحزن والعويل والصراخ ياجي ترتيب عزت اللي قعد عالارض وفضل يشيل من تراب الارض ويحط على دماغه وينادى بإسم شام.. امنيته اللي مطالهاش وحلمه اللي متحققش، وفرحة قلبه اللي كان وجودها مصبره على كل اللي بيجراله وعلى ايامه، وحالته داي خلت الكل استعجب عليه، وبدور خدت جنب وفضلت باصاله ومقهوره من العشق اللي اتحرر من قلبه بموت شام، ودموعها عينزلوا عشرات، مش حزن علي شام، ولكن حزن على العشره والسنين اللي قضتها وهي تطلب رضاه وتستجدي محبته، وهو قلبه مختوم بعشق شام،وفضل الحزن ناصب خيمته فبيت المقاول مهملهاش من لحظة موت عدويه واهي من بعدها شام، وعمال ياخد في الناس الزينه وينقيها نقاوة من البيت، وياعالم الدور على مين تاني. بقلم ريناد يوسف
يتبع
نفق الجحيم الجزء الثاني الفصل الخمسون
❈-❈-❈
ابتدت مراسم الغسل، وفلمح البصر من غير ماربيعه تستوعب اللي حصل كان ابو دراع طالع بنعش شام حامله على كتفه، ومعاه عزت اللي ابي الا إنه يشيعها بيده لمثواها الأخير، ومعاه ممدوح اللي شال معاهم النعش، وكذلك كل رجالة البيت حملوا بأديهم شام اطهر وانضف حد دخل بيت المقاول.
أما ربيعه ففضلت قاعده عالارض وواعيه امها وهي مفارقاها ودموعها نازله من سكات من بعد ماانهارت في البدايه شويه وبعدها جسمها استكان وصوتها اختفى وقعدت موطرحها مقامتش ولا نطقت ولا اتحركلها ساكن، وكل ديه وقطب مراقبها وعارف انها سارقاها السكينه، واتمنى إنها متفوقش من توهتها غير لما يدفن شام ويعاودلها، عشان يكون ضاممها وقت ماتستوعب إن امها خلاص فارقتها وتظهر ردة فعلها اللي متوكد انها هتفوق اي ردة فعل حد فقد حبيبه، لانه خابر شام بالنسبه لربيعه ايه.
وبالفعل راح دفن شام قوام قوام هو والرجاله ورجعوا، ودخل على ربيعه وحمد ربه انه لقاها قاعده موطرحها، فقرب منها وقعد وراها علي الارض ولمها فحجره قدام كل الحريم القاعده مهمهوش اللي هيتقال، وميل عليها وهمس فودنها:
ابكي ياربيعه وصرخي وطلعي اللي جواكي، اصرخي ومتكتميش وخدي حزنك على امك وآمني انها معادش ليها وجود معاكي.
وإهنه ربيعه سمعت كلامه وكيف مايكون نبه جميع حواسها، وشهقت اول مابصت على اوضة امها الخاليه، وابتدت صرخاتها تتسابق وجسمها يرتعش واطرافها تتخشب، ولما تتفك وتقدر تتحرك تضرب فقطب وتقوله هاتلي امي من موطرح ماوديتها، رجعلي امي انت خدتها مني ليه، وكل ديه وابو دراع متحمله وساكت ومهمله تعمل فيه مابداله وتقطع فجسمه بضوافرها كيف مايكون هو الموت اللي خد امها منها، وعشان خابر إن كل ديه غصب عنها وخارج عن ارادتها سابلها نفسه خالص يمكن اللي عتعمله فيه يهديها ويبرد نارها شويه.
وعمايل ربيعه وصراخها وكلامها بكى الكل ولو الحجر ينطوق كان بكى ونهنه علي حالها، لكن ابو دراع الوحيد مابين القاعدين اللي حكم على نفسه وعلى دموعه مينزلوش، برغم إنه اكتر واحد فيهم قلبه عيتعصر علي ربيعة قلبه وفرحتها اللي اتكسرت قبل ماتكمل وفرحته هو كمان اللي انطفت.
وبعد مجاهده ومهابره ربيعه جسمها فرط من التعب وبقت نايمه كيف الشريط مقادراش تتحرك، وبرغم خوفه عليها وعلى ولده الا انه كان لازمن يطلع ويهملهم عشان يحضر الصوان والعزا ويقوم بواجب شام على اكمل وجه وكما تستحق.
وهمل ادهم فى حما ورده وربيعه هملها لا قادره تشيل ايد ولا رجل ولا تحرك ساكن، وطلع حسبة ساعه وبعدها عاود للبيت من تاني يتطمن على مرته وولده.
❈-❈-❈
اما كرار فوصل لموطرح عياله ومرته، وبس دخل عليهم الكل وشوشهم اتقلبت واكترهم شوقيه اللي فكرت انها ارتاحت منها، وعماله تفكر وتخطط لحياتها الجديده من غيره، وبس قالهم إنه جاي يرجعهم البلد هما وامهم، قامت عليه الغواير ومبقاش ملاحق علي خشومهم واللي عتقوله، وبعد الشد والسحب اتوكد إن عياله الكبار مهيرجعوش معاه، لكنه حاول معاهم اخر محاوله، بس شوقيه وولده الصغير لازمن يرجعوا ورجلهم فوق رقبتهم.
وقعد بعدها ياخد نفسه من مشوار الطريق، واثناء ماهو قاعد رن التليفون اللي في الصاله، فراح عليه ولده تميم ورد عاللي عيتصل، وبعد السلام عرف كرار إنها سته أم شوقيه، سلم عليها تمام وقال لامه ان ستها عايزاها، فقامت كلمتها، ومن وسط زعلها بجية كرار بعد كام كلمه مع امها لقت نفسها عتبص لكرار وتبتسم بتشفي، وبنبرة لؤم قالتلها:
صوح الخبر ديه يمه، يعني خلاص شام ماتت واندفنت كمان؟ الله يرحمها كانت وليه زينه، بس هي الدنيا إكده معيقعدش فيها الا الشين.
خلصت جملتها ولقت كرار هب واقف وجه عليها كيف الاعصار وخد منها السماعه وبحس عيرجف سأل ام شوقيه:
شام مين اللي ماتت وماتت ميته وكيف؟
وسكت وهو عيسمع منها انها متعرفش حاجه غير إن الجنازه طلعت وقالو مرت كرار القديمه ماتت ودفنوها، فساب من يده السماعه وراح قعد عالكرسي بهوان، وحط راسه بين أديه وهو عيتخيل إن خلاص شام راحت ومعادش ليها وجود فبيته، واتحررت اليمامه الحلوه الهاديه اللي كان عيحب يلعب بيها من قبضته، ومتعته الكبرى انتهت.
اما شوقيه فوقفت تبصله وهي فرحانه فحالته وفحزنه، وهمست لروحها بإن خبر موت شام ديه كان ممكن يكون احلا خبر فحياتها، بس لو كان جه بدري كام سنه، وكت ماكان كرار يهمها، لكن دلوك كل ميزة الخبر حداها هما شوية القهر اللي واعياهم على وش كرار دول.
وقرر كرار بعد الخبر إنه يقعد مع عياله شويه لغاية مايأقلم نفسه عالوضع الجديد ويقنع روحه إنه خلاص هيعيش في موطرح مفيهوش شام، وكمان يتنعم بخيره اللي عياله وامهم متنعمين فيه ومهملينه هو شغال اجير وعياكل لقمته شفقه وإحسان من ابو دراع.
وبعدها القفص اللي فضي من شام هياخدله شوقيه، وكيف ماصار على شام هيخليه يصير عليها، ماهي لا هي احسن ولا اغلى، ولا عملت معاه شي يخليه يشفق عليها، بالعكس صفحتها معاه مليانه سواد بسواد تخليه يحبسها ويعذبها بدال العمر عمرين.
❈-❈-❈
أما حدا اهل شام
خبط حكيم علي بابهم ودخل لما اذنوله، وبس شاف عبد الصمد الصره فيده استبشر قلبه وانفرجت ملامحه بفرحه، وروحه رفرفت كيف مايعقوب جابوله قميص يوسف وحس بإن شوفته قريبه، فرفع عيونه على الشيخ حكيم وبحس مخنوق من كتر الشوق همسله:
آن الاوأن ياولدي؟
هزله حكيم دماغه بتاكيد وتبعها بإبتسامه خلت قلب عبد الصمد كان هينفجر فموطرحه من الفرحه، ومد يده اللي عترجف على الصره اللي فيد حكيم، وخدها منيه وضمها على قلبه وميل عليها وشمها، وكيف مايعقوب رجعله النظر من قميص ولده، عبد الصمد رجع لقلبه النبض اللي حسه اتوقف من غياب شامته وقهرته عليها، وغضب عنه دموعه سالوا، وعلى سيلانهم لمعت الدموع فعيون حكيم لكنها أبت تنزل، وجاهد على كد مايقدر عشان يخفيها.
أما عبد الصمد فدخل حكيم المندره وراح بالصره على دهب يفرحها هي كمان ويخليها تشم ريحة الحبيبه، وبعدها عاود لحكيم اللي كان مستنيه برسالة ابو دراع.
وبعد ماحكى معاه وفهمه، خده معاه هو ودهب على بيت المقاول عشان يحضروا عزا بتهم قدام الناس وكل الأمور تمشي طبيعي.
وبالفعل راحوا، وأول ماعبد الصمد وصل المندره ودخلها غصب عنه بكى ونهنه بوجع علي سنين الفراق والظلم اللى طال بته، وبكاه وحزنه كان يضاهي الحزن عالميت، وعشان إكده الناس كلها شفقت بحاله واتلموا عليه يسكتوا فيه.
اما دهب فدخلت لربيعه واول ماشافتها مرميه عالارض ورايحه من الدنيا شهقت وجريت عليها وسمت وخدتها فباطها، ومع ضمتها ليها اتفتحت ربيعه فى البكا بمراره، وشويه وابتدت تصرخ بقهر وتنادى على امها، وحالها خلى دهب ماتت من البكا هي كمان، ولا قادره تسكتها وتطمنها، ولا متحمله تشوف حالتها وهي نفسه والزعل عفش عشانها، وفسرها لعنت كرار الف لعنه اللي منه كل ديه وهو سبب الوجع اللي طايل الكل، ودعت ربها يوجعه نفس الوجع.
وفضل عبد الصمد وفي المندره ودهب في البيت لغاية الليل، وعلي عشيه بيت ابو دراع فضي من الناس، فخدت دهب ربيعه فحضنها وميلت عليها وبشويش همستلها:
أمك عايشه مماتتش ياربيعه.. أمك جوزك هربها من سجنها وفك قيودها، احنا هناخدوها معانا ونعاودوا البلد بعد مايقسم الليل وانتي بعد مايخلصوا ايام العزا تحصلينا.
ربيعه كانت تسمع وهي مش مصدقه، وفآخر الكلام ربيعه شهقت بس شهقه كيف اللي عيغرق وطلع دماغه من تحت الميه ياخد نفسه، فضلت ساكته منطقتش، لكن لما دخل عليهم قطب عشان يطمن عليهم، ومن نظرتها ليه عرف إن امها قالتلها، اتبسم وراح عليها وقعد جارها ولساه هيتكلم ويمد اديه ياخدها فحضنه، لكن ادين ربيعه زاحوه بعيد وهي عتهمسله من بين سنانها:
كيف هنت عليك كيف، كيف هان عليك وجعي، كيف هانت عليك قهرتي، كيف اتحملت تشوف حالتي كيف قولي كيف؟
رد عليها ابو دراع وهو عيلم اديه الممدوده:
كان لازمن كل شي يبان طبيعي ياربيعه عشان محدش يشك فشي، الزعل طبيعي وابقهر طبيعي وحتي الدفنه.
ربيعه ضربت علي صدرها وهي عتسأله:
يعني دفنت امي حيه ياقطب؟
رد عليها بإبتسامه:
متخافيش امك قويه وقلبها جامد ومخافتش، وبعدين مقعدتش كتير، هي ساعه بس لغاية مالناس مشت واتفتحلها القبر وطلعت، وبعدها اني رجعت واطمنت ان كل شي تم كيف ماخططتله وانها بخير.
ربيعه بلهفه وخوف:
وهي فين دلوك خدني ليها قوام ياقطب
رد عليها بهدوء:
اهدى على روحك، هي بخير وموجوده في المقابر عند الحارث، وفي الليل هطلعها واوديها على بلدها ولأهلها، وبعد اذنك ياام شام انتي وابوها تاخدوا بعضكم وتعاودوا على بلدكم كأن شي لم يكون.
واني هجيلكم بشام بكره تحت جنح الليل انتظروها.
خلص كلامه وطلع وعطا خبر لعبد الصمد باللي قاله لدهب، وجابلهم عربيه وروحهم فيها بعد ماهملهم حكيم وعاود البلد بعد ماجابهم بسبب فصل كان في انتظاره، وركب عبد الصمد ودهب وراحوا بعد ماودعوا ابو دراع وربيعه، وادهم ودعوه وداع عابر ومعطوهوش حقه في الفرحه ولا الاهتمام، لأنهم دلوك بصدد فرحه اكبر من كل الافراح، ولاول مره فرحة الولد تفوق فرحة ولد الولد.
❈-❈-❈
ووصل. عبد الصمد ودهب البيت وابتدوا يجهزوا الاستعدادات اللازمه لاستقبال شام واللقى الاكيد النوبادي، والليل لا ناموه ولا النهار من شدة التوتر رقدلهم جنب فيه علي فرشه، الا الكل عمال يتقلب علي جمر الشوق وبالخصوص دهب وعبد الصمد، ولغاية مالشمس غابت وغطس قرصها في جوف الغروب وإهنه ناقوس الفرحه دق في القلوب معلن عن قربها.
❈-❈-❈
اما ابو دراع فهمل ربيعه مع ادهم من بعد مافضل يصالح فيها طول الليل عشان ترضى عنه وتسامحه، وبعد تعب وجهد سامحته ورضيت عنه، واللي شفعله عندها على عملته انها لموصلحة امها ولخلاصها.
وخدها قطب فحضنه ونامو ليلتها مرتاحين البال والفكر للي تم وصار واللي كان وثيقة الافراج عن شام.
أما شام فكان صوت كحتها يشق سكون المقابر طول الليله الأولي، َعلى كد مالموقف اللي اتحطت فيه مخيف، وإن قبر يتقفل عليها ومعارفاش هتطلع منيه تاني ولا له، الا انه كان اهون عندها الف مره من حبستها فبيت كرار، وشوقها لأهلها نورلها ضلمة القبر وخلى كل خوفها اتبدد، ومن أول مانزلته لغاية ماسمعت صوت فتح غطاه وهي مغمضه عيونها وتذكر ربها وتسبح بحمده وتدعى دعوة سيدنا يونس وهو في ظلمات بطن الحوت، وبين كل كلمة ودعوه تكح وتكتم فكحتها علي كد ماتقدر من خوف حد يسمعها، وبس اتفتح باب القبر والنور اتسلط علي وشها فتحت عيونها كيف اللي عيتولد جديد ويفتح عيونه علي دنيا جديده.. دنيا مفيهاش قهر ولا ظلم ولا حبسه، ولا فيها كرار وجبروته.
ونزللها الحارث بخلجات وطلع استناها بره القبر لغاية ماغيرت الكفن وطلعتله، وخدها علي موطرحه اللي قاعد فيه في المقابر وقفله عليها بعد ماعرفها طريق الوكل والشرب، وهملها المطرح كله وفضل قاعد قدام بوابة المقابر؛ عشان لو حد عازه ميدخلوش جوه ويسمع حس شام او حس كحتها.
اما شام فأتوضت وابتدت تصلي، لا همها ولا شرب ولا كان فتفكيرها غير شوفة اهلها اللي باتت قريبه، وخوفها على ربيعه وولدها من الحزن وخصوصي لما قالها ابو دراع إنه مش هيرسي ربيعه عالحقيقه وهيهملها مفكره انها ماتت صوح، وطول الوكت قلبها حاسس بربيعه واللي فيها ومقبوض عليها.
وعدى عليها الليل، وادي نهار تاني يوم عدى والليل جه فمواعيده مخلفهاش كيف ماكانت شام خايفه يخلفها لأول مره ومياجيش من كتر ماقلبها تواق ليه النهارده ومتلهفهاله
وبس اذن العشا والنجم اترش في السما ابتدا قلب ربيعه يرجف رجف، ولحد ماقسم الليل وهي لا على حامي ولا بارد وعتتسند على الحيطان ورايحه جايه كيف اللي عتطلق، وبعدها بهبابه سمعت حس ابو دراع بره عينادي بأسمها ويقولها يلا ياشام آن الأوان، وإهنه كل حيلها باد وبدنها كله اترجف من التوتر والفرحه.. وأول مااتفتح الباب عليها وشافته ماددلها يده حست انها عيغمى عليها.
لكنها اتماسكت وراحت عليه وحطت يدها فيده وهو ضمها باليد التانيه من كتافها عشان يسند خطاويها، لكنه لما لقى خطوتها بطيئه ميل وشالها وجري بيها عالعربيه اللي جابهالها من على الخط وسواقها غريب مش من البلد ولا النواحي، وحطها فيها وركب جارها وطلعوا قوام من البلد بعد مااتلثم وخلاها هي كمان تغطي وشها، مع ان الليل ستار بس ابو دراع قال الحرص واجب.
اما شام فكانت تبص للشوارع بفرحه تشبه فرحة ربيعه لما طلعها ابو دراع اول مره، نفس الابتسامه ونفس لمعة العيون وزاد على شام رعشة ايدها اللي رفعاها مثبته بيها الطرحه علي وشها.
واستغرب ابو دراع لما شام مسكت يده بيدها الخاليه وبصتله وبترجي مالي عيونها همستله:
نفسي اركب القطر يابو دراع، نفسي اعاود لبلدنا ولأهلي بالقطر.. ينفع؟
بصلها ابو دراع وبص حواليه، وبص للسواق وسأله لو فيه قطر في الميعاد ديه مقبل، والسواق قاله إن فيه قطر بعد نص ساعه.. فطلب منيه ابو دراع يوديهم المحطه، برغم المخاطره الكبيره اللي هتكون في الخطوه داي، لكنه اعتبرها وصية مفارق واجبة التنفيذ، ونزل بشام عالمحطه واتوارو عن العيون لحد ميعاد القطر،
وطول الوكت شام باصه للمجهول في الناحيه اللي هياجي منها حبيبها ابو قلب حديد، وبس شافت من بعيد نوره الوهاج هبت واقفه علي حيلها في استقباله، وكل مايقرب عليها كانت انفاسها تعلا وتهبط، وبس وصل قبالها وهدى خطاويه ضحكتله ضحكة حبيبه لحبيبها الغايب عنها سنين، وبصت لأبواب قلبه وشافت كل الناس نازله منه ومفيش حد طلع غيرها هي بس وابو دراع وواحد تالت، وحست كأنه فضالها قلبه من كل اللي فيه عشان يساعها ويساع لهفتها عليه.
ودخلت بمساعدة أبو دراع، وبس دخلت اتفقدته من جوه تشوفه كيف ماهملته ولا اتغير، كيف مايكون هو هو القطر فكل مره واحد مفيش غيره، وشافت بالفعل تغيير فى لون الكراسي وكسوتهم، وفضلت تتلمس فيهم وهي ماشيه ورا ابو دراع بفرحه وهي حاسه إنه فرشلها قلبه بتوب جديد كيف مايكون علم بأن اليوم فيه لقى، ولغاية ماوصل ابو دراع نص العربيه ووقف وقعدها جار الشباك وقعد جارها، واتحرك القطر بيهم وسمعت صفارته العاليه كيف واحد عيصرخ من فرحته، وهي مش مصدقه كل ديه، ولا مصدقه إنها اخيراً جوا قلب حبيبها وموديها بنفسه لباقي الحبايب.
وطول الطريق عينها من الشباك عتراقب الطرقات والبيوت والنخل والاشجار وهي حاسه إنها رجعت لليوم اللي فارقت فيه بلدها وعمرها واحلى سنينها، والنهارده كل ديه عيرجعلها من تاني.
❈-❈-❈
وفضلت شام في تأملها وهي ماسكه في الشباك كيف العيله الصغيره، وفضل ابو دراع باصصلها ومبتسم، وحتي لما هملت طرحتها توقع مقالهاش ترجعها علي وشها، وهملها علي راحتها وهو ملاحظ إن حتي نوبة الكحة خفت منها وبقالها كتير مكحتش!
وكمان قال لروحه محدش شافها قبل سابق من اهل بلدهم عشان يعرفها، بس أهل بلدها هي حتماً ولابد تتدارى منهم.
واخيراً وصل بيها القطر لمحطة بلدهم، فقام ابو دراع ومسك دراعها يساعدها وبنفسه لفلها الطرحه على وشها ولثمها لما لقى يدها عتترعش ومش عارفه تمسك بيها الطرحه، ونزل ونزلها، وفضلت واقفه لغاية مالقطر مشي وودعته، وبعدها خدها ابو دراع ومشى بيها عشان يعدوا للجيهه التانيه اللي فيها بيتهم، واللي شافته وهي ماشيه عالمحطه، شافت سطوحه وحيطانه وشافت بيوت الجيران، شافت موطرح وقفتها عالسطوح وشهقت وبكت بحسها العالي من غير ماتشعر بروحها، نهنهت بوجع علي الايام الحلوة والذكريات، وبصت على شباك الوجع ابو لون اخضر، شباك واتنهدت تنهيده وصلت للغيم وهي عتلومه عشان اتقفل فى وشها وهي فأشد الحاجه لفتحة اي طاقة امل تخلصها من اللي كانت فيه.
وصل بيها ابو دراع لبداية سلم وهي إهنه انتبهت، ونزلت برجليها اول سلمه، وإهنه ادركت إنها نازله في النفق.. نفس النفق (نفق الجحيم)
- اللي ابتدا من عنده كل شي-
صوح شكله اتغير وحيطانه بقت لماعه وارضيته نضيفه، لكن ديه مش هيغير كون إنه بالنسبالها اسواء مكان في العالم واتدشن بوجعها وارضه اتروت بدمها، وطول ماهي ماشيه فيه خطاويها ترجف مع رجفة قلبها وحتي شفايفها وسنانها يصكوا وحاسه بنفس البرد اللي حست بيه في الليله اياها، نفس الخوف نفس ديقة النفس، ووقفت عند نقطه معينه فى بداية النفق تقريباً ومقدرتش رجليها تتحرك خطوه وحده، كيف مايكون قيدهم شبح خفي، وعيونها اتسمروا علي موطرح والرعب دب فإوصالها وهي باصاله، إيوه في المكان ديه، في البقعه داي بالذات حصل اللي حصل، شافت روحها وهي مرميه طريحة الضعف وبدن ورا التاني عيرمي تقله على جسمها الضعيف وينهل منها متعته كيف ماعيفترس مصاص الدماء فريسته ويشرب كل دمها ويهملها جسد خاوي، رجعت للوجع وللخوف والرعب والقهر ولقت حالها مره وحده عتخر في الارض راكعه علي ركبها لانها ماعادت تتحمل اكتر وغمضت عيونها وأنت بوجع مامتله وجع، وابو دراع لما شاف حالتها قوام ميل عليها وشالها وجري بيها من المكان رحمه بيها من ذكريات اقوى منها هاجمتها مره وحده كيف الوحوش وابتدت تغرز ضوافر وجعها فبدنها الضعيف وروحها الطايبه من الألم.
فطلع بيها من النفق ووقتها بس شام عرفت تاخد نفسها في البراح والنور اللي ابتدا يشقشق معلن عن يوم جديد.
يوم عاودت فيه شام من نفس الطريق اللي مشته من ١٩ سنه وشافت فآخره الويل وداقت من بعده الوان العذاب.
وفضل ابو دراع ماشي بيها وهو شايلها على اديه، وسبحان الله نفس الخطاوي اللي مشاها بيها ابوها وهو شايلها من النفق لبيتهم مشاها بيها ابو دراع، نفس الخطاوي كلها اليوم عتنعاد بنفس الطقوس.
وقرب اخيراً علي بيتهم، وقبل مايوصل وعي هو وشام دماغ طلت من الباب تتلفت، وبس جات عيونها عليهم طلع بالكامل بره الباب وكان هو.. كان هو حبيبها الغالي اللي فرد اديه وجري عليها بكل حيله وهو عيبكي بحسه العالي كيف عيل صغير، وشام شافته وخلت ابو دراع ينزلها، وفردتله هي كمان اديها وجريت عليه على كد حيلها، وقبل مايوصلها بكام خطوه اتعثر بجلابيته ووقع، وسمعها عتقوله بحسها العالي:
اسم الله عليك ياحبيبي، اسم الله عليك يانضر عيني، سلامتك من الطيحه ياقلب شام واحلى سنين عمرها واغلى الغاليين، سلامتك ياابو شام، اسم الله عليك يابوي.
خلصت كلامها وكانت وصلت عنده وقعدت قباله واترمت بين اديه الممدوده وهو ضمها وشهقته وصلت لقلب دهب اللي سمعتها وطلعت من البيت جري عليهم هي كمان،
وفي الاثناء داي عبد الصمد وشام كانوا ضامين بعض وعيشموا فبعض كيف المحروم اللي لقى مشتهاته، وصوت بكاه وبكاها اختلطوا، وكل هبابه يبعدها يبص فيها وفوشها ويرجعها لحضنه تاني ومش قادر يتكلم ولا هي قادره، ودهب بس وصلت حداهم قعدت ورا شام وضمتها وهي يائسه إن عبد الصمد الصمد يهملهالها دلوك، فحضنتها من ضهرها وابتدت تحب فيها من ورا فضهرها ودماغها وتشم فيها وهي عتقولها بحس مخنوق يادوب طاله:
جيتي ياضي العين، جيتي يافرحة القلب، جيتي يابكريةروحي، جيتيني ياشامتي وضاماكي وشاماكي دلوك من صوح يابتي ولا حلم ديه كمان.. انتي داي ياشام وريحتك داي يابنيتي، انتي اللي بين اديا داي ياشام؟
كانت تقول وتبكي وشام تبكي وعبد الصمد يبكي وحتى القوي ابو دمعه عزيزه اثر فيه الموقف وانزوى على جنب ودارى وشه ومسح دموعه اللي خانوه لتاني مره بطرف جلابيته وهو عيلعن فكرار عالوجع اللي شايفه ديه وعالناس الغلابه اللي اتأذوا بسببه كل الاذى ديه، وعالقلوب الطيبه اللي قاست الامرين بغير ذنب يذكر الا انهم غلابه في ذمن الغلبان عينداس تحت نعال العفي.
وبعد مانجحت اخيراً دهب فأنها تنتزع شام من حضن ابوها لحضنها وتضمها ضمه كامله، ساعد ابو دراع عبد الصمد إنه يقوم، وجه عليهم السيد وبشاير،
بشاير اللي رمت نفسها علي اختها رمي وخدت نايبها في السلام وخطفتلها حضن منها هي كمان يطفي هبابه من شوق السنين، وبعدها ابو دراع خطف من بينهم ربيعه وشالها وراح بيها عالبيت لما شاف الناس ابتدت تطلع من بيوتها وهيتفضح السر اللي لو اتعرف شام هتعاود تاني للي كانت فيه وفرحتها مهتلحقش تكمل.
وبعد مادخل شام الكل جم وراها، وابتدت الرؤيه من الدموع توضح وكل واحد يشوف التاني زين، واتاخدوا دهب وعبد الصمد على حال شام ولونها المخطوف والهالات السوده اللي محاوطه عيونها!
وحالها اللي يبكي الحجر، وجفت دموع الشوق عشان تحل محلها دموع الشفقه والاحساس بالذنب من عبد الصمد ودهب، وبشاير اللي مسكتتش ولا هي ولا عيالها عن البكا،وحتي السيد دخل الموطبخ وابتدا يبكي ويضروب على دماغه بأديه التنين من الندم والقهر على حال البنيه المسكينه اللي انتهت قبل أوانها و اللي هو واحد من اسبابه وعلى الوجع اللي طلع من القلوب دلوك وبان على اصوله وشافه قد ايه واعر، وفضل يضروب فروحه ويضروب دماغه في الحيط منجدهوش غير ولده عمران اللي وعيه وجرى عليه وضم دماغه فحضنه وفضل يسكت فيه وهو فاكره عيبكي من الموقف، وميعرفش إن هو سبب الموقف من الاساس.
❈-❈-❈
قعد ابو دراع معاهم شويه وهو حاسس إن روحه اُجهدت من مجرد شوفة لحظات اللقى وحس بالوجع اللي كانت متحملاه القلوب، اشحال اصحابها كيف كانوا متحملين كل ديه جواهم وصابرين وساكتين؟
وبعد ماوصى شام واهلها اللي فدنيا تانيه وكان شاكك ان حد فيهم سامعه من الاساس، وصاهم إن محدش يعلم بجية شام ليهم، وانها تتخبى من عيون كل الناس لو عايزه تفضل وسط ناسها وبين احضانهم، وكلهم اتعهدوله بالسمع والطاعه، وقام مشي يعاود لمرته وولده وهو حاسس براحه مابعدها راحه، وبرغم إنه مش عارف اللي عيمله حرام ولا حلال من ناحية الدين، لكنه همس لنفسه انه لو حرام هو اللي هيتحمل كامل الذنب قدام ربه ويكفيه شوفة الفرحه اللي غمرت شام فآخر ايامها وهي قاعده وسط حبايبها.
وعاود لبيته وبشر ربيعه بالخبر وهي طارت من الفرحه، وقالتله يروح قوام يسر لخالتها بسيمه بالخبر ويخليها تروح تشوف اختها، وابو دراع قالها إنه ناوي يعمل إكده من حاله، وفعلا راح وبلغ بسيمه بالخبر اللي حياها من بعد ماكانت عتموت من ساعة الخبر، وهمام من ساعتها حابسها هو وعيالها عشان متطلعش وتهد بيت المقاول عاللي فيه وتجيب عاليه وأطيه، وبالذات بعد ماشافتهم من الشباك طالعين بنعش اختها وكانت هترمي روحها وراه لولا همام كان معاها كيف ضلها ومحجم كل حركتها.
وراحت بسيمه فوراً على بيت ابوها واتلاقت مع اختها والتنين بكوا فحضن بعض بكا كان مخزون جواهم من سنين، كل وحده بكت على حالها واللي جرالها في لاول، وبكت علي اختها وحياتها اللي خربت في الاخر، ومن البدايه للنهايه وصلت البكا استمرت مبطلتش، وكل هبابه دهب وعبد الصمد يسكتوهم من خوفهم علي شام اللي بدأت تكح ونفسها يديق، لكن. الدموع آبيه تتوقف، وديه خلاهم في الاخر يستسلموا ويسكتوا ويشاركوهم هما كمان في الدموع.
وبعد مالدموع خدت مهاجها وقفت لحالها، وبعدها جه التأمل وكل وحده فضلت تبص للتانيه وتشوف الزمن عيمل ايه فيها، ومن وسط الكل شام هي الوحيده اللي اثار الزمن بانت عليها وسلبها صحتها وشبابها ولمعة عيونها وطفى كل شي فيها.
لكنها حمدت ربها علي كل حال وقالت لروحها إنها بشوفة اهلها خدت حقها من الدنيا وخدت فرحتها اللي اتحرمت منها سنين،
وبعد إكده لو جالها الموت اللي حاساه عيلفلف حواليها وبقى مقرون بأنفاسها وفأي وكت ممكن يطلع ميدخلش.
أما عبد الصمد ودهب فكانوا قاعد جارها وكل واحد فيهم يمدلها يده بحاجه عشان يوكلهالها، وهي تاخد منهم علي كد نفسها وترفض الزياده، بس مع مين يفيد الرفض وهما التنين عيتسابقوا مين يوكلها اكتر من التاني!
وبرغم التعب اللي فيه شام إلا إن ضحكتها من ساعة ماردت لأهلها مفارقتهاش، وبس جه الليل واتجمعت هي وبشاير وامها وابوها فأوضة ابوها وامها يناموا فيها كلهم سوا فضلت شام سهرانه معاهم لحد ماناموا،
وبعدها قامت اتسحبت وطلعت من الأوضه، وابتدت تلف في البيت وتمشى ايدها على كل حيطه من حيطانه وتفتكر كل ذكرى ليها فكل زاويه فيه، ومن بعدها طلعت على السلم اللي عيوديها للسطح، وبس خلصته طلوع وقفت قبال الشباك الاخضر، وحست انها رجعت لسن ال١٩ وعاودت تاني لضفايرها اللي عيطيروا في الهوا مع لفتها تحت المطر وضحكتها الرنانه، واستنته يفتح الشباك ويبصلها ويضحكلها الضحكه اللي عتجيب نور الشمس معاها مهما الجو كان غايم، لكنها وقفت كتير قدامه ومتفتحش، فراحت على السور وبصت منه وانتظرت الحبيب التاني عشان يعدي ويحس هو بيها بقلبه الحديد مادام ابو قلب لحم ودم محسش بوجودها.
وفضلت مستنيه كتير لغاية ماسمعت صفارته من بعيد، فاستعدت ووقفت، وبس قرب رفعت اديها تشاورله، لكنه عدى من قبالها وهو ساكت كيف مايكون ماانتبهش لوجودها هو كمان، ولاحس انها واقفه مستنياه من بدري، وكيف ماتكون اتنست من الكل وموطرحها في قلوب الجميع خلي مع البعد.
فنزلت وهي مكسورة الخاطر، وكملت لف في البيت، ودخلت اوضة ولاد اختها بشاير وحبتهم وقعدت جارهم هبابه تتاملهم، وبعدها طلعت قعدت قدام الكانون القديم المهجور اللي ياما قعدت قدامه تتدفى زمان، ويتسامروا على دفوه هي وإخواتها وابوها وامها،
وبرغم إن البوابير حلت محله الا إنهم مخلينه علي حاله متخلصوش منه كيف مايكونوا عارفين إن وجوده هيفرق مع شام وإنه مرتبط فعقلها بذكريات كتيره حلوه وعدم وجوده هيوجعها، فقعدت قباله وهو مطفي ومفيهوش اي نار،
وغمضت عيونها وابتدت ترجع بخيالها لسنينها الخوالي وتبتسم، وكل ديه مراقبه السيد من بعيد وهو قاعد مجايلوش نوم زي شام واكتر،
اول هام لأن إحساسه بالذنب محرم على عيونه النوم، تاني هام لأن بشاير بايته بعيد عنه وهو ضريان إنه ينام على انفاسها.
فضل محتار ورايح جاى فى الاوضه وهو واعي لشام قاعده لحالها وعيفكر فى شي وخايف يعمله وفنفس الوكت لو ضاعت منه الفرصه داي صعب تتكرر، فرصة وجود شام لحالها.
فحسم امره اخيراً وراحلها، ووقف وراها، وحسه فززها من شرودها مع انه همسلها همس بحس ميصحيش حد:
ام ربيعه ينفع اتحدت معاكي كلمتين؟
شام لفت دماغها عليه وبصتله وديقت حواجبها ومردتش، ورجعت بصت بعيد من تاني، فلف هو برغم صدها وقعد قبالها عالارض وبترجي قالها:
طالب منك طلب ووحياة حبيبك النبي ماترديني.
فضلت شام ملتزمه سكوتها وهي بصاله وهو كمل على اي حال:
اني غلطان.. غلطان من ساسي لراسي ومحقوقلك ومديونلك بسنين عمري ولو السنين عتتعطى كنت عطيتهملك وربي عشان يعوضوكي السنين اللي ضاعو منك. بسببي.. اني مش هدافع عن حالي واقول إني مكنتش فوعيي ولا اني مكنتش صاحب الفكره ولا اي شي،
اني بس هقولك اني خطيت فحقك وطالب منك السماح واطلبي مني ايش مابدك اني سداد واحكمي عليا الحكم اللي يرضيكي واني هنفذه.. بس الله يرضى عليكي ماتخليني اقابل وجه كريم واني شايل على كتافي الذنب الكبير ديه.
اتنهدت شام وهاجمتها نوبة كحه قويه، وبعد ماهديت هبابه بصت ورا السيد وشافت بشاير اختها صحيت وطلعت وواقفه علي باب الأوضه وراه، وعيونها عتقول إنها مستنيه تشوف رد شام على كلامه، وشام عشان خاطر اختها في الأول، وعشان خاطر تريح السيد من عذاب الضمير كمان، وخصوصي وهي واعيه ندمه في عيونه وإنه مش كداب، ردت عليه وقالتله:
ربنا يسامحنا كلنا ياابو عمران.. حقي اني مسامحه فيه، روح وأنت مبرى الذمه من ذنبي وحقي عليك هملته ومش عايزاه لجل عيون اختي وعيالها، ولجل عشرنك الطيبه لأهلي.. مسامحاك ياسيد.
خلصت كلامها والسيد بس سمعه شهق وعيونه اتحقنت بالدموع وميل على الارض وكان هيحب على جزمتها لولا مارجعت رجلها منيه قوام، ومن عز دموعها قالها:
تشكري ياأصيله يابت الأصول يارباية بيت اصل، مش غريبه على بت عبد الصمد ولا غريبه على بطن دهب الطراحه لبنات الأصول.
خلص كلامه وبص لفوق ورفع اديه وحمد ربه بعد ماحس إن جبل عالي اتشال من فوق كتافه،
وهملته شام ودخلت الاوضه وهي حاسه إنه في اللحظه داي محتاج لبشاير تكون جاره وتشاركه فرحته بالسماح.. اما هي فراحت تنام، لكن الكحه لا خلتها تنام ولا خلت دهب وعبد الصمد اللي صحيوا على حس كحتها يناموا، وفضلوا هما التنين قاعدين. ومع كل كحه تكحها شام قلوب تقول اسم الله وترقيها.
وقرر عبد الصمد إنه بكره هياخدها علي البندر ويوديها لأحسن حكيم عشان يشوف علتها فين ويعالجها ويخفف عنها الوجع اللي مش عيخليها تنام الليل.
وفعلا تاني يوم خدها ووداها، وكشفلها عند الحكيم، وطلعلها علاج من غير مايعرفهم ايه اللي عندها، واكتفى بس بإنه يقولهم بعدوها عن الزعل والغبره والدخان وادعوا ربكم بالشفا هو قادر على كل شي.
❈-❈-❈
أما حدا بيت المقاول، فخلاص ابو دراع وربيعه عيستعدوا عشان يروحوا لبيت عبد الصمد، وإهناك يفرحوا الفرحه الكبيره بولدهم ويعملوله عقيقته وليلته، ويعم الفرح على الجميع.
وبالفعل راحوا بعدها بيوم، وإهناك كان الاستقبال ليهم والفرحه بيهم غير أي فرحه، وطلع قطب مع عبد الصمد واشتروا عجلين عفاي، واحد دبحه ابو دراع ووزعه عالغلابه، والتاني دبحه عشان الليله اللي خلى عبد الصمد هو اللي يتولى أمر معازيمها لان قطب ميعرفش حد من ناس بلدهم، وطبعاً مفاتتش فيه إنه يعزم حكيم عالليله، وحكيم لبى وحضر، وكانت فرحه كبيره للكل.
وطول الوكت ربيعه باصه لامها وشايفه علي وشها فرحه عمرها فحياتها ماشافتها فرحاناها، وكمان جدها وستها وخالاتها وشوشهم عتشع فرح اول نوبه تشوفه، والضحكه طالعه من القلوب، وعشان خابره إن قطبها سبب الفرحه داي كلها كانت حاسه ان ودها تضمه وتشكره من إهنه لسنه لقدام، وتقوله بكل الطرق شكراً ليك ياأحلى شى ربنا بعته ليا ولأمي. شكراً يااجمل عطايا القدر لينا.
بقلمي ريناد يوسف
يتتتبع
نفق الجحيم الجزء الثاني الفصل الواحد والخمسون والاخير
❈-❈-❈
خلص ابو دراع عقيقته وخد بعدها مرته وولده وعاود لبيته، وعاودت معاه ربيعه وهي مرتاحه، ولأول مره تحس بإن أمها ربنا نصفها ورجعلها حقها المسلوب،
وفضلت تتكلم مع ابو دراع كتير يومها، وفوسط الكلام حسته إنه عيمهدلها لحاجه صعبه عليها قوي، عيمهدلها لأن أمها خلاص بعدت عنها وجايز بعادها يطول، كان يقصد بالبعاد الموت وهي فهمت عليه، صحيح قلبها وجعها، لكنها قالت لروحها إن حتى لو أمها ماتت دلوك بعد ماشافت اهلها وفرحت هيكون زعلها عليها اخف، صوح وجع الفراق مش هين، بس الفراق بالموت واقع لابد منه وحاجه مابيد الانسان الاعتراض عليها، وقطب هو ديه اللي كان عيلف ويدور في الحديت عشان يفهمهولها، وهي كانت فاهماه لحالها زين، لأن عقلها برغم صغر سنها كان بالنضج الكافي اللي يخليها تفهم فلسفة الحياة والموت والفراق والقدر زين قوي.
وديه نابع من اللي عاشته وقاسته من نعومة اضافرها فبيت المقاول
❈-❈-❈
أما همام فلما سمع إن شام عفت عن السيد وسامحته قرر إنه يروح هو كمان ويطلب منها السماح ولو تطلب الامر يركع تحت رجليها ويعملها ايش مابدها أهم حاجه ترضى عنه وتسامحه.
وبالفعل خد بسيمه وراحوا واستسمح شام اللي سامحته هو كمان عشان خاطر اختها.. ولما قعدت مع امها قبلها وحكت معاها وعرفت ان بسيمه لغاية دلوك ممتقبلاش همام برغم العشره والعيال اللي مابينهم، وإن لسه عملته معاها واقفه مابينهم قررت إنها تصفى النفوس وتزيل العدواة.
فبمجرد ماطلب همام السماح لقتها فرصه وسامحته من قلبها، واختلت ببسيمه اختها وفهمتها ان خلاص السنين عتمحي كل شي، وانها هي نفسها سامحت ونسيت العمله، وإن لو كرار نفسه كان عاملها بلين كانت هتغفر وتسامح وتديه فرصه وتقبل التوبه وتقدر التكفير.
وطلبت منها بكل عزيز وغالي إنها تغير معاملتها مع همام وتديه المحبه اللي يستاهلها، وقبل منيه تحرر هواها المكتوم في قلبها وخصوصي لما بصت فعيونها وهي عتبص لهمام وشافت فيهم شي مكتوم مخفيش على شام ولقطته طوالي، فقررت إنها تشيل الحاجز اللي مابين بسيمه وبين جوزها وتخليها تعيش اللي بقالها سنين عتحارب فروحها عشان متعيشهوش.
وعشان ديه يجرا اجتمعت شام مع السيد وهمام على طبليه وحده وابوها وامها وبسيمه وبشاير وكلت معاهم عيش وملح وضحكت واتكلمت وكآن شيئ لم يكن، وديه فعلا خلى بسيمه قعدت جار همام لأول مره واتحدتت معاه قدام الكل وحتى ضحكت على كلامه مع شام والكل، وداي كانت بداية تحرر كل شي حبسته فقلبها وكانت شرارة البدايه اللي اتأخرت سنين عشان تنطلق.
ويومها رجعوا همام وبسيمه على بيتهم وفيه حاجه متغيره فيهم.. وليلتها بسيمه لاول مره تستسلم لهمام وتسلمه نفسها بكل رضى وعن طيب خاطر وتعيش معاه ليلة عمرها وتعيشه هو كمان الاحساس اللي عاش طول عمره يحلم بيه معاها..ويومها همام كان حاسس إنه اسعد راجل على وش الدنيا، وكذلك بسيمه كانت حاسه إنها اكتر نساء الارض حظاً بيه وبمحبته.. واخيراً داب التلج وظهرت مروج المحبه المتخبيه، وفاحت روايح الورد اللي اتفتح في القلوب من بعد سنين انتظار.
❈-❈-❈
أما عبد الصمد ودهب فأخيراً قلوبهم ارتاحت بشوفة بناتهم كلهم حواليهم متجمعين وكل وحده فيهم ربنا قر عينها بجوزها واولادها، حتى شام الاقل حظاً فيهم ربنا عوضها بربيعه وولدها ادهم اللي نسوها سنين الشقا العجاف.
وفرحوها فآخر ايامها اللي الكل بات يعرف انها ايام قليله باقيالها عالدنيا من تعبها اللي كل يوم في زياده بلا نقصان، وليلها الطويل اللي مش عتنامه من الوجع والعيون والقلوب قصادها بايته سهرانه وتعبانه على تعبها وموجوعين على وجعها
وبرغم إن اصعب شي عالحبيب لما يعرف ان اجل حبيبه قرب، وإنه يشوفه قدام عيونه وهو عيصارع الموت.. الا إن ديه عيخلي الواحد يتقبل الفكره ويقتنع بإن خلاص أمر الله نافذ لا محاله، والقلوب عتعود حالها عالحرمان، وديه اهون من موت الغفله الف مره.
وفعلاً بعد شهر تقريباً قضته شام فبيت ابوها وهي عايشه في تكتم تام، واهلها عمالين يشموا ويلموا ويدسوا فيها، ووكت ماحد ياجيهم زياره دهب تعمل حالها انها هي اللي عتكح عشان الكحه المسمعه طول الليل حواليهم وعند الجيران محدش يشك فأمرها وأمر صاحبتها.. تعبت شام مره وحده واتدهورت صحتها ولازمت الفراش.. وإهنه عرف الجميع انها النهاية.
فجات ربيعه بادهم وقعدت جارها مقيمه.. وفليله فتحت شام قلبها لربيعه وحكتلها إنها حاسه إن خلاص اجلها قرب.. بس كان نفسها لما ترجع لبيت ابوها تلاقي كل شي هملته على حاله.
صابر ومحبته وطلعتها والبنان صحباتها والقطر وصفارته، وقعدتها في البندق والمطر والفرحه اللي هملتها إهنه وراحت وكان حاسبه انها هتاجي تلقاها قاعده علي عتبة بابها مستنياها.
اتاثرت ربيعه يومها وفضلت طول الليل جار امها تفكر كيف ترجعلها فرحتها المسلوبه ولو ليوم واحد يخليها تحس بانها لساها عايشه في ديك الوقت والزمان اللي عقلها وروحها محشورين فيهم ونفسهم يصدقوا ان كل اللي فات من قهر ووجع مجرد حلم او كابوس.
واخيراً اهتدت للفكره، وبس صبح الصبح كلمت خالتها بشاير واشركتها فيها واللي كانت من كذا شق وكان على بشاير تنفيذ اول وتاني شق فيها، والشق التالت ربيعه اوكلته لقطب ينفذه وهو اهل ليه.
وعدى النهار وبس المغربيه فاحت روايحها دخلت ربيعه علي امها وبحنيه ابتسمتلها وهي عتقومها وقالتلها:
قومى ياغاليه نطلعوا السطح هبابه الجو حلو والشمس غابت والهوا عيكربل كربله.. قومي ياشامه متوحشتيش السطح وقعدته.. السطح اللي بقالك سنين تحكيلي عنه لدرجة اني كنت مفكراكي مش هتنزلي من فوقه بس تعاودي إهنه.
ردت عليها شام بمراره:
لا السطح عاد هو السطح ولا اللي كانت شوفتهم منيه تفرحني عاد ليهم وجود.
صابر وهمل البيت وراح بيت تاني وعاش حياته مع مرته وعياله ونسى شام ورماها من باله ولا كأنها كانت.
وحتى ابو قلب حديد نسيني ومبقاش يسمعنى حسه ولا ينادم عليا في الروحه والجيه كيف ماكان يعمل.
ردت عليها ربيعه وهي عتساعدها تقوم:
بس تعالى وشوفي يمكن الزمن يرجع ويرجع اللي غابو وتشوفهم العين من تاني.
قالتها وسندت شام اللي راحت معاها وهى مش مقتنعه بكلامها وحاسه إنها عتدهلس عليها وتلاهيها كيف ماتكون عيل صغير عتلاهيه وتصرف نظره عن عياه وتعبه.
وطلعت شام السلم مع ربيعه وحده وحده، واخيراً وصلت السطح وقعدت على قفص اللبن تاخد تاخد نفسها من طلعة السلم.. ومفيش دقايق وسمعت صوت خبطه هي عارفاها زين، فالتفت قلبها قبل عينها، وبصت وهي عتكدب روحها، لكنها شهقت لما شافته.. إيوه هو صابر بطلته وضحكته، صوح الزمن ساب بصمته عليه وشعره اتغير لونه وغزاه الشيب، ووشه اتملى هبابه.. بس هو صابر.. صابر اللي اول ماطل قلبها انتفض وقام ينبض من تاني، صابر اللي خلى وشها اتورد بلون الخجل من شوفته زي زمان.. وحست انها رجعت تاني لبت ال١٩ واللي نفسها دلوك تقوم وتبرم من فرحتها تحت انظاره وهو يتابعها بعيونه وهي عتتدلع وتتمايل ويتمنى ويتحروق بنار الشوق.. لكن للأسف الحيل معادش مساعد.
وفضلت دقايق على حالها بصاله وعتتامله وهو متربع على الشباك وعيونه هو راخر عتاكل وتشرب فيها من الشوق وقلبه هيطلع من بين ضلوعه من اللهفه، وحس إنه عاود للأيام الخوالي، ايام ماكانت شام اكبر همه واقصى امنياته وكان عيعد الايام والساعات عشان تكون فبيته.. وبرغم إن السنين خطت على وش شام اثارها الا انها لساها فعيونه جميلة الجميلات اللي عمرها ماهتتكرر ولا هيعيدها الزمن، وهتفضل غصه فقلبه لاخر العمر، والسبب اللي مخليه مشايفش اي حد بعيونه حلو حتى مرته، وحاسس ان إن كل حريم الدنيا ناقصين حاجه، وبس شام هي الكامله مكمله من كل شي ومكتمله بذاتها وواخده كل الخصال الحميده.
وفضل التنين على دا الحال باصين لبعض وحبل الذكريات موصول، لغاية ماقطعه صوت تاني خلي قلب شام فرفط من الفرحه.. صوت حبيبها التاني ابو قلب حديد، اللي من بعد سكوته طول المده اللي فاتت اخيراً نطق هو كمان النهارده، كيف مايكونوا كل الحبايب متفقين علي قلبها اليوم يقضوا عليه من الفرحه، فقامت اتسندت على ربيعه وراحت على سور البيت ووقفت واول ماقرب القطر ربعت اديها ليه وشاورت وهو زود في الصراخ والصفير اصبح متواصل، كيف مايكون مكانش شايفها والنهارده بس خد باله ليها.. فضحكت بفرحه، وبعد ماعدى لفت تبص لصابر اللي نسيت وجوده زي زمان وهي عارفه إن حركتها داي عتزعله وتعصبه، وفعلاً بس بصتله لقت ملامحه مكشره بنفس الطريقه وعيونه فيهم لوم وعتب، فأتبسمت هي بفرحه للغيره اللي شايفاها وحاسه إن المنظر ديه لساه متكرر إمبارح.
وضحكت لما صابر بص حواليه ووجه كلامه لربيعه وقالها:
يابت شام.. قولي لامك تبطل مشاوره لسواقين القطورات.. قوليلها صابر عيغير وناره عتقيد.. قوليلها تلم روحها عشان ماازعلهاشي مني.
خلص كلامه وعمل روحه زعلان وبص الناحيه التانيه، وشام ضحكت ودفنت راسها فحضن ربيعه بخجل، وبعدها فضلت قاعده شويه قبال صابر والليل حالاً ابتدا ينفخ من سواد جوفه فكبد السما ويرش نجومه فيها، فميلت ربيعه علي شام وقالتلها:
مش كفايه ياست شامه إكده ويلا بينا ننزلو الليل ليل علينا!
بصتلها شام ومتكلمتش وكملت ربيعه بإبتسامه:
بزيادانا اليوم ياام ربيعه توبقيش طماعه لو حبيبك عسل متلحسوش كله.. خلي هبابه لبكره واهي الحبايب كلها عادت من تاني وهتشبعي شوف.
خلصت كلامها ومسكت يدها وقومتها بشويش.. ونزلت بيها علي تحت بعد ماودعت شام صابر بعيونها وبإبتسامه جميله خلت عيون صابر اتملت دموع فى الحال وهو شايف حالها ولفين صفى بيها الزمن، وكيف إنه كان ليه يد في اللي جرالها واكبر من يد الزمن كمان، لأنه كان يقدر يمنع عنها كل ديه بس اتخاذل وخذلها وباعها وباع حبها بالرخيص وعند اول اختبار.
وقفل شباكه بعد مانزلت شام وعاود لدنيته المترتبه، وهمل شام لشتات قلبها وفكرها.
اما شام فنزلت السلم وهي مختلفه كلياً عن شام اللي طلعته، نزلت محمله بالفرحه والراحه، وراحت مع ربيعه على اوضتها ونامت في فرشتها وغمضت عيونها والابتسامه مفارقتش وشها، وغطتها ربيعه بغطى خفيف وطلعت وهملتها، وفضلت شام ليلتها نايمه للصبح من غير كحه ولا وجع وانين كيف ماتكون الفرحه محت حتى الوجع.
وتاني يوم بس صحيت شام كان فيه مفاجأه تانيه اجمل فى انتظارها.. وديه لما خبط باب بيتهم وفتحت بشاير وكانت حنه اخت صابر!
حنه اللي متجوزه فبلد غير البلد وراح صابر مخصوص ليها جابها عشان خاطر شام وبطلب من بشاير، وفهمها على الوضع كيف مافهمتهوله بشاير بالظبط.
وبمجرد دخول حنه نزلت ولدها الصغير اللي علي باطها وجريت وخدت صاحبة عمرها فباطها وضمتها لقلبها بشوق السنين ودموعها فضلت تسح ومش عارفه تتكلم، ومفيش معاها غير بس انها ضامه شام اللي كانت مضيعاها وماصدقت لقتها.
وبعد الحضن عاود الكلام لحنه ومسحت دموعها ودموع شام وقالتلها بشفقه على حالها:
إيه يانن عيني اللي عيمل فيكي إكده.. ايه اللي دبلك ومرضك واني كنت مفكراكي طول الوكت اللي فات عايشه فعز وبغدده ومتشاله عالراس!
ردت عليها شام بإبتسامه وجع:
عادي ياحنه، ماهو العز والبغدده مش عيدموا لحد.. المهم طمنيني عنك انتي كيفك وكيف حالك.
وبدات حنه تحكيلها كل اخبارها وتكلمها عن عيالها وتقولها اساميهم وعمر كل واحد ووحده فيهم، واتعرفت علي ربيعه وطول القعده تحضن وتحب فيها وشايله ادهم ولدها وهي مش مصدقه إن شام قوام بقت جده قبل كل الشله بتاعتهم.
وعلى حس الشله ميلت حنه علي شام وقالتها ان فيه مشوار ضروري هيطلعوه هما التنين بعد العصر،ومرضيتش تقولها عليه.
وبس اذن العصر لثمتها وخدتها معاها، وكانت خطوتهم وحده وحده علي كد مشية شام، وفضلوا ماشيين لغاية ماوصلوا البندق، وإهناك بصت شام لقت كل الشله القديمه مستنيين، صوح كل وحده على باطها عيل ومختلفين اللي تخنت واللي رفعت واللي شكلها اتغير ١٨٠ درجه ومعرفتهاش غير لما دققت فيها.. بس الصحبه هي هي واللمه القديمه كلها موجوده.. فكشفت شام عن وشها ليهم واتبسمتلهم وهما قاموا عليها يجروا وكل وحده خدت دورها في السلام والحضن، ومن بعدها قعدوا سوا قعدت سمر امتدت من يعد العصر لقرب العشا، وبعدها كل وحده عاودت علي بيتها.. ورجعت شام مع حنه لبيتهم وهي حاسه إن اليوم وامبارح يومين تحقيق الامنيات المستحيله، وفعلا عاودت فيهم لعمرها وكت ماهملت البلد.. ودخلت بمجرد ماعاودت البيت وسلمت عالكل بالباط كيف مايكون ليها سنه غايبه عنهم، وخلت ربيعه ساعدتها اتوضت وصلت فروضها، وبعدها دخلت لأوضتها وهي فرحانه والفرحه هتطل من عنيها ونامت وقالتلهم محدش يصحيني اني لا جعانه ولا عطشانه ولا عايزه شي.
وغمضت عيونها وهى على ابتسامتها، وانطفى نور الدنيا من عيونها للأبد واتوقفت الانفاس وخلصت ساعات العمر اللي قضته مابين دلع لوجع لظلم لقهر، وفي النهايه اهى راحت للحكم العدل اللي كل شي متشالها حداه في ميزان حسناتها، واكيد صبرها اللي صبرته لوجهه مش هيضيعولها واصل.
وخيم الحزن عالجميع، لكنه حزن عاقل النوبادي، حزن هادي من غير صراخ وعويل، دموع فراق حراقه بس صامته عتكوى في القلب والروح من غير صوت.
وراحت شام لمأواها الاخير الآمن، حيث لا حبسه ولا ذل ولا فراق والاهم ان كرار مليهش وجود.
❈-❈-❈
وعاودت من بعدها ربيعه لبيتها هي وقطب وهي متقبله فراق امها، وابتدت تتأقلم عالعيشه من غيرها، وقطب عمل المستحيل عشان يسد الفراغ اللي سابته امها فحياتها، شغل وكتها قدر المستطاع، ومكانش يديها فرصه ولا وكت انها تقعد لحالها وتستسلم للحزن.. لكن مين يقدر يحرس حد من الحزن، دا لو العيون اتحرست من الدموع هتتحرس كيف القلوب متأنش ولا تتوجع؟!
وعدت الايام وابتدت مية العيشه ترجع لمجاريها، وكل واحد شغله حاله، واتمحت شام من الدنيا لكنها باقيه ساكنه في قلوب محبيها ليوم الدين.
❈-❈-❈
اما كرار فرجع البلد بشوقيه، واول دخله ليه للبيت كانت اصعب دخله، لانه كان داخل وخابر إنها خلاص معادلهاش وجود فيه ولا انفاسها الطاهره منقيه جو البيت الدنس.
وحاول كتير مع ربيعه وابو دراع انه ياخد منهم حاجه من ريحتها، لكن ربيعه رفضت بشده، وحرمت عليه ريحتها وهي ميته زي ماكان محرمها عليه وهي عايشه وحارمها من الدنيا وملذاتها.
❈-❈-❈
اما ممدوح فاستسلم لالحاح امه وابوه ووافق إنها تخطبله ويتجوز ويخلف عيال زي ماربيعه خلفت ويعيش حياته روتيني لغاية مايحصل اللي فباله وربنا يهيأله فرصه يقدر فيها ياخد ربيعته ويرجعها ليه وهينتهزها ولو بعد قرن من الزمن، وعاهد روحه إنه مش هيموت قبل مايكون اخر راجل تتجوزه وتعيش معاه في الجنه، وديه هيكون تمن السنين اللي قضتها مع غيره.
أما فى الوقت الحالي فهو اتوكد إن طول ماابو دراع قاعد بصحته وحيله وجبروته وقوته مش هيقدر يهوب نواحيها واصل، فهينتظر الموت او المرض هما اللي يقولوا الكلمه الأخيره فموضوعه وحاجه منهم تاجيه بالحل.
❈-❈-❈
وعدت السنين وربيعه خلفت لقطب واد وبت كمان، واتملت حياته بيهم فرحه، وعاش وهو شايفهم عيكبروا قدام عنيه وربيعته كانت بالنسباله طول الوكت وحده من عياله مش مرته، يعاملها معاملة الازواج فحالات معينه ومواقف معينه،
أما باقي الوكت فهي بته البكريه اللي الدلع اتخلق بس ليها وحنانه كله هي الأولى بيه في المقام الاول،وكل طلباتها مجابه ومن قبل ماتطلب تتنفذ، ومسألة تعليمها كملت فيها لغاية ماخدت شهادة الدبلوم اللي وكتها اللي تاخدها كانت تعادل شهادة كليه فبلدهم وصاحبها يبقى حاجه كبيره قوي وسط الناس واسمه متعلم، وخصوصي لو بت عتبقي حاله نادره وسط الناس.
وقدرت ربيعه بفضلها تعلم عيالها وتطلعهم اشطر عيال في مدرستهم والافضل وسط اصحابهم.
❈-❈-❈
اما كرار فرجع شوقيه لبيته من تاني بالاكراه، والنوبادي لا العمده ولا ولده ولا اي حد قدر يقفله من بعد ماشافوا انه خلاص ناوي عالشر وبايع روحه واللي هيتعرضله مهيسلمش من اذاه، فهملوه وهملوله شوقيه اللي اصلا مبقاش من وراها اي استفاده دلوك،
وقرر شاكر إنه يلف على عيالها وياخد منيهم اخر فلوس معاهم ويرجعهم يشتغلوا حداه عمال؛
لانه من ساعة مامشاهم والناس الغريبه بقت تسرقه عيني عينك، فقال مفيش غير عيال اختي اللي أمنتهم على كالي ومخانوش، وعشان يضمن بقائهم تحت امره وتحت يده قرر يجوزهم لبناته التنين، وإكده هيأثرهم لباقي العمر، ويوبقي توه اللي خدهم من كرار صوح.
أما شوقيه فشافت على ادين كرار ذل فاق ذله لشام، ممنوع الطلعه وممنوع روحتها على بيت اهلها وممنوع هما يجوها، وممنوع تسافر تشوف عيالها اللي مبقوش يفكروا ياجوا البلد واصل، وكان ديه عقابها على انها هي بعدتهم بيدها وكرهتهم فب البلد، واول البعد لازمن تقاسيه هي.
بقى يحاسبها على اللقمه على الحركه على القومه على النومه، ومبقاش من بعد شام طايق البيت باللي فيه ودايماً ساكن المندره، وكل مايدخل عيونه تدور عليها وقلبه يتحسر على خسارتها،وإنه كان ممكن يعمل معاها اسره ويعيش اسعد واحد في الدنيا لكن تفكيره الغلط وقسوته مخلوهش شايف النعمه اللي فيده، ولا حس بيها غير بعد ماراحت منيه.
وكل مابقى يبص لابو دراع ويشوف السعادة والراحه اللي عايش فيها والمحبه والرعايه اللي عتراعيهاله ربيعه واللي ضغرته عشرين سنه وخلته رد شباب من تاني يضروب نفسه الف صرمه إنه معاشش السعاده داي مع شام ولا اتمتع بمحبتها الي لو كان عاملها بما يرضي الله كانت هتحباله من كل قلبها، قلبها الطيب اللي معرفش الكره ولا الغل واصل حتى بعد كل عمايله فيها.
ندم وكت ماعاد يفيد الندم.
❈-❈-❈
أما ربيعه فدخلت لبيتها التلفزيون والدش وهي اول وحده فبيت المقاول عملت إكده، ومن بعدها الكل قلدها، وابتدت تطلع من بلدها وتشوف العالم من خلال شاشه التلفزيون، وتعرف إن فيه ناس عايشه غير العيشه وبغير اسلوب، وتتعلم منيه حاجات جديده تضيفها لجعبة معرفتها اللي بقى فيها الكتير.
الجنينه جه وكت بيعها، وكل واحد معاه واد كبر وحب يتجوز كان يعرض نايبه للبيع عشان يجوزه بيه، وكان سلام هو الوحيد اللي فلوسه حاضره ويشترى من كل اللي يبيع، وبناءً عليه الجنينه كلها تقريباً بقت ملكه، وقطب قرر يبيع كل الغنم لانه مش هيوطأ مكان ملك سلام ولا هيقرب منه.
ولما الوضع بقى إكده قفل ابو دراع باب بيته من جنينة بيت المقاول وفتح بيبانه عالشارع لبره، وبكده انعزل منهم وبعد عنهم خالص، واكتفى بمرته وعياله عن الكل، وحتى كرار بعد عنيه واصل، مبقاش يربطه بيه غير الوكل اللي عيوديهوله كل مايطبخ، وديه حق العيش والملح اللي كان ياكله معاه، ويسأل علي صحته من وكت لاتاني ويشوفه محتاج ايه ويديه اللي فيه النصيب، وديه حق الاخوه والصحوبيه والعشره اللي ماتهون غير على ولاد الحرام
❈-❈-❈
ومرت سنه ورا سنه علي دا الحال، ربيعه فيهم كانت احسن حريم بيت المقاول فلوس وعلام وجمال وإهتمام من زوج مفيش اخوه مش في البلد ولا في البلاد المجاوره، له دا مفيش زييه في الدنيا كلها.
وهو كل ماتعدي السنين والعمر يتقدم بيه يخاف اكتر علي ربيعه وعياله،، يخاف عليهم، يخاف عليهم من ممدوح وكرار وجبروت اهل بيت المقاول اللي معيرحموش، ويفكر ياترى لو هو جرتله حاجه ايه هيكون مصيرهم؟
ففكر وقرر وعقد العزم وجاب ربيعه قعدها قدامه وقالها:
اني لازمن ابعدك عن إهنه إنتي والعيال أني لو جرتلي حاجه متوكد إنك هتعاودي خدامه للكل، ومش بعيد عيالي هما كمان يعاملوهم كيف الخدم.
سكان البيت ديه كلهم قليلين رحمه ومروه وميتآمنوش على بعض إشحال الاغراب اللي فوسطهم.
ردت عليه ربيعه بخوف وهي عتحط يدها على خشمه تمنعه يكمل:
بعد الشر عنك، ربنا يعطيك طولة العمر وياخد من عمري ويزود عمرك.. اني من يدك داي ليدك داي ومنين ماتودينا معاك.. بس يعني هتقدر تهمل بلدك اللي إتولدت واتربيت وكبرت فيها واني خابره عشقك ليها كد أيه؟
رد عليها قطب بعيون عتنطوق بالمحبه :
عشقي ليكي انتي وعيالي يفوق عشقي لأي حاجه تانيه بقناطير مقنطره.. انتوا اغلي حاجه عندي، ومن بعدكم الطوفان.
ومن بعدها ابتدا يدبر للطلوع من البلد ويصفي كل حاجه في السر من غير ماحد يدرى بشي، ولكن البيت والحوش مقدرش يبيعهم لان بيعهم هيكشف كل مخططاته، فقفلهم وهملهم للأيام يمكن تكون مخبيالهم رجعه في ظروف احسن.
وجاب دهب ربيعه اللي حدا حكيم.. وفليله ضلمه جاب عربيات نقل كبيره وحمل كل اغراض البيت اللي ينفع تتنقل، وخد عياله وحاله ومحتاله وقصد بحري، راح بعيلته الصغيره على مصر أم الدنيا.
وإهناك الفلوس اللي معاه اشترتله بيت من بابه فمنطقه بعيده وهاديه عن عيون الناس وشبه مهجوره اسمها المعادي.. وسكن بيهم وفتح تحت البيت دكانه فضل يبيع ويشترى فيها ورزقها كان مكفيهم وببركة ربنا فايض.
وبرغم إنهم ارتاحوا من بيت المقاول واللي فيه.. الا ان الحنين من وقت للتاني كان يلعب بقلوبهم لعب..
حنينه هو للموطرح اللي اتولد وكبر وشب وشاب فيه.. وحنين شام لجدها وستها وخالاتها وللموطرح اللي شهد ذكرياتها مع امها، وبرغم الالم اللي شافته فيه، الا انها شافت السعاده فيه كمان. وعاشت طفولتها كلها مابين الشجر العالي تتنطط تحت انظار صقرها اللي كان حارسها من كل البشر، كيف مايكون ربنا سخره ليها عشان يحرسها لروحه.
وبعد ٣ سنين تقريباً نزلت حاجه جديده في البلد اسمها المحمول، وديه كان عباره عن تليفون من غير سلك يقدر الواحد بيه يكلم اي حد فأي وكت، بس لازمن الطرف التاني يكون حداه واحد زيه.
فاشترت ربيعه واحد واشترت واحد تاني بخطه وبعد اذن قطب طبعاً بعتته طرد لخالتها بسيمه، وقدرت من خلاله تتواصل معاها وتعرف اخبارها واخبار الكل، وسهل عليها التواصل وهون الفراق وقرب الحبايب، وخلاها كيف اللي عايشه في البلد وعتعرف كل شي فيها.
❈-❈-❈
اما كرار فاليوم اللي صحي فيه وشاف بيت ابو دراع مقفول بالضبه والمفتاح ولما اتحرى لقاه همل البلد وطفش اتجنن وكان عامل كيف المجنون اللي عيدور على حاجه غاليه عليه غابت عنه، ويوم يجر يوم واسبوع يجر اسبوع وبقوا شهر والشهر جر شهر وكرار مرابط قدام بيت ابو دراع خله وخليله وصاحب عمره ومستنيه يعاود، ومعيعاودش، ويوم عن يوم كرار يحس ان فراق اخر الحبايب واعز عزاز قلبه عامل كيف سوس الخشب عمال ينخر فروحه لما خلاها خوخت.. وبعد سنه كامله لحتنه سلم بإن ابو دراع خلاص راح من حياته ومعادلهوش رجعه، ففضل هايم في شوارع البلد وطرقاتها سواح.. يدورله علي خليل ولا صاحب، لكن للاسف لقى رصيد ستره خلصان من عند الكل، وكل الناس عارفه قساوة قلبه وإنه مليهش عزيز ولا صاحب، وعشان الناس معتماشيش اشباه الرجال الكل كان يحذروا بعضهم منه ويوصوا بعض بإجتنابه، وبقي منبوذ من الكل وصفى لحاله.
❈-❈-❈
أما الايام اللي عتجري بالعمر، فوصلت بعبد الصمد لنهاية عمره، وتوفاه الله فجأة من غير اي امراض ولا حتى رقدتله جته برغم سنه الكبير، الا إنه كان ماشى علي رجليه في النهايه، لغاية اليوم اللي نام فحضن دهب واتغزل فيها كيف عادته وجات تصحيه الصبح لقته مفارق.
وعشان موت الغفله واعر فجعة الكل فيه كانت كبيره وحزنهم عليه كان اكبر وخصوصي دهب اللي وليفها وونيس ايامها ولياليها فارقها ومبقاش ليها من بعده غير الوحده والسهر وألم الفراق.
لكن من لطف ربنا ورحمته بيها مقعدتش وراه كتير، هما سنتين وكانت محصلاه بعد شوية تعب مرقدوهاش غير شهر واحد وفي اخر الشهر كانت مفارقه هي كمان فراق الكرام.
وطبعاً كل ديه ربيعه كانت تعيش حزنه لحالها من بعيد لبعيد.. لكن كان معاها اللي عيصبرها على اي حزن ويخليها تعدي بيه او وجع ويعينها على الدنيا بحالها.
كانت معتمده عليه في كل كبيره وصغيره، حتي بعد ماكبر ولدهم ادهم وبقى يقدر يطلع ويدخل وعلمه ابوه عالشوارع وخلاه يعرف يلف المنطقه كلها هو واخواته.. لكن طلبات ربيعه فضلت شيلته هو ومسئوليته، وعشان خاطرها كان مستعد يلف الدنيا من شرقها لغربها ويقلبها عاليها واطيها لو فيه حاجه مره عازتها واشتهتها وملقهاش.
لكن ربنا قدر لربيعه انها خلاص تكتفي من الدلع علي ابو دراع وبكفاياه لحد إهنه سعادة، لان مفيش سعادة عتدوم للأبد.
فخد منها كل سعادتها وروحها ونبضات قلبها وانفاسها المتمثله فقطبها وحبيب عمرها.
وهملها وهي مسئوله عن ٣ عيال اكبرهم ادهم ١٥ سنه واصغرهم هديه صاحبة ال١٠ سنين وهي يادوبك ٣٥ سنه.
وأصبحت جثه بلا روح وقعدت سنين عتحاول تتخطى فقدها لاعز الحبايب.. للي علمها كيف تعيش.. للي علمها كيف تاخد حقها من الدنيا.. للي علمها القرايه والكتابه.. للي اداها من روحه واداها ١٦ سنه من احلا سنين عمرها.. بل هما دول كل سنين عمرها..للي كانلها الاب والاخ والصاحب والسند والعون.
بإختصار بموت قطب ربيعه حست انها معادتش عايشه وان حياتها انتهت.. وانها مكمله تحصيل حاصل عشان خاطر عيالها اللي ملهمش حد غيرها.
وحملت الامانه على كتافها وعلمت عيالها وادتهم اعلى الشهادات، وهملت كل واحد فيهم يشق طريقه كيف ماهو عايز.
وحتى هديه خلتها تدخل الكليه اللي حبابها ومغصبتهاش علي حاجه، ولا غصبتها على جواز مهما جالها عرسان، لانها حابه العلام وحابه توصل لأعلى الدرجات.. وبصراحه ربيعه مأيداها ودايما تقولها إن العلم الأَول ومن بعده ياجى اي شي.
❈-❈-❈
رجعت ربيعه من شرودها وانتبهت على جرس الباب بيرن، فراحت فتحته واستقبلت احباب قلبه وكتاكيتها الصغيرين اولاد ادهم وأولاد معتز وبتها هديه اللي جابتهم فطريقها كيف كل يوم بعربيتها وهي معاوده من شغلها.
وديه لأن ادهم ومرته ومعتز ومرته عيكونوا في الشغل في الوكت ديه وطبعاً عيكونوا مطمنين لأولادهم اللي فيد آءمن واحن الناس، أمهم التانيه ربيعه اللي مش عيقولولها ستي اوجدتي او حتي تيته.. له دا الكل عيقولها ماما ربيعه من خشم مليان.. ووكلهم وشربهم ولبسهم وكل حاجه تخصهم مسئوليتها وهي اللي متطوعه ليها بكل محبه وعن طيب خاطر.
ووجودهم حواليها معوضها عن غياب ولادها عنها وانشغالهم في مشاغل الحياة.
وبرغم إن اعز الولد ولد الولد والمفروض محبتهم وغلاوتهم تكون وحده فقلبها.. الا انها متنكرش إن فيه واحد مابينهم عتحبه اكتر وغلاوته فقلبها اضعاف وديه شي مش بيدها.. ديه لأنه ورث شكل جده قطب وملامحه بالملي.. ورث عيونه وابتسامته وطريقته في الكلام وحتى تقله فى الردود، ضخامة جسمه وشكله اللي سابق سنه قوته الواضحه من بين اقرانه، بمعنى اصح قطب على صغير وماادراكم ماقطب على قلب ربيعه.
وبعد السلامات واستقبالها ليهم بحفاوتها المعتاده، دخلوا غيروا هدومهم وهي راحت عالموطبخ جهزتلهم الغدا وحطته واتغدوا كلهم، وبعدها قعدوا مع عمتهم هديه تزاكرلهم دروسهم وتساعدهم في حل واجباتهم، وتفضل معاهم يسألوها وتجاوب بصدر رحب وطولة بال لحد ما تاجي امهاتهم ياخدوهم لشققهم ويقضوا معاهم يادوبك ساعه ولا ساعتين وبعدها ينزلوا تاني لستهم يناموا عندها ويستانثوا بكلامها وحواديتها عن بلد الجدود وبيت العجايب، اللي كل شي عفش عيجرا فيه، وعامل كيف بيت الرعب اللي داخله مفقود واللي خارج منيه مولود.. ويفضلوا يتخيلوا كل كلامها ويجسدوه في خيالهم ويرسموا المكان بحياطانه وسوره واشجاره، لكن لا عارفين انهي بلد اللي عليها القول، ولا ربيعه عتقول معلومه تخليهم يندلوا على عنونه، وفضولهم ياخدهم ليه في يوم من الايام.
❈-❈-❈
وبعد ماالكل ينام تفضل ربيعه صاحيه الليل مابين صلاتها وذكرها وذكرياتها، وحس قطب وكلامه المعسول اللي لسه عيرنوا فودانها لحد يومها هذا وعتسمعهم بالكلمه.. غزله ووصاياه ونصايحه وهمسه وقت الصفا، وحتى نظراته اللي كان يبصلها بيها فآخر ايامه وهو عيتملى منها ويشبع عيونه اللي خابر زين انهم عيتقفلوا ويتحرموا من شوفتها.
كل دول كل عشيه عتفرشهم على مخدتها وتنام وسطهم وتتلفح بيهم، وفيدها سبحتها اللي ورثتها من امها ومن قبلها كانت فيد ستها عديله معتفارقهاش، واليوم صفيت فيدها معتفارقهاش.
أما اخبار اهل البلد فربيعه عتعرفها أول باول من خالتها بسيمه.. بسيمه اللي كل ماتكلمها تتشمت فأبوها كرار الدي بقي حاله حال الكلب الأجرب اللي الناس كلها عتخاف تقرب منيه بسبب جسمه اللي نخله المرض وصفى كيف عصاية الخزران ومحدش عارف علته فين،والبوظه وشربها عملوا فيه العمايل.
ومن بعد ابو دراع وعطفه عليه بقى عايش ورا باب البيت على دكه محدود الحركه لا عيقدر يقوم ولا يمشي غير بس للحمام ويرجع تاني يخض وينهج وبالعافيه يقدر ياخد انفاسه، وديه عرفته بسيمه من ولد عزت الصغير صاحب ولدها الروح بالروح واللي عيحكيله كل كبيره وصغيره فبيت المقاول، واللي بسيمه مخلياه يماشيه لاجل الغرض ديه بس.
واخيراً اتحققت فيه دعوة ربيعه واتحقق فيه القصاص العادل، واتحرم من عزاز قلبه واتحبس في البيت غصب عنه مبقاش يشوف الشارع ولا الناس، وداق الذل من بعد ماكان عزيز قوم، والقهر عياكل فقلبه وكل والآه بتاعته فجوف الليل عتسمع الفايت في الطريق وعياله مفيش فيهم واحد قلبه حنون يفكر ياخده يوديه لحكيم يعالجه وعايش على بخاخ للنفس مفعوله مؤقت عيخلص ويقول بوووه لما يهون ربنا ، وديه قصاص رب العالمين العادل اللي جازا الهجر بالهجر والحبس بالحبس والمرض بالمرض.
❈-❈-❈
اما شوقيه فعاشت اسود ايام حياتها، وكل ذنب عملته فدنيتها خلصه منها كرار ذل وإهانه وحبس، وغير إكده من كتر القهر جالها مرض فمعدتها خلاها متقدرش تاكل الزاد غير بس قوت لتموت، وكمان الحاجه اللي تاكلها تعض بعدها الارض من وجع معدتها، وقضت ايام مايعلم بيها الا الله وهي محرومه من مباهج الحياة ومن أبسط نعمها، الا وهي الوكل، اللي كانت تشتهيه واتحرم عليها، وفضلت عالحال ديه لحد ماماتت، ماتت وهي جعانه ومش قادره تاكل، ماتت وهي نفسها تحط الوكله اللي عتحبها وتشتهيها ومقادراش.. ماتت عتتعذب بالحرمان، ماتت تبص عالوكل بعينها من بعيد لبعيد.. بالظبط زي ماجه وكت عليها كانت تخلي شام وربيعه يبصوا عالوكل ويعملوه بيدهم وميدوقوهوش غير بعد ماتأذنلهم حتى لو هيموتوا من الجوع.
(وإن ربك لبلمرصاد)
❈-❈-❈
وفي النهايه صفي بيت المقاول خراب وناسه كلهم متفرقين، وكل واحد فيه مبقاش يعرف التاني، عشان اللي اتربى عالجفا عيموت عالجفا.
مفيش فيهم بس غير سلام ومعروف اللي لو مال واحد فيهم فيوم التاني عيسنده ويساعده يقوم، وديه نتاج حب امهم ليهم وعدلها مابينهن وحنيتها عليهم وعدلها اللي مخلاش النفوس تشيل من بعضها والاخ يكره اخوه كيف ماعيملت حوريه بتفرقتها بين عيالها.
❈-❈-❈
أما بنات عبد الصمد فربنا عوضهم وبدل كل قهر عاشوه براحة بال وسعادة، صوح خسروا شامة قلوبهم وخسروا ابوهم وامهم، بس عشان مآمنين بالله ربنا رمى على قلوبهم الصبر وخلاهم تخطوا وعاشوا، وكل اللي كان تاعبهم فلاول شوية الحنين اللي عيمزعوا القلب في بداية الفراق، وبعدها ياجي التعود يخفف حدتهم ويباعد بين نوباتهم ويصبر القلوب.
❈-❈-❈
وصلنا لنهاية قصتنا
ودي كانت حكاية شام وربيعه مع نفق الجحيم وبيت الظلم اللي عاشوا فيه حياة محدش غيرهم يقدر يتحملها مهما بلغت قوته وصبره.. ودي كانت رساله مباشره من ربيعه خاطرت فيها مخاطره كبيره عشان توعى البنات لمخاطر جريمة الاغتصاب، وكمان عشان تضرب مثل بيها وبأمها لكل ست داقت فعينها الدنيا وشايفه انها واقع عليها ظلم بين بسبب مشاكل بسيطه ممكن تتحل بسهوله وحبة تنازل، ويفكروا بعقليه اكبر وادراك اوسع..
خاطرت وهي وهي عارفه إنها لسه فبال ممدوح وتفكيره ولو عرف مكانها هيعمل حاجه من اتنين مالهمش تالت.. يأما هيتجوزها ودي حاجه مستحيله، يأما هيموتها ودا عندها اهون.. لكنها في الحالتين فضلت البعد عن الشر واجتنابه، وعشان اي حد من سلسال بيت المقاول جوا منيه شر مستطير هي بس اللي عارفاه ومتوكده منيه، وبالذات ممدوح اللي شارب من طبع عمه كرار لما تايع وعارفه انه ممكن يعمل اي شي من غير مايرفله جفن مخافتش على روحها كد ماخافت علي عيالها وامانة قطب اللي امنهالها، ففضلت محافظه على الاختفاء والتخفى والسريه ضماناً وإحتراساً.
نبشت الماضى وقلبت في جمره اللي لساه ساكن فقلبها واتحملت وهج الذكريات الاليمه بس لجل خاطركم ولجل تقدملكم عبره وعظه.
ندعوا الله لها بالصحه وطول العمر
ونطلب لموتانا الذين فارقوا الحياة الرحمة والمغفره، بدايتاً من الجد كارم لتوفيق لعديله لعدويه لشام لعبد الصمد لدهب لهمام.. داعيين الله ان يقبل توبة من تاب وان يتجاوز عن سيئات من اخطأ
استودعكم ونفسي واحبتي الله الذي لا تضيع عنده الودائع.
ريناد يوسف
تمت
لمتابعة الرواية الجديده زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا