رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثالث والستون والرابع والستون بقلم دفنا عمر
رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثالث والستون والرابع والستون بقلم دفنا عمر
رواية حصنك الغائب الجزء الثاني الفصل الثالث والستون 63 بقلم دفنا عمر
الفصل الثالث والستون.
___________________
+
وقفت تصب في الكاسات ذات الأطراف المذهبة عصير المانجو لتباغتها "كريمة" بدخول مفاجيء قائلة بود: بسمة تعالي حبيبتي عايزاكي في كلمة.
جاورتها علي فراش غرفة نومها مبادرة بسؤال : عاملة يا يا بسومة.
_ الحمد لله ياطنط بخير.
_ أمبارح كنتي زي البدر المنور.
ابتسمت بخجل لإطرائها: شكرا ياطنط تسلميلي.
تنحنحت كريمة قبل أن تهتف: شوفي بقى أنا مش غريبة جوزك ده ابني الرابع وانتي في مقام مرات ابني زيك يا زمزم بالظبط، وأنا مش بتطفل بس عايزة اطمن عليكي، يمكن مثلا عايزة تسألي عن حاجة مش فاهماها انا موجودة ماتتكسفيش مني.
+
أدركت بسمة بفطنتها مغزى حديثها فأطرقت تكسوها حمرة الخجل وهي تهمس: أطمني ياطنط كل حاجة تمام.
برقت عين كريمة بفرحة اختلطت بحنان فطري جعلها تتلقفها بعناق جارف وصادق وهي تملس علي شعرها: ألف مبروك ياحبيبتي ربنا يسعدك ويهنيكي انتي وسينو..تعرفي جوزك له مواقف كتير أوي لو حكيتهالك هتحبيه أكتر.
+
ومضت فضيتها بلهفة: عايزة اعرفها ياطنط.
ابتسمت لها: هنرغي كتير بس مش دلوقت، لما ترجعوا من شهر عسلكم وتيجوا عندي، هاخدك منه يومين وهنحكي براحتنا..
ثم التقطت من حقيبة يدها شيئا سريعا ما اتضح أنه سلسال ذهبي يتدلى منه لفظ الجلالة، أحاطت به عنق بسمة وهي تغمغم: دي بقي نقطة فرحك، زيك زي البنات.
+
حنت رأسها تتأمل سلسالها هاتفة بامتنان: ده كتير يا طنط والله، ياسين جابلي.
_ يعيش ويجبلك حبيبتي بس دي هديتك مني..
+
قاطعهما طرقا علي الباب دلفت بعده جوري تخبر عن مجيء حنين وزوجها..
…… ..
غادر كبار العائلة بعد مباركة وتوصية لياسين على زوجته، ولم يتبقى سوى شقيقتها وعطر وزمزم وجوري بغرفة منفصلة.
حنين وهي تقبلها بحنان قبل أن تغادر: بسمة أنا خلاص همشي وهسيبك لحياتك وربنا يسعدك فيها، بس ماشية مطمنة عليكي لأني عارفة انك هتكوني بخير، ثم حادت جانبها بنظرة رجاء: عطر أنا هسيب أختي أمانة معاكم أتمنى تعتبروها اختكم انتي وجوري، اوعوا تحسسوها انها لوحدها من غيري، أنتم في عمارة واحدة وكلكم قرايب خدوا بالكم منها عشان خاطري.
+
اغرورقت عين بسمة لأمومة شقيقتها التي تدفقت وهي توصي عليها لتربت عطر كتفها بود: متخافيش ياحنين اختك في عيوني قبل عيون اخويا، كلنا هنا اخواتها وأهلها، بسمة بقيت من عيلتنا وتخصنا.. اطمني وماتشيليش هم ابدا.
+
تعانقا الشقيقتان بقوة لتهتف جوري مكفكفة دموعها تأثرا: وبعدين معاكم بقي يابنات ليه العياط دلوقت، وبعدين تعالي هنا ياحنين هانم، انتي ليه عايزة تخنقي عبده جوزك من بدري؟
التفتت لها متعجبة لتستطرد: ليه صممتي تاخدي اخوكي معاكي؟ ماهو كان هيفضل مع خالتو فدوى او حتى معايا انا وعطر هنا..
الأخيرة داعمة: جوجو عندها حق، انتي كمان لسه عروسة، وماتزعليش مني يعني جوزك ذنبه ايه مايتهناش بيكي؟ أكيد وجود ياسين الصغير هيأيده واظن انتي فهماني.
بسمة باندفاع نبع من مسؤليتها: عشان كده قولتلها تسيبه يسافر معايا..
_ ألطم على وشي ويقوله جوجو اتجننت؟، يابنتي ما انتي كمان عروسة بقالك يوم واحد..سيبوا الولد معانا ومتخافوش، انتي وهي لازم تظبطوا عرسانكم في أول أيام شهر العسل.
زمزم: جوري عندها حق يابنات، وبما اني أكبركم فأنا هقول كلمتي ومحدش فيكم يعترض، أخوكم هيفضل معايا انا هراعيه مع ولادي، همت بسمة وحنين بالاعتراض فلوحت لهما بتحذير: ولا كلمة تاني، معايا هيتسلى مع مهند والتؤام، مش هيحس كتير بغيابكم، انا مش ورايا حاجة غيرهم..ولما بسمة ترجع بالسلامة من شهر العسل طبيعي جدا هتيجوا المنصورة في أول عزومة ليكم عندنا، وقتها بسمة تاخد أخوها عادي..قلت ايه؟؟
عطر بصياح داعم: ينصر دينك ياشيخة والله كلامك صح جدا وافضل حل.
جوري: وكده نبقي انقذناكم من غضب العرسان ياسين وعبد الرحمن.. الله عليا وعلي حلاوتي بتكلم بالقافية أهو.
+
قهقهوا لقولها بينما تبادلت حنين وبسمة النظرات لتغمغم الأخيرة: خلاص ياحبيبتي وافقي، أنا كمان كنت هشيل همك لحد ما ارجع والله، عبده برضو عريس مش عايزين نقل راحته.
ربتت زمزم على ظهرها برفق: ربنا يسعدك انتي واختك يا بسمة، أحنا بقينا أهل واخوات خلاص وراحتكم تهمنا ربنا العالم.
ثم قالت بحماس: وعشان تطمنوا هناخد رأي أخوكم دلوقت، وغابت لحظات وعادت بالصغير قائلة: سينو حبيب طنط زمزم مش انت بتحب مهند والتؤام؟
_ أوي ياطنط وأكتر واحدة بحبها "روتي" شبه القطة اللي كانت في بيتنا القديم.
ضحكت جوري مطلقة تلميح ماكر: ركزوا في الكلام كويس، أحتمال يبقي أول سطر في حكاية جديدة للأشبال بعدينا.. لكزتها عطر علي رأسها لتصمت، لتواصل زمزم: طب ايه رأيك ياحبيبي لو تفضل مع الولاد وتلعب معاهم؟ لو وافقت هخلي عمو عابد ياخدك النادي انت وصاحبك وتلعبوا كورة وتاكلوا بيتزا وحاجات حلوة كتير.. موافق يا بطل؟
+
لبث الصغير يفكر في عرضها المغري له ثم نظر لشقيقتاه اللذان تلقفاه بنظرة حانية، مقتربا بعد حسم أمره قائلا لهما معا: ينفع اروح مع طنط لحد ما ترجعوا تاخدوني؟
ابتسموا بملامح باكية ثم عانقاه سويا وبسمة تخبره بحنان: ممكن ياحبيبي مادام انت هتكون مبسوط.
_ طيب هتكلموني كل يوم؟
_ وكل ساعة.
قالتها حنين وهي تعود لضمه ثانيا، قبل أن يستدعيها زوجها للمغارة فتغادر بعد وداع الجميع.
___________
+
"انتي بتعيطي يابسمة؟"
+
قالها بجزع بعد أن ودع أخر ضيوفه وعاد ليرى دموعها الغزيرة تغرق وجنتيها، كفكفها بأنامله وضمها لصدره باحتواء حاني: طب اهدي عشان خاطري وفهميني حصل ايه؟
قالت من بين شهقاتها: أول مرة افترق عن اخويا واختي كده، حسيت قلبي وجعني وهما ماشيين، زمزم صممت تاخد ياسين معاها وخايفة حاجة تزعله وهو بعيد عننا وميقدرش يتكلم.
_ طب مش أنا قولتلك هناخده معانا رحلة الأقصر وأسوان؟ ليه زمزم تاخده؟ أنا افتكرته طالع عند اختي فوق شوية وهينزل، لو اعرف كنت منعته يمشي.
+
ابتعدت بوجهها تنظر إليه ومازالت محتجزة بين ذراعيه: ماينفعش يا ياسين أضايقك بأخويا، من حقك تتبسط معايا وتاخد راحتك عشان كده قلت مش مشكلة أختي تاخده لحد ما ارجع، بس هي كمان عروسة وده اللي خلى زمزم تصمم تاخده مننا.
+
أخدها فوق أريكة وأجلسها علي قدميه وكفكف بقية دموعها وهو يغمغم بحنان: والله ماكنت هضايق يابسمة، أنا بحب اخوكي وبعتبره ابني، كنت عامل حسابي وحاجز له غرفة جنبنا فيها كل الألعاب اللي تسليه وليها باب مشترك بينه وبينا عشان تطمني عليه طول الوقت يعني ماكانش هيقيدني ابدا، بالعكس انا كنت حابب افسحه معانا في رحلتنا وافرجه معالم الأقصر وأسوان في الشتا.
+
اتسعت فضيتها بدهشة منحتها لمحة طفولية: بجد كنت واخدله غرفة معانا فيها ألعاب؟
أومأ وهو يحتضن بعيناه محياها عن قرب: اه والله، مش انا سافرت قبل فرحنا بتلات أيام؟ كنت بظبط الموضوع ده.
غمرت نظرتها عشقًا جارف وهي تهمس وأناملها تداعب جانب وجهه: بجد عملت كده عشان اخويا؟ مش مصدقة، أنا كل يوم بحبك من كتر ما انت حنين ورقيق..
تنهد وهو يميل بجبهته فوق جبينها الوضاء مغمضا عيناه هامسا: لسه ماشوفتيش حاجة من حبي، قلبي عمره ما اتفتح لغيرك ولا سكنه غيرك، مشاعره كلها حوشتها ليكي انتي يا بسمتي.
+
شعر بشفتيها تكافئه برفرفة ناعمة فوق خده الحليق كأنها دعوة خجول منها ليلبي مرحبا بدعوتها وهو يحملها نحو غرفتهما فتغرق معه بطوفان عاطفته الهادرة.
__________
+
في زاوية هادئة علي متن باخرة نيلية ثابتة يجلس قربها كفوفهما متعانقة وذراعه الأخر يرسو فوق كتفها كأنه يعلن للجميع أنها تخصه، صوت خرير المياة هو وحده ما يشارك عزف قلوبهما كأنه يحتفل معهما بهذا التوحد..
_ محمود.
_ عيونه
_ أنت ليه حبتني لما شوفتني أول مرة؟
صمت حتى ظنته لن يجيب ليهمس بعدها: عيونك.
ونظر لها وحدقتاه تهيم بلوني عيناها مستطردا: غرابتها سحرتني وانا شايف فيها دفي الشمس مغزول مع خضرة الأرض كأنها الجنة..اتعلقت بيكي وفضلتي محبوسة في عقلي وعايز اشوفك بأي طريقة، ومن كتر ما اتمنيتك فعلا شوفتك، حسيتها أشارة من ربنا عشان اسعى ناحيتك..والحمد لله أديني فورت بيكي.
ثم تنهد بقدر شوقه: عقبال ما نبقي في بيت واحد.
ابتسمت بخجل: لسه بدري، أنا هتدرب فترة في المستشفى اللي قابلتني فيها، واخويا هيجهزلي عيادتي اللي جابهالي هدية.
_ ظافر جابلك عيادة؟
_ أيوة هو أنا مش قولتلك عليها؟
_ لأ.
_ يبقي نسيت أقولك أنه هداني بيها بس فاضل تتوضب.
_ ربنا يخليكم لبعض، ظافر حنين أوي وأنا معجب جدا بشخصيته.
لمعت عيناها بحنان: ده أبويا مش بس اخويا.
_ طب وأنا؟؟؟
أطرقت بخجل فعاد يلح بهمسه: وانا ايه يا إيلي؟
_ حبيبي.
حررتها من بين شفتيها مغموسة بخجلها منكسة الرأس، فرفع وجهها إليه: قوليها وعينك في عيني.
نهضت منتزعة نفسها من حصاره: لأ.
صاح بحنق: طب وقفتي ليه ممكن افهم؟
_ عشان لازم نمشي، الوقت أتأخر.
جز على أسنانه: أقعدي يا إيلاف مش هنمشي دلوقت، وبعدين احنا انكتب كتابنا يعني محدش له عندك حاجة.
+
_ غلطان ياحوده..كتب الكتاب مش معناه حرية مطلقة.
+
قالتها ما بين دلال وحزم لا يعرف كيف أتقنتهما ليقف قُبالتها يقول: إيلاف دي أول خروجة لينا بعد ما بقيتي ليا..أنا مش عايز غير اننا نكون سوا..وقصدي إن محدش له عندك حاجة انك مع جوزك مش خطيبك.
_ ورغم كده في حدود يامحمود أولهم اني مرجعش معاك بيتي في نص الليل، أحنا دلوقت عشرة، وعلي ما اوصل بيتي هتعدي ساعة كمان.. أظن ده مناسب جدا.
+
عاتبها: كده يا إيلاف؟ كنت فاكرك هتحبي تكوني معايا أطول وقت ومشتاقة صحبتي زي منا هموت وتفضلي معايا..
أمتلأت عيناها عشقا لم تنكره: محمود عشان خاطري خلينا ماشين بالأصول لأن ياما بلاوي وتنازلات بتحصل بأسم ' مكتوب كتابنا"دي، خلاص هانت ونتجوز وقتها أمري كله هيبقى في إيدك انت لوحدك..
+
حدجها بعدم رضا وأشار لتتقدمه، فمكثت تنظر له، ليهتف قاطبا: ايه واقفة ليه مش خايفة تتأخري؟
_ مش عايزة نمشي وانت زعلان.
_ مش زعلان.
+
صمتت هنيهة ثم التقطت قلما من حقيبتها وأمسكت كفه لترسم شيئا في باطنه، لمسة أناملها العفوية دغدغت قلبه
وزحفت ابتسامة حانية راضية على شفتيه وهو يبصر ذاك الوجه الرائري المبتسم مع قولها: أضحك عشان الصورة تطلع حلوة يا مودي.
+
منحها نظرة مشتعلة بعاطفته المكبلة وغمغم: بحبك ومقدرش ازعل منك يا قلب مودي.
_______
+
"هات روتيلا يا سينو"
+
تبعت قولها وهي تلتقط الصغيرة بحذر فقد حان موعد " رضاعتها" مع تؤامها " ديبان"
_ ممكن ياطنط أخدها تاني؟
ابتسمت لتعلقه الشديد بالصغيرة وغمغمت: حاضر ياحبيبي بس انت كده مش عارف تلعب يا ياسين.
_ مش مهم، انا مبسوط طول ما روتي معايا.. أنا بحبها اوي ياطنط.
_ طيب وأخوها بتحبه زيها؟
_ أيوة بس روتيلا أكتر.
بحنان مشطت رأسه بأناملها وقالت: للدرجة دي؟ خلاص هتاكل وارجعهالك..
+
"يلا يا سينو عشان هاخدك مع مهند النادي ألاعبكم كوره"
قالها عابد والجًا إليهما فرد الصغير: ينفع ناخد روتيلا ياعمو؟
_ لا طبعا دي لسه صغيرة.
بدت علي الصغير الحيرة لتُسعفه زمزم بقولها: بص ياسينو، روتي أصلا هتنام مع اخوها بعد ما ترضع، روح العب مع مهند وعمو ولما ترجعوا تكون صحيت ابقى خدها.. ايه رأيك؟
فكر قليلا قبل أن يهتف: موافق.
_ طب يلا أنزل شوف مهند عند تيتة كريمة وعمو هيحصلكم.
لم يبتعد ياسين قبل أن يرمق الصغيرة بحنان واضح ثم مال مقبلا خدها المنتفخ وقال: ماشي ياطنط.
+
رفع عابد حاجبيه تعجبا وهو يراقبه مبتعدا والتفت لزوجته يتسائل: أنا ملاحظ الولد متعلق بروتي جدا.
أكدت علي قوله: أوي ياعابد، تقريبا مش بيسيبها من ايده وعارف يحافط عليها جدا، الغريب ان البنت رغم انها لسه صغنونة بقيت عارفاه وهي كمان بتحبه اوي..
+
ملس علي رأس صغيرته برفق حاني: حبته لأنها حست بحنيته..
تنهدت وهي تجلس "تُطعم" صغارها مغمغمة: تعرف ياعابد الولد ده صعبان عليا اوي، أنا بشوف في عيونه حزن مخلي طفولته فيها حاجة ناقصة، مش منطلق زي اللي في سنه..براقبه وهو بيبص علي روتيلا بحس نظرته غريبة، كأنه بيكلمها بعيونه كلام مش قادر يقوله لحد.
+
صاح وعيناه تعصف بحنان وإحدي أنامله تقبض عليها روتيلا بكفها الصغير وهي ترتشف طعامها: فقده لأبوه وأمه بدري جدا لازم يعلم علي طفولته بندبة يا زمزم، ويمكن تفضل معلمة جواه طول العمر، خصوصا بعد ما اخواته البنات اتجوزوا وأكيد هيخلفوا بإذن الله، ممكن غصب عنهم ينشغلوا عنه وماياخدش الاهتمام والحنان اللي محتاجه..ومش مستبعد ابدا إن ده تفكير ياسين دلوقت وسبب نظرة عيونه اللي بتتكلمي عنها.
قالت وهي ترقد الصغار في أسرتهما:
_ ياقلبي عليه، والله زعلانة عشانه، ولما قعد معانا حبيبته أوي، ولد مؤدب.
_ مع انه ماكانش كده خالص قبل وفاة أمه وأبوه، بسمة بتقول انه كان شقي جدا وبيعمل مشاكل..
_ مش بقولك ياعابد حاسه ان طفولته بقيت ناقصة، الحزن كبره.
_ ورغم كده متوسم انه هيطلع شخصية مميزة جدا لما يكبر، والأيام بكرة هتثبت كلامي، بس لو كنت عايش وقتها
مش ميت.
+
_ عابد!
+
ندائها المفزوع ونظرتها المغرورقة العاتبة جعلاه يندم، كيف نسى ندبتها هي الأخرى بمن فقدت وما عاشته،
دس رأسها بصدره هامسا باعتذار: حقك عليا مش قصدي الكلام جه عفوي.
انتزعت وجهها من صدره لتنظر له ودموعها فاضت فوق خديها: ماتقولش كده تاني.
كفكف لها العبرات مع قوله: حاضر بس اهدي.
وعاد يدسها في صدره لتهمس: دايما بدعي في صلاتي متوجعش عليك وأموت قبلك.
اشتدت ضمته عليها مغمغما: طب بس كفاية كلام في الموضوع ده، ربنا يخليكي ليا.
طال عناقه الصامت لها فربتت على ظهره تذكره بنزهة الصغار، فابتعد على مضض: أصلك وحشتيني.
_ معلش ياحبيبي هعوضك والله.
ابتسم متفهما ولثم جبينها وغادر ذاهبا بمهند وياسين حيث وعدهما.
___________
+
"يعني مش جاي انهاردة حضرتك؟
+
_ ومش جاي لمدة أسبوع.
_ يا سلام، وانا اشيل المطعم والكافيه لوحدي؟
_ عامر بجد انا محتاج اخد فاصل بعد الأوردارات التقيلة اللي نفذتها عشان اجدد نشاطي، واطمن انا أجلت كل الطلبات اللي تخصني حوالي أسبوع، يعني شغل الزباين اليومي هينفذه اصطف الشيفات اللي عندك، انت بس هتشرف عليهم.
_ ماشي ياشيف، بس ليا أجازة انا كمان.
_ أتفقنا يا باشا..
وواصل: جوري عاملة ايه في الحمل؟
_الحمد لله لحد دلوقت مافيش حاجة مريبة وربنا يستر للأخر، المهم خلي مراتك تجيب عريس لبنتي اللي جاية.
_ لا ما خلاص عرفنا إن بلقيس هتجيب بنوتة.
_ بجد؟ ما شاء الله، ربنا يقومها بالسلامة ياصاحبي.
_ اللهم امين ياعمور.
__________
+
أصابها الأرق وعجزت عن نيل غفوة فقامت تبحث عنه لم تجده بجناحهما، هبطت للأسفل حيث مكتبه الخاص.
_ بتعمل ايه ياظافر؟
+
رفع عينه لها: تعالي ياحبيبي ايه نزلك من فوق مش قولتي عايزة تنامي؟
غمغمت بإرهاق: مش عارفة، بطني تقلت وبقيت مش بنام بسهولة، أنا عارفة زمزم اتحملت ازاي حمل التؤام.
ابتسم بحنان وغادر مكتبه وأخذها لتجلس معه فوق أريكة جانبية وأراح رأسها على كتفه وقال: معلش حبيبتي هانت وترتاحي.
_ يارب. قولي كنت بتعمل ايه؟
_ بقرأ.. بقالي كتير مش لاقي وقت للقراءة
_ بس الوقت اتأخر وعندك شغل الصبح.
_ لا مش رايح، قاعد كام يوم معاكم.. أولا ماما وحشتني وعايز احسسها بوجودي شوية واطمن عليها، وثانيا عندي شوق للقراءة وزي ماشوفتي ابتديت فعلا.
_ طب بتقرأ ايه؟
_ اختارت كتابين، واحد تنمية بشرية لدكتور ابراهيم الفقي الله يرحمه وده شكلي هخلصه الليلة لأنه جاذبني، والتاني في علم النفس، هسهر عليه بكره بإذن الله.
_ طب ايه رأيك تختارلي حاجة خفيفة أقرأها معاك بما اني مش عارفة انام.
+
لثم شفتيها بخفة وخاطبها وعينه تنهل من شمسيها: بس كده مش هعرف اركز في القراءة لو فضلتي معايا.
ضحكت بخفوت: أعتبره تحدي ليك في قوة الإرادة ياشيف..يلا اختارلي كتاب بس خفيف، أنا بمل بسرعة.
نهض وبحث لها بمكتبه الزاخرة بشتى الكتب ثم التقط إحداهم وتوجه إليها: "نظرية الفستق" لفهد عامر الأحمدي، كتاب ممتع وهتستفيدي منه جدا.
تناولته بحماس وتمددت بأرياحية فوق أريكتها ثم عاد هو لجلسته الأولى يكمل كتابه.
غاص كلًا منهما في سطور كتابه حتى بدأت تتثائب لتميل رأسها وتسبل جفنيها غافية دون أن تشعر.
+
أدركها مقتربا وهو يزيح ليل شعرها الثائر عن وجهها طائفا بأنامله على بشرتها برفق هامسا: قريب هتكون نسختك الأصغر و الأجمل في حضننا ، وياويلي من العيون لما تشوفكم وخوفي عليكم، ومال يلثمها ثم دثرها بغطاء ثقيل ومن ثَمَ استأنف القراءة وقد أوشك أن ينهي كتاب سهرته.
_________
+
" عاملة ايه ياست الحبايب؟"
ربتت بمحبة على كتفه: الحمد لله ياظافر، بخير طول ما انت واختك ومراتك بخير.
قبل كفيها تقدير وقال: طيب قوليلي نفسك في ايه؟ عايزة تروحي مكان معين أو تزوري حد؟ أنا متفرغلك أسبوع بحاله ياغالية.
_ أنت واخد أجازة ترتاح يا نور عيني، خليك مع مراتك شوفها هي لو حابة تخرج، أنا مبسوطة وبعمل حاجات حلوة لحفيدتي ومش فاضية أصلا.
غمغم بحنان: حاجات ايه اللي بتعمليها؟
بعمل..( وبترت قولها هاتفة بحماس داعب قلبه) تحب تشوف بنفسك؟
_ ياريت يا ست الكل.
نهضت وپابت دقائق ثم عادت تستعرضها له وهي تفترشها علي وجه الطاولة لتبرق عينه وهو يلتقط قطعة منهم هاتفا: الله يا ماما، بجد يخطفوا القلب من جمالهم، ثم استنشق عبقهم وهو يقول: ريحتك فيهم يا أمي. ثم لثم كفها ثانيا: ربنا يخليكي لينا ياحبيبتي، بجد مبسوط اوي باللي عملتيه لبنتي..حاسس كأني شايفها فيهم.
ملست علي رأسه: ربنا يقر عينك وعيوننا بيها يا روح قلبي، أنا مستنية اشوفها بفارغ الصبر.
+
"ايه الحاجات التحفة دي؟ جبتوها منين؟"
+
قالتها بلقيس وهي تلتقط قطعتان منبهرة بهم مستطردة لوالدة زوجها: حضرتك اشتريهم امتى؟
ظافر بفخر وهو يضع ذراعيه على كتفي والدته: لا دي هدي هانم اللي عملتهم بنفسها.
+
حملقت بها بذهول: معقولة دول شغل ايدك؟
_ أيوة ياحبيبتي عملتهم لحفيدتي المنتظرة.
عصفت شمسي بلقيس بحب وامتنان وقبلت يدها قائلة: تسلم ايدك وعيونك ياطنط ويحفظك لينا، بجد يجننوا..
+
"خيانة"
صدحت بها إيلاف وهي تطالع الأثواب مواصلة: أمتى اتسوقتوا من غيري وجبتوا هدوم لبنت اخويا؟
بليقس: لا يا إيلي دي طنط اللي عاملاهم بإيدها لبنوتي.
_ مامتي اللي عاملاهم؟ عملتهم امتي؟ طب خلاص أنا هاخد الفستان الأزرق في أبيض ده لبنوتي المستقبلية.
لكزتها بلقيس قائلة مازحة: بعينك، دول بتوع بنتي.
ضحكت هدى وقالت: أنا هعملك زيهم يا إيلي، اتجوزي انتي بس وخلفي والباقي عليا.
_ لا ماليش دعوة انا عايزة من دول.
+
جمعت بلقيس الأثواب في الحقيبة وهي تهتف: أنا هاخدهم أوضتي ابقي وريني هتاخدي منهم ازاي.
_ ماشي خليكي فاكراها.
+
همت بلقيس بالصعود لغرفتها فأوقفها ظافر:
استني يا استاذة رايحة فين؟
التفتت تحدثه بوجه بريء: هطلعهم أوضتي، مش طنط عملتهم لبنوتي؟
+
أعاد الأثواب فوق الطاولة وقال بجمود: انا كنت ناوي أسهركم برة انهاردة، بس شكلي هعاقبكم.
_ ليه؟؟
سمعها بصوتهما المتعجب معا ليردف بحزم:
_ عارفين معناها ايه انكم اول مرة تشوفوا الفساتين دي؟ انكم مش بتقصوا وقت كافي مع ماما وتهتموا بيها وكل واحدة فيكم في عالمها، لكن لو بتخصصوا ليها وقت أكيد كنتم شوفتوها وهي بتعملهم.
+
تبادلت بلقيس وإيلاف نظرة خجل ليواصل مقاطعا تدخل والدته لأجلهما: أنا غايب اليوم كله في شغلي ومعتمد انكم مع بعض اغلب الوقت.. لكن كده واضح ان في عزلة بينكم..
بادرت بلقيس بدفاع: والله ياظافر انا غصب عني بسبب الحمل فعلا بفضل فوق كسلانة غصب عني.
_ بس بتكلمي والدتك يابلقيس، والنفروض تخصصي وقت لماما تطمني عليها وتسليها، انتم في نفس الفيلا وبينكم سلم واحد.
أطرقت رأسها خجلا من تقصيرها، ليلتفت للأخرى بذات النظرة الحازمة: وانتي يا إيلاف، دراستك وخلصتيها ولسه مابدأتيش تدريب في المستشفى يعني فاضية، ليه مش بتقعدي مع ماما؟
+
غمغمت بخزي: منا بنزل افطر والله وبطلع اكلم محمود وصحباتي وبتابع حاجات على النت و… .
قاطعها: بتلاقي وقت لمحمود وللنت والرغي مع اصحابك ولكل حاجة بس ماما بتشوفيها على السفرة وبس، صح؟
دمعت عيناها بأثر الذنب: والله ابدا انا كنت بسهر معاها انا وبلقيس دايما بس بعد حملها بلي بقيت دايما نايمة فأنا فعلا أغلب الوقت في أوضتي بس…
+
اختنقت بغصة وارتمت بصدر والدتها هاتفة: حقك عليا يا ماما أنا فعلا وقتي بيضيع في حاجات كتير بعيد عنك مش بقعد معاكي زي الأول.
+
ابتسم وهي تضمها بدفء: ولا يهمك يا لولو، أنا المهم عندي تكوني مبسوطة وبخير.
أقتربت بلقيس لتضمها والدته بذراعها الأخر والأولي تهمس: حقك عليا ياطنط عدي عليا فعلا اني بسيبك لوحدك وفعلا مش بشوفك غير علي السفرة وبقيت اليوم في أوضتي بكلم ماما. سامحيني الله يخليكي.
+
منحتها نفس الربتة الحانية وقالت: والله يا بنتي ما زعلانة مادام انتم بخير خلاص واديني بتسلي.
ظافر: ياريت تهتموا بماما بعد كده وماتسيبوهاش لوحدها تاني.
دنت منه إيلاف: حاضر يا آبيه بس ماتزعلش مني.
لانت ملامحه مع قوله: مش زعلان بس برضو مش هسهركم برة، هنسهر كلنا مع ماما هنا.
بلقيس بطيب خاطر: موافقة هو في أحلى من كده.
+
ثم انتزعت الثوب الأزرق ورفعته لعين إيلاف: ده اللي عجبك؟
أومأت لها الأخري بترقب، لتواصل بلقيس: خلاص خديه ياستي مبروك عليكي.
فرحت بقوة وهي تهتف: ميرسي يابلي، بس تفتكري ابقي اسمي بنتي ايه؟
_سميها الهبلة، ثم ضربت رأسها بخفة: مش لما تتجوزي الأول تبقي تدوري علي اسم بنتك يا فالحة.
+
كتم ظافر ضحكته وصاح بهما: طيب يلا بقي اتفضلوا وسيبوني مع ماما شوية.
+
أستدار ليجد عيناها تخط له سطورًا من الفخر به والامتنان والحب له، منحته ابتسامة بصفاء قلبها وهي تقول: تعرف يا ظافر، أنت حتة من أبوك الله يرحمه، حنيتك وحكمتك في كفة وحزمك وقوتك في كفة تانية، دايما ميزانك عادل زيه..عايزاك تعرف أني كنت مبسوطة وأنا بغزل شوقي بين الخيوط، كل "غرزة" كنت " بلضم" فيها روحي، كل لون اختارته عبر عن فرحتي، أنا مش بعمل لحفيدتي مجرد فستان، أنا بغزلها ذكرى تحتفظ بيها طول عمرها وتعيش لحد ولادها لأن أكيد مش هكون موجودة واشوفهم، بس خيوطي وألواني هتنقلهم حبي ليهم، عشان كده مش زعلانة إن البنات انشغلوا عني ومتفهمة انهم مش قاصدين يهملوني.
لكن في نفس الوقت مش هنسى موقفك ده ابدا.. ياريت كل أم عندها أبن زيك.
+
قالت جملتها الأخيرة وغافلتها العبرات فعانقها برفق عاجز عن منحها كلمات توازي حلاوة ما قالت، مكتفيا بتقبيله رأسها ليهمس أخيرا: أنا اللي محظوظ بيكي يا أمي..راحتك ورضاكي أهم ما عندي وحصادي اللي بفتخر به طول العمر..
__________
+
قد يعجبك ايضا
منذ بضع اعوام
رواية اجبرتني قسوة الحياة الفصل السادس 6
منذ بضع اعوام
رواية اجبرتني قسوة الحياة الفصل السابع 7
منذ بضع اعوام
رواية اجبرتني قسوة الحياة الفصل التاسع 9
عقم كفيه وارتدى "كمامته" الطبية ووقف ينظر لوجهه في المرآة بشرود..(ابن منصور) اللقب يصدح بدهاليز عقله بصوت شقيقته الكبرى..كأنها ما رآت به حقًا سوى ملامح أبيه الذي تبغضه..( لو عايز تلوم حد وتكرهه يبقي الحد ده هو والدك اللي دنس براءة أختك وهي صغيرة وكان بيتحرش بيها)..أغمض عينه بقوة ليهرب من صوت رائد وهو يصفعه بحقيقة أبيه المخجلة ، مخجلة لدرجة أنه لا يستطع الدخول إليها والتقاء عيناها وينتظر هنا لتغيب بجرعة المخدر عن الوعي كي لا تراه، سيفعل لها ما يستطيعه ثم يغادر.
+
" دكتور حازم المريضة جاهزة"
تمالك نفسه سريعا فور سماع الممرضة خلفه وتوجه حيث تنتظره.
______
+
" هما طولوا ليه كده؟ المرة اللي فاتت رودي أخدت وقت أقل في العملية"
+
طمأنها قائلا: ماتقلقيش يا أمي، المرة دي حازم أخوها معاها وكله هيكون خير..استنيني هنا هجيبلك حاجة تشربيها.
+
جلست في انتظاره شاخصة البصر تتذكر عزوف حازم عن الحديث معها في شيء يخص شقيقته رغم محاولتها أن تلين قلبه، هي لا تعرف الحديث الذي دار بينه وبين رائد ذاك اليوم، فقط طلب منها الأخير أن تثق به دون توضيح، وعدها أن قريبا جدا ستحل العقد بينهما ويمتد حبل وصالهما ثانيا، قلبها يخبرها أن رائد سيفي بوعده.. تنهدت وراحت تدعوا بسلامة ابنتها وعودة المياة صافية بينها أو وأخوتها كي تموت مطمئنة.
………….
+
بدأت تفيق بإيماءت واهنة وهمهمات خافتة، فرمقها حازم بنظرة غامضة قبل أن يغادر الغرفة بأكملها وقد تمت مهمته گ طبيب ولم تعد بحاجته..لكن گ شقيق لم يُتم مهامه أو يسد دينه بعد.
______
+
" حمد لله على السلامة يا نور عيني"
همستها والدتها بفيض حاني انساب بأذنيها وبعض الداور مازال يكتنفها، جالت عيناها في المحيط تبحث عن شيء أو بالأحرى شخص..ذاك الذي طيف دفاعه عنها عالق بفضاء ذاكرتها، كأنه مذاق عطاء لم تجربها يوما وسط مرارة حرمانها الطويل الذي عاشته مبكرا ، ربما لم تتقبل بعد أنهما عادا أشقاء، مازالت تكره ملامحه شبيهة أبيه. لكن غلالة ما بدلت وجهه وأكسبته ملامح أخرى لا تشبه ذاك "اللعين".
+
_ أخوكي بيقول الحمد لله العملية كانت ناجحة وان جلدك مع كورس الكريمات الطبية هيرجع لطبيعته من تاني..
نظرت لها مليا ثم تجاهلت عمدت الإشارة إليه وغمغمت: فين رائد؟
ابتسمت متفهمة تجاهلها وهي تربت علي يدها: دقايق وجاي.
………..
_أختك مش هتنسى أبدا اللي عملته عشانها ياحازم.
ناظره بجمود قبل أن يهتف: أنا عملت اللي عليا گ طبيب أيًا كانت هي مين في نهاية مجرد مريضة.
+
ابتسم رائد بغموض: انت شايف كده؟
مازال يسدل قناع جموده: أكيد.
+
ملأ صدره بالهواء وقال:
_ علي كل حال شكرا إنك اتعاملت بإنسانيتك وطيبتك يا حازم مش بس گ طبيب، لأ، گأخ دافع عن أخته من غير مايقف لحظة عند خلافات وضغائن وقطيعة، أنت إنسان محترم وأصلك كريم، عارف أن كلامنا أخر مرة كان صادم بالنسبالك ومحتاج تستوعبه، بس اتمنى بعد ما تتوازن وتفهم وتتأكد، ترجع تمد ايدك تاني لرودي وتوصل المقطوع بينكم وترمم علاقتها بأختك التانية..
ثم غامت عين رائد وقال: صدقني يا حازم الدنيا مش مستاهلة فرقة وحقد وقطع رحم، جميل ان يبقي عندك عيلة كبيرة تكون حصنك الدافي اللي بترتاح فيه وتضحك من قلبك..استقوي بالعزوة اللي ربنا عطاهالك..أوعى تخلي ولادكم يطلعوا أغراب عن بعض ويورثوا الجفا ما بينكم..وإلا هتندم بعد فوات الأوان.
+
أنهي رائد حديثه وتركه مشوش، عشرات الخيوط تجتذبه وهو بينهما مجرد عالق ينتظر خيطًا يتلقفه لأرض ثابتة يرسوا عليها.
_______
+
بعين ضاقت نظرتها خلف عويناته الطبية تابع الطبيب "عز" فيديو مصور لتفاصيل عملية تيماء بتركيز شديد راصدًا ما قام به حازم وإصراره بإنجاز كل مساحة التشوه دفعة واحد وبمهارة تعجبها، نعم هو دعمه ومنحه ثقته لكنه تخطى كل توقعاته.
+
التقط هاتفه وضغط رقمه فأتاه الصوت يصدح باحترام: السلام عليكم دكتور عز، كنت لسه هكلم حضرتك عشان…
_ عارف، أنا شوفت فيديو العملية كله.
تساءل بترقب: طيب وايه رأي حضرتك؟
التزم بالصمت لحظات قبل أن يهتف: رأيي انك كنت عند حسن ظني وأكتر يادكتور حازم، اتعاملت مع التشوه بمهارة ممتازة وخبرة بعترف إنها فاجأتني.
+
انفرجت أساريره: حضرتك بتجاملني، انا لسه بقول ياهادي.
_ بالعكس أنت فعلا تألقت في العملية دي، بس انت ليه عالجت مساحة التشوة الكبيرة دي في عمليه واحدة؟ أنا عرفتك الحد اللي انت هتشتغل عليه وقلنا الجزء الباقي ممكن يتعمل في عملية تانية حسب رغبة المريضة، خصوصا ان موقعه مش هيقصر ابدا علي نفسيتها وممكن كانت تتغاضي عنه أصلا.
+
اطرق رأسه وهو ذاته لا يعرف إجابة، وكل ما تملكه وهي بين يديه نظرتها المكسورة حين "عايرها" زوجها بجمال جسدها المنقوص حتى لو زعم له أنها كانت خدعة، لكنه لن ينسي أبدا نظرتها المهشمة، ليجد نفسه يحاول بكل طاقته أن يخلصها من أي تشوه ينهل من أنوثتها أمامه..
+
_ لقيتك بتطلب من دكتور "… " انه يزود جرعة مخدر، استغربت طلبك وبعدها فهمت.
+
_ فهمت ايه يا دكتور؟
ابتسم بغموض: إن المريضة دي تخصك ياحازم.
أسرع بأنكاره: لا خالص أنا…..
_ حازم، اللي قدامك ده ضعف عمرك يا ابني، يعني مش ممكن اخفق في تقديري ابدا، لو ربطت طلب زوجها انك انت اللي تتولي العملية مع اللي انت عملته، هتكون دي النتيجة الوحيدة والمنطقية.
_ رائد طلب كده؟؟؟ قالك ايه بالظبط.
_ ما قالش اي تفاصيل خاصة، أنا قبلها استدعيته عشان اعرفه اني هسند العملية لطبيب تاني وهسافر، فعرض عليا اخليك انت اللي تعملها.
+
شرد حازم فيما يقول ليردف الطبيب بفراسة واضحة: المريضة دي أختك؟
أجاب ومازال علي شروده: أيوة.
_ ده اللي توقعته، عموما ياحازم أنا مش بس بهنيك علي مهارتك گ طبيب في عملية كبيرة زي دي بالنسبالك.. لكن اسمحلي ابدي اعجابي بإنسانيتك قبل كل شيء لأن واضح جدا إن في بينكم الخلافات ومع كده انت رميت كل ده وري ضهرك..
ثم تنهد مع استطرداده: تعرف ايه الفرق بين طبيب والتاني؟ مش بس خبرته وبراعته في عمله، ضميره اللي بيخليه يتخطى أي سبب عشان مصلحة مريضه.. عشان كده بقولها تاني، انت هتكون طبيب ذو شأن ياحازم.
________
+
" أنا خلاص نويت انزل مصر بشكل نهائي"
بفرحة عارمة رقصت في قلبه قبل أن تنضح بصوته:
أنت بتتكلم جد يا "أيهم"؟ هتنزل ومش هتسافر تاني؟
جاءت نبرته حانيه: أيوة يا رائد، أنا من وقت سفرك انت ومراتك وبنتك وانا مابقيتش طايق غربتي زي الأول،طول الوقت حاسس ان ناقصني حاجة، عشان كده قررت ان بعد ما الولاد يختموا مرحلتهم التعليمية، هنزل بشكل نهائي، وخلاص فاضلهم شهرين، عشان كده عايزك من دلوقت تظبطلي شقة كويسة قريبة منك..
وأردف بحنين: خلينا نتلم على بعض تاني يا أخويا..مافيش حاجة مستاهلة افضل متغرب أكتر من كده.. وميرا موافقاني ومتفقين الحمد لله والولاد فرحانين بالقرار ده.
لمعت عين رائد بدموعه وهو يغمغم لشقيقه: أنت رديت روحي بقرارك ده يا أيهم، أنا كمان محتاجلك جمبي، محتاجلك اوي بس خوفت اقولك تكون مش مستعد أو مش حابب.
_ لا ياحبيبي خلاص آن الآوان نكون مع ولادنا عزوة وعيلة..على الأقل روح ماما ترتاح بلمتنا تاني.
_ الله يرحمها، خلاص من انهاردة هظبطلك كل حاجة بس بلاش مراتك تعرف رودي، عايز اعملها مفاجأة.
_ اتفقنا.. طب هي عاملة ايه دلوقت، لسه نفسيتها تعبانة؟
_ لا رودي اتغيرت خالص وبقيت أحسن بفضل الله.
_ طب الحمد لله ربنا يباركلك فيها هي ورحمة اللي هموت واخدها في حضني، ماتتصورش مشتاق ليها ازاي.
_ لا ده انت اما تيجي مش هتسيبها، هتجننك من شقاوتها ودلعها..
قهقه بحنان: روح قلبي تعمل اللي يعجبها، طيب انا هكلمك تاني فيديو لما الولاد يجوا من برة عشان نشوف عينة من الشقاوة دي.
_ خلاص مستنيك.
+
أغلق معه وقلبه يرتل بالحمد والشكر لله على عائلته التي توشك أن تكتمل كما تتمنى زوجته وكما يحتاج هو قبلها.
________
+
"لحد أمتى هتفضل هربان مني ياحازم؟"
قالتها والدته مستأنفة: من يوم ما اختك عملت العملية والحمد لله بقيت بخير ورجعت من عندها بحاول اكلمك وانت بتهرب..أنا عملت ايه زعلك مني؟
+
التقط كفها المجعد برفق ولثمها بتقدير: مين قال اني زعلان منك يا أمي؟
_ أمال متجنبني ليه ومش بتكلمني؟
+
أعطاها ظهره قائلا: عايزاني اتكلم أقول ايه يا ماما؟ أقولك إن بابا كان……
+
أغمض عينه بقوة دون مواصلة لتردف بذهول:
رائد قالك؟
تنهد بوجع: قالي.. قال اللي انتي خبتيه عننا.
ثم استدار لها: معقول يا ماما بابا كان كده؟ أذى أختي عشان كده كانت بتكرهه وبتكرهنا؟ عشان كده بعدت عننا واحنا ولا مرة حاولنا نفهم السبب.. رائد كان عنده حق لما قال اننا استسهلنا البعد والجفا وشلناها من حسابتنا..
وغمغم وهو يُعرض عنها لينظر للفراغ: حاسس بذنب كبير خانقني يا ماما.. حاسس اني تعبان.
+
علت وتيرة شهقاتها ليلتفت لها مناديا بفزع: ماما.
+
انهارت فوق أريكتها تبكي بقوة رجت جسدها ليعانقها محتويا نحيبها وهو يهتف مهدئا: كفاية يا أمي، أهو عشان كده كنت ساكت مش بتكلم..وراح يكفكف دموعها لتهتف من بين بكائها: الذنب ذنبي أنا يا حازم، أمها اللي كانت لازم تحس بيها وتفهمها، بس انا غفلت عن بنتي ومقدرتش اكون ليها حصن يحميها ويآويها، أنا كمان سبتها تبعد، كان لازم امسك فيها وافهم ليه كانت بتكرهنا..أنا اللي سبتها لابوها وقلت مش مخليها عايزة حاجة بس طلعت غلطانة..أختكم كانت محرومة من حاجات كتير انتم عشتوها عشان كده كرهتكم انتم كمان.. أنا يا ابني اللي الذنب دابحني عشان كده بحاول اصلح غلطتي واكون جنبها..
+
وأحاطتت وجهه بكفيها باكية برجاء مزق قلبه:
+
لو بتحب أمك وعايزني أموت راضية عنك يا حازم "لم" اخواتك تحت جناحك وحنن قلوبهم على بعض، غدير بتحبك وبتسمع كلامك خليها تقرب من اختها، عوضوها يا ابني اللي اتحرمت منه زمان، خليكم ليها العزوة اللي اتمنيتها خلي روحي ترتاح.. أبوس ايدك ياحازم حققلي اخر طلب هطلبه منك، العمر خلاص يا ابني مبقاش فاضل فيه حاجة، خايفة افارقكم وقلبي موجوع على فرقتكم، أوعدني ياحازم اوعدني.
+
لم يتحمل انهيارها فدسها بصدره مطلقا على مسامعها الوعود..سيحقق لحبيبته وغاليته ما تريد، ويلم شمل شقيقاته ويظللهما بجناحه، الوقت لم يفت بعد ومازالت هناك فرصة.
__________
+
عيناه تلتهمها بحنان وهي تطوف أمامه حول نفسها گ فراشة ملونة جذابة مرتدية غلالة رقيقة تبرز مفاتنها التي تضوي، روحها منطلقة كأنها تبدلت أو بالأحري عادت لما كانت عليه..
+
دنى منها وحاوط خصرها ليوقف دورانها هامسا بصوته الدافيء قرب أذنيها: دوختيني وتعبتيني.
+
سكنت له واستدارت لتمنحه أكثر نظراتها حبا وحنانا وهي تحيط وجهه مردفة: بس تعبك ماراحش هدر..عرفت تصالحني على الدنيا وعلي نفسي، حاسة ان مش جلدي بس اللي اتغير يا رائد، روحي كمان بقت مختلفة.. أول مرة أحس بالراحة دي، ربنا مش بيكرهني زي ماكنت فاكرة، ربنا بيحبني واداني فرصة ابدأ كل حاجة معاك من جديد، وأولهم اني رجعت مراتك اللي مش بتتكسف جسمها يبان قدامك.. هقدر اعوضك باللي تستحقه، هكون الأم اللي تستاهلها رحمة، مش هخليها تعيش اللي انا عشته، وهكون أبنة بارة بماما، أنا خلاص سامحتها من قلبي ومش زعلانة منها، بحب ضي اوي لأنها حبتني.
+
_ وحازم وغدير؟
+
هنا عادت غلالة الحزن تكسوها من جديد، فنكست رأسها دون رد، ليرفعه وهو يزرع بعيناها نظرة داعمة محبة: هما كمان اخواتك يا رودي واظن حازم أثبت ان وقت اللزوم كان أخ حقيقي ليكي..وأكيد اختك كمان هتكون كده..مش احنا اتفقنا انك هترمي وري ضهرك اللي فات؟
+
ابتعدت عنه لتقف شاردة أمام مرآتها مغمغمة: تفتكر لو شوفت حازم تاني مش هشوف فيه وش منصور؟
+
اقترب ليضمها إليه هامسا: لأ، هتشوفي أخوكي وبس. أنا متأكد بس انتي أهلي نفسك لكده وافتحي قلبك.
استدارت وانغمست بصدره، هي لا تحتاج الآن سوي عناقه.. فقط عناق..فشاكسها وهو يبعدها ممشطا غلالتها برغبة واضحة، ورغم طبيعتها الجريئة أخجلتها نظرته فعادت لصدره ثانيا، فحملها بين ذراعيه مغمغما بخبث وهو يدنوا من فراشهما: نكمل كلامنا بعدين عشان دلوقت في كلام أهم يا تيمو.
__________
+
أقتفت أثره فوجدته يقف شارد بالشرفة، اقتربت بخطى هادئة ووقفت خلفه تهتف بخجل: يزيد.
_ نعم.
قالها باقتضاب دون أن يستدير لها فاغرورقت عيناها قائلة: أنا أسفة. مش قصدي ومش بمزاجي والله.
_ عادي يا عطر، روحي نامي وانا قاعد هنا شوية.
_ لا هستناك لحد ما تيجي تنام معايا.
رمقها بنظرة عاتبة ولم يرد، نكست رأسها تبكي فانزعج لأجلها: طب بتعيطي ليه دلوقت انا ببعد عنك عشان ترتاحي..
هتفت من بين بكائها: بس زعلان مني..
واسترسلت تبرر له: والله يا يزيد غصب عني اما بتقربلي بحس اني مش قادرة اتحمل، مع انك عارف اني كنت بحب ريحتك ومش بنفر ابدا.. معرفش ايه السبب ومكسوفة أقول لماما واكشف خصوصياتنا وأنا مش حابة حد يعرف عننا حاجة، عشان خاطري اتحملني شوية.
+
رق قلبه لها ومد كفه رابتا علي رأسها: خلاص ماتعيطيش، روحي نامي وانا هنام في الأوضة التانية عشان ماتتضايقيش.
كفكفت دموعها بظهر كفها وغمغمت بشكل طفولي يحبه: يعني مش زعلان مني يا زيزو.
+
ابتسم بحنان ولمعت عينه برغبة لا تفارقه:
عايزك تمشي من قدامي ياعطر عشان أنا مش قادر.
قهقهت لمغزى قوله وقالت: ماهو لازم تتعذب زيي لحد ما ابننا يشرف بالسلامة.
_ ماشي، بس اما الولد ده يجي هعاقبه.
_بس هو يجي الأول، نفسي اشوفه يا يزيد، انا بحلم باللحظة اللي هنبقى فيها تلاتة.
_ كله بآوانه يا فواحة.
رمقته بحب: قلب الفواحة.
عانق كفها برفق حاني وخاف أن يقترب ويقبلها فيثير رغبتها في القيء من جديد، قاوم مع قوله: طيب يلا روحي نامي يا قلبي.
_ تصبح علي خير ياحبيبي.
_ وانتي من أهل الخير.
___________
+
_ مالك ياعطر، انتي مانمتيش؟
تنهدت بوجه عكس شحوبها: نمت قليل.
_ والسبب.
رمقتها بتردد أدركته جوري لتهتف: اتكلمي يابنتي هتخبي عليا ولا ايه؟
حسمت أمرها بغمغمة: معرفتش انام لأن يزيد كان نايم في أوضة تاني؟
_ ليه اتخاصمتوا؟
_ لأ.. بس عشان غصب عني لو قربلي وشميت ريحته
صمتت برهة لتواصل: بتقيأ ياجوري، ومش عارف السبب ومش حابة احكي لماما خصوصياتي أنا وجوزي.. جوجو انتي بيحصلك كده مع عامر؟
+
هزت رأسها بشرود: لأ، بيحصل معايا العكس.
عقدت جاجبيها: ازي مش فاهمة؟
_ أنا من وقت الحمل بقيت متعلقة بعامر وعايزة اشم ريحته طول الوقت ياعطر، طول ماهو في البيت لاذقة فيه زي العيال لدرجة ان امبارح زعلت منه اوي لما اتعمد يسهر برة أوضتنا بحجة الشغل لحد ما نام.. زعلت اوي، أنا ماكنتش كده والله كنت عادية وبسيبه يتنفس..ثم تنهدة بضيق: بس المفروض انه مايضايقش اني متعلقة به، عشان كده من جوايا زعلانة منه أوي.
_ غريبة، معقول كل اللي بيحصلنا ده بسبب الحمل؟
_ معرفش ياعطر السبب ومكسوفة اكلم ماما في كده..
خيم الصمت عليهما لحظات قبل أن تصيح عطر: ايه رأيك نكلم مرات اخوكي ونسألها؟
_ قصدك زمزم؟
_ أيوة لأنها عندها ولاد وخبرة في الحمل، مادام مكسوفين نكلم ماما وخالتو..
_ والله فكره…
وقاما باتصال فيديو لتطالعهما زمزم وهي تلوك الطعام قائلة: أزيكم يا بنات عاملين ايه؟
جوري: الحمد لله يازوما، بقولك ايه سيبي الأكل اللي في أيدك ده وركزي معانا الله يكرمك.
ابتعلت ما في فمها وقالت: حاضر، معلش رضاعة التؤام مخلياني باكل زي الغولة وعابد بقي يخاف مني والله.. المهم ايه مشكلتكم؟
عطر بنحنحة: بصراحة يازوما في حاجة بتحصلنا من وقت الحمل مش فاهمينها.. قلنا انتي اللي هتعرفينا سببها..
_ خير ايه هي؟
+
سردو لها باستحياء شكوتهما لتنطلق مقهقهة، فتصيح جوري بحنق: بقى كده برضو؟ طب احنا غلطانين اننا كلمناكي، سلام.
_ استني يامجنونة مش قصدي والله، تخيلت بس حالكم وضحكت.. خلاص ماتزعلوش واطمنوا اللي بيحصل معاكم بسبب هرمونات الحمل..النفور من الزوج او التعلق بريحته وبيه هو شخصيا ده عرض مؤقت هيروح مع الوقت.
عطر بذهول: معقولة يا زمزم؟ أنا اعرف ان الحامل تدوخ تصدع تنام كتير بس اللي بيحصلي ده عمري ماسمعته.
_ لا ياحبيبتي هرمونات الحمل بتعمل فينا حاجات كتير اوي مش طبيعية..والأفضل يزيد وعامر يفهموا ده عشان مش يضايقوا منكم.
جوري: طب امتيكى ينتهي الموضوع ده؟ أنا خنقت عامر مني وبقيت عاملة زي الكلبة اللي بتجري وراه في كل مكان في الشقة وبتشمشم ريحته، أنا قرب يطلعلي ديل.
+
صحكت عطر وزمزم بشدة ثم قالت الأخيرة: طب قولي قطة طيب، عموما أول تلات أو اربع شهور وبتبتدي الأعرض تخف.. واهي فترة وهتعدي بابنات اتحملوها.
عطر عابسة: بس يزيد زعلان مني يازمزم. ماهو شيء جارح برضو أما يحس بنفوري من ريحته.
_ هخلي عابد يفهمه ماتحمليش هم..وربنا بقومكم بالسلامة يارب..
________
+
" وحشتني ياكبير، من فرح ياسين ماشوفتكش"
+
_ وانت اكتر يا عابد والله، معلش مشغول الأيام دي وكمان عطر في أول حملها ومحتاجة راحة.
_ ربنا يقومهالك بالسلامة وتجيبلنا ولي العهد، والله يا يزيد منتظر ابنك بفارغ الصبر لأنه ابن الغالي.
_ حبيبي ياعبود تسلملي.
ثم تنحنح مع قوله: عابد انا كنت عايز اسألك على حاجة كده مش فاهم سببها.
_ هي ايه؟
_ بصراحة هي حاجة تخص عطر، من وقت حملها وكل أما أقرب منها تنفر وتتقيأ، عكس الأول كانت دايما تقولي انها بتحب ريحتي..تفتكر ده له علاقة بالحمل؟ يعني مراتك حصل منها كده؟
+
_ أيوة يا يزيد حصل معايا، زمزم في أول الحمل كانت بتضايق من ريحتي فعلا، لما سألت الدكتور قالي ان ده بسبب هرمونات الحمل وانه عرض مؤقت، وطبعا انا كنت مضايق لكن لما فهمت انه غصب عنها مابقيتش اضايق، وبعد وقت انتهي الموضوع بالتدريج.
+
تنفس يزيد الصعداء: طب الحمد لله اني سألتك، بصراحة كنت مستغرب وشكيت في نفسي.
ضحك عابد: لا اوعي تشك في نفسك هما اللي مجانين حتي في وحمهم أنما احنا زي الفل..
قهقهة معه ليستطرد عابد: صحيح هي القردة بتتوحم علي ايه؟
_ وبعدين معاك مش قلت بلاش تقولها قردة.
_ لأ قردة مادام ضايقتك بسبب موضوع الريحة.
+
ابتسم يزيد: خلاص بقي ما انت وضحتلي السبب..هي حاليا لسه مش واضح اوي بتتوحم علي ايه أساسا مش بتاكل غير قليل، بس الدكتور قال ده طبيعي أول تلات شهور.
_ أكيد هتتوحم علي موز وفول سوداني.
_ ياريت ده أنا اجيبلها شجرة موز تاكل فيها، أنا خايف تتوحم علي حاجات عجيبة معرفش اجيبها.
_ مش بعيد والله، متوقع من قردتك أي حاجة.
_ طب اقفل عشان ممكن اجي اروقك.
_ طب تعالى والله شوف العيال.. الولد ديبو بقي شبهي خالص، وروتيلا واخدة كتير من جدتها عبير.. وزمزم زعلانة ومتأثرة اوي وبتقولي عيالي مش واخدين مني حاجة، وانا بصراحة معنديش دم وعمال اغيظها.
_ ما انت مجنون والله كتر خير زمزم انها متحملاك.
_ يا ابني انا بلسم.
_ طب اقفل يابلسم خليني اشوف شغلي. وهاجي اخر الأسبوع لوحدي اشوف العيال لأن فعلا وحشوني
_ هستناك ياغالي، سلم على..
_ ها؟ على مين؟؟؟
_ علي الباشمهندسة عطر.
_____________
+
وجدها غافية لا تنتظره على غير عادتها، تُراها غاضبه لتعمده ليلة أمس المبيت بعيدا عنها؟ اقترب وجلس جوارها جاذبا رأسها لتعلو ذراعه، وخزه ضميره لعدم تقديره حالتها وملله من ملاحقتها، حتما شعرت بابتعاده ويعلم الله ابتعاده خوفا عليها من جموح عاطفته وحملها مازال حديث العهد.
_ جوجو. اصحي ياقلبي.
صدر عنها همهمات خافتة فابتسم وقبل شفتيها برفق لتشرع عيناها الناعسة وتبصره، ابتسمت هامسة بكسل محبب: أنت جيت أمتى ياعموري؟
_ حالا..ليه نمتي بدري ومش استنتيني.
استعادت بعضا من حزنها منه حين تركها بالأمس فرمقته بعتب وقالت: لأنك قلت هتعدي على مامتك تشوفها وتتغدى معاها، قلت انام قبل ماتيجي واخنقك زي العيال.. مش ده كلامك ليا.
+
قبل بين عيناها مطولا مع همسه: حقك عليا ده من خوفي عليكي عشان حملك.
_ بس انا مش محتاجة بس غير حضنك وافضل شامة ريحتك، اعمل ايه ياعامر "وحمي" جاي عليك انت، زمزم قالت إن الواحدة يا بتتعلق بجوزها اوي يا إما بتنفر منه، يعني غصب عني..
+
لاطف أنفها بأنفه: يعني علي كده هتجيبي واد شبهي؟
_ ويمكن بنوتة.
_ أي حاجة أنا راضي، بس قومي بالسلامة.
وابتعد وهو يسحبها خلفه: تعالي نسهر في البلونة شوية ونسمع الراديو وبنفسي هعملك عشا خفيف ولبن دافي..
_ بلاش لبن.
عامر: ولا كأني سمعت حاجة.
_______
+
"ماما شوفتي الفستان اللي هحضر به عيد ميلادي؟ آبيه حازم اشتراه عشاني"
مشطت ثوبها بنظرة حانية وقالت: جميل يا ضي وهيبقي أحلى عليكي..
_ طيب هلبسه وحضرتك شوفيه عليا.
ارتدته وراحت تستعرضه وتدور أمامها وهي تقول: فرحانة أوي أوي ياماما إن كل اخواتي هيحضروا عيد ميلادي السنادي.. أنا هتصور صور كتير أوي معاهم كلهم..حاسة انه هيكون أجمل عيد واجمل يوم.
+
عصفت عيناها بقلق من ذاك اليوم، هل حقا سيكون أجملهم كما تظن الصغيرة؟هل سيجتمع شمل صغارها ثانيا ويصبحوا سويا كما تتوق قبل رحيلها عنهم ؟
+
"ياسلام على الأميرة الحلوة"
+
ضحكت وهي تعانق شقيقها: بجد حلو عليا يا آبيه؟
قبل رأسها بحنان: يجنن والله، يلا روحي بقى غيريه عشان مش يتبهدل.
_ حاضر يا آبيه.
هرولت بعيدا لتصنع لهما فرصة حديث منفرد، لاحظ حازم شرودها وقلقها المحفور بثنايا وجهها فقال: مالك يا ماما؟
نظرت له ومازل وميض خوفها جذوته مشتعلة:
تفتكر رودي هتيجي؟
ولو جت غدير أختها هتقابلها ازاي؟
أنا معنديش استعداد حد يجرح بنتي تاني.
تأملت إطراقته الصامتة بخوف تفاقم داخلها أكثر
وظلت تساؤلاتها معلقة دون إجابة.
_______
الفصل الرابع والستون.
___________
يا صاحبي أبيعك "صفحًا" ألا تشتري؟
قسمًا بربك لا ترد إليا بضاعتي خذلانًا..
أنا لا أريد سوى بداية أشتريها بباقي عمري.
ألا تقبل؟
________
+
_مالك ياحازم؟ حاسه في عيونك كلام عايز تقوله.
+
حاصرها بتلك النظرة الغامضة باحثا عن بداية لمبتغاه، كم بدا الأمر صعب وهو لا يقدر على شرخ صورة والده بعين غدير ويعلم كم كانت تحبه، ليت الأمر كان كذبة وافتراء، للأسف تحرى صدق ما علمه من رائد وتأكد منه..والده سبب رئيسي في قطع علاقتهما برودي، وكلما تصور ما كان يحدث لطفلة حينها يشعر بالقهر والخزي الشديد.. لماذا؟
لماذا يا أبي؟
+
_ ياه، للدرجة دي الموضوع صعب؟
تنهد تنهيدة بدت لها كأنها معبئة بأثقل الجبال، فدنت منه رابتة على ذراعه: مالك يا اخويا؟
+
قالتها بحنانها المعهود فمنحها نظرة تترجى تفهمها وعدم خذلانها له قبل أن يحرر كلماته: غدير، انتي بتثقي فيا؟
قالت والدهشة تغزوها: أكيد ياحازم.
أطرق هنيهة يستجمع شتاته ثم قال: طب لو قولتلك عايزين انا وانتي نفتح صفحة. جديدة بنا وبين اختنا رودي؟
+
ضاقت مقلتاها بريبة: رودي؟ وأختنا؟ من أمتى بتتكلم عنها كده يا حازم؟ من امتى بنذكرها أصلا بعد ما هي اتعمدت تنسانا وتقاطعنا؟ مش دي اللي بتكرهنا وتكره بابا وبعتتلك رسالة تتشفى في موته؟ مش دي اللي لسه حرق دراعك معلم بسببها؟ مش دي اللي….
_ غدير..أرجوكي تنسي كل ده. وافتكري حاجة واحدة بس، رودي اختنا من نفس الأم..مهما كان اللي فات خلينا نتخطاه عشان خاطري.
صاحت بدهشة: حازم أنت ايه اللي غيرك فهمني؟
+
ليته يستطع إجابتها.. ليته.
_ في حاجات انتي ماتعرفيهاش ياغدير، أختك كان عندها أسباب قوية للبعد.
_ ايه هي الأسباب دي ممكن اعرف؟
صمت برهة قبل أن يهتف: مش لازم تعرفيها، اسمعي كلامي وبس..مش قولتي بتثقي فيا؟ خلاص اعملي اللي بقوله، لما رودي تيجي بكره عيد ميلاد ضي قابليها كويس لو بتعزيني وبتحبي ماما وعايزة تريحي قلبها رحبي بيها..امنا خلاص تعبت من فرقتنا خلينا نسعدها ياغدير بلاش نكون سبب في حزنها.
+
_ أنا عمري ما زعلت أمي.
_ يبقى خليكي بارة ومطيعة للأخر لأن ده رجاها منك دلوقت.
_ مش قادرة ياحازم، هبقي منافقة لو نفذت طلبك وقابلتها عادي، أنا مش متقبلاها، هي مش بتحبنا.
+
أمسك كتفيها بقوة: مين قالك؟ مش يمكن هي منتظرة مننا خطوة تشجعها حتى لو اتظاهرت بالعكس بدليل علاقتها القوية دلوقت بماما وضي؟ رودي محتاجانا بس خايفة نصدها.. لازم نحاول ندوب جبل الجفا بنا ونكون سوا زي أي أخوات طلعوا من بطن واحدة.
+
تدفق بقلب غدير قبسا من عزمه ومشاعره لكن أطياف من تاريخ طفولتهما ما مازال يحجب استجابتها، قرأ حازم تردد فتركها والتقط هاتفه واستعرض أمامها بضعة صور قائلا:
شوفي المريضة دي كانت ازي.
+
اشمئزت بعفوية من بشاعة المنظر وأشاحت وجهها عن رؤيته ليجبرها على النظر ثانيا وهو يغمغم: ماتهربيش ياغدير لأن صاحبة الصورة دي تبقي أختك.
اتسعت عيناها بذهول وهي تعود لتنظر لهاتفه وهو يستأنف: حاولت بكل طاقتي وعلمي اساعدها ولما وقفت قصادها زي أي طبيب اعملها العملية مقدرتش أنسى كلام جوزها وهو بيعايرها بقبح جسمها المشوة وانها مش مالية عينه، رغم انه اتراجع عنه بس فضلت نظرة عيونها المكسورة تعباني، بذلت كل اللي قدرت عليه عشان اخلصها من الندوب البشعة دي والحمد لله نجحت.
+
تراخت يده وواصل بهمس شاره: بس تفتكري قدرت اعالج ندوب روحها؟ أختك من جواها بالظبط زي الصورة دي ياغدير، جروح وندوب محدش شايفها..
+
تكثفت دموعها وهي تستقبل كل هذا وسيوف حيرتها تتصارع ما بين تعاطف وبغض.. لا تعرف لأيهما تنتصر داخلها ليستأنف حازم:
+
_ في حاجات انتي متعرفيهاش والأحسن لك
تفضل مدارية عنك.. وبعد اللي قولته ده كله هسيبك تفكري وتختاري مع نفسك، هتفتحي صفحة جديدة ولا هتصمني على موقفك؟ لو مس هتقدري يبقي متقابليش اختك بكره وامشي قبل ما تيجي.
تعجبت طلبه لكن قدرته، معه حق.. إن لن تصفح فلتترك الساحة لهما وتبتعد دون مزيد من التوتر.
____________
+
_ كلمتها؟
تساءلت بلهفة فقبل يدها وهو يطمئنها:
أيوة يا ماما.
_ ووافقت تقابل اختك وتفتح وتقابلها كويس؟
تنهد حازم مع قوله: معرفش، أنا قلت اللي قدرت عليه عشان اقنعها وسبت ليها القرار، بس نبهتها لو مش هتتقبل وجودها بكره تمشي.. مش عايز يحصل اي صدام يعكر عيد ميلاد ضي ويزعلها أو يضايقك.
+
نكست رأسها بشرود: تفتكر كان لازم تعرف؟
_ تعرف ازاي يا ماما؟ عايزاني اقول لغدير ان بابا كان بيتحرش باختك وهو السبب في كرهها لينا؟ عايزاني اشوه صورته في عيونها وانتي عارفة قد ايه هي كانت بتحب بابا؟ مستحيل اعمل كده مش هقدر.
_ ماهي ممكن تفضل علي موقفها يا ابني.
وأكملت والبكاء يزحف لنبرتها: نفسي قبل ما أموت اشوفكم متجمعين يا حازم.. عشان خاطري انت وعدتني تحقق أمنيتي دي.. خلي غدير تسامح اختك وتحبها..أختكم مسكينة والله مسكينة واتظلمت.
+
قالت جملتها الأخيرة بانهيار، فاحتواها حازم سريعا: اهدي يا أمي أنا لسه عند وعدي ومراهن على طيبة غدير وانتي عارفها قلبها مابيعرفش يكره، واثق انها هتحن لرودي وبكره تشوفي بس انتي اهدي وتبكيش عشان ماتتعبيش.
+
تمسكت بأطراف الأمل بكلماته وكفكفت دموعها وقالت: حاضر يا ابني. أنا هصلي دلوقت وادعي ربنا مايكسفنيش وانت روح نام شوية قبل الفجر.
+
تركها مقبلا قمة رأسها بعد أن لمس هدوئها ثانيا وذهب ليهاتف زوجته التي تعمد ألا تحضر معهم، كما طلب من غدير أن تأتي دون زوجها..يريد أجواء الغد تخصهم وحدهم، أشقاء وحسب دون غريب.
__________
+
أغلقت باب غرفتها ووقفت تلهث بقوة ودموعها متحجرة وثقيلة داخل مقلتيها المصدومة لما سمعته منذ لحظات علي أعتاب غرفة والدتها.
لا تصدق.
ولن تصدق.
هم يكذبون.
والدها لم يفعل ما سمعته.
رجل قلبها الأول ليس بتلك البشاعة.
مدللها وأبيها لم يفعل هذا
كاذبون.. كاذبون.. كاذبون.
+
ظلت تهز رأسها والكلمة صداها يترد بروحها مغلقة عيناها بقوة تحارب حقيقة ما سمعت بين شقيقها ووالدتها..
ليتها ما ذهبت إليها لتحدثها.
ليتها ما ذهبت وظلت لا تعرف شيء.
" في حاجات انتي متعرفيهاش والأحسن لك تفضل مدارية عنك"
حازم كان محقا.
ليتها لم تعرف.
ولم تسمع.
ليتها.
__________
+
_ مستعدة؟
رغم أنها تفهم مغزي سؤاله غمغمت: هستعد لأيه؟
ابتسم وهو يضم خصرها: انك تظهري أجمل ما فيكي، أنك تردي الصفح بالصفح.. والحب بالحب.. انك تنسفي أي مسافات تمنعك من حقك.. حقك في عيلتك، في اخواتك وعزوتك.
_ أنت بس عزوتي.
أحتضن رأسها بصدره: وهفضل كده، بس انا وانتي محتاجين عيلتنا تكبر مش بس بولادنا، لأ.. بأهلنا.. أنا كمان عشت وحيد زيك يا تيماء بس وحدتي انا اللي اختارتها.. كنت بعيد عن أمي اللي كانت عايشة معايا، حتي اخويا فين وفين لما كنت اكلمه، أنا علاقتي مع " أيهم" گ أخ بجد بدأت في سويسرا.. هو كمان غرلته أخدته مننا وكان في بنا جفا.. عشان كده بقولك انا محتاج زيك العزوة دي ومش هفرط فيها ابدا ولا هسيبك تفرطي انتي كمان..ايدي هتسلم وتعاهد قبل ايدك..
ورفع وجهها إليه ليمدها بحبه ودعمه: متأكد اني هشوف فيكي انهاردة تيماء جديدة.. تيماء لسه محدش يعرفها حتى أنا.
__________
+
خسر رهانه عليها وهو يتفقد غرفتها الفارغة
ظن أن صفحها سيغلب غضبها نحو شقيقتها
كم تمنى أن تبقى وتساعده..
_ فين غدير ياحازم؟
+
التفت ليواجه الدهشة والآلم بعين والدته التي دافت خلفه وهو يجيب: قولتلها لو مش هتقدري تقابلها كويس أمشي، واضح ان ده اختيار غدير يا ماما.
+
أطرقت بحرن أحرقه فرفع وجهها إليها: بس ده مش أخر المطاف يا أني خليها تاخد وقتها وصدقيني أنا هنفذ وعدي ليكي، غدير ورودي هيتجمعوا تاني..خليكي واثقة فيا وماتزعليش.
هزت رأسها له وقلبها ينزف حزنا لرحيل غدير و "وئد" فرصة قوية للعودة ولم الشمل بينهما.
__________
+
بكل الدعم والحب اللا مشروط هرولت عليها ضي فور أن رآتها لتمنحها بلهفة محبة حقيقية دون ادعاء، كأنها تعلم أن هذا ما تحتاجه الآن شقيقتها، تحتاجه كي لا تخذل زوجها وتزيد أوجاع والدتها أكثر..
لم تعد تلك الفظة القاسية
قلمت أظافر حدتها منذ زمن وهذبتها الأيام
لا تريد أن تجرح أو تُجرَح من أحد.
كفاها ما عاشت وعانت..
+
_ وحشتيني أوي يا أبلة رودي.
وقارنت قولها بعناق شديد منحت مثله لرائد قبل أن تجذب منهما رحمة وتقبلها وهي تُثني على ثوب الصغيرة الرائع قائلة: أنتي غطيتي عليا انهاردة يا رحمة بفستانك الحلو ده..
رائدا وهو يربت على شعرها: وانتي كمان زي الأميرة بفستانك ياضي..وواصل وهو يبحث عنهم: أمال فين ماما ودكتور حازم؟
+
_خليها حازم بس بدون ألقاب.
قالها وهو يقترب مع والدته لتتمسك تيماء بكف زوجها بتلقائية تلقفها باحتواء حاني رغم قوته ويدعمها بنظرة كانت كافية لتعطيها قوة..
+
أما هو فتعلقت عيناه بالصغيرة، وضي تضعها بين ذراعيه هاتفة: شوفت رحمة يا آبيه جميلة ازاي.
ابتسم بحنان حقيقي وهو ينظر للصغيرة التي بدورها تتأمله گ وجه جديد في عالمها الذي يزداد عدد رواده..داعب وجنتها بأنامله فابتسمت له ورددت بصوتها الرقيق الخجول قول ضي لها " خالو"..
يا الله.. ما أحلاها وهي تمنحه لقب مثل هذا لم يجربه قبلا..ظن ان أطفال غدير وحدها هم من سيمنحوه إياه.. لثمها وعانقها لتتفجر مشاعره الأبوية بقوة نحو الصغيرة التي تشبثت به عفويا بشكل رائع أرجف قلبه رجفا.
+
_ تعالي لتيتة بقى وحشتيني.
+
قالتها بعد أن رحبت بابنتها وزوجها والتفتت تطالب بحفيدتها.. التي صاحت " تيتة" لتتلقفها وتغرقها قبلات دافئة..كل هذا وهي تقف بعيدة تراقبهم.. وبالأخص تتأمل صغيرتها حين حملها حازم بمشاعر حب بثتها عيناه وهي قرأتها جيدا.. سعيدة هي لأجل ابنتها التي أصبح لها عائلة من تلاها..جدة وخالة وخال..
+
اقترب حازم لهما وصافح رائد بحفاوة ثم نظر لتيماء التي تطالعه بدورها، تبحث فيه عن وجه منصور.. لكن وللعجب لم تراه گ كل مرة..لم ترى سوى رجلا صرخ وهو يدافع عنها وبجسارة ودون تردد أعلن أنها تنتمي إليه حين تنمر زوجها عليها " ولو كذبا" في المشفى.. رجلا نحى كرهه وغضبه جانبا وصنع من جسده درعًا حماها من بطش رائد المزعوم..
+
طالت نظرتها له وفي المقابل عيناه تعكس لها أحاسيس كثيرة استشفتها بوضوح، ذنب.. شفقة.. خجل.. لهفة ليختم طوفان مشاعره تلك بسيل حنان كان له الغلبة ومفعول السحر في نفسها
تكثفت عبراتها وأوشكت أن تبكي
ليسحبها حازم في عناق شديد باترا أي تردد أو خوف من تلاهما سويا..
عناق تمنته كثيرا.
انتظرته كثيرا.
اشتهته كثيرا.
+
ودون أن تعي راحت تشهق بكاء على صدر أخيها.
وهو يربت على ظهرها برفق ويهمس لها بكلمات خافتة ومازالت تبكي.. لا تصدق أنها بين ذراعي أخيها الآن..سندها.. عزوتها وحصن عائلة عاشت عمرا تترجاه.
+
كل هذا تحت أنظار والدتها التي تجهش مثلهما في البكاء واقتربت تضم صغارها لصدرها وشطر كبير من قلبها وروحها وجد راحته وسلامه، ليته اكتمل بمشاركة غدير هذا اليوم..
أما ضي مكثت تنظر لهم بحملقة ولا تفهم شيء..
+
_ أحنا هنقلبها دراما ولا ايه ياجماعة؟ ده عيد ميلاد، يعني مافيش مكان للدموع.
+
هكذا صاح رائد ليشق عليهما استرسال مشاعرهما الباكية.. كفى دموعا.. الأفراح وضحكات القلوب هي من تنتظر فرصتها.. اليوم ليس عيد ميلاد الصغيرة.. بل مولد أشقاء اجتمعوا من جديد ولن يفترقا ثانيا.
+
_ يلا عشان نطفي الشمع ونقدم الهدايا للأميرة ضي
+
عاد صوت رائد يصدح في الأجواء والأخيرة تصيح بحماس: أيوة ياعمو أنا مشتاقة اشوف الهدايا بعد ما نطفي الشمع.
+
نفثت " ضي" في شموع قالبها المزين لتخبؤ نارها للأبد كما انطفأت جدوة الحقد والكره والجفاء بين شقيقيها..اليوم يخط لهم القدر بداية جديد وميثاق لن يُخلف..
+
_ كل سنة وانتي طيبة ضي، دي هديتي ليكي ودي هدية رحمة بنتي كمان..
ضوى وجهها وهي تتلقى هدايا رائد ليتبعه رودي وحازم ووالدتها وهي تقبل الجميع لتغمغم بعدها بلمحة حزن: كان نفسي أبلة غدير كمان تحتفل معانا، حاسة فرحتي ناقصة.. ثم نظرت لوالدتها: هي ليه مشيت ياماما؟ مش جت امبارح مخصوص تحضر عيد ميلادي؟
+
تبادل حازم ووالدته النظرات المتوترة بينما أطرقت تيماء رأسها وتكاد تتخيل ما حدث واسباب رحيلها، لكن لم يُقفل باب الدائرة بعد.. مازال موارب لمن يريد الدخول وتوثيق عهده بسطر جديد يضيف لسطور ميثاقهم قوة.
+
" مش ممكن اخلي فرحة "ضي" ناقصة"
+
حملقت حدقتي حازم ووالدته بها، بينما ابتسم رائد مدركا معني عودتها، لتغتال تيماء الحيرة مترقبة ما ستفعله تلك العائدة..تُراها تحمل بعودتها خير أم شر؟
بينما اتسعت عين الصغيرة وهي تراها أتية لتندفع نحوها تحتجز عنقها بذراعيها وتقبلها هاتفة: حبيبتي يا أبلة غدير، دلوقت فرحتي بعيد ميلادي خلاص كملت..
+
ربتت عليها بحنان وقالت: كنت بجيبلك الهدية دي.. كل سنة وانتي طيبة ياضي.
+
ورفعت عيناها لتتلقفها عين حازم بفخر يمتزج برجاءه ألا تخيب ظنه بمغزى عودتها..ثم نقلت بصرها لوالدتها فلن تختلف حالا عن أخيها.. وبتردد ودقات قلب متواثبة حركت بصرها تجاه تيماء.
+
لم تجد بسواد عيناها قسوة وبغض كما كانت ترى، كأنها تبدلت لأخرى غيرها..الترقب والحذر هما فقط ما سكنا مقلتاها..دارت على وجهها وتذكرت تلك الندوب البشعة التي رآتها بالأمس على هاتف حازم..ثم تدفق لعقلها حقيقة أبشع بعد سماعها ما فعل أبيها..الدموع الصامتة تزحف على خديها ولا تشعر.. لا تتحرك.. تريد الاقتراب وشيء يلجم خطوتها.. تقسم أنها مجبرة.. هل هو خزي مما فعل والدها لشقيقتها؟ أم طيف رفض مازال يعبث بروحها ويكبلها..الدموع تزداد زحفًا وقدميها ثابتة..لتحل نظرة ذهول انقسمت في عين الجميع حتى رائد وهو يرى زوجته هي من تقترب نحو شقيقتها..توقع كل شيء إلا أن تبادر هي.. صارت تيماء قُبالة غدير تماما ومن ثَمَ بسطت كفها تقول: مش هتسلمي على أختك الكبيرة ياغدير.
حماقة أو غباء أو شيء لا تجد له تسمية وهي متسمرة مذهولة لا تفعل شيء لتشُدها تيماء فتصطدم بصدرها وتنغمس بين ذراعيها لتكون هي المبادرة.. ولم تحتاج غدير أكثر من ذلك لترتفع ذراعيها وتعانق شقيقتها وتجهش في البكاء..
+
لم يقاوم رائد هذه المرة تلك المشاعر وعيناه تشاطرهم الدموع الصامتة. ومثله حازم الذي اقترب للفتاتان وشرع ذراعيه ليضمهما بقوة حانية ثم نظر لوالدته التي تكاد تنهار من فرط البكاء والفرحة معًا وقال: أظن كده نفذت وعدي ليكي يا أمي.
+
أومأت برأيها من وسط بكائها ثم اندفعت بلهفة محررة قدماها أخيرا وهي تندس بين صغارها وصدر حازم يتسع لهم كأنه صار بحجم العالم أجمع..وعلى بعد خطوات منهم قرب رائد إليه ضي وهو يغمغم: أوعي تنسي ياضي إن عيد ميلادك ده هو اللي جمع اخواتك تاني..وبأذن الله اللي جاي بعده عمره ما هيشبه اللي عدى قبله.
_________
1
_ شكرا يازمزم.. مش هنسى ابدا انك أخدتي بالك من اخويا وماحسش ابدا بغيابنا.. ده معناه انه كان مبسوط معاكي وقدرتي تعوضيه.
+
بربتة ودية وعاتبة بذات الوقت قالت: عيب يابسمة ده زي ابني، والله ماعارفة هعمل ايه لما تاخديه، انا حبيته اوي وما شاء الله عليه مؤدب وهادي.
+
غمغمت بمسحة حزن: من يوم وفاة ماما وبابا ياسين اخويا مارجعش لطبيعته المرحة الشقية تاني، كأن اللي شافوا كبره.
+
شاطرتها التعاطف لأجله: أنا فعلا لاحظت كده، نظرته فيها حزن وشروده مش لايق علي طفل في سنه المفروض يكون منطلق أكتر من كده..
ثم استرسلت بنبرة مغايرة لتمحي غيامة حزن بسمة: بس تعرفي عابد قالي ايه؟ قالي ان شخصية ياسين دي هتكون مميزة جدا لما يكبر.. ثم همست لها بمرح ( لعلمك عابد جوزي ساعات بيقول حكم أسأليني أنا) استجلبت ضحكة قصيرة من بسمة وهي تقول: أنا هبذل كل اللي اقدر عليه عشان اخويا فعلا يكون كده لما يكبر.
_ بإذن الله يا حبيبتي.. المهم ياعروسة طمنيني، مبسوطة مع جوزك؟
_ أوي أوي يازمزم، اتحدى أي زوجة تكون بتحب جوزها زي ما بحب ياسين.. تعرفي ان اختي حنين هي وجوزها قضوا معانا أخر أسبوع في الأقصر؟
+
رفعت حاجبيها بدهشة: بجد؟
_ أه والله، ياسين وعبده عملوها لينا مفاجأة وقضينا أجمل أسبوع ، وقتها قلت ياريت اخويا كان معانا..
_ تتعوض يا بسومة، انتم برضو عرايس وكان لازم شهر عسلكم ياخد حقه..
_ عندك حق.. طب هو فين سينو؟
_ عابد واخده هو ومهند النادي وجوزك ياسين حصلهم عشان يسبنا براحتنا.
واستطردت: جوجو قالتلي انك هتشتغلي معاهم في القاهرة.
_ أيوة انا وياسين اتفقنا علي موضوع شغلي والحمد لله معندوش مانع.
_ ربنا يوفقك ويسعدك يارب، تعالي بقى ننزل شوية لطنط كريمة وعلى ما الغدا يتعمل يكون جوزي وجوزك وصلوا مع الولاد.
_________
+
"لأ مش تمشي هتفضل معايا"
+
بتشبث وعناد نبع من حبه و تعلقه بشقيق بسمة صاح مهند وهو يمسك بذراع ياسين الصغير يمنعه من الرحيل، لتكتحل عين كريمة وزمزم بتأثر شديد بينما هتف عابد: والله ياجماعة انا ومراتي كمان اتعلقنا بسينو.. ياريته يفضل أسبوع تاني وانا هجيبه لحد عندكم في القاهرة.
+
جاء دور بسمة لتهتف: كتر خيرك ياباشمهندس والله، بس بجد مش هقدر ابعد عنه اكتر من كده ده وحشني اوي.
كريمة وهي تقبل رأسه: ربنا مايحرمكم من بعض ابدا، و حتى لو سينو مشي معاكم لازم كل فترة يجي يقضي اسبوع مع صاحبه والتؤام، ده بقى بيته وبيتك يا بسمة.
_ الله يخليكي ياطنط، أكيد هنيجي دايما، ربنا يديم المحبة..
_طب نقولكم سلام عشان لسه هنعدي على ماما وبابا وهنمشي الصبح.. أنا لو غبت عن شغلي أكتر من كده يزيد هيهور عليا.
ضوت عيناها حبا علي ذكر ابنها الغالي وقالت بثقة:
قوله بس خالتي مسكت فيا.
_ طبعا ياكيما واثقة انك على راسه من فوق، عموما اوعدك استغل الموضوع ده كويس.
_________
+
"هو مهند لسه زعلان من امبارح؟"
+
قالت بضيق: أيوة يا عابد من وقت ما ياسين مشي وزعلان مش راضي يلعب وكل شوية يقولي عايز صاحبي يلعب معايا.
+
_ خلاص أنا هعرف ازاي افرفشه.
………
_ هوندتي تعالي شوف جبتلك ايه.
ذهب إليه دون حماس تحت أنظار زمزم التي تتابعهما بصمت مترقب، فرمقه عابد بحنان وحمله مقبلا خده الشهي المكتنز وقال: ايه ياصاحبي مالك؟ مافيش حضن كبير لحبيبك؟
طوقه الصغير بذراعيه كي يرضيه ومازالت ملامحه البريئة عابسة فسأله: طب انت زعلان ليه مش ياسين عنده بيت زيك؟ وكل واحد لازم يروح بيته يا هوندا؟
_ ما هنا بيتنا كبير وكان بيلعب معايا ليه مشي؟
ابتسمت زمزم لبراءته بينما واصل عابد إقناعه:
_ عشان بيته الحقيقي هناك عند عمو ياسين في القاهرة..لكن هنا بيتك انت.
حدجه الصغير بنظرة مفكرة يستوعب قوله، ليستطرد: وبعدين مش انت عندك اخوات؟
_ أيوة بس صغيرين مش بيلعبوا.
_ ما هما هيكبروا وساعتها مش هتدور على حد غيرهم يلعب معاك وانت اللي هتلاعبهم كمان..يلا بقى غمض عيونك الحلوة دي وشوف جبتلك ايه.
+
أغلق عيناه بقوة منتظرًا لحظات قبل أن يأمره عابد بفتحهما ثانيا ليحملق بهديته التي كانت مجسم صغير ملون يشبه نفس فيلتهم، وينبثق منها سيارة ودراجة مثل دراجته بالفعل ليشهق بحماس: الله البيت بتاعنا، ودي العجلة اللي جدوا جابهالي، ودي العربية اللي بنروح بيها النادي.
+
ابتسم عابد لجذب اهتمامه وصرفه عن حزنه وقال: يعني عجبك يا هوندتي؟
_ أيوة عجبني..
ثم مال الصغير بعفوية وقبله جانب ذقنه فضمه أبيه بقوة وقال: حبيب قلبي انت مش عايزك تزعل ابدا طول ما انا موجود، شوف كمان ياعم جبتلك كورة جديدة غير اللي عندك، أخر الأسبوع هلاعبك بيها، اتفقنا؟
هز رأسه بشدة: اتفقنا.
_ طيب يلا خد شنطة الحاجات الحلوة دي كل منها بس بعد الغدا.
تفقد مهند داخلها مغلفات الشيكولاتة والشيبس ثم نهض نحو أشقائه التؤام ووضع بعض حلواه جوارهما قائلا:
ديبو، روتي كلوا معايا انتوا كمان.
+
تبادلت زمزم النظرات الحانية مع عابد مغمورة بفرحتهما لتغير مشاعر مهند نحوهما بعد أن كان يغار، اقتربت منه ورفعته بين ذراعيها وأغرقته بقبلات سخية وبثته كلمات فخرها به گ مكافأة له ليقول عابد: بس أخواتك صغيرين ياحبيبي مش بياكلوا لسه..أنا جبتهم ليك انت لوحدك يا صاحبي..بعد غداك افتحهم شوية منهم..ماشي يامعلم؟
_ ماشي يا بابا.
__________
+
وصله همهمتها الساخطة صوب المطبخ فعبر إليها.
_ ايه ياحنين مالك متعصبة ليه وبعدين رايحة فين؟
+
قالت قاطبة الوجه: نازلة اتخانق مع بتاعة السمك الست النصابة اللي مش عندها ضمير.
أعترض طريقها يستجدي تفسيرا: طب سيبي اللي في ايدك ده فهميني حصل ايه؟
تركت الحقيبة جانبا وراحت توضح له:
+
نزلت أتسوق اجيب كل طلباتي من السوق عشان عزومة أخر الأسبوع بتاعة أهلك واخويا وبسمة وجوزها، لقيت السمك شكله حلو وسعره كويس قلت انت بتحبه، هوزن كام كيلو أخزنهم في الفريزر، سبتهم للست تنضفهم وروحت اشتري باقي لوازمي. ورجعت حاسبت عليهم واخدتهم.. لحد كده تمام؟
+
أومأ عبد الرحمن: تمام اوي وبعدين؟
غمغمت وكأنها ستبكي: لقيت السمك كله صغير ياعبده مع إني نقيت الحجم الكبير ومشيت، معرفش انها هتبدله وتديني سمك الزينة ده..
ثم استعادت شراستها صائحة بتوعد: والله لأنزل ابهدلها.
+
همت بالتقاط الحقيبة فأوقفها بحزم: حنين مافيش نزول.. خلاص اللي حصل حصل ماتبقيش تجيبي منها حاجة تاني.
هتفت باستنكار: يا سلام؟ واسيبها تستغفلني يا عبده؟ ده انا دفعت فيهم مبلغ علي انهم هيقضونا الشهر كله.
+
_ خلاص ياحنة بقى عوضك على الله، بعد كده ابقي ركزي معاهم واتأكدي ان السمك زي ما انتي اختارتي، انما تنزلي تعملي مشكلة مش هسمحلك.
+
صمت شفتيها بضيق فابتسم لمظهرها واقترب يقبلها مغمغما: ماتكشريش، فداكي السمك.
لانت ملامحها قليلا: بصراحة ياعبده انا أصلا ماكنتش بتسوق ولا أنا ولا بسمة، دايما ماما اللي كانت بتقوم بموضوع السوق ده..
واستطردت: بس انا عايزة ابقي شاطرة ومدبرة، احنا لسه ناقصنا حاجات كتير محتاجينها ولازم اقتصد.
+
جذبها معه للردهة وهو يهتف: كل حاجة ناقصة هتيجي في وقتها ياحنين، أولهم التكييف زي ما انتي عايزة قبل ما يدخل الصيف.
_ ان شاء الله ياحبيبي، طب صحيح مافيش جديد في موضوع شغلنا سوا؟
_ لأ في الحمد لله وده اللي جيت ابشرك به.
صفقت بحماس: أوعي تقول انه حصل زي ما قولتلي من كام يوم؟
ابتسم راضيا بفرحتها: حصل ياحنة، والد صاحبي اللي حكيتلك عنه قدر يجبلنا انا وانتي شغل في شركة أدوية بمرتب مش بطال، هنستلمه أول الشهر
+
اندفعت وعانقته بصخب طفولي: الله ياعبده هنشتغل سوا ونرجع سوا، مافيش أحلى من كده.
ربت علي ظهرها محتويا جنونها المحبب: ايوة بس انا هكمل في الصيدلية بالليل، يعني الصبح معاكي في الشركة وبعدين ارجع اتغدا وانام ساعتين وبالليل الصيدلية.
+
_ وده مش تعب عليك ياعبده؟ كده هتشتغل كتير هترتاح امتي؟
+
_ مش مهم ياحنين أنا لسه شباب ولازم اتعب عشان نعيش كويس ولما ربنا يكرمنا بولاد نعرف نربيهم.
ثم ربت علي بطنها بحنان: أنا عايز منك ولاد كتير اوي..
رمقته بحنان واندست بصدره قائلة: المهم يطلعوا زيك ياحبيبي.
وابتعدت متذكرة مهام مطبخها بغتة : يوه، أنا نسيت الهم اللي ورايا عشان العزومة، هنضف فراخ واتبلها وأسلق الكرنب واقطعه وافرزه واحضر خلطة المحاشي وحشوة الجلاش والبشاميل و…
_ حيلك حيلك ايه كل ده؟ وبعدين لسه يومين على العزومة حبيبتي مستعجلة ليه؟
_ ياعبده دي أول عزومة بعد جوازنا لأختي وجوزها وأهلك كمان. عايزة اشرفك وابين اني ست بيت محصلتش ويدوب ابتدي اجهز من دلوقت..
ثم مالت تقبل خده سريعا: معلش بقي ياحبيبي هنشغل عنك شوية وبعدين ارجع اسهر معاك لما اخلص معركتي في المذبخ .
+
لاحقها ودلف خلفها لترمقه بتساؤل: ايه ياعبده عايز حاجة من المطبخ؟
شمر عن ساعديه قائلا: هساعدك مش هسيبك تعملي كل الهم ده لوحدك ماتهونيش عليا..
برقت عيناها بإعجاب ودنت إليه وغمغمت: تعرف ياعبده، دايما كنت احاول اتخيل حياتنا سوا هتبقى ازاي، رسمت في خيالي مواقف كتير.. بس صدقني اللي بشوفه منك ومعاك فاق كل تصوراتي عن عيشتنا سوا.. وشبت تلثم ذقنه برقة: ربنا يخليك ليا يا سيد الرجالة كلها.
+
صرخت تستغيث: بتعمل ايه يا عبده سبني وحياة أبوك مش فاضية ولا ناقصة عطلة.
صاح وهو يحملها عابرا من المطبخ لغرفتهما: أنا كنت داخل مؤدب ومأقلم نفسي اقطع بصل وافرم طماطم.. انتي اللي ادلعتي ونكشتيني، أتحملي بقى.
+
قهقهت بقوة: والله قصدت أشكرك انت ليه نيتك مش تمام كده ياعبده.
نظر إليها بمكر: يعني بذمتك عريس زيي عايزة تفكيرة يروح فين؟
طوقت عنقه بدلال: مش فاهمة، يعني تفكيرك راح لفين؟
مال بوجهه هامسا قربها: هفهمك حالا.
___________
+
توارت عن ضيوفها بحجة صنع كاسات العصير لتقف متألمة وهي تمسك موضع مثانتها علها تهديء ذاك الألم الذي يطرقها بقوة، وإن كان دوار غريب يكتنفها بقوة هو الأخر ولا تقدر على مقاومته، ومع هذا تستميت حنين كي لا تظهر شيء من تعبها أمام عائلة عبد الرحمن وشقيقتها بسمة وأخيها وزوجها.. بقي القليل ويرحلون وتنال راحة.. هكذا صبرت ذاتها وهي تحضر كيس الفاكهة لتخفقه و……
+
وسقطت قبل تفعل.
………
_ حنين مالها يا ماما طمنيني؟
+
أجابت والدته لهفة أبنها بإطلاق " زغرودة" مدوية كانت خير جواب للجميع وأبيه يربت على كتفه بقوة مهنئا: مبروك يا ابني، مراتك حامل.
بينما احتضنه شقيقه: وهبقى عم لابن الغالي مبروك يا عُبد ألف مبروك..
لتتلقفه سلوى: وأنا هبقى عمتو..مليون مبروك.
أما ياسين فقدم تهنئته هو الأخر داعيا السلامة لحنين زوجته..
+
أما هو ذاته كان في عالم أخر لا يصدق.
حنين حامل؟
إذا رؤيته منذ ليلتان كانت حق
جاءته البشرى ولم يفهم
حبيبته وزوجته حامل.
+
_ أنتي متأكدة يا ماما؟ مش يمكن… .
+
قاطعته بثقة من لديها خبرة في مثل هذه الأمور :
عيب يا ابني، لما اقولك مراتك حامل يبقى حامل.
+
تركهم واندفع لغرفة زوجته ليجد بسمة تعانقها وتبكي من شدة الفرح. ثم أفسحت له مجالا بعد أن فاضت بمشاعرها وغادرت لينعمان بفرحتهما كما يحلو لهما..
+
أقترب منها واحتواها على صدره وهي تبكي من فرحتها، ستصبح أما من رجل تعشقه، ستحقق أمنيته التي باح بها منذ أيام قليلة وهو يترقب هذا الخبر.. لم تكن تعلم أن البشري قريبة لهذا الحد، تجاهلت إرهاقها الذي اشتد الساعات الماضية وظنته من توابع تحضير عزومتها الكبيرة.
+
_ فرحان؟
همست بها بأذنيه ليجيب: طبعا فرحان، مش مصدق ان البنت الشقية الرقيقة اللي ملامحها خطفتني من أول ما شوفتها في الجامعة وجريت صارحتها بحبي وخطبتها وحلمت تكون ليا دلوقت، بستقبل دلوقت خبر انها هتكون أم أولادي..
+
ذابت بعناقه أكثر ولم تجد ما تقوله ليخيم عليهما صمت المفاجأة فتسأله بغته: عبده، يادي الكسوف، أحنا سرحنا هنا وسايبين الناس بره.
_ ناس مين يا روحي كلهم مشيوا بعد ما باركولي، ومتأكد ان اختك وجوزها اخدوا سينو ونزلوا.
_ طب هتأكد كده.
ونهضت تتفقد الخارج لم تجد أحدا، فقط ورقة مطوية على الطاولة بداخلها رسالة من بسمة تخط لها ( كنت محتارة امشي واسيبك لوحدك تفرحي مع جوزك بالخبر ده ولا استني اغسلك كوم المواعين بتاع العزومة؟ في الأخر قررت امشي وعارفة أن عبده هيقف يغسلهم زي أي زوج مصري أصيل عرف ان مراته حامل.. مبروك ياحنة.. هشوفك قريب)
+
ضحكت حنين وهي تعطي الورقة لزوجها ليؤگد بقوله: واضح ان اختك بتدبسني بالذوق.
قهقهت ثانيا ليبتسم لها بحنان قائلا: ده فعلا اللي كنت هعمله، انتي تعبتي اوي بقالك كام يوم..
وأجبرها لترقد فوق فراشها وبدأ هو معركته مع الطناجر والصحون لتنتهي بتهشيم طقم أكواب كامل فتصيح وهي تطالع قطع الزجاج المتناثرة أرضا بحصرة:
الله يرحمه طقم الكوبايات الفرنساوي الغالي.. كان ابن حلال ومشرفني مع الضيوف.
_____________
+
_ يعني الدكتور قالك هتولدي طبيعي؟
_ أيوة يا زمزم وخايفة أوي وعمالة اتخيل مشهد فيلم الحفيد و "منى جبر" بتولد وتتعذب في الفيلم.
+
ضحكت وهي تتخيل المشهد معها: وعةو عاصم يبقي زي عبد المنعم مدبولي وطنط دره تبقى كريمة مختار وبتقوله هات حلة مية سخنة.
صاحت عليها بحنق: أنتي بتتريقي؟ طبعا ما انتي ولدتي وارتاحتي خلاص ياختي.
_ طب اسكتي بقى عشان لو جربتي تراعي تؤام مش هتعرفي طعم الراحة..
ثم استعاد صوتها حكمته: عموما ياحبيبتي خوفك طبيعي عشان أول مرة، بس كل أما تخافي افتكري اللحظة اللي هتشيلي بنتك بين ايديكي، ربنا يقومك بالسلامة يارب يا بلي.
_ يارب يا زمزم ادعيلي دايما.
_ بدعيلي والله انتي وجوري وعطر، ماهما هيحصلوكي قريب جدا.
_ ربنا يقوينا كلنا ويقر عيونا بولادنا.
_ اللهم امين حبيبتي.
______
+
بكل الفخر والدعم جلس عاصم ودره ومحمود بين عائلة ظافر يتابعون باهتمام بالغ وترقب شاشة التلفاز و ما تعرضه بين حدودها والمذيعة أو الفنانة الشهيرة تقدم ضيفها بما يليق به قائلة:
+
_حلقتنا الليلة هتكون مع ضيف مميز ومعروف جدا في نطاق مهنته، شاب مصري اجتهد وقدر يحقق حلمه في وقت قياسي ومؤخرا شارك في مسابقة كبيرة بتضم عدد كبير من الطهاه المميزين من بلاد مختلفة وكان هو الفايز بلقب " top chef" ورفع أسم مصر بلده وشرفنا..
+
ثم التفتت له المذيعة الشهيرة ليحتل وجه الضيف الشاشة بوضوح وهي تستطرد: الشيف "ظافر الشباسي".. أهلا بيك في برنامج "صاحبة السعادة"
+
أومأ لها بتهذيب وبريق الثقة يملأ حدقتاه :
أهلا بحضرتك يا مدام إسعاد.
_ نورتنا.
_ ده نورك.
وبدأت تقول وهي تشير لوجه الطاولة العامرة بأصناف انتقاها بعناية: قبل أي حاجة أنا شايفة الأكل بصراحة شكله يجوع، أديني نبذة عن كل صنف.
+
ابتسم ظافر بكياسة وبدأ يشرح مكونات كل طبق ومما استلهمه. لتتذوق الفنانة كل صنف وعلى وجهها استحسان واضح مغمغمة: مزيج نكهات رائع ومدروس.
هتف بلباقة: ودي شهادة أعتز بيها من ذواقة معروفة
_ لا بجد عندك لمسة مختلفة.
ثم نحت الأطباق جانبا وبدأت حديثها المهني:
_ مين سبب شغفك بالطهي وعالم النكهات.
_ جدتي الله يرحمها هي سبب حبي للعالم ده واني امتهن المهنة دي واطورها بدراستي وتجاربي المستمرة والبحث عن كل الجديد فيها.
+
ظل يسترسل مجيبا أسئلتها باستفاضة عن كل ما صادفه حتى وصل لكلمة أخيرة: وللتوضيح لو في أي أزدهار في شغلي ده بدعم ومشاركة صديقي وشريكي في كل شيء " عامر" المطعم والكافية وكل حاجة تقريبا مناصفة بنا واتبنت بتعبنا سوا..
المذيعة بفخر: ماشاء الله تجربة شباب تدعوا للفخر فعلا.." واستطردت" للأسف حلقتنا قربت تخلص وبجد دي من اجمل الحلقات اللي صورتها مع نموذج من الشباب يستحق يكون قدوة.. ودلوقت بقى جه معاد المفاجأة والخبر الحصري لمشاهدين قناتنا
"… ".. تحب تعلنه بنفسك ياشيف؟
_ ياريت.
فأشارت له ليأخذ زاوية ما للكانيرا ويتحدث بأرياحية.
+
حاد ظافر بوجهه إليها وعيناه تلتمع بثقة مع هالة من الوقار الشديد وهو يغمغم: بدايتًا ببعت تحياتي لكل أهلي اللي هما سبب توفيقي بعد ربنا..وصديقي الغالي عامر وكل فانزي اللي بعتز به جدا، واحب اعلن ليكم مفاجأة من خلال برنامج مدام إسعاد وهي إني هقدم برنامج طبخ رئيسي هنا في القناة..يارب اقدر اقدم فيه كل جديد ومفيد ليكم.
+
وانتهت الحلقة لتنهال على ظافر مباركة والدته وشقيقته ومحمود ووالدي بلقيس التي بدورها طالعته بذهول غير مصدقة: ظافر، بجد هتقدم برنامج رئيسي في القناة دي؟
ابتسم لها: أكيد امال بهزر، ما دي المفاجأة اللي كنت محضرهالكم.
والدته بحماس: إلهي يرزقك ويزيدك ويحبب فيك خلقه يا ابني..( لتؤمن إيلاف ثم تصيح) أنا مش مصدقة يا آبيه.. يعني هنشوفك كل يوم في التليفزيون بجد؟
ربت علي رأسها بحنان: أيوة ياحبيبتي.
وواصل: المفاجأة التانية بقى إن أول حلقة ليا هتتذاع بكره لايف.. قبل الضهر بساعة.
+
هنئه الجميع بينما تجعدت ملامح بلقيس بغتة بألم شديد حاولت تجاهله كي لا تفسد فرحتهما لكن الوجع فاض بها لتصرخ باستغاثة هادرة: ألحقني يا ظافر شكلي بولد.
______________
+
صراخها وهي تستغيث به من ألام المخاض شق قلبه نصفان لينقلها على الفور للمشفى وهاهو ينتظر والخوف عليها ينهشه نهشا ووالدته تهدئه بقولها: أهدى يا نور عيني، دلوقت تطمن وتسمع خبر حلو.
+
ظافر بقلق: خايف عليها أوي ياماما، صرختها فجأة طيرت عقلي وأول مرة احس إني مش قادر أساعدها.
_ ياحبيبي مافيش حاجة سهلة، أمال انتم غالين ليه؟ أدعي بس تقوم بالسلامة هي وبنتك.
_ يارب يا أمي يارب.
………
+
يحتوي ارتجافة كتفيها بقوة وهو يهمس لها: يا دره اهدي مش كده، بنتك بتولد وطبيعي تتألم شوية.
هتفت باكية: هتجنن عليها يا عاصم، ياريتني اقدر اتحمل عنها وجعها وتسلم روح أمها من كل آهة.. يارب سلمها هي وبنتها من كل شر.
_ أيوة كده ادعي، دي هانت خلاص وهنسمع صوت حفيدتنا دلوقت بس امسكي نفسك شوية.
+
"مبروك"
+
قالتها الفتاة للتي خرجت عليهم تبشرهم بولادة بلقيس، ليتمتموا جميعهم بالحمد بينما هتف ظافر بلهفة: ومراتي عاملة ايه؟
ابتسمت له: كويسة جدا، شوية وتقدروا تدخلوا تشوفوها هي والبيبي.
………… .
برفق شديد رفع رأسها إليه لتُشرق شمسيها بوهن وعيناه يتلقى ضيائها هامسا: كنت هتتجنن عليكي وانتي بتتألمي يا بلقيس..أنا ممكن دلوقت أقرر انك متخلفيش تاني عشان ماتتعبيش بالشكل ده.. صرختك كانت سكينة في قلبي.
+
ومال عليها يلثم جبينها مطولا لتبتسم له وتحتضن وجهه بين راحتيها قائلة: متخافش عليا ياحبيبي انا بخير، وكله يهون عشان خاطر بنتنا..
ثم تلفتت حولها تبحث عنها ليغمغم: بيحضروها ويلبسوها هدومها وجايين.. والباقين بيتفرجوا على بنتي وهي بلبوصة خالص شبه السحلية.
+
ضحكت بضعف واضح وقالت: هقولها انك قلت عليها كده.. ثم عصفت بحنان طاغي: عايزة اشوفها ياظافر روح هاتها عشان خاطري عشان أحضنها وأشم ريحتها..
عانقها برفق وقبل جانب عنقها وقال: مادام اطمنت عليكي هروح اجيبها، أنا كمان مالحقتش اشوفها.
…………
+
ارتعشت ذراعي بلقيس من فرط خوفها وهي تحمل ابنتها بهذا الصغر، انحنت تقبل رأسها بحرص وأغمضت عيناها تعتصر دمعة الفرح التي زحفت من وجهها لوجه صغيرتها.. لا تصدق انها الآن تضمها لصدرها.. تشم عبقها.. عبق بنكهة أمان مذاقه جديد على شفتيها وطفلتهما تربطها بحصنها أكثر وأكثر .. قلبها يدق برفق كأنه يخاف إزعاج الصغيرة بين ضلوعها..
+
_هتسموها ايه يا آبيه؟
+
برقت عين ظافر وهو ينظر لطفلته بحب لو فاض على الكون كله لكفاه هاتفا بحنان ليعلن لهم اختياره:
+
لارين.
_________
+
"بما إن دي أول حلقة ليا معاكم في برنامجي، أحب أشارك مشاهديني الكرام فرحتي الكبيرة.. أنهاردة يوم مميز جدا بالنسبالي مش بس لأنه أول لقاء بنا.. لأ.. لأن انهاردة اتولدت بنتي الأولى " لارين"..ولئنها لما تكبر بأذن الله هتشوف الحلقة دي.. حابب ابتدي معاكم بقالب تورته بهديه لبنتي اللي نورت حياتي.
+
عشرات المكالمات انهالت عليه من متابعيه تهنئه له ببرنامجه وطفلته ليمر الوقت سريعا وظافر يصنع أجمل قالب كعك مزين بأسم "ملكة أبيها"
لارين.
_________
لارين يا بابِ كعبة يطوفه حولها الطائفين.
لارين يا ملكة أبيكِ يا آسرة الناظرين.
لارين يا حبيبتي وكَنز العمر ونصري المبين.
لارين يا زهرة البرتقال وطوق الياسمين.
ظافرُ أنا حين قبلتُ بوجهك هذا الخد وذاك الجبين.
___________
تكملة الرواية من هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا